رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الثامن عشر
سمعت أمانى طرقات على باب حجرتها فدق قلبها بعنف تتساءل عن الطارق، هل هو بيجاد؟انها لم ترى وجهه منذ البارحة، ظلت طوال الليل ترهف السمع تنتظر رجوعه الى حجرته حتى استمعت الى الباب يفتح ويغلق، اقتربت من الباب المشترك بينهما لتستمع الى حركاته الخافتة داخل الحجرة، واقتراب خطواته من الباب المشترك بينهما لتتوقف تلك الخطوات، حبست أنفاسها وهى تتراجع خطوة الى الوراء، لتظل هكذا للحظات ثم تسمع ابتعاد الخطوات مجددا لتزفر أنفاسها باحباط ثم تعود الى سريرها لتتمدد عليه تحتضن وسادتها بحزن تذرف دموعها من جديد...
تكررت الطرقات لتقول بصوت خافت متردد:
اتفضل.
فتح الباب لتدلف فرح الى الحجرة وتطلق امانى سراح أنفاسها التى كتمتها فى صدرها، ابتسمت فرح قائلة:
صباح الخير ياايمى.
ابتسمت أمانى قائلة:
صباح الخير يافرح، تعالى اقعدى.
جلست فرح بجوارها قائلة:
ايه يابنتى مالك وشك أصفر كدة ليه؟
قالت أمانى بارتباك:
ولا أصفر ولا حاجة، انتى، انتى بس بيتهيألك.
نظرت اليها فرح بنصف عين لتتسع عينيها فجأة بإدراك وهى تقول:.
انتى افتكرتينى بيجاد، صح؟
أشاحت أمانى بوجهها لتقول فرح بمرح:
والله صح، افتكرتينى بيجاد ياأمانى.
نظرت اليها أمانى بغيظ قائلة:
خلاص بقى يافرح.
قالت فرح بابتسامة:
خلاص ياستى، قوليلى بقى هنعمل ايه النهاردة؟
نظرت اليها أمانى بحيرة قائلة:
هنعمل ايه فى ايه؟
ضربت فرح على رأسها بخفة قائلة:.
لأ، انتى بيجاد طير عقلك خالص، ركزى ياحاجة، احنا رجعنا البيت خلاص، أنا وبدر اتفقنا نعيش زى الاخوات لغاية ما نشوف علاقتنا رايحة على فين، تمام، وانتى وبيجاد بردوا زينا، وده كان انبارح، النهاردة بقى هنعمل ايه؟هتفضل كل واحدة فينا فى اوضتها وحاطة ايدها على خدها مستنية الباشا بتاعها لما ييجى من الشغل ولا هننزل ويبقى وشنا فى وش حماتك اللى هى اصلا فاهماكى غلط وهتفضلى تسمعى منها كلام زى الفل، ها، هنعمل ايه يا أماااانى؟
نظرت أمانى اليها بغيظ قائلة:
تصدقى انا كنت هرتاح من زنك ده، يعنى ياربى يوم ما كنت هخلص منك يطلع بيجاد اخو جوزك وأقعد بردو معاكى انتى ورغيك ده.
جعدت فرح ملامحها فى طفولية وهى تقول:
بقى كدة ياأمانى، وانا اللى كنت فرحانة انى مفارقتكيش وانك هتقعدى معايا نتسلى، أتاريكى مش طايقانى ويوم المنى عندك يوم ما تخلصى منى، خلاص ياستى مش هضايقك تانى بوجودى.
ونهضت لتبتسم أمانى قائلة:.
اقعدى يافرح وبلاش شغل الدراما ده، مش لايق عليكى.
عادت فرح تجلس وهى تبتسم قائلة:
طب بلاش شغل الاحباط ده، ده أنا كنت هقدم فى برنامج مواهب وأنجح وأبقى اشهر دراما كوين فى مصر.
ابتسمت امانى قائلة:
ماشى ياكوين..
ثم اعتدلت قائلة:
نتكلم جد بقى؟
اقتربت منها فرح قائلة:
نتكلم ياكبير.
ضربتها أمانى على رأسها بخفة قائلة:
اهمدى بقى.
ثم استطردت بجدية قائلة:
بدر فين؟
مطت فرح شفتيها قائلة:.
معرفش، من الصبح مش فى اوضته، كنت قاعدة كدة زيك مستنياه يطل علية، يصبح ولا يعمل اى حاجة، مجاش، زهقت ونزلت تحت سألت الدادة عليه قالتلى مشى من بدرى وبعديه علطول بيجاد.
أدركت امانى ان بيجاد خرج من المنزل باكرا بسببها، ربما لا يريد رؤيتها، أفاقت من شرودها على صوت فرح وهى تقول:
هييييه، أمانى، روحتى فين؟
قالت امانى بهدوء:.
انا اهو، اسمعى ياستى، النهاردة مش هينفع تعملى حاجة، هنستنى بدر يقوم بأول خطوة، ومعتقدش هيتأخر فيها.
عقدت فرح حاجبيها قائلة:
يعنى ايه؟
قالت أمانى:
يعنى بدر أكيد هيطلب منك النهاردة تخرجوا تتغدوا او تتعشوا برة، وساعتها هتقضوا وقت لطيف مع بعض، وفى الآخر هيوصلك لأوضتك، مش هوصيكى، تبقى هادية ورقيقة، مش طاقة زى عوايدك، ده غير لبسك وتسريحتك ومكياجك، مش عايزة ولا غلطة، بس بردو عايزاكى على طبيعتك.
عقدت فرح حاجبيها قائلة:
يعنى ايه يااختى بقى، احياة الغاليين على قلبك ياشيخة تترجمى، أنا فصلت منك.
ابتسمت امانى قائلة:
يعنى تعملى ميكس، خليط من فرح القديمة على فرح الجديدة، تكونى على طبيعتك بس بأناقة، مفهوم؟
أومأت فرح برأسها قائلة:
مفهوم، طب ولو هو مقامش بالخطوة الاولى؟
هزت أمانى كتفيها قائلة:
ساعتها هنفكر فى حاجة تانية بس معتقدش يافرح، أنا شفت انبارح من بدر اهتمام بيكى وأكيد هيقوم بالخطوة الأولى.
قالت فرح:
طب فيه مشكلة دلوقتى..
عقدت امانى حاجبيها قائلة:
مشكلة ايه؟
قالت امانى:
هخرج بايه؟انا سبت هدومى عندك.
قالت امانى:
دى مش مشكلة انا هقوم حالا اروح البيت واجيب هدومك وهدوم كمان لية، عباياتك الكبيرة دى مش حلوة أبدا علينا.
نظرت فرح لهيئتهم، لتضحك بشدة، شاركتها أمانى ضحكتها لتقطع فرح ضحكتها فجأة وهى تتذكر امرا ما لتقول:
طب وانتى هتعملى ايه مع بيجاد ياامانى؟
قالت أمانى وهى تهز كتفيها:.
هعمل ايه يافرح؟انا حكايتى زى ما قلتلك خلصت ومبقاش فيها اى امل، كل الموضوع انى بقضى فترة عقوبة فرضها علية بيجاد، مقدرش أحط كل اللوم عليه، لأن بابا لعبها صح، اللى كسر قلبى بجد هو انه صدق انى ممكن أعمل فيه كدة.
قالت فرح فى اصرار:
بس انتى بردو محاولتيش تفهميه الحقيقة، مكنتش اعرف انك ممكن تستسلمى بسرعة كدة، انتى دايما بتنصحينى مستسلمش وانتى سلمتى من اول جولة.
قالت امانى بمرارة:.
لو مكنش فيه واحدة تانية ملكت قلبه كنت حاولت، لكن خلاص هو حب غيرى، عاش قصة حب جديدة، مع الأسف يافرح، حكايتى مع بيجاد بابا كتب أحداثها وأخرجها بس بيجاد هو اللى كتب نهايتها وقفل الستار.
استيقظت اميرة تشعر بتعب شديد فى كل جسدها، نهضت بتكاسل وهى تدرك أن المها نفسى بسبب ذلك الكابوس التى عانت منه بالأمس، وتجدد الذكريات، تذكرت بخجل ما قالته لظافر، وتساءلت بحيرة كيف ستواجهه اليوم وقد علم عن حياتها كل ما حاولت كتمانه، أسرارها الخفية والتى لطالما اخفتها، تنهدت بقلة حيلة وهى تنهض من السرير لتذهب الى النافذة تفتحها وتطل منها على الخارج تأخذ نفسا عميقا لتتوقف أنفاسها وتقف جامدة كالتمثال.
فهناك كان يقف ظافر ممسكا فأسا بيده وينحنى بجزعه ليضرب قطعة خشب يقسمها الى نصفين ثم يلقى بهما ارضا ويعاود فعل ذلك مع قطعة خشب اخرى، كان يضرب الخشب بقوة ويتحرك بسرعة وكأنه يريد ان يخرج كل طاقته فى ذلك العمل. يريد ان لا يجد فرصة للتفكير، تساءلت اميرة ترى ما الشئ الذى يحاول أن ينساه ولا يفكر فيه، ظلت لدقائق تتابعه وهو يقوم بهذا العمل دون كلل، توقف لحظات ليمسح بيده بعض حبات العرق التى تجمعت على جبينه ورغم برودة الجو بالخارج الا انه خلع كنزته، لتستدير أميرة بسرعة وهى تشعر بالخجل، تشعر بأنها تتطفل عليه، دقات قلبها تتسارع بشدة، لينتابها فجأة القلق، فالجو بارد للغاية وقد يمرض هكذا، تعلم ان سر قلقها هو حب نبتت بذرته بداخل قلبها وبدأ ينمو، تخشى ذلك الحب فهو حب من طرف واحد، ولن تكون خاتمته كما تريد بل سيحمل لها ذلك الحب ألما، فهى تعلم ان ظافر لا يمكن ان يبادلها ذلك الحب أبدا، لقد فقد ايمانه بالحب واقتحمت هى حياته فى توقيت خاطئ..
التفتت تتطلع اليه مجددا لتجده قد ارتدى كنزته مرة أخرى وعاد ليزاول عمله، زفرت بارتياح لم يدم سوى ثوان معدودة، لتتجمد مجددا وهى تراه يرفع وجهه فجأة وينظر باتجاه نافذتها مباشرة لتتلاقا العيون، استدارت أميرة بسرعة وهى تلعن غبائها الذى جعلها تتطلع اليه مجددا ليضبطها متلبسة بتأمله.
ابتعدت عن النافذة لتجلس على السرير مجددا، تذكرت ضمته لها بالأمس وكيف شعرت بالأمان بين ذراعيه لتجتاحها مشاعر اخرى أشعرتها بالحرارة فى كل جسدها، لتضرب رأسها بخفة قائلة بغيظ:
انتى بتفكرى فى ايه بس؟
لتتنهد قائلة:
ياترى بيقول عليكى ايه دلوقتى ياأميرة؟
نفضت افكارها وهى تنهض لتأخذ حماما دافئا لعله يريح قلبها من افكاره او ربما يخلصها من تلك الأفكار التى تجتاحها، نهائيا.
قال بدر لمحدثه على الهاتف بعصبية:
يعنى ايه مش لاقيه؟
استمع الى محدثه ليزفر بقوة قائلا:
انا عايزه عندى فى أقرب فرصة.
استمع الى محدثه مجددا قبل ان يقول بنفاذ صبر:
مش مهم، دور عليه فى كل مكان، اقلب الدنيا عليه، بس يكون عندى فى خلال يومين بالكتير، مفهوم؟
أغلق الهاتف ليمسك الجسر مابين حاجبيه وهو يشعر بالألم فى رأسه من كثرة التفكير، هو لم يذق النوم طوال الليل، يحاول ان يفكر فى تلك الليلة الماضية والمليئة بالأحداث، عودة زوجته اليه فى ثوبها الجديد، تحمل ملامح فرح القديمة مع تجديد رائع فى الشكل والشخصية راق له وبشدة، لم تجذبه امرأة كما جذبته فرح ولا حتى سارة والتى ظن انها حب حياته، لم تكن مشاعره تجاهها بتلك القوة، لقد ظل يجول فى الليل يمنع نفسه بصعوبة عن الذهاب اليها، يريد فقط رؤيتها والتحدث معها، ليشعر بالدفء مجددا، نعم كان يشعر معها بإحساس الدفء، الاهتمام، أن يكون هناك من ينتظرك فقط ليحتويك، يرى احتياجاتك ويبتسم برقة وطيبة ولا يشتكى أبدا، وعندما ذهبت ذهب معها كل شئ، تساءل بحيرة، لم لم يمنح نفسه فرصة للحب مجددا، لم أبعدها عنه بتصرفاته الحمقاء، لقد ادرك مشاعره منذ اول لحظة وقعت عيناه على عينيها البريئة فى عزاء جده، ولكنه الخوف، الخوف من الاستسلام لعشق لن يجلب معه سوى الألم كما جرب سابقا، لذا ابعدها عنه يفضل حياة خالية من المشاعر، على أن يشعر بالألم مجددا، هز رأسه يعاتب نفسه على خوف كاد يضيعها من بين يديه، فبرودها الآن يخيفه اكثر، يخشى أن يكون الوقت قد تأخر وأن يكون قد غادر قلب زوجته للأبد، يخشى ان تصمم على الطلاق بعد مرور الوقت الذى حدداه، هو لن يسمح لها بذلك، لن يتركها ترحل مجددا، سيبذل كل ما فى وسعه لتغيير قرارها مهما حدث، الى جانب موضوع أخاه، يجب ان يجد دليلا يؤكد به كلام أمانى زوجة اخيه، حتى يستطيع ان يفعل شيئا لأخاه الذى حرم منه لسنوات، يجب ان يريح قلوب يدرك جيدا انها تتعذب، نعم يجب.
سمعت اميرة طرقات على الباب، هبط قلبها بين قدميها وتقدمت باتجاهه بخطوات بطيئة لتفتحه، وجدت ظافر يطالعها بهدوء قائلا:
انتى كويسة؟
أومأت برأسها وهى تشعر بالخجل مما تفوهت به بالأمس فى حضوره ليستطرد قائلا:
طب ممكن تنزلى تحت، عايزك فى موضوع مهم.
اومأت أميرة برأسها ليغادر بهدوء بينما بدلت أميرة ملابسها بسرعة ثم نظرت الى المرآه تبعد خصلاتها خلف اذنها بقلق قائلة:
ياترى عايزنى فى ايه ياظافر؟ربنا يستر.
ألقت على نفسها نظرة أخيرة ثم اتجهت لمغادرة الحجرة والنزول الى حيث يوجد ظافر، وجدته جالسا امام المدفأة بهدوء، يبدو شاردا فلم يشعر بوجودها، تنحنحت فانتبه الى وجودها التفت اليها يتأملها للحظة ثم أشار لها بيده قائلا:
اقعدى ياأميرة.
جلست أميرة وهى تشعر بالتوجس، فظافر لا يبدو أبدا على طبيعته، ترى أينوى اخراجها من منزلها خوفا من والدها الذى علم ببطشه وجبروته، وأنه رجل يشكل خطرا على حياته ان وجدها عنده؟
قالت بصوت خافت ينبض بالمرارة:
ظافر، لو كلامى انبارح خوفك من بابا وحابب انى امشى من البيت، أنا مستع...
قاطعها قائلا بصرامة:
أنا مبخافش من حد، وكلامك عن باباكى استفزنى مش اكتر، نفسى اروحله وألف ايدية حوالين رقابته ومسيبوش غير وهو ميت بسبب اللى عمله فى مامتك وفيكم.
نظرت اليه بعينين حائرتين من الغضب الذى يبدو فى كلماته، تساءلت عن سر غضبه، هل هو غضب انسانى؟أم ان داخله اهتمام بها وبما يحدث لها؟كم تمنت ان يكون الاحتمال الاخير هو الأصح، أفاقت على صوته الذى عاد هادئا:
بصراحة انا فكرت كتير فى وضعك وعارف ومتأكد ان باباكى مش هيرتاح غير لما يلاقيكى وساعتها هيغصب عليكى تتجوزى ابن صاحبه ده اللى اسمه...
قالت أميرة فى حزن:
معتز.
أشار بيده قائلا:.
أيا كان اسمه، المهم، كل اللى وصلتله هو حل واحد ومفيش غيره، هتبعدى بيه عن شر باباكى وفى نفس الوقت هتكونى حرة.
نظرت اليه بحيرة قائلة:
انت الظاهر مسمعتنيش كويس انبارح وانا بقولك ان بابا مستحيل هيتخلى عن فكرة جوازى من معتز، عشان ينقذ شغله وشركته، انا مشكلتى ملهاش حل.
نظر اليها وهو يقول بغموض:
قلتلك أنا عندى الحل.
عقدت حاجبيها قائلة:
وايه هو بقى الحل ده؟
تأمل ملامحها للحظات أحست كأنهم ساعات، تشعر بدقات قلبها تتقافز بسرعة، لتبلغ اقصى سرعتها حين قال فى هدوء:
تتجوزينى ياأميرة.