رواية أحببت فريستي للكاتبة بسمة مجدي الفصل الثاني بعنوان: صدام
ضغط علي الفرامل الخاصة بسيارته بسرعة فائقة وتوقف السيارة علي بعد خطوات معدودة بمعجزة..! افاق من صدمته علي صوت "سامر" المتسائل:
- قولتلها حاسبي ؟!
اجابه بسرعة وهو يترجل من سيارته ليري تلك المجنونة التي ظهرت امامه فجأة فمن المختل الذي يقف امام سيارة سائقها "يوسف"...!:
- اقفل دلوقتي واكلمك بعدين
صاح بها في انفعال وعصبية مفرطة:
- انتي غبيه مش شايفه قدامك في حد يجري قدام عربيه كده و...
كاد ان يكمل لكنه فوجئ بهيئتها فهي بشعرها الاسود ذو التموجات البسيطة والقوام الممشوق وبشره بيضاء كالحليب لتخلع نظارتها ليصدم بجمال عيونها الزرقاء التي تضاهي البحر بأمواجه، ليصدم بصوتها الرقيق القوي بأسف وارتباك:
- انا اسفه بس انا كنت متأخرة و..
لتكمل بحده:
- وبعدين اصلا انت الي غلطان ايه السواقة دي انت داخل سباق
هتفت بعصبيه بعد هدوء اعتذارها كانت تنظر له بحده ووجدت عيناه تظلم بشكل غريب أسيتحول الان ام ماذا , رد بهدوء حاد:
- انتي الي بني ادمة غبية وانا اسوق زي مانا عايز واعتذري دلوقتي حالا والا الموضوع مش هيعدي علي خير.
لتصرخ به " ميرا" في انفعال وعصبيه وهي تلوح بيديها في الهواء:
- لا بقولك ايه مش عشان سكت لما شتمت اول مره يبقي مبعرفش ارد لا احترم نفسك بدل ما الم عليك الناس واخلي الي ما يشتري يتفرج !
تفاجئ من تحولها من امرآه راقيه تعتذر الي امراءه سوقيه ذات صوت يجمع القريب والبعيد هتف بغضب وهو يتمالك نفسه بصعوبة الا يصفعها حتي تعود لرشدها:
- ما تحترمي نفسك يا بت انتي متعرفيش انا مين دانا ممكن اوديكي ورا الشمس !
نظرت له بسخريه وكادت ان ترد ولكنها تذكرت موعد المقابلة فنظرت له بحده وسرعه واردفت:
- انا لو كنت فاضيه كنت فرجتك انا محترمه ازاي بس انا بقي مش هضيع وقتي مع امثالك بتوع بابي ومامي !
وانصرفت لتلحق بموعدها
نظر لأثرها وهتف في نفسه:
- ايه الاشكال البيئة الي الواحد بيقابلها دي الله يخربيتك يا شيخه ضربتيلي اليوم..!
في صباح اليوم التالي
سمحت لضوء الشمس بالولوج للغرفة عبر فتح الستائر لتستدير وتنظر لذلك النائم بعضلاته البارزة وجزعه العاري تنهدت لتهتف بهدوء تام:
- يوسف بيه..! يوسف بيه...!
تململ في نومه ليهتف وهو مغمض العينين:
- عايزه ايه يا سهير علي الصبح اطلعي وسبيني انام
هتف بهدوء وتقرير وهي تنظر ارضاً:
- انا اسفه يا يوسف بيه بس دي أومر مدام فريدة وهي بتبعلك ان الفطار جاهز ومستنين حضرتك علي السفرة.
