رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والعشرون
كان بيجاد يسترق النظر الى أمانى فى مرآة السيارة الخاصة به وهى تجلس الى جوار والدته فى المقعد الخلفى وتبدو شاردة حزينة بينما تجلس صوفيا الى جواره توجه اليه الحديث بكلمات فارغة لم يعرها اهتماما، فعقله وقلبه مع تلك الفتاة الجالسة فى الخلف برقة لطالما خلبت لبه، ليفيق على صوت صوفيا تقول فى حنق:
أنت لست معى بالمرة جاد.
حانت من أمانى نظرة اليه فى تلك اللحظة لتتلاقى عيونهم فى مرآة السيارة، نظرات طويلة معبرة تحمل عشقا مؤلما توارى بداخلهم، ليشيح بيجاد بعينيه عنها وهو ينظر الى الطريق أمامه قائلا بهدوء:
عذرا صوفيا، فأنا أركز فى الطريق أمامى.
قالت فى ضجر:
لا عليك.
إسترق النظر مجددا الى أمانى التى عادت تنظر الى جانب الطريق ليلعن فى سره قلبه الذى يهفو اليها رغم كل ما فعلته به، ولعن عيناه اللتان لا تستطيعان الابتعاد عنها للحظات، أراد أن يثبت لها، بل لنفسه قبلها، أنها لا شئ بحياته ليقول ببرود:
مش محتاج أنبه عليكم اننا مش هنقول ان أمانى مراتى، وانها هتكون صاحبة فرح وبس، انتوا عارفين لو الحاج على عرف انها مراتى هيخلينا نبات فى أوضة واحدة وده طبعا مرفوض رفض نهائى.
التقت عيناها بعينيه فى مرآة السيارة مجددا ليرى بهما حزنا اختفى بسرعة حتى انه شك فى وجوده، لتشيح بنظراتها عنه وصوفيا تقول بابتسامة منتصرة وهى تقترب منه ممررة يدها على وجنته بجرأة قائلة:
طبعا حبيبى، ندرك ذلك، أليس كذلك فريدة؟
جزت فريدة على أسنانها، فهى لا تطيق تلك المرأة ولم يكن ينقصها سوى أن تناديها باسمها مجردا لتكرهها تماما، تدرك بأنها تحمل قلبا غير سليما بالمرة، فصوفيا تتجاهل أمانى أو تحاول جرحها بينما تكتفى أمانى بالصمت ولكن فريدة تشعر بألمها والذى يظهر بعينيها رغما عنها وارتعاشة جسدها، لقد بدأت تنتابها الشكوك بخصوص كنتها، تشعر بوجود شيئا خاطئا فى قصتها مع بيجاد، فأمانى التى أمامها الآن ليست أبدا تلك التى حدثها عنها ولدها، وانطباعها الأول عن أمانى أخبرها بنقائها وطيبتها وانطباعاتها الأولى عن أى شخص لا تخطئ بنسبة ٩٩%..
أفاقت من أفكارها على صوت صوفيا تقول:
فريدة؟
نظرت فريدة اليها قائلة ببرود:
اللى تشوفوه.
ثم وجهت حديثها الى بيجاد قائلة:
لسة كتير على ما نوصل يابيجاد؟
قال بيجاد بغضب:
قلتلكم قبل كدة محدش ينادينى بالاسم ده، بيجاد مات واسمه اندفن معاه، أنا جاد دلوقتى، جاد وبس.
صمتت فريدة لا تريد أن تجادله الآن وهى تدرك حنقه، شعرت بأمانى ترتجف بجوارها لتمتد يدها رغما عنها وتربت على يد أمانى التى التفتت اليها بدهشة لترى فريدة دموعها الحبيسة داخل مقلتيها لتومئ لها برأسها بحنان، رمقتها أمانى بامتنان قبل أن تشيح بنظراتها وهى تمد يدها الحرة تمسح بها دمعة خائنة سقطت على وجنتها غافلين عن عيون تابعتهما فى مرآة سيارته ليشعر بمرارة حانقة بداخله، لقد حازت أمانى على عطف الجميع، أخاه و زوجته، حتى والدته، والأدهى من ذلك، أنها حازت على قلبه مجددا، متناسيا ما فعلته به منذ سنوات، يتساءل ما السحر الذى تحمله لتفعل بهم ذلك، زاد من سرعة السيارة ليصل الى وجهته ويبتعد عنها قدر الامكان.
كان بدر يقود سيارته ويتبع أخاه بهدوء حين وجده يزيد السرعة ليقول فى حنق:
بالراحة ياجاد انت فاكرها طيارة؟
ابتسمت فرح خفية فالتقط بدر ابتسامتها ليزداد حنقا وهو يقول:
آه طبعا الهانم مبسوطة فى ثوانى هتكون عند أهلها.
ظهرت ابتسامتها تلك المرة واضحة جلية وهى تقول:
طبعا يابدر، وحشونى.
رفع حاجبه استنكارا وهو يقول:
وحشوكى، ده على أساس انهم هيعرفوكى أصلا، دول غالبا مش هيعرفوكى وهيقولولى بنتنا راحت فين يابدر؟
أحس بالألم يكسو ملامحها وهى تقول:
للدرجة دى اتغيرت؟
ارتسمت فى عينيه نظرة حانية وهو يقول:
من برة يمكن لكن من جوة زى ما انتى، بريئة زى الملاك وشقية زى طفل صغير وحنينة زى أم.
تاهت بين ثنايا نظراته وكلماته التى جعلت قلبها يدق الطبول، اضطر بدر ان يقطع تواصل نظراتهما وهو يسمع زمور سيارة أخرى ليحاول أن يركز على الطريق ثم يعود بنظراته اليها قائلا بمشاكسة:.
على فكرة انتى مشكلة، كان ممكن نعمل حادثة ونروح كلنا فى داهية.
ابتسمت فى خجل قائلة:
وأنا مالى بس، انت اللى مبتعرفش تسوق.
نظر اليها باستنكار قائلا:
بقى أنا مبعرفش أسوق، طب ورينا ازاى انتى هتسوقى يامدام فرح.
نظرت اليه فى دهشة وهو يركن سيارته وينزل منها ثم يفتح الباب الخاص بها قائلا:
يلا سوقى وورينا شطارتك.
نقلت بصرها بين المقود وبين بدر فى تردد لتلتمع عيناها من السعادة وهى تنتقل الى مقعد السائق خلف المقود ويجلس بدر بجوارها لتقود السيارة بسعادة طاغية ظهرت على ملامحها، لينظر بدر بحنان الى ملامحها السعيدة كطفلة حصلت على أول ألعابها، حانت منها نظرة اليه لتراه يطالعها بحنان لتنظر اليه بامتنان وهى تدرك أنه فعل ذلك لأجلها، ركزت مجددا على الطريق وهى تشعر أنها ان لم تكن قد وصلت بالفعل لأقصى درجات العشق لهذا الرجل لوصلت لها الآن، فى تلك اللحظة بالذات.
كانت أميرة تقف بجوار ظافر الذى يسقى نباتاته باهتمام، تتابعه باعجاب مستتر وتناوله بعض البذور الذى قرر اليوم زراعتها وطلبت هى ان تشاركه ذلك، انحنى بجزعه لتلتصق كنزته بظهره وتظهر عضلاته المشدودة وجاذبيته الساحرة، شردت أميرة فى ملامحه لتفيق على صوته وهو يطالبها بالمزيد من البذور، منحته اياها بارتباك لتتلامس أيديهما للحظة كانت كفيلة لتجعلها تنتفض وتشعر بالحرارة فى كل جسدها رغم برودة الجو من حولها، لم ينتبه ظافر لها وهو يركز فى زراعة بذوره محاولا تجاهل وجودها الى جواره ورائحة عطرها الرقيق الذى تسلل الى كيانه وغطى على روائح الورود من حوله، أنهى ظافر عمله لينفض يديه وينهض فجأة ليرتطم بأميرة، كادت أن تقع ليسرع باسنادها بذراعيه بسرعة لترتطم بصدره وتغمض هى عينيها لتلك المشاعر التى اجتاحتها بين ذراعيه ويغمض هو عينيه بدوره يستسلم لذلك الشعور بالاكتمال والذى أحس به وهى فى حضنه، شعر بها تحاول التحرر من بين يديه ليتركها على الفور، أطرقت فى خجل تخشى مواجهة عينيه لينتفضا سويا على صوت نسائى يعرفه ظافر جيدا وهى تقول بملل:.
أوووف ياظافر مختار آخر الدنيا عشان تكتب فيه قصتك الجديدة.
التفتت أميرة لترى أمامها تلك الممثلة المشهورة سناء فوزى، تقف وكأنها ملكة الاغراء مجسدة تطالعهما بابتسامة باردة وهى تقول:
هو انا جيت فى وقت مش مناسب ولا ايه؟
نظر اليها ظافر قائلا ببرود:
خير ياسناء ايه اللى جابك؟
اقتربت منه سناء متجاهلة أميرة وهى تقول بلهجة ممطوطة تحمل نبرة عتاب:
بدل ما تقولى وحشتينى ياسناء، بقالى كتير مشوفتكيش، تقوم تقولى...
وقلدت لهجته الرجولية الباردة وهى تستطرد قائلة:
خير ياسناء ايه اللى جابك؟
وقفت أمامه تماما لتمد يدها الى وجنته تتلمسها بنعومة قائلة:
وحشتنى ياسيدى، ايه، موحشتكش؟
كاد ظافر أن يبتعد عن مرمى يدها حين لمح بطرف عينيه نظرة غيورة حارقة فى عينى أميرة ليترك يدها تتلمس وجهه بأريحية وهو يبتسم ابتسامة لم تصل لعينيه قائلا:
ازاى طبعا، أكيد وحشتينى، بس تعالى نتكلم جوة، أصل الجو هنا بارد شوية عليكى.
أمسك يدها بين يديه لتبتسم بانتصار وهما يتجهان للداخل لتشعر أميرة بالحنق وهى تراهما يتجاهلونها تماما بهذا الشكل، تتابع الأيدى المتشابكة بغيرة أكلت قلبها، كادت أن تظل بالحديقة بعيدة عن مرآهم على هذا النحو ولكن برودة الجو أجبرتها أن تتبعهما مرغمة، تفكر ولأول مرة فى حياتها بارتكاب جريمة قتل.
دلف ربيع الى حجرة مكتب عاصم دون استئذان لينهض عاصم واقفا وهو يقول بغضب:
ازاى تدخل علية كدة من غير استئذان؟انت اتجننت؟
تجاهل ربيع غضب مخدومه وحدته وهو يقول بسعادة:
لقيناها ياعاصم باشا.
تناسى عاصم غضبه وهو يقول بلهفة:
بجد ياربيع لقيتوا أميرة؟
قال ربيع بتردد:
مش بالظبط.
قاطعه عاصم قائلا فى غضب:
أومال لقيتو مين؟
قال ربيع مهدئا:
اهدى بس ياعاصم باشا، أنا بتكلم على عربية أميرة هانم، لقيناها.
عقد عاصم حاجبيه قائلا:
لقيتوها فين؟
قال ربيع:
على طريق الفيوم.
التف عاصم حول مكتبه ليجلس على طرفه قائلا:
يبقى زى ما شكيت كانت رايحة بيت الفيوم، البيت اللى كانت طول عمرها بتكرهه مش عارف ليه، اكيد افتكرتنى مش هشك فيه، هابلة زى أمها.
أومأ ربيع برأسه موافقا على كلمات عاصم، ليستطرد عاصم قائلا:
والعربية كانت فاضية؟
قال ربيع:
أيوة ياباشا، مفيهاش اى اثر للهانم الصغيرة، شنطة هدومها وبس.
عقد عاصم حاجبيه قائلا:.
وده معناه ايه؟
قال ربيع بهدوء:
معناه ان أميرة هانم لما العربية عطلت منها أخدت شنطتها الصغيرة ونزلت تدور على أقرب مكان ممكن تطلب منه مساعدة او تبات فيه واللى هيبقى أكيد فى مجال قريب من العربية، الاختيارات هناك محدودة وانا بنفسى اللى هروح بكرة أدور فى المنطقة ومش راجع غير وهى معايا ياباشا.
نهض عاصم واقترب منه وهو يربت على كتفه قائلا باابتسامة:
عفارم عليك ياربيع، أنا مغلطتش لما خليتك ايدى اليمين.
ابتسم ربيع بهدوء يخفى ما انتوى أن يفعله عندما يجد أميرته، فلو علم عاصم بنواياه لأرداه قتيلا على الفور، ليقول بخنوع مصطنع:
وأنا خدامك ياباشا، عن اذنك.
ابتعد ربيع مغادرا بينما اتجه عاصم الى النافذة وتوقف امامها لينظر بقسوة الى الفضاء الخارجى وهو يقول بهدوء:
هانت ياأميرة وتبقى أدامى، وساعتها هتعرفى اللى بيعصانى بيجراله ايه.
كانت أميرة تغلى من الغيظ والغيرة وهى ترى تلك الممثلة تميل على أذن ظافر وتخبره شيئا ليبتسم هو على كلماتها، أفاقت أميرة من أفكارها على صوت ظافر يقول:
أميرة.
آن الأوان اذا لينتبه اليها ظافر بعد أن ظل يتجاهلها هو وتلك المرأة التى تجاوره منشغلين فى حديث جانبى، لتنظر اليه فى تساؤل ويبتسم هو قائلا:
ممكن تحضريلنا أكلة سريعة كدة من ايديكى، زى ما انتى شايفة أنا مش فاضى النهاردة.
الى هنا وكفى، لن تكتفى بجريمة قتل واحدة بل ستجعلها ثنائية، أفاقت مجددا من أفكارها على صوته وهو يقول:
ممكن؟
ابتسمت ابتسامة لم تصل لعينيها وهى تقول فى برود:
أكيد.
لتنمحى ابتسامتها على الفور وهى تتجه الى المطبخ تسمع تلك السناء وهى تسأله قائلة:
مين دى ياظافر؟
لم تستمع لاجابته وهى تدلف الى المطبخ وتفتح الثلاجة لتتفقد محتوياتها وماذا يمكن أن تستخدم لتصنع لهم غذاء تتمنى أن يصيبهما بألم فى المعدة، لم يكن امامها سوى تلك المكونات التى تستطيع أن تعد لهم بها تلك الأكلة غريبة الاسم والذى علمها اياها ظافر، وأحبتها كما أحبت ظافر تماما، فهى أكلته المفضلة وهى باتت تحب كل ما يحب، وقفت أمام الموقد وهى تتمتم بغيظ قائلة:
ماشى ياظافر، بتدلع عليك وسايبها كدة عادى.
، آه ما انت راجل وكل الرجالة زى الكلاب ما بيصدقوا يلاقوا عضمة ويجروا وراها علطول ودى مش عضمة وبس، دى عضمة ولحمة وهيصة..
ليقول لها قلبها أنها تظلم ظافر فهو ليس كبقية الرجال، زفرت قائلة بألم:
الظاهر انه هيطلع زيهم.
لتتذكر تلك الأفعى وهى تسأله عنها لتقول مقلدة اياها:
مين دى ياظافر؟
كانت تقطع الدجاج بعصبية وهى تتمتم قائلة:
أنا يااختى اللى عايزة تقطعك زى الفراخ دى بالظبط.
انتفضت على صوت ضحكة خافتة لتلتفت الى الوراء بسرعة لتجد ظافر يستند بأريحية الى باب المطبخ وهو يقول بابتسامة:
طب حاسبى ايدك هى اللى تتقطع بدل الفراخ ياأميرة.
أحست اميرة بحمرة الخجل تغزو وجنتيها، تتساءل الى أى مدى استمع ظافر الى كلماتها؟اقترب منها ظافر ترتسم على شفتيه ابتسامة حانية لرؤية وجهها الذى زاده الخجل جمالا، نظرت اليه وهو يقترب منها كالمسحورة، حتى توقف امامها تماما ليميل عليها فأغمضت عينيها وقد شعرت بدقات قلبها تقفز بجنون، كاد ان يستسلم لرغبته بتقبيلها ولكنه قاوم رغبته تلك بكل ذرة ارادة فى كيانه، اتسعت ابتسامته وهو يقول:.
انتى مولعة على المقلاية وهى فاضية على فكرة.
فتحت عينيها على اتساعهما ليغمز لها مستطردا:
اوعى تكونى قاصدة تحرقينا؟
رأته يمد يده ويغلق الموقد خلفها لتشعر بأنها الآن على وشك الموت خجلا، ترى ماذا ظن بها عندما أغلقت عينيها، أنها كانت تنتظر قبلته؟نظر ظافر الى ملامحها الجميلة الرقيقة ليجد نفسه رغما عنه يمد يده ليلمس وجنتها قائلا بحنان:
خدى بالك من النار عشان متتحرقيش ياأميرة.
نظرت الى عمق عينيه تشعر بأنها تذوب عشقا ليبادلها نظراتها للحظات قبل أن يقطع هو ذلك التواصل متنحنحا وهو يقول:
احمم، متتأخريش بقى علينا.
ثم التفت مغادر تتبعه عيناها لتغلقهما قائلة:
انا اتحرقت خلاص بنار حبك ياظافر، ودوايا بس عندك، بس مع الأسف لا قادرة أطلبه ولا انت بتديهولى.
لتفتح عينيها متنهدة وهى تعود لعملها تتمنى من كل قلبها أن تكون زيارة تلك الممثلة عابرة وأنها لا تنوى المكوث طويلا، فهى لا تعلم الى أى مدى تستطيع التحمل.