رواية جلاب الهوى للكاتبة رضوى جاويش الفصل العاشر
بعنوان ( الحلبية )
هتفت دلال بفضول وهي تجلس بجانب الخالة وسيلة تحت تلك الشمس الدافئة في ذاك الصباح الجميل يجاورهما كمال حفيد الخالة وقد اخذ في تقشير القصب و اعطاءه لدلال التي منذ ان وصل للبيت الكبير وقد أصبحت صديقته الأولى بلا منازع ... ذكرها كثيرا بأخيها نديم في مثل عمره .. كان كتلة من الذكاء و رجاحة العقل مع بعض الشقاوة المحببة لمن هم في مثل سنه الا ان كمال حُرم ذلك نظرا لظروفه التي تحاول ان تستفسر عن أسبابها في تلك اللحظة:- هو كمال ايه اللى حصل لرجله بالظبط ..!؟..
تنهدت الخالة وسيلة وهي تعبث بتراب الأرض بقطعة من عود قصب يابس كانت تمسك به بلا هدف محدد هاتفة في حسرة:- حادثة يا بتي .. كانوا جايين هو وابوه و امه ف العربية واتجلبت بيهم .. راحت امه وابوه .. ولدي الغالي .. ومبجيش الا هو من ريحتهم ..
تنهدت في حزن عميق كأن ما حدث لم يمر عليه عدة سنوات و كأنه حدث في الامس القريب .. ربتت دلال على كتفها متعاطفة وعم الصمت لتقطعه الخالة وسيلة بعدها بلحظات هاتفة:- بالك يا بتي لولا عفيف بيه كان كمال دِه ما حتى جادر يجعد على حيله كيف ما انتِ واعية .. شوفته على حاله دِه نعمة كَبيرة ..
دِه كان راجد مبيتحركش وعفيف بيه الله يستره هو اللي چاب الدكاترة من شرجها وغربها عشانه.. و نجلنا من دارنا البعيدة ف اخر البلد اللي كلها بالطين وچابنا هنا نعيشوا معاه ف الاوضة اللى جرب مطلع السلم اللى بيطلعك ع الدور التانى ف البيت الكبير .. جالى انها هتكون أريح لكمال وعشان أكون چاره دايما ومجلجش عليه وانى هنا..
شردت دلال وهي تطيل النظر لكمال الذي كان بعيدا بكرسيه المدولب في تلك اللحظة وهما يتحدثان عنه ولم تعلق على ما سمعته الا ان الخالة وسيلة أكملت في نبرة متفائلة:- بس عفيف بيه بيجول لي ان الداكاترة ف مصر لما شافوا كمال اخر مرة جالوا انه هيتحسن لو أتعمل له عملية كبيرة بس لما سنه يكبر شوية.. العملية دى هتتكلف كَتييير بس عفيف بيه الله يستره جالي انه هيتكفل بيها .. المهم ان كمال يجوم ويتحرك ذي بجية العيال ..
ابتسمت دلال في سعادة و قلبها يرفرف بين جنباتها لأفعال ذلك الرجل والتي سمعتها من كل المحيطين به.. كان رجل الأفعال الأول على طول الخط ولم يخيب رجاء احدهم .. دوما كان ناشرا للفرحة والسعادة للمحيطين به و كأنه عصا الساحر التي تحقق الأمنيات.. استفاقت فجأة من شرودها على صوت همهمات عالية تطلعت حولها باستغراب الا ان الخالة وسيلة كانت الأسرع منها استجابة لتتجه الى حيث تجئ الأصوات من ناحية الباب الرئيسي للبيت .. طلت برأسها وعادت في ثوان لتسألها دلال:- ايه اللي بيحصل يا خالة ..!؟..
اندفعت الخالة لداخل المندرة هاتفة بها:- تعالي وراي نشوفوا فيه ايه من باب المطبخ ..
لم تكذب دلال خبرا ودفعها الفضول لتلحق بالخالة وسيلة بسرعة حتى وصلا لباب المطبخ المطل على البهو الواسع للبيت الكبير والذي تجمع فيه كل هؤلاء الرجال وفي مقدمتهم عفيف بيه والعجيب ان بينهم امرأة ما .. لا تعرفها ولم ترها من قبل .. و كانت الهمهمات والصخب والجدال الدائر على أشده حتى هتف عفيف بصوته الجهوري متسائلا:- خبر ايه!؟.. هو احنا چينا هنا عشان نتعاركوا ولا نتفاهموا ..!؟..
صمت الجميع ولم يجرؤ احدهم على النطق بحرف بعد كلام عفيف و الذى استكمل حديثه هاتفا:- الكل يجعد ويوحد الله وكل مشكلة وليها حلها باذن الله..
هتف خفاجي احد الرجال الذين كانت المشكلة تخصهم وهو والد تلك الفتاة التي تدعى المسكنة و الغلب:- يا عفيف بيه هو ينفع اللي بيحصل دِه !؟ .. أكمننا غلابة يچوروا على شرف بتي واجعد اني ساكت حتى متكلمش .. ليه!؟.. دِه حتى ميرضيش ربنا ..!؟..
هتف عفيف صارما:- اهدى يا خفاچى هنشوفوا ايه اللى حصل الأول وبعدين لو ليك حج هتخده من عين الكل ..ايه اللى حصل بجى..!؟..
اند فع خفاجي يقص ما حدث من بن احد العائلات الكبيرة فى النجع تجاه ابنته التي لا تجد من يصد الشباب عنها لفقرها وعدم انتماءها لعائلة تحفظ لها حقوقها وشرفها فأضطر للجوء لعائلة أخرى طلبا للحماية ..
و أخيرا هتف في استكانة:- انى عايز حجى يا عفيف بيه وحج بتي..
كانت الفتاة تبكي في لوعة لا تخطئها الاعين.. لكن ما فعله خفاجي أشعل نار كانت ساكنة منذ امد بين العائلتين.. فالشاب المتهم من عائلة بينها وبين العائلة الأخرى التي استجار بها خفاجي الكثير من المشاكل والعداوات التي أخذت أشكال عديدة على مر الزمن واستطاع عفيف إخمادها الى حد كبير .. وما يحدث الان قد يشعل الفتيل و يحرك الجمر الذي تحت الرماد لتندلع نيران العداوة من جديد ..
همست دلال بالقرب من اذن الخالة وسيلة وهما خلف باب المطبخ الموارب تتابعا الذي يحدث:- حرام اللي بيحصل ف البنت الغلبانة دي.. هي فعلا عشان ملهاش حد يتجرأ عليها الشباب كده..!؟...
ابتسمت الخالة وسيلة وهي تضع براد من الماء على الموقد من اجل صنع الشاي لهذا العدد الكبير من الضيوف بالخارج هاتفة بسخرية:- والله انت طيبة جووى يا داكتورة.. دي مين دي اللي غلبانة .. لواحظ الحلبية وابوها خفاچى ..!؟..
هتفت دلال وهي تترك موقعها خلف باب المطبخ باتجاه الخالة تساعدها في وضع الأكواب على الصينية الواسعة:- يعنى ايه حلبية..!؟..
هتفت الخالة وسيلة شارحة:- حلبية يعني م الغچراو النَوّر.. أمها كانت زمان غازية ف الموالد و بتجرا البخت والكف وابوها شرحه .. ملوش شغلانة الا البلطچة وعايش على عرج الحريم ..
وضعت دلال كفها على فمها هاتفة في تعجب:- غجر ..!؟.. هو في غجر بجد !؟..
ابتسمت الخالة وسيلة:- ايوه يا بتي.. كانوا بياجوا ف الموالد و ينصبوا خيامهم برا النچع على ايّام النعماني الكبير ومكنوش يجدروا يدخلوا النعمانية ..دوول يسرجوا الكحل من العين .. وحريمهم أية ف الچمال يهبلوا اي راچل .. و منيهم كَتير ياما ضحكوا على عجول رچالة بشنبات .. اللي ساب مرته و ارضه وفضل يچرى ورا واحدة منيهم واللي عرفت تضحك على عجله وخلته يتچوزها وفي اللي خلف منيهم كمان..
حكايات ياما وفضايح لعوايل كَتير بسببهم ..و دوول .. و اشارت للخارج تقصد خفاجي وابنته لواحظ .. مبياچوش الا والمصايب ف رچلهم كيف ما انتِ واعية .. ربنا يستر والعيلتين ميجعوش ف بعض بسببهم و الدنيا تولع ..