وانصرفت الخادمة, لينهض بتذمر فأمه امرأه أرستقراطية ابنة عائله عريقة من اغني العائلات في الإسكندرية ولذلك تلتزم ببعض القواعد الصارمة اهمها الاستيقاظ مبكراً , دلف الي المرحاض ليغتسل وبعد نصف ساعه , هبط علي الدرج بخطواته السريعة وطلته الساحرة التي تجعل الخادمات تهيم إعجاباً به ببنطاله "الجينز" وتيشرته الأسود, وصل الي امه لينحني ويلثم كف يدها برقه ويهتف بابتسامة تزيده جمالاً:
- صباح الجمال يا فريدة هانم.
هتفت بتذمر وعبوس:
- متفكرش انك تقدر تضحك عليا بكلمتين وتنسيني تأخيرك كل يوم عن معاد الفطار...
هتف بهدوء وابتسامه بسيطة لوالده:
- صباح الخير يا بابا
اجابه بهدوء وهو يقرأ الاخبار ويرتشف من قهوته الصباحية المعتادة:
- صباح النور يا يوسف
التفتت لوالدته قائلاً بلطف:
- يا فريدة هانم مانا نزلت أهو وبعدين كمان انا مسمعتش المنبه
أجابته بحنق:
- ما طبعاً لازم متسمعوش ماإنت كل يوم ترجعلي وش الفجر ومش دريان بروحك !
تأفف بضيق قائلاً:
- ما خلاص بقي يا ديدا مانتي عارفه اني بحب ارفه عن نفسي شويه !
لتصيح بحدة:
- بس مش كده يا يوسف مش كل يوم ترجعلي سكران..!
رفع كفها ليقبله برقة قائلاً بلطف:
- حاضر يا ديدا أوعدك هحاول أقلل الموضوع ده اتفقنا ؟!.
ابتسمت من تدليله لها فبرغم غضبها لا تسطيع ان تقسو عليه فهو ولدها الوحيد و"الحيلة" كما تزعم وهتفت:
- ماشي يا سي يوسف اما نشوف أخرتها معاك
جلست بتوتر وهي تبتهل الله سراً حتي يوفقها فقد سأمت من تلك الوظائف الصغيرة قطع تفكيرها صوت السكرتيرة:
- أنسة ميرا..! تقدري تتفضلي البشمهندس في انتظارك !
أومأت بخفة لتقترب من الباب وتأخذ نفساً عميق وتهندم ثيابها رفعت خصلاتها السوداء ذات التموجات البسيطة، دلفت ليقف بترحيب وهو يتأملها بجمالها الساحر:
- نورتي يا انسة اتفضلي استريحي...
جلست قائلة بابتسامة متكلفة:
- شكراً..
ظل يتطلع اليها لثواني لتتنحنح بحده، ارتبك وعاد ينظر للأوراق التي امامه ويقول بجدية:
- مكتوب عندي في ملفك انك مشتغلتيش في شركة قبل كده ياتري اشتغلتي في مكان تاني ؟!.
اختفت ابتسامتها لتجيبه بجدية شديدة:
- اه حضرتك انا اشتغلت في اماكن كتير بس مقدرتش اشتغل في شركة عشان الشهادة واللغات الي بمجرد ما ظبطتها قدمت
ادرك انها ليست من نوع الفتيات الذين يعجبهم الاطراء وتحديق الشباب بهم ليردف برسمية:
- وبتتكلمي 3 لغات ممتاز، تقدري تتفضلي واحنا هنتصل بيكي نبلغك قرارنا !
اجابته بحده خرجت رغماً عنها:
- تمام، شكراً لوقت حضرتك.!
غادرت بهدوء تاركة خلفها ذلك الذي ينظر لأثرها بنظرات جائعة ومخيفة فهي قد اعجبته وبشدة...!
أغاني غربية...صخب...ضجيج... دلف "سامر" ذو البشرة الحنطية لكنه يتميز بوسامة وجاذبية وجسد رياضي بالإضافة لعينه البنية التي ورثها عن جدته، ولج الي تلك الحفلة المنزلية التي يطلق عليها "bole party " سار محدقاً بكل تلك النساء من حوله وهن بملابس السباحة وكأنهم شبه عاريات..! أوقف احداهن ليقول بابتسامة ونظراته تتأكلها:
- بقولك يا مزة متعرفيش الاقي يوسف الحديدي فين ؟!.
أجابت بضحكة خليعة:
- قصدك چو هتلاقيه هناك في البسين...
قالتها ورحلت وهو ينظر لأثرها بنظرات جائعة افاق لنفسه ليكمل سيره حتي وصل الي المسبح...
- چو ! كفاية سباحة بقي اطلع خلينا ننبسط شوية !
هتفت بها احدي الفتيات برقة شديدة...تأففت بحنق لتستدير لتغادر ولم تكد تخطو حتي شعرت بيدين يلتفان حول أسفل قدمها ولم تشعر بعدها الا والمياه تغمرها..! رفعت رأسها من الماء تشهق بعنف والجميع يضحك من حولها، نظر لها "يوسف" وهو يضحك بمرح قائلاً:
- أنا قولت بدل ما أطلعلك تنزليلي !
احمر وجهها غضباً لتصيح بغضب:
- انت مش هتبطل جنانك ده يا يوسف !
لف يديه حول خصرها امام انظار الجميع بلا خجل وكذلك لم يهتم أحد لانهم اعتادوا علي تلك المشاهد وأسوء ! همّ ان يقبلها وهم مازالوا في المسبح حتي قاطعهم هتاف "سامر"العالي:
- ما ترحم نفسك بقي يا عمنا ! هو انا كل يوم الاقيك مع واحدة شكل ؟!.
دفعته الفتاة بحنق فقد أخبرها انه لم يحب فتاة من قبل..! خرجت من المسبح وهي ترمقه بنظرات حانقة غاضبة حتي رحلت...خرج خلفها قائلاً بلهفة مزيفة:
- أستني يا رودي قصدي يا جيجي يا راندا حتي !
توقف ليلتفت لسامر الذي كاد يسقط ارضاً من شدة الضحك ليلكمه بمعدته بحنق قائلاً:
- ده انت عيل رخم كده طيرت مني المصلحة !
ليجيبه من ضحكاته وتأوهاته من ضربة "يوسف":
- يا عم راحت سوسو جات نادية والحريم علي قفا مين يشيل !
جلس علي أحد المقاعد التي أمام المسبح ليلتقط منشفة ويبدأ في تجفيف نفسه قائلاً:
- علي رأيك...ايه الي جابك بقي ؟!.
جلس علي مقعد أمامه ليهتف بجدية:
- أبوك يا سيدي عمال يكلمك من امبارح باليل وانت مكبر وكلمني وقالي انك لو مرحتلوش الشركة إنهارده هيبقي نهارك اسود !
تنهد بسأم قائلاً بضيق:
- مش عارف ابويا خنقني بحوار الشغل ده كل يوم زن وخناقات وقلتله كتير مليش في الجو ده بس مفيش فايدة !
ليقول "سامر" بهدوء:
- معلش يا صاحبي هو بس عايز يتطمن عليك عدي عليه إنهارده الشركة وقوله كلمتين يراضوه وبعدين يا عم مش انا الي هقولك تراضي أبوك أزاي !
تأفف بضيق ليهتف:
- بقولك ايه فكك منه تعالي نسهر في اي حته إنهارده
ضحك علي صديقه اللامبالي ليردف بابتسامة:
- ايدي علي كتفك عايز تسهر فين ؟!
- سمعت عن نايت كلبّ فتح جديد خلينا نجربه
- اشطاا يلا هطير انا ونبقي نتقابل بليل
دلفت الي المنزل بتعب لتدخل غرفتها وتخرج ثيابها وتعدها للذهاب فهي قد قررت العيش بمفردها والانتقال، انتهت من اعداد حقيبتها ومتعلقاتها لتخرج فتجده جالساً كعادته بنظراته الحزينة لينهض قائلاً بتساؤل:
- انتي واخدة هدومك كده ورايحه علي فين ؟!.
نظرت لعيناه بتحدي وقالت بحده:
- انا ماشية خلاص قدرت اشتري شقة وهعيش فيها براحتي وبعيد عنك..!
ليقول بغضب:
- يعني ايه تعيشي لوحدك هو انا موت عشان تعيشي في شقة لوحدك..؟!.
لتقول بحقد وغضب وعيناها تلتمع بالقسوة:
- ياريتك كنت موت وريحتني بس نقول ايه نصيب ابعد عن طريقي عايزة امشي !
لم يبدو عليه التأثر بكلماتها ليقول في محاولة فاشلة لأقناعها:
- يا بنتي كلام الناس مش هيسيبك ومينفعش اساسا انا يعتبر مش موجود معاكي انا بشوفك مره كل فترة لأني برجع بليل وانتي بتبقي نايمة...
صمتت وهي تنظر له بحقد دفين ليظن صمتها موافقه علي حديثه فيقول بتساؤل:
- ها ؟!بردو مصممه تعيشي لوحدك ؟!
نظرت له نظره تحمل معاني كثيره وهتفت بقسوة:
- ياريت متشغلش بالك بيا استاذ محسن مش انت كاره حياتك واحنا فيها خلاص دلوقتي تقدر تنبسط معادش حد فينا في حياتك
ليصيح بانفعال:
- انتوا ولادي ازاي اكره وجودكم دانا محدش بيحبكوا ولا هيخاف عليكوا ادي
ترقرقت الدموع بعينيها وذكري ألميه تمر علي ذاكرتها لتصيح بشراسه وشرارات الغضب تندلع من عينيها:
- قصدك محدش هيكرهنا ادك عارف يا أستاذ محسن انت اسوء حاجة حصلتلي في حياتي عامل زي الاعصار ميهمكش غير نفسك والباقي في داهيه افرح مش كنت بتضايق من صوت الضحك العالي في البيت اهو معادش في صوت اصلا.
توتر من حديثها ليقول بلامبالاة:
- انت عارفه كويس ان مليش زنب والاعمار بيد الله
فردت بانفعال هادرة:
- لا انت قتلتها وانت عارف كده قتلتها بالبطيء قتلتها بتصرفاتك قتلتها بكلامك انا امي ماتت من الاكتئاب.!
واكملت بصوت يشوبه الالم:
- اترجيتك كتير تسيبنا في حالنا اترجيتك تسيبنا نعيش طلبت كتير كنت مستعده اسيب تعليمي واصرف علي البيت بس عشان تبعد حاولت احميها منك بس فشلت حاولت اعوضها عن اذاك فشلت بس انت كسبت انت عايش وهي لاء انا عشت بعدها السنين دي كلها وانا ساكته عشان كنت محتاجه لفلوسك عشان مصاريفنا انا واختي بس دلوقتي لاء انا معتدتش محتجاك انا همشي واتمني مشوفكش تاني وكفاية اووي لحد كده.!
وخرجت مسرعة من المنزل وصعدت سيارتها واخيرا سمحت لدموعها بالتحرر وهي تبكي بقهر وألم واخرجت صورة والدتها لتنظر لها بألم وتحضنها وتهتف ببكاء:
- وحشتيني اووي يا روح قلبي وحشتيني 5 سنين ولسه بتعذب بفراقك تعالي خديني بقي انا تعبت انا عالطول محتجاكي جمبي محدش بيفهمني زيك !
ومسحت دموعها بحزن وهي تقود سيارتها بسرعه هائلة الي ان اصطدمت بشاحنه لم تنتبه لها من شده سرعتها...توقف الزمن في هذه اللحظة وهي تغمض عينيها بقوه وتتلوا الشهادة وتستعد لما هو اتي...صراخ ,ضجة, تحطم زجاج, اصوات متداخله, دماء, ممر ابيض, ظلام دامس..