رواية مقبرة الحب الأول للكاتبة جيهان عيد الفصل الرابع والخمسون
قرر عبد الرحمن شراء بعض الهدايا لشقيقته قبل زيارتها، ظل يتجول بالسوق حتى اشترى ما يريده وعند خروجه رآها، جذب انتباهه ما تفعل، ولهفة الجميع والتفافهم حولها، لم يتطلع الى وجهها فقد كان لا ينظر إلى وجه أى إمرأة أبدا، أعجبته رائحة طعامها الذي تسلل من العلب، اقترب منها وفور اقترابه اعطته علبة طعام في حين بادرت إحدى مساعداتها باعطائه علبة صغيرة بها حلوى، أخذها منها وهو منكس الرأس ثم قال: بس أنا ممكن أكون ما استحقش أخدها، ويكون في غيرى أحق منى، ردت بعفوية دون أن تنظر له: خليها على الله، تركها عبد الرحمن واتجه إلى سيارته، الغريب أنه وجد السائق الخاص به معه علبة طعام أيضا، فتحها ويأكل منها بنهم، ضحك عبد الرحمن وقال: أنت عملت زيي وبلطجت على رزق الغلابة؟
السائق: لا أبدا والله، أنا قاعد في أمان الله مستنيك لقيت واحدة بتدينى العلبة دى من الشباك، وواحدة معاها ادتنى علبة تانية لسة ما فتحتهاش، بس شكلها فيها حلويات.
عبد الرحمن: أنا بقى اللى روحت طلبت منها.
السائق: غريبة أنت عمرك ما بتحب تأكل برة، وما بتاكلش إلا من إيد الحاجة.
عبد الرحمن: ريحة الأكل حلوة قوى ؛ حسيت إنه أكل بيتى.
السائق: هو فعلا كدة افتح ودوق، ده حتى اللحمة بلدى، أنا طول عمرى أسمع عن كرم الشراقوة لكن ما كنتش أعرف انهم كرما قوى كدة.
عبد الرحمن: الشرقية أهل الكرم دول فطروا القطر.
السائق: بعد اللى شوفته مصدق، اللى عجبنى إنها ست وبتعمل كدة.
عبد الرحمن: ربنا يبارك لها، صحيح الخير في أمتى ليوم القيامة.
حكى عبد الرحمن لأمه عن سيدة الخير التي رآها بالشرقية أهل الجود والكرم.
الأمم: ربنا يكرمها، باين عليها غنية قوى.
عبد الرحمن: أنا صحيح ما بصيتش في وشها بس من لبسها باين عليها عادية، حتى كانت جايبة الأكل في تروسيكل شكلها مأجراه.
الأم: ما يمكن مش هي اللى مكلفة وبتوزع بالنيابة عن حد.
عبد الرحمن: لا شكلها هي اللى عاملة الناس كانت بتدعى لها قوى، وشكلهم واخدين عليها، وفي ناس كانت بتطلب منها شغل.
الأم: متجوزة؟
عبد الرحمن: آه، وأنا باخد الأكل منها شوفت دبلة في ايدها الشمال، وبعدين بتسألى ليه؟ إحنا مش فقلنا الموضوع ده؟
ذاع صيت قناه اليوتيوب التي تقوم عزة بتقديم برامج الطبخ عليها وأصبحت حديث الجميع، ووصل عدد المشتركين عليها إلى أكثر من 2 مليون في خلال ثلاث سنوات فقط، بساطة عزة وبساطة الأطعمة التي تقدمها هي ما جعلت الإقبال عليها يتزايد، كانت تقدم أكلات عاديه، أكلات من التي تعد في البيوت كل يوم، أكلات الطبلية وليس أكلات الشوكة والسكينة، شعر الجميع أن عزة واحدة منهم، خرجت من بينهم وتقدم طعامهم لذا أحبوها وأحبوا كل ما تقدم.
العجيب أن عزة كانت متابعة للشيخ عبد الرحمن، كانت تتابعه وهي لا تعلم أنه كان زوج سميرة التي خربت بيتها وأنه الضحية الثانية لزوجها وعشيقته، وعندما رأته لم تعرفه فقد أعطته علبة الطعام ولم تنظر له.
أما الأغرب أن مخبوزات عزة وفطائرها أيضا كانت هي خير ما يعود به عبد الرحمن من الشرقية عند زيارة شقيقته، وهو أيضا لا يعلم أنها من صنع الضحية الثانية لزوجته وعشيقها.