رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الثاني عشر
شلت أطرافه وهو يرى المسبح بأكمله عبارة عن بركة من الدماء، ففي لمح البصر ألقى بجسده بداخل أحضان المياه بفزع يعتلي ملامح وجهه المتبلد بشعورٍ مختلف يحاوط قلبه تجاه هذا الرحيم الذي بات شخصٍ عزيز إليه، معحزة قلبت العدو لصديق بقدرةٍ قادر، بحث بالمياه بجنونٍ ليصرخ بلهفة وهو يسبح هنا وهناك:
رحيم!..
كبت أنفاسه ليغوص اسفل المياه بحثٍ عنه حتى كاد نفسه بالإختناق، صعد فوق سطح المياه بشراسةٍ وهو يزيل قطرات المياه التي تتساقط من خصلات شعره المتمرد على عينيه، فوجد منشفة مقدمة إليه، إتبع دربها ليجده يقف أمامه بثباته القاتل، يلوح له بذراعيه الحاملة للمنشفة بغمزة مكرٍ:
معتقدش إنك هتقدر تختبر العيال دي من غيري...
وقذف المنشفة بوجهه ثم جلس على المقعد الطويل مقابل المسبح الذي يحتوي على وحش مراد الثائر، جذب رحيم القهوة المقدمة من الخادم ليرتشفها ببرودٍ وهو يعود للهجته الساخرة:
فشلت في إختبار صغير هتعمل ايه مع العصابة اللي جوا دي!..
ألقي المنشفة بالمسبح وصعد الدرج المعدني المودي لمقعده ليقف أمامه بنظراتٍ مقبضة، فأنحنى ليكون مقابل عينيه، يرمقه بنظراتٍ شرسة، متحدية من يجلس أمامها بشجاعة وثقة بقدرات صاحبها القتالية:
حاول تلعب معايا مرة تانيه وصدقني هنسى فترة المصالحة الغبية دي وهعتبرك عدوي من أول وجديد...
لاحت على وجه رحيم بسمة غامضة، فوضع القهوة عن يديه ليشير له بثباتٍ :
وفر طاقتك يا مراد هتحتاجها بعدين..
كاد بأن يجيبه ولكن قطع مجلسهم ولوج حازم المفاجئ ليوجه حديثه لرحيم بأحترامٍ:
الطيارة جاهزة يا باشا وفي إنتظارك...
أومأ برأسه بهزة بسيطة ليغادر على الفور، رفع حاجبيه بدهشةٍ فقال بإستغراب:
طيارة أيه؟، أنت مسافر؟..
نهض عن مقعده ليقف مقابله قائلاً ببسمة وجدها الجوكر غريبة:
لما بنختار نعيش حياة من أول وجديد لازم نستغنى عن ذكريات الماضي، وللأسف ذكرياتي مكتوبة بحبر عميق مستحيل تتحذف بسهولة...
ضيق عينيه الزرقاء بذهولٍ مما يقال، فأشار له رحيم تجاه صدره العاري، لتلقط عدسته التشويهات التي تملأ جسده من الاعلى، أومأ برأسه بتفهمٍ فقال بأبتسامة مشرقة:
دا الصح يا رحيم...
ثم قال وهو المنشفة النظيفة الموضوعة على أحد المقاعد ليجفف جسده قائلاً بلهفةٍ:
هجي معاك مش هسيبك..
أجابه بنظراته الثابتة وقامته العريضة:
لا إنت هتكون هنا...
إنتصب بوقفته ليجيبه بتمردٍ:.
أنا مش مجبور أنفذ كلامك قولت هجي فدا قراري وملكش تتدخل فيه..
أفتر عن وجهه إبتسامة أفصحت عن نواجزه ليجيبه بهدوءٍ:
أنا مش بفرض عليك حاجة، أكيد هحب إنك تكون جانبي بس القصر محتاجاك أكتر، مني، مينفعش نختفي انا وأنت مرة واحدة وخاصة أن سليم مش فايق لمشاكل حد يكفي اللي هو فيه..
بهتت تعابير وجهه بغضبٍ:
هو اللي عايز يحط نفسه بالمشاكل دي..
أجابه وهو يتوجه للدخول لغرفته الخاصة المجاورة للمسبح:.
مشاكله خلاص إتحلت وبدون ما حد يتدخل..
لحق به ففتح الباب الزجاجي الفاصل بين الغرفة التي تعج متصفها بقاع المياه فتعطي منظر مبدع:
تقصد أيه؟.
فتح الخزانة الموضوعة بجانب الغرفة المرتبة بعناية لإستقبالٍ طارق له، دون اللجوء لجناحه الخاص، إنتقى بذلة رومادية اللون وضعها على الفراش ثم اغلق الخزانة عليه ليبدل ثيابه أولاً، فرد على سؤاله بهدوءٍ:
بنت عباس صفوان إتوفت في حادث النهاردة...
تملكه الذهول، فقال بتأثر:.
ربنا يرحمها..
فتح باب خزانته وخرج ليستكمل إرتداء ملابسه ثم صفف شعره وإرتدى ساعته الباهظة، ليشير له بساعديه:
خد بالك من الأوضاع هنا وبالذات من فارس و مروان..
رمقه بنظرة صلبة ليجيبه بلهجة رجولية حادة:
أكيد محدش مش هيخاف على عمره ويرتكب غلطة بوجودي..
بادله البسمة قائلاً بغموضٍ:
عظيم..
ثم إقترب ليهمسٍ بصوتٍ منخفض بعض الشيء:.
اللي ورا عمران هيأخد اول خطوة في غياب حد فينا فخد بالك كويس يا مراد، مفيش نملة تدخل المكان هنا من غير تفتيش خليك صاحي ومستعد، وقبل ما يفكر يعمل حاجة تكون أنت سابقه بعشر خطوات..
أشار له بثباتٍ فربت الأخر على كتفيه بقوةٍ، كتقدير لثقته الكبيرة به وبعقله الذكي، ثم تابع خطواته تجاه باب الخروج، فتح حازم باب سيارته سريعاً، فرفع رحيم عينيه بنظرةٍ أخيرة على نافذة غرفتها، وكأنه يودعها وداعٍ سري على أمل التخلص من بقايا الماضي، بعملية تجملية تخفي أثار العذاب الذي تلاقاه بالمعتقل اللعين، حرص على أن يتركه كعلامةٍ مواكدة له حينما يتسلل لقلبه بعض الرحمة ليمحو هفوات الماضي بظلاله السوداء، تذكره علامات جسده بما تعرض له فيتحول لما هو عليه، رحيم زيدان...
القدر يقطع جزء كبير من الواقع، فربما يكون قاسيا للبعض ومنصفا للبعض الأخر، عدد لا بأس به من الطبقة الراقية، يقفون حول القبر الصغير الذي لا يتعدى مقاسه المترين، حملها يامن وعينيه تنساب بالدمعات التي أفصحت عما يشعل قلبه الباكي، وداعه الأخير نظرة وهمسة بالرحمة لها، إنتصب بوقفته بصعوبةٍ بالغة وكف رفيق عمره يشدد من ضغطه على كتفيه، رفع عينيه بصعوبةٍ تجاه جان، فوقف جواره بصمتٍ يحجر بها آنينه الملتاع، أشخاصٍ يستقيمون بصفوفهم لتأدية واجب التعاذية، لم يفرق كثيراً بينهما فكان منحني الظهر، يضع يديه بأيدهم وعينيه موضوعة أرضاً، إنتبهت حواسه الخاملة لأخر صوتٍ توقع حضوره حينما إنطلق قائلاً:.
البقاء لله يا يامن، ربنا يصبرك ويرحمها..
رفع عينيه الثقيلة تجاه صاحب هذا الصوت ليشدد على كف يديه الموضوع بكفه ليردد بحزنٍ:
سليم!.
نبرته المنكسرة جعلت ملامحه تنكمش بتأثرٍ لما بدت عليه حالته، خرجت الكلمات متعثرة بحروفها وبها لمحة من التواسل:
سامحها يا سليم...
هز رأسه بتأكيد وهو يجيبه بتأثر:
سامحتها من غير ما تطلب، ربنا يغفرلها ويرحمها...
ثم شدد بكف يده اليسري على يديه بشفقة:
شد حيلك...
إكتفى بأيماءة بسيطة، ممتنة على عطفه بمسامحتها، مر سليم من أمامه ليتطلع للقبر الساكن بصمتٍ مخيف بنظرةٍ حزن، أين تلك الفتاة التي وقفت تتحداه وتتحدى علاقته الطيبة التي جمعته بمن عشقها حد الجنون، اليس هناك مجالٍ لتعلم بأن مثواها بيد خالقها!..
أتى ريان من بعده ليؤدي واجبه هو الأخر ثم لحق به بسيارته المنفردة وتبقى جان جوار رفيقه، رافضاً تركه بتلك الحالة...
ولج الرجل مهرولاً لغرفة رئيسه التي تعلو الطابق المسلح بأحدث الأسلحة النارية وكأن المبني على وشك محاربة عدوٍ شرس، وأي عدوٍ ذلك!، فالمحاصرة من قوات الشرطة أصعب علاقات العداء، فربما انت متطارد لأخر دولة بالعالمٍ، انهى الدرج بخطاه السريع، واللهفة تكتسح معالم وجهه الأجرامي القبيح، كأنه حامل لأكسير الحياة لشخصٍ فارق الحياة، فتح الباب سريعاً ليندفع بصوته الحماسي:.
رحيم زيدان سافر ألمانيا عشان العملية، كدا الدنيا تمام ، نقدر نقتحم المخزن ونخرج عمران...
أجابه ذلك الشاب الذي يضع قدماً فوق الاخرى على الطاولة الموضوعة أسفل قدميه فتسد الرؤية عن وجهه:
و مراد!.
أجابه بلا إهتمام:
موجود بس المهم ان رحيم مش موجود..
رد عليه بضيقٍ غبي، مراد أخطر من رحيم الآتنين ألعن من بعض..
تساءل الرجل بخوفٍ من تعصبه الواضح:
هو عمران مبقاش يلزمك ولا أيه؟!
قالها هذا الشاب الغاضب، ذو الثلاثين عاماً وهو ينهض عن مقعده، ليجيبه بعينينٍ رائقتين وكأنه بسهرةٍ محببة لقلبه:
لسه هلعب بيه أخر كارت...
ثم قال ببسمة خبيثة لعلمه بما يكنه هذا الرجل من ولاء تجاه عمران اللعين:
متقلقش عمران هيخرج من مخازن رحيم زيدان وبدون ما حد يتعرضله...
ضيق الرجل عينيه بإستغرابٍ:
إزاي دا...
جذب غيلونه ليشعله وهو يتنفث دخانه ليجيبه بفحيحٍ خبيث وبسمة شيطانية:
إبنه اللي هيخرجه...
إنطلقت عاصفة قوية للغاية، مزقت السماء لتصطحب أمطاراً رعدية مزلزلة، تحول وجهه تجاه النافذة المتهالكة ليرددٍ بوعيدٍ مخيف:
رحيم زيدان ركز في عدواته مع مراد ونسى عدوه الحقيقي...
وببسمة من عتبة الجحيم استكمل:
عدو إستغل إنشغاله بعدواته وإنتقم منه على البطيء، ضربة عمره ما هيتوقعها، هتكون نهاية ليه...
وإلقى غيلونه على الأريكة بنظراتٍ إكتسبت مزيد من الغضب المزلزل لأرجاء مملكة رحيم زيدان!.
شعر بشيءٍ غريب يداهم تفكيره الغريب، فمنذ الفترة الماضية وهو لا يكاد لا يراه سوى بالصدفة، يعود بوقتٍ متأخر للغاية ولا يشعر به سزى بالصباح حينما يجدها غافل جواره، عبث فارس بوجهه بإستياء وهو بجاهد شعوره بالصداقة والمسؤولية تجاهه؛ ولكنه فشل بالتحكم بذاته اكثر من ذلك، وكأنه كان يود تحقيق أمنية وتحققت بدخول مروان ، فأندفع بالحديث بصورةٍ مضحكة والأخر يتطلع له بصدمةٍ:.
أنت كنت فين؟ ، وبقالك فترة بترجعلي وش الصبح ليه، تكونش بتتخانق تاني مع العيال دي من ورايا!..
بسمة واجمة رسمت على ثغره وهو يحاول إستيعاب ما يحدث، فقطع حديثه بعبارته الساخرة:
إهدي على نفسك يا حبيبتي عشان اللي في بطنك...
ثم قال بصوته الخشن:
تكونش أنت مراتي وأنا مش واخد بالي!..
تهجمت ملامح وجهه بحدةٍ من كلماته الساخرة، فنهض عن مقعده وتقدم ليقف أمام عينيه، يحك طرف أنفه بسيطرة عظيمة على أعصابه فشلت حينما جذبه من مقدمة قميصه ليطرق على كتفيه بغضبٍ:
والنبي يا حبيبي لما تقف تكلمني تقف بإحترامك بدل ما أعلمك اللي اهلك معلمهوش ليك...
منحه نظرة عابرة، ليزن الأمور فهو بحالةٍ مزاجية جيدة وليس بحاجة للمشاجرة معه الآن، طافت على وجهه بسمة خبيثة لإستغلال مساعدته، فطوفه بذراعيه ليجبره على الجلوس على الأريكة قائلاً ببسمة واسعة:
هحترمك، ما أنا لازم أحترمك بالأجبار وخاصة في اللي عايزك فيه..
جلس فارس على الأريكة بدهشةٍ من تحوله الملحوظ، فتساءل بإستغرابٍ:
عايزني في أيه؟.
اجابه ببسمة هيام:
بصراحة كدا انا بحب وواقع لاخر أنفاسي، وسرقت..
جحظت عين فارس بصدمةٍ، فاستطرد مروان حديثه باستغرابٍ:
ايوه سرقت مش لأجلي لأجل أني أحققلها حلمها المكلف دا..
قال كلمته الأخيرة وهو يضع الورقة المطبوعة من أمامه، فوزع نظراته بينها وبين، ليرد عليه بسؤالٍ ساخر:
أنت حبيت الورقة ولا المشروع؟!.
إنكمش وجهه بغضبٍ، ليلكزه بقوة بصدره:
ما تلم نفسك يا جدع إنت الله..
لكمه فارس بضيقٍ من تطاوله فتحول الأمر لهجومي لينقد عليه مروان في موجة عاصفة من الشجار ادت لتمزق قميص فارس رغماً عنه، فتطلع فارس لقميصه بصدمة والأخر يبتلع ريقه بصعوبة من خروج الامر عن سيطرته، صرخ فارس به بصدمة:
أنت عارف القميص دا تمنه كام؟!.
أشار له بإرتباكٍ وهو يبتعد عنه لقراءة ما يجول بعينيه الشرسة:
لأ، ومش عايز اعرف..
تغلب عليه فارس ليصبح اعلاه، فمزق التيشرت الذي يرتديه بغضبٍ مثلما فعل به، في ذلك الوقت طرقت منة الباب حاملة دفترها الصغير كعادتها حينما يقف أمامها بعضٍ من المسائل الرياضية المعقدة، ففتحت الباب بعد أول طرقة لتتصنم محلها مما رأته، حتى سقط دفترها أرضاً، نقل فارس نظراته تجاهها ورفع مروان رأسه عن حافة الأريكة بصعوبة ليبتلع ريقه قائلاً بتوتر:
أوعي تفهمينا غلط...
وأشار بيديه تجاهه:
دا فارس بس كان آآآ...
بترت كلماته بصدمةٍ حينما هوت أرضاً فاقدة للوعي فتطلع تجاه فارس بنظرةٍ إدعت البراءة قدر المستطاع ولكن الأخر يصعب إيقافه عما يجول بخاطره!، فربما سيكون الخلاص بتدخل الجوكر المزعوم!.
خرجت حنين لشرفة القصر بضيقٍ يعصف بملامح وجهها الرقيق، مازالت الحيرة تتمكن منها، لمحتها سلمى فخرجت لتقف جوارها في محاولاتٍ لطيفة لمعرفة ما يضايقها، وبالطبع أخفت حنين إرتباكها بتغير أشجان الملحوظ وتبادلت أطراف الحديث الهادئ للتعرف عليها فهذة المرة الأولى التي تتجاذب أطراف الحديث معها...
أما ريم فحينما علمت من فاطمة وفاة هنا حزنت عليها؛ ولكن حزنها لم يزيح ما تشعر به من ألمٍ إخترق قلبها ليدعسه بقوةٍ فمن منا لا يرغب كونها أول وأخر من يلامسها عشق زوجها العاطفي، من منا تقبل بفتاة اخرى حتى وإن كانت مؤقتة لليلة واحدة؟!..
إنشغال جان مع صديقه منذ الصباح عرقل العمل لآدم الذي توالى العمل بشركاته منذ فترة قصيرة، فعمل اليوم بجدٍ كبير حتى غفل على مكتب جان من فرط مجهوده المبذول، لم يعد يشعر بعالمه من فرط تعبه حتى رنين هاتفه اصبح مفقود بالنسبة إليه...
بسيارة ريان...
كان يتوجه للعودة للقصر بعد أن إنهى واجبه تجاه يامن وعائلته، دق هاتفه لأكثر من مرة من رقمٍ مجهول، تعمد أن يتجاهله ببدء الأمر ظناً من كونه أحداً من الصحافة التي تلاحق عائلتهم بشكلٍ مستمر؛ ولكن مع رنينه المتواصل أجاب عليه ليوقف سيارته بعصبيةٍ كادت بإنقلابها، ليردد بغضبٍ جامح وهو يستمع للطرف الاخر:
بتقول أيه يا ####...
تألقت بفستانها الأسود الرقيق، وحجابها الأبيض الممزوج ببعضٍ الزهور السوداء، ثم هبطت لتتوجه للخروج من القصر بخطواتٍ حريصة للغاية، توقفت محلها بفزعٍ حينما وقف حازم من أمامها ليسألها بتهذب وعينيه موضوعة أرضاً:
على فين يا هانم؟.
إبتلعت شجن حلقها الجاف بصعوبةٍ، لتحاول الثبات قدر المستطاع:
بتسأل بصفتك أيه؟!.
أجابه ومازالت عينيه أرضاً:
أنا أسف بس دي تعليمات الباشا..
ردت عليه بغضبٍ مخبئ بلهجة ساخرة:.
وأيه هي تعليماته؟!.
قال بإحترامٍ، متجاهلاً إستهزائها بالحديث:
إني مفارقش حضرتك بره القصر، ودا لزيادة الآمان...
بدى الضيق على معالمها بصورةٍ ملحوظة، فقالت بثباتٍ مصطنع وهي تتوجه لسيارته:
هروح ل يوسف وبعدين هجيب حاجات خاصة من أي مول.
أسرع حازم ليفتح باب سيارته مؤمناً على حديثها:
تحت أمرك يا هانم...
صعدت لسيارته بتذمرٍ، فأخرجت هاتفها من حقيبة يدها لتضغط على لوحة المفاتيح، لتكتب رسالة مختصرة.
نص ساعة وهكون موجوة بالمكان اللي إتفقنا عليه...
دقائق معدودة ووصل أمام منزل أخيها، ففتح باب السيارة لتصعد للأعلى بتأففٍ من وجوده، طرقت بابه بطرقاتٍ منتظمة على عكس الإرتباك الذي يدور بداخلها، فتح يوسف الباب ليرددٍ بذهولٍ:
أشجان!..
ولجت للداخل، فجلست على أقرب مقعد بملامح متخشبة للغاية، أغلق الباب من خلفها ثم جذب أحد المقاعد ليضعه مقابلها، ليبدأ حديثه متسائلاً بإهتمامٍ:
في حاجة حصلت ولا ايه؟!.
أجابته بلهجة ثابتة متجمدة:
لا مفيش، أنا كنت خارجة أجيب حاجات وقولت أجي أطمن عليك وكويس إنك بخير...
ضيق عينيه بحيرةٍ، فقال بشكٍ:
رحيم زعلك في حاجة..
أفصح وجهها عن بسمة غامضة لتجيبه وهي تحمل حقيبتها:
رحيم زيدان مش شايف غير قوانينه يا يوسف لإنه بالنهاية ميقدرش يكون غير رحيم زيدان...
وفتحت باب المنزل لتتوجه للخروج فأوقفها بذهولٍ من زيارتها الغريبة وكلماتها الأغرب:
أنا ليه حاسس إن في حاجة فيكِ متغيرة..
أجابته ببسمةٍ ألم إخترقت وجهها الغامض:
كلنا لازم نتغير في يوم من الايام يا يوسف..
وهبطت للأسفل، لتصعد بالخلف بعد أن إستقبالها حازم بفتح باب السيارة، أغلقت نافذة السيارة لتتهرب من نظرات أخيها الذي يتابعها من أعلى شرفة منزله، تحرك حازم بسيارته للمكان الذي املته عليه فتوقف أمام أحد المولات الكبيرة، هبطت شجن ثم توجهت للداخل، فكاد بتتايعها لتشير له بحدةٍ:
قولتلك هجيب حاجات خاصة...
أومأ برأسه بتفهم ليشير لها بعينين تنظران للأسفل:
هكون بإنتظار حضرتك هنا..
تابعت طريقها لأحد محلات الملابس الخاصة حتى تهتدي عيناه الذي تراقبها، ثم خرجت من الباب الداخلي للمحل لتسلك طريقها لأحد المقاهي الداخلية، لتجده يجلس بإنتظارها، وما أن رأها حتى وقف ليستقبلها، إستقبلته ببسمةٍ مشرقة قائلة بشوقٍ غامض:
وحشتني أوي...!