رواية الحرب لأجلك سلام للكاتبة نهال مصطفى الفصل الحادي والعشرون
فمن فرط الحب يتشكل كل ما بى كى يشبهك.. لم انويك حبا .. لقد وقعت فيك سهوا .. حتى اصيب قلبى بعماء من نوع خاص .. فبات كل المارين سراب ووحدك جنة تخطفنى بكلى إليها .. فلازلت مُسكنى ومَسكنى .. لازلت بوجودك احييا
نهال مصطفى
التفت انظار هشام نحوها بعدم تصديق ثم اتبعت قائله بصوت منخفض بعد ما تأكدت من عدم انتباه احد لهم
- فاكر التليفون اللى جيه لاخوك زياد عشان يحذركم .. كنت انا ومستعده كمان ادلك على الهانم مراتك .. بس شكلك قفوش ومالكش فى الكلام الودى ..
القت جمر كلماتها بحلقه ثم استدارت امامه لتَهّم بالرحيل ولكن كانت قبضته اسرع من خُطاها قائلا
- هى فين ؟
غمزت له بطرف عينيها : اهو كده يحلو الكلام !!
زفر هشام بنفاذ صبر ثم قال
- أنجزى .. هى فين ..
احتلت ملامحها مخالب السخريه وهى تطلق من فاهها ضحكة منخفضة
- مش بسهولة كده .. نتفق الاول .. وبعدين هابقي أعرفلك هى فين .. وده وعد من مُهجة الصياد ..
شعر وكأن الكرة الارضيه تدور أمام عينيه إثر تغريد حيه .. فأشار لها بيده لتقترب وهمس بصوت كفحيح الافعى
- هو أنت متعرفيش أن مش هشام السيوفى اللى يسلم دقنه لحريم !! وان بمساعدتك او بغير هوصلها ومراتى مش هتبات ليله كمان بره البيت !!
تطلعت فى حقول ملامحه الشائكه بعدما انتابتها قشعريره خفيفه ارعبتها .. قائله بخوف دفين
- كنت عاوزه مصلحتك بس يلا مالكش فى الطيب نصيب ..
تجاهل جُملتها الاخيره وهو يهتف بصوت كالرعد مناديا على العساكر ..
- يلاااا نشد حيلنا شويه .. اسرررع .. وصلتو لحاجه ولا لسه ..!!
اردفت مهجة ساخرة: اعصابك ياحضرة الظابط .. كده غلط على صحتك ..
- " ووقفتك دى غلط على سُمعتك يا مهجة هانم "
كانت تلك آخر عباره اردفها هشام وبعدها مر كالريح من امامها متبعًا مسارا آخرا ليبحث فيه بنفسه... ظلت مهجة تحرقه بأنظارها الخبيثة وبات رأسها كعش دبابير تنخر فيه افكارها السامه .. فهتفت مناديه
- بت يا هنيه... انت ياااابت. .!!
- فين زياد .. زياد فين يا رهف !!
اردفت عايده بصوت سريعه حد الهذيان كمجنون فقد عقله وهى تبحث عن زياد فى المكان وتلقى بأشيائها ارضا .. لم تنتظر ردا من رهف الجالسة أمام التلفاز .. فواصلت عايده قائله
- فى اوضته !! صح ؟! لسه نايم ولا على باله البيه !!
تحولت رهف إلى بومه فضولية : هو زياد هبب إيه يا ماما !! قوليلى قوليلى ؟!
تجاهلت عايده سؤال رهف وتوجهت بخطوات سريعه مقتحمه غرفة زياد واشعلت كافة انوارها جاهرة بصوت عالٍ
- طبعا ولا على بالك .. نايم ومريح دماغك وان شاء الله الدنيا تولع بره .. انت مالك!!
لم يتحرك عضو به الا عينياه التى ارتفعت بتثاقل شديد .. مردفا بصوت مغلف بالنوم
- فى ايه بس عالصبح !!
ازاحت عايده الغطاء من فوقه بعنفوان وهى تضربه فى ساقه بقوة كى ينهض قائله
- قوم قوووم وانت لسه هتتصدم ! ليلتك سودة معايا ..
نهض زياد بتكاسل شديد وهو يفرك عيناه قائلا
- ها خير قومت .. ينفع اروح الحمام ولا الخناقه مستعجله ..
تجوب أمام عيناه يمينا ويسارا كالمجنون وهى تهذى بعبارات وراء بعضها
- انتوا عاوزين تجننونى ؟! عاوزين تدمروا البيت اللى فضلت محافظه عليه طول السنين دى .. واحد داير وممرمط نفسه عشان فلاحه والتانى مقضيها من كل واحده مالهاش أهل شويه .. انتوا اتفقتوا عليا صح ؟!
تابع هذيان صوتها صرخه مكبوته وهى تمسك برأسها الذي اوشك على الانفجار وهى تتجه نحوه.
- انت إيه ياخى!! مش بنى آدم ؟! مصنوع من حجر ؟! داير تتسرمح فى حضن كل واحده مفرقتش حاجه عن عيال الشوارع .. ياخى خاف على منصبك واسم عيلتك اللى مليون واحد يتمنوا يكونوا مكانك !!
لازال محافظا على ثباته.. تحرك ببطء تحت شرارة كلماته وفتح الثلاجه الصغيره بغرفته وتناول عُلبة من العصير ليطفئ بها ما اشعلته.. وما زادها هدوئه الا انشعالا .. فانهالت على ياقته مردفه.
- انت بتعمل كده ليه فهمنى ؟! دانت الوحيد اللى فضلت واقفه فى ضهره ومسانداه وكل طلباته مجابه بره شخط ونطر ابوك .. ابوك اللى كان ينزل هشام يشيل طوب ورمله على كتافه وانا اللى كنت اقفلك واقوله كله الا ابنى .. ده اخرة دلعى !!
ثم ابتعدت عنه للحظه وهى تقول بقلة حيله
- طيب ألبس الهانم ناريمان بتاعتك حامل ، ولو حللت واثبتت كلامها هتبقي سمعتنا على كل لسان !! وفى الاخر بتيجى تلمونى لانى رافضة جوازك من بسمة !! انت مش بنى آدم !!
تابعت كلامها بصفعة قويه على خده لاول مرة ولم تطأ رأسها اقدام الندم للحظه وهى تقول
- شكلى فعلا دلعتك زياده .. وابوك طلع على حق وانا اللى غلط !!
تلقى صفعة يد امه بذهول فجر حممه الخامده .. فادرف معاتبا
- متحسسنيش إنك مش عارفه بكل اللى بعمله ، انت بس مش بتشوفى غير اللى عاوز تشوفيه .
ثم ابتعد عنها خطوة مواصلا حديثه.
- لو جينا للحق انتوا الاتنين كنتوا غلطانين .. عارفه اللى أنا وصلتله ده نتيجه دلعك .. واللى هشام فيه نتيجه قسوتك وتفريقك فالمعامله ما بيننا .. ما تغلطوش أنتوا وتربونا زى ما شايفين وتيجوا تلومونا على نتيجة تربيتكم يا كوين عايده ...
كانت تلك آخر جمله ألجم بها زياد أمه التى وقفت مكبلة الايد ومنعقدة اللسان .. كل ما فعلته ظلت ترمقه طويلا بنظرات عتب استقبلها بنظرات تحدٍ .. ارتفعت صوت انفاسها مردفة
- ياخساارة يا زياد .. يا خسارة ..
القت عايده عليه نظرات الخسه ثم غادرت على الفور متناولة حقيبتها ومفاتيح سياراته متجاهله ثرثرة رهف واستفساراتها واوشكت على الخروج فاصطدمت ببسمه التى سقطت منها الاكياس الممتلئه قائله
- مالك ياخالتو ؟!
لم تجبها ولكنها اسرعت خُطاها نحو المصعد الكهربائي، فاشتعلت ابراج الفضول برأس بسمه التى دخلت سريعا لتسائل رهف
- بت بت ، امك مالها ..
قفلت رهف شاشة الهاتف فقالت : كانت بتتخانق مع زياد ، وشكله كده مهبب مصيبه .. وانا مش هرتاح غير لما اعرفها
- انا هروح اسأله ..
هتفت رهف مناديه عليها
- خدى بس الاول عاوز اوريكى حاجه لسه شيفاها .
بسمه باستغراب : حصل آيه ؟!
عادت رهف لتفتح شاشة هاتفها وهى تقول
- بصي كده لقيت آيه فى الازرز !
اتسع بؤبؤ عيني بسمه وهى تقول : ابن سمير مختار !! سمير مختار بتاعنا ؟!
اومأت رهف بفرحه عارمة : ايوة فارس سمير مختار بتاعنا ..
- تؤ الواد ده عاوز قعدة .. بصي هشوف اخوكى واجيلك نتسلى عليه ..
تقف مُهجة بجوار خادمتها الخاصة ( هنية ) على اعتاب المطبخ ، وهى تردف بصوت مسموع
- شوفتى يا ختى حضرة الظابط كان هيتجنن عليها كيف !! هموت واعرف إيه عاجبهم في بت السواق دى !!
توقفت هنية عن تقطيع الخضراوات التى بيدها فاردفت
- تلاقيها سحرت له هو كمان .. اللى خلاها وقعت كبير البلد فيها .. مش هتوقع حتة ظابط ..
اتسعت عينى مهجة معاتبة :
- ما تتلمى يابت أنت .. جناب العمده ما بحش ولا هيحب غيري !!
ثم القت نظرة خبيثه على (قمر ) التى تغسل ( المواعين ) وهى تقترب منه هنية متحدثه بصوت منخفض قادر على الوصول الى آذاان ( قمر) .. فقالت مُهجة
- بالك يابت الظابط ده مش وش نعمه .. لو كان هاودنى كنت هقوله إن البت محبوسه فالمخزن الغربي ، بس هو متعجرف وشايف نفسه زى عجرفة أمه بالظبط .. جاته خيبه !
التقطت آذان قمر كل كلمة كانت مهجة متعمدة أن توصلها لها .. ففزعت على نداء الاخيره وهى تقول
- يخيبك يابت ؟! انت واقفه هنا بتعملى ايه ، يلاه يلاه ياختى روحى شوفيلك مصلحة عاوزه اعرف اتكلم مع هنية شويه ..
جففت قمر كفوفها على الفور وعيون مرتعشة غادرت المطبخ كى تبحث عن خالد لتخبره بما قالته مهجة ، أما عنها فنجح مخططها ببراعه فارتفعت ضحكتها ممزوجه مع ضحك هنيه وهى تضربها على كتفها وتقول
- كده هيبدأ اللعب اللى على اصوله .
فلاش باك
- يا زيدان افهمنى !! واسمع كلامى للاخر ، انت بتتحدى ظابط .. يعنى الحكومه كلها فى يده !
تجوب مهجة غرفتها ذهابا وايابا وهى تمسك رأسها اثناء تحدثها مع زيدان فى الهاتف الذي رد متأففا
- مهجهِ انا مافيش راس لحديتك ، عقولك ايه سبينى اخلص حقى من بت المركوب دى ..
- يا زيدان اهدى بس ومتخليش السكينه سرقاك ... البت دى لازم ترجع خلال 24 .. قبل ما تحركات الظابط تبقي رسمى وساعتها هتروح في سين وجيم .
صمت زيدان لبرهه محاولا استيعاب كلامها .. فاردف
- قصدك إيه ؟! وكيف يعنى ارجعها بعد ما لقيتها !!
- افهمه ازاى ده ياربي.. انت مش واخد بالك أنك خاطف مراة ظابط.. يعنى باتصالاته هيطربق البلد فوق راسنا ..
هبت رياح غضبه : ومين قالك انى خايف منه ، مخوفتش من ابوه وجبروته .. هخاف من عيل ؟! لازم اخد حقي
انخفضت نبرة صوتها بمكر
- لا ملكش حق .. لازم تخاف ونص كمان ! ده بيجرى في دمه نفس جبروت ابوه ، وانك خدت مراته من قلب بيته دى ضربه قى مقتل يا عمده .. وكده انت وصلتله أنك لما بتعوز حاجه بتوصلها !!
صمت زيدان وهو يستمع باهتمام بالغ : ااااه .. وايه كمان !
جلست امام المرآه تُداعب خصيلات شعرها
- اسمعنى كده ونفذ كل كلمه هقولهالك بالحرف ، طالما الظابط لسه متحركش رسمى ومهما جاب جيش من العساكر مش هيقدر يعمل حاجه واى تهور هيعمله دلوقت هيكون لصالحنا .. فانا هخليك تطلع من الموضوع ده زى الشعره من العجين .. فتح لى مخك كده ياخوى !!
بااااااك
فاقت مهجة من شرودها على صوت نورا زوجة زيدان وهى تقول
- مش بعادتك يا مهجة تخشي المطبخ ، لعله خير !!
وثبت مهجة قائمه بعودها الممشوق : خليك فى حالك ياوليه انت ، مش ناقص غيرك تقول لى اروح فين ... حكم !!
تمتمت نورا سرا : عقبال ما نخلص منك ونرتاح يا وش الفقر انت !!
- زياد .. أنت مزعل امك منك ليه ؟!
اردفت بسمه جملتها بعد ما اقتحمت غرفة زياد رغم عنه ، فتجاهل سؤالها وهو يعقد حزامه الجلدى حلو خصره لا مباليا
- انا مزعلتش حد .. واللى يزعل يشرب من البحر اهو جمبنا ..
اقتربت منه بهدوء : طيب فى حاجه مضايقك !!
زفر باختناق : بسمة .. أنا فيا اللى مكفينى ، ابعدى عنى .
وقفت امامه لتعوق طريقه.
- استنى هنا .. ايه اللى فيك ، انا مش هسيبك غير لما افهم ..
اغمض عينيه لبرهه ثم ابتعد عنها ليتناول قميصه
- ومعنديش رد لأي سؤال من بتوعك ...
رمقته طويلا محاولة التزام الصمت ولكن خانها الفضول
- زياد .. أنت رجعت تتسرمح تانى ، ولا خالتى عرفت بعلاقتنا ..
انتهى زياد من قفل ازرار قميصه فاقترب من الكومود وتناول مفاتيحه وهاتفه قائلا بنفاذ صبر
- انا سايبلكم البيت وهريحكم منى خالص ..
تركها غائصة فى اعماق حيرتها وهى تضرب كف على الاخر وتلوم نفسها على خطيئه لم تقترفها متسائله : هل العيب فيه أم بى !! على كُل لا تُرهق عقلك بسيف الندم فالعار عار من يغدر وليس عار المغدور به ..
صعد زياد سيارته وهو يلقى جمر تهديداته على ناريمان فى رسالة صوتيه مُسجلة
- ورحمة ابويا هتشوفى منى وش عمرك ما شوفتيه ، هندمك على الساعه اللى عرفتى فيها زياد السيوفى .
- روحت فين بس يا خالد !!
تقف قمر على فوهة بركان متحرك موشك على الانفجار تبحث عن خالد بعيونها الصقريه هنا وهناك .. تسأل عنه كل من يُقابلها فى طريقها .. الى أن وصلت للمطحن الخاص ب آل نصير وبعد عناءة تنهدت بارتياح عندما رأته يقف مع العمال موليا ظهره .. فاشارت لطفلٍ صاحب السبع سنوات أن يُناديه ثم اختبأت بعدها خلف الحائط ..
بعد لحظات آتى إليها مهرولا
- قمر !! خير أمى حصلها حاجه ..
هزت رأسها نفيا وهى تقول: فجر .. عرفت مكانها ..
طأطأت راس خالد باسف : عمى ورجالته اختفوا وقلبت الدنيا على الاماكن اللى ممكن الاقيهم فيها وو
وضعت اناملها الصغيره على شفتيه ليصمت ثم بادلته بابتسامه هادئه
- انا عرفت مكانها ..
تحرك ساكن بداخله إثر لمستها المباغته وسرعان ما تجاهله .. فقال مُلتاعا :
- أيه !! طيب هى فين ؟!
اطرقت قمر بأسف : فى المخزن الغربي ..
رد خالد مصدوما : إيه !! مخزن أمى ؟!!!!!!!!
- للاسف يا خالد..
استعادت وعيها بعد مرور سويعات قليلة لم تدركها .. فرفعت جفونها بعد عناء طويل ومقاومة جبال الحزن التى رست فوقهم ، لازالت رأسها مستنده على الارض وتصلقت مُلتقطات الارض لتتخذ من بين خصيلاتها مأوى .. سعلت عدة مرات بصوت خفيض نابع من جوف الالم ..
فمشطت ظهر الباب المنغلق باهدابها ثم مسحت المكان الاشبه بحظيرة الحيوانات فوجدت نفسها فى مكان آخر غير الذي فقدت وعيها به .. أصيبت بنوبة ذهول فكانت تأمل أن تُشرق شمسها على انظاره حصاره التى لم تشعر بالامن منذ اعوامٍ الا خلف اسواره فلمس وجنتها الهواء المثقل بندوب الايام وانين خافت يتردد بداخلها :
- ياترى هتدور عليا يا هشام ولا ما هتصدق إنك ارتحت منى !! أنا مستنياك مش عارفه ايه المبرر ولا الدليل اللى مخلينى مستنيه دخولك من الباب ده بس انا حاسه إنك هتيجى ..
تقلب التذكار والنسيان امامها كفقاقيع المياه المغليه ، فلم تكتفى بعُزلتها فقررت أن تتخذه فى ظلال عقلها ونيسًا لوحشيتها وهى تسترجع لقائهم الاول كيف كان، وشجارهم وهيبته التى لم تخشاها يوما ، ملامحه التى تحمل أمانًا يملأ قلوب نساء العالم .. فكيف تعصف المشاعر بارواحنا لتلك الدرجه من الجنون !!
اغمضت عينيها لبرهه وهى تدفن وجهها بين رُكبتيها متعجبة على الحالة التى وصلت لها بسبب رجل باتت اسواره حريه ، والعالم بدونه منفى .. رجل منذ اقتحامه لابواب ايامها خلق من عدمها وجودا .. ومن رماد قلبها الخامد جمر مُلتهب لدرجة الاحمرار منذ لحظه غيابه .. فتنهدت بندم لو اعلم مدى كم معاناتى التى امتثلت لها ما اطلقت عيناى عليك ابدا ولا اسقطت اقدامى فى شباكك ..
- متخذلنيش يا هشام ..
ففزعت من سُكرتها التى انستها اوجاعها عندما سمعت وقع اقدامه المثقله بظلمه الذي لا حد له فنال منه الشيطان ما نال .. فجهر قائلا
- زين انك صحيتى .. كده يحلو الحديت يا ست فجر !!
تناول آخر سيجارة من علبته ليشعلها فتحول مكتب مجدى لسحابه سوداء إثر تكاثف دخان غضبه الخارج من حرق تبغه ..يقف أمام النافذه وكأنه شبحا هاربا من ضباب الغموم .. فانهالت فوق رأسه سيول الندم التى لم تزره طول ايامه كأنه كأى شخص يعلم قيمة الاشياء بعد فقدها .. فهتف مجدى
- هشام !! انت اول مرة تدخن كده .. كفايه !!
خرج رده فى صورة كلام ممزوج بالدخان وهو يقول
- لفيت عليها فى كل مكان تبع الحيوان ده ومش عارف اوصلها .. هتكون اى انشقت الارض وبلعتها !!
ثم تناول سلاحه من فوق المكتب
- كلم القوة هنقلب البلد من اولها لاخرها .. انا بقي فاضي ومش ورايا غيره النهارده ..
وثب مجدى قائما ليفشل مخططه .. ويفهمه عاقبة افعاله الجنونيه فاى فعل خلف جدار الغضب عاقبته الندم .. فجهر قائلا
- هشام .. انت اتجننت !! اهدى كل اللى احنا بنعمله ده فوق القانون وتحايل ... عارف يعنى ايه تاخد قوة وتروح تفتش بيوت وانت مش معاك اذن .. وبدل ما انت صاحب حق زيدان ممكن يطلعك متهم !! اهدى وفكر بعقلك ..
هبت زعابيب صبره التى تحاول تجاهلها كثيرا ولم يقدر .. فهتف بصوت اخترق الجدارن
- اهدى ازاى ياااامجدى !! انت عارف يعنى ايه مراتى مخطوفه فى يد الكلب ده وانا مش عارف اتحرك !! متخيل هو ممكن يكون بيعمل فيها ايه دلوقت وانا هنا واقف مستنى الساعات تعدى !! انا هتجنن برج من دماغى هينفجر ..
بالرغم من انفعال هشام الا أن مجدى لازال محافظا على ثباته .. فألجمه بصاعقه آخرى
- هشام ... أنت حبيتها بجد ولا إيه ؟!
صمت إثر سؤال مجدى الذي نصبه فى منتصف صدره وصوت متمرد خافت يهتف من داخله يُعاكس كبريائه " لا اشعر باننى احبك الا حينما التقينا وتأكدت من ذلك عندما افترقنا" .. صوت طرقات الباب كانت الشيء الوحيد الذي انقذ هشام من صاعق سؤال مجدى .. نظرا الاثنين نحو العسكرى الذي هتف
- فى واحد عاوز يقابل هشام بيه ..
مجدى باهتمام : مين !!
لم يكد العسكري يُجيي ولكن ظهر خالد فجاة قائلا
- أنا .. خالد نصير .. وعاوز سيادة الرائد في موضوع بخصوص ...
قطعه مجدى وهو يشير للعسكري قائلا : اطلع انت دلوقت ..
اقترب هشام من خالد متلهفه ، كاقتراب شخص أوشك على الغرق فلمست اقدامه أرض الشاطئ
- انت عاوز ايه ..
خالد بهدوء : عرفت مكان فجر ..
وضع هشام سلاحه خلف ظهره وهو يقول
- هى فين ؟! يلا نروح ..
توقف مجدى متحدثا بحكمه
- هشام مالك ؟! استنى بس ..
ثم وجه حديثه لخالد
- انت جاى تبلغ عن عمك ؟ والمفروض إننا نصدقك !!
رد خالد بثقه : أنا اللى بلغت سياده الرائد بشحنة السلاح اللى متهربة فى الخشب ، وكمان لو بص فى تليفونه هيلاقينى من امبارح بتصل بيه عشان احذره من شر زيدان ورجالته وانهم عرفوا مكانه .. وانا اللى لما عرفت مكانها جيت عشان ابلغكم ..
مجدى باستغراب : وانت ايه مصلحتك ؟!
- بدور على حقي زى ما انتو كمان بيدوروا على الحق ..
ثم وجه كلامه لهشام : فجر فى المخزن الغربى اللى فى دخلة البلد.. بس فى مشكله ..
مجدى : إيه هى ..
- المخزن باسم أمى .. وطبعا هى اللى هتتعرض لا مُسائله قانونيه ...
خيمت ظلال الصمت لبرهه على رؤوسهم الا أن قطعه صوت رنين هاتف هشام الذي القى قذيفه آخرى
- ده عمك .... زيدان بيتصل ؟!
-" بسماااااااه .. على فكره إنت مش مركزه معايا خالص ، وهذا تصرف غير لائق إطلاقا "
هبت ثرثرة رهف وهى تنادى على بسمه الشارده الغير مباليه بحديثها .. فاغمضت عينيها متنهده
- مش مرتاح لتصرفات زياد اخوكى ..
قهقهت بثقه : وانا كمان زيك .. عمرى ماارتحت لزياد اخويا ..
بادلتها بنظرة شك فاستقبلتها رهف بضحكة عاليه .. ثم قالت
- هتركزى معايا ولا اروح ارد على الواد الحليوة وارتبك افعال هموت واعملها ..
تناولت بسمه الوسادة الصغيره من يسارها ووضعها على ساقيها المنعقدين واستندت بمرفقيها عليهما
- وكمان ده حواره حوار !! تفتكري عاوز ايه !
تحمحمت رهف بثقه : ما هى باينه زى طلوع الشمس ، عنده فضول رهيب انه يتعرف !!
هزت بسمة رأسها نفيا
-بت انت اتعدلى كده .. وماتنسيش إن ابوكى معلم على ابوه ومديله قلم محترم !!
- لا طبعا مظنش إنه مكلمنى عشان كده .. هو اصلا كان بيحاول معايا كتير فى الجامعه وانا كنت بنفضله .. وبعدين لو ضغط عليا أكتر من كده .. فأنا مضطرة اضعف ..
رمت بسمه الوساده فى وجهها
- والله أنت ما اتربيتى !! مجدى لو سمعك ممكن يقتلك ..
انكمشت ملامح رهف فزفرت باختناق
- بسمه حبيبي أنت ليه مش عاوزه تفهمى إن مجدى my best friend... وانا وهو صحااااب وبس !!
انعقد ما بين حاجبين بسمه : ومجدى عارف بقرارك ده !!
- لا .. انا اللى قررت ، واصلا مجدى شخصيه رسميه وعمليه كده وحاسه إنه مش هيجى منه ، بصي يابسمه انا عاوزه اتجوز واحد تافهه بتاع هلس وجنان .. اما العاقل ده وبتاع سكة الجواز الدغري ما تمشيش معايا!!
ضاقت عيون بسمه بعدم تصديق ثم واصلت رهف حديثها بتباهى
- عارفه شخصية زياد اللى مش عاجباكم دى انا بتمناها .. بس مع شخص يكون باد كده معايا لوحدى ، أما مجدى ده محاولش حتى يتحرش بيا ، بصراحه بيفصلنى !!
ارتفعت نبرة صوت بسمه
- واحد قاعد مع هشام السيوفى ٢٤ ساعه فى اليوم عاوزاه يكون أي يعنى !! بت انتى .. ليه متذيذه كده فى مشاعرك ومش عارفه انت عاوزه ايه !! على فكرة لو خسرتى مجدى وحبه هتعيشي ندمانه طول عمرك ..
القت رهف نظرة على صورة فارس التى يبدو فى كامل وسامته واناقته وهى تقول بصوت خفيض وبحسره
- طب والله الواد قمرررر اووووى ....
قطع حديثهم صوت رنين هاتف بسمه التى احسن بوخزة ندم بصدرها لانها اعطته رقم هاتفها فاردفت بضيق
- ده سامر !!
رهف بخبث : سامر !! سامر سامر !! اللى هو سامر ؟!
- اوووووف إيه يابت !! ده سؤال ؟! انت هتبقي اعلاميه إزاى مش عارفه ؟!
ضاقت فتحة عيون رهف : ممممم يبقي سامر سامر .. والله الواد شكله عينه منك وابقي قولى رهف ما تفهمش حاجه ..
بسمه بامتعاض : مش هرد بس .. وبالنسبة لاخوكى ده ايه كيس جوافة يعنى عشان اكلم حد غيره !!
اردفت رهف بعشوائيه وعدم ادراك عاقبة جملتها
- بسمة أنت لسه عايشه على اطلال زياد !! زياد مش هيبقالك لانك انت اصلا كتير عليه ، وزياد اخويا مش وش جواز وكلها كام شهر تخلصي دراستك وهيطلقك عشان تشوفى حياتك ...
باتت الرؤيه امامها مشوشه كعجوز فقدت نصف بصرها وهى تراقب الايام والليالى تشبعت من حكمهم فحفرت تجاعيد روحها الذي هلكت فى ظل رجل .. فإلى أين المفر إن لم تكن أنت قدرى ؟!
انقلب حال القرية رأسا على عقبٍ ، وبات موضوع اختطاف خطيبة العُمدة الحدث الاعظم فى نهارهم ، تجمع أهل القرية فى مكانٍ واحد إثر إنتشار خبر العثور على فجر ..
انطلق هشام بسيارته بصحبة مجدي واتبعته سيارات الشرطه فى صفٍ متتالٍ محتشد على جانبيه حركه الاهالى اللذين يتسابقون لمشاهدة الحدث التاريخى..
يحمل فى قلبه صخب غيابه ولقائه فى آنٍ واحد ، امراة بغيابها احتلت اجزاء الوقت .. ضغط على البنزين ليزيد من السرعه ويُعجل بساعة اللقاء متناسيا العالم وراء ظهره ومُقبلا بكل شغفٍ نحو عالمه الاخر ..
فى ساحه واسعه يتوسطها مبنى هالك مكون من طابقين ويحاصره اشجار النخيل احتشد اهل القريه وانعقدت حلقتهم .. فرقفت صفوفهم سيارات الشرطة فبمجرد ما اوقف سيارته هبط بلا وعى .. لحق به مجدى وتابع خُطاه متجها نحو التجمع الاكبر حول نخله ينعقد بها شخصٍ لم يقترف أى ذنب سوى أنه ففيرا ..
وصل هشام اليهم وهو يوجه حديثه لزيدان بقوة
- مراتى فين !!
استدار زيدان بشموخ : وه وه وه !! زين انك جيت ياحضرة الظابط ... شوفت الكلب ده خطف مرتك وكان بيساومنى عشان شوية ملاليمممم ..
ثم اقترب منه خطوة وهو يرفع رأسه متحديا
- لكن على مين ما عاش ولا كان اللى يقف فى وش القطر .. ورجالتى وصوله فى اسرع وقت ، وهياخد جزائه ..
جز هشام على فكيه فبرزت عروقه وتكورت يده من شدة الغضب واحمرت عيناه بشرارة الجزع مُكررا سؤاله
- بقولك مرتى فين ؟!
اتسعت ابتسامة زيدان الخبيثه الذي يتوارى خلفها شيطانا ملعونا .. فجهر
- هاتوله مراته يا ولد ..
تقف عنايات بجوار غازى بثغر ملتوٍ
- وووه شايف هيحرق البلد عشانها كيف !! شايف بت المحظوظه وقت مع مين يا غازى !!
غازى باغتياظ : اكتمى يا مرّه ، اكتمى .. كل اللى مجننى كيف جناب العُمده هيسلمهاله إكده ! ده كان هيحرق البلد عشانها..
شرقت شمسه آخيرا وخرجت من الباب الهالك بصحبة احد الخفر ينظر اليها مشدوها.. فأصيب بشلالٍ قوى يدفعه بشدة إليها إثر عينها التى صابت به كل شيء .. فلم يوصله ابدا حب امراة الى الموت .. ولكنه الوحيده التى أحب الموت بين ذراعيها .. ولكن ثُقل ما به من حبٍ اوصده مكانه يتنظرها.
كان حادث لقاؤه بعد سويعات مرت على سلم الاعوام هو الاشنع .. هو حادث العمر الذي خلق من روحى انسان متيم بحياه هو بها .. منذ أن رأته بادلته بنظرات تنعش الحب المكبوت .. فلم تتحمل أن تسير بخُطاها المتمهل بل انطلقت على لحن قلبها قاصده منتصف ذراعيه تحديدًا .
رجل لا يُذيب قلبه حر الحب من قبل ولكن تلك المرة صهره بدون سابق إنذار ، استقبلها بلهفة أم فقدت ابنها منذ سنوات ، باحتواء الرحم للجنين ، وبضمة بستان لازهاره .. تقلصت خطاوى الارض لتجمعهما فى نقطة واحده ..
فلم تهتم بالعالم فى حضرته و نُقلت فى حضرته من فضاء الاستقلاليه لمربع التبعيه المختصر بين ذراعيه .. التف ذراعها الايسر حول عنقه والاخر حول خصره .. فحاوطها بذراعه ليقربها منه اكثر ..
بات كل جزء يترعش يتحسس إنتفاضه ؛ بين يديه شعرت ب شلال من الامان للحد الذي يجعلها تظن انها غزيت مدينه باكملها وباتت خاضعه لها .. اتخذت انفاسها من عنقه وسبحت بحور دموعها فوق كتفه وهو تتشبث به أكثر هامسه
- أنت اتاخرت ليه كنت مستنياك .. !!
امامها خلع عباءة الشرقي المكونه من خيوط التهديد والتوعد الى حبيب لفحها بذراعه الاخر وأخذ يربت على شعرها تارة وتارة اخرى يتدلى على ظهرها قائلا بحنان بالغ
- فيكى حاجه .. متقلقيش أنا جمبك وحقك هيرجع ..
تفرغت افواه الجميع واتسع بؤبؤ اعينهم لهول ما رأوه وما تربوا عليه ، فالحب الجريمه العظمى التى لا يجوز الافصاح عنها ، السر الكامن الذي لا يجب البوح به ، اللعنه الوحيدة التى أن مارسها صاحبها يُغتال ..
غليان دماء زيدان كانت كافيه أن تحرق المكان بكل من عليه ، اتظاره المحرقه كانت تلتهمهم بشراسه ، بات حاله كبركان كل ما بداخله يفور وخارجه ثابت ، يضرب الارض بعكازه محاولا تمالك غضبه فلاحظه شيخ الخفر قائلا
- عاجبك المسخرة دى جنابك ..
اردف متوعدا : يا ويلهم منى .. اتقل بس ..
ابتعدت عنه عنوة بعد لحظات مسروقه من الزمن بين ذراعيه التى اعترفت بقدرهم .. فاطرقت بخجل وهى تنظر أرضا
- أنت جيت هنا عشانى صح ؟!
سرعان ما ارتدى ثوب الشرقي الآمر الناهى وجز على فكيه مغتاظا
- دانت ايامك سوده معايا !! مين قالك اخرجى من باب الشاليه !!
يراقبهم مجدى بعيون خبيثه قائلا لنفسه سرا
- انا قولت الواد ده طب ومحدش سمى عليه ..
ثم تدخل قائلا
- مش يلا يا سي رميو .. كفايه نحنحه ولا انت ليك راي تانى !!
ضغط هشام على قدمه باغتياظ : اتلم ...
تلقاه مجدى متألما فى نبرة صوته العالٍ
- يلا يابنى وهاتلنا الواد المربوط ده نشوف اخرته ..
اقترب منه زيدان بشموخ
- هااا .. مرتك ورجعتك .. وانا اوعدك اللى يحاول يقرب منها هفرمه ..
تعمد هشام ان يطوق كفتيها ويقربها منه اكثر
- مراتى هعرف احميها كويس يا عمده .. طلعنا من دماغك انت بس ..
ثم وجه حديثه إليها متعمدا ليشعله بنيران الغيره
-يلا يا حبيبي !!
خرجت الكلمه من ثغره لتقام فى صميم قلبها وهى تومئ ايجابا باعدة انظارها عن زيدان الذي يود أن يلتهمها ..
دائما ما تتعمد الحياه ان تختبر صبرنا بطرقا اكثر الما .. اختباراتها مرايا لنرى من فينا يصلح للحياه ومن لا يصلح .. من لازال في عمره وقلبه بقية لتذوق جمال الحياه ومن شُح نفسه واخذ قرار نهايته قبل الاوان .
اعتدت ان اتمرد على اقدارى .. وان اترك لك زمام الامر ل تضع انت النهايه لكل شيء ، تنزف حبها حبرًا على لوحتها البيضاء ، تفرغ طاقات شوقها باللون الاحمر ، وتعبر عن سواد ايامها باللون الاسود ، وتنوح حنينا على اطلال رجل اهلكها فى حبه باللون الازرق كلون البحر الذي تلجأ إليه دوما..
تعلم ما معنى ان يضور القلب جوعًا ووجعًا لافطار لم يدركه ابدا!.. ما معنى ان تحمل قفة الحزن واللوم وحدك ؟!
فلا لوم عليك.. لا لوم على عابر اعطيته حجمًا زائدًا من الاهتمام...
سبح وجهها فى بحور الالم والفراق المحتوم على حالتها وحالة قلبها ، فبات ذنبها الوحيد انها أحبت من لا يراها .. بللت حلقه متذكرة حوار دار بينهم منذ اعوام
- زياد انت لو سبتنى.. انا مش هقدر اعيش من غيرك..
- وانا لو سبتك مش هلاقي الفرحه اللى حاسسها دلوقتى دى مع حد غيرك!
لا يغادر الرجل الا عندما يضمن بقاء امراه ويضمن سطو حبه على قلبها، هى من اعتاد ان تخرج من ملاذ عطرها الى اشواكه التى ستكون سبب فى نهايتها.. فاقت من سطو قلبها على صوت رسالة واتس آب .. فتحتها بتكاسل شديد لترى ما بها ..
فكانت عبارة عن مجموعة من الصور وثلاث فيديوهات لم يتم تحميلهم حتى الان .. ولكن توقفت جميع اجهزت جسمها عندما تحولت شكوكها الى يقين
- دكتوره بسمه حبيت بس اعرفك حقيقة حبيب القلب .. دكتور زياد...