رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل الثامن عشر
خرجت تترنح من داخل الحمام.. لا تصدق ما استنتجته منذ عدة ايّام و أكده لها الطبيب و ظلت لا تصدقه حتى هذه اللحظة..
تقدمت خطوات باتجاه فراشها لكنها شعرت بالدوار و كادت تسقط عندما مادت الأرض بها الا ان كفى زكريا القويتين تلقفتاها عندما دخل للغرفة على حين غرة و أسرع لنجدتها رفعها مسرعا باتجاه الفراش و ما ان هم بالاندفاع لإحضار الطبيب حتى همهمت معترضة و جذبته ليعاود الجلوس بجانبها من جديد..
أخذت تلتقط أنفاسها في تتابع و هي تنظر اليه في استكانة تربت على كفه تطمئنه انها بخير..
هتف زكريا في اضطراب: - لازما اجيب الداكتور يشوفك..
هزت رأسها نفيا و ابتسمت في سعادة و هي تقربه لتضم وجهه بين كفيها.. و قربت جبينه لشفتيها مقبلة إياه في عشق ثم ضمت راْسه لصدرها..
استكان في تعجب بين أحضانها و هو يستشعر قبلاتها الدافئة على جبينه..
رفع راْسه في تردد باتجاه نظراتها يود لو تطمئنه و تزيح ذاك القلق الذى يتسلل الى أعماقه بسرعة..
استشعرت هي ذلك التوتر البادى على محياه المحبب فمدت كفها و التقطت كفه السمراء تضعها على بطنها و تشير..
لم يستوعب ما تقصده او ربما لا قبل له ليتستنتج مقصدها.. اتسعت ابتسامتها لمرأى صدمته.. فأشارت بكفيها لبطنها و مثلت انها ستتكور و ضمت عضديها كأنها تحمل طفلا و تهدهده..
دمعت عيناه في سعادة غير مصدق.. و اندفع اليها ضاما إياها في فرحة غامرة اعتصرها بين ذراعيه مقبلا جبينها في حبور طاغ.. و همس بالحمد و الشكر لله و هي تبكى بين ذراعيه في وجل رافعة نظراتها للسماء شاكرة..
هتف الحاج مندور بنبرة غير مصدقة: - حامل.. زينة بنتى حااامل..!؟..
الف حمد وشكر ليك يا رب..
غامت عيناه بدموع فرحة و هو يفتح ذراعيه لاستقبال ابنته التي شاركته دموع فرحته و هي تلقى بنفسها في سعادة لأحضانه..
هتف حازم سعيدا بالخبر السار:- يعنى هيكون عندى اخ يا ماما زينة..!؟..
انفجر زكريا ضاحكاً: - يعنى هي اتچوزت ابوك بجت ماما و انا ابوك افضل زكريا.!؟
انفجر الجميع ضاحكين ليرد حازم: - حاضر يا زكريا.. هقولك يا بابا..
قهقه زكريا: - طب كتر خيرك و الله بصراحة معرفش أودى چمايلك فين..!؟..
و اه يا سيدى.. هياچيلك اخ او اخت..
هتف حازم معترضاً: - لااا..بنات لاا.. عايز ولد ألعب معاه..
قهقه الجميع ليرد زكريا: - اهو عشان لمضتك دى هيجيك بت..ايه رايك !؟..
انفجر حازم باكيا: - لااا.. عاايز واد ألعب معاااه..
ضحك الجميع على سذاجة حازم و كأن الأطفال بضائع معروضة في محل الألعاب ننتقيهم كما نحب و نرغب..
كان حمل زينة مستقرا لحد كبير مع بعض المحاذير..اتبعتها بحذافيرها و خاصة مع وجود الحاج مندور الذى كان يعد الأيام و الليالى حتى يهل حفيده الذى انتظره طويلا و لطالما دعا الله ليطيل في عمره حتى تتكحل عيناه برؤيته..
مرت أشهر الحمل على خير ما يرام لتأتى اللحظة الحاسمة..
اندفع زكريا بزوجته للمشفى المتفق على الوضع بها.. كان يروح و يجئ في قلق لا يستطيع تهدئته..
لقد دخلت لغرفة العمليات منذ ما يزيد عن الساعة و لكن لا جديد..ماذا يحدث بالداخل..؟؟!.. التوتر وصل به حد الجنون وهو يرى ممرضات تروح و تجئ لداخل غرفة العمليات حيث ترقد زينة و لا احد يطمئنه... و أخيرا خرجت إحداهن لتضع بين كفيه لفافة صغيرة تحمل ابنتهما..كانت قطعة مصغرة عن أمها..
نظر اليها في فرحة لكنها منقوصة لقلقه على أمها التي لم يطمئنه احد عليها حتى هذه اللحظة و أخيرا خرج الطبيب يتطلع لزكريا هاتفاً:- حضرتك جوزها مش كِده..!؟؟..
اكد زكريا في ذعر: - اه.. انا چوزها يا داكتور خير.. !؟.. هي كويسة..!؟..
اكد الطبيب: - هي للأسف ..
صرخ زكريا و قد ذابت مفاصله هلعا غير قادر على الوقوف من ذعره متذكرًا بدور: - مالها..ايه فيها..!؟..
أقر الطبيب: - للأسف بعض المضاعفات اثناء الولادة هاتضطرنا نشيل الرحم.. بس كان لازم ابلغك و اخد موافقتك..
صرخ زكريا مضطربا يهزه الذعر هزا:- اعمل اللى تجدر عليه يا داكتور.. بس هي تبجى كويسة.. اى حاچة بس تجوم بالسلامة.. اى حاچة ربنا يخليك.
ربت الطبيب على كتفه مطمئناً و هي يعود من جديد لداخل غرفة العمليات لينهار زكريا تماما على احد المقاعد القريبة من باب الغرفة يسند رأسه على احدى كفيه و ينظر لابنته بغصة و أخيرا نظر بعين دامعة للسماء متضرعا بقلبه:- ياااارب.. اجول ايه..!؟.. أسوى كيف.!؟..
ياارب مش جادر اجولها بس انت اعلم بيها..
يا رب.. جلبى معدش جادر.. انى معدتش جادر.. زكريا معدش جادر على وجع تانى.. يااارب..
و سالت دموع قلبه قبل عينيه..لا يعلم كم مر من الوقت و هو يناجى ربه..لينتفض اخيراً باتجاه الباب عندما رأى الطبيب خارجا..
و الذى ابتسم في وجه زكريا هاتفاً: - الحمد لله.. عدت على خير.. هاتبقى كويسة باذن الله.. بس لازم نخبى عليها موضوع إزالة الرحم ده شوية لحد ما تشد حيلها..
هتف زكريا غير مصدق: - يعنى هي بجت تمام كِده.. بجت بخير..!؟..
ابتسم الطبيب من جديد: - الحمد لله.. هاننقلها لاوضتها دلوقتى و هاتابعها و تبقى ذى الفل.. و مبروك عليك العروسة الصغيرة..
نظر اليها زكريا للمرة الثانية منذ وضعوها بين ذراعيه لكن تلك المرة بفرحة عارمة حامدا لله كثيرا..
اندفع ماجد ذو السبعة أعوام لمجلس جدته فضيلة فى قاعتها المفضلة يراها تجلس القرفصاء فوق احدى الأرائك تمسك بمسبحتها ذات الألف حبة تتمتم بالاستغفار حتى تأخذها سنة من نوم.. و تستفيق فجأة كما غفلت فجأة معاودة التسبيح من جديد.. ليهتف فى استكانة مصطنعة: - يعنى يا ستى حفظتى مهران القرآن.. و انا لاااه.. !؟..
هتفت الحاجة فضيلة: - مين جال كِده.. احفظك يا ماچد.. ده انت حبيبى.. اخر العنجود..
ابتسم ماجد فى شقاوة هاتفا: - طب ياللاه.. جولى و انا اجول وراكِ..
أكدت هى: - تماام..ياللاه ورايا..
و بدأت بالفعل تتلو بعض آيات من القران الكريم حتى راحت فى نعاسها المعتاد..
ابتسم ماجد فى سعادة و ما ان هم بالاندفاع خارجا ليلعب حتى استفاقت الحاجة فضيلة هاتفة: - رايح فين..!؟.. تعالى سمع يا واد
هتف ماجد مشاكسا: - خبر ايه يا ستى.. ما انا لسه مخلص تسميع.. انت نمتى تانى و لا ايه !؟..
هتفت الحاجة فضيلة نافية: - لااه.. ما نمتش يا جليل الأدب..
هتف ماجد بضيق: - طب اعمل ايه انا طيب.. اسمع تانى.. !؟..
أكدت الحاجة فضيلة: - اه.. سمع ياللاه..
ما ان هم ماجد بفتح فيه حتى راحت الحاجة فضيلة فى نوبة نعاسها السريعة من جديد..لينهض ماجد متسللا من خلف أريكتها ليخرج.. الا انها استيقظت
متلفتة حولها هاتفة فى ضيق: - وااه.. الواد سهانى و خرچ.. معچون بمية عفاريت..
قفز ماجد من خلف اريكتها هاتفا فى شقاوة: - انا أهو يا ستى..
لتنتفض هى مزعورة هاتفة فيه: - طيب يا ماچد.. و الله لأجول لأبوك لما ياجى.. و الله ليعلجك فى الشچرة اللى بره لحد لما يبان لك صحاب..
هتف ماجد مستعطفا: - و اهون عليكى يا ستى !؟.
هتفت الحاجة فضيلة بعد ان رق قلبها لاستعطافه:- لااه.. متهونش يا جلب ستك.. ده انت الغالى واد الغاليين.. بس بجولك ايه !؟.. لساتك معاك من البسكويت الطرى دِه اللى دوجتهونى عشية.. !؟..
أكد ماجد: -اه.. لسه معايا يا ستى..
امرته هاتفة: - طب اچرى هاتلى منيه أحسن انى نفسى فى حاچة حلوة..
اندفع ماجد مسرعا يحضره لها هاتفا قبل ان يغيب:- بس مش هتجولى لبابا حاچة مااشى.. !!؟
اكدت: - لااه.. مش هچول.. بس هاته انت.. اچرى..
لتغيب الحاجة فضيلة فى سباتها المفاجئ مرة اخرى..
اندفع زكريا بجوار السرير المدولب المدفوعة عليه زوجته زينة داخل أروقة المشفى.. يتطلع اليها في ذعر..هو يكره المستشفيات و كل ما يتصل بها وكان يتجنب الدخول اليها او التواجد فيها لأي سبب...
اخر مرة كان فيها داخل المشفى يجرى مضطربا بنفس ذاك المنظر المذعور يوم ولادة هدير منذ سبع سنوات.. و الان..
لا يعلم ما الذى حدث لزينة بالضبط.. فكل ما قصته رزقة عليه.. ان هدير كانت تخرج من حافلتها المدرسية و كعادتها المشاغبة بدلا من ان تدخل لبوابة الفيلا اندفعت في الاتجاه المضاد تعبر الشارع للجانب الاخر حيث احد بائعى الحلوى و الذى رغبت في الشراء منه تلك المصاصات ذات الألوان و الأشكال المختلفة التي تعشقها.. و في اثناء ذلك كانت زينة تنتظرها كعادتها في نافذة الطابق الثانى..
لتسمعها رزقة فجأة تصرخ عندما شاهدت هدير تعود ادراجها للفيلا بشكل غير محسوب و هناك سيارة قادمة في سرعة باتجاهها فما كان منها الا الصراخ.. و الهتاف باسم هدير..لتسقط فاقدة وعيها تساءل: - هل حقا زينة هتفت باسم ابنته..!؟
هل تكلمت اخيراً.. نطقت بعد كل تلك السنوات..!؟.. لا يدرى حقيقة ذلك..!؟..
و لا ثقة له في رواية رزقة.. و التي يعلم تماما مدى تركيزها المحدود.. و التي للأسف كانت الشاهد الوحيد على ما حدث..
لحظات و خرج الطبيب المعالج مطمئنا زكريا: - دى صدمة عادية.. متقلقش..هتاخد وقتها.. و خاصة ان بقالها سنين متكلمتش..
هتف زكريا مستوضحا: - يعنى هي هتبجى بخير..!؟..
أكد الطبيب رابتا على كتفه: - أكيد باْذن الله.. بس لازم دكتور متخصص يتابعها أفضل..
أكد زكريا بايماءة من رأسه..و هو يفتح باب غرفتها ليتقدم الى فراشها رابتا على رأسها في حنو.. متلهفا على استفاقتها ليتأكد انها بخير.. و ربما يستمع لصوتها الذى يشتاق لسماعه منذ سنوات..
دخل حمزة الى الإسطبل فى سعادة فأخيرا سيكون له فرسا باسمه.. فرسا خاصا به يحمل اسمه.. هكذا وعده عمه عاصم عندما ينجح فى الإعدادية و ها قد نجح بتفوق كعادته و الْيَوْمَ هو يوم انتقاء الجائزة. هدية النجاح.. فرسته الحبيبة التى حلم بها دوما..
جال بنظرة فى الإسطبل باحثا عنها حتى وقعت أنظاره عليها.. فرسة شامخة مشعة اللون كالعسل المصفى المخلوط بتبر الذهب.. كانت خلابة.. ذهبية.. هكذا قرر تسميتها.. اندفع فى اتجاهها يربت على عنقها الشامخ القوى كأى فرس عربى اصيل و أخرج من جيب جلبابه مكعبات من السكر ابتاعها خصيصا لأول لقاء بها.. دفع بقطع السكراليها و هو يهمس باسمها بجوار اذنيها و هى تنحنى تلتقط قطع السكر فى استمتاع صهلت الفرسة فى سعادة و كانما قد راق لها الاسم..
اسرجها بغية امتطائها قليلا حتى و لو داخل الإسطبل فعمه عاصم لم يسمح له بالخروج بها بعد.. انتهى من وضع السرج الفضى على ظهرها
ليزيدها فتنة.. و ما ان هم بالصعود على صهوتها حتى هتف صوت رقيق أسفل منه فى نبرة مترجية: - ممكن تخلينى أركبها يا حمزة..!؟..
نظر حمزة للأسفل منتفضا ليجد تسبيح ابنة عمته سهام.. تلك الصغيرة الشقية التي تبلغ السابعة من عمرها و التى لا يُرفض لها طلبا و الا ملأت الدنيا صياحا و ظلت تبكى حتى تحصل على مبتغاها.. كان لديها القدرة للبكاء بالساعات دون انقطاع و لا قبل لأحد على احتمال هذا العذاب.. لا تغرنه تلك النظرة البريئة المطلة الان من عينيها.. فهى نظرة توسل تأتى فى البداية قبل الرفض الذى يكون عاقبته وخيمة و يظهر ساعتها الوجه الاخر لتلك البراءة المزيفة..
هتف فيها حمزة: - لااااه.. مش هاينفع يا تسبيح.. انا لسه متعودتش على الفرسة و معرفلهاش.. و بعدين أنتِ ايه اللى جابك هنا من الأساس..!؟..
رفعت كتفيها بلامبالاة مجيبة: - كنت راچعة من المدرسة شوفتك داخل هنا.. رحت چيت وراك.. مش هتركبنى بجا.!؟.. باسل مش بيرضى.. و انت كمان يا حمزة..!!
و بدأت فى إطلاق شهقات خفيفة إيذانا ببدء وصلة البكاء المعتادة..
هتف فى ذعر: - لااه.. خلاص ما تبكيش.. انا هخليكى تركبيها بس تنزلى على
طوول.. اتفجنا..!؟..
سكتت شهقاتها فى التو و ابتسمت مؤكدة باهتزازات متتابعة من رأسها انها موافقة على اقتراحه..
جال حمزة ببصره فى المكان ليجد دلولا فى احد الأركان.. احضره على عجالة وضعه مقلوبا أسفل سرج الفرسة و طلب منها الوقوف عليه
وقفت بالفعل.. فأمرها بوضع قدمها داخل موضع القدم المدلى من السرج مع دفع جسدها لاعلى الفرس بمساعدته لتستقر على ظهرها ففعلت فى طاعة عمياء..
و اتبعت تعليماته بحذافيرها..لتجد نفسها و قد أصبحت على ظهر الفرس و نظرت من عليائها فى سعادة منقطعة النظير ابتسم هو لسعادتها و هتف أمرا: - ياللاه.. بكفياكى كِده.. هاتى يدك انزلك..
هتفت تسبيح فى رعونة: - لاااه..خلينى شوية و مدت يدها تلتقط لجام الفرس والتى تنبهت برفع رأسها عن جوال التبن الذى كانت تغرس فمها فيه و تحركت آذانها استشعارا لبدء نشاط ما منذ لمست يد تسبيح اللجام و الذى لسوء الحظ حاول حمزة ألتقاطه منها لمعرفته بخطورة العبث بلجام الفرس دون دراية لكن.. سبق السيف العزل.. واشرأبت عنق الفرس و صهلت لتندفع فى حماسة خارج الإسطبل و تسبيح تحاول التوازن على صهوتها مع صرخات حمزة و نداءاته و ركضه خلفها.. لكن.. لا فائدة اندفعت سندس لداخل السراىّ تلقى حقيبتها المدرسية فى حنق باكية مما استرعى انتباه زهرة التى توجهت اليها فى قلق هاتفة: - في ايه يا سندس..!؟.. بتعيطى كده ليه يا حبيبتى..!؟..
فتحت سندس كفيها ليظهر بينهما اساورها العزيزة عليها و قد تحطمت تماما.. تلك الأساور التى كانت تتباهى و تزهو بها فى سعادة لندرة الحصول على مثلهن..
فقد طلبتهن مخصوص من احدى صديقاتها التى كانت تسافر لأبيها احدى دول الخليج.. فتلك الأساور هى أساور هندية اصلية.. و هى تعشق الأساور بجنون..
و هى المفضلة لديها من بين تلك المجموعات التى تملكها. ولكم تعجب عاصم ابيها لحبها الشديد لارتداء الأساور من صغرها.. و طالما أكد انه يريدها ان ترتديهم من الذهب الخالص.. لكنها ترفض بشدة مكتفية بالأساور الخاصة بالزينة بألوانها المبهجة و صوت رنينها الأخاذ..
هتفت زهرة مؤنبة: - كام مرة قلت لك المدرسة مش مكان للبس الغوايش بتاعتك دى و انتِ مفيش فايدة.. برضه بتلبسيهم..
اهم اتكسروا..
رق قلب زهرة لبكاء ابنتها الحار فسألت مستفسرة: - بس اتكسروا ازاى..!؟..
هتفت سندس من بين دموعها: - مدرس العربى طلب منى أعراب جملة غلطت راح ضاربنى بالعصايا.. جت فى الغوايش و اتكسروا..
ضمتها زهرة هامسة: - طب خلاص..
متزعليش.. هنجيب لك غيرهم.. بس متلبسيهمش فى المدرسة مااشى.. !!..
ابتعدت سندس عن احضان أمها واضعة اساورها المكسورة على الطاولة فى حنق مندفعة للدرج: - مش هتلاقوا زيهم يا ماما.. دوول جايين من بره..
رن جرس التليفون.. فاتجهت زهرة للإجابة تشعر بالضيق لحال ابنتها و عشقها العجيب للاساور و التى ألقت نظرة على بقاياهم المحطمة على الطاولة قبل ان تنصرف للإجابة على الهاتف الذى يدوى رنينه بغرفة المكتب..
لم تكن زهرة تعلم أو حتى تدرك ان هناك من كان يستمع للحديث الدائر و دخل يجمع بقايا الأساور المحطمة يضعها فى جيب جِلْبابه و يخرج فى هدوء كما جاء...
صرخت سهام داخل رواق المشفى و هى تندفع الى الحجرة التى تضم ابنتها و الطبيب الذى يقوم بفحصها الان.. اندفعت تستند على ذراعى حسام زوجها الذى كان يقف مشدوها لا يعرف ما الذى يحدث بالضبط و خلفهما يقف عاصم فى حيرة لا يعرف ما عليه قوله.. صرخت فى جنون فى حمزة الذى كان يقف فى احد الأركان زائغ البصر لا يدرك ما عليه قوله أو فعله: - انت السبب..انت يا بن سليم السبب.. منك لله.. ذنبها فى رقبتك.. حرام عليك..
كانت تهزى بتلك الكلمات كالذى فقد عقله غير مدركة لأثر كلماتها فى نفس متلقيها.. هى مكلومة فى ابنتها و تريد ان تلقى اللوم على احدهم..
بكى حمزة.. ذاك الفتى الذى يعلم ان دموع الرجال عيبة كبيرة فى حقه..لكنه لم يحتمل اتهاماتها و بكى بدموع صامتة..
ربت عاصم على كتفه مطيبا خاطره.. و هامسا بالقرب من مسامعه عندما تأكد من ابتعاد سهام بعد ان جذبها حسام بعيدا عن حمزة محاولا تهدئتها حتى خروج الطبيب: - معَلش يا حمزة يا ولدى متاخدش على عمتك و كلامها.. من خوفها على بتها..
أومأ حمزة برأسه متفهما هامسا بصوت مختنق بالبكاء:- و الله يا عمى عاصم هى اللى ركبت الفرس و انا جلت لها تنزل مرضيتش و شدت لجام الفرسة فرمحت بيها و ملحجتهاش.. و لجيتها بعديها واجعة و رجليها منصابة..
ربت عاصم على كتف حمزة من جديد: - الغلطة مش غلطتك يا حمزة.. الغلطة غلطة الغفير الفجرى اللى جلت له يخلى باله عليك و انت بتختار فرسك.. كان فين ساعتها !؟...لو كان موچود مكنتش تسبيح دخلت الإسطبل من اساسه..
بكى حمزة من جديد: - انا مكنش جصدى اللى حصل لتسبيح دِه.. جول لعمتى سهام تسامحنى..
هم عاصم بإجابة الفتى و طمأنته الا ان باب الغرفة فُتح فجأة فانتفض الجميع عندما خرج الطبيب و اندفعوا كلهم نحوه فى لهفة ليكون عاصم السائل الاول: - خير يا داكتور..
طمنا..
هتف الطبيب بصوت يحاول ان يخفف عليهم الصدمة: - انا كان بوسعى أطمنكم.. بس الحالة صعبة و إصابة رجلها شديدة و لازم لها عملية حالا.. و بعدها ممكن نقرر..
لجمت الجميع الصدمة و لم يتفوه احدهم بكلمة و استفاقوا جميعا على سهام التى سقطت بين أيديهم فاقدة الوعى..
استفاقت من غيبوبتها التي تدخل اليها مرغمة بسبب تلك الأدوية و العقاقير التي تتناولها..
همست بصوت متحشرج واهن متقطع الأحرف: - هدير.. هدير..
اندفع اليها زكريا غير مصدق ينظر اليها و عينيه تكللها الدموع.. انها تتحدث بحق.. انها تسأل عن هدير..
همس متأثرا: - هدير بخير يا زينة.. و الله بخير.. و هجبها تشوفيها..
اومأت إيجابا و هي تمد كفها لوجهه المحبب لقلبها تملس على جانبه في شوق..
لتهمس بوهن: - زكريا..بحبك يا زكريا ابتسم في حبور و انحنى يقبل جبينها في شوق اليها.. و يرفع كفها الممدودة جواره ليقبل باطنه في سعادة لا توصف..
همست من جديد: - كنت واخدة عهد على نفسى.. اول كلمة أنطقها لو ربنا أراد و اتكلمت.. هي اسمك.. زكريا..
و اعادت نطقه من جديد في حبور..وهو ينظر لعمق عينيها الجوزيتين في عشق.. لتهمس من جديد متسائلة: - برضة لسه معرفتش انا مين يا زكريا..!؟..
ابتسم محركا رأسه في تأكيد على فشله الذريع في تذكر أين رأها و متى..!؟..
لتهمس هي: - انا البنت اللى انت أنقذتها من غلاسة الشباب على البحر.. و اللى وقفت تتنفض في خوف و مكنش في حاجة غير صوتك اللى حسسها بالأمان.. و اللى خلتها تقدر تقاوم لحد ما تقدر ترجع لطبيعتها..
شهق زكريا متذكرًا غير قادر على التفوه بحرف.. لا يصدق انها تلك الفتاة حقا..
اومأت برأسها إيجابا مستطردة: - انا حبيبتك قبل ما ترجع إسكندرية تانى و تنقذنى يوم ما جيت اتفرج على الفيلا.. حبيبتك قبلها بسنين.
مد كفه ليعيد خصلة متمردة من شعرها الى جانب وجهها ليبتسم متسائلا: - كيف..!؟..
من يوم الموقف ده على الشط و انا كل يوم امر من هناك.. اشوفك قاعد قصاد البحر.. أفضل قاعدة أبص لك من بعيد لحد لما تقوم تمشى..
كل يوم على كده..لحد لما جه يوم.. مشفتكيش على البحر تانى.. و فضل عندى أمل أسابيع انك راجع.. بس مرجعتش..لدرجة انى تعبت فترة بعدها.. و اليوم اللى شفتك فيه تانى و انت بتنفذنى في موقع البنّا.. ده كان اجمل يوم في عمرى.. لأنك رجعت.. ظهرت تانى في حياتى بعد ما كنت فاكرة انى مش هشوفك تانى أبدا..
انحنى في حب يلثم جبينها من جديد هامسا: -ده كان اسعد يوم في حياتى انا.. و النهاردة.. تانى اسعد يوم لانى سمعت صوتك.. صوتك اللى كان نفسى اسمعه من يوم ما عرفتك..
ابتسمت في حبور غير مصدقة انها اخيراً تتكلم اليه.. تحادثه.. منذ اللحظة لن تصمت أبدا.. ستظل تتكلم و تتكلم.
ستظل تبثه حبها و عشقها كلمات و كلمات لسنوات طويلة قادمة.... لتعوض كل ما فاتها وهى غارقة في دنيا الصمت..