رواية قلوب مقيدة بالعشق للكاتبة زينب محمد الفصل الخامس عشر
سعل مالك بحدة بسبب حالة الضحك التي سيطرت عليه عندما أخبره فارس بما فعله، جذب فارس سجائره وأشعل واحدة ليقول بتهكم: لا وابقى شحط كده، واتهزق من الدكتور..
أشار له مالك ليصمت ليقول: يخربيتك يا فارس، هاموت، انت مجنون يابني..
التفت فارس نحوه قائلاً بسخرية: تخيل كده يا مالك امك مثلاً لو عرفت اللي انا هببته، دي هاتخليني حديث المدينة والمدن المجاورة.
ضحك مالك بقوة ليقول: ولا عم شريف، كان عمره ما يحترمك تاني .
أشار له فارس بلامبالاة قائلاً: يالا مش مهم، المهم عندي ان بوظت الليلة على المعفن سراج.
صفق مالك قائلاً: صح، بوظتها من هنا، واتعقدت من هنا، خليت يارا تعند معاك اكتر.
أراح ظهره على الأريكة براحة ليقول: ياعم اهو كلام، هو الكلام بفلوس.
التقط مالك كوب الماء يرتشف منه قليلاً ليخفف من وجع حلقه من كثرة ضحكه: اه بقى بفلوس، ماما كلمتني وقالتلي يارا موافقة وكانت بتستأذني في حاجة.
ضرب فارس بكلتا يداه سطح الطاولة فتراقصت التحف عليها قائلاً بغضب: وافقت، تصدق بقى اختك دي غبية .
وضع مالك يده على صدره ليقول: متشكر لذوقك .
اقترب منه فارس قائلاً باستفهام: اه وهي بتستأذنك في ايه بقى!.
مالك بعند: مش هاقولك علشان طولة لسانك دي.
نهض فارس وتحدث بعصبية: متستعبطش يا مالك، مش انت اللي هببت كده من الاول بموافقتك انه يتقدم، انت لو صاحبي بجد كنت رفضت وريحتني من الحوار ده كله.
وقف مالك امامه ليهتف بهدوء: لو صاحب بجد!، تصدق انا...
قاطعه فارس بعصبيه شديدة: انت عارف كويس لما بتعصب مبقاش عارف انا بعمل ايه، ف اوع تقول كلام يزعلنا من بعض، انت مفروض تقدر اللي انا فيه.
حاول مالك التحكم بغضبه واعصابه حتى لا تنفلت ليقول: وانت كمان مفروض تقدر انها اختي، ومينفعش افرض عليها حاجة هي وامي، انت اللي وصلت نفسك لكده، قولتلك اهدى ومتعملش حاجة ويارا هترفض انا متأكد، لكن لما اتصرفت التصرف الاهبل ده عاندت معاك، فهمت بقى من الاول ان كلامي صح.
فارس بضيق: طب اقعد ومتزعلش من كلامي.
جلس مالك ليقول مصححاً: انا مزعلتش من كلامك، على قد ما زعلت من نظرة الاتهام اللي في عينيك، مش قادر تفهم انها بردوا اختي مفيش فايدة في ايدي غير انها ترفض بارداتها.
تجاهل فارس حديثه ليصل لمراده قائلاً: امم عندك حق، طيب هي مامتك عاوزه ايه .
هز كتفيه قائلاً: مفيش سراج ده طلب من امي يقابل يارا في اي كافيه انهارده يقعدوا ويتكلموا، قولتلها ماشي بس ليلة تكون معاهم.
كتم سبة كادت ان تخرج من فمه بمنتهى الاعجوبة، فقال متصنعاً الهدوء: اه وانت مش هاتقولي مكان الكافيه صح.
هز مالك رأسه ببرود قائلاً: صح.
مرت دقيقتان والصمت يسود المكان، حتى قطعه فارس قائلاً: انت مش هاتقوم تطلع لندى زمانها صحيت.
رمقه مالك بنصف عين قائلاً: هو انت مفضلتش تزن على دماغي بالاتصالات علشان انزلك، جاي دلوقتي عاوز تطلعني.
تظاهر بالنعاس قائلاً: اصل انا منمتش امبارح كويس، يالا بقى طرقنا واطلع لندى.
نهض مالك قائلاً بتحذير: هاقوم بس لو عرفت انك عملت حاجة هازعلك مني ...
اعتدل فارس بجلسته واخذ وضع النوم قائلاً: لا هنام،مبقاش فيا حيل اعمل حاجة،كفاية امبارح..
راقب مالك وهو يغلق باب الشقة، اعتدل فوراً والتقط هاتفهه ثم اجرى اتصالا ب ليلة، فاتاه ردها بعد ثواني:
_ ابيه فارس.
فارس بمكر: كده يا ليلة ابيه ايه بقى، مبقاش في ابيه، هو انتي فكرتي تتصلي وتتطمني عليا.
انتهى الحفل مع تصفيق عائلات الاطفال بحرارة، ركضت الاطفال نحو عائلاتها، اما هي فركضت نحوه هو وخديجة تضحك بمرح وسعادة، أخيرا ستبقى كبقية زملائها الصغار ويكن لها أباً يحضر تلك الاحتفالات، وصلت عند عمار فحملها بين يديه وهي تضحك بسعادة قائلة: شكراً يا عمار انك جيت وبقيت بابا..
سرت رجفة بجسده لتفوها بذلك الحديث البرئ والنقي، أنب نفسه عندما تذكر خطته في الانتقام من الصغيرة، اقسم بداخله انه لن يمسها بشر، وسيعاملها بكل خير ويخرجها بعيداً عن حساباته مع خديجة، قبل وجنيتها قائلاً: انا اللي شكراً علشان بقيت بابا لبنوتة حلوة كده زيك.
احتضنته بسعادة تغمره بحنانها ودفئها النقي، كم يحتاج ذلك الحنان ليمحي شوائب الماضي، كم يحتاج لذلك الدفئ لينعم بداخله شاعراً بالراحة الكامنة به، راقبت خديجة ذلك المشهد بعيناها اللامعتين لاحتبساها لتلك القطرات التي باتت في الآونة الأخيرة تعبر عن سعادتها او حزنها...ولوهلة شعرت بالغيرة منهما وعليهما..فقالت بتذمر طفولي لا يليق الا بها: كده يا ايلين فرحانة بوجود عمار وانا لأ.
ضمتها الصغيرة لحضنها وهي مازالت بأحضان عمار فالتصقت به خديجة، رفعت وجهها وجدته ينظر لها بنظرات هادئة، احمرت وجنيتها، وارتبكت اكثر خاصة عندما سمعت الصغيرة تقول: انتي مامي ومعايا على طول، لكن عمار مبيجيش على طول.
هتف عمار بحنو: انتي عاوزاني اكون معاكي على طول.
هزت رأسها بحماس، فقال هو: خلاص انا من هنا ورايح معاكي على طول ومش هاسيبك الا على النوم، وهالعب معاكي واعمل كل حاجة انتي نفسك فيها...
رمقته بسعادة وهي تهتف بحماس طفولي: بحبك يا عمار.
كم تمنت ان تنطق هي تلك الكلمة وتصرخ بأعلى نبرة لديها، لتخرج ذلك الحب الكامن بداخلها، كم تمنت ان توقظه وتشعل شفتاها بإثارة نطقها لتلك الكلمة التي شعرت في الآونة الأخيرة انها صعبة المنال.
بشقة مالك .
جلس يتابع التلفاز بملل، ساخراً من حاله في هذه الفترة، لقد تحول كلياً يتابع افلام درامية حزينة، يلعب العاب غريبة وعجيبة، والان يتابع الاخبار، حاول تخيل نفسه بالخطوة التالية ماذا سيفعل..انتفض للوراء عندما رأى هاتفهه امام عيناه مباشرة، رفع بصره لاعلى وجدها تقف تهتز بعصبية قائلة: تقدر تقولي مين اللي على الخلفية دي معاك انت ومالك.
ضيق عيناه متسائلاً: انتي بدوري ورايا .
زفرت بحنق لتقول: بدور ايه يا مالك، انا لقيت تليفونك منور جيت اجبهولك لقيت الصورة دي على الخلفية، مجتش جمب التليفون ولا الباسورد، انا استغربت انك عمرك ما حكتلي عنها، فجأة الاقي صورتك انت وصاحبك معاها، على العموم انا آسفة.
استدرات بجسدها فمنعها هو قائلاً: تعالي اقعدي علشان احكيلك، ومتتقمصيش كده، مبقناش نقدر على قمصتك .
كتمت تلك الضحكة الغبية التي تظهر دوماً وتفشل جديتها، جلست على الاريكة امامه بوجه خالي من اي تعابير، فاشار مالك بيده بجانبه قائلاً: مش هاحكي الا لما تيجي تقعدي هنا جنبي.
نظرت لتلك المسافة التي أشار عليها فهي لا تذكر أصلاً، أين ستجلس؟!، على ساقه مثلاً!، رمقته بتعجب، فابتعد انشاً واحداً، رمقته بتعجب أكثر، فقال: لا ماهو انا مش هاتحرك اكتر من كده، مش هاعرف اشرح صح.
زفرت بضيق وتصنعت الجدية: مالك انا بتكلم بجد...
جذبها بقوة واجلسها بجانبه عنوة وتحديداً في تلك المسافة الصغيرة، حاوطها بيده ليقول بهدوء أثار الارتباك لديها: ومين قالك ان انا مبتكلمش جد.
نظرت في عيناه فوجدتهم صافتين لدرجة رأت نفسها بهم، حاولت ان تبعد رأسها عنه قليلاً وذلك لقربها الشديد منه، انتبهت لتلك الصور التي جلبها عبر جواله قائلاً بنبرة حزينة: انا ومالك وياسمينا اصحاب من صغرنا، طول عمرنا مع بعض متفرقناش الا بالكلية، بس في اجازتنا مع بعض، طول عمرها كانت زي اختنا وبنخاف عليها، علاقتنا عمرها ما اتهزت بإي حاجة ..
همست بتساؤل: وهي فين؟!، مشوفتهاش ولا مرة !.
خرج صوته حزين: ماتت..
بلعت ريقها لتقول: الله يرحمها...
دققت النظر بالصور وهو يقلبها فقالت باستغراب: ايه ده هما اتجوزو ولا ده فرحها هي .
أؤمى براسه ليقول: اه هي و فارس اتجوزوا..
هتفت بحيرة: انت لسه قايل انكوا اخوات..
اخرج تنهيدة قوية: حصلت ظروف واتجوزوا..
صمت وتابع بعيناه صور من اشتاق اليها وفرقهم الموت، انتبه الى تساؤلها: نظرات عيناها غريبة، حاسها كانها...
قاطعها مالك واكمل حديثه: ياسمينا مرت بظروف كتير صعبة في حياتها، صعب ان اي حد يتحملها، حصلها دروبات كتير، امها واختها ماتوا في الشقة نتيجة لحريق، اختها التانية هربت على انجلترا وسابتها، اللي كان بيهون عليها وجودنا انا وفارس في حياتها، وعلشان كده عمرنا ما بعدنا عنها، هي كانت تبان لناس انها غريبة وتصرفاتها أغرب بس قلبها كان ابيض...
همست بفضول: غريبة ازاي!.
تذكر موقفاً لها ليسرده بحزن...
( فلاش باك )..
نهضت بعصبية في أحد المطاعم بالمول: انا عاوزه اعرف مين اتجرأت واخدت التوكه بتاعت شعري، انا لازم اروح للامن.
أمسكها مالك من معصمها وحاول تهدئتها عندما لاحظ ظهور بودار النوبة عليها فقال: اهدي خلاص مش مشكلة، هانشتري غيرها.
أبعدته عنها بعنف قائلة: ازاي دي غالية عليا اوي...
اقترب فارس ليقول بقلق: في ايه صوتكوا عالي!.
ما ان رأت فارس حتى انفجرت بالبكاء قائلة: شوفت دخلت الحمام، ونسيت التوكه بتاعت شعري، ارجع مش لقيتها...
التفت توجه حديثها لمالك: انت لازم تبلغ الامن يا مالك، دي المتبقية من امي واختي ..
هز مالك رأسه قائلاً: حاضر اهدي انتي بس..
نظر لفارس حتى يتولى زمام الامور ويهدأها، فتولي فارس المهمة متحدثاً بهدوء وبحنو..فاستكانت تستمع له..
( بااااك)..
عاد من شروده، على سؤالها وملامح وجهها المصدومة: زعلانه على توكه!.
مالك موضحاً: هي بعد حادثة امها واختها، بقت تشوف كل حاجة حواليها اخر حاجة ليهم وبتتعامل على الاساس ده، حتى اختها من كتر خنقتها عليها هربت منها، بس انا وفارس مقدرناش نبعد عنها واحتويناها في كل حالاتها..
مطت شفتيها قائلة بتفكير: علشان كده هي وفارس اتجوزو..
هز رأسه نافياً متحدثاً بحزن: لا لظروف تانية خالص، هي طول عمرها كده معانا اقصد يعني بعد حادثة امها واختها، بس ظروف جوازهم كان قبل موتها بسنة تقريباً.
شعرت بمدى حزنه عليها، ووجع صوته لفقدان صديقة واختاً له، تحملهم لفتاة مثلها بتلك الظروف هذا لا يعني الا شيئاً واحداً الا وهو ان تلك العلاقة كانت قويه جداً صعب انهاريها الا باشياءاً قدرية كالموت.. تجرأت واقتربت منه ثم وضعت قبلة حانية على وجنته،هامسة: ربنا يرحمها، متزعلش..
حول بصره نحوها وتعمق بعيناها الذهبيتن، وبريقهما اللامع الذي يثير ذلك البركان الخامد بداخله، ويهيج مشاعره ويجعلها تتخبط ببعضها، نتج عنه صراع ما بين ان يقترب منها ويلثم شفتاها بقبلة يروي عطش قلبه بها، ويطفئ نيران حنينه التي اشتعلت للتو بسبب ذلك الماس الذي ضرب قلبه نتيجة لقبلتها الحنونة او ان يبتعد عنها، نهر نفسه وهو ينظر لضعف عيناها كيف له ان يبتعد عن قطعة السكر الخاصة به بالتأكيد سيصبح معتوه من الدرجة الاولى، اقترب منها ولثم شفتاها برقة وحنو في قبلات متفرقة مستمعاً بتلك اللحظة التي قد لا تتكرر ثانياً، اما هي فتمسكت بثيابها تقبض عليهم بشدة، حاولت ارخاء اعصابها لم تستطع، لم تتعرض لتلك العاصفة من المشاعر المتدفقة من قبل، أصبحت بسببها متجردة من قوتها لا حول لها ولا قوة امام قوة عشقه ولمساته الحارة، حثت نفسها ان تبتعد عنه وتختبئ كالعادة بغرفتها، ولكن لم تعد قدماها تتحملها بعد عنفوان مشاعرها، وكأنه كان يستمع لها، فاحتضنها يمنعها من الهروب كعادتها، و طبع قبلات عديدة فوق شعرها المحبب له ممسداً بحنان عليه، داعياً ربه ان يعيطه الصبر ليتحمل تلك الفترة على خير دون ان يتهور اكثر من ذلك.
دلف للمطعم وبحث بعيناه عنهم، فوجدها تجلس وتنظر له وتلك الامتعاضة التي عرفها عن ظهر قلب تظهر بقوة على وجهها، ابتسم بخبث لقد سهلت عليه خطوات كثيرة، رفع جواله والتقط لها العديد من الصور وهي على تلك الحالة .. اقترب منهم بخطوات واثقة ثم قال باستفزاز وهو يضع يديه على الطاولة: مساء الخير...
رفع سراج عينيه بصدمة ليقول: انت.
جذب فارس احد الكراسي ليجلس بجانب يارا متعمداً اغاظة ذلك الابله: لا هو.
نظرت يارا بضيق لليلة التي لم ترفع عيناها من على هاتفهها خوفاً ان تقابلها يارا بنظرات غاضبة وتوبيخ حاد...
هتف سراج بضيق موجههاً حديثه ليارا: هو مش المقابلة دي ما بينا، هو جاي ليه!..
وقبل ان يتحدث كانت هي تسبقه قائلة: امممم لازم يحضر ويطمن علينا يا سراج ده أبيه فارس بردوا.
انهت حديثها بابتسامة ماكره تحتل ثغرها، نظرت له بطرف عيناها، مصفقة لنفسها بداخلها على ذلك الانتصار الذي حققته حالاً عليه، فقال سراج باستفزاز: اها ابيه!.
كتمت ضحكها بداخلها وتخيلت وجه فارس المختنق من شدة غضبه، شردت بذهنها اكثر عندما تخيلته يقف بشموخه وعضلاته البارزة يرفع الطاولة عالياً ثم ينزلها بقوة على رأس سراج بالتأكيد سيكون مشهداً قويا مستمعة فيه باغاظة فارس وتحطيم رأس ذلك الفظ، من جميع الجهات ستكون هي الفائزة، ولكن لم يعد الوضع هكذا طويلاً عندما وجدت فارس هادئاً يقول بضحكة خفيفة وباردة: خطيبها سابقاً وأبيه حالياً، وخلي في بالك يا سراج الماضي ممكن يتجدد في ثواني، والحاضر ده بندوس عليه برجلينا...
انهى حديثه وهو ينظر لعيناها بتسلية، فقالت يارا ببرود: قول لزمان ارجع يا زمان.
همس بجانب اذنها قائلاً: هاقوله حاضر، هو أصلا بيتمنى يرجع لحنينه وحضنه اللي غاب عنه.
احمر وجهها خجلاً منه، حولت بصرها في الجهة الاخرى تهرب منه ومن حديثه المفاجئ لها، اما هو فرجع برأسه للخلف وجذب سكيناً من على الطاولة واشار لخصمه عند عنقه كحركة قاتلة هامساً من بين شفتيه دون اصدار صوت: هاقتلك..
نظر للاعلى مفكراً بهدوء، حول بصره يميناً ويساراً، حسناً الطريق خالي من اي مارة، ساعده في ذلك قلة الإضاءة به، حسب المسافة بين الشرفه والارض، ليست بعيدة وليست قريبة، تتطلب منه الهدوء والخفة وعضلات يديه، تسلق انابيب الغاز بخفة ورشاقة حتى وصل الى شرفة غرفتها، نزل بجسده بها وهو يلهث هامساً: الحمد لله موقعتش ولا اتكسرت..
اعتدل في جلسته واقترب من الباب يستمع لاي شئ بالداخل، استمع لاغاني عمرو دياب وخاصة اغنيتهم المفضلة " لسه زي مانتي " تصدح بهدوء، طرق باب الشرفة بهدوء، عدة مرات حتى يجذب انتباها، بالفعل اطلت هي برأسها الصغير تبحث عن ذلك المصدر، حتى وجدته يقف باحد جوانب الغرفة في العتمة ظهر فجأة قائلاً: بخ..
كادت ان تصرخ لولا يده التي منعتها قائلاً: بس يخربيتك يا مريم هاتفضحينا...
ابتعدت عنه بصدمة قائلة: ايه ده يا عمرو، انت اتجننت،انت طلعت ازاي..
هتف بفخر: تسلقت مواسير الغاز..
نظرت خلفها برعب قائلة: امشي، بابا هنا، هانروح في داهية .
وقف حانقاً: بقولك ايه، انا متجننش واطلع على المواسير زي الحرامية علشان اتنيل واشوفك، وتيجي في الاخر تقوليلي كده.
همست بتلعثم من فرط خوفها اذا دخل والدها بين اللحظة والاخرى: عمرو، بابا، ممكن يقتلني، امشي.
اخرج علبة صغيرة من جيب بنطاله وقدمها لها قائلاً: مش قبل ما اديكي دي.
التقطتها من بين يديه تسأله وهي تفتحها: ايه دي..
اخرجتها من العلبة، فا لمعت عيناها لجمالها قائلة: سلسلة وفيها ورده ؟..
اقترب منها ليقول بعشق: امممم انتي عندي زي الورد اللي في الدنيا دي، منورة حياتي زيها بالظبط.
توردت وجنيتهاااا خجلاً منه لتهمس: عمرو انا ..
بترت جملتها عندما وجدت والدها يدلف منادياً عليها: مريم ..
اغلقت عيناها لتستعد تلك المواجهة التي ستنتهي بقتلها، وحبست انفاسها خوفاً وهي تقبض على السلسال بيدها، استفاقت على يد والدها التي تهزها: في ايه واقفة في البلكونة مغمضة عينك ليه .
فتحت عيناها سريعاً وجدته قد اختفي، خرجت انفاسها ببطء ولكن بقيت محبوسة بسبب خوفها عليه، اين هو أيعقل ان يقفز تلك المسافة بهذه السرعة، خرج صوتها مختنقاً واشارت على حلقها بيدها الخالية: حسيت ان عاوزه اشم شوية هوا، فقولت اخرج اتنفس..
حاوطها والدها ليقول بحزم: لا تعالي ندخل، كده تاخدي برد.
دلفت مع والدها وارادت ان تلتفت برأسها تتطمئن عليها ولكن كانت يد والدها تسبقها واغلق باب الشرفة ..
زفر سراج بحنق، لم يكن في مخيلته ان الليلة ستنتهي هكذا، حاول الانفراد بيارا جانباً ولكن فارس كان يقف له بالمرصاد، سراج بضيق: طب يا يارا قومي يالا علشان اروحك ونبقى نكمل كلامنا بعدين .
وقبل ان تتحدث كان فارس يسبقها: ما شاء الله انت عندك كلام تقوله..
تجاهل سراج حديثه خوفا ان يفقد اعصابه ويتشاجر معه، فقال موجهاً حديثه ليارا: يالا نروح.
همت بأن تقف لولا يده التي اجلستها بقوة قائلاً بحدة: لأ هاتروحوا معايا..
احتدت ملامحها بغضب، فاسرعت ليلة قائلة: خلاص يا جماعة احنا جايين مع عمرو وهانروح معاه.، هاتصل عليه.
وبالفعل اجرت اتصالاً به حتى أتاها صوته وهو يتوجع: اه ياني عاوزة ايه يا ليلة.
انتفضت برعب قائلة: مالك يا عمرو.
عمرو: اه يانا، انا في المستشفى ادغدغدت يا ليلة .
صرخت قائلة: في المستشفى، ايه ..
فارس بحدة: في ايه فهمينا..
ليلة بخوف: عمرو في المستشفى، وبيتوجع جامد.
نهضت يارا بقلق قائلة برجاء: يالا يا فارس، بسرعة وصلنا..
جذب يديها هي وليله وغادرا المطعم تحت نظرات سراج الحانقة ...ليقول بهمس: ابو شكلك، بس على مين يانا يانت .
نظرت ماجي عبر شاشة الجوال باشتياق لوالدتها الحبيبة، فهتفت بنبرة منكسرة: يعني انا يا ماما مش وحشتك خالص.
_ لا طبعا يا ماجي وحشتيني أوي، بس انتي اللي عاوزه تبعدي.
أشارت على نفسها باستنكار: انا يا ماما، انا عاوزه ابعد عن حضنك، فين ده..
_ قولتلك تعالي اقعدي معايا انا وأخوكي بس انتي اتمسكتي بمصر.
ماجى بضيق: اتمسكت علشان جوزي، وعيالي، وحتى بعد ما جوزي مات، ابني شغله هنا وبنتي وابني بيدرس لسه، وبنتي في ثانوي، يعني حياتي مترتبة هنا، تقدري تقوليلي انتي قاعدة انتي وأحمد عندك بتعملوا ايه، هو متجوزش لسه وحجته الوحيدة شغله، ينزلك حتى أجازة اشوفك وتقعدي مع عيالي.
زفرت والدتها بغضب قائلة: بتتكلمي كده وكإنك مش عارفه أخوكي مش عاوز ينزل ليه، انا ماصدقت انه نسي وعايش حياته .
هتفت ماجي بعصبية وحنق: واحمد مش عيل يا ماما ده عنده ٥٥ سنه وكبير، بطلي بقى تعامليه كإنه عيل عنده اربع سنين خايفة عليه وبتحاوطيه في كل مكان.
ظهر اخيها بجانب والدتها ينظر لها بغضب: عيل ولا مش عيل حاطني في دماغك ليه، ابعديني عنك، هي حابة تقعد معايا، وبعدين مش كفاية ان خليتها ترجع تكلمك تاني بعد اللي هببتيه زمان.
وقفت ماجي بعصبية وبيدها الهاتف تهتف بغضب شديد: تصدق انك لسه عقلك مريض زي زمان، انت اكدتلي بكلامك انك اللي مسيطر عليها متنزلش.
كادت ان تكمل حديثها وتسمعه سيل من التوبيخ، وجدت الاتصال اغلق بوجهها، القت الهاتف بعصبية على الفراش وتنفست بعصبية قائلة: غبي، ضيعنا زمان، وبيضعنا دلوقتي، غبي.