رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل السابع والعشرون
كان ظافر مايزال يتبع سيارة أميرة، ليجد سيارتها تتوقف بجوار الكورنيش، لتنزل منها أميرة بهدوء يتبعها الحارس، رآها تنهرهه بوجه غاضب والحارس يجادلها، أمسكت هاتفها واتصلت بأحدهم ثم ناولت الحارس هاتفها، استمع الى محدثه وهو يهز رأسه ثم ناولها الهاتف وتحدث مع السائق ليركبا السيارة وينطلقان بها، أدرك ظافر ان اليوم هو يوم سعده وكأن حبيبته شعرت بحاجته للانفراد بها ليحادثها وحدها، اقتربت أميرة من سور الكورنيش وتوقفت تتأمل النيل بشرود وحزن علا قسماتها، نزل ظافر من السيارة واقترب منها ليقف خلفها مباشرة قائلا بهمس:.
أميرة.
أغمضت أميرة عينيها تقول بهمس:
اتجننتى وبقيتى بتسمعى صوته وهو بيناديكى كمان ياأميرة.
ابتسم ظافر ليقول مجددا بصوت أعلى:
أميرة.
فتحت عينيها على اتساعهما واستدارت بسرعة لتجده أمامها، قالت بصدمة:
ظافر!
ابتسم قائلا:
كويس انك لسة فاكرة اسمى.
أفاقت من صدمتها لتكسو ملامحها البرودة قائلة:
طبعا فاكراه، انا لسة سايبة بيتك انبارح، مش معقول هلحق أنساه يعنى، ده غير انك الكاتب المفضل عندى.
نظر الى عمق عينيها وهو يقول بهمس:
الكاتب المفضل بس؟
تاهت فى ثنايا عينيه لتقول متلعثمة:
لأ، أيوة، قصدى يعنى انك مش بس كدة، انت كمان الراجل اللى كان بيته ملجأ لية فى وقت احتجت فيه لمكان أستخبى فيه.
أخرج ظافر ورقة من جيبه وأشار لها بها وهو يقول:
يعنى أنا مش توأم روحك ياأميرة؟
نظرت أميرة الى الورقة بصدمة، تلعن غبائها الذى جعلها تنسى مثل تلك الورقة، لتعود بنظراتها اليه وتجده يبتسم لها بحنان، ابتلعت ريقها قائلة بتوتر:
دى، دى...
اقترب بوجهه منها ينظر الى عينيها قائلا:
ده كلام قلبك ياأميرة.
التفتت تنظر الى النيل وهى تبتعد عن نظراته التى تحاصرها وهى تقول بحزن:.
ده كلام واحدة هابلة، افتكرت انها عايشة قصة حلوة، قابلت فيها واحد كانت معجبة بيه من قبل ما تشوفه ولما قابلته حست انه شبهها، قريب منها، ليه ماضى مأثر فيه زيها، حست أنه توأم روحها فحبته من كل قلبها بس...
وصمتت ليحيط ظافر كتفيها بذراعيه ويلفها ليجبرها على مواجهته قائلا بحيرة:
بس ايه ياأميرة؟
نظرت الى عمق عينيه قائلة:
مع الأسف، اكتشفت انها قصة مش حقيقية، خيالية، حلم وفقت منه.
عقد حاجبيه قائلا:.
قصدك ايه؟مشاعرك مكنتش حقيقية ياأميرة؟
ابتسمت فى مرارة قائلة:
مشاعرى الحاجة الوحيدة اللى كانت حقيقية فى قصتى، وانت، انت مجرد كاتب قلبه طيب رغم كل محاولاته عشان يقسيه، صعبت عليه وشفق على حالى فعرض علية الجواز عشان ينقذنى، بس مع الأسف مستحيل اقبل اتجوزك شفقة ياظافر.
قال ظافر فى هدوء:
وتفتكرى فيه راجل فى الدنيا بيتجوز شفقة ياأميرة؟
نظرت اليه فى حيرة ليستطرد قائلا:.
الكاتب بطبعه بيكون حساس، بيفهم شخصية اللى أدامه علطول ومن اول لحظة، وأنا فهمتها من الاول بس غصب عنى انجذبت ليها..
أدركت اميرة أن ظافر يتحدث عن سوزان، تلك الفتاة التى خانته سابقا وأفقدته الثقة بالنساء، لتشعر بالدهشة وهى تراه يفتح لها قلبه ويتحدث عن تلك الفتاة لأول مرة.
تنهد قائلا:.
جمالها مكنش عادى وبمكر وخداع حوا، قدرت تخلى كاتب ملوش تجارب زيى يقع فى حبها، ساعدها طبعا ان كل حياتى كانت بين الكتب، غير أفكارى ومشاعرى الرومانسية اللى خليتنى أتغاضى عن صورتها الواضحة وافتكر انى اقدر أغيرها بحبى، بس مع الأسف محصلش وأول ما ملت منى اختارت غيرى يكون محور اهتمامها، أصلها ملولة أوى، وحياتها كل مقضياها من راجل للتانى، كرهت الحب بعد صدمتى فيها وبعدت عن الناس والبشر لغاية ما فى يوم خبطت على بابى حورية جميلة، من أول لحظة جذبتنى ليها، حاولت أتجاهلها، أشك فيها عشان مسمحش لنفسى أضعف أدامها وأقع فى حبها، حاولت أكون بارد، قاسى، لكن هى فضلت بطيبتها ورقتها واهتمامها تجذبنى أكتر، ولما عرضت عليها الجواز قلت زيها ان السبب شفقتى عليها من مصير محبتهوش، بس دى كانت كدبة حاولت أصدقها عشان أبرر رغبتى فيها ومشاعرى من ناحيتها، وغيرتى ورفضى ان حد غيرى ممكن يملكها، ولما رفضت قلبى وجعنى، وحسيت انى فعلا بحبها وعشت على أمل انى هقدر أقنعها، ولما مشيت فجأة استغربت تصرفها وقلت انى بالنسبة لها ولا حاجة، لغاية ما شفت الورقة دى ياأميرة، وعرفت مشاعرك، انتى حوريتى اللى ما صدقت لاقيتها وكنت متأكد انها بتحبنى بس هروبها شككنى فى احساسى اللى لغاية دلوقتى مش فاهمه، ومستنيكى تفهميهولى ياأميرة.
كانت أميرة تستمع الى اعترافاته لها بذهول، انه ظافر من يقف أمامها يعترف بحبه لها، كادت أن تقفز فرحا لولا ذكرى تلك الليلة التى رأت فيها تلك الممثلة وهى تتسلل الى حجرته لتغيم ملامحها الجميلة بنظرة حزينة، أثارت حيرة ظافر وقلقه ليقول بضعف:
أميرة قولى حاجة، طمنينى؟
رفعت اليه عينين حزينتين تمتلآن بالدموع وهى تقول بأسى:.
كان نفسى أقولك ياظافر حاجات كتير فى قلبى ارد بيها على كلام كنت بحلم أسمعه منك بس مع الأسف مش قادرة أصدقك لان اللى بيحب ميعملش اللى انت عملته.
عقد ظافر حاجبيه قائلا فى حيرة:
أنا عملت ايه ياأميرة؟
سقطت دموعها قائلة:
خنتنى.
نظر اليها بصدمة قائلا:
خنتك؟
قالت بمرارة:
متحاولش تنكر أنا شفتها بعينى داخلالك بالليل، كان ممكن أستحمل أى حاجة فى الدنيا إلا كدة، إلا الخيانة ياظافر.
أنار عقله ما تصورته وأن ما يحزنها ويبعدها عنه تخيلها بأنه خانها ليدرك أن سبب رحيلها كان ذلك التصور الخاطئ، اقترب منها يمد يده بحنان يمسح دموعها، استسلمت للمسات يده الحانية ونظراته فاللعنة على قلبها، رغم كل شئ مازال يعشقه، ابتسم قائلا:.
اللى شفتيه كان محاولة هابلة من ممثلة فاشلة، عشان تغرينى واستسلم ليها، بس ده مستحيل ل ٣ أسباب، الأول انها بتفكرنى بواحدة خدعت قلبى زمان وفضلت ورايا لحد ما وقعتنى فى حبها وبعدين خانتنى بس ظافر زمان كان ساذج وبرئ دلوقتى بقى واحد تانى مستحيل يقع بسهولة فى خداع أمثالها، ثانيا أنا مش ممكن أعمل حاجة حرام، مش فى طبعى ولا يمكن اكون أبدا كدة وأظن انتى عشتى معايا مدة كفاية عشان تعرفى طبعى، ثالثا وده الأهم انى بحبك فإزاى بعد ما لقيت الانسانة اللى قدرت ترجعلى ايمانى بالحب وتخلى قلبى يعشق من جديد، ازاى بسهولة كدة أضيعها من ايدى، مستحيل طبعا.
ظهرت الفرحة جلية على ملامح أميرة وهى تقول:
يعنى انت بجد بتحبنى ياظافر؟
ابتسم قائلا:
لأ بهزر، طبعا بتكلم جد ياأميرة.
قالت فى حيرة:
بس كل تصرفاتك كانت بتقول انك بتحبها هى.
ليتسلل الى صوتها نبرة العتاب وهى تقول مستطردة:
ده انت حبستنى فى اوضتى يوم كامل عشان تكونوا لوحدكم وبراحتكم..
قرصها فى خدها برقة قائلا:.
وليه متقوليش انى كنت بثير غيرتك، بعرف مشاعرك ايه من ناحيتى، انتى لما رفضتينى خليتينى أكدب كل المشاعر اللى كنت بلمحها فى عنيكى ياأميرة، أنا محبتش حد فى حياتى أد ما حبيتك انتى.
ابتسمت أميرة قائلة فى سعادة:
بجد ياظافر؟
ابتسم قائلا فى حنان:
بجد ياقلب ظافر.
ليأخذ نفسا عميقا وهو يمد يده فى جيبه ويخرج علبة صغيرة جالسا على احدى ركبتيه وسط دهشة أميرة ليمد يده ويمسك يدها باحدى يديه ويمد يده الأخرى بالعلبة التى فتحها ليظهر داخلها خاتما ذهبيا يحمل فصا ماسيا وهو يقول:
أميرة تقبلى تتجوزينى؟
أحست أميرة أنها تطير من السعادة لتومئ برأسها فى لهفة ليمسك ظافر الخاتم ويلبسه اياه برقة ثم ينهض وهو يأخذها بين ذراعيه يلفها فى سعادة وسط تصفيق بعض المارة القليلون والذين وقفوا يشهدون تلك اللحظة المميزة، لتشعر أميرة بالخجل وهى تلاحظ وجود جمهور لأسعد لحظات حياتها، انزلها ظافر وهو يمسك يدها ويميل برأسه محييا الجمهور بسعادة لتطرق أمانى برأسها فى خجل فبدأ المارة بالإنصراف ليلتفت اليها ظافر قائلا:.
أنا مش قادر أستنى، عايز أروح لباباكى حالا واتقدملك.
تذكرت أميرة فى تلك اللحظة أباها لتكسو ملامحها الحزن وهى تتذكر زواجها المرتقب من معتز، لتقول بألم:
أنا ازاى نسيت؟
نظر اليها ظافر بحيرة قائلا:
نسيتى ايه ياأميرة؟
رفعت عينيها اليه قائلة:
مش هينفع نتجوز ياظافر.
عقد حاجبيه قائلا:
انتى بتقولى ايه؟
اغروقت عيناها بالدموع وهى تقول:
أنا وافقت خلاص على جوازى من معتز.
ازداد انعقاد حاجبيه وهو يقول فى غضب:.
انتى ازاى تعملى كدة؟
نزلت الدموع على وجنتيها وهى تقول:
لما حسيت بخيانتك لية، حسيت بالموت وبما انى كدة كدة كدة ميتة قلت على الاقل بابا يستفيد من موتى.
زفر ظافر وهو يمد يده يمررها فى شعره بعصبية قائلا:
انتى أكيد اتجننتى.
أطرقت برأسها فى حزن ليمد ظافر يده ويمسك ذقنها يرفعها اليه لتتواجه العيون وهو يقول:
خلاص مش مشكلة، انسى، هروح لباباكى وأتقدمله وبكدة هنلغى موضوع ارتباطك بابن صاحبه ده.
قالت فى مرارة:.
انت متعرفش بابا، مش هيوافق، بابا قال كلمته لآنكل محمود ومستحيل هيرجع فيها.
قال ظافر فى حيرة:
بس احنا بنحب بعض.
قالت أميرة فى حزن:
انت عارف ان بابا معندوش قلب ولا بيعترف بالمشاعر.
مرر ظافر يده فى شعره قائلا بتوتر:
والحل؟
أطرقت برأسها تفكر لتلمع فى رأسها فكرة مجنونة لترفع اليه عينان ملؤهما التصميم وهى تقول:
الحل إننا نهرب وحالا.
نظر اليها قائلا فى حيرة:
بس...
وضعت يدها على فمه قائلا:.
من غير بس، صدقنى ده الحل الوحيد عشان قصتنا تكمل.
نظر الى عمق عينيها ليدرك أن معها حق ليومئ برأسه وتبتسم هى بسعادة ثم لم تلبث أن اتسعت عينيها رعبا وهى تنظر الى نقطة ما خلف ظافر ليستدير ظافر بسرعة ويرى رجلا فى أوائل الأربعينات من عمره يتقدم باتجاههم بملامح متجهمة، يحيط به مجموعة من الرجال المسلحين، عقد ظافر حاجبيه يشك بأنه أباها فهو صغير السن على تلك الصفة، اذا من هو ولماذا ارتعبت أميرة لمرآه؟، قال ذلك الرجل بسخرية وهو يرمق ظافر بغضب بينما يرمق أميرة بنظرة لم ترق له أبدا:.
حمدالله ع السلامة يابرنسيسة.
قال ظافر:
كلمنى أنا، انت مين وعايز ايه؟
نظر ذلك الرجل الى ظافر وقال بصوت كالفحيح:
أنا الراجل اللى لو ممشتش من أدامه دلوقتى هيصفيك ويخلى جسمك منخل ومحدش هيقدر يكلمه.
أيقن ظافر أن هذا الرجل قادرا على تنفيذ تهديده ولكنه لم يهتم وهو يقول بغضب:
ورينى هتعمل ايه؟
مد الرجل يده فى جيبه لتدرك أميرة ما سيفعله وتسرع بالوقوف أمام ظافر بسرعة:
قول جاى ليه ياربيع وخلصنا؟
أدرك ظافر ان هذا هو ربيع، و يبدوا انه ذراع والدها اليمنى.
نظر ربيع الى أميرة بنظرة اقشعر لها بدنها وهو يقول:
عايزك يابرنسيسة.
أبعدها ظافر عنه قائلا لربيع بغضب:
انت اتجننت ياراجل انت؟انت عارف انت بتقول ايه؟
قال ربيع بحدة:
اللهم طولك ياروح.
همست اميرة لظافر قائلة:
عشان خاطرى ياظافر تهدى، انت متعرفش الناس دى ممكن تعمل ايه وأنا مش مستعدة أخسرك.
أدرك ظافر قلقها عليه ليصمت رغما عنه وهى تقول:
بابا اللى بعتك؟
هز رأسه نافيا وهو يقول:
لأ.
عقدت حاجبيها فى توجس ليستطرد هو بابتسامة مقيتة وهو يقول:
هتيجى معانا ولا ناخدك بالقوة يابرنسيسة؟
الى هنا وكفى لم يعد ظافر قادرا على تحمل ذلك الرجل وكلماته المستفزة ليقترب منه قائلا:
ده على جثتى تاخدها، مفهوم؟
هز ربيع كتفيه قائلا ف لامبالاة:
انت اللى اخترت.
ادركت أميرة ما سيفعله ربيع ولكن قبل أن تحرك ساكنا كان ربيع قد مد اليه مسدسا كاتما للصوت وأطلق عليه رصاصة أسقطته ارضا على الفور، كادت اميرة أن تصرخ ليعاجلها ربيع بضربة خبيرة على مؤخرة عنقها لتسقط بعدها فاقدة الوعى بين ذراعيه، حملها ودخل بها الى السيارة وتبعه رجاله لينظر ربيع الى تلك الراقدة بين ذراعيه وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة خبيثة مثله، ابتسامة النصر.