رواية أدمنت قسوتك الجزء الثاني للكاتبة سارة علي
مقدمة الرواية
في لندن عاصمة الضباب وتحديدا في إحدى الشقق السكنية الراقية نجد إحداهن تجلس في شرفة الشقة مرتدية ملابس سوداء وتحمل بيدها ألبوم صور يجمعها مع أفراد عائلتها ...
عائلتها التي تدمرت كليا ولم يتبقَ أحد منها سوى والدتها المريضة والتي تعافر في هذه الحياة لأجلها ...
توقفت عند إحدى الصور التي جمعتها مع أختها الوحيدة ... عادت لها ذكرى قديمة تخصهما ... تذكرتها رغما عن جميع محاولاتها للنسيان ...
(اقتربت منها وهي تحمل جروها الصغير وتهتف بنبرة متهكمة:
بتعملي ايه يا نهال ...؟!
حاولت نهال ان تخفي هاتفها بعيدا عن أعين أختها وهي تجيبها بتوتر ظهر جليا في صوتها:
مفيش يا جوليا ... بشوف اخر تحديثات الفون ...
جلست جوليا بجانبها وأكملت بنصف عين:
عليا بردوا ... ده انا اكتر واحدة عارفة انك بتقلبي فصوره ...
ارتبكت ملامح نهال كليا وهي ترد عليها بنبرة متلعثمة:
ايه اللي بتقوليه ده يا جوليا ...؟! انا مش ببص على صور حد ..
يا حبيبتي وفيها ايه لما تبصي على صوره ... هو مش حبيبك ...
حبيبي ...!
رددتها نهال بخفوت غير مستوعبة بعد لمدى عمق الكلمة التي نطقتها أختها ...
اه حبيبك ... امال هو ايه بس ...؟!
قالتها جوليا بتذمر من حالمية اختها وخجلها الزائد لتنهض نهال من مكانها وتسير أمامها محدثة نفسها:
هو مجرد شخص بحبه من بعيد لبعيد ... لكن إنوا يبقى حبيبي فلسه بدري عالكلمة دي ...
نهضت جوليا واقتربت منها وقالت بلا مبالاة:
زي مانتي عايزة ... بس خدي بالك هو مش سائل فيكي...
ابتلعت نهال ريقها بألم من كلمات اختها الجارحة لترد بصوت متحشرج:
براحته... انا مطلبتش منه يسأل فيا ...
شعرت جوليا بخطأ ما قالته فإحتضنتها من كتفيها وقالت بإعتذار:
انا اسفة يا نهال ... مكانش قصدي بس حقيقي غيث ده مستفز وبارد ومش حاسس فيكي ابدا ...
قالت نهال بإنزعاج:
متقوليش عليه كده ... غيث شخصيته كده ... محترم وتقيل ...
الا أن جوليا كانت مصرة على قولها:
فيه فرق بين شخص تقيل و شخص بارد ...
أشاحت نهال وجهها بضيق لتضغط جوليا على اعصابها وتهتف بإبتسامة باردة:
عموما انتي حرة فإختيارك ... بس حاولي تجذبي انتباهه شوية ... بدل مانتي قاعدة كده مش بتعملي حاجة ...
يعني اعمل ايه ...؟!
سألتها نهال بحيرة لترد جوليا:
حاولي تتكلمي معاه ... تجذبي انتباهه ليكي ... مع اني اشك انوا فعلا حاسس بحبك ليه ...
شعرت نهال برجفة لا ارادية تسري في جسدها لمجرد تخيل أن غيث يعلم بمشاعرها نحوه ...
تفتكري...؟!
ليه لا ... اذا كانوا ماما وبابا حاسين بده ...عايزاه هو ميحسش ...
بللت نهال شفتيها بلسانها وقالت بتوجس:
جايز عشان كده مش بيركز معايا ولا بيكلمني ...
لتقول جوليا بملل:
براحته ... هو اللي خسران ...
ثم أكملت وهي تتجه خارج الغرفة:
هاروح اعمل حاجة أكلها...تحبي أعملك معايا ...؟!
الا ان نهال لم تجبها فهي كانت بعالم آخر ... عالم يخص غيث وحده ...)
أفاقت نهال من أفكارها تلك على صوت والدتها تنادي عليها...
أغلقت البوم الصور واتجهت مسرعة اليها... تأملت والدتها التي تجلس على كرسي متحرك لا يناسبها اطلاقا بملامح متألمة قبل ان تقترب منها وتهتف:
خير يا حبيبتي ...؟! عايزة ايه ...؟!
سبتيني ورحتي فين يا نهال ...؟!
سألتها الأم بضيق لترد نهال بأسف:
اسفة ...كنت قاعدة فالبلكونة شوية ...خير عايزة حاجة ...؟!
ردت الأم بجدية:
اقعدي معايا...مش عايزة أقعد لوحدي ...
حاضر ...
جلست نهال على الكرسي المقابل لها ثم سرحت بأفكارها لا اراديا وهي تتذكر لقطات أخرى جمعتها بأختها جوليا... لقطات كثيرة لم تشعر بقيمتها المهمة الا حينما فقدتها...
في منزل عاصم الهلالي...
خرجت مايا من غرفتها وهي ترتدي حجابها بإتقان ... كانت تشعر بغرابة كونها المرة الأولى التي ترتدي بها الحجاب...
اتجهت الى صالة الجلوس لتجد منى جالسة هناك تقلب في احدى المجلات ... رفعت منى رأسها ما ان شعرت بوجودها فتطلعت إليها بنظرات مندهشة قبل ان تهتف بوجوم:
ايه ده ...؟! ايه اللي عاملاه بنفسك ده ...؟!
تنحنت مايا بحرج وقالت بينما يدها تسير على حجابها:
انا اتحجبت ...
منا عارفة ...بس ليه اتحجبتي ...؟!
أجابتها مايا:
عشان انا عايزة كده ...
ردت منى بعدم اقتناع:
غلط يا مايا ... انتي كنتي شيك وكلاس اكتر من غير حجاب ...
ضغطت مايا على شفتيها كي لا ترد عليها بينما اكملت منها وكأنما تحدث نفسها:
مش فاهمة جاتلك منين الفكرة الغريبة دي ... وازاي كريم يوافق على حاجة زي كدة ...؟!
كريم اتبسط جدا وهو اللي شجعني ...
قالتها مايا بحسن نية لترفع منى حاجبها ثم تقول بغلظة:
على العموم براحتك ...بس بكرة لما تندمي متعيطيش ...
أشاحت مايا وجهها بضيق لتسألها منى:
انتي كنتي عايزة تقولي حاجة ...؟!
اومأت مايا برأسها ثم احتضنت بطنها وقالت:
كنت عايزة اقول اني حامل ..
ودي كذبة جديدة ولا إيه ...،!
قالتها منى ساخرة لتهز مايا رأسها نفيا وتقول:
لا والله انا فعلا حامل ...
أضائت الفرحة وجه منى التي نهضت من مكانها بسرعة واقتربت منها تسألها بلهفة:
بجد يا مايا حامل ...؟!
اومأت مايا برأسها لتقول منى ما فاجئها:
مبروك يا حبيبتي ...الف مبروك...
ثم قبلتها من وجنتيها بسعادة بالغة ... شكرتها مايا بإستيحاء بينما اكملت منى:
خدي بالك من صحتك يا مايا ... انا عايزة حفيدي يكون سليم وصحته كويسة ...
ان شاء الله ...
قالتها مايا بخجل قبل ان تسمع صوت كريم ينادي عليها فإستأذنت منى قائلة:
عن اذنك ...اشوف كريم عايز مني ايه ...
ثم اتجهت بسرعة نحو غرفة نومها وفتحت الباب لتتفاجئ بكريم يحتضنها ويغلق الباب خلفهما قبل ان يهتف وهو يقبلها:
روحتي فين ...؟!
ردت مايا بخجل:
كنت ببلغ طنط اني حامل ...تصدق دي فرحت اوي ..
ابتسم كريم بسعادة وقال:
بجد ...؟!
اومأت مايا برأسها بينما انحنى كريم يقبلها لتدفعه مايا بعيد عنها وتهتف:
مش وقته يا كريم ...
اقترب كريم نحوها ومال نحوها قائلا بإشتياق:
وحشتيني يا مايا ...
طب ممكن تقعد الاول ...؟!
قالتها مايا وهي تجلس على الكنبة ليجلس كريم بجانبها محيطا إياها من كتفيها هاتفا بجدية:
قولي يا حبيبتي...
انا بفكر اعرض نايا على دكتور نفسي...
ليه حصلت حاجة جديدة ...؟!
سألها كريم بقلق لتومأ برأسها وهي تجيب:
بقت متوترة وخايفة طول الوقت وبتحلم بكوابيس ... كريم انا خايفة عليها... نفسي اساعدها ومش عارفة ازاي ...
هنساعدها يا مايا ...هنساعدها سوا ...متقلقيش يا حبيبتي ...
قالها وهو يحتضن كف يدها بكف يده ...
طب هنعمل ايه...؟!
كلميها عشان حكاية الدكتور النفسي ... بدل ما حالتها تتأزم ...خلينا نلحقها من الأول ...
خايفة تفهمني غلط ...
لا مظنش...نايا عاقلة ومتعلمة وهتستوعب انوا ده عشان مصلحتها اولا ...
تنهدت مايا بأسى وأكملت:
كمان خايفة ماما تاخد بالها ...هي اكيد ملاحظة التغيرات اللي بتحصل ... خايفة تلاحظ حاجة جديدة وتفهم ...
حاجة ممكنة ...ايه رأيك نجيبها هنا كام يوم ...؟! تغير جو شوية وتبعد عن البيت ...
وماما نسيبها لوحدها ...؟!
خلي مامتك تجي هنا هي كمان...
لا يا كريم مينفعش ...
ليه يا مايا مينفعش...؟!
سألها كريم متعجبا لترد مايا بجدية:
ماما مش هتوافق ... انا عارفاها ...
طب انتي حاولي تكلميها الاول ...
هحاول مع اني متأكدة من ردها ...
اومأ كريم رأسه بتفهم بينما شردت مايا تفكر بأختها والحل المناسب لحالتها ...
كانت نايا تجلس في غرفة نومها تحتضن جسدها بذراعيها تتأمل السقف بشرود تام...
تفكر في حالها وما حدث معها، تفكر في حسن الذي لم تتحدث معه منذ ما حدث، وشادي ذلك اللعين الذي دمرها لا تعرف عنه شيئا، كل شيء يبدو لها غامضا محيرا، مستقبلها تدمر، حياتها انتهت، بالأحرى انتهكت على يد مجرم حقير سرق عذريتها ودمر مستقبلها واحلامها، هطلت الدموع من عينيها وهي تتذكر ما حدث معها في ذلك اليوم ...كيف اختطفها ذلك الحقير وحاول الاعتداء عليها قبل ان تفقد وعيها وينتهي كل شيء ...
أفاقت من نوبة بكائها على صوت طرقات على باب غرفتها ...مسحت دموعها بظاهر كفها ثم سمحت للطارق بالدخول لتجد والدتها امامها تهتف بفزع:
مالك يا نايا...؟! بتعيطي ليه ...؟!
أجابتها نايا بصوت مبحوح من أثر البكاء:
مفيش يا ماما ... افتكرت حاجة وحشة وزعلتني ...
حاجة ايه ...؟!
سألتها والدتها بقلق وهي تجلس بجانبها لتجيبها نايا:
حاجة كدة مش مهمة ... انتي كنتي عايزة ايه ...؟!
شعرت والدتها بمحاولاتها لتغيير الموضوع فقالت بشك:
انا حاسة انك متغيرة اوي يا نايا ... من ساعة الحادثة الي حصلت ... مالك يا حبيبتي ..؟! اتكلمي ...
هزت نايا رأسها نفيا وقالت بإضطراب:
مفيش يا ماما ... خوف عادي من الي حصل ...
ربنا ينتقم من الي كان السبب ...
رن جرس الباب فخرجت سعاد لترى من القادم ... فتحت الباب لتجد مايا امامها والتي احتضنتها وقبلتها قبل أن تسألها على نايا:
امال نايا فين ...؟!
اجابتها سعاد:
فأوضتها ...مش عارفة مالها ...لقيتها بتعيط ... انا خايفة عليها اوي يا مايا ...هو فيه حاجة حصلت انا معرفهاش ...احكيلي يا بنتي ...
ابدا يا ماما مفيش أي حاجة صدقيني ... هي بس تعبانة ومتأثرة باللي حصل ...متقلقيش انتي انا هشوفها...
عادت الأم وسألتها:
طب انتي عاملة ايه ...؟! جوزك عامل معاكي ايه ...؟! ومامته ...؟!
ابتسمت مايا بحب ما ان تذكرت كريم ثم قالت بسعادة:
كلهم كويسين... وطنط منى فرحت اوي لما عرفت اني حامل...
فجأة هتفت سعاد بدهشة:
مايا انتي اتحجبتي ...؟!
ابتسمت مايا وقالت:
لسه واخدة بالك يا ماما ...
قبلتها والدتها من وجنتيها وباركت لها:
مبروك يا حبيبتي ...
تسلمي يا ماما ...هخش اشوف نايا واطمن عليها ...
قالتها مايا وهي تتجه نحو غرفة اختها ...فتحت الباب ودلفت الى الداخل لتجد اختها امامها شاردة يبدو انها تفكر بشيء ما ...
تقدمت مايا منها وحركت يدها أمام وجه نايا التي لم تشعر بها حينما دلفت فقالت الاخيرة بنبرة شاحبة:
مايا ...انتي جيتي امتى...؟!
جلست مايا بجانبها وقالت:
من زمان اوي ...عاملة ايه ...؟!
اجابتها نايا بتردد:
كويسه الحمد لله ...
ماما بتقولي انك كنتي بتعيطي ...
اومأت نايا براسها وقد تجمعت الدموع داخل عينيها لتحتضنها مايا وهي تهتف:
عيطي يا نايا ...عيطي لو ده هيريحك ...
اخذت نايا تبكي بشدة بين احضان اختها ... ظلت تبكي حتى خف بكائها تدريجيا ...
ابتعدت عن احضان اختها واخذت تمسح دموعها لتهتف مايا بها:
بقيتي كويسه...؟!
اومأت برأسها لتكمل مايا بتردد:
نايا عايزة اقولك حاجة بس خايفة تفهميني غلط ...
قولي ...
ايه رأيك تروحي تشوفي دكتور نفسي...؟!
ليه ..؟!
سألتها نايا بصوت باهت لترد مايا:
عشان انا حاسة انك متوترة على طول ... وخايفة ...وانا مش عايزة حالتك تتأزم اكتر من كده ففكرت انك تروحي طبيب نفسي ...
قالت نايا بنبرة تائهة:
مش عارفة...
فكري بكلامي وشوفي انتي عايزة ايه ...
اومات نايا برأسها بينما ربتت مايا على ظهرها ...
عادت مايا الى منزل زوجها ...
دلفت الى الداخل بعدما فتحت الخادمة لها الباب والتي أخبرتها بدورها:
كلهم بيتعشوا جوه ...
اتجهت مايا الى صالة الطعام لتجد الجميع بالفعل هناك ...القت التحية عليهم وجلست بجانب زوجها ليهتف حسام بدهشة:
ايه ده يا مايا انتي اتحجبتي ...؟!
اومأت مايا برأسها وقالت بخجل ظهر على وجنتيها اللاتي توردتا:
ايوه...
مبروك يا مايا ...
قالها عاصم مؤهنئا إياها لترد:
العفو يا عمي ...
هنأها حسام ايضا قائلا:
مبروك يا مايا ...مبروك انت كمان يا كريم ...
ضحك كريم وقال:
وبتهزر كمان ...
رد حسام:
طبعا تلاقيك فرحان عشان مايا اتحجبت ... مانت طول عمرك بتغير جامد ...
ولسه فيه مفاجئة تانية كمان ...
مفاجئة ايه ...؟!
سأل عاصم بترقب بينما قال حسام مازحا:
هي الليلة ليلة المفاجئات ولا ايه ...؟! قولي يا ماما مفاجئة ايه...؟!
خلي مايا وكريم يقولوا ليكم ...
قالتها منى وهي تغمز لهما ليهتف كريم مشيرا لمايا:
قولي يا حبيبتي ...
الا ان مايا ردت بخفوت:
قول انت عشان انا مكسوفة ...
تنحنح كريم قائلا:
مايا حامل ...
تاني ...
قالها حسام متفاجئا ليرميه كريم بالشوكة بينما ابتسم الاب وقال:
مبروك يا مايا ...مبروك يا كريم ...
شكرا يا عمي ...
شكرا يا بابا ...
تحدث حسام بدوره قائلا:
مع إني مش فاهم حاجة ... بس مبروك ليكم انتوا الاثنين ...
ابتسمت مايا وشكرته:
الله يبارك فيك يا حسام ...
في هذه الأثناء دخلت الخادمة عليهم وقالت:
فيه ضيفة عايزة تشوفك يا عاصم بيه ...
ضيفة مين ...؟!
سألها عاصم بحيرة لترد الخادمة:
معرفش هي قالت انها جاية عشانك وتقابلها ...
ضيفة مين اللي جاية دلوقتي يا عاصم ...؟!
سألتها منى بتعجب ليرد عاصم بحيرة:
مش عارف ...هقوم اشوفها واعرف ...
نهض عاصم من مكانه واتجه نحو صالة الجلوس تتبعه منى ...
دلفا الى الى هناك ليجدا فتاة جميلة في انتظارهما والتي هتفت ما إن رأتهما:
مساء الخير ...
مساء النور ...
قالها عاصم بإستغراب قبل ان يمسك بيدها الممدودة نحوه...
جاء كريم ومايا وحسام ايضا ليقول عاصم:
اتفضلي اقعدي ...
مش لازم نتعرف الاول ...
قالتها الضيفة بجدية لتسألها منى:
اه ياريت ...حضرتك مين ...؟!
أجابتها الفتاة:
صافيناز الهلالي ... بنت عاصم الهلالي جوزك ...
فصول رواية أدمنت قسوتك الجزء الثاني
- رواية أدمنت قسوتك الجزء الثاني للكاتبة سارة علي الفصل الأول
...باقي الفصول اتباعا كل يوم فصل