قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل الخامس

رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل الخامس

رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل الخامس

(رنا)
اتمنى ان امتلك عصا سحرية تعيدني 3سنوات الى الوراء، ليس لأغير شيء. بل ليتملكني شعور السعادة ذاته، تلك السعادة البريئة، الشعور النقي الخالي من الشوائب، اكره تلك الثكلى التي تسكن روحي الان. تلك الحمقاء التي تعبر عن احزانها بضحكة لتكسرني اكثر!

خرجت من المطبخ بأبتسامة دافئة وانا ادعو الرب بكل جوارحي ان يتمكن رسلان من حل الخلاف كي ارى ولو لمرة واحدة اشراقة السعادة تلك وسط عيون لوجين الذابلة، ولكن ابتسامتي ماتت تدريجياً وانا المحه يقف وسط الردهة وحيداً، بعيداَ عن اعين الجميع، يدخن سيجارته المعتادة عند غضبه، هذا الاحمق! لم يكمل ال23 بعد ولكنه يدخن كعجوز مدمن في السبعين!

فور رؤيته لي احدق به انفرج حاجبيه من تلاحمهما وارتخت معالم وجهه المقتضبة واطفئ سيجارته فوراً، اطفاء سيجارته كانت كدعوة غير مباشرة يطلب بها اقترابي دائماً فهو يعلم اني اعاني من الربو والدخان سيؤذيني. لذلك حين يطفئها وكأنه لايترك لي عذر للابتعاد!
اخذت نفساً عميقاً اشحن نفسي بطاقة ضائعة واقتربت منه بخطوات ادعّي انها ثابتة.
- مرحباً رنا!
- اهلاً. يزن!

تنحنح قليلاً ليجلي صوته المرتبك واكمل: - لم ابارك لكِ على قبولك في الجامعة!
- لست مضطر، اعني، الامر لايهم على اية حال!
لا اعلم لما دائماً يمتلك تلك النظرة في عينيه عندما نلتقي. وكأنه على وشك البكاء في اي لحظة. وكأنه سينهار قريباً.
ولكنه لايفعل. وانا في كل مرة اتمنى لو انه يفعل. لو انه يقول مدى ندمه لفراقي، علّه بهذا يلملم اجزاء كرامتي المبعثرة ويحقن غرور انوثتي ببعض الامل، ولكنه لا يفعل!
- مبارك لكِ!

بالكاد تمكنت من رسم ابتسامة مرتجفة فوق وجهي وانا اومئ له بصمت. فجأة اخرج شيء ما من جيبه ومد يده نحو شعري ليغرزه هناك، نبض قلبي. لا. بل رفس صدري بقوة. شعور يده الدافئة القريبة من وجهي جعلني على وشك فقدان الوعي قريباً!
انزل يده فرفعت يدي فوراً لأتلمس ذاك المشبك يرفع بها خصلة شعري الجانبية. تبسم فوراً وهو يقول:
- اتمنى ان يعجبكِ!

انزلت يدي بهدوء ورغم لهفتي وسعادتي ولكن هناك دموع في مقلتاي اصارع بشراسة لأبقائها هناك. ولكن لم املك القدرة على مواجهة غيرتي واخفائها وانا اقول له بأقتضاب:
- أمتأكد انك احضرته من اجلي؟
وهنا غزت بعض خيبة الامل عينيه ولكنه اغتالها وقال لي بحسم:
- اجل.
نزعت المشبك من شعري ومددته نحوه وانا اقول:
- اخبرتك مرات كثيرة يا يزن، انا لن اكون العشيقة الساذجة التي تلتجأ لها في وحدتك!

انزل بصره نحو يدي لتتغير نظرته فوراً الى الحدة ثم نظر إلى وهو يقول بأمتعاض:
- تعلمين انكِ لستِ كذلك!
- وتعلم اني لن اكون اكثر من ذلك!
رفع زاوية فمه بأبتسامة اعلم انه جيداً انه تصنعها كي يستفزني وقال: - اجل. لن تكوني، ولكن هذا لن يمنع ان اقدم لكِ هدية بمناسبة نجاحك، كصديقة!
عصرت المشبك داخل يدي بقوة لدرجة شعرت انه سينغرز فيها. ولكن لم ابالي. كززت على اسناني بغيظ وانا اتمتم بحدة: - انت وغد!

اقترب مني بذات ابتسامته وهمس في اذني: - ولكنك تعشقين هذا ال وغد يا رنا!
اغمضت عيناي بألم. فهو محق، امر لايمكنني الاعتراف به بصراحة ولايمكنني انكاره!
اكمل وانا استشعر مدى الالم يختلج نبرته: - اياكِ وان تكفي عن حبي. سأموت حينها!
همست بدوري من دون ان ابتعد عن قربه: - انت اناني!
- اعلم!
- وانا اكرهك!
مد يده بهدوء وسحب المشبك من يدي واعاده لشعري وهو يقول بأبتسامة: - اعلم انكِ لستِ كذلك!

نظر داخل عيناي بعطف وهو يقول: - اتمنى لو كان الامر بيدي!
رفعت زاوية فمي انا هذه المرة بأبتسامة ساخرة وقلت له احاول اخفاء حزني: - حتى وان كان بيدك، انا لم اعد رنا ذاتها، لقد تغيرت يا يزن. لست تلك البلهاء التي تراقبك من زاوية الغرفة وتجفل ما ان تلاحظها...
اقتربت منه خطوة وانا اغتال ابتسامتي لأكمل بحدة: - لن اكون عديمة الكرامة يا يزن ولن انتظر فُتات اهتمامك، هناك بالتأكيد من سيستحقني اكثر منك!

امسكني من عضدي بقوة كاد ان يكسر عظمي بين يديه وقال بغضب: - لن تجرؤي!
سحبت يدي بعنف ولكني فشلت وبقيت بين اصابعه القوية فأكملت من غير ان ابالي بألمي:
- بل سأفعل وسترى!
- يزن؟

اخترقنا صوت ابيه فدفعه هذا لسحب يده بسرعة ونظر لابيه الواقف خلفنا. اما انا فلم اجرؤ بادئ الامر. احتاج لبعض الشجاعة! اخذت انفاسي بهدوء والتفت مدعية عدم المبالاة. تقابلت عيناي الباردة بعينيه الحادة والثاقبة وهو يكاد يطحنني بين اسنانه من الغضب. فقلت له ببرود اشد:
- مرحباً سيد خليل!
عصر قبضته بقوة وقال وهو يلتقط انفاسه بصعوبة من شدة غضبه:
- يزن. سنرحل!
- حاضر ابي!

جبان غبي! اظنه فهم الشتيمة التي اطلقتها عليه عندما منحته نظرة الاحتقار والازدراء تلك بطرف عيني قبل ان يمر من جانبي بخضوع تام لأبيه منكس رأسه وتبع ابيه بصمت وهدوء!
اغمضت عيناي بألم واطلقت انفاسي بحدة، يا ليت كان بأمكاننا التحكم بمشاعرنا فقط. لكان كل شيء بخير!
اعدت تماسكي جبراً وانا اشاهد رسلان يخرج من المطبخ لاتجه انا الى هناك كي اجد لوجين تجلس هناك تبتسم من وسط دموعها...

- احم احم. انسة جولييت فقدت عقلها والحمدلله!
قلتها بضحكة بينما ادلف للمطبخ. وما اصعب الضحكة وسط جحيم مجبورين ان نتعايشه بصمت وسرية!
التفت إلى لوجين بحماس وهي تضحك وتكفكف دموعها وتقول بينما تريني معصمها حيث اسورتها قد زينته من جديد:
- انظري ماذا اعاد رسلان لي!
قلت بتفاجئ بينما اسحب معصمها لأتأكد مما ارى:
- هل كان لديه طوال الوقت؟
- لقد كان مكسوراً وقد اصلحه من اجلي!
غمزت لها بمكر بينما اجيبها:.

- يا عيني يا عيني، هناك من واقع بالغرام غيرك!
توردت وجنيتها بخجل وهي تأخذ نفساً عميقاَ بينما ترتسخ يدها فوق قلبها وكأنها تحافظ عليه وسط ضلوعها وان لايسقط منها من شدة السعادة بينما تقول:
- اتمنى هذا بشدة، اتمنى هذا بكل جوارحي!
تبسمت لسعادتها ودعوت سراً ان تستمر. فرسلان دائماً ما يمنحها شعور مماثل قبل ان يشعرها بالخذلان، وشعوري لم يخب كالعادة مع الاسف!

(لوجين)
احياناً السعادة تغمرنا بسبب اشياء تافهة لاتستحق. تفاصيل صغيرة لا تذكر، لكنها تغمرنا ببساطة لأنها تصدر ممن نحب. من اشخاص نهتم بهم بشدة. ولكني اتسائل. هل تفرحهم تفاصيلنا كما تفرحنا تفاصيلهم؟!
استيقظت على نور الشمس يتسلل من خلف ستار غرفتي ليزعج عيناي من رقودهما، استيقظت ولا تزال الابتسامة عالقة فوق ثغري منذ البارحة، بل شككت حتى انها لم تفارق وجهي من الاساس حتى اثناء نومي!

رفعت يدي نحو الاعلى وانا الا ازال غاطسة في فراشي الوثير وامعنت النظر في معصمي الايمن، اسورتي موجودة حيث البسني اياها رسلان، اذاً كان الامر حقيقة وليس مجرد حلم وردي عابر!
قفزت كالمجنونة من فراشي واتجهت من فوري نحو الحمام المجاور لغرفتي كي اغسل وجهي وانظف اسناني. لا بالتأكيد ليس من اجل ان انزل كي اتناول الفطور، بل لكي اخرج!

عدت نحو غرفتي. فتحت خزانتي واخرجت اجمل ما املك من فساتين وبالطبع اطولهن! رتبت نفسي. مشطت شعري وربطته كذيل الفرس. تماماً كما يحبه رسلان في طفولتنا! انهيت كل شيء مع لمساتي الاخيرة ونزلت بخطوات سريعة فوق السلم الى ان اوصلني صوت امي الموبخ لي:
- انزلي مثل الخلق. ستنكسرين في يوم لترتاحي وتتركي هذا الركض فوق السلم!

ابطأت خطواتي فوراً، لا اعرف ما بال الجميع يروني مختلفة عن الخلق في كل شيء! ألا يوجد خلق ينزلون من السلم راكضين؟ حسناً اراهن ان اغلبكم يفعل ذلك. ولكن حين افعل انا ذلك اصبح غريبة الاطوار، ولكن لا يهم، ما بي من سعاة اقوى ان يعكر اي شي لي مزاجي!

دلفت الى المطبخ ومنحت امي قبلة سريعة على قمة رأسها بينما تجلس على طاولة المطبخ تنظف الرز في صينيته المعدنية وتخرج تلك الاوساخ التي تتخلله بينما تستمع الى فيروز التي تصر انها لحبيبها وحبيبها لها!
- صباح الخير يا اجمل ام في الدنيا!
- صباح الخير يا من ستسبب لي ازمة قلبية ذات يوم!
ضحكت بمرح بينما اقول:
- لا سامح الله. لما كل هذا الهجوم يا سهير؟
- يا فتاة متى ستتصرفين كأمرأة ناضجة ورصينة؟

فقلت مدعية كامل الجدية:
- يا اماه اقسم لكِ اني احاول، ولكن كمية الجنون المتوفرة في عقلي لا تسمح لي بذلك!
نظرت إلى ومطت شفتيها بضيق بينما تقول:
- اسخري اسخري!.
ضحكت بصورة اشد بينما اتجه نحو الثلاجة واقول بعدم مبالاة:
- يا امي دعيني استمتع بشبابي ولا تجعليني اتصرف اكبر من عمري بمراحل. ان لم اتصرف بجنون وعفوية الان فمتى سأفعل؟! بعمر السبعين؟

فتحت الثلاجة اقلب بصري في ارجائها اتأكد من عدم وجود الشيء المطلوب. وما ان فعلت حتى شعرت برضا انتصاري وانا اقول:
- امي، أليس لدينا تفاح؟
- بل يوجد. انه في السلة على المغسلة. غسلته ونسيته هناك!
تباً، تلاشى رضا انتصاري. كنت سأستخدمه ذريعة كي اذهب لرؤية ذلك الاحمق!
- اعني. كنت اقصد موز!
نظرت إلى امي بنظرة ذات معنى وابتسامة ماكرة وهي تقول:
- هل يتشابه الموز والتفاح في الاسم لهذا الحد ولم تعودي تميزي بينهما؟

وقبل ان اجيبها اكملت بينما تعيد خفض بصرها نحو الصينية:
- على اية حال الموز قرب التفاح. لقد خرجت للتسوق قبل قليل!
خرجت ل ماذا؟، تسوق؟ حسناً ربما لم تفهموني، امي خرجت للتسوق. أتعلمون معنى هذا؟ معناه انها احضرت السوق بأكمله هنا ومن المستحيل ان اجد اي نقص لأتعذر به واخرج لرؤية رسلان!
حدقت بوجهها قليلاً ثم ختمت الامر وجعلته غير قابل للنقاش:
- امي انا احتاج لبعض الاشياء من السوق. هل يمكنني الخروج؟

نظرت إلى بأستغراب وهي تقول:
- منذ هذا الصباح الباكر؟
- امي اي صباح؟ انها التاسعة والنصف.
- وهل هي ظهيرة؟
- اعني انه ليس باكر جداً!
- انتظري حضور رنا لتخرجا سوية!
- امي المكان ليس بعيد كثيراً!
مطت شفتيها وقالت بأستسلام:
- متأكدة؟
- اكثر مما انا متأكدة اني اتحدث اليك الان!
ضحكت وهي تعود لتنظيف الرز وتقول:
- حسناً حسناً اذهبي!

وكأني عدائة في سباق المئة متر وسمعت صوت مسدس الانطلاق. تسراعت خطواتي في السير قبل ان تغير امي رأيها!
- لوجين؟
تباً للحظ السيء! مددت رأسي بتوجس وتردد من باب المطبخ اخشى انها غيرت رأيها وقلت بخفوت:
- اجل امي؟.
- هل ستخرجين هكذا؟
نظرت بعدم فهم الى ملابسي معتقدة انها تعنيهم وقلت لها:
- هل بهما شيء؟
- كنت اعني المال. هل ستخرجين من دونه؟.

طرفت عدة مرات بعيناي لا افهم سبب ارتباط المال بخروجي ثم وبعد ثواني تذكرت كذبتي فقلت فوراً:
- اوه اجل اجل، لقد نسيت!
كتمت امي ابتسامتها بصعوبة وهي تخرج لي المال من حقيبتها اليدوية وتناولني اياهم. ربما على التحضر جيداً للكذب من الان فصاعداً قبل ان اخوض مضماره!
خرجت من المنزل وسرت مثل ال، حسناً انتم تعرفون!

لا اعلم كالعادة كم استغرقني الطريق. ربما هو ثواني. وربما هو دقائق، ما اعلمه هو ما اعلمه بالمعتاد. اني اخرج من منزلي وها انا ذا اقف امام متجرهم. كيف انقضى طريقي؟ بالتأكيد انقضى لا يشغلني شاغل سواه!

اخذت نفساً عميقاً لأشحن نفسي بطاقة ادرك جيداً ان عيناه ستفقدني اياها! انتظرت الزبونة التي قبلي ان تنهي طلبيتها قبل ان اتقدم بخطوات مترددة نحوه، غصت داخل عيناه الزمردية، اضاعتني نظراته الحادة. افقدني حاجبيه المقترنان سيطرتي على حروفي.
- م. مرحباً!
اجابني بأختصار وبرود:
- اهلاً!
ما يملكه هذا الشاب من برود يكفي لتغذية القطب الشمالي وليس الجنوبي حتى!
- تفضلي؟

حثني على الكلام عندما طال صمتي وتحديقي كالبلهاء في عينيه ولكن قبل ان ترد حروفي قاطعتني حروف اخرى:
- يا اهلاً بالدكتورة!
نظرت بهلع غبي نحو العم ايمن الذي لا اعرف منذ متى اصبح خلف رسلان وقلت له بأرتباك:
- اهلاً. اهلاً عم ايمن!
- كيف هي احوالك صغيرتي؟
- بخير. اشكرك. شكراً لك!

واكتنفنا الصمت نحن الثلاثة احدنا يحدق بوجه الاخر. او بشكل اكثر دقة كلاهما كانا يحدقان بوجهي وانا احدق بوجههما، التفت العم ايمن نحو رسلان بعد ان وجدنا كأصنام قريش وقال له:
- يا ولدي ما بالك تقف هكذا؟ لما لا تحضر لها طلبيتها؟
فقال رسلان بسخرية ممزوجة بنفاذ صبر:
- أليس من المفترض ان تطلب اولاً لأعرف ماذا اضع لها؟

هل وجهي احمر؟ لا، انه ازرق. انه بنفسجي. انه بركان منفجر من الاحراج وكلاهما يحدقان بوجهي. لما لا تنطقي بأي شيء يا بلهاء؟
- التفاح، اريد كيلو من التفاح!
قطب العم ايمن حاجبيه باستغراب وهو يقول بمزاح:
- ما شاء الله. هل نفذ ما لديكم بهذه السرعة!

قلبت بصري بعدم فهم ما بين وجه العم ايمن الضاحك ورسلان الذي يحاول اخفاء ضحكته ليبدأ عقلي الساذج بأدراك الحماقة الذي ارتكبها واتذكر ان امي تسوقت التفاح قبل قليل! فجأة شعرت بالحرارة تتصاعد الى وجهي والملابس فجأة اصبحت فضفاضة علي. كل شيء في هذا العالم يكبر وانا اصغر اكثر واكثر، يا ليتني لم استيقظ. يا ليتني لم اشتاق لرؤياه، يا ليتني لم اتحامق واتعذر بألف عذر واهي لأراه!

بقيت شفتاي تتأتأ بحروف عابثة لا افهم حتى انا معناها. رحم العم ايمن الاحراج الذي وقعت فيه وقال لرسلان:
- يا بني اعطيها التفاح لربما سيزورهم ضيوف او ما شابه!
لم اعلق بشيء، صوتي اختفى فجأة. انا اعرف جيداً انهما قد ادركا كذبتي فلا داعي ان اكون بمنظر سخيف اكثر من هذا!
- أمن اجل التفاح فقط اتيتي؟.
رفعت بصري الذي اخفضته بعد رحيل العم ايمن على جملة رسلان الحازمة. اجبته بتلعثم:
- اجل. وماذا غيره!

نظر إلى نظرة خاطفة مقتضبة قبل ان يعيد ابصاره نحو الكيس ليكمل وضع التفاح ثم نظر إلى وسلمني الكيس قائلاً بضجر:
- لاتنتهزي اسخف الفرص فقط كي تخرجي من المنزل، كوني اكثر نضجاً من هذا!

هل قلت لكم ان وجهي تحول للبنفسجي قبل قليل؟ حسناً الان اختفت كل الالوان منه، هذا الشاب الذي امامي يناقض الذي قابلته في الامس. هناك احتمالين من الاستحالة ان يقبلا بثالث. اما ان هذا الشاب يعاني من انفصام شخصية حاد. او انه يمتلك توأم. احدهما طيب والاخر حقير، من المستحيل ان يكون هناك اي تخمين ثالث منطقي لحالته هذه!

سحبت الكيس من يده ووضعت المال على المنضدة بعصبية وانا اقول بينما انتظر ان يعيد الباقي من الاموال:
- لست اتعذر بالخروج. اتيت من اجل التفاح فقط!
- كان بأمكانك انتظار رنا لتخرجي برفقتها بدل القدوم وحدك. فبالتأكيد لستم مستعجلين عليه بهذا القدر.
- وما المشكلة من الخروج وحدي؟
- الامر ليس لائقاً لشابة بعمرك ان تخرج كل نصف ساعة من المنزل. انتِ لم تعودي طفلة!

- انا لا اخرج ألا اذا احتاجو لشيء. كف عن انتهاز اي فرصة لأنتقادي!
فأجاب بعصبية اشد:
- انا لست احاول انتقادك فقط انا اقول لك ان تصرفك خاطئ.
- مرحباً!
هل قلت لكم مسبقاً ان الالوان اختفت من وجهي؟ حسناً. الان عاد اليها اللون الاحمر. وبشدة ايضاً!

التفت بأكثر عيون جحيمية حادة امتلكها نحو تلك النبرة الخجولة الهادئة التي تجعلني ارغب بأفتراسها وقتلها، حسناً لقد اصبحت جاك السفاح اكثر من اللازم! ولكني بالفعل لا اطيقها، انا اكرهها بشدة!
- اهلاً. سهى!

بالكاد اخرجت كلماتي لأرد تحيتها، سهى ذات ال20 عاماً تكون صديقة طفولتنا ايضاً، اجمل وارق فتاة في المنطقة. ذات بشرة حليبية وعيون عسلية تؤطرهما رموش كثيفة وشعر اشقر طويل وناعم، احياناً اشك بأن الجيش الانجليزي قد نساها في العراق ولم تكبر ألا الان! هل قدمت لكم ما يكفي من الصفات لأبرر سبب كرهي؟ حسناً. ستعرفون لماذا اكرهها!
- كيف حالك عزيزتي لوجين؟
اجبتها يأختصار واقتضاب:
- بخير!
- لم نراك منذ مدة!

- كما تعلمين كنت مشغولة بالامتحانات!
فقالت مع ابتسامة غريبة تمنحها لرسلان بينما تقدم له المال:
- ولكن الامتحانات لم تمنعك من القدوم لمحل رسلان يومياً!

ليبتسم لها ذلك المعتوه بأبتسامة لم افهمها ايضاً. لحظة، هل هذه غيرة؟ هل تحاول ان تلمح لغيرتها عليه وهو يبتسم؟ لا. انا عاشقة، وعندما اغار من سهى من الاستحالة ان اتمكن من الابتسام في لحظة غيرتي. كما يحصل الان بالضبط. رغم لطفها معي ألا اني لم اتمكن حتى من المجاملة!
نظرت لها لأجيبها بحدة:
- اولاً هذا محل السيد ايمن وليس محل رسلان وثانياً انا لا اتي لالهو انما لأحضر طلبيات امي فقط!

فقالت فوراً بأحراج وعيناها تستغرب ردة فعلي الغير ملائمة للموقف:
- اسفة عزيزتي لم اقصد. اقسم لك اني كنت امزح!
- انا لا احب هذا النوع من المزاح!
- تفضلي يا سهى بماذا اخدمك؟
قاطع رسلان شجارنا الذي احاول انا اختلاقه كي اطفئ نار غيرتي فتجاهلتني تلك البلهاء ونظرت اليه قائلة بصوتها الناعم الذي امقته:
- بعض البرتقال لو سمحت!
التفت رسلان نحوي وهو يقول:
- ثواني وسأحضر لكِ باقي الاموال من الداخل!

تجاهلت اجابته وانا اعقد يداي امام صدري واجهم وجهي من دون ارادة مني وانا اراقب حراكتهما، من الجيد انه لا يمتلك الفكة الان ومجبر ان يحضرها من عند ابيه كي اتمكن من مراقبتهما لحين رحيل هذه الشقراء البلهاء!
- رسلان؟
لما عليها ان تتأنث اكثر من اللازم حين تلفظ اسمه؟ رفع بصره اليها فقالت:
- كيف حالك؟

قالت جملتها مع وجنتين متوردتين خجلاً. ووجنتاي انا تشتعل غضباً. بالله عليكِ؟ هل تريد هذه الحمقاء استفزازي ام ماذا؟
تبسم ذلك المستفز الاخر وهو يجيبها:
- انا بخير كما ترين!
- لا، اعني. كيف حالك؟
توسعت ابتسامة ذلك الاحمق اكثر. تلك الابتسامة التي يمنحها للجميع عداي! قال بينما يحافظ على ابتسامته:
- اهااا، بخير. ولكن مصاب ببعض الزكام!

الزكام؟ اين هو هذا الزكام بالضبط؟ فها هو امامي بقوة مئة حصان، لحظة. هل يتحدثان بالالغاز؟ اقسم بالله ان كانت كذلك فأني.
- سلامتك!
قطعت على افكاري الشيطانية سهى بنبرتها الناعمة الممزوجة بالانكسار، اظن اني سأتقيئ من رقتها المبالغ بها هذه!
- ياعيني ياعيني ما كل هذا الاهتمام؟ يا لي من شاب محظوظ بالفعل!
ضحكت بخفة وميوعة جعلتني اكز على اسناني بقوة لأفرغ شحنات توتري بدل ان اطحنهما هما تحت اسناني!

حسناً طفح الكيل، انا حقاً اود قتلهما الان. انا لا امزح! اريد افتعال اي شجار الان لأخمد نار غيرتي التي تقتلني. ولكن أتعلمون ما اوقفني؟ قلادتها!
ناولها كيس البرتقال فتبسمت وهي تأخذه منه بينما تضع يدها على عنقها لتلامس قلادتها بطريقة جذبت انتباهي وهي تقول له:
- وبالمناسبة. شكراً على الهدية!
- حسناً. حسب اعتقادي. انا حقاً سعيد انها اعجبتكِ!

في الماضي كنت استهزأ بالافلام حين اشاهدهم يسقطون الصحون من دون ارادة منهم عندما يتلقون خبر صادم. كنت اقول ان هذا الامر مبالغ فيه. هم يمسكونها جيداً فما دخل ايديهم بالخبر؟! هل اصيبو بالشلل مثلاً؟ هل اصبحت الصحون ثقيلة فجأة؟ انهم يتعمدون افلاتها، يا للمخرج الساذج!

لم اظن ان الامر قابل للحصول. لم اظن ان بعض الصدمات تجعل عقلنا ينفصل عن جسدنا ويمنع وصول الاوامر اليه. لترتخي عضلاتنا، لتتثاقل انفاسنا. ليدور كل شيء من حولنا بالحركة البطيئة!

ارتخت اصابعي وخرجت عن حدود سيطرتي لينساب الكيس من بينهما بهدوء فور رحيل سهى والتفت بعيوني الدامعة نحو رسلان الذي نظر إلى بأستغراب فور سقوط الكيس. وكانت دموعي المكتومة في مقلتاي كافية لتجعل ملامحه المنقبضة ترتخي فوراً وهو يحدق بعدم فهم بي...

هل هذه هي نهايتي معه؟ هل عليه ان يخبرني انه على علاقة مع سهى بهذه الطريقة؟ بهذه البساطة؟ ألم يهتم ولو قليلاً بماذا سأشعر ان رأيتهما هكذا؟ ام انه من البداية لم يلاحظ حبي وهوسي المجنون به؟ ام انه لاحظ ولم يهتم؟

لطالما رأيتهما في مناسبات المنطقة ينعزلان عن الجميع في ركن منفرد بهما. يتحدثان احياناً بهدوء وابتسامة. واحياناً اخرى تتحدث سهى بأنفعال ويحاول هو جعلها تهدأ، لطالما كانت تلتجأ لرسلان حين تحتاج اي شيء وابسط شيء ولا تتحدث مطلقاً مع غيره بل ودائماً ما كانت تعامل الشباب برسمية تامة. عداه هو! والان تلك القلادة التي تطوق عنقها منه، هل هذه اسباب كافية لأتقبل حقيقة انه يحبها هي وليس انا؟

عجزت عن التنفس في لحظتها. عجزت عن قول اي شيء. بداخلي بركان اعجز عن تحمله! امتلأت مقلتاي بالدموع وشوشت على رؤية رسلان بوضوح. وقعت دمعة واحدة ثقيلة كادت ان تسقطني معها وانا احدق بملامحه المندهشة، بشفتاه التي تتمتم حروف اسمي. ولكن صوته لم يجرؤ على الخروج، تراجعت قدماي بضع خطوات نحو الخلف متجاهلة التفاح المنثور وبقية الاموال، تراجعت بخطوات ضعيفة ثم استدرت ووليت هاربة. ولكني لم اركض. ليس لأني اطيع اوامره السخيفة. بل لأن جسدي لايملك القوة الكافية في هذه اللحظة ليركض، او حتى ليعيش، انا فقط اموت ببطئ شديد!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة