قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية تعافيت بك الجزء الثالث للكاتبة شمس محمد الفصل الثاني

رواية تعافيت بك الجزء الثالث للكاتبة شمس محمد الفصل الثاني

رواية تعافيت بك الجزء الثالث للكاتبة شمس محمد الفصل الثاني

الفصل الثاني و الخمسونالجزء الثاني (ما هي المفاجأة؟)
الفصل الثاني و الخمسون
رواية تَعَافَيْتُ بِكَ الجزء الثاني.

جميلةٌ هي عيونها، تُشبه السماء بِ نجومها
سِرٌ أرّقَ ليلي و أتعب مضجعي، سرٌ كتمته ليكون سببًا في الوجعِ، ليتردد حالًا في ذهني هل جديتُ من البوح نفعِ؟ أم أنك فقط تُخالف السَمعِ؟ و لكن كيف لي أن أقص ذلك؟ كَيف لي أقول أنني مُرهقًا بما يعتل به قلبي لكنه يفيض مِن عيناي؟ كيف لي أقول أن البوح لن يُفيد و الشكوى لن تُجيد؟

تنفس هو بحدة و كأنه النفس الأخير ثم قال مُفسرًا: افهمي يا دكتورة! واحد مدمن مخدرات واخد حقنة و دماغه وزته على واحدة، يبقى إيه؟
شهقت هي بقوةٍ بينما هو أخفض رأسه خجلًا منها و في تلك اللحظة لعن نفسه و حظه و تسرعه على البوح بذلك السر، بينما هي تابعت رد فعلها بقولها بقولها:
ازاي؟ لازم تحكيلي كل حاجة حصلت، و لازم كل التفاصيل، أي حاجة زي دي لازم أكون عرفاها، احكي يا وليد.

رد فعلها المُبالغ به جعله يشعر بالخوف و أرشده إلى ثِقل ما يحمله في قلبه، لذلك سحب الهواء داخل رئتيه و كأنه يُخرج نفسه الأخير، ثم رفع رأسه لها مُجددًا و هو يقول بصوتٍ مُهتز الوتيرة و كأن نبرته تهتز بين الصمت و السرد و هو يقول بصوتٍ موجوعٍ:
أنا حاربت نفسي علشان أقدر أطلع حاجة زي دي، و أحكيهالك، متعرفيش حصل فيا إيه علشان أخرج حاجة زي دي من جوايا.

ردت عليه هي بتفهمٍ: فاهمة، بس ياريت تخرج كل حاجة جواك و تقولهالي، أنا لا يمكن آذيك
حرك رأسه موافقًا ثم رفع كفه يمسح دموعه ثم قال بنفس الصوت المتقطع الذي تحشرج من اختناق البكاء من تلك الأحداث التي جاهد حتى ينساها: يومها كانت أول مرة أخد حُقنة، لما لقيت الوجع زاد في جسمي و قربت أصرخ قدام البيت كله، روحت ل عمرو و قولتله أني مش قادر أستحمل، ساعتها قالي،.

توقف عن الحديث حينما تهدج صوته و أنضمت جفونه تخفي أسفلها مُقلتاه التي حاوطهما الإحمرار، بينما هي كانت على علمًا بكل ذلك، لذلك تحدثت تحثه على الاسترسال بقولها:
كمل يا وليد، ها حصل إيه بعد كدا؟ افتكر إن كل حاجة هتخرجها بتقربنا خطوة لعلاجك و للتعافي، كمل!

حرك رأسه موافقًا ثم فتح عينيه بتروٍ و هو يقول بنفس التحشرج الذي غلق نبرته: ساعتها قالي إن اللي موجود حُقن بس، و سعرها أغلى من البرشام بس مفعولها جامد و هيقعد أطول، الفلوس ساعتها كانت معايا، قعدت جنبه و علمني إزاي أخدها و عرفني الطريقة لما ادهالي أول مرة، خلصت سهرتي معاهم و روحت البيت ساعتها،.

توقف عن استطراد حديثه ثم تابع من جديد بقوله: رَوحت الفجر و البيت كله كان نايم، قعدت على السرير جسمي كله مشلول و مش حاسس بيه، روحي طايرة في السما و حسيت إني عاوز أكمل الجو دا بحاجة تانية، دماغي أول حاجة رسمتها عبلة و هي معايا،.

كانت هي تنصت له بكامل طاقتها و تركيزها و هي تتابع تعبيراته الجسدية التي انعكست على هيئته نتيجة حديثه، و اتضح ذلك من خلال ارتجافة شفتيه و ارتعاشة كفه الذي وضعه على يد المقعد، و حركة عينيه التي جالت في العيادة بأكملها هروبًا من النظر إليها و مواجهة نظراتها و كأنه يرى الماضي مُتجسدًا أمام ناظريه، فتابع من جديد مُستطردًا حديثه بقوله:.

لقيت دماغي عمالة تجيبلي صور بَشعة و كل صورة فيهم عاوزة الحرق للي يفكر فيها، حاولت أنام و أهدى، بس مقدرتش أسكت دماغي و حسيت إن اللي جوايا بيزيد، ساعتها خرجت التليفون أكلم عمرو أسأله ليه المرة دي كدا؟ ساعتها قالي إن النوع دا بيعلي و بيطلب حاجات تانية، و أحسنلي أتصرف، ساعتها رميت التليفون و أنا عمالة ألف في الأوضة بحاول أسكت نفسي و لما مقدرتش كسرت كل حاجة فيها، و اللي صحي على الصوت دا كان وئام،.

بكى عند وصوله لتلك النقطة في حكايته، لم يتخيل أن البوح يؤلمه بتلك الطريقة، فماذا إذًا بالكتمان، حرك رأسه ينظر لها و الدموع تعرف سبيلها على وجنتيه و كأنها تشق ذلك الطريق لمرتها الأولى، فتحدث بصوتٍ باكٍ:
مش هقدر أكمل! صعب، صعب احكي حاجة مضيعة مني حياتي كلها،
حثته هي بقولها الجامد الذي لا يقبل المُناقشة: لو مش علشان وليد القديم، يبقى علشان الجديد يرتاح، و لو هما مش فارقين معاك، عبلة أكيد فارقة معاك!

حرك رأسه موافقًا بعدما أغلق عينيه ثم عاد بذاكرته لذلك اليوم المشئوم كما يلقبه هو
(منذ عدة أعوامٍ).

دار وليد الغرفة بأكملها مثل الأسد الجريح محاولًا كبح جماح طاقته و خاصةً مع تلك الخيالات التي هيئها له عقله مع حبيبته، و حينها أمسك كل الأشياء التي قابلته يقوم بتدميرها، حتى انقلب كل شيءٍ رأسًا على عقبٍ، سمع أخيه أصوات التكسير و الجلبة التي أحدثها بالغرفة، ففتح الباب بقوةٍ و قبل أن يُصيح به يُعنفه على ذلك ظنًا منه أنه يشاهد التلفاز، لكنه أنصدم حينما وقع بصره على الغُرفة المُدمرة كُليًا، حتى استقر بصره أخيرًا على أخيه يرتمي على الأرض بجوار الفراش في وضعٍ تُدمى? القلوب دمعًا عليه، حيث وجده يضم ركبتيه إلى جذعه العلوي و كفيه يمسك بهما رأسه و كأنه بذلك يُحد من كل ما فعلته به و هو يضعها فوق ركبتيه، حتى ركض إليه شقيقه يسأله بقلقٍ بالغٍ بعد رؤيته له بذلك الوضع: وليد! فيك إيه؟ عامل ليه كدا في نفسك و مبهدل الأوضة كدا ليه؟ وليد أنتَ كويس؟

رفع رأسه بخوفٍ بعدما خمدت نيرانه الداخلية و فور رؤيته للهفة أخيه عليه، حرك رأسه نفيًا و الدمع يسيل على وجنتيه كما الشلالات التي انفجرت من منابعها و هو يحرك رأسه نفيًا بخوفٍ، لم يجد أخيه حلًا سوى أن يأخذه بين ذارعيه و هو يبكي دون أن يفهم شيئًا، فيكفيه رؤيته لنصفه الآخر بذلك الوضع، بينما وليد تحدث بصوتٍ مُنكسرٍ: إلحقني، أبوس رجلك إلحقن. ني من نفسي، أنا مش كويس،.

حرك وئام رأسه يطالعه و الدموع تلمع في عينيه و هو يسأله بنبرة صوتٍ أظهرت وجعه على شقيقه و هو يقول: فيك إيه؟ ريحني و قولي مالك؟ مين مزعلك؟
حرك رأسه نفيًا و هو يقول بصوتٍ متقطعٍ: أنا اللي مزعلني، أنا بقيت مُدمن، أبوس رجلك اتصرف، مش عاوز أموت و أنا كدا.

وقعت الكلمات على سمع أخيه و كأنها سوطًا نزل على جلده في ليالي الشتاء القارسة، أحس فورًا بنفس الشعور و قبل أن ينطق مُكذبًا حديث أخيه و ينهره عن ما تفوه به، وجده يسحب كفه محاولًا تقبيله و هو يقول بلهفةٍ:
أبوس إيدك الحقني، أنا مش عارف اتصرف، لو مفعولها خلص أنا هموت، الحقني.

خطفه وئام بين ذراعيه مُجددًا و كليهما ينهار باكيًا بقرب الآخر و بين ذراعيه، حتى أمسك وليد ثياب أخيه و هو يقول ببكاءٍ مزق نياط قلب أخيه: أنا خايف، خايف أموت كدا، اتصرف علشان خاطري، مش عاوز أموت و أنا كدا،
(عودة إلى الوقت الحالي).

سحب نفسًا عميقًا بعدما أرجع رأسه للخلف و دموعه كما هي على وجنتيه، و بعدما هدأ قليلًا استطرد حديثه قائلًا: ساعتها فضلت ماسك في وئام و كأنه طوق النجاة ليا، و كل اللي عليا أقوله يلحقني من نفسي، كنته عاوزه يفوقني قبل ما أعمل حاجة غلط و أخسر نفسي عمري اللي جاي كله
سألته هي بحذرٍ: و هو أنتَ كنت هتعمل حاجة؟

شَخص ببصره نحوها بخزيٌ من نفسه ثم حرك رأسه موافقًا بإيماءةٍ بالكاد رأتها هي و هو يقول: كنت هعمل، عمرو قالي في التليفون لو معرفتش اتصرف و فضلت زي ما أنا، اروحله و هو هيبسطني، بس أخدله فلوس معايا.

حركت رأسها موافقةً بتفهمٍ، بينما هو مسح دموعه، ثم مرر كفيه على وجهه بعنفٍ يمسحه، ثم حرك رأسه يطالعها ظنًا منه أنه سيرى البُغض و النفور في نظرتها، لكنه وجد بسمة تشق وجهها، فحرك رأسه مُستفسرًا بصمتٍ لم يخرجه من مصدره، فاتسعت بسمتها أكثر و أستشف هو نظرة خُبث في عينيها تطل منها له، فسألها هو بحيرةٍ من حالتها تلك:.

هو إيه رد فعلك دا! بتضحكي ليه؟ أنتِ غريبة ليه؟ كل دا مش مأثر فيكي؟ أنا قولت إنك هتطرديني من هنا
ردت بثقةٍ على حديثه بعدما اعتدلت في مقعدها: بضحك عليك علشان كل مرة بتثبتلي أني لازم أتعامل معاك بطريقتك، أنا أصلًا كنت متوقعة حاجة زي دي، و كنت متوقعة إنك عملت حاجة أصلًا مش مجرد تفكير، لما جيت تحكيلي و تقولي إنك هتقولي سر مهم، أنا كنت في قمة سعادتي.

ردد هو خلفها بحنقٍ: قمة سعادتك! علشان جاي أحكيلك حاجة زي دي؟ هو أنا ليه مش فاهمك؟ و بعدين رد فعلك كان مبالغ فيه، المفروض إنك متتأثريش، بس لما خوفتيني أنا اضطريت أحكي، ثانية واحدة!

توقف عن الحديث بعدما التقط طرف الخيط في طريقتها، بينما هي ابتسمت له بخبثٍ ثم تركت مقعدها و توجهت نحو الثلاجة الموضوعة بالعيادة ثم عادت له مرةً أخرى في يدها زجاجة عصير، ثم مدت يدها له و هي تقول مبتسمة: اتفضل اشرب العصير دا علشان ريقك ناشف و باين إنك تعبت
رد عليها هو بنبرةٍ جامدة: أنا مش عاوز حاجة، أنا عاوز أفهم، طريقتك دي ليه؟

جلست مرةً أخرى بموضعها من جديد و هي تقول بتريثٍ و ثقةٍ لأول مرةٍ يعهدها منها: طريقتي دي اتعلمتها منك، أنتَ عمال تحط حواجز بيننا و رافض فكرة إنك المريض و أنا اللي بعالجك، فضلت أخوفك من التراكمات و حذرتك أكتر من مرة، كان لازم أكون رد فعل معاكس ليك، تنكر أني لو كنت اتعاملت مع الموضوع بهدوء كنت هتحكيلي؟

رد عليها هو مُسرعًا: ما هي دي المشكلة، أنا لما أنتِ اتخضيتي حسيت إنها كارثة و حسيت إني لازم أقولك، أنا أصلًا مكنتش هقول تفاصيل، بس أنتِ غريبة أوي، بتخليني أحكيلك
عقبت هي على حديثه بقولها: علشان دا اللي المفروض يحصل، و هي إن العلاقة بينا علاقة مريض بدكتورته، لازم يكون فيه بينا ثقة، أنا أقسمت يمين أني أحافظ على أسىرار المرضى، و لازم تعرف أني أخر واحدة تفكر تأذيك.

حرك رأسه موافقًا ثم أضاف: أنا علشان أجي أقولك السر دا اتعذبت، كل ما فرحي بيقرب و افتكر إن قربي منها هيزيد، الصورة دي بتيجي في دماغي، احساسي أني كنت هتسبب في عذابها العمر كله بيموتني، فكرة أني كنت هستسلم و أروح أعمل حاجة حرام، بتكرهني في نفسي، كل ما بفتكر إن اللي أنا حبيتها من صغري فكرت فيها بالطريقة دي، أنا كنت هطلع خلاص أقولها أني، أني،.

صمت و توقف عن الحديث، فأمسكت هناء زجاجة العصير تمد يدها بها له و هي تقول: اشرب بس العصير، أشرب علشان نقدر نكمل
حرك رأسه موافقًا على مضضٍ ثم ارتشف العصير من الزجاجة و هو يشعر بالجفاف في حلقه، بينما هي ابتسمت له ثم تابعت حديثها بقولها:.

بص يا وليد، من أول مرة جيت ليا هنا و طلبت فيها العلاج أنا كنت متأكدة إن فيه سر كبير أكبر من طاقتك، و السر دا بان في عينيك اللي كانت بتهرب مني و أنا بكلمك و في الغموض اللي خلاك تطلب العلاج،.

لإن ساعتها مكانش طبيعي إنك تعرف و تتعالج بسرعة غير لو كنت شوفت حاجة صعبة، و أنا فاهمة كويس أنتَ شوفت إيه، شوية المواعين اللي كنت بشرحلك عليها دي مش فراغ و لا طيش مني، بس دا كان تغذية للعقل، بنبهك بطريقةٍ ما إنك كل ما هتفضل مخبي جواك،.

الوجع و الأثر هيكتر، كونك وثقت فيا و جيت لحد عندي تعترفلي بحاجة زي دي، دي خطوة عظيمة في تقدمك تجاه العلاج، مشكلتك إنك اتعودت تخاف، كل ما تحصل حاجة تخوفك و تنبهك بالخطورة دي تبدأ تعيد حساباتك في الحياة من جديد، كل اللي أنا عاوزاه منك إنك تخرج كل الأسرار و تفتح كل الصناديق السودا اللي جواك، عاوزاك تطمن.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة