رواية قلوب مقيدة بالعشق للكاتبة زينب محمد الفصل الثامن
دلفت الى الجريدة بخطى واسعه وسريعة، بحثت بعيناها عنه وجدت أغلب زملائها لم يحضروا بعد، تقدمت من مكتبه ثم دلفت دون ان تطرق الباب، رفع رأسه يتأملها بهدوء ثم قال باستفزاز: هو انتي مبتفهميش يا خديجه...
اقتصرت تلك المسافه بينهم ثم طرقت على سطح المكتب قائله بغضب: لا انت اللي مبتفهمش يا عمار، مش انا، مُصر تدخل في حياتي، وتقول كلام للبنت الصغيرة وتأذيها بالشكل ده.
رفع احد حاجبيه قائلًا: وانا بقى أذيتها في ايه؟!.
تقلصت ملامحها بغضب قائلة: لما تقولها ان انا مش أمها، وهى بنت ابوها اللي مات بس، يبقى مش بتأذيها ولا لأ يا عمار.
عقد ذراعيه امامه قائلًا: طب ماهى دي الحقيقه قبل ما تصدميها وتشوفي كوبري غيرها علشان تعيشي بعيد عن أبوكي وقرفه .
صرخت بوجهه قائلة: بس بقى، كفايه، انت ايه مبترحمش.
وقف امامها قائلًا بعصبيه: وانتي مرحمتنيش زمان ليه، دمرتي حياتي ليه، ليه مخترتنيش، ليه سمعتي كلامه.
هتفت بشراسه لم يعهدها منها من قبل: علشان هو ابويا، ابويا اللي لا يمكن اخذله او اكسره او اجبله العار.
جلس مكانه قائلًا بهدوء: اه ياعني انتي هاتسمعي كلامه وتتجوزي العريس اللي هو جايبهولك، والبنت اللى اتعلقت بيكي هاترميها في دار ايتام..
استعجبت لهدوءه المفاجئ، وايضًا لحديثه الذي لم يعرفه. احدًا سوى هى ووالديها، أيعقل والدتها اخبرته!.
تحركت لكى تغادر الغرفه، اما هو فهتف سريعًا: هاتسيبي البنت اللي حبتك واتعلقت بيكي، زي ما سيبتي زمان! .
التفت له قائله بحزن: لا مش هاسيبها وهافضل معاها، المرادى هاقف قصاده.
التوى فمه بتهكم: يبقى بتحبيها فعلًا، اما انا فانتي محبتنيش ربع الحب اللي حبتهولك.
اخرجت تنهيدة من صدرها ثم قالت بحزن: مهما اتكلم عمرك ماتفهمني يا عمار.
بادلها نفس تلك النبرة الحزينه قائلًا: وانتي مهما تبرري على اللي عملتيه زمان، عمري ما هاسامحك.
ها هو اليوم التالي التى تجلس بجانبه في السيارة وتتجول معه تختار أساس شقتها، رمقته بسرعه وجدته يتابع الطريق ملتزم الصمت، تمنت ان تكسر صمته ذلك لتسمع صوته اكثر واكثر ويشبعها بمزيد من الاعترافات ك ليله أمس مثلًا..
( فلاش باااك )..
_ مالك هو انت بجد عاوز تتجوزني، انت بتحبني، او حتى معجب بيا؟!..
التفت اليها يرمقها بهدوء، ملتزم الصمت، فتقدمت هى منه قائلة: لو سمحت بطل سكوتك ده وجاوبني، علشان اجابتك دي هاتحدد رأيي في الجوازه دي.
مالك بهدوء: انت عاوزني اقولك بحبك وكده، وده مش هايحصل لان لسه مفيش حاجه ما بينا حصلت وصلتنا لمرحله الحب..
صمت لبرهه يستجمع حديثه ويحاول ان يجعله أكثر لطف: بس اكيد لما نتجوز، هاقدر اتعامل معاكي بحرية أكتر، ندى انا صريح ومش عاوزك تزعلي مني، بس هى دى الحقيقه انا معجب بيكِ بس لسه ياعني موصلتش لمرحله الحب زي مانتي كمان موصلتيش للمرحله دي، اللي انا متأكد منه انه لما نتجوز هناخد على بعض أكتر.
ندى برقة: وبعد ما ناخد على بعض أكتر.
تقدم منها ثم جذب يديها قائلًا: هانحب بعض.
ولاول مرة تتجرأ وتنظر في عيناه مباشرة تحاول ايجاد صدق لحديثه، نبرته تحمل بين طياتها الغموض، وشعور أخر لم تستطيع تفسيرة..ابتعدت عنه بارتباك قائلة: طيب يالا ننزل الشقه كويسه.
أشار اليها على غرفه النوم هاتفًا: مش هاتيجي تشوفي اوضه النوم.
توردت وجنيتها ثم هزت رأسها برفض قائلة بخجل: لا خلاص يالا ننزل.
( باااك)
عادت من ذكريات الامس، وهى تبتسم بهدوء متمنيه تخطى تلك المرحله بسرعه وان تعتاد عليه ويعتاد هو عليها وتبدأ قصه حبهم التى طالما رسمت بمخيلتها عشقًا أبدى وفارس يخطفها لعالم وردي وزواج سعيد..
حركت راسها ناحيته قليلًا، لفت انتباها تلك الفتيات الاتى ينظرون له من سيارتهم المجاوره لهم في اشارة المرور، اما هو فكان لا يبالي ومشغولًا بجواله، وضعت يديها على الزر الخاص باغلاق الزجاج وأرسلت لهم ابتسامه سمجه عما يفعلونه بكل وقاحه..
مالك بتعجب: ايه ده في ايه بتقفلي الازاز ليه؟!.
ندى بتوتر: عادي ياعني الجو مليان تراب وانا تعبت فقولت اقفله..
نظر بطرف عيناه للفتيات قائلًا لها بمكر: ياعني مش علشان البنات دول بيبصولي ...
توترت قائلة: لأ طبعًا، معقوله انا تافهه لدرجاتي، عاوز تفتح الازاز براحتك..
فتحت الاشارة، فقاد السيارة قائلًا: لا وعلى ايه، الجو فعلًا وحش..
حركت وجهها للجهه الاخرى وهى تضع يديها على وجنيتها بسبب ارتفاع درجه حرارتهم، وهمست لنفسها: غبيه..
دلف الى مكتب صديقه ب ادارة مكافحه المخدرات، وجده منكبًا على ملفات عديدة فقطب جبينه قائلًا: ده كله مخلصتش يا رأفت..
رفع عينيه قائلًا بحنق: كل يوم معلومه جديدة وكل يوم مصيبه جديدة كل ما اقفل الملف والمعلومات يظهرلي حاجه جديدة.
سمير: معلش احنا متعودين على كده، هى القواضى التقيله كده بتقطع نفسنا.
هز رأسه موافقًا على حديث صديقه، فاسطرد سمير: الادارة كانت عاوزه مالك معاك في الفريق بما انه اكفأ واحد حاليًا بس انا بعدته عن القضيه بحجه انه لسه مخلص قضيه كبيرة وحاليًا هو في اجازة وكمان شكرت جدًا في فريقك.
رأفت بتنهيدة: هو مالك لو كان موجود كان هايبقى افضل بكتير بس الله يكون في عونه على مهمه اللي معاه.
سمير: على فكرة نهله كلمت لوا كبير في ادارة المرور علشان يشوف لو حد عنده باسم ندى، حظها انه كان قاعد معايا وكان بيحكلي عليها بحكم ال...
قاطعه رأفت سريعًا بقلق: وهى عرفت حاجه!.
رمقه سمير بتعجب: وهى ندى أصلًا عندها رخصه قيادة، في ايه يا رأفت.
رأفت بعصبيه: اللي ايدة في الميه مش زي اللي ايدة في النار، انا هاموت من التفكير عليها ومن مالك، ومن حاجات كتير جوايا، ونهله مش ساكته كل شويه تطلع بحاجه.
سمير بهدوء: عصبيتك دي في مرة هاتوقعك في الغلط، حاول تهدا علشان تفكر صح، وبعدين يا رأفت الخطه ماشيه صح، اهى بتنقي فرشها وكلها اسبوع وتتجوز وانت تسافر تخلص القضيه وتيجي مالك يطلقها وتاخدها وتسافر..
رأفت بخوف: يا خوفي من اللحظه دي، يا خوفي.
دلف مالك دون ان يطرق الباب فالقطت اذنيه اخر حديث رأفت رمقهم بتعجب وخاصه عندما بدأ عليهم القلق والتوتر.. حمحم بحرج قائلًا: أسف، مكنتش اقصد..
رأفت: لا عادي يا مالك تعال اتفضل، خلصت انت وندى!.
جلس على الكرسي المقابل لسمير وهو يقول: اه واتفقنا مع مهندس الديكور يظبط كام حاجه ويبدأ في فرش الشقه، حضرتك عاوز كتب الكتاب امتى؟!.
نظر رافت للملف الذي بيديه قائلًا: الاسبوع اللي جاي، باذن الله.
نهض مالك قائلًا: طيب انشاء الله نكون خلصنا وقتها.
غادر مالك، فابتسم سمير: ماهو الواد اهو عادي ومتقبل الامور انت اللي مأفورها.
بادله رأفت الابتسامه قائلًا: والله انت اللي هاتودينا في داهيه بخططك دي.
ليلًا بمنزل مالك..
دلفت ليلة للغرفه يارا قائله في عجاله: يارا هاتى التوب الابيض بتاعك بسرعه اتأخرت على العشا وماما هاتزعق.
أشارت لها بلامبالاه قائله وهى تغادر الغرفه: عندك في الدولاب انا نازله.
رمقتها ليله بتعجب: ايه ده نازله وابيه فارس تحت وانتي عادي كده مش هاتقعدى هنا وماما تزعق وانتي تعيطي وتقولي بكرهه مش عاوزه انزل! .
تراجعت يارا ووقفت امامها قائله بضيق: هو انتي حاشرة مناخيرك في حياتي ليه، متحشريها في مذاكرتك علشان تنفعي.
ضحكت الاخرى بتهكم قائله: يا ماما الي قدامك دي هاتبقى أكبر دكتورة أسنان.
حدجت يارا بها ثم قالت بمكر: واشمعنا بقى دكتورة أسنان بالتحديد.
توترت ليلة ثم قالت بمزاح: عادي ياعني علشان اكافح التسوس.
ضربتها يارا بخفه على رأسها: تسوس بردوا، على العموم لينا كلام تاني، علشان في شويه كلام من زمايلك مش عاجبني ووصل لمدرسين.
هتفت ليلة بضيق: مستر سراج ده رخم والله وبيكرهني علشان انتي رافضه انه يتجوزك.
قبضت يارا على ذراعها قائله: بقولك ايه اسكتي خالص على موضوع سراج ده علشان ماما متتكلمش معايا فيه انا ما صدقت قفلته.
اشارت على فمها قائلة: عيب عليكي انا لايمكن اتكلم معاها.
رمقتها يارا بتحذير فهتفت الاخرى: والله ابدًا.
غادرت الغرفه اما ليلة فتحركت صوب الخزانه تبحث عن تلك الكنزة، فوجدت في احد الارفف شئ غريب، ابعدت الثياب عنه وجدت تلك اللعبه المشوهه وبجانبها سكينًا، صرخت برعب عدة صراخات متتاليه وقفزت فوق الفراش برعب... وماهى الا ثواني حتى دلف جميع من بالمنزل وعلى رأسهم فارس ومريم...
تقدم منها مالك بقلق: في اية يا ليله مالك..
أشارت لهم برعب على الخزانه وهى تتلعثم بالحديث: تشش، تشش كككاااي.
قطب فارس جبينه قائلًا: ايه في ايه، مالك...
عمرو متحدثًا بضيق: ما تتكلمى يا بنتي خوفتينا..
ماجي بغضب: والله لو ما اتكلمتي لانزل الشبشب ده على دماغك على صريخك الي خوفنا ده.
اما يارا فكانت تلتصق بالباب وعقلها يحاول اسعافها للخروج من ذلك المأذق، منذ دخولها ووجدت يد ليلة الممدوده نحو الخزانه فادركت سبب صراخها..
مريم بقلق: في ايه يا ليلة.
ليلة بخوف: تشاكي هنا، ومعاه سكينه .
نظر عمر حوله وجد وساده ملقاه على الارض التقطها ثم القاها بوجهها: انتي حمارة يابنتي، تشاكي ايه، قولتلك بلاش رعب بطلعيه علينا.
تحرك مالك صوب الخزانه فتحها فوجدهم، حرك بصره نحو يارا قائلًا: ايه اللي موجود ده مين عمل في اللعبه دي كده.
التصقت مريم بعمرو ثم همست: نهار أسود ده الموضوع طلع بجد.
تحركوا جميعًا خلف مالك ونظروا لحيث أشار ثم هتفوا معًا ماعدا فارس فكان مشغولًا بها وبنظرات التسليه والشماته التى يرسلها لها، وتلك الابتسامه المستفزة التى ترتسم ببراعه على وجهه التى حتمًا ستقتله بسببها..
يارا بتوتر: دى عروسه كانت بتخوفني فانا علشان اهزم خوفي عملت فيها كده.
عمرو بصدمه: تعملي فيها كده، ده مرض نفسي، انتي مريضه نفسيًا يابنتي.
صدعت ضحكاته في ارجاء الغرفه، فنظرت له بغضب قائلة: في حاجه يا فارس، ايه اللي بيضحك.
حاول التحكم بنفسه فقال: على عقلك، وخيالك...
جزت على أسنانها بعنف:مالو بقى عقلي انشاء الله..
ماجى: لا بقول ايه مش هانبدأ الليله بخناق يالا ننزل نتعشى ..
تحركوا جميعًا وغادور الغرفه اما هو فأبطأ خطواته حتى أصبح أخر شخص وقبل ان يغادر انحنى بجسده ناحيتها هامسًا: مش لو كنتي اخدتيها في حضنك بليل كان أحسن من منظرك العرة دة .
دبدبت بقدميها في الارض كالاطفال وهى تهمس بغبضب: بكرهك.
جلست خديجة امام والدتها وهى تقول بضيق: مكنتيش تخرجي ياماما وانا كنت هاحاول اجيلك.
تحدثت منى بهدوء نسبي: عادي يابنتي انا استنيته راح نبطشيه، قولت اجاي اشوفك، احسن ما تيجي انتي، ويشوفك وتطق في دماغه ما يطلعك من هناك خالص، في ايه موضوع ايه اللي مهم .
خديجه: هو انتي كلمتي عمار؟!.
اشارت منى على نفسها قائله: انا!، لا والله، حتى خالتك قاطعتني من زمان..
صححت لها خديجه: انتي الي قطعتيها يا ماما.
وقفت منى ثم اعطتها ظهرها قائلة بحزن: ياعني يابنتي اعمل ايه ما باليد حيلة، ابوكي كان محرج عليا وقتها اكلمها او حتى اتواصل معاها...
اكملت حديثها وهى تلفت اليها قائلة باستفهام: بس انتي بتساليني لية كده؟!
اجابتها خديجة: عمار عرف بالعريس الللي بابا جايبه وكمان عارف بحكايه انه عاوزني احط ايلين في دار ايتام..
قالت حديثها الاخير بصوت منخفض، فقطبت منى ما بين حاجبيها بتفكير قائلة: هو عمار عرف منين، معقوله يكون اتكلم مع أبوكي..
هزت خديجه رأسها برفض قائلة: لا استحالة بابا مستحيل يبان قصاد عمار بانه ضعيف.
منى: خديجة، ابوكي مبيهزرش وفعلًا هايجوزك للراجل ده.
احتدت ملامحها: ياعني ايه يجوزني هو انا لعبه في ايدة يا ماما، زمان كسر قلبي، دلوقتي هايدمرني ويدمر ايلين معايا، هو بابا عاوز مني ايه، أوقات بتمنى الموت علشان اخلص من اللي انا فية.
ربتت والدتها على يديها قائلة: هانلاقي حل انشاء الله يابنتي، ربنا يبعد عنك ابوكي، ويهدى عمار.
ابتسمت بتهكم: واشمعنا مبيعدش عمار عنى!.
منى بهدوء: علشان عمار عمره ما أذاكي، لكن ابوكي الكرة ملى قلبه من ناحيتك وناحيتنا...انا هاقوم الحق اروح، خلى بالك من نفسك وحاولي تفكري في حل.
ودعت والدتها، ثم جلست على احد الاراك وهى تبكي بقهر على حالها وتتذكر ما حدث عندما تلقت ذلك الخبر الذي قلب حياتها رأسًا على عقب ...
( فلاش باك )
كانت تتابع التلفاز باهتمام هي واخواتها الثلاث، حتى قطع انتباهم دخول والدتها بسرعه وهي تهتف: ابوكوا جه، اطفوا التلفزيون بسرعه ويالا على الاوض...
امتثل الصغير لحديث والدته واغلق التلفاز على عجاله، اما هي وليلى الصغيره دلفوا الى غرفتهم هاربا من توبيخ والدهم او من صفعاته التى قبل ان تصفع وجهوهم كانت تصدع شرخًا كبيرًا بقلبهم..
تنفست الصعداء عندما جلست على فراشها، ها هى الان بامان في ذلك الفراش الصغير، حولت بصرها لاختها وجدتها تجذب كراسه الرسم والوانها الخاصه بها وهى تتخذ موضوعها على فراشها كحال كل ليله يأتي فيها والدهم من عمله باكراً فهو يعمل (أمين شرطه )...
جذبت هاتفها الذي جلبه لها ابن خالتها وخطيبها ( عمار) وتبدأ محادثته، فحتى حديثه معاها عبر "الشات" يطمئنها من خوفها المستمر من والدها، ووعوده لها باسراع زواجه منها حتى ينتشلها من واقعها المرير... بدأت في محادثته وماهى الا دقائق حتى وصل الى مسامعها نداء والدها لها، انتفضت رعبًا على الفراش لتقول بتلعثم: استر يارب...
وضعت الهاتف اسفل الوساده، ثم قامت سريعًا تذهب اليه وتلبي نداءه، وها هى تقف امامه بخوف كبير ينهش قلبها، وجسد يرتعش..حتى قام والدها بالاشاره اليها حتى تجلس امامه وبنفس تلك اليد اشار لوالدتها حتى تنصرف، لاحظت نظرات والدتها الحزينه لها، زادت وتيره القلق والخوف لديها، حتى انتبهت الى كلمات والدها المقتضبه لها وهو يوفها بقراره المفاجئ والغريب بحقها:
_ انا قررت اننا نفسخ خطوبتك مع عمار، وهاجوزك لواحد تاني احسن منه.
رفعت عيناها له تحاول استيعاب كلماته، فقال هو مكملًا حديثه: هاجوزك لظابط كبير في الجيش، كان متجوز ومراته ماتت من سنتين وعنده بنت.
وقفت من جلستها وهى تنظر لوالدها بصدمه من حديثه، ولكنه اعتدل في جلسته وهو يمد كفه امامه قائلًا بغلظه: اقلعي دبلتك دي يالا علشان ابعتها مع شبكتك وهدايا عمار لامه!.
هيا اخرجي حديثك وتفوهي بيه ماذا سيحدث، ايصفعك، مثلها مثل اي صفعه تلقتيها يوميا بسبب اسباب واهيه غير مبرره، ولكن هذة المره سبب قوي، يريد تزويجك لرجل أخر، وابعاد عمارحب طفولتك عنك، هيا عارضيه، اصرخي بوجهه، قولي لا وألف لا، لن اتنازل عن حبي وابن خالتي، شجعت نفسها مليا وهي امامه تقف وتنظر ليده الممدوه امامها، خرج صوتها اخيرًا مهزوزًا ضعيفًا: لا.
حرك رأسه قليلًا لامام وهو يقول بصوت غليظ حاد: نعم، سمعيني كده بتقولي ايه!.
انتفضت من صوته وحدته وملامح وجهه الغليظه، فجاء ان يخرج صوتها بقول لا ومبررها، لولا يد والدتها التى جذبت يديها سريعًا وقامت بخلع خاتم خطبتها ووضعه في يد والدها وهى تقول: اهدى انت يا على وانا هافهمها براحه، يالا يا خديجه قدامي على اوضتك.
تحركت مع والدتها دون وعى، وعيناها تمتلئ بها الدموع، اجلستها والدتها على حافه الفراش وجلست هى على الارضيه مجثيه على ركبتيها بجسدها الهزيل لتقول بخفوت: مش عارفه اقولك ايه، انا كنت بعد الايام واللياالي علشان تمشي من البيت وتروحي لعمار وتترحمي من عذاب وقهر ابوكي، بس ما باليد حيله، اسمعى كلامه يا خديجه.
شهقت خديجه بعنف وهي تكتم انفاسها وتهتف بصوت مهزوز يتخلله البكاء: ليه؟!، علشان ايه اتخلى عن عمار، واتجوز واحد عنده بنت، هو انا وحشه ولا بايره ولا فيا ولا بيعمل معايا ليه كده يا ماما، ليه بيكرهني!.
هزت والدتها رأسها بضعف وهي تقول ببكاء مرير ولكنه خافت خوفًا من ان يسمعه ذلك المدعو زوجها: بيكرهنا كلنا يا خديجه، انا وانتي واخوكي وليلى، مبيحبش حد فينا، لو موافقتيش برضاكي، هايخليكي توافقي غصب عنك بالضرب والاهانه والذل، ارحمي نفسك وجسمك من ضربه وارحميني وارحمي اخواتك معاكي، انتي عارفه كويس ان لما بضايق من حاجه بيطيح فينا كلنا ضرب واهانه!.
رفعت اصبعها امام والدتها وهي تقول بعصبيه خافته: اديني سبب واحد علشان يعمل فينا كده مبيحبناش يسيبنا، ميصرفش علينا، ليه بيعمل كده، ده زي ما يكون قلبه اتجرد من الرحمه وحنان الاب..
نظرت والدتها الى ابنتها الاخرى ليلى وجدتها غافيه على فراشها، فنهصت وجلست بجانب خديجه لتقول بحزن: هاقولك يابنتي واحكيلك، زمان كنت بحب واحد وهو موعدني انه يتجوزني، وانا كنت صغيره وعلى عمايا وماشيه وراه زي الهبله، جه في يوم وليله وابويا قرر يجوزني ل على ابوكي، مش هاكذب واقول ان اتعاملت معاه عادي لا كنت بكرهه لان كنت فاكره ان ابويا ظلمني، والصراحه ابوكي كان بيعاملني كويس، بس عمري ما خنته وانا على ذمته ابدًا، اللي كنت بحبه مكنش بيبطل يبعتلي جوابات ويبعتلي عيال صغيره من الشارع تطلعلي علشان اكلمه وانزله، بس والله كنت بحرق جواباته ومكنتش برضى ابدا انزله وفضل كده لغايه ما كنت حامل فيكي في الشهر السادس، بدات اسمع كلام وحش من الجيران عليا، خوفت كلام يوصل لابوكي، قررت انزل اقابله واقوله يبعد عني، وحظى الاسود ابوكي كان في مؤامريه في المكان اللي بقابله فيه، ووقتها شوفت اسود ايام حياتي، الشك دخل قلبه وعقله، كنت فاكره ان هاقدر اهزم شكه بس الشك هو اللي هزمني ودمرني ودمر حياتي وحياتكو...
صمتت لبرهه تحاول تهدئته نفسها من وجع والم الماضي، ماضي لا يمكن ناسينه ابدًا مهما مر الزمان، عادت وهى وتكمل حديثها بوجع اكبر: استنى لما ولدت وعمل تحليل علشان يتاكد انك بنته واتاكد بس اتغير من وقتها بقى واحد صعب وبيكره كل اللي حواليه..
هتفت خديجه بحزن: طب ليه مطلقتيش منه؟!.
هزت والدتها رأسها بالم وهى تتذكر حديث والدها الاذع لها: هو فعلا رماني عند ابويا لغايه ما ولدت وكان جدك كل يوم بيهدلني بكلامه وان جبتله العار، ولما اتاكدو انك بنته، ابويا طلب منه انه يرجعني، وهو وافق بس بشرط...
_ ايه هو الشرط يا ماما!...
ابتسمت والدتها بسخريه ثم تحدثت بقهر: ان امضى شيك على بياض، واعيش زي المزلوله معاه، ومقدرش افتح بوقي معاه، وهو ده حالي لغايه دلوقتي.. قبل ما يكلمك هددني ان لو مخلتكيش توافقي مش هايتردد لحظه انه يسجنى.
وقفت خديجه بصدمه وهى تتحدث بشرود غير مدركه لغضب والدها الى هذا الحد، الم تطفئ السنين الامه ووجعه: معقوله يعمل كده في مراته وام عياله؟!.
مسحت والدتها دموعها بحزن لتقول: يابنتي الشك لما بيدخل قلب وعقل الراجل، قولي على حياتك يلا السلامه، الشك ده قادر يهدم كل حاجه كانت ممكن تبقى في يوم من الايام حلوه!.
هزت خديجه رأسها بيأس وملامح حزينه وهى تجلس على فراشها: ياعني المفروض اقول اه واوافق واتجوز واحد عنده بنت واتحمل مسؤليتها، واسيب عمار ...وحياتي تتدمر!.
جلست والدتها بجانبها لتربت على يديها بحب وحنان وقالت: ولو قولتي لا، هاتعيشي اصعب ايام حياتك، ولو فكرتي تهربي هاتجبلينا العار..
نظرت لوالداتها وسألتها بصوت يشوبه البكاء: الموافقه اصعب ولا العار اصعب، انهى اصعب يا ماما..
هزت والدتها رأسها بنفى لتقول ببكاء: والله يابنتى ما اعرف، والله ما اعرف، مبقتش عارفه طعم السهل من كتر ما دوقت الصعب في حياتي كلها...
دفنت نفسها في احضان والدتها لتسمح لنفسها بالبكاء مره اخرى وهي تقول بيأس: مصيري زي مصيرك، الوجع وبس، ومبقاش في ايدي حيله، غير ان اقول اه، وادفن حبي حياتي في قلبي، واستسلم لحياه ووجع جديد...
( باااك ) .
عادت من ذكرياتها وهى تقول ببكاء: معقوله هاسلم نفسي لوجع جديد مش كفايه اللي انا عايشه فيه، كفايه عليا كدة، انا تعبت.