رواية بنت القلب للكاتب عبد الرحمن أحمد الفصل الحادي عشر
حرك غيث رأسه بعدما فهم أخيرًا سبب وجوده هنا وسبب تدريبه على يد ليان ..
هتفت ليان بقوة:
- اهرب قبل ما يوصلوا، اهرب قبل ما تتورط معاهم
حرك رأسه بالرفض واقترب منها بهدوء حتى وصل إليها وأمسك بيدها بحب وأردف:
- مش ههرب لوحدى، هتيجى معايا ... رجلى على رجلك حتى لو هنسافر لآخر الارض
هزت رأسها لتجيبه بحزن:
- مش هينفع يا غيث .. لو هربت معاك هنروح فين! أنت تقدر ترجع مصر وتبلغ هناك وساعتها هيحموك لكن أنا هيعتبرونى مجرمة وهيقبضوا عليا ومش بعيد يعدمونى.
رفض ما قالته وهتف بقوة:
- لا يا ليان أنتِ ماقتلتيش حد ولا انضميتِ ليهم برغبتك، أخوكى اللى غصب عليكِ وساعتها أنتِ كنتِ صغيرة متعرفيش تاخدى قرار .. هم هيقدروا ده خصوصًا إنك جيتِ ليهم بنفسك
فكرت قليلًا فيما قاله واتخذت القرار، أردفت بصوت خفيض:
- ماشى يا غيث أنا هاجى معاك بس الأول تعال نخطط هنهرب من هنا ازاى لأن المكان عليه حراسة مشددة ومش أى حد يقدر يخرج منه
ابتسم غيث بحماس شديد وتحدث:
- أنا درست المكان كويس فى فترة التدريب .. تعالى انا أقولك نقاط ضعف المكان وهنخرج منين بالظبط ...
هتفت أسماء بغضب وهى تقف فى المطبخ:
- يابت يا رنّة، سيبى الزفت اللى فى ايدك ده وتعالى ساعدينى أخوكى زمانه جاى
صاحت رنّة وهى تتجه إلى المطبخ:
- حاضر يا ماما جاية أهو وبعدين بدعبس فى الموبايل شوية
لوت ثغرها وأجابتها على مضض:
- والموبايل ده مين اللى جابه ! مش أخوكى برضه ؟ يبقى تيجى تعمليله الأكل يا أختى.
فى تلك اللحظة رن جرس المنزل فانطلقت رنّة بسرعة إلى الباب وفتحته وهى تقول:
- طبعا زى عوايدك .. مفاتيح العربية فى جيبك وتنسى مفاتيح البيت
ضحك طيف بعدما دلف إلى الداخل ورد مازحًا:
- وأنتِ طبعًا زى عوايدك لمضة، اجرى هاتيلى مياه أشرب مش عارف مالى عطشان كدا ليه
- حاضر
دلف إلى داخل المنزل وجلس على الأريكة بارتياحية وهو يزفر بقوة فأتت رنّة بكوب المياه وهى تردد:
- خد اهى مشبرة
ابتسم وأخذ منها الكوب وشربه على مرة واحدة ومد يده به مرة أخرى قائلًا:
- ياااه العطش ده صعب، أنا ايه اللى ودانى لأبوكى بس .. تخيلى عمل فيا ايه؟
جلست ونظرت إليه بتعجب قائلة:
- ايه حولك للتحقيق ؟
حرك رأسه وهو يهتف:
- تحقيق ايه يا هبلة هو أنا لحقت، لبسنى مع ظابط رخم وهيطلع عين اللى جابونى .. بقولك ايه هى أمك بتعمل أكل ايه ؟
لوت ثغرها وأردفت بضجر:
- مكرونة بالبشاميل وفراخ والمحشى اللى بتحبه اللى اسمه ورق عنب ده
رفع حاجبيه بصدمة قبل أن يصيح بعدم رضا:
- نعم ياأختى ! ومالك بتقوليها بقرف كدا ليه ؟ ده أنا كنت عايز أقوم أديله تحيه عسكرية وأنتِ بتقولى اللى اسمه.
لوحت بيدها فى الهواء وهى تردد:
- خلاص ياسيدى هو أنا غلطت فيك، المهم قُل لى أكنسل ازاى فى الموبايل .. بقالى ساعة بحاول ومش عارفة
ضم ما بين حاجبيه وهو يجيبها:
- وأنا ايش عرفنى .. شايفانى شايل أيفون من زمان يعنى ده موبايل سامسونج ضايع، اجرى هاتيلى مياه تانى
رفعت حاجبيها بدهشة وهى تردد:
- ايه يا طيف أنتَ واكل ملوحة ؟
- يابنتى هاتى المياه من غير لماضة
فى تلك اللحظة خرجت أسماء من المطبخ لتجد طيف يجلس بالخارج فهتفت بصدمة:
- طيف ؟ أنتَ هنا من امتى ؟
ابتسم ورد:
- لسة جاى يا ماما، بقولك ايه أنا هطلع أنام شوية عقبال ما تخلصى أكل وبابا يجى وبعدين نتغدى مع بعض
ارتسمت ابتسامة خفيفة على ثغرها قائلة:
- ماشى يا حبيبى
- يا ليان اقنعينى ازاى هنعدى من هنا، دى أقوى منطقة وعليها حرس أكبر
قالها غيث معترضًا على خطة ليان فهتفت بإصرار:
- اسمع بس يا غيث .. ده أكتر مكان متأمن فطبيعى محدش متوقع إن لو حصل حاجة هتحصل هنا بالذات وخصوصًا إن دى جبال
حرك رأسه بالرفض وهو يصر على رأيه قائلًا:
- طيب نفرض إننا عدينا من هنا، بصى الجبل الجميل ده ! متضمنيش ايه مستنينا وراه، مش بعيد نعدى بسهولة لكن الأكشن كله يبقى من فوق الجبل.
بدأت فى الإقتناع برأيه لتقول بقلة حيلة:
- طيب لما أنتَ درست المكان ملاحظتش حاجة فى المنطقة اللى بتقول إنها هادية دى !
حرك رأسه بالنفى ليضيف قائلًا:
- لا أبدًا بالعكس دى أضعف جهة فى المكان كله واللى خلانى متأكد إن بعيد أوى فى غابات فتقريبًا اللى هيمشى من هنا هيتوه ويموت.
بدأت تدرس خطته إلى أن اقتنعت أخيرًا واتجهت الى صندوق خشبى طويل وفتحته لتكشف عن أسلحة نارية وذخائر كثيرة كان غيث يستخدمها فى التدريب ثم سحبت مسدسين وناولتهما إلى غيث وسحبت مسدسين آخرين والكثير من صناديق الرصاص ومخازن المسدسات ثم نظرت إلى غيث متحدثة بجدية:
- جه وقت التطبيق العملى للتدريبات يا غيث .. جاهز ؟
غمز لها بابتسامة وهو يردد:
- أنا جاهز جدًا يا قمر، معقول اللى دربنى بطل وماكُنش جاهز
ابتسمت ابتسامة خفيفة وهتفت قائلة:
- طيب كفاية معاكسة وركز، يلا بينا.
بدآ فى التحرك بحذر إلى أن وصلوا إلى سور ضخم فألقى غيث بحبل طويل وضخم فى نهايته مخالب قوية وتسلق السور بحذر شديد وكانت ليان تراقب الوضع من حوله إلى أن صعد فصعدت هى الأخرى خلفه، وصل الاثنين إلى أعلى السور الضخم وبدأ غيث يفحص المنطقة بحذر بينما كانت ليان تنظر إلى الخلف تحسبًا لظهور أحدهم، أشار إليها بإصبع يده وقفز على الفور فتبعته وتحركوا عدة خطوات بحذر إلى أن حدث ما توقعوه، ظهر أحد الحرس وهتف بصوت أجش ضخم باللغة الإنجليزية:
- ماذا تفعلون هنا.
ثم نظر إلى ليان وتابع:
- ليس عليكِ الخروج من هنا، التدريب بالداخل وليس هنا
ابتسمت ليان بمكر واردفت باللغة الإنجليزية:
- ومن قال لك أن هذا تدريب ؟
ثم رفعت سلاحها وأطلقت عليه الرصاص فسقط أرضًا فهتف غيث بجدية:
- يلا بسرعة قبل ما حد يجى تانى.
بالفعل بدآ فى الركض إلى أن ظهر الكثير منهم بأسلحة رشاشة وأطلقوا النار بغزارة فانخفض غيث وجذب ليان لتنخفض مرة أخرى فى حفرة رملية صغيرة، أمطرهم هؤلاء الرجال بوابل من الرصاص لكن من حسن حظهم أنهم وجدوا تلك الحفرة الصغيرة ليحتموا بها، نظر إليها بعينين قويتين كالصقر وهتف بحماس:
- هعد لحد 3 ونطلع مع بعض نضرب تمام ؟
حركت رأسها لتقول بحماس:
- تمام
- 1 2 3.
وقف الاثنين معًا كل منهم يحمل مسدسين بيده وأطلقا الرصاص على تلك المجموعة بحرفية شديدة ليوقعوهم كلهم أرضًا، أخفضا أسلحتهم ثم نظر إليها غيث بإبتسامة قائلًا:
- مش قلتلك بطل
لاحظت أحد الرجال يأتى من الجهة الأخرى وهو يوجه سلاحه تجاههم فصاحت بقوة:
- حاااسب
ثم دفعته وأطلقت الرصاص على هذا المسلح الذى كاد أن يقتلهم، نظرت إليه بقوة وهى تهتف:
- قلتلك فى التدريب تتوقع أى حاجة وفى أى وقت، اديك كنت هتموت.
نظر خلفها ليجد مجموعة أخرى وأطلقوا النيران على الفور فقفز وألقى بنفسه عليها ليوقعها أرضًا ويحميها من الرصاص ثم رفع رأسه وأطلق الرصاص على أحدهم وأوقعه أرضًا ثم سحب ليان إلى الحفرة مجددًا وهو يطلق الرصاص حتى يعطى لنفسه فرصة بسحبها، كل هذا حدث فى أقل من ثانية واحدة فرفعت ليان رأسها وابتسمت لغيث قائلة:
- أنقذتنى
غمز لها قائلًا بإبتسامة:
- ياريت نتوقع كل حاجة وفى أى وقت يا سيادة المدربة.
ضحكت ثم ظهرت الجدية على وجهها مرة أخرى وأردفت:
- جاهز !
حرك رأسه بالإيجاب ثم وقفا معًا ليطلقا الرصاص عليهم ويوقعوهم بسهولة شديدة، نظر إليها غيث وهتف بصوت عالٍ:
- يلا بسرعة قبل ما حد تانى يجى
هزت رأسها و ركضت معه بسرعة شديدة إلى تلك الغابة الضخمة المليئة بالأشجار العملاقة والنخل الضخم ...
مر اليوم واجتمع شمل الأسرة من جديد على سفرة الغداء، كانت الإبتسامة تزين وجوههم وكالعادة يطلق طيف الدعابات المضحكة من وقت إلى آخر وسط جو أسرى جميل إلى أن انتهوا فجلس أيمن على الأريكة فاتجه إليه طيف وهو يقول مازحًا:
- متشكرين يا رجولة على اللى حصل الصبح
حرك رأسه متسائلًا:
- على ايه ؟
غمز له طيف ليتابع:
- بقى مش عارف ليه ! رماح يا سيادة اللواء اللى لبستنى معاه ده.
ضحك أيمن قبل أن يبرر فعلته قائلًا:
- مفيش أنسب من رماح يدربك، شاطر فى شغله ده غير إنه متدرب كل التدريبات دى ومُجَهز على أعلى مستوى وعايزك تتعلم منه كل حاجة علشان تبقى رجل المهمات التقيلة
لوى ثغره بعد رفع حاجبيه ليقول مازحًا:
- رجل مهمات تقيلة ؟ طب وطى صوتك شوية بدل ما ماما تسمعك وتيجى تعيطلنا هنا .. أنا مفهمها إنى بقبض على سبونج بوب و دانى الشبح.
ضحك أيمن بصوت مرتفع قائلًا:
- طيب حاضر فى دى عندك حق، المهم تنام بدرى علشان تصحى بدرى وتروح لرماح علشان بيحب المواعيد المظبوطة .. اه صح نسيت، هناك أنتَ ظابط بس .. تنسى إنى أبوك هناك
حرك رأسه بالإيجاب وهو يردد:
- رماح قالى، ربنا يستر.
- يابنتى بقولك هيرجع ويقتل سكار
قالتها نيران فنظرت إليها شقيقتها نيسان بنصف عين قائلة:
- يبقى اتفرجتِ على الفيلم وبتشتغلينى يا نونو
ضحكت نيران وأردفت:
- الصراحة أيوة، بس فيلم روعة
ضيقت عينيها وهتفت بنبرة محذرة:
- ومخليانى من أول الفيلم أشرحلك، ماشى يا نيران .. وربنا لأحرقلك روبانزل.
رفعت حاجبيها لتقول مبتسمة:
- مش دى الأميرة المفقودة برضه ؟
ضمت نيسان مابين حاجبيها بصدمة وأردفت:
- أنتِ اتفرجتِ على ده كمان
- أنا تقريبًا اتفرجت على كل أفلام الكرتون، ببقى قاعدة فى أوضتى زهقانة فبدخل أحمّل وأتفرج.
حضرت والدتهما فى تلك اللحظة وهى تهتف بجدية:
- ايه يا بنات، كنت عايزة أخد رأيكم فى فستان حفلة بكرا
جلست فاقتربت نيران ومعها نيسان وبدأت تعرض عليهما عدة فساتين فهتفت نيران بحماس:
- ده روعة يا ماما
تحدثت نيسان هى الأخرى مؤكدة رأى شقيقتها:
- أيوة فعلا روعة.
ابتسمت أنهار بسعادة وهتفت بحماس:
- خلاص تمام، وأنتوا جهزتوا الفساتين ؟
أجابتها نيران بحماس:
- أيوة فستانى جاهز وهيبقى مفاجأة بكرا
غمزت إليها نيسان قائلة:
- ايوة صح كدا يا نونو .. وأنا كمان يا ماما بس مفاجأة برضه.
ظل الحديث بينهم قائم إلى أن رحلت نيران متجهة إلى غرفتها وما إن وصلت حتى فتحت دولاب غرفتها ودست يدها بين ثيابها لتسحب مسدس !
ظلت شاردة وهى تنظر إليه وهتفت بغموض:
- مش دلوقتى بس هانت !
انقضى اليوم وأذن فجر اليوم الجديد، فتح طيف عينيه بتثاقل ثم نهض من على فراشه واتجه إلى الحمام واغتسل وتوضأ ثم نزل إلى الأسفل دون أن يوقظ أحد واتجه إلى أحد المساجد القريبة وأدى صلاة الفجر ثم استقل سيارته واتجه إلى مركز التدريب ...
وصل وتوجه إلى الداخل بعدما أشهر بطاقته إلى أحد رجال الأمن فسمح له بالدخول، أخذ يجوب المكان بنظراته إلى أن سمع صوت خلفه يقول:
- فى ميعادك تمام
التفت ليجد رماح يقف باستقامة وعلى وجهه ابتسامة خفيفة وتابع قائلًا:
- المكان ده على اد ما هو بسيط كدا على اد ما طلع منه أبطال، مستعد تبقى بطل من الأبطال دول !
استقام جسده وهتف بجدية:
- مستعد يا باشا
صفق بيده قائلًا:
- تعال يلا اضربنى
أشار طيف إلى نفسه وهو يردد بتعجب:
- أنا ! أجى أضربك
صاح تلك المرة بغضب:
- اللى أقوله يتنفذ من أول مرة، مش عايز اندهاش هنا
حرك طيف رأسه وهتف بصوت خفيض:
- أنتَ اللى جبته لنفسك، أنا أصلًا نفسى أضربك من زمان.
اقترب منه وحاول لكمه لكن تلاشاها رماح فحاول طيف إصابته مرة أخرى لكن فشل فاستعان بإحدى حركات التدريب التى تعلمها بكلية الشرطة وقفز ثم نزل على إحدى قدميه وركله بالقدم الأخرى لكن بسهولة شديدة تلاشاها رماح الذى ارتسمت ابتسامة فخر على ثغره وتقدم بسرعة شديدة ثم ركله بقوة فوقع طيف على الأرض متألمًا ...
اقترب منه ومد يده ليساعده فى الوقوف مرة أخرى وبالفعل ساعده وهتف بجدية:
- عرفت إن التدريب اللى اتدربته مايعتبرش حاجة جنب التدريب اللى هدربهولك !
هز طيف رأسه وردد باقتضاب:
- أيوة
التفت رماح وأشار إلى طريق طويل وأردف:
- عايزك تجرى الطريق ده كله فى 10 ثوانى، مش هسيبك تمشى النهاردة غير لما تخلص 5 تدريبات وده أولهم.
فغر شفتيه بصدمة بسبب طول الطريق وتحدث:
- بس ده طويل أوى، 10 ثوانى ازاى ؟
ارتسمت ابتسامة مستفزة على وجهه وهو يقول:
- غيرك خده فى 7 ثوانى بس، يلا نفذ
نفذ بالفعل طلبه وفى المرة الأولى أخذ هذا الطريق دقيقة وفى المرة الثانية دقيقة إلا عشر ثوانٍ، ظل يركض عدة مرات حتى تعب ووقف يلتقط أنفاسه فهتف رماح:
- اجمد كدا ويلا، هانت
استراح طيف قليلًا ثم بدأ يركض مرة أخرى وتلك المرة نجح فى الاختبار وأنهى الطريق فى عشر ثوانٍ، جلس على الأرض يلتقط أنفاسه فاقترب منه رماح وهتف بجدية:
- أنتَ كل يوم لازم تجرى الطريق ده كله فى 10 ثوانى علشان تكمل بقية التدريبات ودلوقتى التدريب التانى قوم يلا علشان أشرحلك هتعمل ايه.
نطق طيف بصوت خفيض غير مسموع:
- منك لله يا شيخ قطعت نفسى .. اهمد شوية بقى تدريب تانى ايه هو أنا عاد فيا حيل لتدريبات تانية
التفت رماح وهتف بصوت مرتفع:
- أنتَ لسة قاعد
أسرع طيف فى الوقوف وهو يقول:
- تمام أنا جاهز.
اقترب رماح من صندوق خشبى وسحب سيفين وألقى بأحدهم إلى طيف فالتقطه وهو يردد بتساؤل:
- ايه ده يا باشا ! سيف ؟ من امتى الشرطة بتستخدم سيوف ؟
ثم أخفض صوته وهتف بصوت غير مسموع:
- طلعلى حصانين بقى من الصندوق وقُل لى تعال عاركنى .. ده اللى ناقص.