قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا كابوس عشق للكاتبة شاهندة كاملة الفصل الثاني

نوفيلا كابوس عشق للكاتبة شاهندة كاملة الفصل الثاني

نوفيلا كابوس عشق للكاتبة شاهندة كاملة الفصل الثاني

كان( عاصى) يدور فى ردهة منزله بالمدينة، يفرك يداه بلهفة، فتلك الليلة قد انتظرها طويلا، طويلا جدا.

سنوات يحبها بصمت، يذوب فيها عشقا، حتى اعترف لها بحبه فأطربت قلبه بإعترافها ثم صارت خطيبته، والليلة، الليلة تحقق حلمه الذى راوده كثيرا حتى أصبح شغفه، فصار فى خلال الثلاثة أشهر المنصرمة يحلم بتلك الليلة يوميا، يتخيل ادق تفاصيلها، ليلة زفافه على عشقه.

كم كانت تشبه الملائكة فى هذا الفستان الأبيض فأخذت أنفاسه حرفيا، ثم أعادتها إليه حين تشابكت أصابعهما فلم يترك يدها طوال الحفل حتى حين أردن صديقاتها أن يأخذنها لترقص معهن، رفض وتمسك بها لترقص معه وحده، لايصدق أنها أصبحت ملكه، لا يريد التخلى عن الشيئ الوحيد الذى جعله يوقن أن زواجه منها حقيقة، لا حلم أو خيال، لمسة يداها.

أفاق من أفكاره على صوت باب حجرة نومهما يفتح وعشقه تطل أمامه بفستانها الأبيض، يظهر الخجل والتوتر على ملامحها، رفع حاجبيه بحيرة وهو يطالع ملامحها، يتساءل فى نفسه، لماذا لم تخلع عنها فستانها بعد وقد طردته حرفيا من الحجرة حتى تكون وحدها لتبدله؟

نفض أفكاره وهي تقترب منه بخطوات مرتبكة أثارت إضطرابه ولهفته حتى توقفت أمامه تماما لتقول متلعثمة بخجل ظهرت حمرته على وجنتيها وإمتد لبشرة جيدها البيضاء:
-لو سمحت، ممكن يعنى تفتحلى سوستة الفستان؟

لتستطرد بإحباط:
-بقالى نص ساعة بحاول أفتحها ومش عارفة.

إتسعت عيناها بشدة وضحكة رائعة إنطلقت من ثغر (عاصى)لتنفض دهشتها وهي تتيه فى ملامحه التى إزدادت وسامة ونواجزه تظهر تماما مع تلك الضحكة التى أطلقها، توقف عن الضحك وهو يطالع عيونها بنظرة جمعت بين العشق والمرح وهو يقول بمشاكسته التى اعتادتها منه:.

-ياشيخة خضتينى، وأنا اللى قلت إنك غيرتى رأيك وعايزة تلفى وترجعى على بيت أهلك، سوستة الفستان!اممم، طب ما كان من الأول، مش انتى اللى طردتينى برة الأوضة لما عرضت عليكى أفتحهالك.

ازدادت حمرة خجلها قائلة:
-كنت مكسوفة.

قال بمزاح وهو يرفع حاجبيه صعودا وهبوطا:
-ودلوقتى بطلنا كسوف؟

قالت بحنق:
-ماخلاص بقى يا عاصى، متزودهاش، أقولك أنا غلطانة اللى طلبت مساعدتك.

إلتفتت تنوى العودة إلى حجرتهما بغيظ ولكن أوقفها (عاصى)وهو يمسك بيدها، إلتفتت تطالعه بحنق مالبث أن زال تماما وهي ترى عيونه تشع بالحب وإبتسامة حانية على ثغره وهو يقول:
-خلاص ياستى متزعليش، والله بهزر معاكى.

طالعته بعتاب لا تحمله فى قلبها حقا فقد أزالت نظراته وهمساته كل الحنق من قلبها، ولم يبقى سوى العشق، عشقها لهذا الرجل.

مد (عاصى)يده يقرص وجنتها بحنان قائلا:
-فكيها بقى وورينى إبتسامة عشقي الحلوة.

تسللت البسمة إلى ثغرها، ليبتسم بدوره ثم يميل مقبلا جبينها متمهلا للحظات يستنشق فيها عبيرها الرائع قبل أن يبتعد رغما عنه، يديرها برقة يمسك خصلاتها البنية الناعمة، يبعدها على كتفها ويفتح سحاب فستانها وهو يأخذ نفسا عميقا يحاول أن يتمالك به نفسه وبشرتها الناعمة تداعب أصابعه، يشعر بإرتعاشتها.

إنتهى من مهمته التى يعدها أصعب من أي عملية جراحية قد قام بها، تمتمت (عشق)بكلمة شكر خافتة لم يسمعها وهو يحاول السيطرة على مشاعره كي لا يخيفها جموح تلك المشاعر، تقدمت بإتجاه باب حجرتهما يتابعها بعينين عاشقتين، توقفت للحظة قبل ان تدلف إلى الحجرة ورنت إليه بنظرة إحتار فى تفسيرها، هل هي دعوة منها له كي ينضم إليها فى التو واللحظة؟ أم هي نظرة عروس خجول تخشى القادم؟او ربما هي مزيج من الإثنين؟

لم يمنح نفسه الوقت الكافى لتحليل نظرتها وهو يتبعها إلى الحجرة بلهفة، فإن كانت دعوة منها فسيكون سعيدا لتلبيتها، وإن كانت نظرة عروس خجول تخشى القادم فسيكون أكثر من مستعد لدحض مخاوفها وتعليمها كل فنون العشق والغرام، يكاد يطير فرحا لإنها ستتعلمها على يده هو، دون غيره.

جلس بجوارها يتأملها بعشق، مر عام كامل منذ زواجهما ولم يمل مطلقا من تأمل جميلته النائمة، تحيطها هالة ملائكية تثير شغفه وتجعله راغبا طوال الوقت بالنظر إليها، يمنعه فى بعض الأحيان خجلها الفطري، يدرك أنه يثير توترها بتأمله لها، فيجد فى تأملها وهي نائمة الأريحية فى ذلك، إبتسم برقة وهو يمد يده يمررها على وجنتها بحنان، فتحت عيونها التى تغمره عسليتهما بمشاعر عاتية، إبتسمت بدورها قائلة بصوت مازال ناعسا:.

-إنت جيت ياحبيبى؟

رفع حاجبه الأيسر قائلا بمشاكسة:
-لأ لسة برة.

إعتدلت وهي تتمطى قليلا ثم نظرت إلى ساعة المنبه الموضوع على الكومود جوارها قبل أن تطالعه مجددا وهي تقول:
-صباحو خناق يا(عاصى)؟هتبطل تشاكسنى ولا نقلبها نكد و...

وضع يده على فمها وهو يقول بسرعة:
-لأ أبوس إيدك مش طالبة خناق خالص، أقولك، قومى إلبسى.

أزالت يده من على فمها وهي تعقد حاجبيها قائلة:
-هنروح فين؟

إبتسم وهو يقول:
-أخدتلك ميعاد مع دكتورة نوال.

إتسعت عيناها بسعادة لتنهض وتجلس القرفصاء تواجه (عاصى)قائلة بلهفة:
-بجد ياعاصى؟!طب إحلف.

إتسعت إبتسامته وهو يقول:
-والله ياقلب عاصى.

إحتضنته بسعادة فضمها إلى صدره بحنان، خرجت من بين ذراعيه تقبل وجنته قبل أن تقفز من السرير تتجه لتأخذ حماما وتستعد للخروج ليوقفها صوته محذرا:
-عشق.

إلتفتت تطالعه متوجسة، تخشى أن يكون قد بدل رأيه، ليستطرد قائلا:
-متنسيش تاكلى حاجة قبل ماننزل، مفهوم؟

إنفرجت أساريرها وهي تومئ برأسها فى سعادة مرددة:
-مفهوم ياحبيبى.

ثم بعثت له قبلة هوائية طائرة فإبتسم لها لتنطلق إلى الحمام بسرعة تغلقه خلفها بينما ظهر الإرتياح على ملامح (عاصى) يدرك من تلك السعادة التى اعتلت ملامح عشقه أنه كان صائبا فى قراره الذى إتخذه اليوم، لقد عارضها كثيرا عندما إقترحت عليه الذهاب للطبيبة من أجل تأخر إنجابهما، يخبرها مرارا أنه لم يمر على زواجهما سوى بضعة أشهر وأن الكثير من الأزواج لا ينجبون قبل مرور عام أو أكثر ولكن سكونها فى الأشهر الأخيرة وإختفاء لمعة عيونها ومرحها المعتاد أجبراه على الرضوخ أخيرا لطلبها، يأمل أن تكون زيارتهما تلك سببا لسعادتها وعودة البسمة إلى ثغرها، ولقد كان.

فرك وجهه بقوة قبل أن ينهض ليأخذ حماما بدوره فى الطابق الأرضي، يقاوم رغبة عميقة فى النوم، فقد ظل ساهرا طوال الليل بالمشفى ويحتاج حقا إلى الراحة ولكنه نفض إرهاقه وتعبه، فقط، من أجلها هي.

إقتربت (منال)من إبنتها التى جلست ترسم بعض الزهور الجديدة التى تفتحت فى حديقة منزلهما بالضيعة، لاحظت توقفها عن الرسم وشرودها، نادتها بصوت خافت، فأفاقت (عشق)من شرودها وهي تمسح تلك الدموع التى تسللت لوجنتيها، جلست (منال)إلى جوارها تربت على فخذها بحنان قائلة:
-مش كفاية بقى يابنتى؟مفيش ست تسيب بيتها وجوزها شهر بحاله وتقعد بعيدة عنه، كدة هتولدى مابينك وبينه الجفا.

أطرقت (عشق)برأسها قائلة:
-غصب عنى ياماما، تفتكرى إنى فرحانة ببعدى عنه؟طبعا لأ، بس أعصابى بقت تعبانة أوى وموتراه، عاصى أساس شغله الهدوء، مش عايزة أضره.

تنهدت والدتها قائلة:
-وتفتكرى ببعدك عنه مش ضراه، ده ياقلبى بقى حاله يغم، صوته، ملامحه، مش ده عاصى أبدا ولا...

نهضت (عشق)تقول بعصبية:
-أبوس إيدك ياماما كفاية، أنا فية اللى مكفيني ومش مستحملة.

أغروقت عيناها بالدموع وهي تستطرد قائلة:
-قلتلك غصب عنى، إحساسى بالعجز مموتني، مخلينى عايشة ومش عايشة، مبقتش بحس بفرح ولا بحزن، وكل كلمة عاصى بيقولها بتقف هنا...

أشارت إلى حلقها وهي تستطرد قائلة:
-هنا ياماما، كل يوم والتانى منكدة عليه وعاملاله مشكلة، وهو مستحمل وراضى، كرهت نفسى عشان تعباه ومبقتش قادرة أشوف وجعه اللى باين جوة عنيه عشانى، لو على عاصى أنا عارفة إن ميهموش نجيب طفل دلوقتى أو بعدين أو حتى منجيبش خالص، بس أنا يهمنى، نفسى أكون أم ياماما، فاهمانى؟

قالت (منال)بحزن:.

-فاهماكى ياحبيبتى ومقدرة اللى انتى فيه، بس هنعمل إيه كله قدر، قسمة ونصيب، الدكتورة قالت ان مفيش فيكم أي عيب وإن كل شيئ بأوان، يبقى ليه نعذب نفسنا ونعذب اللى بنحبهم معانا، انتى عارفة ان عاصى روحه فيكى وان بعدك عنه بيموته، بس هو صابر عشان خاطرك، عشان حس إن راحتك ساعتها فى البعد عنه، سابك تمشى ومفكرش فى نفسه، يبقى واجب عليكى تعملى زيه وتفكرى فيه هو وبس، عاصى طيب وابن حلال متخسريهوش يا عشق، الراجل الطيب لو زودتى عليه بيثور وساعتها ثورته هيكون ليها ضحايا وأول ضحاياه هيكون أقرب الناس ليه، انتى يابنت قلبى.

ظهر الخوف على ملامح (عشق)تخشى أن تكون والدتها محقة بل تدرك أنها على صواب، يجب أن تعود ل(عاصى)فلقد تحمل عنادها وعصبيتها بجلد، لم يفكر فى نفسه بل كان جل همه سعادتها هي، ولقد فكرت بأنانية، فكرت فى مشاعرها هي وشعورها بالألم لإنها السبب فى مايعانيه منها، هربت من إحساسها بالذنب تجاهه ولم تفكر به وبمشاعره وبوحدته دونها، لذا عليها أن تعود وتتقبل فكرة تأخر الإنجاب أو ربما عدم الإنجاب على الإطلاق.

شعرت بالإختناق وهي تتخيل نفسها دون أطفال إلى الأبد، تسارعت دقات قلبها وشحب وجهها وكل ماحولها يدور بسرعة قبل ان تسقط مغشيا عليها، وقد كان آخر ماسمعته هو صراخ والدتها بإسمها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة