رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل الثامن
أمسكت هاتفها وقامت بالضغط على عدة أرقام لإجراء مكالمه، لكن لم يأتها الرد، فألحت في الاتصال وقد بدأ القلق يتسلل لقلبها؛ لكن قبل أن يتمكن منه جائها رد الطرف الأخر بصوت مختنق، وأعلمتها أنها لن تستطيع الذهاب معها لزيارة ملك اليوم، تعجبت من تراجع عبير في قرار الذهاب معها، فتحدثت مستفهمه.
عليا: غريبة ليه مش حابة تيجي يابيرو.
ردت عبير بصوت ضعيف: مفيش ياعلي، معايزاش أخرج دلوكيت وبس.
ضيقت عليا عيناها كمن يحاول يستشف شيئاً ما: انتي صوتك ماله ياعبير، بتبكي؟!
حاولت التماس وردت بنبرة أعلى بعض الشئ: لا لا أنا تلاقي بداية دور برد ولا حاجه.
لم تقتنع عليا، وهتفت: طيب انا جايه ليكي انتي الأول حالا.
توترت عبير وقالت مسرعة: لا روحي انتي لملك، هى اتوحشتك، وبعدين انا كويسه ياله مع السلامه دلوك بقى.
أغلقت عبير الخط مع عليا كي لا تزيد شكوكها، لا تعلم أنها بتلك الفعلة أكدت لعليا أن هناك خطب ما حدث معاها، ولكن تحاول أن تخفيه.
توجهت للنافذه تريد أن تتحدث مع كريم.
عليا بصوت منخفض كي لا يسمعها: كريم... كريم، افتح بقى محتاجلك.
سمعها كريم وكأنه كان يقف خلف النافذة.
ابتسامه مشرقه ظهرت على شفتيه كما اعتادت أن تراه دائماً بها وهتف بحب: عيون وقلب كريم.
نظرت للأسفل بخجل شديد، كم تمنت أن يحدث ارتباط بينها وبين حبيبها، ليمطرها بهذه الكلمات، لم تتوقع أن تستمع إليها دون علاقه رسميه، لكنها الظروف من حكمت بذلك إلى وقت غير معلوم، رفعت بصرها، وقالت بهدوء: صباح الخير.
كريم باهتمام: قولتي محتجالي ياترى خير؟
عليا بجديه؛ أيوه محتاره شويه، أنا قلقانه على عبير، كنت رايحة لملك زي ما قولتلك بس بفكر اروح لعبير صوتها مش طبيعي، إيه رأيك ؟
كريم: حبيبتي اللي تشوفيه القرار قرارك إنت.
عليا بحيرة: هو انت ليه دايما تقول القرار قرارك، انا بس حبيت أخد إقتراحك.
كريم: انتي بتفكري تروحي لاختك، أو بنت خالك عادي، اللي تشوفيه مناسب اعمليه اكيد براحتك.
نظرت له بملل، ورفعت زاوية فمها وهتفت: اوك خلاص سلام دلوقتي، هدخل علشان أشوف هعمل إيه.
كريم بنبره هادئه: سلام، لا إله إلا الله
عليا بابتسامه صغيره: محمد رسول الله .
لوحت له بيدها، وأغلقت النافذه ثم اخذت حقيبتها وخرجت، قررت الذهاب لشقيقتها أولا.
التقت ببدر أسفل الدرج كان عائد من الشركة، وقبل أن يدخل الشقة وجد عليا تنوي الخروج.
بدر بابتسامة: عليا ازيك، وحشتيني
ابتسمت عليا وهتفت: بدر الحمد لله على سلامتك مرة تانيه، سمعت الناس اللي بعتهم سالم يوضبوا الشقه هنا من بدري، كنت هدخل اشوفهم قبل ما خرج خلصوا ولا إيه.
ضيق بدر عينيه مستشعراً نبرة القلق في صوت عليا، وحركة عيناها، فقال بهدوء: لا خلاص هدخلهم أنا علشان أستعجلهم، لاني مش حابب نبات في فندق كمان الليله، انتي كنتي خارجه رايحه فين كده؟ وليه حاسس إن فيه حاجه قلقاكي؟
رفعت حاجبيها بتعجب من هذا البدر الذي يشعر دائماً بها، ويعلم ما يدور برأسها، دون أن تتفوه به.
عندما شعر بدر بتعجبها قال: لسه بتستغربي إني بحس بيكي؟!
المفروض تكوني اتعودتي احنا كده من واحنا صغيرين، كمان لما بتقلقي بترمشي كتير دي حركتك.
ابتسمت عليا وقالت: عندك حق دايما بتعرف عايزه إيه من غير ما أقول، شوف أنا كنت رايحه اشوف ملك، أنا وعبير، بس كلمتها اعتذرت، حسيت صوتها تعبان، ومخنوق
قاطعها بدر: يبقى تروحي تطمني عليها اول طبعا، وبعدها تطمنيني، ولو فيه وقت ابقى روحي لملك، بس متتأخريش أو كلميني أجي أخدك.
ابتسمت عليا: حاضر خلاص اروح لعبير الأول، عندك حق،
كادت أن تخرج فناداها مرة أخرى.
بدر بصوت يشع اهتمام: بصي هوصلك بالعربية الأول وأرجع، للناس يكونوا خلصوا.
هزت رأسها بالرفض قائله: لا يابدر انت جاي تعبان وانا حابه أتمشى.
التفت بدر وأشار إليها أن تتقدم: تمام هنتمشى ياستي، أوصلك وارجع على طول، ولما تخلصي عند عبير كلميني علشان اوصلك لملك، وبعدين ملكيش دعوة بتعبي، هتكون مرتاح أكتر وانا مطمن عليكي.
ابتسمت عليا بسعادة، وشعرت بعيونها تكاد تخرج بريق لامع، هى لا تعلم لماذا، لكن شعرت بالسعادة وحسب.
ساروا مع بعضهم بهدوء يسترجعون بعض ذكريات الطفوله، عندما كان يأتي بدر مع أسرته في الأعطال دائماً، تبتسم عيونهم تاره، ويضحكون بسعادة لذكرياتهم تارة أخرى حتى وصلوا أمام منزل سالم، وتقابلوا مع نوارة التي كادت أن ترحل، لكن وقفت عندما رأتهم.
نظرت لهم نواره ولوت شفتيها، ثم رفعت أحد حاجبيها وأنزلت الأخر وقالت: أهلا أهلا بالدكتورة هى المحروصه خيتك لحقت تكلمك على طول إكده؟
عليا: ازيك ياطنط، تقصدي إيه؟
عقدت حاجبيها وهتفت بسخرية: طنط! هما الكام سنة اللي قضيتهم مع عمك في اسكندرية عوجوا لسانك إياك؟!
نظرت لها عليا بنفاذ صبر، وقبل أن تتحدث قال بدر: إزيك ياخالة أم سالم، معلش هو مجرد تعود بس، قوليلي هو سالم هنا؟
ابتسمت نوارة لبدر وقالت وهي تخفف من حدتها: الحمد لله ياولدي، لا سالم ولدي خرج مضايق، معرفاش راح على فين، منها لله اللي حرقت دمه بقى.
نظرت عليا لبدر، فبادلها بنظرة، وهزه خفيفه من رأسه، لم تلحظها نواره بمعنى لا تهتمي بحديثها ثم قال موجهاً حديثه لنواره
بدر: ياله أستاذن أنا تأمري بحاجه.
ابتسمت له نوارة وهزت رأسها بالرفض: لا تسلم ياولدي من كل شر.
لوح بدر لعليا بيده وانصرف.
عليا بنبره هادئه: حضرتك خارجه؟!
نوارة: أيوه رايحه أزور المرحوم خالك، وادعيله خيتك جوه، وقاعده في أوضتها فوق، عايزاكي تعقليها شوية، ثم تركتها ورحلت.
تعجبت عليا من حديث نوارة وصعدت مسرعة لعبير.
دقت باب الغرفه فأجابت عبير بالدخول ظناً منها انها الخادمة.
دخلت عليا: السلام عليكم .
تفاجأت عبير بعليا وسحبت حجاب كان بالقرب منها وغطت رأسها ووجهها كي لا يظهر أثر الصفعة.
عليا بتعجب: بتغطي شعرك ليه، هو انا راجل؟!
عبير بابتسامة مصطنعة: تعالي ياحبيبتي، اصل الجو برد.
احتضنا بعضهم وشددت عبير من احتضان عليا، تريد أن تبكي بين زراعيها لكنها تقاوم.
ابتعدت عنها عليا، وأرادت أن تضع يدها على وجنتي عبير بحنان لتسألها ماذا بها؛ لكن تألمت عبير عندما لمست عليا وجهها.
تعجبت عليا، ومدت يدها ونزعت الحجاب عن عبير بسرعه، لتتفاجأ أن وجه عبير منتفخ، ومصبوغ بالون الأحمر المعشق باللون الأزرق.
لوحة عنف مرسومة على وجه شقيقتها.
أشارت عليا بسبابتها على وجه عبير، وتحدثت بعصبية: إيه ده؟!
عبير بارتباك: مفيش أصلي وقعت، واااا
قاطعاتها عليا، وقد جاهدت أن تهدأ من غضبها وتحدثت بحنان: مش معقول تخبي عني ياعبير، أنا مش عبيطه، ولا صغيرة.
كأنها كانت تنتظر تلك الكلمات لتنهار حصون قوتها الهاويه، فارتمت بين أحضان أختها، ومن تبقت لها من الأحبه، وكأنها وجدت والدتها التي اشتاقت لها، وبكت كطفلة صغيرة، هدأت بعد فترة إثر لمسة أختها الحنون، وهى تمسد على شعرها بيد واليد الأخرى تشد من ضمها دون كلام، أو حتى محاولة لإسكاتها.
ابتعدت عبير بهدوء، ومسحت دموعها بكف يدها، ثم قصت ما يحدث معها لعليا التى ظهرت عليها علامات التعجب، والغضب في آن واحد، فهتفت متسائلة
عليا: هو اللي بتتكلمي عنه ده سالم؟! معقول!
سالم العاشق الولهان من صغرنا، طيب إيه اللي حصل؟
تحدثت عبير بصوت متألم: اللي حصل هو زن مرت خالي، اللي هد حياتي دي حتى قاسية مع ملك بتها، وطوالي تقول الست لازم تتحكم من نار، علشان عيارها ميفلتش
كومان متنسيش اللي حصل مع خال سالم، لما مرته خانته مع كل الحب اللي حبه ليها، وطالباتها المجابة.
عليا بتعجب: وده إيه علاقته بيكي مش فاهمة؟ هو كل الستات زي بعض؟!
تنهدت وكأنها تتمنى خروج الألم من قلبها بتلك التنهيده وقالت بأسف: سالم الموقف ده مترسخ في دماغه، وده بسبب امه اللي عمال على بطال، بتفكره باللي حصل، أني مكنتش أعرف إكده الأول وكنت هتجن من تغيره، بس صدفه سمعتها وهى بتقوله ليه، وهو قالها ليه دايماً بتعيدي وتذيدي في الحديت الماسخ ده.
كومان غير شغله اللي بيشوف فيه أشكال معندهاش إحترام.
رفعت عليا حاجبيها بتعجب وهتفت بغضب من أختها: إنتي بتبرري ليه قسوته يا عبير، مش ممكن كده عرفت سبب تماديه.
طأطأت رأسها بحزن فهى تعلم أنها أخطأت بصمتها؛ وقالت بصوت لا يكاد يُسمع: بعشقه ياعليا وطوالي بحط ليه أعذار.
نظرت لها عليا باستنكار ثم سألتها عليا: انتي قولتيلي لعند ماضربك، قوليلي بقى عملتي إيه لما حصل كده؟
شردت عبير وانسابت دموعها، مرة أخرى دون أن تدري عندما تذكرت صفعته لها مرة أخرى وقصت لعليا ما حدث.
صفعة قوية على وجه عبير جعلتها تقع ارضآ، وضعت يدها على وجهها، ونظرت لسالم بصدمة وجدته ينظر ليده بصدمة هو الأخر، وعيون تتابع الموقف بسعادة بالغه عيون نواره، فهذا ما أرادته.
