قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

كان جاد جالسا ومعه صوفيا فى ذلك المقهى القريب من مسكنه، حين ارتفع رنين جواله ليلتقطه وينظر الى الرقم المتصل به، ارتسمت على شفتيه ابتسامة واسعة وهو يجيب على جواله على الفور لتدرك صوفيا أن محدثته هى والدته فهو لا يبتسم هكذا لسواها، تبدلت ابتسامته لغضب غمر ملامحه وهو يقول بتلك اللهجة العامية المصرية والتى تجد صوفيا صعوبة فى متابعتها:
اهدى ياماما، وفهمينى بالراحة.
استمع اليها ليقول بحدة:.

يعنى ايه الكلام ده؟وازاى ده كله يحصل ومتقوليليش؟
استمع مجددا اليها ليغمض عينيه وهو يمسك ذلك الجسر مابين حاجبيه وتظهر ملامح الضيق على وجهه وهو يقول:
خلاص ياماما هاجى، لأ مش هستنى لأخر الشهر زى ما كنت ناوى، هخلص بس شوية حاجات هنا وهاجى على آخر الاسبوع بالكتير.
صمت لعدة لحظات يستمع الى والدته ليقول بعدها بحدة:
حفلة ايه بس ياماما؟وده وقته؟
استمع اليها مجددا ليزفر قائلا:.

خلاص فهمت، اعملى اللى يريحك، تمام، محمد رسول الله.
أغلق الهاتف ووضعه على الطاولة فى ضيق ليظهر عليه التفكير، قالت له صوفيا فى حيرة:
ماذا هناك ياجاد؟
نظر اليها جاد وكأنه يدرك وجودها الى جواره للمرة الأولى ليتنحنح قائلا:
احمم، لا شئ صوفيا، فقط بعض الظروف الطارئة لدى أسرتى والتى ستجبرنى على الغاء كل خططنا سويا وتضطرنى ايضا لتعجيل سفرى الى القاهرة.
ظهرت خيبة الأمل على وجهها لتقول بحزن:.

ولكننى قد جهزت نفسى للسفر معك الى نيس وقضاء تلك العطلة التى وعدتنى بها.
قال جاد فى ضيق:
أخبرتك صوفيا أنها ظروف طارئة، سأعوض لكى تلك الرحلة حين أعود، اعدك بذلك.

اضطرت صوفيا أن تظهر ابتسامة لجاد بينما تثور غضبا بداخلها، تلعن تلك الأسرة وظروفها الطارئة والتى أفسدت مخططاتها من أجل ان تجعل تلك العطلة نقطة تحول فى علاقتها مع جاد ولكن لا بأس، ستقوم بالتعويض عن تلك الرحلة حين يعود، فلقد وعدها جاد بالتعويض وجاد لا يخلف وعوده أبدا.

كان ظافر يقف امام النافذة يمسك كوبا من القهوة الساخنة، يتأمل ذلك المطر الذى يبدو انه لن يتوقف، ابتعد عن النافذة وتوجه الى المدفأة ليضع الكوب على سطحها ويمد يده اليها يستمد دفئها وهو شاردا فى أفكاره، يتساءل عن سر طلبه من أميرة المكوث فى منزله وعدم رغبته فى خروجها فى تلك العاصفة والتى لم تضرب المدينة مثلها منذ سنوات، ترى هل هو ضميره والذى يأبى ان يسمح بمقتل شابة مثلها عند خروجها فى تلك الظروف؟أم ان هناك دافعا خفيا لم يدرى كنهه أرادها بجواره، أمامه، هل هو جمالها؟بالطبع لا فمنذ متى يجذبه الجمال، كان هذا منذ زمن بعيد، ولكنه الآن أصبح محصنا ضد الجميلات. منذ ان خدعته احداهن، ترى هل السبب هى تلك الهالة من البراءة والتى تحيط بها؟

استبعد أيضا ذلك الاحتمال فقد تخفى خلف تلك الهالة البريئة نفسا سامة لا يراها، ولكنه يشك أيضا بامكانية ذلك، أم يكون السبب أنها احدى معجبات قلمه، هز كتفيه فى لا مبالاة فلديه العديد من المعجبات واللاتى لا يهتم لهن قيد أنملة، احتار فى سبب اهتمامه بها واعتذاره لها وهو الذى لم يعتذر لأحدهم من قبل، هل بات يخشى الوحدة وقد أصبحت هى انيسا له فى تلك الأيام الماضية؟ان كان كذلك فحقا قد أصابه الجنون، انتفض فجأة على صوت صرخة قوية آتية من حجرتها، توجه بسرعة الى تلك الحجرة تتسارع دقات قلبه فزعا، فتح الباب دون استئذان، ليجدها واقفة بجوار النافذة شاحبة الوجه، يبدو عليها امارات الرعب الشديد، نظرت اليه بصدمة حين وجدته أمامها، توجه اليها قائلا فى قلق:.

مالك ياأميرة، فيه ايه؟
لم تجيبه بل ظلت تنظر اليه بخوف، هزها بعنف قائلا:
انطقى وقولى مالك، حصل ايه ياأميرة؟
افاقت من صدمتها وهى تشير الى الحديقة قائلة برعب:
واحد كان واقف فى الجنينة وبيبصلى جامد واول ما صرخت هرب.

ترك كتفها وهو ينظر الى الحديقة بسرعة ثم يعود اليها، يدرك أنها ربما تهيأ لها مرأى ذلك الرجل خاصة وهو يشك بوجود أحدهم فى حديقة منزله فى هذا الجو العاصف، ولكن كان لابد وأن يتأكد فربما كان لصا او متشردا، قال بهدوء مخالفا لذلك القلق الذى سرى بشرايينه:
طب اهدى ياأميرة، أنا هشوف ده مين.
كان يتوجه الى الخارج حين أمسكت ذراعه بخوف قائلة:
انت رايح فين؟
أزال يدها التى تمسك بذراعه قائلا بهدوء:.

قلتلك هشوف مين اللى كان فى الجنينة و...
قاطعته قائلة برعب يظهر فى نبرات صوتها وملامحها وارتجافتها الجلية:
لأ متنزلش، ممكن يكون حرامى ومعاه سلاح ويقتلك.
انتابته الحيرة، يتساءل فى نفسه أتخشى عليه حقا؟بعد كل ما حدث بينهما؟ام انها تخشى وفاته على يد ذلك اللص ثم يحين الدور عليها؟كان الخيار الأخير هو الأرجح، ليقول لها بسخرية:.

متخافيش لو قتلنى مش هيقدر يدخل البيت لأن فيه جهاز أمان على أعلى مستوى، هخليكى تشغليه قبل ما اخرج ولو كل شئ تمام اقفليه من الزرار الأخضر اللى هوريهولك، أما بقى لو جرالى حاجة فمداخل البيت هتفضل متكهربة لغاية ما تكونى فى أمان و تقفلى الجهاز بنفسك.
لم تلاحظ سخريته وهى تقول فى قلق:
بردو متخرجش مادام البيت هيبقى امان، شغل الجهاز وخليك هنا، مفيش داعى تعرض حياتك للخطر.

نظر اليها فى حيرة، اذا هى تخشى فعلا عليه، قال فى تردد:
بس، لازم أخرج، انا، انا مش جبان عشان يبقى فيه حرامى برة بيتى واستخبى جواه.
قالت اميرة وقد بدأت دموعها تترقرق فى عينيها:
ده مش جبن، ده خوف على النفس.
قال فى هدوء:
قلتلك متقلقيش، انا كمان معايا سلاح، تعالى ورايا بقى عشان اوريكى الجهاز والزرار وألحق الحرامى.
ليستطرد قائلا بنفاذ صبر:
ده لو لسة موجود أصلا بعد الكلام ده كله.

سبقها لتتبعه مضطرة وهى تشعر بالقلق يغمرها، أحضر السلاح من مكتبه والذى ما ان رأته أميرة حتى انتفض قلبها رعبا، ولكنها تمالكت نفسها وهى تحاول التركيز على تعليمات ظافر وهو يخبرها كيف تشغل الجهاز وكيف توقفه، ثم غادر بهدوء لتشغل أميرة الجهاز وتقترب من النافذة بحذر دون أن تلمسها، تراه يخرج تحت تلك الأمطار الغزيرة، يتجول بحذر حتى ابتعد عن محيط نظرها ليختفى لعدة دقائق مروا عليها كالساعات، انتابها القلق وهى لا تراه يعود مجددا، ظنت أنه ربما قد أصابه مكروها ما وهى تجلس دون ان تفعل له شيئا، كادت أن توقف الجهاز وتخرج خلفه مجازفة بكل شئ، لتتذكر تحذيره الشديد لها بأن لا تفعل، اقتربت مجددا من النافذة لتمر بضع دقائق أخرى حتى رأته يعود سالما لتتهلل أساريرها وهو يشير اليها بايقاف الجهاز، أسرعت باغلاقه، ثم فتح الباب ليدلف الى المنزل بسرعة ويطمئنها بأنه لا أحد بالخارج، وأن عليها ان تصعد لغرفتها لتنال قسطا من الراحة بعد كل ذلك الخوف والقلق، أحست بالوهن بالفعل فاتجهت الى غرفتها حين استوقفها صوت سعاله، كادت أن تنصحه بتغيير ملابسه المبتلة على الفور ولكنها ما ان استدارت حتى رأته قد خلع كنزته المبتلة يتبعها بقميصه لتلتفت بسرعة وتنظر أمامها فى خجل لتزيد من سرعة خطواتها باتجاه حجرتها لتدلف اليها وتغلقها وهى ترتمى على سريرها، وتبتسم فى خجل لتخبئ رأسها بالوسادة وتغرق بعدها فى سبات عميق.

قالت فرح فى ضيق:
يعنى الناس كلها فى الجو ده تشرب سحلب سخن او كابتشينو بالرغوة وأنا أشرب الخلطة العجيبة دى؟
ضحكت أمانى ثم قالت:
متقلقيش هتدفيكى وهتحرق الدهون كمان، انتى شفتى خسرتى وزن أد ايه؟دى أعشاب طبيعية ياماما.
قالت فرح فى ضيق:
آه اضحكى انتى، ما انتى مبتشربيهاش زيى طول الوقت، طعمها وحش أوى ياأمانى.
ابتسمت امانى قائلة:.

بس النتيجة تستاهل يافروحة، يلا ياحبى استحملى شوية كمان، هانت انتى قربتى توصلى للوزن اللى احنا عايزينه.
ابتسمت فرح قائلة:
ما ده اللى مصبرنى يااختى، مع ان الجو ده كان عايز حاجات تانية أشربها وهتدفينى بردو، انتى شايفة الجو عامل ازاى؟
قالت امانى:
معاكى حق، جو مجاش من سنين، ياترى أميرة أخبارها ايه؟
قالت فرح:
مفيش اى اخبار وصلتك عنها؟
قالت امانى فى حزن:.

لأ مفيش، من يوم الحادثة مسمعتش عنها حاجة، خايفة بابا يكون وصلها وحابسها وعشان كدة مش قادرة توصلى، وخايفة تكون فى بيت الفيوم وفى الجو ده برده لوحدها.
قالت فرح:
انا عايزاكى متقلقيش، أميرة أكيد بخير، لو كان باباكى وصلها كانت هتقدر تتصرف وتوصلك ولو فى بيت الفيوم اكيد محجوزة بسبب الجو ده واول ما تخرج هتشترى فون وخط جديد وهتتصل بيكى، ولا ايه؟
بدا كلام فرح منطقيا لتقول بهدوء:.

معاكى حق، ربنا يطمنى عليها، بجد وحشنى صوتها.
ابتسمت فرح وهى تربت على يد أمانى قائلة:
عارفة ياأمانى وحاسة بيكى، ربنا يجمعكم قريب على خير يارب.
نظرت أمانى الى السماء قائلة برجاء:
يااارب.

قال معتز بنفاذ صبر:
والله يابابا أنا متأكد ان اميرة مش عند خالتها، خالتها ايه دى اللى طلعتلها فجأة، انا حاسس انها رافضانى وباباها بيأجل فى ميعاد الخطوبة والفرح عشان كدة.
نظر اليه محمود قائلا بهدوء:
وتفرق معاك؟
نظر اليه معتز بحيرة قائلا:
تقصد ايه يابابا؟
نهض محمود من مكانه ودار حول مكتبه ليجلس فى ذلك المقعد المواجه لابنه قائلا فى هدوء:.

اللى أقصده يامعتز انى أسالك، هيفرق معاك انها تتجوزك برضاها او غصب عنها؟
نظر اليه معتز للحظات يبدو عليه التفكير ليقول بعدها وقد قست عيناه:
لأ متفرقش، مش مهم عندى اتجوزها برضاها او غصب عنها، المهم اتجوزها وخلاص.
ثم مال على ابيه وهو يستطرد فى حقد:
انت متعرفش هى عملت فية أدام صحابى، ازاى تجاهلتنى ورفضتنى ادامهم وخليتهم كلهم يتريأوا علية، انا اقسمتلهم انها هتكون ملكى وانى انا اللى هضحك فى الاخر.

ابتسم محمود بارتياح ثم ربت على كتف ولده قائلا:
ابن ابوك يا معتز بصحيح.
لينهض ويتجه الى مكتبه يجلس على كرسيه قائلا:
وغلاوتك عندى أميرة هتكون ملكك تعمل فيها اللى انت عايزه، ولو عاصم بيأجل عشان هى رافضاك ففى الآخر هيجبرها، انت متعرفش عاصم قاسى ازاى ومبيرحمش، واللى بيخرج عن طوعه يبقى كتب نهايته بايده، انت متعرفش عمل ايه فى بنته الاولانية وجوزها اللى اتجوزته من وراه.
عقد معتز حاجبيه قائلا:
عمل ايه يابابا؟

أشار اليه محمود بيده قائلا:
الناس بتقول قتلهم ومحدش يعرف لغاية دلوقتى دفنهم فين، المهم انى مش عايزك تقلق، مادام عايز تتجوز أميرة يبقى هتتجوزها وخصوصا ان عاصم موافق على الجوازة دى.
التمعت عينا معتز بسعادة ثم مالبث ان عقد حاجبيه قائلا:
مقلتليش يابابا، انت ليه وافقت على جوازى من أميرة رغم انك عرفت ان باباها على وشك انه يعلن افلاسه. مش عوايدك يعنى؟
ابتسم محمود وهو يتراجع بظهره على الكرسى قائلا:.

أولا عشان انت ابنى الوحيد وطلباتك أوامر.
ابتسم معتز بينما استطرد محمود قائلا:
ثانيا بقى عشان اسم عاصم السلحدار، متستقلش بالاسم ده، مجرد ارتباط اسمى باسمه فى السوق هيعلى اسهم الشركة، غير انه هيفتحلى كل البيبان المقفولة، مجرد فترة هاخد فيها اللى انا عايزه من اسمه وانت تاخد اللى انت عايزه من بنته وخلاص فركش، وساعتها بقى يا سيدى هجوزك للى تليق بيك وبينا.

تراجع معتز بدوره فى كرسيه وابتسامة شيطانية ترتسم على وجهه تليق بابن شيطان بادله ابتسامته الشيطانية لتتحول الى ضحكة مقيتة تشاركا فيها سويا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة