نوفيلا غسق الأوس ( ليلة دافئة ) للكاتبة منال سالم الفصل الرابع
( الجزء السادس من ذئاب لا تعرف الحب )
حاولت بشتى الطرق أن تكبت أسئلتها بعد أن طلب منها تبديل ثيابها المنزلية بأخرى أنيقة، تصلح لسهرة ليلية من النوع الرومانسي، لهذا وقع الاختيار على ثوب طويل من اللون الأسود، أكمامه واسعة، تضيق عند الرسغين، وفتحته بالكاد تظهر عنقها، لكنها أخفت ما برز من بشرتها بحجاب رأسها النبيذي، بالطبع لم يكن لينتهي يومها الحافل هكذا؛ لكن فضولها تغلب عليها، وسألته وهي تضع قدماها في حذائها الأسود:
-رايحين فين دلوقتي؟
تابعها بنظراته وهي تعتدل في وقفتها، ثم ساعدها في ضبط طرف حجابها ليعيده للخلف، قبل أن يقول بصوته الهادئ:
-هنتعشى.
علقت بتلقائية:
-ما في أكل في البيت.
اعترض بلباقةٍ، وهو يتأكد من ضبط رابطة عنقه السوداء المطعمة بخطوط رمادية متدرجة في درجات لونها:
-لأ .. النهاردة يوم مميز، ولازم يبقى مختلف في كل حاجة.
طفرت الفرحة من نظراتها، وذلك ما كان ينشده، أن يجد السعادة على تعبيراتها. استقلا السيارة متجهين إلى مكان ليس ببعيد عن الفيلا، ضمن المنتجع المميز، مكان مخصص لصفوة المجتمع، لتناول الأطعمة العالمية والشهيرة، يُطلق عليه "البلازا"، وهو مصمم على هيئة سفينة مصنوعة من الزجاج، مكون من عدة طوابق، ومعظم بدنه ينغمر في مياه البحر، والحوائط زجاجية تمكن مرتادي المكان من التمتع بمنظر طبيعي فريد، حين تتعانق أمواج البحر، مع مقدمة البلازا. قام "أوس" بحجز الطابق العلوي بأكمله، ليحصل على خصوصية كاملة، لا يقاطعه فيها نظرات المتطفلين، ولا أعين المتلصصين. بمجرد أن وطأته، ارتكزت نظرات "تقى" على المياه المُضاءة من الخارج، ثم هتفت في إعجابٍ بائن أيضًا في نبرتها:
-المكان تصميمه حلو أوي.
وضع يده أعلى ظهرها ليقودها خلال سيرهما، وعقب عليها:
-بالنهار شكله أحلى..
ثم ثبت نظراته عليها، لم يكن بالمازح أبدًا، وقد اقترح عليها بجدية بحتة:
-لو عجبك أشتريهولك.
برقت نظراتها في ذهولٍ صادم، ثم اعترضت بشدة:
-لأ مش للدرجادي، ده باين غالي أوي.
تبينت مدى جديته، حين رد دون أن تطرف عيناه:
-مافيش حاجة تغلى عليكي، إنتي بس أطلبي.
خفق قلبها بقوةٍ، كانت متأكدة أنه لن يدخر ما في وسعه لإسعادها، وإن كان يقتضي ذلك إنفاق كامل ثروته عليها، وبلا ذرة ندمٍ واحدة، رمقته بنظرات مليئة بالاعتزاز والامتنان، بسمة رقيقة تزين بها ثغرها، لو لم تمر معه بكل تلك التجارب القاسية، لما عرفت الآن معنى السعادة الحقيقية! كان قادرًا على العطاء بشكلٍ يوازي نفس قدرته الرهيبة على الانتقام، وهي اختبرت معه الجانبين، وتعرف مدى المعاناة التي يخوضها لإبقاء الجانب الوحشي السيء كامنًا في الأعماق، ليظهر محبًا، لطيفًا، وهادئًا. قطعت تواصلها البصري معه فجأة، وقد جاء مدير المطعم للترحيب بهما باحترامٍ مبالغ فيه:
-أهلاً وسهلاً بالباشا .. نورتنا يا فندم.. اتفضلي يا هانم.. المكان كله محجوز لحضرتك، والـ staff منتظر أوامر معاليك عشان نبدأ.
هز رأسه في رضا وهو يرد:
-تمام.
همست "تقى" متسائلة في عدم تصديق:
-كل ده عشاني؟
رد بنوعٍ من المدح:
-يا ريت يكون عجب تلميذتي المتفوقة.
قالت بتنهيدة وهي تسبل عينيها نحوه:
-أنا أقل حاجة منك ترضيني.
تلك النظرة الخطيرة التي تفتنه وتُذهب عقله، كانت إحدى نقاط ضعفه، لها كل التأثير على بدنه. انخفضت يد "أوس" لتمسك بكفها، خلل أصابعه في يدها، وهتف قائلاً بصوتٍ عذب، لكنه خافت، لا يسمعه سواهما:
-كفاية وجودك في حياتي، مستعد أعمل أي حاجة عشان أشوف البصة دي في عينيكي.
من تلقاء نفسها اعترفت مجددًا، ودون الحاجة لأي مظاهر براقة، لتبوح بمشاعرها:
-أنا بأحبك.
أحنى رأسه عليها هامسًا لها بما يشبه التحذير:
-بالراحة عليا، في لحظة هاكنسل ده كله، وأخطفك من هنا.