رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد الفصل الرابع والثلاثون
الجزء الثاني من بنت القلب
نظرت إليه واختفت ابتسامتها قبل أن تقول بصوت شبه مرتفع:
- العهد الخامس .. جاري تنفيذه الآن
ابتعد قليلًا عنها ونظر إليها بقلق قائلًا:
- أنتِ بتقولي ايه ؟ أنتِ نيران ؟
ودت لو تستطيع إكمال هذا لكنها انفجرت في الضحك فرفع حاجبيه قائلًا:
- مقلب ! يابنتي سيبتِ ركبي حرام عليكِ والله..
خبطت بيدها على يدها الأخرى وهي تقلد صوته:
- أنتِ بتقولي ايه أنتِ نيران ! وربنا أنت مسخرة
هز رأسه وقال بتوعد:
- ماشي يا قلبي، وعد هردهالك .. وعد طيف دين عليه
رفعت إحدى حاجبيها وهي تقول مصححة:
- قصدك وعد الحر مش طيف
خلع التيشيرت الخاص به وهو يقول:
- ما أنا لسة خارج من السجن من شوية ماخرجناش برا الموضوع .. المهم هتتردلك يابنت السلاموني..
مر أسبوع كامل لم يحدث فيه شيئا جديد وفي صباح يوم جديد ارتدى «نائل» ملابسه واتجه إلى الشركة في أول يوم له بعد وفاة والدته، اتجه إلى مكتبه مباشرة وبدأ في متابعة عمله المتوقف كما خصص وقت لمعرفة ما دار خلال الأيام الماضية أثناء غيابه وأثناء اندماجه بالعمل فتحت «ياسمين» الباب دون أن تطرقه فانتبه لها ونهض وهو يقول:
- أنسة ياسمين ! اتفضلي اتفضلي..
نظرت إليه بتحدي وغضب قبل أن تقول بعدم رضا:
- سيادتك جيت وماعديتش على مكتبي ليه علشان أعرف ! عرفت من عم وحيد بالصدفة
جلس بهدوء واقتربت هي ثم توسطت خصرها بيديها منتظرة إجابته فردد:
- عادي يعني ماحبيتش أزعجك وبعدين جيت وبتابع كل حاجة أهو ولو كان في حاجة وقفت قدامي كنت هاجي أستفسر منك..
لوت ثغرها بضيق وتمنت لو تضربه الآن لكنها سرعان ما تركت المكان واتجهت إلى مكتبها مرة أخرى، تعجب من فعلتها وفكر للحظات هل ارتكب خطأ ؟ لم يجد إجابة فنهض من مكانه واتجه إلى مكتبها، طرق الباب ثم فتحه ودلف إلى الداخل، تعمدت عدم النظر له أو الاهتمام بوجوده فاقترب هو بهدوء قائلًا:
- بصي أنا مش شايف إني عملت حاجة غلط بس آسف لو كنت ضايقتك من غير قصد..
رفعت نظرها ورمقته بضيق قائلة:
- حضرتك مش مجرد شغال هنا في الشركة احنا ..
صمتت للحظات ثم تابعت:
- أنت غايب بقالك أسبوع يعني أقلها لما تيجي تعدي تطمن وتطمني ولا أنت لسة زعلان من اللي حصل مني قبل كدا لما كنت بزعقلك ؟
فكر قليلًا في كلامها ثم ابتسم وجلس على المقعد المقابل لها وهو يقول:
- أنا قلت قبل كدا إني مسامح وأكيد مش زعلان وأنا من النوع اللي لو زعلان من حد بيقول على طول لأن اللي في قلبي على لساني، معلش حقك عليا عندي أنا دي .. أنتِ عاملة ايه؟
رمقته بغضب ثم نظرت إلى جهاز الكمبيوتر الخاص بها وهي تقول:
- مالكش دعوة روح شوف شغلك..
ارتفع حاجباه بتعجب وقال بتلقائية:
- هنرجع لمعاملة زمان ولا ايه ! ما أنتِ كنتِ كويسة حصل ايه ؟
نظرت إليه بتحدي وأجابته:
- أصل في ناس مش بتحس
ابتسم مرة أخرى ولوى ثغره وهو يقول بترجي:
- علشان خاطري بلاش الوش ده بقى وحقك عليا..
ابتسمت بتلقائية لكنها سرعان ما أخفت تلك الابتسامة وقالت:
- خلاص سماح .. طمني أنت عامل ايه ويارا عاملة ايه ؟
- الحمدلله أنا بخير ويارا أختي برضه بخير وبتسلم عليكِ جدا
اعتدلت في جلستها ومالت إلى الأمام أكثر وهي تقول:
- سلملي عليها وقُل لها ياسمين قريب أوي هتعملك مفاجأة بس أنتِ اتجدعني وذاكري علشان الامتحانات قربت..
هز رأسه بالإيجاب وردد بهدوء:
- حاضر هوصلها السلام .. المهم أنتِ عاملة ايه وزين أخباره ايه؟
أجابته بسعادة:
- زين كويس وأنا زي ما أنت شايف كويسة أهو بس على فكرة غيابك طال، كتير أوي أسبوع ده أنا كان طالع عيني في الأسبوع ده، ده غير إن مفيش سكرتيرة والدنيا كانت في الضياع..
رفع حاجبيه بدهشة وقال بتلقائية:
- منا قلتلك اختاري منهم وأنتِ صممتي وقلتِ أنت اللي هتختار وبعدين بعد الظروف دي كان المفروض تختاري أنتِ وماتستنيش رأيي، عندك كل اللي اتقدم بالملفات بتاعتهم وكاتب عند كل حد منهم ملاحظات هتسهل اختيارك
لوت ثغرها وهي ترفع كتفيها قائلة:
- اللي حصل بقى المهم احنا فيها .. شوف هتختار مين وابعتلها على الايميل علشان تستلم شغلها من بكرا علشان الفترة الجاية عندنا شغل كتير أوي..
هز رأسه بالإيجاب ونهض من مكانه استعدادًا للرحيل لكنه تذكر شيئا وقال مسرعًا:
- صحيح سهى ايه اللي خلاها تاخد الإجازة الطويلة دي وايه برضه اللي خلاكِ تنزلي إعلان لسكرتيرة ! هي سهى استقالت ولا ايه؟
هزت رأسها بالنفي وأجابته:
- سهى خدت الإجازة ومااتواصلتش تاني ومن ساعتها موبايلها مقفول وده اللي خلاني أنشر الإعلان
وقف للحظات ليفكر في الأمر قبل أن يقول:
- معاكِ العنوان بتاعها !
رفعت إحدى حاجبيها بتعجب قبل أن تقول متسائلة:
- عايز عنوانها ليه ؟
جلس مرة أخرى وقال بتلقائية:
- علشان نطمئن عليها .. أكيد حصلت حاجة منعتها تبجي أو في كرب ويمكن لو سألنا وعرفنا نقدر نساعدها .. ده اقتراحي لو مش عايزة خلاص
فكرت لثوانٍ في ما قاله ثم رفعت رأسها وقالت بابتسامة:
- معايا العنوان .. بعد الشغل هنروح أنا وأنت نطمئن عليها مع إن دي أول مرة تحصل إن مدير شركة يروح يتطمن على موظفين بس فعلا ممكن يكون عندها مشكلة ومرواحنا ليها يساعدها..
ابتسم لها ونهض من مكانه وهو يقول:
- خلاص اتفقنا، أنا هروح أكمل بقى الشغل اللي ناقص وأشوف هختار مين قبل الضهر ولو في حاجة بلغيني على طول
هزت رأسها بابتسامة:
- إن شاء الله
استيقظت من نومها فوجدته يدخل غرفتها وهو يحمل الطعام، تقدم ووضعه أمامها ثم طبع قبلة على جبينها وهو يقول بحب:
- صباح الخير على أحلى آسيا في الكون كله
ابتسمت بحب وشعرت أنها في حلم ولا تريد الاستيقاظ منه، شردت للحظات فصاح هو:
- يلا يا حبيبتي الفطار جاهز، أنا قمت بدري مخصوص علشان أحضره .. شوفتِ بقى بحبك ازاي ؟
نهضت من مكانها واقتربت منه أكثر وهي تقول بحب:
- أنا عارفة يا حبيبي إنك بتحبني وأنا كمان بحبك وبعشقك، أنا حاسة إني في حلم ومش عايزة أفوق منه .. عايزة أفضل عمري كله جنبك يا حسام
مسح على رأسها بحب قبل يطبع قبلة أخرى على شفتيها ثم ابتعد وهو يقول بابتسامة:
- أنا جنبك العمر كله يا حبيبي بس برضه مايمنعش إن كفاية كدا علشان أرجع الشغل .. بقالنا كتير أوي في شهر العسل ولازم أرجع لشغلي يا قلبي..
هزت رأسها بالإيجاب وضمت وجهه بين كفيها وهي تقول:
- فعلا لازم ترجع شغلك يا حبيبي علشان عايزاك أحسن بيزنس مان في مصر
ابتسم لها ثم قام بوضع الجبن في الخبز ومد يده به لها قائلًا:
- إن شاء الله يا روحي بس دلوقتي يلا كلي..
أخذته منه بسعادة أما هو فقال بخبث:
- صحيح بمناسبة الشغل وكدا، ايه رأيك تعمليلي توكيل بنصيبك في الشركة علشان أمسكلك شغلك وبالمرة أساعد باباكِ وأخوكِ يوسف وبكدا الشركة هتقوم وفي نفس الوقت يبقى ليكي جوزك حبيبك ماسكلك شغلك
اتسعت ابتسامتها وهزت رأسها بسرعة:
- أيوة أيوة تصدق عندك حق .. فكرة حلوة جدا، بابا طول الوقت كان عايزني اجي الشركة وأتعلم بس أنا رفضت علشان مش فاهمة حاجة بس فكرتك دي حلوة أوي، هقول لبابا علشان يبلغ المحامي وأعملك التوكيل..
أسرع وقال بابتسامة:
- لا لا يا حبيبتي هو جوزك قليل ولا ايه، أنا هكلم المحامي النهارده بالليل أو بكرا بالكتير وأخليه يجيب كل الأوراق المطلوبة وبعدين خليها مفاجأة لبابا علشان يعرف اد ايه بنته في أمان وجوزها يقدر يعمل أي حاجة ويحافظ على شغلها..
تركت الخبز من يدها وأمسكت يده بحب قائلة:
- ماشي يا حبيبي اعمل اللي تعمله أنا معاك، ربنا يخليك ليا..
أطبق بيده الأخرى على يدها وقال بحب مزيف:
- ويخليكِ ليا يا أجمل حاجة حصلتلي في حياتي
استيقظت من نومها وهي تصرخ وكانت تتنفس بصوت مسموع كأنها كانت تركض لأميال، استيقظ «طيف» هو الآخر على صراخها واعتدل بسرعة قبل أن يضم وجهها بين كفيه قائلًا:
- حبيبتي اهدي اهدي أنتِ هنا معايا !
نظرت إليه نظرة مجهولة وتابعت تنفسها بصعوبة وهي تقول:
- كابوس .. كابوس صعب أوي..
لاحظ سخونة بشرتها فنهض من مكانه وقام بوضع مياة مثلجة في إناء ثم قام بوضع قطعة من القماش داخله وعاد إليها مرة أخرى، جلس أمامها وبدأ في مسح وجهها بتلك المياه وسألها وهو يتابع عمله:
- أنتِ سخنة أوي ! طمنيني حلمتِ بايه؟
نظرت إليه وإلى ما يفعله وظلت صامتة فأبعد يده عن جبينها وسألها مرة أخرى:
- مالك يا حبيبتي ! اهدي كدا ده مجرد كابوس مش حقيقة يعني عقلك الباطن هو اللي اخترع الكلام ده مش حقيقة، قوليلي بقى حلمتِ بايه؟
هدأت أنفاسها قليلا وترددت في سرد ما حلمت به لكن مع تشجيعه لها بدأت في قص ما حدث في حلمها:
- كنت أنا وأنت في الفندق القديم نايمين وفجأة صحيت من النوم لقيت شيطان باصصلي .. حاولت أصرخ لكن صوتي ماطلعش ولا جسمي بيتحرك، عايزة أصحيك وأقولك قوم لكن مفيش صوت ولا حركة وفجأة الشيطان ده اتحول لغارم وابتسم بطريقة مخيفة أوي وطلع مسدس وضربك بيه كذا رصاصة وفجأة لقيت صوتي بيطلع وصرخت ولقيت نفسي بصحى من النوم وبصرخ في الحقيقة..
بدأت في البكاء وحضنته وهي تقول:
- أنا خايفة أوي يا طيف .. خايفة أوي، دول مش زي أي مجرمين اتعاملنا معاهم .. أنت عارف إني مش بيفرق معايا لكن دول شياطين مش بشر يعني مفيش هزار
مسح على رأسها بحب وضم وجهها بين كفيه قبل أن يمسح دموعها المنهمرة وقال:
- حبيبتي دول أضعف أعداء قابلناهم وهنقابلهم، متخافيش كدا وبعدين ده كابوس مش حقيقة .. احنا يعتبر غلبناهم .. ماتخافيش لمجرد إنهم واخدين جانب الشياطين والجن والكلام ده .. احنا معانا ربنا اللي أقوى من الكل، ربنا قال (فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفًا)..
كيد الشيطان ضعيف يا نيران يا حبيبتي يعني احنا أقوى .. أقوي بإيمانا
ثم قال مازحًا:
- الحمدلله السخونية راحت اهيه، يلا علشان عندنا شغل .. أنتِ تدربيني على قتال البني آدمين وأنا أدربك على قتال الشياطين
وقبل أن يبتعد عنها أمسكت يده ومنعته من الرحيل وهي تقول:
- اوعى تسيبني أو تتخلى عني .. أنا من غيرك مش عارفة ممكن أعيش ازاي.
أطبق علي يدها بحب وطبع قبلة طويلة على شفتيها قبل أن يبتعد ويقول بابتسامة:
- عمري ما هسيبك ولا هتخلى عنك لأنك حياتي ونفسي اللي بتنفسه، طول ما أنا جنبك ماتخافيش من أي حاجة أبدا وإن شاء الله الغمة دي هتتشال
أخذ حمامه وخرج ليرتدي ملابسه بينما هي دلفت إلى المرحاض لتأخذ حمامها وخرجت لتقول بدهشة:
- أنت لحقت لبست ! ايه السرعة دي ياابني
فرد زراعيه في الهواء وقال بمرح:
- الرجالة يا قلبي بتلبس في ثانية إلا ثانية إنما البنات بتدعي دعاء السفر قبل ما تلبس هدومها .. يلا يلا خلينا ننزل علشان ماما كلمتني وحضروا الفطار
اتجهت إلى خزانة الملابس وهي تقول:
- حاضر اديني خمس دقايق وهبقى جاهزة
مرت دقيقتان وانتهت نيران من ارتداء ملابسها، كان يتصفح حسابه على فيسبوك حينما قالت بمرح:
- يلا أنا جهزت
رفع عينيه من على هاتفه إليها بدهشة وصدمة في آن واحد وقال بعدم تصديق:
- أنتِ هكرتي الهدوم ولا ايه؟ أنتِ ماكملتيش دقيقتين !
ابتسمت وقالت بسخرية:
- علشان تعرف إن مش الشباب بس اللي بيلبسوا بسرعة يا قلبي..
رفع يديه أمام وجهها وقال مازحًا:
- لا خلاص سحبتها .. ياريت تفضلي كدا وتلبسي بسرعة على طول هو الواحد طايل إن مراته تلبس بسرعة .. يلا بينا
أمسك يدها وانطلق إلى الأسفل فوجد الجميع قد جلسوا على السفرة وصاحت «أسماء» قائلة:
- كويس جيتوا في وقتكم .. يلا يا نيران يلا يا طيف .. اقعدوا يلا
جلسوا ليتناولوا الإفطار ولاحظ «طيف» صمت شقيقته غير المعتاد فقال بمرح:
- مالك قاعدة زي المطلقات كدا ليه..
نظرت إليه ورددت بإرهاق:
- بقالي يومين مش بعرف أنام وعندي أرق والساعتين اللي بنامهم بصحى فيهم ألف مرة وتعبانة .. أنت مش كنت دكتور هاتلي منوم
رفع إحدى حاجبيه وقال:
- كنت دكتور ! حد قالك إني كنت دكتور في كل حاجة ؟ وبعدين المنومات غلط أصلا .. ماتشربيش بس قهوة كتير أو منبهات وحددي ساعة نامي فيها .. أقولك شغلي قرآن جنبك وهتنامي على طول
رفعت إحدى حاجبيها وقالت متسائلة:
- بجد !
هز رأسه ليقول مؤكدًا:
- اينعم طريقة مجربة وناجحة جدا بدون روت أحبائي في الله
تابع طعامه إلى أن تحدثت «نيران» قائلة:
- نفسي هافاني على اشتباك بالمسدسات والرشاشات .. عايزة اداهم وكر إرهابي .. نفسي هافاني على أكشن
تحدث «طيف» بتلقائية:
- وأنا نفسي هافاني على مانجة .. هي طلعت ؟
ضربته بغيظ في كتفه وهي تقول:
- بقولك عايزة أكشن تقولي مانجة ؟
ابتسم وأجاب بشوق:
- اسكتي أنتِ ده مفيش أجمد من أكشن أكل المانجاية .. تمسكيها كدا وهوب البذرة تطير على هدومك تبوظها وأنتِ تعانديها وتاكليها .. كم أفتقد تلك المعركة
هنا تحدث «أيمن» وقال بجدية:
- ماتقلقيش يا نيران .. في مهمة النهارده هتعمليها أنتِ وطيف وفيها الاشتباك اللي أنتِ عايزاه
ابتسمت بسعادة بينما تحدثت «أسماء» وقالت معترضة:
- ايه اللي بتقوله ده يا أيمن أنت عايز تضيعهم ؟ اشتباك ايه..
ارتشف الشاي من فنجانه وقال بابتسامة:
- ماتخافيش عليهم دول زي القطط بسبع أرواح وبعدين نيران مع ابنك ونيران محترفة ماتخافيش
رفع «طيف» حاجبيه وقال باعتراض:
- ايه نيران مع طيف دي ! وحشة في حقي على فكرة هو أنا صغير يا جدعان
نظرت إليه «نيران» وأخرجت لسانها:
- أيوة صغير..
أشار إليها ونظر إلى والده وهو يقول:
- ادي اللي بتقول عليها محترفة بتطلعلي لسانها زي الأطفال .. وبعدين أنا أنقذت حياتك قبل كدا يا نوني يعني أنا الخير والبركة
رفعت إحدى حاجبيها وقالت بابتسامة:
- وأنا أنقذتك لما كنت فاقدة الذاكرة وقتلت الاتنين اللي كانوا هيقتلوك يعني خلصانين
قاطعهم «أيمن» وهو ينهض من مكانه:
- بس كفاية مناقرة في بعض ويلا علشان النهاردة في شغل كتير..
تحدثت «أسماء» ونظرت إلى «طيف»:
- خلي بالك من نفسك يا طيف من الاشتباك ده
ثم نظرت إلى «نيران» وتابعت:
- وأنتِ يا نيران خلي بالك كويس محدش ضامن وخلي بالك من طيف
نهض «طيف» من مكانه وهو يخبط بيده على يده الأخرى وقال معترضًا:
- برضه تخلي بالها مني .. ماتنسيش تشربيني اللبن يا نيران وتحكيلي قصة قبل النوم
رن هاتفه عدة مرات ولم يجبه بسبب تعمقه في النوم فرن هاتفه مرة أخرى مما جعله يتململ في الفراش ويفتح عينيه بصعوبة، نظر إلى هاتفه الذي لم يكف عن الرنين وأمسكه بغضب ليجد رقمها على الشاشة فأسرع وأجاب وهو يقول بلهفة:
- آسف يا حبيبتي والله كنت نايم
أجابته بهدوء شديد:
- آسفة يا يوسف والله بس كنت متضايقة ومانمتش طول الليل فقلت أتصل بيك .. روح كمل نوم وهبقى اتصل بيك بعدين..
اعتدل في جلسته بسرعة وقال:
- لا لا ايه اللي بتقوليه ده يا مي أنا خلاص صحيت قوليلي بقى ايه اللي مضايقك ولا أقولك ايه رأيك نتقابل في الكافيه اللي بنقعد فيه وتحكيلي
فكرت للحظات قبل أن تجيبه:
- خلاص تمام ربع ساعة وهكون هناك..
أنهى المكالمة وأخذ حمامه بسرعة شديدة قبل أن يخرج ويرتدي ملابسه، نزل إلى الأسفل وهو يركض فأوقفته والدته قائلة:
- مش عوايدك تقوم بدري كدا ! بتجري رايح على فين
أجابها وهو يخرج من الباب الداخلي للفيلا:
- هقولك بعدين يا ماما علشان مستعجل..
استقل المقعد الأمامي خلف المقود وانطلق بسرعة كبيرة إلى هذا المكان الذي حدده، وصل بعد دقائق قليلة وترجل من سيارته قبل أن يتجه إلى الداخل، نظر في كل مكان بحثًا عنها إلى أن وجدها فاتجه إليها وقال بإبتسامة:
- معلش اتآخرت عليكِ
ابتسمت ابتسامة هادئة وقالت:
- لا أبدا أنا لسة واصلة أصلا
هز رأسه بابتسامة واتجه إلى النادل ليطلب منه القهوة لهما ثم عاد إليها مرة أخرى وجلس قائلًا:
- قوليلي بقى ايه اللي مضايقك ومش مخليكِ عارفة تنامي
ترددت قليلًا لكنها تحدثت أخيرا:
- فاكر موضوع أخوك اللي حكيته ليا امبارح !
هز رأسه بالإيجاب وضيق ما بين حاجبيه وهو يقول متسائلًا:
- أيوة موضوع نائل اللي حكيتلك عنه .. فاكر
التقطت أنفاسها وتابعت:
- أنت غلطان يا يوسف وغلطان أوي كمان .. أنت قلت إنك عارف غلطك وإنك أهانته بس لما فكرت في الموضوع اتضايقت أوي، هو مش ذنبه حاجة إن مامته اتجوزت باباك وحرام اللي حصل فيه .. أنت لازم تروح وتعتذرله وتعرفه إنك أخوه الكبير طول الوقت ولو احتاج حاجة يلجألك مش تسيبه كدا بعد ما أهانته علشان هو فقير وأمه كانت خدامة .. ما أنا فقيرة هل كدا أنا وحشة في نظرك..
أسرع وقال بلهفة:
- لا يا مي أبدا .. أنتِ شيء تاني خالص وأيوة أنا معترف بغلطي وحكيتلك كل حاجة علشان حابب إنك تعرفي كل حاجة عن حياتي، أنا مستعد أروح وأعتذرله وأكسبه في حياتي أخ مع آسيا بس أروحله بأنهي وش ! أنا غلطت فيه كتير وفي أمه وحاولت أقتله ! هل بعد ده كله هيقبل اعتذاري وأبقى أخوه الكبير اللي معاه دايما ؟
ضمت شفيتيها بحزن قبل أن تقول:
- يا يوسف الواحد لو معترف بغلطه خلاص وبعدين أنت هتعتذرله وهو مش هيرفض اعتذارك وأنا واثقة من ده .. جرب علشان خاطري ومش هتخسر حاجة
ابتسم وهز رأسه بالإيجاب وهو يقول:
- حاضر يا مي هروحله وأعتذر، تعرفي إني من ساعة ما شوفتك وأنا حياتي اتغيرت للأحسن ! شوفت حاجات كتير ماكنتش شايفها أو كنت معمي عنها، لما بتكلميني بكتشف اد ايه أنا كنت وحش وكلامك كأنه النقاء اللي بيطهر روحي..
نظرت إلى الأسفل بحرج فتابع هو:
- مي أنا بحبك .. اينعم أنا عرفتك من أسبوعين بس كأني أعرفك من سنين، مش عارف ازاي أسرتيني كدا وخليتيني أطلعلك كل اللي في قلبي
ابتسمت بسعادة وحرج في آن واحد ونهضت مسرعة قبل أن تقول:
- بعد اذنك لازم أمشي
نهض هو الآخر وقال:
- استني هوصلك
هزت رأسها بالنفي وهي تقول:
- أنت عارف إني مش هرضى أركب العربية معاك .. معلش سيبني أنا مواصلة واحدة هتوصلني .. روح أنت لأخوك واعمل زي ما قلتلك
وقبل أن ترحل أوقفها قائلًا:
- طيب قلتِ ايه في كلامي !
ابتسمت بحرج وقالت:
- لو بتحبني اطلبني من أهلي، بعد اذنك..
تركته في قمة سعادته ورحلت، بقى في مكانه لثواني ولم تغادر الإبتسامة وجهه، قرر محادثة والده في هذا الأمر ولكن في اليوم التالي بسبب سفره اليوم، ترك النقود على المنضدة واتجه إلى سيارته، تردد في فعل ذلك لكنه اتخذ القرار النهائي وانطلق إلى الشركة حيث شقيقه الأصغر «نائل»..
وصل إلى الشركة وترجل من سيارته ثم اتجه إلى الأعلى وسط نظرات العاملين بالشركة له، توجه إلى مكتب «نائل» وما إن وصل حتى طرق الباب فأتاه الصوت من الداخل:
- ادخل
فتح الباب وتقدم خطوتين إلى الداخل، رفع «نائل» بصره ليرى من فتفاجأ به أمام عينيه، نهض بغضب ونظر إليه بتهديد قبل أن يتحدث «يوسف» بهدوء:
- نائل ممكن تسمعني ؟