رواية الطاووس الأبيض الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الحادي عشر
العائلة .. دومًا تأتي في المقام الأول لديه، حين تتكالب المصائب فوق الرؤوس، تتكاثر الأزمات والمحن، تكون هي السند القوي الذي يشد من الأزر؛ وإن انفرط حبل الود والوصــال بين أفرادها باتوا مهددين بالتفرق والضياع .. انحدرت أخلاقها لتبوح بما يدور في فراش الزوجية دون حياءٍ أو وقار، استباحت الخوض في شرفه متلذذة بتحقيق انتقامها فيه، والنيل من سمعة العائلة. كل ما شعر به "تميم" حاليًا هو ضرب من الاستياء العميق بعد الفضيحة التي لحقت به، بدا في نظر نفسه كحيوانات البرية، يجري وراء غرائزه، ولا يختلف عنهم إلا بلسانٍ ناطق.
ظلت يداه قابضة على تلابيب ابنه خالته؛ لكن نظراته احتوت على غضب مخيف. هزه بعنف وهو يسأله بأنفاس متلاحقة، وقد استبد به حنقه:
-هي اللي قالتلك كده؟
رد "هيثم" بصوته الأجش:
-مش محتاجة تقول، وأنا مش هستنى لما تموتها عشان أدافع عنها، ولا أحميها منك.
تحركت قبضته لتطبق على عنقه، فانحشرت أنفاس ابن خالته في جوفه، ولم تجد لها المفر للانطلاق أو الدخول. قست نظراته والتهبت حين هدر به موضحًا:
-الواحدة لما تطلع أسرار بيتها لمين ما كان ما تستهلش تكون على اسمي!
منعه من التمادي في عنفه البدني معه صوت أبيه المنادي به، بكل ما أوتي من قوةٍ:
-"تمــــيم"!
تجمد في مكانه، وعروقه منتفخة بدمائه الثائرة؛ لكن لم ترتخِ قبضته عن عنق "هيثم"، في حين قاتل الأخير للنجــاة بحياته قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة على يده. تحرك "بدير" على الفور ليقف قبالته، لإيقافه عن التصرف برعونة، وسحب ذراعه من على مجرى تنفسه المسدود آمرًا إياه:
-سيبه يا "تميم"!
بصعوبة تمكن من إقناعه بتركه، فسعل ابن خالته بألم طلبًا للهواء لينعش به رئتيه، بقيت نظراته المليئة بكل ذلك الغضب مرتكزة على وجهه وهو يقول:
-لو على القتل مافيش أسهل منه، بس أنا حسابي مش معاك...
توقف للحظة ليلتقط أنفاسه، وربما لإضفاء المزيد من الرعب في كلامه، قبل أن يتابع بوعيد مهلك:
-حسابي مع اللي اتجوزتها!
حذره "هيثم" بصوته المبحوح:
-إياك تقربلها، هتلاقيني واقفلك! حتى لو دخلت السجن
هنـــا صــاح "بدير" بنفاذ صبر:
-ولا كلمة زيادة إنتو الاتنين!
ثم التفت موجهًا حديثه لـ "هيثم" يأمره:
-انزل من هنا يالا، مش وراك شغل متعطل وطلبية توصلها؟
رد معترضًا بنظراتٍ مغلولة:
-أيوه يا جوز خالتي، بس أختي آ...
قاطعه بصوته الأجش الصارم:
-هي كلمة! الموضوع عندي، وأنا هاتصرف فيه، وأختك لو ليها حق هيرجع
قال بنوعٍ من التهكم، دون أن تبتعد نظراته عن "تميم":
-هنشوف!
وقبل أن ينطق ابن خالته هرب من محيطه متجهًا نحو باب السطح، استوقف "بدير" ابنه بوضع يده على كتفه، واستطرد ينصحه بحنكته:
-ماينفعش تاخد قرار، وإنت في الحالة دي.
انفجر صائحًا به بشراسة:
-حالة إيه يابا؟ إنت ماسمعتش بيقول إيه؟
رد عليه بضيقٍ لم يقل عنه؛ ولكنه كان أكثر هدوئًا في التعامل مع الموقف الحرج:
-ما هو أمه منها لله رمت الإسفين في الدكان، وقلبته آ...
حملق فيه مصدومًا من الكارثة الأخرى التي عرفها للتو، لم يأتِ بمخيلته أن يتم فضحه علنًا، وتداول ما حدث بينهما من عنف زوجي على ألسن العامة؛ وكأن شرفه مسألة عادية يجوز الخوض فيه دون احترازٍ، قاطعه بصوتٍ أشد تشنجًا:
-كمـــان، يعني أمة لا إله إلا الله كلها عرفت؟
حاول تخفيف وطأة الأمر عليه قائلاً:
-اهدى بس، وكل حاجة هتتحل.
تقوس فمه مرددًا في سخطٍ متهكم، وقد بات قاب قوسين أو أدنى من التحول لحالته الإجرامية السابقة:
-تتحل إيه؟ ده ناقص يعلقوا يُفط في قلب الحتة، ويكتبوا فيها شوفتوا "تميم" عمل إيه مع مراته في أوضة النوم!
لم يحبذ أبدًا وضع ابنه في مثل ذلك النزاع العائلي، والتقليل من شأنه، لذا رد عليه "بدير" بحذرٍ، وهو يتطلع إليه في حزنٍ:
-مش للدرجادي يا ابني، يومين وكل حاجة هتدى، بلاش تكبر الحكاية في ساعة شيطان.
أظلمت عيناه، واختفت تعابير الرحمة منهما ليحل الشر المطلق، ثم قال بصوتٍ بدا أتيًا من الجحيم:
-هي كبرت لوحدها!
حدق فيه والده بنظرات حائرة محاولاً تبين ما ينتوي فعله؛ لكن تركه "تميم" واندفع ركضًا -بكل ما يعتريه من غضب، غيظ، غل، أي مشاعر عدائية صريحة- نحو باب السطح قاصدًا إشعال الأرض بمن عليها، لحق به "بدير" يرجوه:
-استنى يا "تميم".
لكنه فشل في الوصــول إليه أمام خطواته السريعة، هبط الدرجات قفزًا ليتجه للأسفل، وجد والدته في انتظاره، اعترضت طريقه فاردة ذراعيها في الهواء؛ وخصوصًا بعد أن عرفت أسباب ثورته العارمة. سألته بقلبٍ يدق في خوفٍ، وعلامات الارتعاب مرسومة على صفحة وجهها:
-رايح فين يا ابني؟ كلمني وقولي؟
لم ينطق بكلمة؛ لا جدوى من الحديث العقلاني، الرد العنيف هو كل ما يفكر به حاليًا، حاول المناص منها؛ لكنها سدت عليه الطريق بجسدها المترهل وخطاها الثقيلة. لم يمسها، ورغب في إزاحتها بالصراخ بها دون دفعها بالصياح بصوته الهائج:
-حاسبي يامه.
تعلقت بذراعيه، وقبضت عليهما بيديها المرتجفة. نظرت له " ونيسة" من بين عينيها الباكيتين خوفًا عليه تتوسله:
-بالله عليك ما تروح عندها وإنت كده.
وكأنها تتحدث عن أي شيء يمكن التغاضي عنه سوى ذكورته المستباحة حاليًا، لا بديل عن الثأر لرجولته، هدر بها بعصبيةٍ، وقد توحشت نظراته:
-يووه، حاسبي من سكتي...
اختنق صوته، وبدا وكأنه يفح نارًا حين تابع:
-أنا بأغلي من جوايا يامه، وهاصور قتيل السعادي.
انقبض قلبها بين ضلوعها، أحست بروحها تقتلع من جسدها، لا يمكنها بأي شكل أن تسمح له بالذهاب، حتمًا سيودي بنفسه للتهلكة، لذا ردت تستجديه بخوفها الغريزي النابع منها:
-إنت عاوزني أموت بحسرتي لما أسيبك تروح عندهم وترتكب جناية وتخش السجن من تاني؟!
زمجر معقبًا عليها، دون أن يأبه لما يمكن أن يحدث:
-إن شاءالله أتعدم حتى، أنا مش هاعدي الليلة دي على خير!
نظرت "ونيسة" من فوق كتفه لتجد زوجها يهبط الدرجات، صاحت به مستغيثة:
-حوشه يا "بدير".
التفت ابنها عفويًا برأسه للخلف ليجد والده مقبلاً عليه، وامتدت يده لتمسك به من كتفه، رجاه الأخير بصوته الرزين:
-تعالى يا "تميم" معايا، واستهدى بالله كده.
رد برفضٍ قاطع:
-لأ يابا.
رمقه بنظرة حادة، وسأله:
-بتعصاني؟
تملكته نزعة الاعتزاز برجولته والثأر لها، اعتذر منه بصوته اللاهث من فرط انفعاله، قاطعًا عليه كل السبل لأي مفاوضات:
-سامحني يا حاج، بس المرادي الكلام مايتسكتش عليه.
في تلك الأثناء، خرج من غرفته، ووقف عند أعتاب المنزل، لم يفهم سبب الجلبة الدائرة بالخارج؛ لكن الجو العام ينذر بكارثة بالفعل حدثت.. وليلملم شتات الأمور، دك بعكازه الخشبي الأرض بقوة اختلطت مع صوته الجهوري الأجش ليناديه:
-"تــــميم"!
كان صوت جده "سلطان" كفيلاً بتثبيته في مكانه، ليس فقط رهبة منه؛ وإنما احترامًا وتوقيرًا لمكانته الغالية في قلبه. التفت حفيده نحو برأسه يرمقه بعينين تقدحان بالغضب، ومع ذلك أجابه بتمهل محاولاً ألا يظهر غضبه:
-أيوه يا جدي.
أمره بلهجة من يُقرر عنه بحسمٍ لا من يخير:
-مافيش نزول من البيت.
ضغط على شفتيه محتجًا بحذر:
-بس آ...
قاطعه بحزمٍ، وبضربة أخرى من عكازه الغليط على الأرضية:
-هي كلمة، سمعت!
كبح غضبه الثائر -والمتراقص في عينيه- ليرد بأنفاس هادرة حارقة:
-ماشي يا جدي.
أمره "سلطان" بصرامة:
-تعالى ورايا.
وكأن حضوره كطوق النجاة لغريق أوشك على لفظ أنفاسه الأخيرة، ربت "بدير" على كتفه يحثه بصوتٍ خفيض:
-ورا جدك، اتحرك يا ابني.
كان يدفعه دفعًا للتحرك واللحاق بجده، ليثبط ما يعتريه من ثورة غاضبة مهددة بتخريب كل شيء، بناءً على سموم تلك الأفعى الخبيثة؛ "بثينة". تنفست "ونيسة" الصعداء، وتمتمت بتضرعٍ كبير:
-الحمدلله يا رب، اهديه وابعد عنه شيطانه.
شتان الفارق بين الشقيقتين؛ إحداهما وديعة، نقية القلب، لا تنطق إلا بالطيب، والأخرى حرباء، ماكرة، تبث شرورًا لا حصر لها.
أفادها الجلوس في منزل والدتها قليلاً بعد التوتر المخيف الذي عاشته لحظة أن رأت بقع الدماء تنساب من جسدها، توجهت إلى الطبيب المتابع لحالتها، وبخها الأخير لتقصيرها في الحفاظ على صحة جنينها، ومنعها منعًا تامًا من إقامة أي لقاء حميمي مع زوجها، وإلا ستكون ردة الفعل غير مضمونة؛ نظرًا لتعرضها لخطر النزف المبكر من رحمها، والذي يعد مؤشرًا غير مطمئن في الأشهر الأولى من الحمل. خرجت "خلود" من غرفتها وهي تحمل بيدها كوبًا من المشروب العشبي الدافئ الذي أعدته، لاحظت الصدام الكلامي الحاد بين والدتها وشقيقها عن أحدهم، وتطور الموقف لبعد خطير، لم تفهم سببه، فارتشفت القليل، وتساءلت ببرود:
-هو في إيه؟ مين ده اللي بتكلموا عنه؟
لوت "بثينة" ثغرها، وقالت من زاوية فمها باستهجانٍ غامض:
-المعدول .. هو في غيره!
تقلص وجهها، وجزع قلبها في ارتعابٍ قلق. ابتلعت ريقها، وتساءلت:
-قصدك مين؟
جاوب "هيثم" عن والدتها حاسمًا ما لم تتفقه إليه بعد:
-هي هتفضل هنا لحد ما نشوف صرفة مع جوزك.
انخلع قلبها مرة أخرى، وغمغمت بصدرٍ يلهج، وعيناها تبرقان في توجسٍ مرعب:
-"تميم".
علقت عليه "بثينة" بمزيد من السخط المهين:
-أيوه، بلطجي المنطقة.
تركت "خلود" الكوب من يدها، ووضعته على أقرب طاولة، اتجهت لتقف بينهما، ووزعت أنظارها متسائلة بقلبٍ يدق في عنفٍ من قلقها الزائد:
-إنتو عملتوا إيه؟
تفرست في تعبيرات وجهيهما، كلاهما كانا يبدوان منزعجان، وربما الأسوأ، ركزت نظرها مع أمها تُلح عليها بتوترٍ رهيب:
-قولي يامه عملتي إيه مع "تميم"؟
ابتسمت في انتشاءٍ، وأجابت رافعة حاجبها للأعلى في تفاخرٍ:
-عرفته غلطه، بس بطريقتي!
أدركت من تلك النظرة التي تحتل وجهها، ومن إيماءاتها أنها ارتكبت كارثة مدمرة، وبعفوية نطقت معبرة عما تشعر به:
-يبقى عملتي مصيبة..
اكتفت "بثينة" بالنظر نحوها بعينيها الحاقدين، في حين التفتت "خلود" نحو شقيقها قابضة على ذراعه، هزته بعصبية منه وهي تسأله:
-قولي يا "هيثم" إيه اللي حصل؟
أطبق على شفتيه، كأنه لم يسمع شيئًا، أمعنت النظر في الخدوش وآثار الحمرة في وجهه وحول عنقه، اتسعت نظراتها، وسألته بحلقٍ جاف، وهي تتمنى في نفسها ألا تكون شكوكها حقيقية:
-وإنت متبهدل كده ليه؟
أجابها بنوعٍ من التفاخر، وإن كان أغلب حديثه من وحي خياله:
-كنت بأدب جوزك بعد ما أمك سيحِتله قصاد الدكان، سخنتني عليه، وروحت أجيب حقك منه.
جحظت بعينيها في صدمة، تخيلت المشهد في عقلها؛ وإن لم تكن حاضرة، تمزق قلبها بين ضلوعها، أدركت أنها بفعلة والدتها الهوجاء قد منحت "تميم" الفرصة الذهبية للخلاص منها، وللأبد، وبأسبابٍ منطقية تعطيه العذر للتخلي عنها، ونبذها خارج حياته. لطمت "خلود" على صدغيها عدة مرات في ألم شديد لا يتحمله إنسان عاقل، وصوت نواحها يرن في أرجاء المنزل:
-يا لهوي، يا لهوي، يا لهوي!
لم تكترث "بثينة" بحالة الجنون التي انتابت ابنتها، وقالت ببرودٍ لتظهر استمتاعها بإلحاق الأذى به:
-مايستهلش إلا كده، أنا عملت معاه السليمة، وفضحته.
هاجت مُهاجها، وصرخت بلا وعيٍ تلوم والدتها بحرقةٍ، وعيناها تبكيان بدموعٍ غزيرة:
-يا نصيبتي، طب ليه كده؟ هو أنا اشتكيت؟ هو أنا طلبت منك تعملي حاجة؟
ردت بشفتين ممتعضتين؛ وكأنها لم تقترف جرمًا في حق كليهما:
-أنا عملت اللي فيه مصلحتك، ويعززك عند عيلته، أومال عاوزاني أسكتله؟
ضربت "خلود" على صدرها بقوةٍ متابعة عويلها الصارخ:
-حرام عليكو، كده بيتي اتخرب، ومش بعيد "تميم" آ...
ازداد اتساع حدقتاها، حتى كادتا تخرجان من محجريهما، وقالت بأنفاسٍ متلاحقة:
-يــ... يطلقني!
كان وقع التفكير في احتمالية حدوث ذلك مهلكًا لها، مدمرًا لحياتها، ومزهقًا لروحها، لم تتحمله، واندفعت بكل رعونة تسحب إسدالها لتضعه على جسدها، تبعتها والدتها تستوقفها:
-استني يا بت، رايحة فين؟
عندما أوشكت على الخروج قبضت على رسغها، وشدتها منه قائلة لها بصيغة شبه آمرة:
-استني هنا.
استلت ذراعها بعنفٍ من يدها لترد بصوتٍ باكٍ، وهي في حالة انهيارٍ تقريبًا:
-سيبني يامه، خليني ألحق جوزي.
تطلع إليها "هيثم" بضيقٍ وهو يفرك مؤخرة عنقه الملتهبة، ثم نطق بقنوطٍ:
-روحيله، وشوفي إن كان طلقك ولا لسه..
هوت كلماته الواقعية على قلبها كخناجر حادة حزت فيه بضراوة، في حين صاحت والدتها من خلفها توبخها:
-طول عمرك كده هتفضلي غبية، ولا فاهمة حاجة، ويوم ما أجي أعمل حاجة في مصلحتك تبوظيها!
وكأنها تحادث الفراغ، اختفت "خلود" على الفور من أمام أنظارها، لتهبط الدرجات ركضًا دون أدنى اهتمام بما تحمله أحشائها، فما يهم الآن هو زوجها؛ عشقها الأول والأخير.
وحده من يملك مفاتيح التحكم فيه؛ أو الأحرى ضبط انفعالاته غير العقلانية وتحويلها للنقيض بحديثه المنطقي الهادئ الذي ينفذ إلى عقله، وقلبه، ويخفف من حدة غضبه. أجلسه الجد "سلطان" بداخل غرفته معزولاً عمن بالخارج، ووقفت "ونيسة" على بابه تدعو الله في نفسها أن ينجح فيما عجزت عن فعله، وإلى جوارها وقف "بدير" يقول:
-ربنا يديك الصحة يابا، لولاه مكوناش عرفنا نمنعه يا "ونيسة".
ردت بأنفاس ارتياحٍ:
-يا رب يهديه على إيديه..
لكن ما لبث أن تحول صوتها للخوف وهي تتابع:
-هايضيع نفسه عشان شوية كلام اتقال.
نظر لها "بدير" بحدة من عينيه الغائمتين، وقال معقبًا عليها:
-ما هو مايصحش اللي أختك عملته بردك، لأ وقصاد الخلق، خلت إيه للغريب؟
تبرأت من ذنبها قائلة على الفور:
-وربنا ما كنت أعرف يا "بدير"، أنا في حالي طول عمري..
كان يعلم جيدًا الاختلاف الجذري بين الشقيقتين، ولذا لم يكن من اللائق لومها على أخطاء غيرها، تنحنح بخشونة، وأضاف:
-مش وقته، خلينا في ابننا دلوقتي.
صوت الدقات العنيف المصحوب بالقرع المتواصل على جرسه جعل الاثنان يلتفتان في اتجاهه؛ كانت "ونيسة" أول من أسرع الخطى للاتجاه نحوها. فتحته لتتفاجأ بوجود "خلود" قبالتها، بل وتحاول دفعها برفقٍ للمرور للداخل، برزت عينا خالتها في صدمة مستنكرة، وقبل أن تستوعب حقيقة وجودها، بادرت تسألها بصوتٍ لاهث ونظراتٍ مرتعبة:
-"تميم" فين يا خالتي؟
وضعت "ونيسة" يدها على حافة الباب لتمنعها من الدخول، وسألتها بوجومٍ:
-جاية ليه السعادي يا "خلود"؟
ردت ببكاءٍ، علها تستعطفها:
-خليني أدخل الأول.
اعترضت عليها تحذرها، ودون أن يرتخي ذراعها:
-ده لو ابني شافك هتحصل مصيبة.
على الفور نفت من تلقاء نفسها:
-أنا ماليش دعوة بأي حاجة يا خالتي، ومعرفش إيه اللي حصل، كل اللي أنا عاوزاه جوزي.
احتارت بشأن في السماح لها بالدخول؛ لكن إصرار "خلود" كان أقوى من ترددها، أبعدت يدها وولجت للداخل تجوب بعينين تائهتين الصــالة المتسعة بحثًا عنه. لم يسعفها صبرها، وصـــاحت تنادي عاليًا، غير مكترثة بما يمكن أن يحدث:
-"تميم"!
انتفض جسدها مع خروجه لمواجهتها بكل غيظه وحنقه، ومع ذلك تماسكت لتناديه بجراءةٍ:
-حبيبي.
رفع "بدير" عكازه أمام جسد ابنه ليمنعه من المرور، ورجــاه بصوته الأجش:
-خش يا ابني جوا.
نفت "خلود" بصوتها المهزوز وهي تتقدم نحوه في خطوة شجاعة منها:
-أنا ماليش دعوة باللي أمي عملته، اقسم بالله ما كنت أعرف حاجة.
حدجها بنظرة مميتة جعلت والدته التي تراقبه عن كثبٍ ترتعب من مجرد التفكير فيما يمكن أن يفعله بها إن تجاوز والده، وامتدت يده لتطال عنقها؛ حتمًا سيدكه. دنت "خلود" أكثر منه، ولم تبقِ على مسافة آمنة بينهما، ازدردت ريقها، وحاولت الابتسام، لكن صوتها خرج مذبذبًا حين شرحت له:
-أنا مراتك حبيبتك، عمري ما استغنى عنك، كل اللي اتقال واللي حصل ولا فارق معايا، المهم إنت عندي.
كان في نظراته شرًا عظيمًا ينتظر اللحظة التي يخرج فيها ليدمر ما حوله، وبلا صبرٍ هدر عاليًا يهددها؛ وكأنه التحذير الأخير قبل ارتباك جريمته:
-ابعدوها من قدامي، بدل ما ارتكب جناية حالاً.
خرج "سلطان" هو الآخر ليشهد على ما يحدث، وبلمسة خشنة على كتفه أمره:
-اهدى.
اشتعل وجهه، وظهر انتفاخ عروقه المشحونة بكل الأدرينالين الحانق، ضم"تميم" شفتيه مرغمًا، انصــاع لأمر جده النافذ بصعوبة كابحًا تلك الرغبة الجنونية بتوجيه جم غضبه عليها، وفي حضرة عائلته، في حين اتجه "بدير" إليها ليبقيها بعيدًا عن وجهه، فاستطرد يقول لها:
-تعالي معايا يا "خلود".
اعترضت ببسالةٍ متهورة:
-لأ يا عمي، أنا لازم أتكلم مع جوزي ويسمعني.
خطر لها خاطر سريع؛ لما لا تستغل وجود ذويه حولها في ضمهم لصفها؟ وبكل براءة أضافت، بكت بألمٍ، وانتحبت باختناقٍ؛ لتبدو في أعينهم حملاً وديعًا جنت عليه الحياة بشرور البشر:
-أنا غير أمي خالص، وخالتي عارفة ده، أنا متربية هنا في البيت ده، وهنا مكاني وآ...
نبرة صوتها مع ملامح وجهها شكلت لوحة مقززة لا يرجو التطلع إليها أبدًا بعد ما عاشه معها، وبهدير مختنق صاح:
-مش عاوز أسمع صوتك، هاخنقك، اقسم بالله هاقتلك!
استمرت في الاقتراب منه رغم ارتجافها من تعابيره الشرسة، وردت:
-والله ما كنت أعرف إنها هتعمل كده.
لوح بذراعه هادرًا بها بكلمات أصابتها في مقتلٍ:
-اللي تفضحني وسط الخلق مالهاش دية عندي.
تمسكت بآخر بقايا الأمل في الاحتفاظ به، ودافعت عن حقها فيه قائلة باستماتةٍ:
-يا "تميم" صدقني، أحلفلك بإيه أنا مقولتلهاش على حاجة بينا، وإنت حر معايا تعمل اللي عاوزه، وأنا مش هاقولك لأ!
كان نافرًا منها لأقصى الحدود، غير متقبل لاقتراحاتها السخيفة. رمقها بنظرة دونية قبل أن يهتف باستهجانٍ، متذكرًا في عقله اتفاقها الشيطاني السابق مع والدتها لاستنزاف رجولته:
-والمفروض أصدقك؟ ما هو قالوا للحرامي احلف!
التفتت "خلود" إلى خالتها ترمقها بنظراتها المنكسرة، بكت في عجزٍ، ورفعت من صوت نحيبها لتحصل على تعاطفها، ونجحت في ذلك؛ حيث تأثرت "ونيسة" بحالها البائس، شعرت بالألم يجتاحها لرؤيتها تُهان هكذا، وتدخلت من تلقاء نفسها قائلة بما يشبه الرجاء؛ علها تنجح في ترميم علاقتهما التي أصبحت محطمة تقريبًا:
-مش طريقة تفاهم يا ابني، اسمعها وآ...
قاطعها "تميم" مشيرًا بسبابته:
-ماتدخليش يامه.
لما لا تتقن دور الضحية أكثر؟ وإن كانت فعلاً هكذا، لذا ردت عليه "خلود" بتخاذلٍ، وكأنها تهدده:
-طالما مش هصدقي، أنا هاموت نفسي.
قال ببرود غير مبالٍ جعلها تستشيط غضبًا على عدم مراعاته لها، وتلك النظرة المقيتة تكتسح وجهه:
-اعمليها وريحنا كلنا.
ترددت في تنفيذ ما قالته، أوهمت نفسها أنه سيمنعها، وسيقبل عليها؛ لكنه كالعادة وقف قبالتها يتطلع لها بكراهية لم ترها في عينيه من قبل، اندفعت كالمغيبة نحو المطبخ الذي تعرفه كأصابع كفها، بينما ردد "بدير" على مسامع ابنه يعاتبه بحذرٍ:
-ده مش أسلوب كلام يا ابني.
وقبل أن يرد عليه بحدةٍ تركزت نظراته على زوجته التي أحضرت زجاجة تحوي سائل (الكيروسين)؛ تلك التي تحتفظ به خالتها في الدرج الموجود أسفل الحوض، لاستخدامها عند اللزوم. انتزعت غطائها، وأفرغت محتوياتها على رأسها، فابتلت ثيابها، ثم أمسكت بولاعةٍ تستخدمها "ونيسة" في إشعال البوتجاز مهددة بها:
-طالما مش مصدقني، يبقى الموت أريح.
لطمت خالتها على خدها صارخة في دهشة مذعورة:
-يا لهوي، إنتي بتعملي إيه؟
ثم التفتت نحو ابنها تستجديه:
-حوشها يا "تميم"!
لم تهتز له شعرة، وأشاح بعينيه بعيدًا عنها غير مصدق لعرضها المبتذل، تكاد ترف ابتسامة مستهجنة على زاوية فمه من شدة استنكاره لأسلوبها الرخيص في الاستحواذ على شفقته. رأت "خلود" انصراف نظراته عنها، فوخز ذلك قلبها، وقالت بمرارةٍ وذل:
-الموت أهونلي من إنك تسبني، ولا تبعد عني.
تحرك "بدير" نحوها يرجوها بشدة:
-اغزي الشيطان يا "خلود"، ماينفعش كده.
تجاهلته رغم حبها لعطفه الأبوي، وقالت موجهة حديثها لزوجها الذي تحجرت مشاعره من ناحيتها:
-إنت ظلمتني يا "تميم"..
دمدم بغيظٍ دون أن ينظر في اتجاهه:
-إنتي اللي ظلمتي نفسك.
ضغطت على زر إشعال الولاعة بيدها، وتابعت بأنفاسٍ مضطربة مكملة تهديدها؛ وكأنها تحمله بذلك الذنب كله:
-خلاص، بس إنت السبب في موتي، وزي ما أبويا اتحرق زمان قصاد عينك ومعرفتش تعمله حاجة، فأنا هاحصله ومعايا ابننا.
استدار "تميم" برأسه ناحيتها ليجدها بالفعل على وشك إضرام النار في جسدها المشبع بالكيروسين، رأى والدته تقف على بعد خطوة منها تحاول إثنائها عن رأيه بالتوسل، وعيناها تبكيان:
-حرام عليكي، هتموتي نفسك؟
أجابتها بوجه اربد بمزيد من الحمرة المنفعلة:
-محدش عايزني، وهو السبب.
أراد "تميم" إيقاف تلك المهزلة الرخيصة، ليس حرصًا منه على حياتها، وإنما لكشف حقيقتها أمام الأقرب إليه، فعلى ما يبدو قد انخدعوا بتمثيلها البارع، فيما عدا جده الذي ظل صامتًا، لم ينبس بكلمة، وراقب جيدًا ما يدور؛ وكأنه سيعيد سرده على الآخرين. اندفع نحوها يأمرها:
-إياكي تفكري تعمليها، إنتي مش ملك نفسك!
كان لتأثير كلامه عليها وقعًا عظيمًا، تجمدت عيناها عليه، تركته ينتزع الولاعة من يدها، وثبتت كامل نظراتها على وجهه، وهي لا تصدق أنها بالكاد استعادته، تطلع إليها "تميم" بعينين قاتمتين، لا تظهر حبًا ولا تعاطفًا معها؛ ومع ذلك كانت كافية لإقناعها بأنه عاد إلى أحضانها، ارتمت على صدره، ومرغت رأسها في كتفه تبكي وهي تقول له:
-أنا بأحبك، ومش هاستحمل تبعد عني.
أبعدها عن أحضانه؛ وكأن عقربة لدغته، لينظر إلى وجهها المفضوح قائلاً بلهجة خشنة:
-إنتي هاتفضلي هنا، بس أمك هحاسبها على اللي قالته..
ردت بنزقٍ:
-اللي إنت عاوزه أعمله، أنا كلي ملك.
تابع محذرًا إياها بقساوةٍ:
-وإياكي تفكري تأذي اللي في بطنك، لأني مش هارحمك.
رفرفت بعينيها قائلة بخنوعٍ:
-حاضر يا حبيبي.
شعر بالحنق منها، بالطبع سيستغرق الأمر وقتًا لكشف حقيقتها؛ لكنه سيتخلص منها في الأكيد، عليه فقط أن يرجئ مؤقتًا وضع الأمور في نصابها الصحيح، حتى يكون رده قويًا، وموجعًا .. الوحيد الذي أدرك ما يفكر فيه "تميم" كان "سلطان"، لاح على ثغره بسمة استخفافٍ، لم ينطق بحرف، وانسحب عائدًا إلى غرفته متوقعًا تصعيد الأمور في وقت قريب.
الأيام مضت سريعة عليها؛ كأنها في سباق مع الزمن، ليأتي يوم الزفاف الموعود، بعد مشقة وعناء. تم إعداد كل شيء، ووضعت اللمسات الأخيرة في منزل الزوجية، ليستقبل العروسين بعد انتهاء حفل عرسهما، وكذلك تم دعوة الكثير من المعارف والأقرباء للحضور في السرادق الكبير المقام عند منزل عائلة "سلطان". وطوال تلك الفترة الماضية لم تذهب "فيروزة" مع توأمتها لتوضيب منزلها، تجنبت على قدر المستطاع الالتقاء بـ "هيثم"..،
ما زالت تحتفظ بذكرياتها الأليمة معه فيما يخص تسببه في اندلاع الحريق، لم ترغب أن تلاحظ "همسة" توترها، وربما عزوفها عن الحديث معه، وإلا لساورتها الشكوك بشأنها. كما أن الأخير لسبب معلوم لأغلب من بالمنطقة تشاجر مع ابن خالته، وعلى ما يبدو حدثت قطيعة بينهما، بالرغم من تواجدهما معًا بالدكان، فقط لتبديد الشائعات التي تم تداولها بشــأن اعتداء "تميم" على زوجته؛ ومع هذا لم يتعاونا معًا.
زغرودة فرحة عالية انطلقت من جوف "آمنة" تبعتها بأخرى صاخبة، والمصففة تضع الطرحة فوق رأس العروس التي تزينت في أبهى الأثواب لتفتن عريسها، وتسلب لبه بمجرد أن يتطلع إليها. كان ثوب "همسة" منفوشًا، له فتحة صدر مثلثة، لكنها لا تتخطى مسافة شبر من بداية عنقها، بدت محافظة نوعًا ما، وأكمامه من قماش الدانتيل بنقوشاته الناعمة. لم تترك شعرها منسدلاً، عقدته في تصميم جديلة بشكلٍ معكوس دون أن يتحدد لها بداية أو نهاية، ووضعت الطرحة أعلاها بعد تثبيت التاج الرقيق بها. انحنت "فيروزة" على أذن شقيقتها اليمنى لتضع لها القرط المرصع بفصوصه اللامعة قبل أن تنتقل للأذن الأخرى، حملقت فيها قائلة بإعجاب وهي تضغط على كتفها برفقٍ:
-ماشاء الله زي القمر.
رفعت يدها لتتلمس يدها الموضوعة على كتفها، وقالت مجاملة:
-حبيبتي يا "فيرو".
تمتمت والدتهما بالدعاء وهي تلقي نظرة على ابنتيها:
-ربنا يتمملك على خير يا بنتي، ويكفيكي شر العين، وعقبال لما أفرح بيكي يا "فيروزة".
ردت بتكلفٍ:
-يا رب.
تقدمت "فيروزة" خطوة نحو المرآة لتضبط مشبك رأسها، والذي اتخذ رسمة الطاووس المزركش، ثبتته في الجانب جيدًا لكونه ينزلق من خصلات شعرها ويضيع دون أن تعرف أين وكيف. تلك المرة اختارت أيضًا أن ترتدي ثوبًا من اللون الفيروزي المشوق ليشبه اسمها، فتحة صدره دائرية، أبرزت عظام الترقوة، وحتى لا ينال منها البرد ليلاً اختارت أن تلف حول عنقها شالاً قصيرًا من الحرير، لونه درجة داكنة للون الفيروزي. استدارت نحو زوجة خالها التي اقتحمت الغرفة تطالعها بنظرات حادة حين بادرت بالقول:
-قوليلي بت يا "همسة"..
أجابت عليها العروس بهدوءٍ:
-خير يا مرات خالي
سألتها مباشرة وهي تختطف أحمر الشفاه من يد المصففة لتضعه على شفتيها:
-هو صحيح "هيثم" اتصالح مع المعلم "تميم"؟
ردت على مضضٍ، وقد بدا الانزعاج واضحًا على تعبيراتها:
-معرفش.
سألتها بتطفلٍ أكبر:
-هو مش بيكلمك كل يوم، يعني أكيد فضفض معاكي بكلمة كده ولا كده!
علقت "همسة" مصححة لها:
-أه بنتكلم، بس مش بنجيب في سيرته.
زمت "حمدية" شفتيها مرددة بتذمرٍ:
-ده أنا قولت رجعوا سمنة على عسل من تاني، والحياة بقت وردي بينهم..
لم يكن حديثها بالمثير لتتابعه "فيروزة"، لكن زوجة خالها أصرت على إفراغ ما في جعبتها، وقالت متنمرة على "خلود" تحديدًا:
-أصل بعد الفضيحة إياها أخته كانت لازقلنا في كل حاجة كنا بنعملها في الشقة، ياباي، دي سمجة بشكل، حاشرة مناخيرها في كل حاجة، تقولش بتفتش ورانا!
بمنطقيةٍ أوضحت لها "همسة"..
-طبيعي تعمل كده، طالما أعدة في بيت حماها، اللي هو تحتنا، هنلاقيها موجودة معانا.
علقت "حمدية" بسخافةٍ:
-أهي بوزها شبرين، وبومة!
نظرت لها "فيروزة" شزرًا قبل أن تتجه نحو حقيبة يدها الصغيرة، حيث انتبهت لرنين هاتفها المحمول بها، أخرجته منها، وتطلعت إلى شاشته، كانت المتصلة رفيقتها، أجابت عليها بتنهيدة متعبة قليلاً:
-أيوه يا "علا"، إنتو وصلتوا ولا إيه؟
أتاها صوتها قائلاً بحماسٍ:
-احنا واقفين تحت بيتك، وهنبقى معاكي في زفة العربيات.
ردت بابتسامة صغيرة:
-طب كويس.
سألتها "همسة" باهتمامٍ:
-هي "علا" جت؟
أجابت دون أن تنظر ناحيتها:
-ايوه.
ثم اتجهت تلقائيًا نحو النافذة لتنظر إليها، رأتها في ثوبها الذهبي البراق تشير لها بيدها، وباليد الأخرى ترفع طرفه حتى لا تتعثر به. رفعت "فيروزة" ذراعها لتلوح لها به؛ ولكنها تفاجأت بظهور "آســر" من خلفها، ويلوح لها أيضًا بابتسامته اللبقة المزيفة، ربكة حرجة اجتاحتها لحضوره، فأخفضت يدها على الفور، خشيت أن يظن أنها ترحب به أيضًا، وقد توقعت لآخر وقت عدم قدومه؛ لكنه صدمها بمجيئته. أبعدت عينيها عنهما، وحركتهما في اتجاه السيارة الأخرى المزدانة بأشرطة الزينة البيضاء، رأت باقة من الورد على مقدمتها، وهتفت بعفوية:
-باين العريس جه كمان!
جلبة خفيفة تصاعدت من ورائها استعدادًا لاستقبال "هيثم"، ومع ذلك بقيت "فيروزة" في مكانها عند النافذة تحدق منها بفتورٍ. كان كل شيء مثاليًا وهي تواصل تأملها لما يوجد بالأسفل إلى أن توقفت نظراتها على صاحب زوج الأعين الغاضبة المستند على جانب السيارة؛ كان يتطلع إليها بنظرات طويلة مليئة بالحنق، على ما يبدو رأى ما فعلته قبل قليل خلال ترحيبها برفيقتها. نظراته لم تكن بالعادية، بل كانت قاسية، نافذة، موترة؛ وكأنه يُدينها ...!