همست دلال في ذعر:- للدرجة دي ..!؟.. طب بس اللى انتِ قولتيه ده يا خالة مش المفروض كل اللي بره عارفينه ..!؟.. ليه بقى الحمقة الكدابة و اللمة اللى ملهاش لازمة دي ..!؟..
ابتسمت الخالة وسيلة:- تلكيكة يا بتي .. العيلتين م الأساس بينهم حزازيات وعداوات وبيتلككوا لبعض بعد ما عفيف بيه خد وعد من كبراتهم بالصلح .. لكن اللي ف الجلب ف الجلب .. واهااا چت فرصة يرچعوا يمسكوا ف خناج بعض تاني ..
عادت دلال تتطلع من خلف باب المطبخ لتعلم ما آلت اليه الأمور بالبهو لتسمع احد الرجال يهتف غاضبا:- الراچل استچار بينا يا عفيف بيه عايزينا ايه.. نطلعوا عيال منجدرش نچيره هو وبته !؟..
هتف عفيف بحزم:- مجلناش كِده يا حچ مندور .. نهدى وكل حاچة ليها حل ..
هتف خفاجي مستجيرا بالحج مندور:- چيرني يا حچ اني وبتي خد حجي وحجها من واد أبوالدهب..
كاد عفيف يقطع لسان خفاجي الذي ينفخ في النار التي يحاول ان يخمدها في مهدها ..
ليهتف رأس عائلة ابوالدهب هاتفا في غضب هادر:- طب اياك حد منيكم يجرب من ولدي والله ما يكفيني فيه رچالة ابومندور كلهم ..
دخلت الخالة وسيلة عند تلك النقطة الحاسمة من الاحداث ووضعت صينية الشاي على الطاولة ليهتف عفيف بصوت هادر:- خبر ايه يا رچالة..!؟.. مكنش دِه اتفاجنا جبل سابج ..
اقتربت الخالة وسيلة منه هامسة بالقرب من أذنه في سرعة ثم عادت ادراجها للداخل ليستطرد عفيف أمرا:- اشربوا الشاي واستهدوا بالله .. دجيجة وراچع ..
واندفع للداخل حيث كانت تنتظره دلال وهي لا تدرك ان ما تفعله صحيح ام قد لا يلاقي استحسانه حتى ما اذا ظهر أخيرا على اعتاب المطبخ حتى همس في صوت قلق:- خير يا داكتورة ..الخالة وسيلة جالت لي انك عوزاني ضروري .. يا رب خير ..عشان أني سايب الرچالة بره وعايز ارچع لهم ..
هتفت دلال:- اكيد خير باذن الله .. وفركت كفيها إحراجا و توترا و أخيرا هتفت من جديد:- عفيف بيه.. ممكن تبعت لي البنت اللي بره دي ..!؟..
هتف عفيف متعجبا:- لواحظ ..!؟.. ليه يا داكتورة ..!؟..
هتفت من جديد:- اهو يا عفيف بيه.. يمكن اعرف ألاقي حل للمشكلة دي .. يوضع سره ف اضعف خلقه..
هتف عفيف:- العفو يا داكتورة .. حاضرهبعتها وانا متأكد انك هتعملي الصالح ..
اندفع للخارج وما هي الا لحظات حتى كانت لواحظ تدلف للمطبخ و هي تتبختر في خيلاء تختلف تماما عن تلك المسكنة التي كانت تدعيها بالخارج لذا صدقت دلال ما حكت عنه الخالة وسيلة عن اصل تلك الفتاة وسمعتها .. هتفت بها دلال أمرة:- اتفضلي من هنا ..
أدخلتها غرفة الكشف وهنا تنبهت الفتاة لدلال هاتفة:- مش انتِ الداكتورة اللي بيجولوا عنها ..!؟..
هتفت دلال بحزم:- ايوه انا .. ممكن تتفضلي على سرير الكشف..
هتفت الفتاة في نزق:- كشف ليه لا سمح الله ..!؟.. اني صاغ سليم ..
ابتسمت دلال:- طب لما انتِ صاغ سليم يبقى نطلع نقول للناس اللي بره دي انك بتتبلي على بن أبوالدهب ولا ايه..!؟
بهت لون لواحظ هاتفة وهي تحاول استمالة دلال ببكاء مصطنع الا ان دلال قررت مجاراتها متصنعة التعاطف معها هامسة:- انا عايزة مصلحتك .. لو كشفت عليكِ .. عفيف بيه هيجيب لك حقك لحد عندك ..
هتفت في حماس:- صح ..!؟..
اكدت دلال بايماءة من رأسها لتخضع لواحظ لها وتسمح لدلال بفحصها ..
عادت لواحظ الى مجلس الرجال تحتمى بأبيها في خجل مصطنع بينما اندفع عفيف للداخل يستطلع رأى دلال هاتفا في تعجل وهو يطالعها:- ها يا داكتورة .. عرفتي حاچة ..!؟..
هتفت دلال وهي تطأطئ رأسها خجلا:- البنت يا عفيف بيه مش عذراء ..
هتفت الخالة وسيلة وهي تضرب على صدرها في صدمة:- استر على ولايانا يا رب ..
وهتف عفيف مبهوتا:- معنى كِده ان كلام البت وابوها صح .. و ان واد أبوالدهب ..
لم يكمل عفيف لان دلال قاطعته هاتفة:- انا مقلتش كده يا عفيف بيه .. البنت اه مش عذراء .. بس مش بسبب اعتداء حديث يا دوب ذى ما سمعت كان من كام ساعة بس .. ده مستحيل ..
بهت عفيف هاتفا:- انتِ متاكدة يا داكتورة .. !؟..دي أعراض ناس ..
هتفت بنبرة مؤكدة:- لو انا مش متأكدة مكنتش هنطق بكلمة واحدة ف حقها يا عفيف بيه .. لان ذي ما حضرتك قلت .. دى أعراض ناس..
هز عفيف رأسه متفهما واندفع من المطبخ للخارج لتندفع خلفه الخالة وسيلة مطلة برأسها من خلف الباب هامسة:- تعالى نشوفوا عفيف بيه هيعمل ايه بعد اللي جولتيه .. دِه كلام تطير فيه رجاب ..
هتف عفيف في الرجال المتحفزة بالخارج بصرامة:- البيت بيتكم يا رچالة .. و الغدا عندينا النهاردة .. تعال يا خفاچى عايزك ف كلمتين..
تطلع خفاجي الى نصيره الحاج مندور يطلب العون .. الا ان الحاج مندور لم يحرك ساكنا و كيف يكون له اعتراض على طلب لعفيف النعماني .. لذا أعاد لواحظ لمكان الحريم وسار خلف عفيف صاعدا الدرج حتى مكتبه والذى أغلقه عفيف بأحكام جعل الدماء تتوقف في شرايين خفاجي خوفا ..
دار عفيف خلف المكتب هاتفا في خفاجي بصرامة جعلته يرتجف من اعلى رأسه حتى اخمص قدميه:- تاخد كام ونفضوها الحكاية دي..!؟..
هتف خفاجي متصنعا الذهول:- أبيع شرفي يا بيه ..!؟..
هتف عفيف بصوت مكتوم يحمل غضب عارما:- بجولك ايه ..!؟.. الشويتين دول تضحك بيهم على حد غيري .. بتك مهياش خضرا الشريفة وانت عارف كِده .. فبلاها الجصص دي .. والمصُلحة اللي كنت هتطلع بيها من عيلة مندور نخلصوها دلوجت وتنزل تجول انك خلاص مستغني عن چيرتهم ليك .. وان الموضوع بجي ف يدى .. هااا .. جلت ايه ..!؟..
استكان خفاجي مطأطئ الرأس هاتفا:- وانا ليا جول بعد جولك يا عفيف بيه ..!؟..
فتح عفيف خزانته واخرج منها رزمتين من النقود ألقاها على سطح المكتب بالقرب من خفاجي هاتفا:- كِده متهئ لى كفاية عليك .. ولا ليك كلام تاني ..!؟..
اندفع خفاجي يحمل المال في شره واضح اشعر عفيف بالاشمئزاز و الاخر يهتف في سعار واضح لرؤية المال:- كفاية يا عفيف بيه .. دِه كفاية جووى ..
اندفع عفيف من المكتب يعقبه ذاك المتاجر بعرضه لينفذ ما اتفقا عليه لتهدأ نار الفتنة التي لعن الله من كان على وشك إيقاظها من جديد ..
تململت على الفراش و هي تسمع همهمات متكررة دفعتها لتستيقظ دفعة واحدة لتنهض في ذعر متجهة الى ذاك الذى كان يهمهم بصوت عال .. اقتربت تهزه في خوف:- نديم .. نديم .. رد عليا ..
لم ينطق حرفا الا تلك المقاطع المبهمة التي لا تفسر.. اسم واحد ظل يردده في تكرار محموم .. اسم اخته دلال ..
وضعت كفها على جبينه في تردد لترفعه منتفضة لسخونته .. ماذا عليها ان تفعل الان ...!؟.. انها وحيدة هاهنا .. و قد منعها الخروج الا باذنه ومعه ..كما انها لا تعلم شيئا في هذه المنطقة ... ظلت تجئ وتروح في تردد داخل الغرفة لا تستطيع اتخاذ قرار مناسب .. و أخيرا حزمت امرها .. فهى لن تتركه في هذه الحالة دون ان تتصرف بأقل ما يمكنها .. مدت كفها لحافظته تتناول منها بعض النقود وتفتح الباب بالمفتاح وتخرج وتغلقه من جديد وهي تؤكد على قدرتها على التصرف فهو لو كان مكانها ما تركها تهزي بهذه الطريقة وجسدها يمور بالحمى دون ان يندفع محاولا انقاذها .. و هذا ما تحاول القيام به الان .. مهما كلفها الامر .. وحتى لو مخالفة لتعليماته المشددة ..
رحل الرجال جميعا من البيت الكبير وحُلت المشكلة من جذورها فما عاد خفاجي بقادر على استخدام تلك الخدعة القذرة مرة أخرى و الاتجار بشرف ابنته من جديد بعد ان أكد عليه عفيف انه سيصمت هذه المرة لان الله امر بالستر لكن لو تكرر الامر فسيفضخه وابنته على رؤوس الأشهاد مؤكدا انها ليست تلك الشريفة التي تراق لاجلها الدماء الغالية ..و ان الطبيبة اكدت ما يعلمه هو قبل الجميع عن ابنته .. لكن لزم البينة .. و ها قد جاءت واضحة صريحة واى محاولة قذرة من هذا النوع سيكون طرده وابنته من النعمانية هو الحل الأمثل ..
تنهد عفيف في راحة و هو يدخل للبيت الكبير ليراها تروح وتجرى مع الخالة وسيلة مساعدة إياها في نقل أكواب الشاي و الاطباق للمطبخ ليهتف بها:- يا داكتورة.!؟..
انتبهت لندائه لتتوقف في منتصف الطريق للمطبخ لتعاجلها الخالة وسيلة بتناول الاطباق من كفيها لتتجه لعفيف حيث يقف هاتفة:- نعم يا عفيف بيه !؟..
ابتسم في امتنان هاتفا:- انا مش عارف أتشكر لك ازاي على اللي حصل النهاردة !؟..
همست بخجل:- على ايه ..!.. انا معملتش حاجة ..
هتف مؤكدة:- كيف معملتيش..!.. انتِ حليتى المشكلة دي من چدورها ومعدتش البت دي ولا ابوها يجدروا ينطجوا تاني .. دِه ياما حصل مشاكل من تحت راسهم ..
ابتسمت في بساطة هاتفة:- انا مبسوطة اني قدرت اساعد باللي اقدر عليه ...
كانت ابتسامتها على وجهها الصبوح تطرح رياحين من البهجة في شوارع صدره وتزرع السعادة وتصبها صبا في دمه .. شرد في محياها دون ان يتنبه لحاله فاضطربت خلاياها وهي لا تدرى أين يمكنها توجيه ناظريها بعيد عن نظراته الشاردة فيها و الهائمة بها وأخيرا همست في خجل مندفعة عنه مبتعدة في اضطراب كاد ان يجعلها تتعرقل في خطواتها المتعجلة ليستفيق هو وهي تبتعد لا يصدق انه فقد السيطرة على نفسه في حضرة ابتسامتها بهذا الشكل ..
