قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشر

رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشر

رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشر

استيقظت أمانى ينتابها شعور غريب بأن هذا اليوم سيحمل لها تغييرا جذريا بحياتها، نظرت الى فرح النائمة كالملاك بجوارها، انقبض قلبها فجأة ففى هذا اليوم سيتحدد مصير تلك العاشقة ربما للأبد، أغمضت عينيها تدعوا ربها أن يميل قلب بدر لفرح على الفور ما ان يراها بهيئتها الجديدة، فتحت عينيها تنظر مجددا الى فرح، كم ستفتقدها وتفتقد كل ما حملته الى حياتها مؤخرا، مشاعر عديدة وابتسامة كانت قد افتقدتها وبشدة منذ وفاة زوجها، أعادت لها مشاعر الأخوة والتى افتقدتها ايضا منذ ان فارقت أميرة، والأهم من ذلك أنها شغلتها عن أفكارها و أحزانها التى لازمتها منذ افتراقها عن بيجاد.

نهضت من السرير بكسل فلم تحظى بنوم جيد، اتجهت الى النافذة لتفتحها وما ان فتحتها حتى تجمدت فى مكانها من الصدمة، فهناك، أمام البحر وقف رجلا يدير ظهره اليها ويتطلع الى البحر، يشبه الى حد كبير زوجها الراحل، نفس الهيئة ونفس لون الشعر، حتى وقفته، تماثل وقفة زوجها، تضرعت فى صمت أن يدير ذلك الرجل وجهه وينظر باتجاهها لتتأكد من ملامحه، ظلت ثوان ولم يتحرك قيد أنملة.

يقف جامدا كالتمثال وتقف بدورها جامدة تخشى أن تتحرك من مكانها، تتساءل عن هذا الرجل الذى يشبه زوجها فى الهيئة حد التماثل، أفاقت من أفكارها على صوت فرح تقول بنعاس:
واقفة عندك كدة ليه ياأمانى؟
التفتت اليها أمانى قائلة بلهفة:
واحد واقف مكان ما اتقابلت مع بيجاد يافرح، مديلى ضهره بس حاساه توأم بيجاد، نفس الطول والوقفة ولون الشعر، صحيح شعره اطول حبة بس هو شعره.
واستدارت تنظر اليه قائلة:
تحسيه...

صمتت وهى تجد مكانه فارغا لتقول بإحباط:
مش موجود.
كانت فرح قد نهضت وأصبحت بجوارها قائلة:
يعنى ايه تحسيه مش موجود؟
التفتت اليها أمانى قائلة بخيبة أمل:
مش عارفة، كان من ثوانى هنا ودلوقتى مش موجود.
ربتت فرح على كتفها فى حنان قائلة:
مش يمكن بيتهيألك ياأمانى؟
هزت أمانى رأسها بحزن قائلة:
يمكن فعلا عشان واحشنى، واحشنى اوى يافرح ويمكن عشان كدة بدأت أشوفه فى كل مكان.

قالت فرح بمرح تحاول أن تخرجها من دائرة حزنها والتى أحست بها تضمها داخلها:
فى كل مكان، قلتيلى، يكونش عفريته ياامانى؟
ضربتها أمانى على رأسها بخفة قائلة:
عفريته ايه بس؟، فرح، ممنوع تتفرجى على أفلام رعب تانى، مفهوم؟
رفعت فرح يدها تؤدى التحية العسكرية قائلة بابتسامة:
تمام يافندم.
نظرت اليها امانى قائلة بحنان:
هتوحشنى شقاوتك يافرح.
ترقرقت الدموع بعينى فرح قائلة:
شقاوتى بس.
ضمتها امانى قائلة:.

هتوحشنى كل حاجة فيكى يافرح، مبسوطة كدة؟
هزت فرح رأسها نفيا داخل حضن أمانى قائلة بصوت متهدج من الدموع:
لأ مش مبسوطة، تعالى اعمليلى وجبة وداع، عايزة آكل مكرونة بالبشاميل و بوفتيك وبطاطس شيبسى، والحلو جاتوه وهوت شوكليت.
خرجت أمانى من محيط ذراعى فرح قائلة باستنكار:
أنا بقول انك لسة أدامك بدرى على ما تظبطى وتنسى الأكل، ايه رأيك، تيجى منروحش الحفلة النهاردة؟
قالت فرح بسرعة:.

لا ياأمانى ابوس ايديكى، مش مهم وجبة الوداع اللى هتودينى فى داهية دى، خليها فراخ مشوية وسلطة وقمرى لله.
رفعت امانى حاجبيها لتزفر فرح قائلة:
خلاص خلاص مش مهم، انا عارفة انها فى الاخر هترسى ع ساندوتش من عيش الدايت اللى ملوش طعم ده و كوباية عصير فريش، صح؟
ابتسمت أمانى لتستطرد فرح وهى تجعد أنفها قائلة:
الواحدة معاكى مينفعش تحلم ياأمانى.
أمسكت امانى يدها وهى تسحبها خلفها نحو المطبخ قائلة:.

لأ احلمى ياشابة، بس مش كل الاحلام بتتحقق.

نزل ظافر بخطوات بطيئة يبحث بعينيه عن أميرة فلم يجدها، سمع بعض الأصوات بالمطبخ فاتجه اليها ليجدها هناك تعطيه ظهرها وتتمتم بكلمات خافتة وصلت الى مسامعه بصعوبة، كانت تقول بحيرة:
هو كان بيحط ايه؟، ايوة، هو كان بيحط المشروم والتوم والفراخ والفلفل وبعدين يحط البشاميل وبعدين المكرونة ولا المكرونة الأول؟
لتمد يدها وتفرك شعرها بحيرة قائلة:
والله ما فاكرة، ده ايه الحووسة دى بس ياربى؟

وجد نفسه يبتسم دون ارادة منه، لينفض تلك الابتسامة وهو يقول ببرود:
المكرونة الأول.
انتفضت أميرة وكادت توقع الطنجرة التى تمسكها من يدها ليسرع ظافر ويسندها لتتلامس ايديهما لثوان، انتفضت على اثرها قلوبهما، ليبعد ظافر يده وهو يأخذ الطنجرة من يدها ويضعها على الطاولة، قالت أميرة فى ارتباك:
احم، ايه اللى نزلك بس وانت عيان؟
احس باهتمامها ليرمقها ببرود وهو يقول:.

الحمد لله انى نزلت، كنتى هتولعى فى المطبخ بالشكل ده.
ثم القى نظرة على الطنجرة قائلا بسخرية:
وبعدين حد يقلب التوم والفراخ والمشروم من غير زبدة، والبشاميل اللى هتحطيه ده، هو صحيح جاهز بس بتدوبيه فى اللبن الأول، بس الشهادة لله عملتى حاجة صح وسلقتى المكرونة فى مية انا كنت فاكرك هتحطيها من الكيس علطول، لما تحبى تدخلى المطبخ يا آنسة، ابقى اختارى حاجة على أدك.
ترقرقت الدموع بعينيها وهى تقول:.

خلاص خلصت؟، أيوة انا مبعرفش أطبخ وانت الأستاذ فى الطبيخ، شيف بجد، بس انا مش ذنبى ان ماما ماتت وانا صغيرة وملقتش حد يعلمنى او يشجعنى اتعلم، أنا، انا لما اخترت الاكلة دى، اخترتها عشان حسيت انك بتحبها والدليل على كدة انك كنت بتعملها يوميا من يوم ما جيت، وكنت بشوفك وانت بتعملها، الظاهر كنت غلطانة بس شكرا على نصايح الطبخ اللى اديتهالى، اكيد مش هنساها، عن اذنك.

