رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الثلاثون والأخير
دلف عاصم الى المخزن بينما يمسكه أحد رجال ربيع موجها حديثه الى سيده قائلا:
لقيناه بيحوم حوالين المخزن ياربيع باشا.
تهللت أسارير ربيع قائلا:
عاصم باشا بنفسه، ياأهلا وسهلا بأعز الحبايب.
نظر عاصم الى ابنته المقيدة الى الكرسى ترمقه بخوف ظنا منها أن له يدا فى خطفها، ليشعر بالألم فى قلبه، والغضب من نفسه، ليعود بنظراته الى ربيع قائلا بغضب:
خلى رجالتك يسيبونى ياربيع.
أشار ربيع لرجاله فتركوه، اقترب عاصم من أميرة ليقف ربيع فى مواجهته يحول دون تقدمه أكثر من ذلك وهو يقول:
لحد هنا وكفاية ياعاصم، دى حدودك ومحدش هيقرب منها أكتر من كدة.
رمقه عاصم بغضب وهو يقول بحدة:
دى بنتى، انت اتجننت؟
قال ربيع بسخرية:
لسة بتفتكر انها بنتك، ولما كنت بتبيع وتشترى فيها مكنتش بنتك؟
قال عاصم فى ندم:
كنت أعمى وخلاص فتحت ياربيع.
قال ربيع:.
تؤ تؤ تؤ، متأخر أوى ياعاصم، الحكاية خلصت وأميرة بقت بتاعتى خلاص.
نظر عاصم الى أميرة بسرعة فى قلق لتهز رأسها نفيا و قد ترقرقت الدموع بعينيها، أحس بالارتياح يغمر قلبه، ثم عاد بعينيه الى ربيع قائلا فى اشمئزاز:.
أنا ازاى مشفتش حقيقتك قبل كدة، ازاى قدرت تخبى عنى كل السواد اللى فى قلبك ده ناحيتى واللى شايفه واضح دلوقتى جوة عنيك، ازاى آمنتلك وقربتك منى وخليتك ايدى اليمين، وانت زى الأفعى ملكش أمان وغدار وأول ما غدرت غدرت بية، عضيت الايد اللى اتمدت لك بالخير، اللى لمتك من الشوارع ونضفتك وبدلت حالك من الواد ربيع لربيع باشا.
ظهر الغضب على وجه ربيع ليتمالك نفسه بسرعة وهو يقول ببرود:.
الطيور على أشكالها تقع ياعاصم، انت شفت فية نفسك وعشان كدة قربتنى منك، وممدتش ايدك لية بالحاجات دى كلها غير وانت متأكد انك هتكسب من ورايا أكتر، ولا ايه؟
كاد عاصم أن يتحدث عندما قاطعهم صدور صوت بالخارج ليعقد ربيع حاجبيه قائلا:
ايه ده، ايه اللى بيحصل برة؟
تبادل رجاله نظرات الحيرة ليصرخ ربيع فى رجاله بحدة قائلا:
انتوا لسة هتبصوا لبعض، اخرجوا للبهايم اللى برة دول وشوفوا بيعملوا ايه.
أومأ رجاله بهدوء وهم يخرجون بسرعة بينما قال ربيع وهو يرفع سلاحه تجاه عاصم قائلا ببرود:
أوعى تكون جايب معاك حد ياعاصم، هزعل بجد وأنا زعلى وحش أوى، مع انى معتقدش انك ممكن تعملها، أكيد هتخاف ع البضاعة بتاعتك واللى مخبيينها هنا ولا ايه؟
ظهرت ابتسامة ساخرة على شفتى عاصم ثم قال فى هدوء:
مبقتش حاجة خلاص تهمنى فى الدنيا أكتر من بناتى..
لينتاب ربيع غضب شديد وهو يقول:.
بقى كدة، طيب هتوحشنا ياعاصم، متنساش تبقى تسلم على معتز، أصله سبقك.
اتسعت عينا عاصم فى صدمة قائلا:
انت قتلت معتز؟
ابتسم ربيع قائلا:
أيوة قتلته وهقتل أى حد يبصلها او يفكر فيها أو يقف بينى وبينها زى ما أكيد انت هتعمل..
ليشد اجزاء مسدسه قائلا:
الوداع ياعاصم.
استطاعت أميرة التخلص من ذلك اللاصق على فمها فى نفس اللحظة لتصرخ باسم والدها فى جزع.
عندما خرج رجال ربيع من باب المخزن، وقفوا يتأملون الساحة الخالية من باقى الحراس بدهشة ليقول أحدهم للآخر بحيرة:
هما راحوا فين؟
قال الرجل الأطول بينهم:
أكيد زى عوايدهم بيشربوا شاى، بس ده وقته؟، الباشا جوة وهيفرمهم، ده مش...
قاطع كلماته ظافر الذى أمسكه من الخلف ليرفع يده الممسكة بالسلاح باتجاه الرجل الاخر وتنطلق رصاصات سلاحه الكاتم للصوت وتستقر طلقاته فى صدر الرجل المواجه له ليسقط صريعا بيد صاحبه، بينما ضرب ظافر على يد ذلك الرجل ليسقط سلاحه أرضا ويتعارك الطرفان بقوة، ضرب الرجل ظافر على كتفه المصاب ليتألم ظافر بقوة، انتهزها الآخر فرصة وكاد أن يصرعه لولا ظهور بيجاد فجأة وقد جاء من الخلف ليضرب ذلك المجرم على رأسه بقطعة خشب ويسقط آخر رجال ربيع أرضا، زفر بيجاد بارتياح ليقول ظافر بألم:.
عملت ايه فى الباقيين؟
تفحصه بيجاد قائلا:
كتفتهم خلاص ومرميين ورا المخزن، انت كويس؟
اومأ ظافر برأسه قائلا:
أنا تمام، خد دول كمان وارميهم ورا المخزن، وكدة مفضلش غير ربيع جوة، وده سيبهولى لان حسابه معايا تقيل اوى.
قال بيجاد بقلق:
بس...
قاطعه ظافر قائلا:.
من غير بس، أمانى فى العربية لوحدها وده فيه خطر على حياتها لو فيه حد لسة برة ومخدناش بالنا منه، ده غير ان المنطقة مقطوعة اصلا وأكيد مش أمان، روح طمنها وخلى بالك منها، وعادل دلوقتى فى الطريق ومعاه قوة من البوليس، يعنى متقلقش علية، يلا روح بسرعة.
قبل أن يعترض بيجاد كان ظافر قد اختفى من أمامه ليحكم بيجاد وثاق آخر رجل قبل أن يتجه الى السيارة حيث تركوا أمانى يقتلها الخوف والقلق عليهم.
التفت ربيع الى أميرة قائلا بدهشة:
لسة بتحبيه وبتخافى عليه بعد كل اللى عمله فيكى وفى أختك ده غير اللى عمله فى مامتك زمان؟
نظرت اليه بعينين مغروقتين بالدموع قائلة:
ده بابا، مهما عمل، هيفضل بابا.
ليشعر عاصم بمدى حقارته أمام براءة قلوب بناته وغفرانهم له كل ذنوبه، تغمره أفعاله المشينة بالذنب، تكاد تقتله، نظر اليها برجاء أن تسامحه لتهز رأسها بينما قال ربيع فى سخرية:.
مع الأسف يابرنسيسة أبوكى لازم يموت، البضاعة اللى هنا بالملايين وأنا مش مستعد أخسرها، مش هينفع أسيبه عايش، ده أنا أبقى أكبر مغفل.
قال عاصم بسرعة:
خد البضاعة وخد كل حاجة وسيبنا نمشى، انا قلتلك، خلاص مبقتش عايز غير بناتى وبس.
اتسعت ابتسامة ربيع الساخرة قائلا:
أسيبكم ايه؟قلتلك بنتك خلاص بقت ملكى ومستحيل هسيبها تضيع من ايدى، انما انت خلاص ياعاصم وقتك معايا انتهى.
ليطلق مسدسه باتجاه عاصم وتصيب عاصم رصاصة منه ليقع أرضا وسط صراخ أميرة، فى نفس اللحظة التى تسلل فيها ظافر من خلف ربيع ليمسكه من ذراعه ويضغط عليه بقوة وسط صدمة ربيع الذى اضطر للتخلى عن سلاحه، عاجله ظافر بلكمة على وجهه ثم أخرى فى بطنه ليفيق ربيع من صدمته ويتغلب على ألمه وهو يعتدل بسرعة ويعاجل ظافر بلكمة فى كتفه المصاب ليتراجع ظافر ويظهر على وجهه الألم، أسرع ربيع بامساك سلاحه مجددا ليوجهه الى ظافر قائلا فى مقت:.
هو أنا مش قتلتك قبل كدة، هو انت ايه؟زى القطط ب ٧ أرواح.
قالت أميرة فى جزع:
لأ ابوس ايدك بلاش تقتله، أنا موافقة اتجوزك بس بلاش تموته.
نظر اليها ظافر قائلا فى حنان:
وأنا الموت عندى أهون من انك تتجوزيه.
نظر اليها ربيع بغضب قائلا:
للدرجة دى بتحبيه؟
واجهت عينيه بقوة قائلة:
أكتر من حياتى بحبه.
نظر ظافر اليها بعشق بادلته اياه ليجز ربيع على أسنانه قائلا فى حقد:
كدة لازم يموت يابرنسيسة، عشان حبه يموت فى قلبك.
صرخت أميرة قائلة:
مش ممكن حبه يموت فى قلبى حتى لو فرقنا الموت ولو قتلته ياربيع قسما بالله هقتلك وهموت نفسى وراه.
رفع ربيع سلاحه باتجاه ظافر الذى قال بصرامة:
هنشوف ياأميرة، هنشوف.
لتنطلق الرصاصة وتصيب هدفها بدقة، ولكنها لم تكن من فوهة مسدس ربيع بل من سلاح عاصم الذى أطلق رصاصته لتستقر فى جسد ربيع ليلتفت وينظر بدهشة الى عاصم الذى ارتفع عن الأرض قليلا وهو يمسك سلاحه، ليرفع ربيع سلاحه يود ان يطلقه باتجاه عاصم ولكن عاصم كان الأسرع باطلاق رصاصته لتستقر فى جبهة ربيع ليخر على الأرض صريعا على الفور، بينما تراخت قبضة عاصم عن سلاحه وهو يشعر بالألم، أسرع ظافر الى أميرة يحررها من قيودها ويحتضنها بقوة لتضمه بدورها لا تصدق نجاته من رصاصات ربيع لتلمح أباها الملقى أرضا فى ألم وتخرج بسرعة من محيط ذراعى ظافر لتسرع اليه وترفع رأسه عن الأرض تسند جسده على صدرها قائلة بدموع ملأت عينيها:.
بابا، حبيبى، متقلقش، انت هتبقى كويس.
قال عاصم بصوت نادم متهدج النبرات:
أنا خلاص بموت ياأميرة ومش زعلان ولا خايف من الموت، أنا بس نفسى تسامحونى يابناتى ع اللى عملته فيكم وتدعولى ربنا يغفر لى كل اللى عملته فى حياتى وخصوصا ظلمى لمامتكم وموتها على ايدى.
ضمته اليها قائلة ببكاء شديد:
مسامحينك يابابا، بس عشان خاطرى متقولش كدة، انت هتعيش، هتعيش لغاية ماتشوفنا عرايس وتشيل أحفادك بين ايديك كمان.
ابتسم قائلا بصوت متقطع:
كان، نفسى ياأميرة، بس، مع الأسف، مش هينفع، كان لازم، أدفع تمن اللى عملته، كل حاجة غلط، عملتها فى حياتى، وموتى هو التمن، بس، كان نفسى، أكفر عن ذنوبى، الأول، ادعولى، وافتكرون...
لم يكمله كلماته ليتراخى جسده على الفور وتصرخ أميرة باسمه فى لوعة، فيضمها ظافر الى صدره يحتوى حزنها داخله ليتركها تفرغ كل دموعها بين أضلعه.
، بعد مرور عدة سنوات.
تسلل ظافر الى غرفة مكتبه ليجلس على المكتب ويفتح ذلك الدرج الذى أخفى فيه روايته الجديدة، أمسكها بين يديه يتأملها فتلك الرواية هى من عاد بها الى الكتابة بعد أن توقف لسنوات، أراد فيهم أن ينعم بحياة أسرية هادئة يستمتع بكل لحظة فيها، يعوض عن حرمانه الذى لطالما عاناه من الدفء، من السكن، من الانتماء الى وطن، مر بيديه على حروف عنوانها بحنان، (توأم الروح)، حقا تليق قصته بحبيبته التى سيهديها اياها غدا فى حفلة عيد زواجهما الخامس، تساءل فى حيرة كيف مرت تلك السنوات بسرعة فهو يشعر وكأنه تزوجها بالأمس فقط، مازال عشقهما حيا فى قلبه كمان كان منذ سنوات، مشتعلا كجمر النار، أفاق من أفكاره على صوت طرقات رقيقة على الباب ليسرع بإخفاء روايته وهو يراها تدلف من الباب برقتها المعهودة، تأملها بعشق هز كيانه، ذلك الكيان الذى يضعف فقط بوجودها، اقتربت منه وهى تبتسم برقة قائلة:.
بتعمل ايه ياظافر؟
بادلها ظافر ابتسامتها قائلا:
كنت مستنيكى ياقلب ظافر.
اقتربت منه لتجلس على قدميه ليحيطها بذراعيه فى حنان، قالت بابتسامة:
عاصم دوخنى أوى لحد ما نام، كان عايز يستنى جاد وتقى ولاد أمانى وميرا بنت فرح لغاية الصبح.
ابتسم ظافر قائلا:
طبيعى ياحبيبتى، انتى عارفة بيحبهم أد ايه.
قالت أميرة بابتسامة حالمة:
تعرف ابنك ده محيرنى، اهتمامه بالبنات مش عادى، بس مش قادرة احدد بيحب مين أكتر تقى ولا ميرا؟
قال ظافر باستنكار:
بيحب فى السن ده ياأميرة؟، عاصم عنده أربع سنين، انتى الظاهر القصص أكلت عقلك.
ابتسمت وهى تمرر يدها على وجنته لتهز ضربات قلبه بشدة قائلة بحنان:
البركة فى حبيبى، هو اللى علقنى بالقصص، وبعدين سابنى وهو عارف انى مبقتش عارفة اقرا لغيره.
ابتسم قائلا بغموض:
متقلقيش ياميرا هترجعى تقرى من تانى، أوعدك.
نظرت اليه أميرة فى حيرة ليقول بسرعة وقد كاد أن يحرق مفاجأته:
أقولك أنا بقى عاصم متعلق بمين؟
نجح بالفعل فى صرف انتباهها وهى تقول فى لهفة:
بمين؟
ابتسم قائلا:
تقى.
عقدت حاجبيها قائلة بحيرة:
اشمعنى؟
ازدادت ابتسامته حنانا وهو يرجع خصلة شعرها المتمردة خلف أذنها قائلا فى حنان:
عشان ابنى طالعلى، يوم ما هيحب، هيحب واحدة رقيقة وجميلة زى مامته وتقى نسخة منك ياقلبى، هى دى اللى هتبقى توأم روحه ياميرا.
تأملت أميرة ملامح ظافر فى عشق قائلة:
يعنى انا توأم روحك ياظافر؟
تأمل ملامحها بدوره فى عشق قائلا:.
وأكتر ياقلب ظافر.
اقترب من شفتيها وهو يقبلها برقة أذابتها، بادلته قبلته ثم مالبثت ان ابتعدت عنه وهى تطرق رأسها بخجل لتنهض من على قدميه قائلة:
أنا...
ابتلعت ريقها بصعوبة قائلة:
أنا هستناك فى الأوضة.
ثم أسرعت تغادر الحجرة بخجلها الذى يزيده عشقا لها، ابتسم و هو يخرج روايته من الدرج مجددا ليفتح الصفحة الأولى ويكتب اهداءا بخطه المنمق..
《قابلتك فاقدا ايمانى بالحب فأعدتيه إلي بقوة، حين أدركت أنى أعشقك أميرتى وأنك أنتى، توأم الروح - ظافر المياح》.
تمت