طلت من شرفة حجرتها ما ان سمعت لكل هذا الهرج والضجيج بالخارج .. كان موكب عروس تمر من امام البيت الكبير .. توقف الموكب و حاولت ان تستنتج اين يمكن ان تكون العروس فى وسط هذا الزحام .. لكنها لم تستطع .. ابتسمت فى فرحة متمنية للعروس حياة سعيدة ..
نزلت من حجرتها وهى لا تزل تستمع لصوت الطبل والمزمار بالخارج .. توجهت للخالة وسيلة بالمطبخ لتساعدها وتكسر ذاك الملل فاليوم لم تأتها اي حالة الى غرفة الكشف ..
ابتسمت الخالة وسيلة ما ان دلفت دلال للمطبخ و التى هتفت بسعادة:- فى فرح بره .. يا ترى ده فرح مين!؟.. تعرفي يا خالة ..!؟..
هتفت وسيلة مؤكدة:- دِه مش فرح .. دِه زفة لشوار العروسة ..
تعجبت دلال:- ازاي يعني !؟.. و يعنى ايه شوار !؟..
اكدت وسيلة مبتسمة:- يعنى چهازها يا بتي .. عجبال چهازك يا رب .. احنا هنا عوايدنا ناخد چاهز العروسة من بيت ابوها لبيت چوزها بزفة كَبيرة ..
هتفت دلال في دهشة:- طب و ليه!؟.. ما تروح حاجتها على بيت جوزها عادي .. هو لازم أمة لا اله الا الله تتفرج !؟.. ده انا افتكرته فرح و زفة العروسة من كتر الهيصة دي وقعدت ادور فين العروسة مش شيفاها ليه !؟..
قهقهت وسيلة هاتفة:- اهااا تجولى ايه ..عوايد فاضية .. جال يعني الناس تعرف ان اهل العروسة مكلفين چهازها و چايبين الدنيا لبتهم .. فشخرة كدابة .. بس عوايد.. ربنا يهدي ..
تساءلت دلال:- بس مقلتليش .. ده فرح مين بقى !؟..
هتفت وسيلة:- فرح نادية بت محروس النميري على واد خالها اللى لسه چاى م الخليچ ..
صرخت دلال فى صدمة:- نادية!؟.. هى بنت صغيرة عندها بتاع ١٥ سنة كده !؟..
اكدت وسيلة فى اضطراب:- اه .. هى يا بتي .. انتِ تعرفيها !؟..
اندفعت دلال من امام وسيلة فى اتجاه المندرة مرة اخرى هاتفة فى تحدى:- انا مش ممكن أخلى الفرح ده يتم .. البنت لسه صغيرة .. حرام عليهم ..
كيف لأبوها ان يزوجها ولم يحصل على شهادة تسنين لها !؟.. لابد و انهم حصلوا على واحدة .. و هى لن تدع ذاك الطبيب الذى ارتكب هذه الجريمة فى حق تلك الطفلة .. لن تدعه ابدا ..
اندفعت فى اتجاه بيت الطفلة و ما ان وصلته بعد عدة اسئلة من هنا و هناك حتى تسلك الطريق الصحيح.. وصلت لبيت طيني منخفض بابه خشبى متهالك وسقفه من جريد .. توقفت لحظات تتطلع للبيت الطيني من الخارج وتعجبت .. كيف استطاع ابونادية شراء ذاك الجهاز الباهظ الثمن لابنته وهو يعيش في بيت على هذه الحال التى تراها !؟..
طرقت الباب الخشبي المتأكل ليظهر ابونادية على عتباته .. تطلع اليها في صدمة اولا ثم تحولت هذه النظرات الى تساؤل مخلوط بضيق حاول مداراته ..
هتف بها:- اهلًا يا داكتورة .. اى خدمة !؟..
هتفت به متسائلة فى غضب مكتوم حاولت السيطرة عليه قدر استطاعتها:- انت جبت شهادة تسنين بنتك منين !؟.. مين اللي أداك الشهادة !؟..
نظر اليها الرجل شذرا وهتف اخيرا:- مچبتش شهادات .. و مش محتاچها .. اني هعرف اچوز بتي بمعرفتي .. ولا الحوچة لشهادتكم..
