رواية قطة في عرين الأسد للكاتبة منى سلامة الفصل الرابع
قضت مريم ليلتها وهي تشعر بالألم والحزن بسبب الإهانة التي تعرضت لها من خالد. وعزمت على ترك حملته تماماً. توجهت مريم في الصباح الى مكتب عماد وقالت له: - لو سمحت يا أستاذ عماد أنا مش حبه أمسك حملة شركة المقاولات
نظر اليها عماد بإستغراب قائلاً: - ليه؟
فكرت قليلاً ثم قالت: - يعني مش حبه وخلاص. ممكن أبدل الحملة دى مع أى حد من زمايلي وآخد الشغل بتاعه.
صمت عماد قليلاً ثم قال: - طيب. بدلى مع سهى وخدى الحملة اللى هتبدأ فيها
شكرته قائله: - شكراً يا أستاذ عماد
همت بالإنصراف لكنه أوقفها قائلاً: - مريم
- أيوة
نظر اليها متمعناً ثم قال: - انتى كويسة
أومأت برأسها قائله: - الحمد لله
ظل ينظر اليها قليلاً ثم قال: - لو احتجتى لأى حاجة عرفيني
نظرت اليه بإمتنان وقالت: - شكراً يا أستاذ عماد
خرجت وعينا عماد تتابعانها في أسى. ثم انكب على عمله.
قالت مريم ل سهى: - سهى أستاذ عماد قالى أبدل معاكى حملة شركة المقاولات بالحملة اللى في ايديكى
نظرت اليها كل من مى و سهى بدهشة. قالت سهى: - ليه. اشمعنى
- مفيش هو قالى كده
- مفيش مشكلة هاتى الملف بتاع الحملة وخدى ملف حملتى أهو
بدأت مريم في العمل على الحملة الجديدة. وهي تحاول أن تتناسى كلمات خالد الجارحة التي قالها لها بالأمس.
نظر عثمان الى أخته صباح التي وقفت تصفف شعرها أمام المرآة قائلاً: - انتى مش هتبطلى وجوف جدام المرايه ولا اييه. جومى شوفى أمك وساعديها في تحضير الوكل
قالت بحنق: - حاضر نازله
صاح قائلاً: - يلا يا بت انجرى بلاش دلع وجلة حيا
صاحت قائله: - هو آنى عملت اييه يعني. حاجة غريبة صحيح
صاح عبد الرحمن قائلاً: - هو انتوا مش هتبطلوا خناج أبداً. لازمن كل يوم نسمع الخلج صوتنا.
نزلت صباح وهي تتمتم بغضب. جلس عثمان بجوار أبيه على الأريكة ساهماً. ثم قال: - تفتكر مين اللى عمل اكده يا بوى
تنهدت عبد الرحمن وقال: - علمى علمك يا ولدى. علمى علمك
ثم قال بأسى: - فجدت ابنى ياسين ومن جبله خيري الله يرحمهم التنين
- الله يرحمهم
التفت عثمان الى أبيه قائلاً: - لسه مفيش أخبار عن ولاد خيري خوى الله يرحمه.
قال عبد الرحمن بألم: - لا والله ياولدى. آنى ما خليت شئ إلا وعميلته. آني حتى مخبرش بجيله كام ولد عايش. آني معرفش غير ان بنته ماتت معاه في الحادثة. والناس جالولى انه مخلف غيرها. لكن مخبرش ولاد ولا بنات عايشين ولا ميتين. وين أراضيهم مخبرش
قال عثمان بحزم: - لازمن نلاجيهم ونلم لحمنا يابوى
- ان شاء الله يا ولدى. ان شاء الله هنلاجيهم ونجيبهم يعيشوا معانا اهنه.
تقدم رجل الى مكتب سكرتيرة مراد قائلاً: - أنا مندوب جمعية رسالة وعندى معاد مع الأستاذ مراد خيري
قالت له السكرتيرة: - اتفضل استريح
قامت وتوجهت الى مكتب مراد لحظات وعادت وأشارت للرجل بالدخول قائله: - اتفضل
تقدم الرجل الى مكتب مراد الذي قام ليصافحه. قائلاً: - أهلا بيك اتفضل اعد.
قدم الرجل الكارنيه والبطاقة الى مراد قائلاً: - أنا مندوب من جمعية رسالة. أولاً أنا شاكر لحضرتك انك سمحتلى آخد من وقتك. وآسف لو كنت هعطلك
قال له مراد: - لا أبداً اتفضل.
تحدث الرجل قائلاً: - جمعية رسالة لو حضرتك مسمعتش عنها. دى جمعية خيرية ليها أنشطة كتير جداً. اتأسست في مصر سنة 1999. بدأت كحركة طلابيه في كلية الهندسة. وبعدين نشاطها وسع لما تم لتبرع بقطعة أرض في فيصل وقدرنا بمجهوداتنا اننا نشهر الجمعية. وحالياً لينا أكتر من 50 فرع في جميع أنحاء الجمهورية. من نشاطاتنا. مساعدات الأسر الفقيرة. محو الأمية. خدمات للمكفوفين. كفالة اليتيم. رعاية الصم والبكم. رعاية المعاقين ذهنياً. مستوصفات خيريه.
صمت قليلاً ثم قال: - وتوفير كراسى متحركة وأطراف صناعية للغير القادرين
أومأ مراد برأسه. فتنحنح الرجل قائلاً: - يعني أنا دايماً بشوف ان ميحسش بالناس دى غير اللى مر بظروفهم. وعشان كدة جيت لحضرتك النهاردة. لو تحب تساهم معانا في مساعدة الناس دى.
أومأ مراد برأسه ودون أن يتكلم أخرج دفتر شيكات من درج مكتبه وقلماً أنيقاً وذيل الشيك بتوقيعه وكتب مبلغاً اتسعت له ابتسامة الرجل وشكره بحراره وأعطاه وصلاً قائلاً: - حقيقي متشكرين جداً يا أستاذ مراد. وأنا كنت واثق من كرم اخلاقك. ومتشكرين مرة تانية
أومأ مراد برأسه دون كلمه. استأذن الرجل وانصرف. شرد مراد قليلاً وعلامات الحزن على وجهه. ثم ما لبث أن عاد الى الملفات التي أمامه واندمج في عمله مرة أخرى.
توجهت مريم مع مى الى منزلها. استقبلتها والدتها بترحاب شديد: - ازيك يا مريم أخبارك ايه
ابتسمت مريم قائله: - الحمد لله يا طنط ازى حضرتك
- بخير يا مريم الحمد لله
ثم التفتت الى مى قائله: - يلا خدى صحبتك على أوضتك عمال ما أجهزلكوا الغدا
قالت مريم بحرج: - معلش يا طنط تعبت حضرتك
ابتسمت والدة مى وقالت: - لا يا حبيبتى أبداً مفيش تعب ولا حاجه.
دخلت الفتاتان الى الغرفة. قالت مي: - فكى الطرحة متخافيش بابا مش بييجي دلوقتى
أومأت مريم برأسها. اقتربت منها مى وجلست بجوارها على السرير قائله: - حالك مش عاجبنى يا مريم
حاولت مريم رسم ابتسامة على شفتيها قائله: - ليه مالى ما أنا كويسه أهو
نظرت اليها مى بحزن وقالت: - لحد امتى هتفضلى عايشة لوحدك كده. كده غلط عليكي يا مريم لا بتشوفى حد ولا بتتكلمى مع حد. أنا مش عارفه ازاى طايقه تعيشي في البيت لوحدك.
ظهرت سحابة حزن في عينيها وقالت: - أعمل ايه قدرى كده
قالت مى بحماس: - ما هو انتى لو تفكيها شوية. يعني أشرف كان شكله باين عليه انه عايز...
قاطعتها مريم بحده: - تانى يا مى. مش قولتلك مش عايزة أتكلم في موضوع أشرف ده
قالت مى بحزم: - يعني حضرتك ناوية تعيشي طول العمر لوحدك يعني
قالت مى بأسى: - ياريت أموت وأرتاح
- ليه كده يا مريم. ليه بتقولى كده.
قالت والعبرات في عينيها: - تعرفى يا مى دى أكتر حاجه بتمناها. او تعتبر الحاجة الوحيدة اللى بتمناها. انى أموت وأرتاح. أنا عايشة ليه أصلاً
تنهدت مى قائله: - استغفرى ربنا يا مريم. انتى متعرفيش الخير فين
تمتمت بصوت خافت: - أستغفر الله. مش قصدى. بس ساعات بيطلع منى كلام غصب عنى.
ابتسكت بضعف قائله: - بس متخفيش عليا أنا كويسة. كويسة أوى. وبعدين خلاص أنا أخدت على الوحدة. يعني لما بكون لوحدى في البيت مش بكون مضايقة. خلاص أنا اتعودت على كده
قالت ذلك ثم شردت. راقبتها مى ثم أخرجتها من شرودها قائله: - انتى ليه سبتى حملة شركة المقاولات.
تنهدت مريم بحدة وكأنها لا تريد أن تتذكر ما حدث. لكنها قصت على مى ما دار بينها وبين خالد بالأمس. هتفت مى قائله: - ده انسان مش محترم وقليل الذوق. ازاى يقولك كده
قالت بأسى: - أهو ده اللى حصل. كل ده عشان بقوله ازاى تمسك ايدي كده
التفتت الى مى وقالت بغضب: - كان ماسكنى من دراعى في وسط الشارع. عادى ولا أكن في حاجه غلط بيعملها. لا والبشمهندس كان عايزنى أركب عربيته ونعد في مكان نتكلم في الشغل. حاجه هم صحيح.
- سيبك منه. وأحسن انك سبتى الحملة بتاعته. بلاش حرقة دم الواحد مش ناقص الأشكال دى كمان
- مرضتش طبعاً أقول لأستاذ عماد على اللى حصل. اتحرجت جداً أقوله الكلام اللى قالهولى. وهو بصراحة كان ذوق أوى ووافق على طول انى أبدل مع سهى الحملة اللى هي مسكاها
ابتسمت مى قائله: - عماد طول عمره ذوق ومحترم.
قالت مريم بسرعة: - جداً. محترم جداً. من الرجالة القليين اللى تقابليهم في حياتك وتحسى فعلاً انهم ناس محترمة. كفاية انه مش بيرضى يعمل حاجات غلط في شغله رغم انه ممكن يكسب أضعاف أضعاف ما بيكسب. لكنه مانع تماماً صور البنات على التصاميم أو صورة أى حاجة حرام. وبيرضاش يعمل حملات دعائية لأى مكان فيه رقص أو خمرة أو أى حاجة حرام. بجد ربنا يباركله
قالت مى بخبث: - فينه ييجى يسمع الكلام اللى بيتقال عنه.
نظرت اليها مريم بحده قائله: - مى مفيش داعى للكلام ده. انتى فاهمة انى بتكلم عادى ومش في نيتى حاجه
هتفت مى قائله: - ماهو المصيبة ان مفيش في نيتك حاجه. نفسي مرة أشوفلك نيه مش كويسة
ضحكت مريم قائله: - انتى فظيعه على فكرة
- أنا فظيعة أمال انتى تبقى ايه. أنا مش عارفه مستحملاكى ليه
ابتسمت مريم: - عشان صحبتى وبتحبينى وعارفه ان أنا كمان بحبك أوى
بادلتها مى الابتسام قائله: - ماشى يا ستى غلبتيني المرة دى.
ثم نهضت قائله: - أما أشوف الحجة دى اتأخرت في الأكل كده ليه
توجهت مى الى المطبخ لمساعدة والدتها. وقالت لها: - متحرمش منك يا ماما
ابتسمت أمها قائله: - ده مش عشانك ده عشان مريم
- ربنا يكرمك انك سمعتى كلامى ووافقتى نعزمها
قالت أمها بحزن: - دى بنت غلبانه ربنا يصلح حالها والله قلبي بيتقطع عليها. ربنا يرزقها بإبن الحلال اللى يعوضها
ثم التفتت الى مى قائله: - هي لسه عايشة لوحدها.
قالت مى: - أيوة هتعيش مع مين يعني. ملهاش حد تعيش معاه
- ولا حتى أهل أبوها أو أهل أمها. يعني ملهاش أعمام خيلان خالات
- لأ ملهاش حد خالص. أهل مامتها ميتين ومامتها كانت البنت الوحيدة ليهم. وأهل باباها مش عايشين هنا
قالت أمها بسرعة: -طيب يلا شيلي الأكل معايا نحطه على السفرة. اتأخرنا في الغدا أوى وعندنا ضيفه ميصحش
التف ثلاثتهم حول طاولة الطعام. قالت والدة مى: - مريم حبيبتى كلى مبتاكليش ليه.
ابتسمت لها مريم بخجل قائله: - باكل يا طنط
هتفت الأم: - ده أكل عصافير يا بنتى. كلى كويس يا حبيبتى ولا مكسوفة انتى زى مى بنتى
- لأ أبداً يا طنط مش مكسوفة. بس أنا أكلى كده
- لا يا حبيبتى كده مينفعش لازم تاخدى بالك من أكلك وصحتك
هتفت مى: - قوليلها يا ماما بدل ماهى بقت عاملة زى ستى الحجة كده
عاتبها أمها قائله: - تؤ عيب يا مى متضايقيهاش
ثم التفتت الى مريم قائله بحنان: - يلا يا حبيبتى كلى.
نظرت اليها مريم بأسف قائله: - معلش يا طنط بس بجد شبعت
- حبيبتى انتى مكلتيش حاجه
- والله يا طنط شبعت فعلاً. تسلم ايدك الأكل حلو أوى
تنهدت قالت الأم في استسلام: - طيب قومى يا حبيبتى اغسلى ايديكي الحمام فاضى
قامت مريم فنظرت أم مى اليها وقالت بحزن: - البنت دى وجعالى قلبي أوى
- أنا كمان مضايقة عشانها
قالت أمها مستفهمة: - هو مفيش حد اتقدملها قريب.
هتفت مى بصوت منخفض: - وهي أصلاً مديه لحد فرصة. وانتى فكرك ان حتى لو حد اتقدم هي هتوافق. مستحيل توافق
قالت الأم بإستغراب: - يعني هتعيش طول عمرها لوحدها كدة. لو كان لها أهل كنا قولنا أهى في بيت أهلها. لكن دى عايشة لوحدها. والناس مبترحمش
قالت مى بثقه: - مستحيل مريم تفكر في راجل تانى غير ماجد. مستحيل
قالت أمها: - بس ماجد...
قطعت كلامها عندما أتت مريم من الداخل. جلست الفتاتان لتجاذب أطراف الحديث. حاولت مى اضفاء جو من المرح لتخرج مريم من قوقعة الأحزان التي حاوطتها من كل جانب.
كان مراد في طريقه الى بيته عندما أوقف سيارته أمام احدى الإشارات في انتظار أن يُفتح الطريق. التفت الى الجانب ليجد شاباً يتحدث الى فتاة توليه ظهرها. كانت الفتاة ترتدى بدى ضيق للغاية على بنطلون سكيني التصق بجسمها تماماً حتى ظهرت كل تفاصيله واضحة للعيان. كان من الواضح أن الفتاة متضايقه من حديث الشاب. لكنه ظل يلف ويدور حولها. التفتت اليه لتحدثه بحده. لكنه ظل يضايقها حتى تطاول عليها بيده. انتفض مراد وخرج من سيارته مسرعاً. وتوجه الى الشاب وجذبه من ملابسه وقال بغضب: - لم نفسك يله. لو انت مش متربي وملقتش حد يربيك أنا أعرف ازاى أربيك.
نظر اليه الفتى في دهشة وصاح: - وانت مالك ومالى أنا كلمتك
لكمه مراد في كتفه بقبضة يده قائلا بغضب هادر: - بتمد ايدك على واحده في الشارع وأدام الناس عينى عينك كده. ليه. فاكر ان البلد دى مفيهاش رجاله
تجمع المارة وحاولوا تهدئة مراد الذي يبدو وكأنه قد استشاط غضباً. فقال الفتى بخوف: - خلاص محصلش حاجه. أنا آسف
قال مراد بغضب بالغ: - امشى من أدامى دلوقتى بدل ما أشلفطلك وشك.
شعر الفتى بالخوف من نظرات مراد النارية وتعبيرات الغضب التي حولته الى وحش كاسر يكاد أن يفتك بالفتى. رحل الفتى وهم مراد بأنه يتوجه الى سيارته التي تسد الطريق فوقفت الفتاة أمامه قائله: - ميرسي أوى لحضرتك على اللى انت عملته عشانى
نظر اليها مراد بإحتقار قائلاً بحده: - ماهو العيب مش عليكي. العيب على الراجل اللى سابك تنزلى من بيته بالمنظر ده. واللى المفروض ميتقالش عليه راجل أصلاً.
تركها وتوجه الى سيارته وقد اشتعلت وجنتاها من الخجل.
جلس حامد في بيته يشاهد احدى قنوات الرقص. وصوت التلفاز يكاد يصم الآذان. عندما رن جرس الباب. توجه ليفتحه فوجد أمامه امرأة تكشف من جسدها أكثر مما تستر. نظرت اليه بحده قائله: - مفاجأة مش كدة
ظهرت عليه علامات الغضب وترك الباب مفتوح ودخل وعاد الى مكانه فوق الأريكة. دخلت وأغلقت الباب ووقفت تنقل بصرها من التلفاز اليه وقالت: - ممكن لو سمحت نتكلم شوية
قال بلامبالاه: - مفيش حاجة نتكلم فيها.
أمسك الريموت غاضبة وأغلقت التلفاز بعصبيه وقالت: - لأ في يا حامد
وقف وقال لها بغضب: - انتى عايزه ايه يا هايدى بالظبط في ليلتك اللى مش فايته دى
صاحب بغضب هي الأخرى: - عايزه نتكلم في المصيبة اللى أنا فيها دى
قال ببرود: - اديكي قولتى المصيبة اللى انتى فيها. انا دخلى ايه بأه
هتفت قائله: - لا انت ليك وليك كمان. مش انت السبب. ولا أنا حملت لوحدى.
صاح بسخرية: - وأنا مضربتكيش على ايدك يا هايدي. ومحدش قالك بتقى غبية ومتعمليش حسابك عشان حاجه زى كده متحصلش
قالت بتوتر بالغ: - يعني ايه يا حامد اتصرف ازاى دلوقتى. وايه اللى يمنع اننا نتجوز
صاح ضاحكاً: - ن ايه؟ سمعيني تانى كده. نتجوز. ليه شيفانى عيل برياله هتعرفى تضحكى عليه بكلمتين. أنا مش بتاع جواز يا كتكوته. وانتى عارفه كده من الأول
قالت وهي تبكى: - بس أنا دلوقتى في مصيبة.
قال ببرود: - اتصرفى عندك مليون طريقة تنزلى بيها اللى في بطنك
ازداد بكائها قائله: - بس أنا خايفه يا حامد. خايفة يجرالى حاجه
زفر بضيق وصاح بحده: - بقولك ايه بطلى قلة مزاج على المسا. روحى شوفى هتتصرفى في مصيبتك دى ازاى وحلى عن سمايا
نظرت اليه بإحتقار قائله: - مكنتش أعرف انك حقير للدرجة دى
قال بسخرية: - وآديكي عرفتى. يلا بأه الباب يفوت جمل.
جلس مكانه على الأريكة وأعاد تشغيل التلفاز مرة أخرى. فتوجهت هايدى بإنكسار الى الباب وفتحته وخرجت.
بعد عدة أيام طارق الى مكتب الدعاية. ودلف الى مكتب مريم قائلاً: - ازيك يا آنسه مريم
نظر اليه الثلاث فتيات. أومأت مريم برأسها قائله: - الحمد لله. اتفضل يا فندم
جلس طارق في مواجهتها ووجهت شاشة الحاسب تجاهه لتريه التصميمات قبل طبعها. قال لها مبتسماً: - شغلك ممتاز فعلاً. والتعديلات زى ما طلبتها بالظبط. شكلك فعلاً بروفيشنال
شكرته قائله: - شكراً لذوق حضرتك.
تمعن في وجهها قائلاً: - انتى مضايقة منى في حاجه
نظرت اليه في دهشة وقالت: - لأ
قال بإستغراب: - أمال ليه بتتكلمى معايا ناشف كده. أنا اعتذرتلك المرة اللى فاتت عن تعبك معايا في الحملة وأكيد هراعى ده لما آجى أدفع الدفعة التانية من الفلوس
قالت بجديه: - أنا مش مضايقه من حضرتك في حاجه. وأنا مش قصدى أتكلم ناشف بس دى طريقتى وده اسلوبى.
ثم عادت تنظر الى الحاسوب قائله: - ان شاء الله التصميمات هتدخل المطبعه من بكرة. وخلال 3 أيام بالظبط هتكون كل حاجة جاهزة وتقدر حضرتك تستلمهم في أى وقت
وقف قائلاً: - تمام أوى. حابب أتكلم مع أستاذ عماد شوية. متعرفيش هو في مكتبه ولا لا
نظرت اليه قائله: - لأ معرفش. تقدر حضرتك تسأل السكرتيره
أومأ برأسه قائلاً: - تمام. ومتشكر مرة تانية.
بعد ربع ساعة. قامت مريم وحملت حقيبتها قائله: - سلام بأه أنا ماشية
قالت مى دون أن ترفع عينيها عن حاسوبها: - سلام يا مريم
سألتها مريم: - مش هتروحى
قالت مى بحنق: - شوية كده. لسه عندى شغل
قالت وهي تتوجه الى الباب: - طيب سلام أشوفك بكرة.
خرجت مريم من باب العمارة لتجد خالد يقوم بركن سيارته. شعرت بالضيق من تلك الصدفة التي جمعتها به ثانياً. حاولت السير في طريقها. لكنه رآها وأقبل عليها يوقفها قائلاً بغضب: - بأه حته بتاعه زيك ترفض تمسكلى الحملة بتاعتى. ليه فاكره نفسك مين. انتى متعرفيش أنا مين ولا ايه يا بت انتى
نظرت اليه بحده ائله: - مسمحلكش تتكلم معايا بالإسلوب ده.
قال بسخريه: - نعم. متسمحيليش. هو أنا محتاج اذنك. أنا حالا هطلع لمديرك وأخليه يشوف شغله معاكى. عشان تعرفى ازاى تبقى محترمة وازاى تتكلمي مع الناس المحترمة
قالت بصرامة: - أنا محترمة غصب عنك. ومش محتاجة حد يعلمنى ازاى أبقى محترمة
استشاط غضباً وقال: - انتى ازاى تتكملى معايا كده. انتى اتجننتى في عقلك.
سمع طارق جزء من الحوار عندما خرج من بوابة العمارة وهم بالتوجه الى سيارته لكن صوت الصراخ جذب انتباهه واسمتع الى جزء من الحوار واقترب منهما قائلاً: - في حاجه يا آنسه مريم
نظر اليه خالد قائلاً: - انت مين انت كمان. متخليك في حالك
همت مريم بالمغادرة لكن خالد وقف أمامها قائلاً: - استنى أنا لسه مخلصتش كلامى.
قالت بصرامة: - وأنا معنديش استعداد أسمع منك حرف واحد. عندك مشكلة اعرضها على أستاذ عماد ومتضطرنيش أتصرف معاك تصرف ميعجبكش
صاح غاضباً: - انتى فعلا اتجننتى في عقلك. انتى فاكرة نفسك مين يا بنت انتى ما تفوقى لنفسك
وقف طارق في وجهه قائلاً: - لأ لحد كدة وكفاية. ازاى تتكلم معاها كده
التفت اليه خالد قائلاً: - وانت مالك انت. مالك وملها
قال طارق بحزم: - انا خطيبها عندك اعتراض. يلا اتفضل امشى.
شعرت مريم بالدهشة لادعائه بأنها خطيبته. لكن كان هذا كفيل بأن يرحل خالد وهو يرمقها بنظرات غيظ. همت مريم بالمغادرة لكن طارق أوقفها قائلاً: - هو بيضايقك ليه
قالت بتوتر: - عشان رفضت أمسك الحملة الإعلانيه بتاعة شركته
نظر اليها مستفهماً: - ورفضتى ليه
قالت بإقتضاب: - عشان انسان مش محترم
ثم قالت دون أن تنظر اليه: - بعد اذنك
أوقفها قائلاً: - طيب تعالى اتفضلى معايا وأنا أوصلك.
وجهت اليه نظرات نارية لكنها حافظت على هدوء صوتها قائله: - آسفة مبركبش مع حد. بعد اذنك
انصرفت مريم في طريقها وعينا طارق تتابعانها لفترة ثم ركب سيارته وانطلق في طريقه.
جلست مريم كالعادة على الأريكة أمام التلفاز دون أن ترى حقاً ما يتم عرضه أمامها. كانت في عالم آخر. تلقى نظرة كل فترة على الساعة المعلقة على الحائط. وكالعادة تأهبت عندما اقتربت الساعة من الثانية عشر بعد منتصف الليل. وتوجهت الى حقيبة الرسائل وأخذت تبحث عن الخطاب الذي يحمل رقم 54. دقت الساعة لتعلن الوقت الثانية عشر فتحت الخطاب بلهفة وشغف. وعيناها تلمعان وبسمة صغيره على شفتيها. قرأت بعينيها وقلبها وروحها: - حبيبتى مريم. كيف أنتِ الآن. أتهتمين بنفسك حبيبتى. أم عدتِ الى اهمال نفسك وطعامك مرة خرى. أعلم أنكِ لا ترفضين لى طلباً ولا تعصين لى أمراَ. لذلك إن كنتى تحبينني بالفعل فستهتمين بنفسك أكثر. كيف حالك مع الله. أتواظبين على قراءة وردك أم تتكاسلين. أعرف جيداً أن حبيتى لا تتكاسل عن فعل الخير. لكنى أذكرك فحسب. لا تقطعين خيراً تفعليه. وارمى سهماً في كل خير تجديه. حبيبتى طلبى هذا الإسبوع هو زيارة صغيرة منكِ الى والدتى. التي أشفق عليها وعلى حالها. أعلم أنها زيارة لا تفيد. لكنى أريدك أن تقومى بها. من أجلى يا مريم. حبيبك: ماجد.
ضمت الجواب الى صدرها واستنشقته لعلها تجد رائحة ماجد وقد علقت به. ثم أضافته الى باقى الخطابات في درج الكمودينو. أنهت قراءة وردها ووضعت المصحف بجوارها وأغلقت النور. ظلت شاردة قليلاً. وعزمت في الصباح على تنفيذ ما طلبه منها ماجد. زيارة والدته التي تعيش في أحد دور المسنين.
حاول مراد النوم لكنه شعر بالأرق ففتح الشرفة ووقف فيها. همت والدته بغلق شباك غرفتها عندما رأته. فتوجهت الى غرفته وطرقت الباب. فتح لها مراد ودعاها للدخول. قالت: - شوفتك من شباك أوضتى عرفت انك صاحى
- مش جايلى نوم
جلست أمه على أريكة في الغرفة وجلس بجوارها قائلاً: - عمتو عامله ايه دلوقتى
نظرت اليه بتمعن قائله: - كويسة. بس مش هي اللى قلقانى
قال بقلق: - سارة و نرمين كويسين.
قالت بنبرة ذات معنى: - أيوة كويسين بس انت اللى مش كويس يا مراد
قال مراد بهدوء: - ليه مش كويس ليه ما أنا زى الفل أهو
نظرت اليه أمه بعتاب قائله: - مش ناوى تفرحنى يا مراد و تتجوز وأشوف ولادك وأطمن عليك قبل ما أموت
قال مراد على الفور: - ربنا يبارك في صحتك وفي عمرك يا أمى
قالت بإصرار: - رد على سؤالى. ناوى تتجوز امتى. ناوى تفرحنى بيك امتى
قال مراد بضيق: - أمى لو سمحتى مش حابب أتكلم في الموضوع ده.
قالت أمه بحده: - يعني ايه مش حابب. انت هتفضل دافن نفسك بالحيا كده لحد امتى. مفيش في حياتك غير شغل وبس
قام مراد بعصبيه وقال: - وأنا مش حابب يكون في حياتى غير الشغل وبس
نهضت ووقفت في مواجهته قائله: - لأ. أنا مش ممكن أسمحلك تضيع شبابك كده
قال مراد بنفاذ صبر: - أنا مبسوط كده.
هتفت أمه: - بس أنا مش مبسوطة يا مراد. ولا انت مبسوط. ده أنا حتى مبشوفكش بتبتسم. انت مفيش حاجه بتعملها ولا بتفكر فيها غير شغلك. حياتك فاضية يا مراد
قال مراد بحزم: - لأ مش فاضية انتى و سارة و نرمين وعمتو ملينها عليا
قالت أمه بحده: - مراد. دور على عروسه. ولو مش لاقى قولى وأنا أدورلك. عايزه أشوفك متجوز يا مراد وعندك بيت واسرة
قال مراد بمرارة: - ما أنا اتجوزت يا أمى. اتجوزت.
رقت ملامح أمه وقالت بحزن: - مش كل البنات يا ابنى زى...
قاطعها قائلاً بعنف: - لأ كلهم زى بعض. ميفرقوش حاجة عن بعض. كلهم عينه واحده. وأنا مش ممكن أذل نفسي لواحده فيهم. ولا يبقى لأى ست تأثير عليا
قتربت أمه منه تحاول تهدئته فقال بحده: - لو سمحتى يا أمى. متفتحيش الموضوع ده تانى معايا. أنا مش هتجوز أبداًً. مهما قولتى ومهما عملتى. وده قراري ومش ممكن أغيره أبداً.
نظرت اليه أمه بأسى وأستسلام. ثم غادرت الغرفة في صمت. جلس مراد على فراشه وهو يغطى وجهه بكفيه ثم قام ودخل الشرفة مرة أخرى وجلس على أحد المقاعد شارداً. في ظلمة الليل البهيم.