رواية بنت القلب للكاتب عبد الرحمن أحمد الفصل السابع
مر شهرين دون أى أثر لطيف الذى اختفى تمامًا وكان والده فقط الذى على علمٍ بمكانه ومركز تدريبه ...
اقتربت منه وانخفضت لتهمس فى أذنه بإبتسامة ماكرة:
- شكلك مش ناوى تكمل تدريب وهتفضل متبهدل كدا
أثارت تلك الجملة غضبه فنهض مسرعا واقترب منها وهو يمد يده استعدادًا للكمها فأبعدت وجهها بحركة سريعة وركلته بقدمها بقوة فوقع على إثرها فاقتربت منه مرة أخرى لتقول:
- مش بقولك، أنتَ ضعيف.
أسند يديه على الأرض وأخذ يحاول الوقوف حتى نجح ونظر إليها بأعين مشتعلة وظل محدق بها وهو يتوعدها قائلًا:
- أنا مش ضعيف
ثم تحرك بسرعة شديدة تجاهها فقفزت فى الهواء ورفعت قدمها وركلته بقوة شديدة فتراجع بضعة أمتار ووقع على الأرض، سحب أنفاسه بصعوبة بالغة وحاول الوقوف مرة أخرى لكنه لم يستطع وظهرت العديد من الجروح بوجهه وسالت الدماء بشكل أقوى.
اختفت إبتسامتها وأردفت بجدية واضحة وهى تلتفت للجهة الأخرى:
- مستنياك فى مركز التدريب .. متتأخرش يا غيث
اعتدل غيث فى جلسته ومسح الدماء الظاهرة على وجهه بيده ثم نهض بصعوبة وتحرك على قدمه بتألم شديد، سار فى طريقه حتى وصل إلى مركز التدريب الخاص به فوجدها تجلس وعلى وجهها إبتسامة خفيفة وما إن رأته حتى هتفت بهدوء:
- تعالى كل يلا.
حدق فيها بنظراته المشتعلة فصاحت مجددًا:
- هتفضل باصصلى كدا كتير ؟ يلا تعالى كل علشان تعرف تكمل تدريباتك
استجاب غيث لطلبها واقترب من الطاولة الصغيرة وجلس على الكرسى ونظر إليها بتعجب ليقول متسائلًا:
- أنتِ مين وأنا هنا ليه ؟
اتسعت إبتسامتها وأردفت وهى تشير إلى الطعام:
- كُل
وجه أنظاره إلى الطعام وشرع فى الأكل بنهم شديد وكأنه لم يأكل منذ عدة أسابيع ..
ظلت تتابعه بنظراتها حتى انتهى فابتسمت قائلة:
- أنا اسمى ليان، أنا اللى هبقى المسئولة عن تدريبك هنا
حرك رأسه ليبدى تعجبه وسألها مرة أخرى:
- تدريب ايه أنا مش فاهم أى حاجة
وقفت وأدارت ظهرها وهى تقول بإقتضاب:
- مش ملاحظ إن أسئلتك كترت !
وقف هو الآخر ووجه أنظاره إليها ليعيد سؤاله مرة أخرى:
- لازم أفهم فى ايه ! ما أنا مش هفضل كدا من غير ما أفهم وبعدين تدريب ايه ؟ ده أنتِ اللى بتضربينى .. فين التدريب ده!
التفتت لتنظر إليه مبتسمة واقتربت منه أكثر وأجابت بمكر:
- لازم تتضرب وتتألم علشان يبقى عندك دافع تدافع عن نفسك وتتقن التمارين .. مفيش تمرين مجرد تشجيع بس كدا
ابتعد عنها بضع خطوات ثم التفت إليها مرة أخرى ليقول ساخرًا:
- بس مش غريبة إن بنت هى اللى تدربنى !
ضحكت من جملته الأخيرة وخبطت بيدها فوق يدها الأخرى لتجيب بتحذير:
- متنساش إن البنت دى هى اللى شلفطت وشك كدا وخلتك مش عارف تمشى على رجليك دلوقتى.
ظل يفكر فى حديثها ويحاول فهم ما يحدث لكنه لم يستطع فاقترب ليقول باستسلام:
- أنا هعمل اللى عايزينه بس أفهم أنتم مين وبتعملوا كدا ليه وعايزين منى ايه؟
أدارت رأسها واتجهت إلى الخارج وهى تقول بجدية:
- هتعرف كل حاجة بس مش دلوقتى
رفع صوته ليناديها:
- رايحة فين ؟
التفتت بوجهها نصف إلتفاتة لتقول:
- مستنياك برا، علشان نكمل تدريب
دلف إلى أحد الملاهى الليلية وجلس على مقربة من أحد الأشخاص الذى يبدو وكأنه يراقبه أو شىء كهذا ثم رفع يده وأشار إلى النادل ليقول:
- الكأس بتاعى
أسرع النادل وهو يقول:
- حاضر يا وائل باشا
التفت الرجل الذى بجانبه على صوته وأردف بإبتسامة:
- أنا شوفتك قبل كدا صح ؟
هز كتفيه ليجيبه قائلًا:
- يمكن.
ابتسم له بمكر ليقول تلك المرة بجدية:
- لا مش يمكن، أنا عارف إنك جاى ليا يا وائل .. مش أنتَ برضه وائل الأيمن ؟
ابتسم وائل واعتدل فى جلسته ثم سحب علبة السجائر الخاصة به وسحب سيجارة ثم رفع القداحة ليشعلها ومن ثم أعادها إلى جيبه مرة أخرى وهو يقول:
- برافو عليك، باين عليك عارف كل حاجة وعارف إنى جاى أخلص عليك
ضحك "خالد السنباطى" بسخرية قبل أن يرتشف الخمر من كأسه وأردف:
- أنا عارف إنك جاى من ساعة ما قتلت فهد وكنت تحت عينيا طول الوقت بس سيبتك بمزاجى.
ضم ما بين حاجبيه بعلامات تعجب مصطنعة ليقول:
- لا بجد ؟ وماخلصتش عليا ليه طالما عارف إنى لو وصلتلك هخليك تحصل الفهد ؟
ارتشف الخمر من كأسه ثم نظر إلى النادل وأشار إليه بسكب المزيد وما إن فعل أعاد بصره إلى وائل وأردف بهدوء:
- أكيد طالما سيبتك لغاية ما تجيلى هنا يبقى محتاجك وشيل من دماغك إنك تقتلنى هنا لأن المكان مرشق برجالتى فلو نجحت فى إنك تخلص عليا مش هتنجح فى الهروب، ثم أكمل بقوة:يعنى من الآخر تسمعنى وتقولى رأيك فى العرض اللى هعرضه عليك.
أمسك وائل كأسه وارتشف هو الآخر منه ونظر إلى الأمام والتوى ثغره بإبتسامة ليقول متسائلًا:
- عرض ايه ده ؟ ومالك بتتكلم بثقة كدا ليه على أساس إنى هقبل العرض !
اعتدل خالد فى جلسته وحدق فيه بنظرات جادة وأردف:
- هفهمك كل حاجة بس متقاطعنيش للنهاية
فى منزل اللواء أيمن ضياء،،،
صاحت أسماء بعينان دامعتان وأخذت تقول بحزن:
- يا عينى عليك ياابنى .. شهرين بحالهم ما أشوفكش، ياترى عامل ايه دلوقتى ؟
تدخل أيمن وربت على كتفيها ليقول بهدوء:
- يا ستى متقلقيش عليه، طيف دلوقتى كويس وبخير وهو دلوقتى فى مكان مخصص علشان يبقى جاهز إنه يبقى ظابط واحتمال ياخد إجازة اليومين دول متقلقيش.
حركت رأسها قائلة بحزن شديد:
- قلبى متوغوش عليه أوى، مش متعودة يبعد عنى كدا
لوح بيده فى الهواء قائلًا:
- يا أسماء ما هو كان فى الجيش بيغيب زى كدا برضه مالك قلباها غم كدا ليه، ابنك والله كويس
فى تلك اللحظة ظهر صوت الجرس العالى فصاحت تنّة لشقيقتها الصغرى:
- افتحى الباب يا رنّة
نهضت رنّة من فوق كتابها بغضب واتجهت إلى الباب لتفتحه فتفاجأت بطيف أمامها وعلى وجهه إبتسامة واسعة فارتمت فى حضنه قائلة:
- طيف وحشتنى أوى.
ابتسم طيف ليقول مازحًا:
- وأنتِ والله وحشتينى يا نغمة
اعتدلت ونظرت إليه بنصف عين قائلة:
- برضه نغمة !
ضحك طيف ودلف إلى الداخل ..
صاحت أسماء بصوتٍ عالٍ:
- مين يا رنّة !
دلف طيف إلى داخل المنزل وأدى التحية العسكرية قائلًا:
- تمام يا فندم
تهللت أسارير أسماء وصاحت بلهفة وهى تسرع تجاه ابنها وفلذة كبدها:
- ابنى حبيبى
ضمها طيف بحب شديد وكذلك هى لم تتركه وظلت على تلك الحالة لأكثر من دقيقة وهى تقول:
- وحشتنى أوى ياحبيبى .. كدا يا طيف تسيبنى الفترة دى كلها
ابتسم طيف ليقول مازحًا:
- معلش يا ست الكل هعوضك بس أسلم على الحاج والبت تنّة وأجى فى حضنك تانى
تركها واتجه إلى والده ليضمه قائلًا:
- واحشنى يا سيادة اللواء
ابتسم أيمن وربت على ظهره وهو يقول:
- وأنتَ يا طيف والله، حمدالله على سلامتك يا وحش
- الله يسلمك يا بابا.
ثم اتجه إلى تنّة التى حضرت على الصوت وضمها قائلًا:
- وحشتينى يا تنّة والله
ابتسمت قائلة بمرح:
- وأنتَ والله يا طيف، البيت كان نكد من غيرك
اعتدل وغمز إليها ليقول مازحًا:
- هقلبه موجة كوميدى بس اتقلى أنتِ
ضحكت قائلة:
- ياااه وحشنى هزارك والله والمقالب اللى كنت بعملها فيك
ظل الوضع كما هو عليه لساعتين كانت والدته تجلس بجواره طوال الوقت وتستمع لما يقوله حتى نهضت وأردفت:
- ساعة بالظبط وأعملك ورق العنب اللى بتحبه وبط يعوضوك عن الأيام دى كلها يا حبة عينى
لمعت عيناه وقال مسرعًا:
- ياريت والله يا ماما ده أنا نسيت طعم محشى الورق العنب عامل ازاى أصلًا
- ماشى يا حبيبى، على طول متقلقش
ثم صاحت بصوتٍ عالٍ ؛
- بت يا تنّة .. يا رنّة، تعالوا يلا علشان نعمل أكل لأخوكم يلا بلاش غلبة.
وضع والده يده على كتفه ليقول بجدية:
- ها يا وحش عامل ايه فى التدريب والتعليم وكل حاجة !
ابتسم طيف ليقول بتفاخر:
- عيب عليك يا سيادة اللواء .. كله تحت السيطرة ابن الوز بطوط برضه
ربت على كتفه مرة أخرى ليقول برضا:
- ربنا يعينك يا طيف، أنا واثق إنك ادها وأكتر كمان وهتشرف أبوك
تذكر طيف ما حدث سابقًا فأسرع وسأل والده قائلًا:
- صحيح يا بابا عملت ايه فى موضوع رمّاح !
ضم ما بين حاجبيه ليقول متعجبًا:
- أنتَ لسة فاكر ؟ على العموم مفيش حاجة وراقبت رماح لمدة 40 يوم وكل حاجة تمام ده قبض على العيال بتوع المخدرات كمان واعترفوا على اللى مشغلهم والقضية اتقفلت
فغر شفتيه غير مصدق لما يقوله والده وأردف بتعجب:
- رماح عمل كل ده ! وربنا أنا مابقيتش فاهم حاجة خالص، يالهوى ده أنا نسيت أقول لنيران على اللى هعمله وكنا متفقين على جلسة فى العيادة بس سافرت من غير ما أقولها .. ربنا يستر وكل حاجة تكون عدت على خير
صمت قليلًا ثم تابع:
- أنا هتصل بيها وأحدد معاها ميعاد بالليل أفهم منها آخر الأخبار.
ثم وقف وكان على وشك الخروج فقاطعه والده قائلًا:
- طيف .. خلى بالك كويس منها
ضم مابين حاجبيه متعجبًا:
- مش فاهم قصدك يا بابا
ابتسم والده ليضيف:
- خلى بالك بس، مش كل اللى فاكره طيب وكويس يبقى طيب وكويس، حط كدا فى دماغك.
هز رأسه وتابع التحرك إلى الشرفة وهو يفكر فى جملة والده الأخيرة وحدث نفسه:
- ممكن تكون نيران بتمثل على الكل إنها فاقدة الذاكرة وعايزة توقعهم عن طريقى أنا بما إن بابا ماسك القضية ! لا لا ماظنش دى فعلا فاقدة الذاكرة بس ليه لا .. فضلت تكرهنى وتشككنى فى رماح وفى الآخر طلع برىء وقبض على بتوع المخدرات طب ايه ! أنا مابقيتش فاهم حاجة خالص
نفض تلك الأفكار عن رأسه وهاتف نيران على الفور فأجابته بصوت حذر:
- مين ؟ دكتور طيف !
ارتسمت إبتسامة على ثغره وهو يجيبها:
- أيوة أنا طيف، ازيك يا نيران عاملة ايه؟
أجابته بنفس الوجوم:
- الحمدلله
تابع بعد أن تنحنح:
- احم .. أسف إنى ماقلتش ليكِ إنى مش هاجى العيادة الفترة اللى فاتت، كل حاجة حصلت بسرعة ومالحقتش حتى أبلغ صاحبى غير بتليفون
- لا عادى مفيش حاجة أنا بس استغربت إنك اختفيت مرة واحدة بس ايه سبب الإختفاء ده؟
أجابها طيف وهو يحاول إنهاء تلك المكالمة بعد أن ظهر رقم صديقه المقرب مازن على شاشة هاتفه:
- هعرفك كل حاجة فى العيادة النهاردة .. الساعة 7 بليل كويس ؟
صمتت قليلًا ثم تابعت:
- امم خلاص تمام
- تمام باى
- باى
أنهى المكالمة وأجاب على صديقه ليصيح بسعادة:
- مااازن واحشنى ياض والله أوى
تحدث مازن بلهجة عتاب:
- بقى تدخل شرطة كدا وتختفى شهرين من غير أى حس، حتى مابلغتنيش قبلها ؟
ضحك ليبرر موقفه قائلًا:
- والله كل حاجة جت على سهوة .. ياابنى الفكرة جتلى بالليل .. تانى يوم الصبح كنت هناك، ده أنا أستحق جايزة نوبل فى سرعة إتخاذ القرارات ... صحيح افتكرت أنتَ إجازتك النهاردة صح.
أجابه مازن بتأكيد:
- أيوة النهاردة اشمعنى
تابع طيف بحماس:
- أنتَ تقوم تلبس وتيجى كدا علشان أنتَ معزوم عندى النهاردة .. الحاجة أسماء عاملة محشى ورق عنب وبط من اللى قلبك يحبهم وبالمرة أحكيلك اللى حصل والدنيا ماشية ازاى
وافق صديقه على الفور وهتف قائلًا:
- اشطا .. مسافة السكة
وقفت فى الجهة المقابلة له وحدقت فيه بنظرات جامدة وهى تتابع حديثها:
- مش بس كدا، أنتَ لازم تتوقع الغدر أو الهجوم عليك فى أى لحظة من اللحظات حتى لو ماشى بين ناس أنتَ متطمن ليهم، لازم تكون مستعد لأى حاجة .. لازم تشوف من ضهرك .. مش لازم تشوف بعينيك بس لازم إحساسك وحواسك كلها تكون برا جسمك وبتحس بالمكان اللى أنتَ ماشى فيه
حرك رأسه بالإيجاب ليقول:
- تمام وبعدين.
تابعت ليان دون أن تحيد بعينيها:
- لازم يكون عندك رد فعل سريع جدًا وتقرأ الشخص اللى قدامك وتذاكره كويس وتفهم نقاط قوته وضعفه وده كله من غير ما ياخد باله من أى حاجة، لازم تعرف إن الغلطة مهما كانت صغيرة مسئولة عن حياتك كلها والأهم من ده كله وهكررها تانى لازم تتوقع الضربة من أى حد وفى أى لحظة.
وما إن أنهت كلامها حتي فاجئته بلكمة شديدة فى وجهه فتراجع على إثرها للخلف وهو يمسك بوجهه متألمًا، فصاح بغضب:
- ااااه أنتِ بتضربى ليه دلوقتى !
تابعت بنفس جمودها القاتل:
- قلتلك تتوقع الضربة من أى حد وفى أى وقت
تقدم غيث مرة أخرى ليقف مقابلًا لها وهو يقول:
- تمام بس خفى عليا شوية.
أكملت حديثها بجدية واضحة:
- الأهم من إنك تسمع هو إنك تنفذ، إنك تقول ماشى تمام سهل بس إنك تعمل ده هو اللى مش سهل ثم لكمته مرة أخرى لكن تلك المرة تصدى ليدها وأمسكها بقوة فابتسمت بإعجاب لتضيف:
- برافو عليك يا غيث ودلوقتى ندخل فى المرحلة التانية ودى أصعب بكتير .. جاهز ؟
تردد فى الرد عليها لكنه فى النهاية حرك رأسه بالإيجاب ليقول:
- جاهز...