رواية مقبرة الحب الأول للكاتبة جيهان عيد الفصل الخامس والأربعون
مديحة: في ناس قرايبى عندهم فرح قريب وراحوا يتفقوا مع شيف عشان يعمل لهم الأكل، الشيف طلب 5000 جنيه، وهما بصراحة مش عايزين يدفعوا المبلغ ده كله، إيه رأيك تعملى انتى الأكل وتاخذي 3000؟
عزة: أنا هاقدر؟
مديحه: أيوه، هتقدري، انتى أحسن من أحسن شيف ؛ وبعدين معاكى بنات بتساعدك.
سلوى: جربي.
عزة: يعني أجرب في الناس؟
منى: انتى قلقانة ليه؟ أنا دوقت أكلك أكتر من مرة أحسن من أكل المطاعم، اتكلى على الله جايز ده باب رزق واتفتح لك.
خاضت عزه التجربة ونجحت فيها نجاحا كبيرا، انبهر كل من تذوق طعامها، تكرر الأمر وأصبحت عزة تطلب بالاسم في إعداد طعام الأفراح والمناسبات.
اضطرت عزة إلى شراء أدوات خاصة وأوانى لإعداد الطعام، كما احتاجت إلى وسيلة تنقل بعد أن عانت من التنقل بسيارات الأجرة، استعانت بجلال شاب مكافح يمتلك تروسيكلا يعمل عليه في نقل البضائع، سبق وأستعانت به أكثر من مرة في نقل الخامات التي تحتاجها من الدقيق ولوازم المخبوزات الأخرى، التمست فيه الطيبة وحسن الخلق والأهم الأمانة وغض البصر، وكان توقعها في محله.
جلال شاب في نهاية الثلاثينات، مات والده وهو في الصف الثانى الاعدادى تاركا ورائه ثلاث فتيات يتيمات وجلال وأمه، ترك جلال تعليمه ليعمل وينفق على أسرته، استطاع بعد عناء شديد ومرور السنوات أن يتكفل بتعليمهن وتزويجهن، يتيم او يرعى يتيم هي كلمة السر التي تفتح قلب عزة لاى راغب عمل عندها، رعابة جلال لشقيقاته كانت التزكية الأولى لجلال عند عزة.
بعد زواج شقيقات جلال وجد أجمل سنوات عمره قد ولت، وكلما تقدم لفتاة رفضته بسبب كبر سنة وقلة امكانياته، أصبح جلال يقوم بتوصيل الطلبات لزبائن عزة، وتوصيل العدة المستخدمة في عمل الولائم بالمناسبات، طلبت منه عزة أن يكتفى بالعمل عندها على أن تعطيه راتبا عادلا فوافق، لأنه كثيرا ما كان يقف بالساعات بلا زبائن، بعد أن امتلأت الشوارع بأمثاله حتى ممن يحملون الشهادات ولا يجدون عملا.
حملت سميرة، استقبل عمر خبر حملها بفرحة شديدة وكأنه لم ينجب من قبل، زادت فرحته عندما علم أن المولود سيكون ذكرا، طلب من سميرة أن تقوم بعمل إجازة حتى لا ترهق نفسها لكنها رفضت، زاد التصاقه بها، وتدليله لها بشكل مبالغ فيه.
ظل عمر مواظبا على زيارة بناته في بداية زواجه، ثم انشغل عنهما خصوصا بعد حمل سميرة وأصبح يراهما مرة كل أسبوعين، ثم كل شهر، ثم تباعدت الزيارة وأصبحت كل شهرين، أما سميره فكانت لا تطلب رؤية أولادها أبدا، بل هم من كانوا يطلبون رؤيتها، كان عبد الرحمن يضطر إلى اللجوء الى أحد أشقائها يطلب منه أن توافق على رؤية أولادها حتى لا يؤثر غيابها على نفسيتهم، لكن فتورها في مقابلتهم جعلهم ينفرون منها ويبتعدون عنها ولا يطلبون رؤيتها مجددا، فقد بلغ بها الجحود منتهاه عندما حضروا لزيارتها في أحد الأيام شديدة الحرارة بناء على ميعاد مسبق هي من حددته، لكنها اعتذرت لانها على موعد لزياره الطبيب لمتابعه الحمل، وهنا أقسمت حبيبة الا تذهب ليارتها مره أخرى، باءت كل محاولات عبد الرحمن لإثناء ابنته عن قرارها بالفشل، هو أب ويعلم أن البنت تحتاج إلى أمها رغم كل شيء، خصوصا وأنها أصبحت مقبلة على مرحلة المراهقة.
وكما عامل عبد الرحمن سميرة بالمعروف طوال مدة زواجه منها، وكما فارقها بالمعروف، لم يسئ إليها أبدا بعد طلاقها منه، لم يذكرها بسوء أمام أولادها، بل كان يدافع عنها ويقول أنها لم تفعل شئ يغضب الله، تزوجت بشرع الله، هكذا الرجال.
حرصت عزة على زيارة نهلة وعلى أولاد شقيقتها عزيزة في بيت خالها، وفي آخر زيارة لاحظت عزة قلة اهتمام ابن خالها بهما وانشغال زوجته عنهما باولادها، فقررت استعادتهما وضمهما لحضانتها، وهنا شعرت براحة كبيرة. وبأن شقيقتها استراحت في قبرها.