رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل الحادي عشر
وقف حامد مصدوم مما يرى، فغرفة المكتب خاليه تمامآ، فحدث نفسه متعجبآ
كيف ده، أني شايف أبوي بعيني وهو داخل إهنه، طب راح فين؟!
دخل وأخذ يوزع نظراته في أرجاء الغرفه أكثر من مرة ثم كاد أن يخرج إعتقاداً منه أن والده قد يكون خرج دون أن يراه؛ لكن فجأه لاحظ الإطار الذي إشتراه والده بطول الجدار، وكأنه غير ملتصق تماماً بالحائط، ليس ظاهراً تماماً لكن شعر بالشك فيه؛ فاقترب منه وبالفعل أمسكه، وصدم عندما وجده باب، فتحه بحذر، وسمع صوت أبيه على بعد بسيط، مشى بهدوء تام في ممر قصير أوصله أمام غرفه صغيرة، اختبأ ليشاهد ما يحدث، وجد علوان يجلس ويضع قدم فوق الأخرى، وبيده سيجار ينفث دخانه في وجه رجل مقيد، وملقى أسفل قدمه ويبدو على وجهه أثار التعذيب، فانتفض قلب حامد حزناً عندما رأه، وتذكر وردته وهى ملقاة غارقه في دمائها بسبب هذا الوحش البشري المسمى بعلوان.
قرر أن يدخل ينقذ هذا المسكين من بين براثن والده؛ لكنه توقف مع سماع صوت علوان يتحدث بغضب.
علوان: بقى يا كلب، بتبيع أسيادك، ورحت تبلغ اللي هيشتري البضاعه بمكانها علشان يسرقها، ويضيع علينا ملاين؟!
أنهى كلامه مع صفعه قويه لهذا الرجل جعلت وجهه عند حذاء علوان؛ فأمسكه بيد مرتعشه، وأخذ يقبله بقوة وهو يقول.
عزوز: أبوس رجلك يا بيه، ارحمني أني كلب وغلط بس مهتتكررش تاني.
أبعد علوان قدمه وانحنى قليلاً منه ثم قال وهو يجز على أسنانه: إنت عارف ثمن الحشيش ده كام يابن ال*****، دي تشتري عشر عيلات من عيلتك، وانت قولتها على نفسك كلب وغلط، يعني لازم تدفع ثمن غلطك، وانت ملاكش ديه.
الراجل الكبير كان عايزك بنفسه، بس أني قولتله انك صرصار متستهلش جزمة سعادته تفعصك.
ثم اعتدل في جلسته، وأشار لأحد رجاله المقيمين في هذه الغرفه السريه، لا يخرجون منها إلا ليلاً وبأوامر منه فقط، فاقترب منه وأعطاه سلاح؛ فنظر عزوز بذعر، لكن قبل أن يطلق علوان الرصاصه، استمع لصوت ينادي عليه؛ فنظر سريعاً نحو باب الغرفه، رأى حامد أمام الغرفه يقف ببرود ظاهري فقط، ثم دلف للداخل بخطى ثابته دون أن ينظر للرجل الملقى أرضاً.
وقف علوان بصدمه، فهو لم يكن يريد حامد يعلم شيئاً عن عمله هذا الأن كان يتمنى أن يكون معه لكن كان ينوي التمهيد له، أو توريطه معه بأي شكل كي لا يعترض، فهو الأن لا يضمن ردة فعله.
انتفض علوان واقفاً وتحدث بتوتر: حامد ولدي، دخلت إهنه كيف، وسمعت إيه؟!
نظر له بتهكم وهتف: دخلت كيف ما انت دخلت يابوي الإنسان مهما خد باله، لازمن يغلط غلطه زي مانت مخدتش بالك من الباب ومقفلتوش زين وراك.
رسم ملامح التأثر، والحزن على وجهه وأكمل حديثه وأني دلوك سمعت كل حاجه قولتها، بس ليه إكده يابوي؟
وقف علوان لا يعلم ماذا يقول، فهو يظهر قسوته لحامد دائمآ لكن لم يشاركه سره أبداً.
زفر علوان بحده، وكاد أن ينطق مدافعاً؛ لكن باغته حامد بقوله: كنت فاكرك بتوثق فيا أكتر من إكده، بالذات لما طلبت منيك تخليني دراعك اليمين، مش تخبي عليا شغلك، بس ليه الحشيش، والقرف ده، لو على المكسب الأثار تكسب أكثر؟
هز علوان رأسه نافياً: لا ممكن أبداً اتاجر بأثار بلدي، أني بس بشوف مزاج الناس الشقيانه، اللي بدها تهروب من قرفها، بجيبلهم اللي يريحهم غلطنا إياك؟ هما إكده ولا إكده بينا أو من غيرنا هيجبوه صوح؟
هز حامد رأسه باقتناع: عنديك حق يابوي، مع إنها شغلانه خطيره وواعره قوي، بس أني حابب أتعلمها، وأهو أكون ولدك صوح بحق وحقيق، عايز يكون عندي فلوس كتير، واعمل بيها اللي بيقولوا عليه أسمه ايه ده أيوه مول وفيه محلات كتيير، هيكون أول مول في بلدنا إهنه بس عايز سيوله كبيرة، وهيجيب ذهب
نظر له بتعجب، غير مصدق لما يتفوه به ولده، لكن هذا ما أراده طيلة حياته أن يشرك ولده في تفاصيل حياته فسأله للتأكيد: إنت عايز تشتغل معايا يا حامد!، يعني مش هتقف قصادي، وترفض؟!
حامد: شوف يا بوي، الشغل ده أكيد مكانش على بالي، ولا كنت هفكر فيه عمري، بس إنت أبوي وعمري ما أقدر أضرك، وأني حسيت بغلطي في حقك علشان كنت بعيد عنيك الأول، بس انت قدرت تفوقني لنفسي، والحقني قبل ما أغرق، أني عايز أكون سندك في كل حاجه، وأهو أحقق حلمي أني كومان علشان لما ملك تجيب الوريث يبقى مستقبله متأمن،ووقتها يكون خال ولدي ضابط قد الدنيا ميقدرش يضرنا علشان خيته روحها في يدنا زي ما انت حسبتها بالضبط، بحق دماغك متكلفة يابوي.
شعر علوان بسعادة، واقتنع بهذا الحديث، أو ربما هو أراد تصديقه فاقترب من حامد، وربت على كتفه بقوة.
وقال بنبرة تملؤها السعاده: ماشي يا ولدي، أهلا بيك في كارنا كار السعد والغنى.
شعر حامد بالتقزز، لكن استطاع أن يبتسم ابتسامه مزيفه، ووجه نظره للملقى أرضاً ينتظر حكم الإعدام.
فنظر معه علوان وأشار لرجاله، وأمرهم: فكوه علشان أني مبسوط النهارده هسيبك تمشي يا كلب، بس إنت عارف لو لعبت بديلك، هيكون مصير ولادك، ومرتك، وأمك هيكون إيه، مش عايز أشوف خلقتك في أي مكان تخفى علشان الباشا الكبير لو عرف هيقتلنا كلتنا.
ارتمى الرجل أمام قدمه يقبلها، ويقول مسرعاً: ربنا يخليك يابيه، مهتشوفش خلقتي وااااصل.
أبعده علوان بقدمه ثم وجه حديثه لرجاله مرة أخرى: بالليل زي العاده تخرجوه، بعد ما تصوروه كام صوره من ابتوعنا فاهم يابجم منك ليه.
الرجال في نفس واحد: فاهمين يابيه.
ثم وجه نظره لحامد الذي امتلأ قلبه بالكره، والحقد على هذا الحقير، وقال: ياله يا ولدي نخرج من إهنه.
اعتدلت في الفراش الموضوع بغرفه في نفس المشفى التي كانت بها منذ قليل مع حازم، ولم لبثت أن خرجت منها حتى عادت إليها مرة أخرى لكن هذه المره ليس بكسرة لقلبها فقط؛ بل بكسر ذراعها أيضاً إثر اصتدامها بسيارة؛ ومع انخفاض ضغط الدم لديها
أمر الطبيب أن تظل في المشفى للمساء للإطمئنان عليها، وأخذ الأدويه اللازمه، رفضت حسناء إبلاغ الشرطه بما حدث، وأيضاً لم ترد إخبار أهلها كي لا تفزعهم.
نظرت بهدوء للقابعه أمامها على ملامحها الحزن، والإحراج فقالت لها مطمئنه إياها: خلاص حبيبتي حصل خير، جيت بسيطه.
كاريمان: بس أهو دراعك اتكسر، بجد أنا متأسفه، وكمان متشكرة جدا إنك مرضتيش تستدعي الشرطه.
حسناء بصوت يظهر عليه الحزن: ملوش لزوم لأني انا كنت غلطانه كمان، مكنتش شايفه من دموعي.
ليلى: أه صحيح ليه الدموع اللي لسه لعند دلوقتي في عيونك دي، كمان نبرة صوتك حزينه جداً، ده غير نظرة عينك بتقول إن فيه جواكي إحساس خذلان .
رفعت حاجبيها بتعجب، وهتفت مستفسرة: ياه كل ده عرفتيه من صوتي وعيوني بس.
ضحكت ليلى في محاوله لتخفيف حزن تلك الفتاه التي صدمتها دون قصد منها، ثم قالت بصوت مرح بعض الشئ
أه احنا لسه متعرفناش؛ علشان كده مستغربه، بصي يا قمر
اسمي ليلى، وعندي 30 سنه، متزوجه، وعندي بنوته اسمها جوري، وبشتغل دكتورة أمراض نفسيه في المستشفى هنا، ها عرفتي بقى يا ستي قدرت أفسر نظرتك وصوتك إزاي.
بادلتها حسناء الإبتسامة إعجاباً بخفة ظلها، لكن كانت ابتسامه مكسورة.
ثم قالت بهدوء: أه كده معقول ده شغلك، اتشرفت بيكي جدا دكتورة ليلى.
ليلى: أولا أنا اللي سعيده اني قابلتك حتى لو كان عن طريق حادثه صغيره بس المهم انك بخير. ثانيا بقى يا ستي انا لو تقبلي حابه نكون أصحاب يعني بلاش ألقاب ممكن اعرف عنك أكتر؟
حسناء:أكيد ده يشرفني، اسمي حسناء وعندي 22 سنه في صيدله أخر سنه،
أكملت حسناء بحزن..كنت لعند الصبح متجوزه، وحاليا مطلقه.
أغمضت عيونها عندما تذكرت ما حدث، وسالت دموعها على وجنتيها بألم، وندم على ما أوصلت نفسها له.
ليلى بحزن على حالها: متزعليش نفسك، وإهدي كده متعرفيش الأحسن ليكي فين، هو ده اللي خلاكي كنتي ماشيه سرحانه وبتبكي في الشارع؟
هزت حسناء رأسها بتأكيد، دون كلام.
قبل أن تتحدث ليلى دق باب الغرفه، ودخل طبيب.
نظرت له حسناء بتعجب، فها هو طبيب النساء الذي أخبرها بعدم قدرتها على الإنجاب، نظرت له بتعجب حدثت نفسها لما يأتي لزيارتي، لمعت عينها بأمل أيعقل أنه اكتشف خطأ في التحاليل، وجاء ليعيد إلي الأمل في الحياة، وأني من الممكن أن أصبح أم.
قالت بنبرة تغلفها الأمل: ها يادكتور اكتشفت ان التحاليل غلط صح؟
نظر الطبيب لها بأسى ثم تحدث بهدوء: لا يا مدام حسناء، أنا كنت بمر في المستشفى وقت ما دكتورة ليلى جابتك هنا، وشوفتك واستغربت من اللي حصل، وأن حازم مش معاكي، اطمنت من الدكتور اللي شاف حالتك، خلصت شغلي وجيت أشوفك، والد حازم صديقي.
ابتسمت حسناء بسخريه من بين بكائها: إطمن يا دكتور ابن صاحبك عمل معايا الواجب، أول ما عرف منك إني مش هكون أم، طلقني فورا مستناش حتى لما نروح، طلقني، وسابني وسط الشارع مش شايفه حاجه من قهرتي على حالي.
كانت ليلى تستمع كلمات حسناء بصدمه من تصرف هذا الشخص المدعو زوجها.
هز الطبيب رأسه بخيبة أمل: معلش يا بنتي حازم مكنش كده، بس دخل الجامعه واتعرف على شباب مش كويسين وأصبح طايش، وتصرفاته غلط، والده الله يرحمه كان بيتمنى إنه يعقل، ضغط عليه إنه لازم يتجوز، ويخلف علشان يمكن لما يبقى أب يحس بالمسؤليه، لكن للأسف تصرفه دلوقتي أثبت إنه صعب جدا يتحمل مسؤليه، حتى لو أصبح أب، الظاهر إنه مش هيعقل.
ضيقت عيناها وهتفت بتساؤل: قولت الله يرحمه؟
محمد بدموع: أيوه يابنتي كان مسافر وقال ليكم إنه شغل، لكن كان مسافر يتعالج من غير ما يعرف ابنه، يمكن غلط انه معرفوش وشيله المسؤليه بس أهو ده كان تفكيره، دلوقتي كنت بتصل اطمن عليه، رد المحامي بتاعه وقال البقاء لله.
حسناء بشرود: البقاء لله ربنا يرحمه. على العموم طلاقي من حازم ده بالنسبالي خروج من السجن؛ السجن اللي دخلت نفسي ليه بنفسي، وبإرادتي، يعني قضيت مدة عقوبتي اللي أستحقها.
محمد بأسف: معلش يابنتي ربنا كبير، أكبر من أي طبيب وأي حد، أستأذن أنا، ولو احتاجتي حاجه في أي وقت أنا تحت أمرك.
هزت رأسها بموافقه ورددت بهدوء: متشكرة لحضرتك.
خرج الطبيب من الغرفه، ووجهت ليلى لحسناء نظرات متأثرة على حالها
ليلى: تقدري تخرجي دلوقتي ولا نقعد شويه؟
حسناء: لأ اتفضلي انتي معلش متعطليش نفسك أكتر من كده، أنا هنزل بعد شويه هاخد تاكسي.
كاريمان: طب ده كلام، شكلك زهقتي مني ومش حابه نكون أصحاب.
حسناء: لأ طبعا مش كده، مش حابه اعطلك بس.
ليلى: لأ مفيش عطله، أنا هوصلك، وفي طريقي أجيب ساجد، وجوري من عند ميس الحضانة هى صاحبتي، طلبت منها تاخدهم معاها لما حصلت الحادثه، بيتها قريب من هنا.
تعجبت حسناء وقالت: ساجد! مش قولتي عندك بنوته بس؟
ليلى: ساجد يبقى ابن أخويا، والدته الله يرحمها، وباباه مسافر بيتعالج، وهيجي قريب.
حسناء بحزن: مامته متوفيه، الله يرحمها.
ليلى: أيوه هو عنده سنتين، بس علشان ظروف شغلي بوديه حضانه هو وجوري.
حسناء بفضول إنها ترى هذا الطفل: طيب ماشي هاجي معاكي.
خرجوا معاً من المشفى، واستقلوا سيارة ليلى وعندما وصلت أمام منزل صديقتها، استأذنت حسناء، وصعدت، وبعد دقائق قليله خرجت من البنايه، وهى تحمل جوري نائمه، وتمسك بيد ساجد.
ما أن رأتهم حسناء التي كانت قد ترجلت من السيارة ننتظرهم ابتسمت لهم بحب، ونظرت لساجد بدموع فهو يتيم، وأيضاً والده ليس بجانبه حالياً اقتربوا منها؛ فانحنت وفتحت له زراعها المعافى؛ فتردد، وأمسك بيد عمته بقوة لكن حسثته ليلى على الذهاب، فتحرك نحوها ببطئ فجذبته بهدوء ثم ضمته بقوة، وحب لا تعرف متى، وكيف غُرِس هذا الحب في قلبها لهذا الطفل، فملامحه وكأنها رأتها من قبل؛ نعم حملته واعتدلت ونظرت لعينيه التي ذكرتها بشخص ما، لكنها هزت رأسها متعجبه من أفكارها.
ليلى بتعجب، وابتسامه: اجيب شجرة واتنين ليمون هنا؟ ياله يابنتي اركبي
ابتسمت لها وركبت السيارة، وهى ما زالت تحمل ساجد بذراع واحد.
ليلى بفضول: ها قوليلي بقى حكايتك إيه، مش لأني دكتورة نفسي، بس اعتبريني صديقه لو تحبي تفضفضي يعني.
هتفت حسناء بهدوء: طبعا أنا محتاجه اتكلم أساسا، بس ياريت نأجلها وقت تاني.
تفهمتها ليلى، وقالت موافقه: طيب ياقمر براحتك، بلاش جو العياده انا رايحه نادي سموحه بكرة شويه، عندي اجازه من المشفى وفرصة أفسح الولاد، تحبي اسيبلك خبر عند البوابه، تقابليني هناك؟
حسناء: تمام وأنا موافقه.
اوصلتها ليلى لمنزلها ثم ودعتها وما أن صعدت، ورأها والدها صدم من هيأتها، الأحبه، وعيونها المشبعة بالإحمرار، وذراعها المعلق في عنقها.
حلمي بلهفه: إيه اللي حصل يا بنتي؟! وجايه منين لوحدك كده؟ وفين جوزك؟
ارتمت بين أحضان والدها وبكت كثيراً ثم اعتدلت، وتحدثت وهى تزيل دموعها: هقولك كل حاجه يابابا، بس بعد إذنك ممكن ارتاح شويه وبعدين نتكلم.
أتتت والدتها مسرعه على صوتهم، وصدمت عندما رأت حسناء لكن قبل أن تتحدث أشار لها حلمي
حلمي: معلش يا ام حسناء سبيها ترتاح شويه، وبعدين نفهم.
هزت رأسها بتفهم، وأسندت حسناء لغرفتها، وساعدتها في الإستلقاء على فراشها، وتركتها لتغفى قليلا.
كانت جالسة على مكتبها تقوم بعملها، لكنها لاحظت إهتمام شريكتها بإخراج المرأة باستمرار، لتزيد من حمرة شفتيها، وظبط حجابها المبرز جزء كبير من شعرها، وكأنها ترتديه رغماً عنها، وليس لإرضاء الخالق.
تأففت ملك في سرها، فهى لا تستطيع أن ترى الخطأ وتصمت ابداً، تحب أن تقدم النصيحه حتى وإن قوبلت بالرفض .
نظرت مرة أخرى لهذه الفتاه، وهزت رأسها بتعجب فما تفعله لا يظهر جمالها؛ بل العكس ما تفعله يجعلها بعيدة عن الجمال، وبعد حوار طويل مع نفسها قررت التدخل، قامت من مكانها، واتجهت نحوها.
ملك: أنسة شيرين
رفعت شيرين رأسها وتركت المرأة فوق سطح المكتب، قائلة بتعجب:نعم
ملك بتردد: أنا عارفة الكلام اللي هقوله جايز ميجيش على هواك، بس أعمل أيه ده طبعي و معرفش أشوف حاجة غلط وأسكت عليها.
عقدت حاجبيها وتحدثت بتهكم: حاجة ايه وغلط أيه اللي بتقولي عليه، ممكن توضحي كلامك عشان مش فاهمة
أمسكت ملك المرأة، وضعتها أمام وجه شرين وقالت بهدوء: بصي لنفسك في المراية كويس يا شيرين، هتصدقيني لو قولتلك ان شكلك هيبقا أحلى من غير الميكب ده كله.
شيرين بضيق، وسخريه: ليه هو إنتي خبيرة تجميل؟
ملك بهدوء: لا مش خبيرة ولا حاجة، بس ممكن أفيدك، أنا مش هقولك حرام اللي بتعمليه وندخل في حوار طويل، رغم إن ده امر مفروغ منه، بس على القليله جربي تخفي الميك اب، وشعرك ده دخليه جوا، أقرنت ملك القول بالفعل وقامت بنزع حجاب شيرين ولفته على طريقتها الخاصة، أيه رأيك
أعجبت شيرين بلفة الحجاب، لكنها لم تقل لها هذا، رغم أنها استسلمت لملك لترى ماذا تريد.
ملك: لفة الحجاب بالطريقة دي لايقة اكتر على وشك، مخلياكي كيف البدر، على فكرة مش أي لفة حجاب بتليق على الوش، وانا عندي شوية ماركات ميكب خفيفة وهتعجبك اوي لو عايزاني اقولك على أسمائهم ماشي
شيرين نظرت إلى وجه ملك جيدا ثم قالت: انتي ايه عارفك بالميكب وماركتها، وأنتي مش بتحطي حاجة زي مانا شايفة.
ضحكت بخفة: ده انا بعشقه، ومتابعه على النت كومان أي ماركة للميكب تنزل في علطول بشيع اشتريها ومين قال إني مهحطش، أنا بحط في بيتي براحتي، بس لما بخرج مش بحط
شيرين: وليه مش بتحطي بقا، مش بتقولي بتحبيه.
ملك: عشان عايزه أحافظ على نفسي من أي نظرة غير سوية، ربنا خلقنا راجل، وست وأمرنا احنا بالحجاب وعدم التبرج، ليه ربنا أمرنا بكده؟
هقولك ليه، الأنثى بفطرتها رقيقة وأنوثتها دي مطمع للرجل وعلى فكرة ياشرين دي طبيعة الراجل فعشان إكده احنا ملزمين بالحجاب، والحجاب الشرعي وكومان عدم التبرج، انتي إكده بتظهري انوثتك بطريقه هتكون مطمع طبيعي لنظرات الرجالة، بتاخدي ذنب التبرج، وذنب أي راجل نظر ليكي نظرة مش سويه.
شيرين ردت بخجل: بس انا بعمل كده عشان اعجب واتخطب واتجوز.
ملك بابتسامه: على فكرة وجهة نظرك دي غلط، اللي هيبص ليكي وأنتي إكده وهيقرر يرتبط خليكي متوكده انه زي مابص ليكي هيبص لغيرك، ومش هيكون أمين عليكي، كومان هو لو خدك علشان إكده هيكون بيحب القشرة، مش المضمون، والجواهر، والشخص الملتزم مش هيفكر يرتبط بيكي، هيفكر يرتبط باللي زيه ويبختها اللي تتجوز واحد يخاف عليها ويصونها، لازم تاخدي اللي يحب روحك، وطبعك، مش شكلك بس.
ثم تركتها واتجهت ناحية مكتبها، تاركة شيرين مطرقة الرأس تفكر في كلامها، فمنذ أن أتت من القاهرة لتعيش مع خالتها التي تعيش بمفردها هنا، وتحتاج لرعايه صحيه، وهى ترى نظرات الأغلب ينظرون لها وعيونهم تنتقدها فهى بالفعل، ترتدي ملابس تصف جسدها، وتضع الحجاب وكأنه تأدية للواجب فقط ليس التزام به.
عمر كان واقف بجانب الباب وسمع كل هذا الحوار، فارتسمت على وجهه ابتسامة وحدث نفسه قائلا: معقولة هتفضلي تدخلي عقلي كل يوم وتشغليه أكتر يا ملك، يمكن تكوني تعويض من ربنا ليا، تنهد بهدوء، ثم طرق باب المكتب ودلف للداخل.
عمر: السلام عليكم ثم اقترب من مكتب ملك
شيرين وملك: وعليكم السلام
عمر بابتسامه: لو سمحتي انسه ملك، أنا كنت عايز ملف مرتبات الموظفين، بدر كان طلب مني استلمه منك لأنه خرج، ولما اتأخرتي قولت أجي اسألك.
ملك بخجل دون أن ترفع نظرها: تمام يا أستاذ عمر، هراجعه لأخر مرة وأبعته لحضرتك.
عمر: ماشي استأذن أنا.
رحل عمر وبداخله رغبه أن يطول الحديث بينهم، لا يعلم لماذا، لكن ما يعلمه أنه يشعر بسعادة عند رؤيته؛ سعادة أنسته آلامه.
لم يختلف الشعور عند ملك التي شعرت بدقات قلبها تتراقص بقوة عندما سمعت صوته، ورأته شعور تعجبت له لم تشعر به من قبل قط
ملك محدثه نفسها: إهدي يا بت إكده مالك، هو إيه اللي بيحصولي ده عادي يعني يمكن علشان جديدة على التعامل في الشغل وكده.
مش عارفه خليني في شغلي أحسن.
سالم في إجتماع قام به مع رجاله المخلصين من ضباط، ورجال أمن.
أحد الضباط: إنت واثق يا سالم باشا إن حامد ده هيكون معانا، مش هيحن لأبوه؟!
سالم: إنت أكيد تعرف عني إن من الصعب أثق في حد، صوح كلامي؟
الضابط بتبرير: أيوه طبعا لكن يا فندم.. .
سالم مقاطعآ: ملكنش، علشان اريحك حامد ليه تار عند ابوه، يعني هيكون حريص اكتر منينا على إن علوان يقع.
ضابط اخر: لأ طالما فيها تار يبقى مش هيهدى غير لما يأخد بتاره.
سالم بجديه: نتكلم في المفيد أنا وصلت لحامد جهاز تنصت على أعلى مستوى، وأصغر حجم، وهو قدر بطريقته، إنه يزرعه في مكتب علوان، مطلوب من الفني المسؤل عن الأجهزه دي، ومنكم متابعة كل كلمه تدور في مكتب علوان، وتسجيلها.
ضابط: إحنا كمان وضعنا مراقبه على تليفونه يا فندم.
سالم: عظيم جدا يارجاله، وقريب ان شاء الله هيقع علوان، واللي معاه
أنهى سالم إجتماعه، وعاد للمنزل رغم أن عقله لا يتوقف عن التفكير في عمله، وكيفية إنجازه على أكمل وجه، فإن قلبه لا يتوقف عن الإشتياق لحبيبته، شعوره بفقدها كاد أن يصيبه بالجنون.
دخل من باب الفيلا الداخلي، وعيناه تسبقه تبحث عن حبيبته، فنظرة منها تروي ظمأ قلبه؛ لكنه لم يجدها في استقباله كعادتها عندما تستمع لصوت سيارته.
سالم: أم السعد، انتي يا ام السعد
أم السعد تهرول: حمد الله على سلامتك يابيه، تأمر بحاجه؟
سالم: فين الجماعه محدش منهم تحت يعني.
أم السعد: ستي نوارة خرجت يابيه، راحت تزور اختها، أما ست عبير فهى فوق، بعد ما خلصت عمايل الغدا لحضرتك، تحب أحضرلك السفرة؟
سالم: لأ شويه إكده.
صعد سالم لغرفته أولا فمن الممكن أن تكون عبير نتظره فيها، أو هكذا كان يمني نفسه.
دخل الغرفه وجدها خاليه، اتجه نحو الحمام، وطرق بخفه أكثر من مرة، لم يجد إجابه، ففتح الباب، لم يجدها بداخله أيضاً؛ لكنه وجد الحمام محضر على أكمل وجه كما تعود ذلك من حبيبته.
بعد أن أنهى حمامه، وارتدى جلباب يريحه في المنزل، توجه لغرفة مروان، وقبل أن يدخل استمع لعبير تسأل أم السعد.
عبير: ها البيه جه، واتغدى يا ام السعد؟
أم السعد: جه يا ست عبير؛ بس متغداش، قال شويه إكده.
عبير: طيب روحي انتي .
شعر سالم ب بصيص من الأمل لإهتمام عبير به.
دق باب الغرفه ودخل، نظرت له ثم وجهت نظرها لمروان الذي لم ينتبه لدخول والده؛ لإندماجه بألعابه.
عبير: مرمر حبيبي، بابا إجه.
نظر مروان خلفه لوالده الذي يقف صامت، ينظر بشرود لحبيبته التي لم تأبه له نهائياً، ولم تقترب منه.
هرول مروان باتجاه والده، وهز قدمه فنظر له سالم، وانحنى وحمله.
سالم وهو يقبله: اتوحشتك قوي ياحبيبي.
مروان: وحستك تمان (وحشتني كمان)
فين كولاته(شوكولاته)
سالم: جبت لك شوكولاته بس نسيتها في الأوضه عندي.
ثم نادى بصوت مرتفع على أم السعد، وامرها أن تأخذ مروان، وتحضر له ما يريد.
بعد خروج أم السعد ومعها مروان، وقفت عبير وكادت أن تخرج من الغرفه؛ لكنها فوجئت بيد سالم تمسكها من زراعها فوقفت.
سالم: لعند ميتى إكده.
اصطنعت عبير عدم الفهم: هو إيه ده اللي لعند ميتى؟!
سالم بغيظ: طيب سيباني ورايحه فين دلوك؟
عبير ببرود: هجهزلك الغدا.
سالم بغضب: مش عايز طفح.
عبير بهدوء: على راحتك، بعد إذنك بقى نازله لمروان.
سالم بهدوء جذبها لترتطم بصدره، ونظر في عينيها، وجد بهم لمعة التحدي لم يراها منذ زمن، نزل بنظره لشفتيها وكاد أن يقترب، ولكنها أنزلت وجهها، وابتعدت قليلا فهى تريد وضع حل لعلاقتهم؛ ليس مجرد صلح مؤقت فلابد أن تضغط على قلبها بعض الشئ.
أغمض سالم عينه محاولاً كبح غضبه من حركتها، ثم نظر لها وقبل أن يتحدث لفت نظره عدم وجود السلسلة التي أهداها لها.
سالم: فين السلسلة يا عبير؟
عبير بهدؤ: سلسلة إيه؟! أاااه أني خلعتها.
سالم بغضب مكتوم: خلعتيها! ليه إكده ؟!
عبير: قولتلك قبل سابق، أني إهنه بقيت أم لولدي، وزوجه ليك، إنما حبيبة مقدرش، والسلسلة دي كنت وخداها من حبيبي، اللي كان عندي أمل يرجعلي، ويشيل الغشاوة من على عنيه، بس خسارة الغشاوة ذادت لعند ما عميته عن حبي، وإخلاصي ليه.
قالت هذه الكلمات، وهرولت من امام سالم قبل أن تصيبها ألسنة اللهب التي تخرج من عينيه، لم تعطيه فرصه للكلام.
ظل سالم ينظر للفراغ بعد رحيلها، يشعر بالغضب، والحزن؛ لكن يلتمس لها العذر أيضآ، فهو من أوصلها لهذا الحد، ولابد أن يصلح كل شئ قبل فوات الأوان.
بدر، وعليا يجلسون أسفل شجرة التوت يشعرون بسعادة لإسترجاع ذكرياتهم معآ.
عليا بابتسامه: شوفت يابدر الشجرة كبرت معانا إزاي، وشكلها بقى تحفه؟
بدر بحب: أنا أول ما نزلت الصعيد المرة دي جيت على طول هنا واتأكدت إن أسامينا أنا وانتي لسه محفورين عليها، انتي لسه أول مرة تزوريها من وقت ما جيتي؟
عليا: أيوه فعلا دي أول مرة عارف مكنتش حابه أجي هنا وانت مش موجود في البلد، فاكر زمان لما كنتم بتنزلوا أجازات وعمي ومامتك يجوا عندنا البيت، ولما أسأل عنك يقولوا في مكانه اللي بيعشقه، كنت اجي جري عليك هنا، كنت وقتها بحس إن بلدنا أجمل بلد، وكانت أمنيتي تيجي تعيش هنا دايمآ، إنت دايمآ كنت أكتر حد بيفهمني.
تراقص قلب بدر على عزف تلك الكلمات التي تصدر من فم حبيبة روحه، حتى وإن لم تقصد بها عشق يكفيه إحساسها تجاهه.
بدر بسعاده: طبعآ فاكر كل لحظه قضينها سوا، كنت فاكر إنك نسيتي، معظم وقتنا كنا بنقضيه عند الشجرة دي، ولما كان يجي ميعاد رجوعنا اسكندريه، كنت بحس وكأنهم هيخرجوني من الدار للنار، مش علشان مبحبش اسكندريه هى فعلا بلد جميله، بس لأنك مكنتيش فيها.
ابتسمت عليا، ونظرت بجوار بدر بتعجب
عليا: إيه الحبل اللي معاك ده؟!
بدر بابتسامه: ده حبل علشان أعملك المرجيحة اللي بتحبيها؛ القديمه انقطعت طبعآ.
ضحكت عليا عاليآ وقالت: معقول منستش لسه إني بحب المرجيحة بين الشجر.
بدر بحب: لا يمكن أنسى حاجه بتحبيها.
كانت كل كلمه تخرج من فم بدر موثقه من قلبه بميثاق العشق الذي إن ظهر للأعمى رأه؛ لكن عليا لم تكن تريد أن تراه، أو أنها تراه وتفسره كما تريد هى.
عقد بدر الأرجوحه جيدآ، وجلست عليها عليا بسعادة بالغه، يهزها بدر بهدوء؛ لكن فجأه استمعوا لصوت صراخ قريب منهم إلى حد ما، نظروا باتجاهه، واتسعت عيناهم بصدمه..