هتفت بغيظ:- يعني ايه !؟.. انت عمرك ما هتعرف تجوزها من غير شهادة تأكد سنها الحقيقي بمعرفة دكتور .. و مفيش مأذون هيكتب كتابها الا بالشهادة دي ..
لم يرد الرجل و تركها تعانى الحيرة من جوابه الغامض و اخيرا هتفت به متوقعة انه يتحايل على الامر محاولا اختلاق الأكاذيب:- ع العموم انا عرفت مين الدكتور اللى ممكن يكون كتب شهادة التسنين دى .. و انا مش هسكت .. و مش هسيبك تأذي بنتك عشان جوازة من عريس ضعف عمرها لمجرد ان معاه فلوس ..
و اندفعت مبتعدة و هى فى سبيلها لذاك الذى اعتقدت انه مشاركا بالنصيب الأكبر فى تلك الكارثة التى سيدفع ثمنها طفلة لا حول لها و لا قوة ..
دفعت باب الحجرة و هى تحمل تلك الأغراض التى ابتاعتها .. دلفت و اغلقت الباب خلفها بالمفتاح .. و تطلعت اليه .. كان لايزل يهزي كما تركته والحمى لاتزل ترتع بجسده .. تركت الاكياس التى كانت تحملها جانبا وفتحت احدهما تخرج منه دواء قد ابتاعته ليعالج حالته من احدى الصيدليات القريبة ..
اقتربت منه تحاول إيقاظه لكن لا فائدة ترجى .. كان لايزل يهزي باسم اخته .. دمعت عيناها اشفاقا على حاله .. نصحها الصيدلي بخفض درجة حرارته .. ومن ثم اعطاءه الدواء .. لكن كيف يمكنها ذلك .. لا يوجد بالغرفة أطباقاً ولا مناشف ولا شئ يمكن ان تعتمد عليه .. لم يكن امامها الا محاولة وضعه تحت ماء منساب من صنبور المغطس .. تحاملت على نفسها وجذبت كفه اليها حتى ينهض فى تثاقل معها .. كان نصف واعً .. يفتح جفونه فى تثاقل متطلعا اليها ثم يعاود إغلاقها من جديد فى وهن ..
هتفت وهى تتحامل على نفسها حتى يسير معها بخطى متثاقلة:- تعال على نفسك شوية يا نديم .. خطوتين كمان معلش .. خلاص هانت ..
كانت تشجعه وهى الاولى بالتشجيع فقد كان حمل جسده كله تقريبا ملقا على كتفيها .. تنفست الصعداء ما وضعت جسده على حافة المغطس… كان يلقى رأسه بصدرها غير قادر على رفعه و كأن رقبته أضحت هلاما لا يمكنها حمل ذاك الرأس بثقله كما اعتادت..
اضطربت و هى بهذا الوضع .. لكنها تحاملت على نفسها حتى أجلسته داخل المغطس ..
فتحت الماء الفاتر وبدأت في توجيهه لجسده اولا ثم رأسه الذي يغلى .. انتفض جسده كله ما ان لامسه الماء وفتح عينيه في صدمة.. كانت نظرة خاطفة و استفاقة مؤقتة .. بدأ بعدها يهتف بحروف متقطعة:- انااا .. برررداان ..
هتفت ناهد و هى تجلس على حافة المغطس توزع الماء على جسده:- معلش .. حجك عليا .. بس حرارتك تنزل شوية .. استحمل عشان خاطري ..
كان يئن في وجع أدمى قلبها وهو يسند رأسه على حافة المغطس الباردة خلف رقبته .. بدأت حرارته فى الانخفاض تدريجيا و كان عليها اعادة الكرة من جديد وإعادته للحجرة ..
همست به:- نديم ..ايدك معايا ارچعك الاوضة ترتاح ..
هز رأسه بالإيجاب فى تثاقل و قد بدأ فى استعادة وعيه قليلا .. مدت كفها محاولة جذبه خارج المغطس الا ان الارض الزلقة حوله كانت كفيلة لتجعل ثباتها يختل ميزانه و تسقط بدورها داخل المغطس فوق جسده مباشرة .. لتشهق فى صدمة و قد ابتلت ملابسها كليا .. و الأدهى من ذلك .. هو ذاك الوضع الذى اصبح فيه كلاهما ..
رفع رأسه اليها هاتفا فى سخرية و ابتسامة واهنة تكلل محياه:- جبتك يا عبدالمعين تعيني .. لقيتك يا عبدالمعين تتعان ..
شعرت بالحرج الشديد وقاومت حتى دفعت بنفسها خارج المغطس تحاول الوقوف فى حذّر متجنبة الانزلاق من جديد هاتفة:- اهو عبدالمعين جام بالسلامة .. هات ايدك اساعدك تخرچ انت كمان..
مد كفه اليها محاولا الصمود حتى لا يثقل على كاهلها وما ان خرج من المغطس حتى استند رغما عنه على كتفها فقد استنفذ جزء كبير من طاقته للخروج ..
خطوات وئيدة حذرة اتخذاها حتى خرجا اخيرا من الحمام .. وقفا على أعتابه تتساقط قطرات المياه من ملابسهما ..لم يكن من المنطقي البقاء بهذا الشكل .. على كل منهما استبدال ملابسه والا سيكون المرض مصيرها هى الاخرى و سيشتد عليه المرض بدوره ..
اندفعت ناهد باتجاه المنشفة الوحيدة بالغرفة .. تناولتها و بدأت فى تجفيف رأسه .. ما ان أبعدت المنشفة عن محياه حتى نظر اليها مبتسما في امتنان ابتسامة حركت شئ ما بداخلها أثار ارتباكها و خاصة وهو بهذا الشكل المشعث ..
هتفت فى عجالة تحاول السيطرة على اضطرابها:- لازما تغير هدومك دي .. عشان اديك الدوا و تدفى كويس ..
هز رأسه موافقا وبدأ فى خلع ملابسه .. قطعة قطعة وهو لايزل على اعتاب الحمام و يلق بها اسفل أقدامه ..
هتفت صارخة ما ان استدارت بعد ان اخرجت له ملابس نظيفة من قلب حقيبته التى كانت موضوعة بأحد اركان الغرفة:- انت بتعمل ايه !؟..
هتف متعجبا:- بغير هدومي ذي ما قلتي !؟..
عادت اليه القهقري بظهرها تمد له كفها بملابسه كلها دفعة واحدة ..
هتف متعجبا:- هاخدها ازاى كلها مرة واحدة !؟.. استني ناولينى حاجة .. حاجة .. ربنا يعلم انا واقف صالب طولي بالعافية ..
اشفقت عليه .. فمنذ ساعة تقريبا كان فى عالم اخر .. اومأت برأسها توافقه وهمست ما ان ادركت انه لا ير اشارة رأسها:- حاااضر .. اتفضل ..
و بدأت فى تسلميه ملابسه قطعة تلو الاخرى .. كانت تكاد تموت خجلا وحياء وهى تمسك بقطعه الخاصة بين كفيها بهذا الشكل و شكرت الله عندما انتهى اخيرا وبدأ فى التوجه لأريكته الضيقة بخطى متثاقلة ..
وقفت بطريقه هاتفة وهى تضع كفها على عضده تغير مسار سيره لتوجهه نحو الفراش هاتفة:- دورك تنام النهاردة ع السرير .. انت تعبان و محتاج ترتاح ..
لم يكن لديه من الطاقة القدر الكاف الذى يمكنه من جدالها .. لذا سار معها حيث الفراش ومدد جسده عليه في إعياء واضح .. جذبت الغطاء و دثرته جيدا .. و اندفعت تناوله حبة الدواء التى وصفها الطبيب .. تناولها فى صمت .. واغمض جفنيه..
همس مناديا:- ناهد ..
استدارت اليه ملبية و قد توقفت و هى فى طريقها للحمام هاتفة:- نعم..
همس بصوت نبراته تشي بمدي تعبه:- شكرًا ..
لم تجبه بكلمة واحدة بل حملت ملابسها وولجت للحمام لتنال حمام دافئ يخرج ذاك البرد الذى بدأ ينخر بعظامها ..
اغلقت الباب خلفها وقد تناهى لمسامعها صوت غطيطه المرتفع قليلا عن المعتاد نظرا لمرضه .. تنهدت فى راحة .. و ابتسمت و هى تجيب نفسها .. العفو ..