اقترب سالم من عبير الجامدة أرضاً؛ لكنها ما أن اقترب حتى ابتعدت للخلف، ثم نهضت ودموعها تنساب على وجهها وهرولت إلى الدرج، وصعدت غرفتها، ما لبثت أن دفنت وجهها في الفراش تبكي بمرارة، حتى شعرت بأنفاس سالم العاليه خلفها، لم تنظر له، وظلت تنحب وتبكي، شعرت بيده تقترب منها لكن أبعدها مرة أخرى، وسمعت صوت يده تضرب الحائط، ثم خرج مسرعاً من الغرفة.
استفاقت من شرودها على لمسة يد عليا على وجهها تمسح دموعها، وتتحدث بهدوء
عليا: شوفي يا عبير، أنا مش هقسيكي على سالم لأني عارفه إنه بيحبك، بس الحب دايماً محتاج لإثبات، مينفعش يحبك ويكون مش واثق في حبك، لازم يفهم إنك مش زي أي واحده، لازم يرجع سالم اللي متربي معانا، اللي واثق في أخلاق مراته وحبيبته.
هزت رأسها موافقه لحديث أختها، لكن لا تعلم ماذا عليها فعله فقالت: طيب اعمل إيه؟!
عليا: طول ما هو بيقسى عليكي، ويرجع يلاقيكي عادي، وكمان بتحاولي تقربي منه، وبتدفني وجعك متبينهوش، هيتخيل إن دي الطريقه الصح للتعامل، بدليل إنه ندم على ضربه ليكي، بس مقدرش يقرب ويصالحك، عارف إنك هتبكي شويه وبس.
شوفي انا مش هقولك تعملي إيه بالضبط، لأن دي حياتك بس، انتي لااازم تحسسيه إنك ممكن تروحي من إيديه بسبب قسوته، وإن القسوة مش سبب إنك عايشه معاه، ومستسلمه؛ لأ ده بالعكس القسوة بتولد الجفا، انتي مش حاجه بيملكها وعمرها ما هتضيع مهما عمل فيها يا عبير فهماني؟
هزت عبير رأسها بتأكيد: أيوه فهماكي، وحاسه بكل حرف بتقوليه، أني المرة دي مجروحة أوي أوي ياعليا
عليا بإصرار: أيوه بس كده مش مطلوب منك غير كده، إنك تحسيسيه إنك مجروحة، وبس.
عبير بهدوء: ادعي لي ياعليا يرجع سالم حبيبي لطبيعته.
اقتربت منها عليا أكثر، واحتضنتها بقوه، ورددت بتمنى، ورجاء من الله: ربنا يهديلك الحال ياحبيبتي.
وقفت وهى تهندم ملابسها، وتقول: اقوم أنا أروح اشوف ملك، وهكلمك بالليل، ماشي
وقفت عبير لتوصلها لكن سمعوا دقات باب الغرفه
قبل أن يصلوا إليه، مصاحباً لصوت الخادمه تنادي باسم عبير.
قالت عبير بصوت مرتفع بعض الشئ: تعالي ادخلي.
الخادمة بلهفه: ست عبير إلحقي ست ملك جيت ومعاها شنطة كبيرة، وطلعت تجري على أوضتها بتعيط.
فزعت كلا من عبير، وعليا، وأسرعوا ذاهبين لغرفة ملك.
جلست على كرسي يتميز بالفخامه، موضوع في غرفتها الواسعه، التي مساحتها تعادل منزل والدها بأكمله، لكنها كالسجن بالنسبة لها، نظرت لزوجها، الذي يقف أمام المرأه، يرتدي قميصاً باللون الأبيض تاركاً أغلب أزراره العلويه مفتوحه، وبنطال باللون الأسود، ويصفف شعره باهتمام، دون أن يشعر بها، أو بوجودها من الأساس معه في الغرفه.
تحدثت حسناء بغيظ: إنت برده خارج ياحازم؟
نظر لها وتحدث بعدم اكتراث: أه خارج عندك مانع، أو ناقص سيادتك حاجه؟!
