قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الأول

رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الأول

رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الأول

جلست امانى فى شرفة منزلها تتأمل ذلك الفضاء الواسع الجميل، فشرفتها تطل على منظر البحر بأمواجه المتلاطمة، هى اختارت ذلك المنزل خصيصا من اجل ذلك البحر الذى يذكرها بزوجها، حبيبها الراحل بيجاد، كان لقاؤهما الأول على ذلك الشاطئ، تتذكر هذا اللقاء جيدا وكأنه فقط بالأمس، وكأن السنوات الخمس لم تمر عليها، كانت آنذاك فى الواحد والعشرين من عمرها وكانت تلهو مع شقيقتها الصغرى أميرة والتى تصغرها بعامين، تجريان على طول ذلك الشاطئ شبه المنعزل، تمرحان وتسرقان من الزمن سويعات قليلة بعيدا عن تحكمات والدهما وأوامره الصارمة.

(فلاش باك)
نادت أميرة أختها أمانى قائلة:
بس بقى كفاية كدة ياأمانى، احنا بعدنا أوى عن الحراس.
توقفت امانى عن الجرى وهى تلتفت إلى اختها قائلة فى سعادة:
وفيها ايه ياميرا؟خلينا نبعد كمان وكمان؟انتى مش مبسوطة؟
ابتسمت أميرة قائلة:
مبسوطة طبعا بس خايفة من بابا.
ابتسمت امانى قائلة فى سعادة:
متخافيش ياحبى، أنا كمان مبسوطة أوى، من زمان محستش ان الحياة حلوة كدة.
لتفتح ذراعيها على اتساعهما وهى تستطرد قائلة:.

نفسى احضن الدنيا كلها، نفسى ارقص، نفسى اغنى، نفسى آااااه...
قاطع كلماتها اصطدامها بحائط صلب لتلتفت بسرعة وتدرك ان هذا الحائط الصلب لم يكن سوى صدر رجل، رجل وسيم للغاية، بل هو اجمل رجل وقعت عليه عيناها بتلك العينين الرماديتين واللتان تلاقتا الآن بعينيها العسليتين لتشعر امانى برعشة هزت جسدها، تأمل صاحب العينين وجهها بإعجاب بينما تاهت أمانى فى ملامح وجهه ليقطع تواصلهما صوت أميرة التى قالت فى دهشة:.

مين ده يا امانى، تعرفيه؟
أفاقت أمانى من شرودها تتعجب مما يحدث لها، أصابها الخجل فها هى تتصرف كالمراهقات وهى العاقلة دوما، المتحكمة فى مشاعرها وردود افعالها، تأمل ذلك الغريب وجهها الذى زادته حمرة الخجل جمالا قبل ان يلتفت لأميرة قائلا:
بيجاد الدمرداش، مهندس، الحقيقة أنا معرفش أمانى..
ضغط على حروف اسمها وهو ينظر اليها لتزداد خجلا بينما عاد بنظراته الى اميرة قائلا بنفس الابتسامة:
بس أكيد حابب نتعرف.

ابتسمت أميرة قائلة بعفوية:
انا استغربت بردو انها واقفة معاك، أصلى عمرى ما شفت أمانى مع راجل تانى غير بابا.
قالت أمانى بنبرة تحذيرية من التمادى فى الافصاح بمعلومات عن حياتها لغريب عنها تماما:
أميرة، كفاية كدة، يلا بينا نمشى.

تأملتها اميرة بدهشة تتعجب من نبرتها الحازمة لتهز كتفيها بيأس حين واجهتها نظرات اختها الصارمة، القت الى بيجاد نظرة اعتذار وهى تتبع أمانى بخطوات حزينة، ابتعدوا قليلا لترضخ امانى لرغبة قوية اجتاحتها، رغبة فى الاستدارة مرة اخيرة لترى ذلك الرجل الذى أربك كيانها وجعلها اسيرة عينيه، لتستدير بالفعل وتجده مازال واقفا يتأملها باعجاب واضح واضعا يديه داخل جيب بنطاله، لتلتفت بسرعة ناظرة الى الأمام، تتقافز دقات قلبها بجنون وهى تسرع بخطواتها تشعر بالخجل لإدراكه اهتمامها به، وعندما عادت للمنزل حمدت ربها أن والدها ليس موجودا به، فهى غير مستعدة الآن للتحدث معه مطلقا، لتسرع الى غرفتها تطارد خيالها عيني بيجاد، تجعلها نظراتهم تذرع الحجرة ذهابا وإيابا وكأنها قطة على صفيح ساخن، لتغمض عينيها فترى وجهه أمامها، زفرت بقوة وهى تدرك أنها ستكون ليلة طويلة تطاردها فيها صورة ذلك الرجل الذى أسرها، انه بيجاد، بيجاد الدمرداش.

انتهى الفلاش باك
مدت أمانى يديها الى ذلك السلسال الذى يلتف حول عنقها لتمسك ذلك القلب وتفتحه فتظهر صورتها الى جانب صورة بيجاد، لمست وجهه بحنان قائلة:.

حتى اسمك شدنى ليك زى ما شدتنى نظرة عنيك، تانى يوم علطول مقدرتش أستنى، هربت من الكل، من أختى، ومن الحراس، وجيت جرى على هنا، على المكان اللى شفتك فيه أول مرة، ورغم انى كنت متأكدة انى مش هشوفك تانى وان لقانا كان صدفة مستحيل تتكرر، بس لقيت قلبى بيجيبنى للمكان ده، وقفت كتير أبص للبحر، أفتكر كل لحظة، كل نظرة، غمضت عينى وخدت نفس كبير وفجأة...
فلاش باك
، كنت متأكد انى هشوفك تانى.

فتحت أمانى عينيها بقوة، انه صوته، صوت من ملك أفكارها، انه بيجاد، التفتت بسرعة لتجده أمامها يتأملها بابتسامة خلابة، أطرقت برأسها فى خجل وكادت أن تمشى ولكن أوقفتها كلماته المتوسلة اليها وهو يقول بسرعة:
من فضلك متمشيش، صدقينى انا مش بتسلى والله، وعلى فكرة دى اول مرة اكلم فيها بنت بالشكل ده وعشان كدة تلاقينى متلخبط.
نظرت اليه بشك ليقول بحزم:.

والله العظيم دى الحقيقة، انا طول حياتى مكنتش بفكر غير فى دراستى وشغلى وبس، حياتى رسمت حدودها من زمان، لكن من ساعة ما جت عينك فى عينى انبارح وأنا حالى اتقلب، حسيت بحاجة عمرى ما حسيتها قبل كدة، ومن ساعة ما مشيتى وطيفك مبيفارقش خيالى، بقيت اعد الساعات عشان النهار يطلع وآجى لنفس المكان اللى شفتك فيه، كنت حاسس انى هشوفك تانى، لأن لقانا مكنش صدفة، كان قدر ياأمانى، واحساسى دلوقتى بيقولى ان مشاعرى ليها صدى جوة قلبك، صح ولا انا غلطان؟

كانت أمانى تستمع اليه بقلب متسارع الدقات، تدرك صدق كلماته وتشعر بنفس احساسهم، تتساءل هل هذا حبا من النظرة الاولى كما كانت تسمع من صديقاتها بالجامعة؟، طال الصمت بينهما ليطرق بيجاد برأسه قائلا بحزن:
الظاهر انى كنت غلطان، أنا آسف لو ضايقك كلامى، واوعدك مضايقكيش تانى، بعد اذنك.

التفت بيجاد مغادرا لتوقفه همسة أمانى بإسمه، أغمض عينيه يشعر بالأمل، ليفتحهما وهو يلتفت اليها ببطئ لتطرق برأسها خجلا من نظراته وهى تقول:
انت قلتلى انك مهندس، صح؟
ابتسم بسعادة قائلا بلهفة:
أيوة مهندس وبشتغل فى شركة مقاولات صغيرة بس حلمى افتح شركة لوحدى وبتعبى وبمجهودى تبقى اكبر شركة هندسية فى مصر كلها.
ليصمت للحظة قائلا بتردد:
بس ده معناه ان شريكة حياتى هتتعب معايا لغاية ما أقدر أوقف الشركة على رجليها.

رفعت عينيها اليه قائلة فى سرعة:
مش مهم التعب، مادام ده حلمك يبقى لازم تشاركك فيه.
ابتسم بحنان لتطرق برأسها مجددا فى خجل وهى تعض شفتيها بندم تلعن تسرعها ولسانها الذى سبق تفكيرها، ليميل قائلا بهمس:
أعتبر ده وعد؟
رفعت عينيها اليه قائلة فى حيرة:
وعد؟
ابتسم وهو يومئ برأسه قائلا:
وعد منك تبقى شريكة حياتى ياأمانى.
نظرت اليه بدهشة قائلة:
انت بتقول ايه؟احنا منعرفش بعض كويس عشان تطلب منى وعد زى ده.

اتسعت ابتسامته قائلا:
قلوبنا عرفت بعض، ارواحنا ياأمانى، كل واحد فينا من جواه حاسس انه لقى نصه التانى، توأم روحه، المشاعر اللى بتهز كيانا كل ما عيونا بتتقابل واللى محسيناش بيها غير مع بعض بتقول ان لقانا كان قدر، انى اتخلقت عشانك وانتى اتخلقتى عشانى.

نظرت اليه أمانى فى حيرة، قلبها يخبرها أنه على حق فى كل كلمة قالها ولكن عقلها يحذرها من مغبة ذلك الادراك ليفوز قلبها على عقلها وتبتسم فى خجل لتتسع ابتسامته فرحا ويمسك يدها بسعادة.
انتهى الفلاش باك
نظرت أمانى الى الصورة قائلة بحنان:.

ومن ساعتها ايدك مفارقتش ايدية، وفضلنا مع بعض، عشنا اجمل قصة حب ممكن يعيشوها اتنين، لغاية اليوم اللى قررت فيه تتقدملى، مش قادرة أنسى اليوم ده، كنت فرحانة اوى رغم قلقى، مستنية اللحظة اللى بابا هيندهلى فيها ويسألنى عن رأيى وساعتها ههز راسى بكسوف وأجرى على أوضتى ورغم انى كنت عارفة ان بابا قاسى وصعب بس متخيلتش رد فعله يكون كدة ولا اتصورت انه ممكن يعمل اللى عمله ده، هو ندهلى فعلا بس عشان يطردك ادامى، ويحذرنى انى افكر فيك او أقابلك تانى، وكان ده مستحيل يحصل، هربت من البيت واتجوزنا، عشنا اجمل ايام حياتنا، بعيد عن بابا وعن الدنيا كلها هنا فى اسكندرية، بس القدر كان ليه كلمة تانية، مش قادرة انسى اليوم اللى جالى فيه صاحبك عزيز وهو حزين ودموعه على خده وقاللى انك عملت حادثة وانك...

ازدردت لعابها بصعوبة ودموعها تترقرق بعينيها مستطردة:.

وانك مت، ورانى صورتك والدم مغرق وشك وجسمك، محستش بنفسى، لفنى السواد ولما فقت لقيتنى فى بيت بابا وعرفت من أميرة انى فضلت أسبوع فى غيبوبة وان كل اللى تعرفه عنك انهم دفنوك فى بلدك، حاولت أعرف بلدك دى فين معرفتش، مكنتش كلمتنى عنها قبل كدة أو سمعت منك حاجة تخصها، كل اللى كنت اعرفه انك عايش فى اسكندرية مع عمتك ولما اتوفت بقيت لوحدك، حتى فى الشركة قالولى ان مش موجود فى ملفك أى معلومات عن البلد دى، وبابا رفض يقوللى هى فين، عشت اسوأ أيام حياتى، غيابك عنى ومعاملة بابا القاسية كانوا فوق احتمالى، ولولا وجود أميرة و ذكرياتك كنت عملت فى نفسى حاجة، لغاية مالقيت بابا جاى بيقوللى ان شريكه عايز يتجوزنى، ثورت، غضبت، صرخت و فضل برضه مصمم، خفت منه، أصل انت متعرفش بابا ممكن يعمل ايه عشان يوصل للى هو عايزه، سحبت الفلوس اللى ماما كانت سايبهالى فى البنك وهربت، جيت على اسكندرية تانى، واشتريت البيت اللى قصاد مكانا اللى دايما كنا بنتقابل فيه، المكان اللى شهد على اول لحظة حب بينا، وعشت هنا مع ذكرياتنا، هى اللى بتصبرنى على بعادك، على وحدتى وحزنى فى غيابك، انا عارفة انى قلتلك الكلام ده كتير بس غصب عنى كل لما بتوحشنى بحب أكلمك وأفتكر معاك قصتنا، وحشتنى اوى ياحبيبى، وأميرة كمان وحشتنى بقالى خمس سنين ونص مشفتهاش، صحيح بكلمها علطول بس نفسى اشوفها، لولا خوفى ان بابا يعرف مكانى كنت جبتها تعيش معايا هنا، خايفة يحاول تانى يخلينى اتجوز وانا مستحيل أكون لغيرك، مستحيل حد تانى ياخد مكانك وده وعد منى ليك، هتفضل جوزى وحبيبى لغاية ما اقابلك فى الجنة باذن الله يابيجاد.

قبلت أمانى صورته بحنان ثم اغلقت القلب مجددا وتأملت محيطها لتشعر بالاختناق، نظرت الى الساعة لتجدها مازالت السادسة مساءا، لتقرر ان تخرج قليلا، ربما تذهب الى السينما لتحضر ذلك الفيلم الذى رأت اعلانه بالجريدة فبطله يشبه كثيرا زوجها الراحل، هى تريد فقط ما يشغل بالها عن التفكير، ما يشغلها عن ذلك الشعور المرير بالفقدان، تريد ضجيجا من حولها يلهيها عن ذكرياتها، فقط تريد الضجيج.

عقد عاصم حاجبيه قائلا بصرامة:
انتى اكيد اتجننتى، انتى عارفة انتى بترفضى مين؟
نظرت اليه أميرة قائلة بحزم:
أنا متجننتش و عارفة كويس أنا برفض مين، أنا برفض معتز السعيد، ابن صاحبك، أغنى أغنياء القاهرة..
لتقترب منه وهى تنظر الى عينيه بثبات قائلة:
برفض انسان أنانى ومغرور وفاكر ان اى واحدة فى الدنيا تتمناه وتتمنى تعيش تحت رجليه، برفض واحد فاكر انه ممكن يشترينى بالفلوس، برفض اعيش معاه حياة من غير مشاعر.

لتزداد نبرتها قوة وهى تقول بسخرية:
برفض اكرر تجربة أمى وأعيش مع واحد نسخة مصغرة منك.
صفعها عاصم بقوة وهو يهدر بغضب قائلا:
انتى بنت قليلة الأدب ومحتاجة تتربى من جديد، وأنا اللى هربيكى ياأميرة..
نظرت اليه تتجمع الدموع بعينيها تأبى السقوط، تحاول أميرة بكل قوة أن تتمالك نفسها حتى لا تبكى أمامه ويظهر ضعفها لتقول بمرارة:
انت مش ممكن تكون أب، ياريتنى هربت منك من زمان، زى امانى.

صفعها مرة اخرى بقوة أكبر وهو يقول بغضب:
متجيبيش اسمها على لسانك تانى، اسمها مش عايز أسمعه فى البيت ده، مفهوم؟واتفضلى اطلعى اوضتك، مش عايز أشوف وشك النهاردة..
طالعته بغضب حزين ليهدر بقوة قائلا:
امشى من أدامى ياأميرة ومتخلينيش أوريكى وشى التانى.

غادرت أميرة لتسرع الى غرفتها وقد بدأت دموعها بالانهمار بغزارة فلم تعد قادرة على كبحها اكثر من ذلك بينما تابعها عاصم بعيون غاضبة ليمسك هاتفه ويتصل برقم ما وما ان أجابه محدثه حتى قال فى حدة:
زودلى الحراسة على الفيلا، وأميرة هانم ممنوع تخرج من الفيلا لأى سبب من الأسباب لغاية ما أقول غير كدة، مفهوم ياربيع؟

لم ينتظر الاجابة ليغلق هاتفه بغضب وهو يتجه الى النافذة ينظر من خلالها الى ذلك الفضاء الفسيح بنظرات باردة، قاسية، تماما، كقلبه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة