رواية ملاذي للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الخامس
توقفت لحظه باستيعاب لتردف...
-حضرتك عارف اسمي ازاي...
ضحك بتوتر ليقول...
-وهل يخفي القمر!..
لوت ملامحها بتحذير قائله...
-نعم!
-اقصد اقول انك البنت الوحيدة في المكان عشان كده عرفت!..
-اه تمام، عن اذنك عشان عندي شغل!..
-اه طبعا اتفضلي اتفضلي...
توجهت جميله الي عبد الرحمن مباشرا تسرد عليه ما حدث للتو بينما لم تغفل عن انتباه محمد وانهاءه لمكالمته حتى يستمع اليها وهو يتابعهم عن كثب وبعيون تضيق كالقناص...
-بس كده حضرتك شايف اني اوفر و لا ايه يا استاذ عبد ال...!
قاطعها سريعا...
-خليها عبد الرحمن بس يا جميله انا 30 سنه مش 50 يا ماما...
ابتسمت بخجل لتردف...
-ماشي يا عبد الرحمن متزعلش...
وقف بابتسامه ليخبرها بانتظاره حتى يعود من مكتب ماجد ومتابعه الحديث و قد تعمد محمد صدمه بكتفه وهو يتجاوزه ونظر له بحنق وغضب، تنحنح عبد الرحمن ودلف بصمت...
ظلت نظراتها المتعجبة متعلقة بنظراته الغاضبة حتى اتي رجلين من امن الشركة بالأسفل اليها...
وقفت بالدفتر كالعصفورة بين رجلين كالثيران، تأخذ امضاءهم بالحضور قبل متابعه دوامهم!
مسح على وجهه بعنف وهو يجز على اسنانه، رجلا اخر يتجه اليها وسيكسر عظامه وليذهب عقله والجميع الي الجحيم...
رمشت حين علقت عيونه بها طويلا لتردف بازعاج وتوتر...
-ممكن تبطل تبصلي كده انت بتوترني!
-انتي معملتيش قهوه معاهم ليه؟
نظرت له بعدم فهم لتردف...
-نعم؟
-اشمعني انا معملتليش قهوه، ايه اتطرشتي دلوقتي!
زمت شفتيها بحنق لتردف...
-التعليمات بتقول القهوة للمدير وعبدالرحمن عشان محترم معايا مش للبودي جارد!
اعتدل بغيظ ليردف...
-بودي جارد! انا ضابط حضرتك متنفحتش انا 4 سنين في مرار عشان يتقالي بودي جارد انتي فاهمه، احنا قوات امن دولة!
لوت شفتيها بسخريه لتردف...
-حصلنا الشرف يا حااا ظابط حلو كده!..
ليردف بجديه وجمود...
-حلو جدا و اعقلي كلامك شويه معايا...
زفرت بحنق لتردف مدافعه...
-انت اللي بتتكلم معايا على فكره انا متكلمتش معاك اصلا يا باشمهندس!
-طبعا وانتي هتتكلمي مع مين ولا مين!
علت انفاسها بغيظ لتردف...
-قصدك ايه انا مسمحلكش!
-مش قصدي زفت حاجه بس خلي في بالك انك البنت الوحيده هنا وسط كل الرجاله دول يعني مياعتك دي متنفعش!
وضعت يدها على صدرها، عاده ظلت معها من الصغر لتتابعها انظاره مره اخري بحاجب مرفوع، ابعدت يدها سريعا بخجل وغضب لتردف...
-مياعه؟! انت ازاي تتجرأ!
قطع حديثهم دخول موظف اخر يطلب منها تغير وقت دوامه وهو يحاول لفت اهتمامها بمقوماته الجسدية وابتسامته المراهقة القبيحة...
بينما وقفت هي بكل برود وبلا مبالاة قبل ان تخبره بان عليها سؤال بديله اولا قبل الموافقة...
حبس محمد انفاسه بشده حتى صار وجهه مائل للاحمرار، نظر شزرا للاثنان ليقف مره واحده ويقترب خلفها...
تعلقت عيونه الخالية من المشاعر و المخيفة بهذا الشاب الذي فقد وجهه اللون وشحب لما راءه في عينيه من تحذير وبدون كلمه اخري او الحاح شكرها وهرع بعيدا...
استدارت وهي تلوي وجهها، رجال يتسببون بضغط الدم!
خرجت منها تأوه بسيط بخضه لحقته بسعلة عندما وجدته يقف كظلها...
لتردف بصوت قلق...
-احمممم نعم في حاجه؟
رمقها بحنق و ابتعد عنها وهو يزفر، توجه الي مقعده دون اي كلمه بينهم، هل يجوز صفعها وحبسها بذلك الارشيف حتى ينتهي الدوام؟!
انتهي الفلاش باااك...
-بس كده...
قالتها وهي تعقد ذراعيها ليهز رأسه و يتركها دون اي كلمه متجها الي غرفته بجوارها...
دبدبت بحنق وهي تزفر على وقاحته وتجاهله لتغلق الباب بعد ان جذبت حقيبتها...
-ايه الرخامه دي، انا غلطانه اني ضيعت وقتي معاه!..
زفرت بحنق لا تعرف كيف تتعامل مع تجاهله لتقرر اخذ حماما ساخنا لتستطيع التفكير في طريقه لهدم تلك القناعات واجباره على الاعتراف بحبها...
في بني سويف...
جلس عثمان يراقب فهد و حياة عن كثب، صحيح ان قرار والده قد ظلم فهد الا انه ببعاده ترك لهم تلك الفتاة تعيش بينهم كالتائهة طوال غيابه ليشفق عليها مؤخرا مستبدلا ما يكنه من غضب نحوها..
فقد نشأت فعليا في دارهم لتتحول من فتاة صغيره الي شابه جميله تسر الناظر اليها ولكنه استشعر وحده نظراتها عندما تراه و زوجته يضحكان ؛ لا شك ان أخيه الغبي يريد قتل نفسه بسلاحه بعد ان رأي طفلته المهملة وقد صارت انثي في غايه الجمال والعبث!
لطالما عبثت هي واخيه عمر كالأطفال وبرغم كبر سن الاثنان الا ان مزاحهم السمج لا يتوقف ولا يستطيع احد منهم حرمانها من ذلك الشعاع الضئيل في حياتها و تفرقتهم...
فصار عمر أخيها بل اقرب من اخيها الذي لم يسأل عنها مره او يعترض على مجري حياتها..
التمس لوالدها عذرا برغبته في الإسراع بزواجها فأخ كهذا لا يمكن الوثوق به ابدا...
نظر الي عيونها الحزينه لتعيده الي ما راه في نظراتها بالامس...
فلاش باك بالامس...
دلف الي والدته في غرفه الطبخ ليردف بفرحه...
-امي فهد راجع و والنهار الجديد ده بالكتير هيكون في حضنك!
شهقت والدته بفرحه وهي تطوق ابنها الاكبر تمسك اكتافه بقوه لتردف...
-جول والله يا ولدي!
-والله العظيم راجع...
نزلت دموعها سريعا بفرحه وهي تحتضنه وتقول بخفوت...
-الحمدلله اللي استجاب دعاتي، ربنا كريم!الحمد والشكر ليك يارب!..
تاه الاثنان في فرحتهم غير مبالين بتلك الشابة الجميلة التي تسمرت مكانها بعيون متسعه غير مصدقه لما سمعته...
زوجها عائد بالفعل! اخيرا بعد طول سنوات سيظهر مالكها في هذا المنزل التي تشعر فيه بخلو الذات وضعف القيمة!
المنزل الذي من المفترض ان تكون فيه زوجه الابن! سخرت بداخلها واين ذلك الابن؟! ابتعد لتبقي كالعبء على الجميع بينما يهرب هو منها ويستمتع بحياته!..
نظر لها عثمان بعد مده يتفحصها ولكنه لم يجد سوي الحزن والغضب في عيونها و ملامحها، اسرعت حياة بأبعاد عيونها عنه وحاولت الانشغال في اعمالها...
و داخلها يتمزق بصرخات غضب و فرحة في مزيح محير لا مثيل له...
فالأنثى داخلها مجروحة من هروبه منها، صحيح لن تنسي له موقفه ليله زفافهم و لكن الغياب طال فقد ظنت انه سيعود في الاجازات وانها ستأخذ عليه تدريجيا، وعندما طال الغياب ولم يأتي في الاجازات ظنت انه ينتظر حتى تكبر قليلا الا ان ذلك اليوم لم يأت و اصبحت مقتنعة انه يهرب من قباحتها ويكره المجيء حتى لا يراها...
اما الزوجه فهي مشتاقه لرجل احبته من اول نظره منذ ان كان يركض خلفهم بعصاه وهم اطفال وكان ومازال الرجل الوحيد في انظارها وكل حياتها...
ابتسما بمراره فياله من حب اخضعها لقبول مهزلة دامت 6 سنوات ترعرعت فيها تحت سقف بيته وبين اهله ولكن بدونه تماما كزهره بدون اوراق...
لا يواسيها سوي صورته و ذلك الجلباب الاسود الذي ارتداه ليله زفافهم...
عقلها وقلبها لم يتفهما الوضع ليتغلل هذا الحب بحق حين بلغت السادسة عشر من العمر اقتنعت حينها ان احلامها وانفاسها لا تخلو منه فهو يعيش كالشبح في خيالها واصبحت تعشق النوم حيث يأتيها ويزورها كل ليله في احلامها...
تركت مابيدها وهربت قبل ان تنفجر دموعها وتفضح شوقها لحب لم يتسنى لها اكتشاف خباياه!
نظرت والده عثمان اليه وتنهدت بحيرة لتردف...
-ادعي ربك يصلح حالهم بجي وافرح بيهم وبعيالهم...
هز عثمان رأسه وهو يرغب في اخبار والدته بنصيحتها حتى تستطيع اعادته فهي وحدها بقبولها تستطيع اعاده اخيه اليهم ولكنه خجل وقرر تأجيل الامر حتى عوده زوجته...
ركضت حياة وهي تحارب دموعها لتصطدم بعمر...
-يابت براحه هتقصفي رقبتك دي في مرة من مرات عبطك!.
مطت شفتيها لتردف...
-معلاااش...
قضب حاجبه باستغراب عندما رأي دموعها ليردف...
-بتبكي يا حياة؟ حصل ايه؟
هزت رأسها بنفي لتردف بخفوت...
-فهد راجع...
ارتسمت اسارير الفرح ببطء وبلا تصديق على وجهه ليمسك ذراعيها بصدمه...
-مين قالك، انتي متأكده يا حياة هو قالك؟!
ابعدت يده بحنق على غباءه لتردف...
-هيقولي ازاي يعني واني اعرف عنه حاجه من 6 سنين!
حك رأسه بعدم فهم ليردف...
-اومال، انا مش فاهم؟
-اوووف اخوك عثمان قال انه جاي وصلت كده!
-ايه المرار ديه ومالك قلبه خلقتك كده ؛ مش حبيب القلب ده اللي راجع بردك!
رمقته بغضب لتردف وهي تغادر الي غرفتها...
-لا حبيب ولا قريب وحسك عينك تقوله ايتها حاجه و الا ما عدتش اكلمك تاني يا عمر!
ضرب كف على كف عندما اغلقت باب الغرفه وهو يتعجب من تصرفات الاناث الم تبكي اليه ليالا طويله وتخبره انها قد تعطي احدي عيناها ليعود اليها!
تركها و اتجه الي اخيه ليعرف ما يدور حوله بالفعل...
لحق به وهو في طريقه خارج المطبخ فناداه سريعا...
-صحيح اللي سمعته ده، فهد راجع؟!
هز رأسه بابتسامه واسعه ليردف...
-ايوة يا عمر راجع، عايزك تستقبله اول ما يوصل واوعي تتأخر عليه، دي اخر فرصه عشان يرجع وسطينا، ولازم كلنا نحببه في مجيته دي...
رد عمر بسعادة...
-ربنا يهديه انا مش مصدق انه راجع بحق وحقيقي انا كنت فاقد الامل، انا كنت بتمني احول كليتي في القاهرة عشان اشوفه!..
اخذه عثمان من ذراعه ليردف بخفوت...
-عمر ركز معايا ابوس ايدك في اللي هقوله ديه، اني قلتله ان امك تعبانه شويه وهو هيجي...!
-هيجي غصب يعني!
-الله يهدك اقفل حنكك ده وركز معايا...
-اهاه..
وضع عمر يده على فمه بطفوليه ليستمع الي عثمان وخططه للجمع بين فهد وحياة...
ابتعد عنه عمر بابتسامه صفراء ليردف...
-لا والله بس كده! انتو ناوين على موتي، فهمني بس لاني هطق منكم!
لكزة عثمان بقسوة ليردف...
-وبعدهالك اومال، مش دي حياة اللي قرفنا بيها انت وعمايلكم السوده، و دلوقتي لما تحتاجك متوافقش!
ضرب عمر كف على كف ليردف بحنق...
-اني اهزر حاجه واني اروح اقولها لا مؤاخذه اتلحلحي عشان جوزك حاجه تانية خالص!
رفع عثمان حاجبه بغضب وتحذير بعيون حانقه ليردف بنبره صارمه...
-قسما بالله يا عمر لو ما اتصرفت في الموضوع ده لكون مدشدش نفوخك ايه رأيك بقا!
تأفف عمر وهو يلعن حياته وهؤلاء الاعداء المتجسدون في صورة اهله ليردف بحنق...
-طيب طيب هحاول!
ربت عثمان على ظهره بشيء من القوة التحذيرية ليتركه ويرحل...
-ده ايه المرار الطافح ده يا خواتي!
قالها وهو يتجه الي حياه و محاوله اخبارها بما يريده اخاه...
انتهي الفلاش باك...
في القاهره...
وقف يحادث بعض رجاله في الهاتف فقد اغضبته المودة التي تتحدث بها جميله عن عبدالرحمن والتي شاهد عليها بعينيه،
وضع الفرشاة في مكانها الخااص، فان اغضبه شئ فهو الاهمال وعدم ايجاد الاشياء بمكانها...
هدر بصوت حاد بقله صبر...
-انت تسمع الكلام يا ممدوح من غير أسئلة هجتمع بيكم كلكم في الفيلا اهم حاجه الشركة تتمسح بالكامل والامن يشد نفسه ماجد باشا مش هيدخل الشركة غير وانا متأكد ميه في المية ان المكان متأمن!
استمع الي الجهة الأخرى وهو يضع ملابس الجيم في المنشفة ويغسل يده بحرص ويجففها قبل ان يأخذ الجوال من بين كتفه و اذنه هاتفا بحنق..
-محدش غلط يا ممدوح اسمع الكلام من غير أسئلة لحد بكره يلا سلام، زفر بتعب وقرر اراحه جسده رن هاتفه من قبل حراسه البوابه ليلعن تحت انفاسه...
-ايوه معاك...
اعتدل بحده وملامحه تتقلص بغضب...
-دخله انا نازل حالا...
حضر وليد (اخيها الغير شقيق ) وزوجته الاء للاطمئنان على جميله، هبط بسرعه على الدرج ليجدها تركض امامه نحو الباب...
لابد انه قد اعلمها بحضوره فكر بغيظ، وليد هذا لغز بالنسبة له هو بحاجه الي حله قريبا، فهو يعلم تماما انه ليس اخيها!.
دلفت الاء راكضه نحوها تحتضنها بحب...
-ازيك يا جميله وحشتيني اوي...
احتضنتها جميله بدورها بحب لتردف...
-وانتو اكتر وحشتوووني اوي...
-وليد كان هيتجن قلنا لازم نيجي نطمن عليكي!