حسناء بدموع مكتومة: ياحازم ناقصني أحس إني متجوزة، إنت كل يوم خروج، وسهر، وكمان شرب ليه كده؟ حتى جامعتي اللي لسه فيها شهرين بالكتير واخلص عايز تمنعني منها وبتقول ملوش لزوم، انا مبقتش قادرة اركز أصلا علشان اذاكر، ياريتني ما قبلت بيك، ياريتني.
ألقى حازم فرشاة الشعر وتحدث بغضب وهو ينظر لها: إنتي هتحاسبيني يابت إنتي ولا إيه، تكوني فاكرة نافسك ليكي حقوق عندي، لاااااا فوقي كده إنتي عجبتيني، ودفعت فيكي الفلوس اللي كنتي بتتمانيها، عرفتك من نظراتك للعربيه ولكل حاجه، حتى الفون اللي قدمته لك وقبلتي أثبتيلي فكرتي عنك يومها، واحد هغيرك عايشه عيشه مكانتش تحلم بيها، تعيش وهى ساكته إنما تعملي مراتي بقى وكده إنسى ياماما وفوقي.
لم تستطع التحكم في دموعها وتركتها تسبح على وجنتيها لعلها تهدئ ألمها، وقالت: حرام عليك يا أخي إنت إيه مبتحسش، طيب خلاص طلقني بقى وإخلص مني مش خدت اللي عجبتك وزهقت؟
ضحك حازم وتحدث بسخريه: أاااااه ما إنتي خدتي على الطلاق، على العموم أنا سايبك مش حب فيكي، بس علشان عايز حفيد للعيله، وأرتاح بقى من زن أبويا، وأهو انتي تعيشي تربي اللي هتولديه.
نظرت له حسناء بحزن وتحدثت بنبرة حاقده: منك لله يا أخي إنت راجل انت؟ إنت أحقر واحد شوفته في حيا...
لم تكمل جملتها حيث قاطعها حازم بصفعة قويه، تلتها صفعات أخرى ثم أمسكها من خصلاتها بقوة كاد أن يقطعه، وهى تبكي بمرارة، وتألم نظر لها بأعين غاضبة لاتوحي بخير: أنا مش راجل يابنت ال**** طيب أنا هوريكي أنا راجل ولا لأ.
ثم جذبها من خصلاتها بقوة كاد أن يقتلعه بيده، وسط صراخها، ثم ألقاها على الفراش، وذهب اللي الغرفة أغلقه بالمفتاح، وجدها تحاول النهوض صرخ بها بغضب: أوعي تتحركي من مكانك.
نظرت له حسناء، وعيناها لا تكاد ترى بها من كثرة الدموع، وتحدثت بتوسل: خلاص ياحازم أرجوك، أبوس إيديك، خلاص أخرج، إسهر زي ما تحب مش هفتح نفسي، بس متعملش كده أرجوووك.
كانت تلك الكلمات تخرج من شفاها الداميه، إثر الضرب، وهى تنظر له برعب يتجرد من ملابسه، وكأنه وحش ليس إنسان، ثم أمسك حزام بنطاله، ولفه حول يده واقترب منها، لا يبالي بتوسلاتها، ولا برجفة جسدها، ورفع يده وهو يحدثها بغضب: أنا مش راجل، ولا بحس وأنزل الحزام يشق جلدها تصرخ بألم، تترجاه، وتعتذر ليرحمها، لكن هيهات.
أنهى ضربه لها، ثم ألقى ما بيده، وجدها تحاول جر جسدها الممزق لتبتعد عنه حدثها ببرود: رايحة فين ياعروسة، النهارده دخلتك التانيه، علشان أثبتلك أكتر إني راجل.
نظرت له بصدمه، لم يمهلها وقت للرد بل جذبها مرة أخرى ليريها وحشيته بجميع صورها.
بعد وقت أنهى إرتداء ملابسه، وصفف شعره مرة أخرى، وهو يدندن بعض الأغاني، ولم ينظر حتى تجاه الملقاة دون حراك على الفراش، جسد ممزق من كثرة الألم، وروح معذبة تدفع ثمن أطماعها نفيث للغاية.
ترك الغرفة وخرج وكأن شيئآ لم يكن، لتدلف خلفه الخادمة التي تمزق قلبها حزنآ على تلك المسكينة، ساعدتها في الإعتدال، وحاولت تهدأتها، ثم أعدت لها حمامآ دافئآ يخفف ألامها قليلا.
نرجس: اللي مصبرك على الأذى ده إيه يامدام حسناء، ما تقولي لأهلك وتشكيلهم، البيع الكبير لولا انه سافر اليومين دول، مكنش هيسمح باللي حصل ده ابداً.
حسناء بصوت لا يكاد يخرج، ممتزج بدموع الندم: مقدرش لأنهم حذروني، ده كان اختياري، واللي أنا فيه ده عقابي لأني ظلمت قلب أطهر من إني أكون فيه، فعلا هو قالها ملهمش في الطيب، أنا فعلا مليش في قلبه الطيب.
بعد خروج حامد من البيت، ظل يسير على قديمه دون سيارة، شعور الندم يكاد يقتله على ماحدث بينه وبين ملك بعد أن علمت سره.
تلفت يميناً ويساراً وعندما تأكد أنه غير مراقب من قبل رجال والده، أسرع بالذهاب لموطنه الذي يشعر فيه بالأمان، المنزل الذي تقطن فيه زهرة حياته، ذهب للكتف الذي يلقي همومه عليه، ويعلم أنه سيستقبلها بكل حب، ويخفف منها، ذهب لحبيبة عمره وزوجته وردة.
عندما دق الباب دق معه قلب وردة بسعادة، وأسرعت لتفتح له الباب؛ فهى حفظت دقته على الباب عن ظهر قلب، فتحت ولكن عندما رأته بملامح مهمومة، أمسكت يده وأدخلته برفق، وأغلقت الباب.
جلس حامد بانهيار على أريكه قريبه من الباب، فجلست بجانبه وردة، وهي تضع يدها على بطنها المنفخه من الحمل، ثم اقتربت منه، ووضعت يدها على وجهه وتحدثت بنبره حانيه: مالك ياحبيب عمري إيه مزعلك، وليه نظرتك مكسورة إكده ؟
حامد وعنيه في الأرض وفيها دموع ندم: ضربتها ياوردة؛ ضربت ملك.
اتسعت عين وردة ونطقت بصدمة: أباه ياحامد، دي اللي دايماً تقول عليها إنها ضحية زينا، لأن ابوك السبب في تعاستها هى كمان.
حامد رجع راسه لورا وغمض عينيه وبدأ يحكي لوردة اللي حصل من بعد ما سمعت ملك بكلامه مع أبوه.
صعد حامد خلف ملك مسرعآ، ودلف خلفها الغرفه ليجدها تبكي بهستيريه، وتجمع أغراضها بحقيبة كبيرة.
اقترب منها حامد وتحدث برجاء: ملك مهينفعش تمشي دلوك يابت الناس، كان من الأول.
نظرت له بعينان كالجمر وتحدثت بقهر: حرام عليك يا بقى إنت إيه، ليك عين تيجي وتتحدت معايا بعد اللي أني سمعته؟!
زم شفتيه ونظر لها نظرة حادة ثم تحدث بعصبيه: أيوه هتكلم، وإنت عارفه من أول يوم إني مهحبكيش، أني لا ضحكت عليكي بالحب، ولا قربت منيكي، ليه قاعده إهنه من يومها، ليه مروحتيش لأهلك وطلبتي الطلاق.
لم تعد قدمها تتحمل الوقوف فتهاوت على الفراش وتحدثت من بين دموعها: أنا كنت بقول أكيد دي عين حاسده، أو يمكن مع العشرة هتحبني، كنت بحاول أحافظ على بيتي، إنت اللي جيت وطلبت يدي من أخوي، وأنا وافقت لما اتهايألي انك رايدني وشاريني، ومع إني مكنتش أعرفك، ولا كنت أعرف يعني إيه الحب، قررت أعيش معاك على الحلوة، والمرة، بس انت من يوم جوازنا ومشفتش منيك غير المرة، في الأخر تطلع متجوز عليا، واحدة خاطفة رجاله، وبنت******.
تملك الغضب من حامد عندما تحدثت بسوء عن حبيبته، لم يشعر بنفسه إلا وهو يصفعها صفعات متتالية، يتخللها كلامه.
حامد أثناء ضربه لملك: اللي غلطي فيها مرتي، إنما إنتي ولا حاجه، هى عشقي إنما إنتي اتغصبت عليكي علشان أحميها.
تفاجأ حامد أن ملك فقدت وعيها، فشعر بالفزع وكأنه كان مغيب، اقترب منها ونثر بعض قطرات من الماء، على وجهها من كوب كان موضوع بجوار الفراش، وأخذ ينادي بإسمها.
حامد بفزع: ملك إعملي معروف فوقي، حقك عليا أنا أسف يابت الناس، أبوس يدك أني مدارتش بحالي.
فتحت ملك عيناها ببطئ والألم قد تمكن من جسدها، عندما رأته انتفضت وانكمشت برعب.
جلس حامد بجوارها وتحدث بهدوء وحزن وندم: أسف، والله مدارتش بحالي، عارف إنك ضحية، وعارف إني ظلمتك، وأنا لازم أصلح الغلط ده، أني خايف على وردة، أبوي ورا وش الأخلاق الزينه اللي لابسه، فيه قلب قاسي مفيش حد يعرفه إلا أني، صحيح معرفش سببه بس جربته لما كان بيضرب أمي، وينها قدامي، ولما خلاني مكملش علامي واشغلني معاه في محل القماش، اللي كبر في يوم وليلة، واول ماكبرت سبته له، وعملت بتاعي علشان ميكونش امعاه
نهايته ملكيش في الحديت ده بس هو هددني وأني خفت يقتل وردة، هى حب عمري كله من واحنا صغار، حقك عليا يا بت الناس، عارف إن صعب تسامحيني، بس خلاص أنا هصلح غلطتي قريب بس أخد وردة ونبعد عن إهنه، وإنت تشوفي مستقبلك اللي كان هيضيع.
تركها وخرج من الغرفه دون أن تنطق ملك بكلمة، فقط الدموع تنساب بقهر على وجنتيها..
شعرت وردة بمدى حزن حامد، وندمه اقتربت منه أكثر، وضعت يدها على كتفه فارتمى في أحضانها، يحاول أن يستمد قوته من حبها.
فرددت هى بحزن: أنا السبب.
رفع حامد نظره لها: متقوليش إكده، إنتي سبب فرحتي وبس، السبب هو قسوة أبوي.
وردة وضعت يدها على بطنها ونظرت لها بخوف على جنينها وتحدثت بقلق: بس لو مكنش هددك بيا، مكنتش اتجوزتها بالغصب، ودلوك كمان مش قادر تسبني، علشان حبلة.
حامد مسرعآ: أني لا يمكن اسيبك، حتى لو مش حبلة، إنتي النفس اللي بتنفسه ياوردة، أني مش هكون ضعيف تاني، أني خلاص هطلق ملك، لأن ملهاش ذنب أظلمها بيكفي إكده، بس يارب تسامحني على اللي فات، ودلوك هاخدك إنتي وعمي، في شقة اشترتها، في مصر من ورا أبوي، كنت بخطط ليها من وقت، واللي ساعدني سعد صاحبي، هو بيدلى مصر كتير.
وردة: معقول هتسيب أرضك، وابوك، وتغضبه عليك ياحامد، لاه ميصوحش، هو قاسي، بس ابوك ومسيره يحس بيك في يوم، واني متوكده إنه مهيهونش عليه يأذيك.
حامد بعصبية: بقولك هددني إنه هيأذيكي.
وردة بهدء: كان الأول بس لانه مكنش يعرف إني مرتك كان ممكن يأذيني، لكن دلوك هو هددك بس علشان يخوفك، ولو عرف إني حبلة وهيجيله حفيد لا ممكن يأذيني ابداً.
كاد أن يتحدث حامد لكن قاطعه صوت هاتفه.
حامد: السلام عليكم .
عوض بقلق وصوت خافت: إنت فين ياحامد ياولدي.
وقف حامد بقلق: فيه إيه يا عم عوض.
عوض: إلحق ياولدي روح لمرتك وردة وهربها، ابوك عرف إنها حبلة، وكمان رجع البيت لقى مرتك ملك راحت بيت ابوها، سمعته بيكلم حد من غير ما يشوفني، وبيقوله لازم وردة تموت الليلة.
حامد بفزع: بتقول إيه يا عم عوض.
عوض: مش وقته ياولدي خايف حد يسمعني، إلحق هرب مرتك بسرعة.
أغلق حامد الهاتف بسرعة ثم توجه لغرفة والد وردة مسرعآ، تحت نظرات وردة المفزوعة.
حامد بقلق: بسرعة ياوردة ألبسي خلجاتك، وفتح الغرفة، وجد والد وردة مستيقظ.
حامد: ياله ياعمي، ملناش قاعده إهنه بسرعة.
وردة: فيه إيه فاهمنا.
حامد: بسرعة مفيش وقت، أبوي باعت رجالة يقتلوكم، عم عوض دراع أبوي اليمين هو اللي حدتني دلوك.
ارتدت وردة عبائتها مسرعة، وخرجوا من الباب الخلفي للبيت.
ضرب حامد جبهته بضيق وقال: كمان مجبتش عربيتي النهارده، معلهش بسرعة.
ولأنه ذو بنية قوية حمل وردة ذات الجسد النحيف، وركض بها، وخلفه والدها مسرعاً.
عندما وصل رجال علوان لبيت وردة بهدوء، كي لا يشعر بهم أحد، فتحوا الباب بسهوله باستخدام شئ رفيع، وقد ساعدهم أن الوقت متأخر وأغلب أهل البلد في منازلهم نائمون.
لم يجدوا أحداً في البيت، وفتشوه جيداً وجدوا باب خلفي فتحوه، وأخذوا يركضون لعلهم يجدوا أحداً.
والد وردة رجل مسن، أرهقه الركض، لم يستطع المقاومة وقف يلتقط انفاسه، وعندما شعر به حامد وقف وحدثه بعجالة: هانت ياعمي، حقك عليا قربنا نوصل للمحطة.
والد وردة بأنفاس متقطعة: روحوا انتم ياولدي، أني مش مهم، مقادرش .
وردة ببكاء: لا يابوي، إتحمل علشان خاطري مهقدرش اسيبك.
والدها حاضر يابنتي.
وقف واكملوا ركض لكن ليس بنفس السرعة وقبل وصولهم المحطة بقليل، في منطقه تكاد تكون خاليه من البشر الا من بعض المنازل القليلة، كان رجال علوان قد لحقوا بهم، خمس رجال كل واحد منهم مثل جدار بشري، ملثمين.
فزع والد ورده من اقترابهم، وصرخت وردة برعب.
رجل منهم بصوت جهوري: ابعد ياحامد بيه.
نظر لهم حامد وتحدث بغضب رغم خوفه: امشي من إهنه يابهيم انت وهو.
رجل اخر: منقدرش، دي أوامر ولازمن تتنفذ.
حامد اخرج سلاح ووقف امام وردة ووالدها اللي هيقرب هطخه، محدش يقرب منيهم.
اقترب واحد منهم من الخلف، لم يلاحظه حامدوضرب يد حامد، اوقع السلاح من يده، واقترب منه رجلان آخران وقاموا بتكتيفه ومنهم من يقول: إنت اللي اخترت.
رغم قوة جسد حامد إلا أن الكثرة تغلب، مع إجهاده من الركض لم يستطع إلا الصراخ بهم، وتهديدهم.
كممه أحدهم واقترب واحد منهم وضرب والد وردة على راسه وقع مغشيآ عليه.
صرخت وردة واقتربت من والدها: أبوي حرام عليكم، اقتربوا منها وجذبها أحدهم وقال بنبره تبث الشر وهو ينظر لحامد الذي يتلوى يحاول الافلات منهم لإنقاذ زوجته، وولده: كنت عامل فيها سبع رجاله شوف هتجدر تعمل إيه دلوك.
ثم رفع يده ونزل بمؤخرة سلاحه على بطن وردة بكل قوة، ووحشية.
صدرت على إثرها صرخة كالرعد هزت سكون الليل.