رواية مقبرة الحب الأول للكاتبة جيهان عيد الفصل التاسع والثلاثون
أغلقت عزة الهاتف، وقالت: هو الدكتور قال اننى هاخرج النهاردة؟
منى: لا لازم تباتى عشان المتابعة.
عزة: وبعدين بقى؟ أعمل إيه؟ عمر هيودى البنات الشقة، مش هينفع يباتوا لوحدهم.
مديحة: أنا هاخدهم عندى.
سلوى: منى ومديحة هيروحوا وأنا هابات معاكى.
عزة: تعبتكوا معايا، سايبين بيوتكوا وطول النهار معايا.
مديحة: عيب الكلام ده يا عزة، أنا هاقوم أمشى، بعد شوية اتصلى ببناتك أول ما يروحوا قولى أروح أخدهم.
عزة: طب نادى لى أى ممرضة عايزة أروح أشوف ابنى.
مديحة: الدكتور قال ممنوع عليكى الحركة النهاردة، بكرة إن شاء الله نجى لك ونشوفه كلنا سوى.
استيقظت أم عبد الرحمن على صوت بكائه، كان الوقت فجرا احتضنته وظلت تطبطب عليه: يا حبيبى يا ابنى ربنا يحرق قلبها، قوم يا حبيبى صلى الفجر.
عبد الرحمن: ما نمتش طول الليل يا أمى، سكاكين في قلبى، الغدر وحش قوى يا امى، الخذلان وحش، أنا عامل زى التلميذ اللى زاكر كل دروسه وكان فاكر إنه هيطلع الأول ويكرموه، لقى نفسه ساقط.
أم عبد الرحمن: ربنا له حكمة في كدة، دى ما تستاهلش قلبك النضيف، ربنا شايل لك حاجة حلوة.
عبد الرحمن: خلاص يا أمى لا حلوة ولا وحشة، العوض على الله، أنا بس زعلان عشان ولادها.
الأم: وهي كانت عارفة حاجة عنهم؟ بكرة يتربوا أحسن من ما كانت هي موجودة.
عبد الرحمن: أنا خايف على نفسيتهم، اوعى يا أمى تقولى قدامهم أنها هتتجوز، أو أنها سابتهم عشان رجل تانى.
الأم: هو ده يا ابنى كلام يتقال؟
عبد الرحمن: أنا قايم أصلى.
حاول عبد الرحمن القيام لكنه سقط مصابا بالدوار.
وفى اليوم التالى ظلت عزة طوال اليوم بالمستشفى، طلبت رؤية ابنها أكثر من مرة، وفي كل مرة تتحجج صديقاتها بحجة مختلفة، وفي المساء قرر الأطباء خروجها، وهنا كان لابد من مصارحتها.
عزة: هو أنا هأخرج من غير ابنى؟
مديحة: عزة عايزة أقول لك على حاجة.
عزة بقلق: ابنى مات؟
مديحة: انتى مؤمنة يا عزة وربنا استرد وديعته.
عزة: أنا طول الليل أحلم إنى في المقابر، وإنى بأدفن حد مع أمى وأختى، وفي آخر حلم شوفت إنى بأدفن ابنى، لكن كنت بأكدب نفسى.
سلوى: وحدى الله يا عزة، ما حدش له في نفسه حاجة، وكلنا هنموت.
عزة: يعنى اتطلقت وابنى مات، ليه؟ أنا عملت إيه غلط؟ ده أنا كنت باقول ربنا عوضنى بيه.
مديحة: ما حدش عارف الخير فين؟ يمكن ربنا عمل كدة عشان حملك يبقى خفيف.
عزة: لكن أنا كنت عايزاه، ما كنتش عايزة ولادى يبقوا مقطوعين زيي، كان نفسى يبقى لهم أخ.
منى: لهم ربنا يا حبيبتى، المهم انتى بخير.
عزة وهي تبكى: لا أنا مش بخير، أنا جوايا خراب.
مديحة: ياللا يا عزة نروح.
عزة: هارجع بيتى من غير ابنى، الصبر من عندك يا رب، دفنتوه؟
مديحة: لسة، المستشفى كانت عايزة تطلع له شهادة ميلاد وشهادة وفاة، بس الدكتور عشان عارف ظروفك، قال خدوه ادفنوه بدون شهادة، لأن كان لازم والده يكون موجود، وإحنا معرفينه إنه مسافر، بس لازم تختارى له اسم.
عزة: عبد الرحمن.
جلست أم عبد الرحمن بجواره تطعمه بيدها، وكذلك شقيقاته كريمة وفاطمة.
كريمة: كدة تخضنا عليك
يا عبد الرحمن؟
عبد الرحمن: الحمد لله، ليه يا أمى جيبتيهم وعطلتيهم عن بيوتهم؟
فاطمة: هو إحنا عندنا أعز منك؟
عادت عزة للمنزل لاستكمال علاجها، بعد تحسن حالتها، وعندما عادت للعمل كان في انتظارها مفاجأة جديدة.
مرت الايام صعبة كئيبة على المجروحين لكنها مرت، ومنذ متى وهي تتوقف حدادا لجرح كبير، منذ متى توقفت الساعة احتراما لمصاب عظيم؟ نحن فقط من نظن هذا، نظن أن حياتنا توقفت أو ستتوقف بمغادرتهم، وأن قلوبنا ستتوقف عن النبض، لكننا وللعجب نحيى، نحيى حياة الأموات، تظل قلوبنا تدق لنتعذب، بينما يحيا قاتلونا في سلام، وايديهم ملطخة بدماء قلوبنا، أى قلوب تملكون؟ الله المستعان عما فلعتم وتفعلون.