أحس ظافر بالذنب يأكل قلبه، بعد كل ما بذلته من جهد لتمريضه، بل انها حاولت ان تطهو وجبته المفضلة رغم جهلها بأمور الطبخ فلم تجنى منه سوى السخرية والتى احس بها قد ملأتها مرارة وحزنا، الى جانب وفاة والدتها وهى فى سن صغيرة، مثلما فقد والدته وافتقادها اياها كما ظهر جليا فى صوتها ليقول بنبرة آسفة:
أميرة، استنى.

توقفت اميرة بجمود اغمضت عينيها وهى تتساءل عن سر تسارع نبضات قلبها لنطقه اسمها مجردا على هذا النحو، اقترب منها فشعرت بخطواته المقتربة لتفتح عينيها وتحبس أنفاسها حتى توقف أمامها تماما وفى عينيه لمحت ندما وهو يقول:
انتى اكيد جعانة ومكلتيش حاجة من الصبح، يعنى، لو تسمحى أكمل أنا، ونتغدى مع بعض، على فكرة انا هحتاج مساعدتك لانى حاسس انى لسة تعبان، ها، ايه رأيك، هتساعدينى؟

نظرت الى عينيه تدرك ان كلماته تلك هى طريقته الوحيدة للاعتذار دون ان ينطق باللفظ، تشعر بالندم بين طيات تلك الكلمات وربما رغبة مستترة لتعليمها من خلال مساعدته فهو لا يبدو مريضا كما يدعى، لذا وجدت نفسها تبتسم رغما عنها وهى تقول:
هساعدك.

اومأ برأسه فى هدوء ليتجه نحو الموقد ينفض افكاره التى تمركزت كلها حول ابتسامتها والتى جعلت ملامحها جذابة للغاية، بل وخطرة ايضا على دقات قلبه، بينما نظرت اميرة فى إثره تحدث نفسها قائلة:
زى ما اتخيلتك تمام ياظافر، حنين وطيب وجواك حاجة حلوة، بس ياترى مين سوزان اللى غيرتك بالشكل ده، ياترى هعرف ولا هتفضل بالنسبة لى لغز مجهول؟

كانت فرح تدلف الى حجرة امانى قائلة بحيرة:
امانى امسك الشنطة دى ولا دى؟
لم تجيبها أمانى فأحست فرح انها لم تسمعها خاصة وهى تمسك هاتفها المحمول وتقرأ شيئا به بتركيز شديد، اقتربت منها فرح قائلة:
أمانى، مركزة فى ايه كدة؟
نظرت اليها امانى تدرك وجودها بالحجرة لأول مرة لتشير الى هاتفها قائلة:
فيه كاتبة اسمها شاهندة، منزلة خاطرة حسيتها بتتكلم عنى.
عقدت فرح حاجبيها قائلة:
فين دى، ورينى.

لتقرأ كلمات الخاطرة والتى تقول
《 زوجى حبيبى معشوقى الغالى..
لم أجد غيرك أسر له بمكنون حالى..
بالأمس اجتمعوا أحبتى يبغون سؤالى..
أمازلت مع طيفك ساهرة الليالى؟.
نعم أجبتهم فلا تظنون قلبى مذبذب..
فأنا أشعر بأنفاسه القريبة، برائحته المألوفة، تحتضن قلبى المعذب..
انه صديقى، رفيق عمرى، حبيبى المهذب..
لأدرك أن خلف سؤالهم وعد بحياة جديدة..
برجل آخر تجمعنى به أعواما عديدة..
يريدون أخذ عمرى وكل ذكرياتى السعيدة..

ويقولون مرحى، انها فكرة سديدة..
ألا يدركون أن قلبى أغلق على حبك أبوابه..
ألا يدركون أنك أول وآخر أحبابه..
وأن قلبى بعدك اعتزل الرجال وأعلن انسحابه..
واكتفى بطيفك بذكريات عشقك ملجأه وأصحابه..
حين يجتاحنى الشوق إليك تأتينى..
تضمنى تغمرنى بقوة وحنانك تسقينى..
تجتاحنى عشقا تسمعنى غزلا ألحانه تشجينى..
تحملنى ذكرياتك إلى عالمك تعوضنى غيابك وتكفينى..
واراك الثرى ولكنك فى القلب مازلت حيا..

أيريدون غيرك فى حياتى؟حقا أصابهم مسا قويا..
أبدا لن أسلم رايتى وأجعل قلبى شقيا..
فعلى الوعد أنا باقية حتى ألقاك فى جنة ربك رضيا، 》
ترقرقت الدموع بعيون فرح قائلة:
كأنك انتى اللى كاتباها.
تنهدت امانى قائلة:
فعلا.
لتمسح دموع عيونها الحبيسة بهما قبل أن تقول بمرح مصطنع:
النهاردة ممنوع الدموع، كنتى عايزة ايه بقى؟
قالت فرح وهى تمسح دموعها بدورها:
صحيح كنت هنسى، قوليلى، أمسك دى ولا دى؟

كانت تشير لها ان تختار ما بين حقيبتين احداهما فضية والاخرى زرقاء..
اشارت امانى الى الحقيبة الفضية قائلة:
دى هتليق أكتر.
أومأت أمانى برأسها موافقة ثم قالت بحيرة:
الا قوليلى ياامانى انا هاخد الحاجات اللى جيبناها معايا الحفلة؟
هزت امانى رأسها نفيا وهى تقول:
لا طبعا، لو بدر حس بغلطه وحب يرجعك هييجى لحد هنا وياخد حاجتك، مش عايزاكى تبانى مدلوقة عليه ياحاجة، مفهوم؟

هزت فرح رأسها وهى تخشى أن لا يشعر بدر بخطأه فى حقها، أن لا يرغب فى عودتها اليه، لتربت امانى على يدها قائلة:
اكيد هيحب يرجعك لحياته يا قلبى، انتى نعمة كبيرة اوى لو مخدش باله منها وحافظ عليها تبقى خسارة فيه.
ابتسمت فرح قائلة:
ربنا يخليكى لية ياامانى.
ابتسمت امانى قائلة:
ويخليكى لية يافرح، قومى بقى عشان نشوف ورانا ايه، الوقت بيجرى.
اومأت فرح برأسها وقلبها يدق مع مرور كل لحظة تقربها من رؤية زوجها.

قال بدر لجاد بحيرة:
ايه معنى كلامك ده؟
قال جاد بهدوء:
يعنى سمير صاحبى هيدور عليها بسرية تامة وبكرة بالكتير هيكون عارف مكانها.
قال بدر فى لهفة:
متأكد من الكلام ده؟
ابتسم جاد وهو يشعر بلهفة بدر ليقول:
سمير اشطر ظابط فى الداخلية وتحرى على مستوى عالى وعلى فكرة مشغول اوى بس هيدور عليها خدمة لية مش اكتر.
أومأ بدر برأسه قائلا:
تمام، أنا كدة اطمنت، ده...
قاطعه صوت فريدة وهى تقول باستنكار:.

انتوا لسة واقفين؟يلا ياأساتذة الضيوف على وصول، البسوا بسرعة.
التفتوا اليها سويا ليصفر بدر قائلا:
ايه الجمال ده يافيرى، انتى مبتكبريش أبدا؟
اقتربت منه فريدة تضربه بخفة على رأسه قائلة:
وعايزنى اكبر ليه ياواد انت، انا لسة فى عز شبابى ولا ايه ياجاد؟
ابتسم جاد قائلا:
طول عمرك قمر ياماما، ربنا يخليكى لينا.
ابتسمت بحنان قائلة:
ويخليكوا لية ياولادى
لتقول بصرامة:
يلا بقى على اوضكم البسوا، وبطلوا تضييع وقت.

قال بدر بمزاح:
يلا ياجاد، ماما قلبت.
ليسرعا الى حجراتهم فى مرح تتابعهم عينا فريدة التى ابتسمت قائلة:
ربنا يسعدكم ياولادى.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة