قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قطة في عرين الأسد للكاتبة منى سلامة الفصل الأول

رواية قطة في عرين الأسد للكاتبة منى سلامة الفصل الأول

رواية قطة في عرين الأسد للكاتبة منى سلامة الفصل الأول

أشرقت شمس الصباح وأخذت آشعتها الذهبية تتسلل الى السماء على استحياء. انه صباح يوم آخر. يهرع فيه الناس الى أعمالهم و أشغالهم. فترى زحمة السير في الطرق وترى أطفالا يحملون حقائبهم ذاهبون الى مدارسهم صحبة وفرادى. وترى المواصلات العامة وقد اكتظت براكبيها. تتمعن في تلك الوجوه. فترى بعضها شارداً وبعضها مكتئباً وبعضها متأففاً وقليل منهم تحمل ملامحهم علامات الراحة والرضا. ترى تلك السيدة الكبيرة التي صعدت الى الحافلة فيقوم هذا الشباب الشهم ويُجلسها مكانه اكراماً لسنها فينال دعوة طيبة. وترى تلك الفتاة التي تسند رأسها على شباك الحافلة الزجاجى وتبدو مهمومة فتتمعن فيها محاولاً تخمين ما الذي يؤرق مضجع فتاة يافعة مثلها...

وترى هذا الرجل الواقف في وسط الحافلة لا يجد مكاناً للجلوس تتمعن في وجهه فتراه منهمكاً في التفكير وكأنه يحمل هموم الدنيا فوق أكتافه. وترى ذلك الطفل الصغير الذي اندس بين الكبار يبحث عن مكان يتسع لقدماه الصغيرتان وجسده النحيل. تلك هي الدنيا. كالساقية تدور وتدور. وكل منا يعرف دوره في هذه الحياة. دوره الذي اختاره الله عز وجل له. فمنا من يبرع فيه. وينال أجر الدنيا والآخرة. ومنا من يتكاسل عنه. فيخسر أجر الدنيا والآخرة. وسط تلك الوجوه المصرية التي تتباين في الشكل واللون والملامح. ترى فتاة خمرية البشرة متوسطة الوزن والطول ليست بالجميلة باهرة الحسن وليست بالدميمة. فتاة مصرية عادية كملايين الفتيات اللاتى ترتطم بها عيناك وأنت تسير في شوارع القاهرة. لا يميزها سوى حجاب تخفى به شعرها. وملابس محتشمة تخفى تفاصيل جسدها الأنثوى. تسير الفتاة الى المترو لتركب في العربة المخصصة للسيدات. تجلس على أحد المقاعد الشاغرة وتُخرج من حقيبتها مصحف صغير. تقضى معه تلك الدقائق التي تفصلها عن مكان نزولها. يتوقف المترو ويستعد الركاب للمغادرة. تغادر مريم العربة وتتوجه الى تلك البناية التي تقع في مواجهة المترو. تدلف اليها ويلقى عليها حارس العمارة نظرة. ثم يعود لمطالعة جريدته الصباحية. تركب مريم المصعد وتضغط رقم 5. يتوقف المصعد في الطابق الخامس. تسير مريم عبر الردهة الطويلة التي اعتادت السير فيها يومياً حتى تصل الى باب مفتوح ومزين بلافته أنيقة كًتب عليها شركة رؤية للدعاية والإعلان.

توجهت مريم مباشرة الى احد المكاتب ووضعت حقيبتها على المكتب وجلست عليه. وبدأت في فتح جهاز الكمبيوتر الذي أمامها. ماهى الا دقائق حتى دخلت احدى الفتيات. كانت فتاة جميلة ممشوقة القوام. تتميز بحجابها واحتشام ملابسها. أقبلت بإبتسامه عذبه قائله: - صباح الخير يا مريم
رفعت مريم رأسها ونظرت الى صديقتها قائله: - صباح الخير يا مى.

أخذت الفتاة مكانها على المكتب الآخر الموجود في الغرفة. و التي كانت تضم ثلاث مكاتب. عادت مريم الى مطالعة حاسوبها. نظرت مى الى المكتب الفارغ وقالت: - هي الهانم لسه مشرفتش
- تؤ
قالت مي بحدة: - كالعادة عادتها ولا هتشتريها
قالت مريم بهدوء دون أن ترفع عينها عن حاسوبها: - ملناش دعوة. كل واحد حر في نفسه.

قالت مى بحدة أكثر: - اشمعنى احنا نلتزم بمواعيدنا. والهانم لازم كل يوم تتأخر. أنا هبلغ أستاذ عماد باللى بيحصل ده
رفعت مريم عينيها لتنظر الى صديقتها قائله: - ملناش دعوة يا مي. لو أستاذ عماد سأل نبقى نقوله. لكن طالما ما سألش عليها خلاص بلاش نعمل معاها مشاكل بدون داعى. انتى عارفاها
قالت مى بغيظ: - ما هو عشان عارفاها. أوف مش عارفه ليه مينقلوهاش مكتب تانى ويريحونا منها.

قالت مريم ببساطة: - حاولى متحتكيش بيها وخلاص. وبعدين سبيني أركز بأه عشان عندى شغل كتير
قالت مى وهي تبدأ في تشغيل حاسوبها: - شغاله على دعاية شركة دييبس؟
- أها
- ربنا معاكى شغلهم صعب وصاحب الشركة مبيعجبهوش العجب بيعدل كتير
رفعت مريم ناظريها قائله: - اشتغلتى معاهم قبل كدة
- أيوة من كذا سنة كنت ماسكه الحملة الدعائية بتاعتهم. كانوا متعبين بجد.

عادت مريم تنظر الى حاسبها وتمتمت: - لحد دلوقتى ما قابلنيش مشاكل معاهم
- يارب دايماً.

بعد نصف ساعة. دخلت الى المكتب فتاة تصبغ وجهها بمكياج صارخ. حتى سار وجهها وكأنه لوحه متداخلة الألوان. وحجاب صغير جدا لا يكاد يغطى شعيراتها الثائرة من الأمام. فتدخل يديها لتحاول عبثاً اخفاء تلك الخصلات. دخلت ودون أن تلقى التحية توجهت الى المكتب الثالث وجلست عليه وبدأت في تشغيل حاسوبها. ثم أخرجت من حقيبتها مرآة وأخذت تتأكد من تمام زينتها ثم قامت وتوجهت الى الخارج. تابعتها مى بعينيها وما كادت تخرج حتى هتفت قائله: - شوفتى المولد اللى سهى عملاه في وشها. ده لو مش عشان حرام فعلى الأقل من باب ان مفيش واحدة تحط كمية الميك دى على الصبح. شغل فلح صحيح.

قالت مريم بنفاذ صبره ونظرة محذرة: - مى بطلى تجيبي في سيرتها. هي حرة تعمل اللى تعمله. لينا اننا ننصحها وبس لكن مش نتكلم عنها كده
قالت مى بغيظ: - يعني عجبك منظرها
قالت فوراً: - لأ طبعا مش عاجبنى. بس بدل ما أنا وانتى نتكلم عنها في غيابها. الأحسن اننا ننصحها براحه أهو ناخد فيها ثواب. ونتجنب احنا اننا ناخد سيئات عشان شوية نميمة.

هتفت مى قائله: - ما احنا ياما نصحناها ومفيش فايدة مبتحترمش نفسها أبداً. واهى دلوقتى تلاقيها داخله عند أستاذ أشرف وهاتك يا تسبيل
قالت مريم بغضب: - مى بجد كفاية لو سمحتى
قالت مى تحاول تهدئتها: - خلاص متضايقيش مش هتكلم عنها تانى
عادت مريم الى عملها وهي تحاول تناسى غضبها من مى.

فى المكتب المجاور وقفت سهى أمام مكتب الأستاذ أشرف قائله بإبتسامه: - حقيقي بجد مش عارفه أشكرك ازاى يا أستاذ أشرف. لولاك مكنتش عرفت أخلص الشغل ده كله لوحدى
قال أشرف مبتسماً: - ولا يهمك يا آنسه سهى. احنا زمايل وواجبنا اننا نساعد بعض.

ازدادت ابتسامتها اتساعاً ونظرات عينيها جرئه قائله: - بصراحة مش عارفة أودى جمايلك عليا فين. من ساعة ما اشتغلت هنا وانت بتساعدنى ومرفضتليش أى طلب أبداً، حقيقي انت انسان ذوق أوى
ابتسم لمجاملتها قائلاً: - متشكر يا آنسه سهى
قالت وهي تغادر: - لو احتجت منى حاجه في أى وقت عرفني وأنا عنيا لحضرتك.

أومأ برأسها. خرجت من المكتب وعادت الى مكتبها تحمل بعض الأوراق وابتسامتها على شفتيها. راقبتها مى بغيظ. فإنتبهت سهى لنظراتها فقالت لها بحده: - ايه مالك بتبصيلي كدة ليه. لو عايزة صورة عرفينى وأنا أجبلك بدل ما انتى عماله تاخدلى صورة 4 في 6 من ساعة ما دخلت
قالت مى بسخرية: - وأنا هحتاج صور جنابك في ايه ان شاء الله. تكونيش حد مهم وأنا معرفش
قالت سهى بمياعه: - آه حد مهم ومهم أوى كمان.

قالت مى ساخرة: - والله. تصورى مكنتش أعرف
نظرت اليهما مريم قائله بغضب: - هو انتوا مش هتبطلوا بأه. مش عارفه أركز في الشغل. لو سمحتوا كل واحدة تبص في جهازها وتشتغل. ده مكان شغل مش مكان نتساير فيه.

التزمت الفتاتان الصمت وعادتا الى عملهما وكل منهما ترمق الأخرى بنظرات حنق. عادت مريم الى عملها تضرب بأصابعها النحيلة فوق لوحة المفاتيح. حانت منها التفاته الى تلك الدبلة الذهبية التي تزين أصابع يدها اليمنى. أخذت تتحسسها بأصابعها لحظات. ثم عادت الى اكمال عملها.

من أهم محافظات صعيد مصر. محافظة قنا. تلك المحافظة التي تتميز بموقع جغرافى رائع. حيث تحدها شمالاً محافظة سوهاج. وجنوباً محافظة الأقصر. وشرقا محافظة البحر الأحمر. وغربا محافظة الوادي الجديد. تضم تلك المحافظة 11 مدينة. أهمها مدينة نجع حمادى التي تُعرف بالصعيد الجوانى. والتي تتميز بزراعة قصب السكر وبوجود العديد من مصانع الألومنيوم. وتتميز بذلك المناخ الإقليمي الحار الذي يؤثر في طباع أهلها. تتشابه عادات أهل الصعيد مع عادات أهل الجزيرة العربية من حيث التكوين القبلى أو العشائرى فينقسم الناس بها الى عدة قبائل وكل قبيلة تتميز بالتماسك والترابط فيما بينهم فلا يستطيع غريب التسلل بينهم. يتميزون أيضاً بغيرتهم الشديدة على كل ما يخص القبيلة ومصالحها. توجد واحدة من كبرى القبائل ويطلق عليها قبيلة تميم. (اذا تشابه الإسم مع اسم قبيلة موجودة بالفعل فهو محض الصدفة).

توجد عائلتان من أكبر عائلات تلك القبيلة وهما عائلة السمري. و عائلة الهواري. كان بين العائلتان مصالح مشتركة كثيرة. يشتركان معا في العديد من الأعمال ويتميزان بسمعة و هيبة وسط أهل الصعيد. عائلة الهواري. كان كبيرها هو الحاج سباعى والذي يمثل رأس تلك العائله. في ذلك اليوم استيقظ سباعى من نومه ليترأس مائدة الطعام والتي وضع عليها ما لذ وطاب بدأ في تناول الطعام ثم التفت الى ابنه الكبير جمال قائلاً: - ايه أخبار المشكلة اللى كانت مع العمال يا جمال.

قال جمال وهو يكمل طعامه بنهم: - لا متجلجش يابوى حليناها ورضينا العمال. مع انهم كانوا عايزين جطع رجابيهم
قال سباعى بحزم: - اتعلم تسايس أمورك عشان المركب تمشى. في مواقف بتحتاج فيها الحزم وفي مواقف تانية بتعديها عشان مصلحتك
قال جمال بحنق: - يعني شوية رجاله ميسووش يمشوا كلامهم علينا
قال سباعى بغضب.

- الرجاله اللى بتقول عليهم ما يسووش هما من قبيلتك يا ولدى ولازم تطويهم تحت جناحك عشان قوتنا وعزتنا في عددنا وعشان كده احنا من أكبر عائلات الصعيد كلياتها. ولا عايزهم يجولوا عيلة الهواري مش عارفه تمشى شغلها زى باجى الخلج. يعني هيا عيلة السمري أحسن منينا ولا ايه
قال جمال بسخرية: - لا طبعا. ده احنا نغلبهم بالعدد وبالنسب. واحنا احسن منيهم مليون مرة. وكل القبيلة عارفه اكده.

- عفارم عليك ومادام اكده يبأه لازم الكل يتكلم عنا منيح وميجيبوش سيرتنا الا بالخير وعشان اكده رضينا العمال. لكن مش معنا اكده اننا ضعاف. لا. اللى يتنمرد حدانا يا ويله منينا
صمت سباعى قليلاً ثم قال: - أخبار المناجصة ايه. لسه مفيش نتيجه
- لا يابوى أنى موصى ناس أكابر أول ما يعرفوا المناجصه رسيت على مين يبلغونا.

ثم قال في حبور: - بس ما تجلجش واصل. هترسى علينا يعني هترسى علينا. مفيش حد حدانا يجدر يجدم مواصفات أحسن من اللى جدمناها. متشيلش هم يابوى
قال سباعى وهي ينهض: - ربنا يجدم اللى فيه الخير.

فى مكتب الأستاذ عماد صاحب ومدير شركة رؤية للدعاية والإعلان. جلس أحد أصحاب الشركات وقال: - بس يا أستاذ عماد احنا مش عايزين حملة عادية. عايزين تغيير شامل في كل شئ. لوجو الشركة وبروشورز تعريف بنشاط الشركة تتوزع في الشوارع وعلى الشركات الكبيرة. ده غير البوسترات واعلانات أوت دور
قال عماد مبتسماً: - ما تقلقش أبداً يا بشمهندس خالد. احنا الدعاية عندنا على أعلى مستوى.

قال خالد محذراً: - مش عايز أى شغل يا أستاذ عماد. لازم يبقى شغل من الآخر. أنا مش مهم عندى الفلوس. المهم النتيجة
طمأنه عماد قائلاً: - متقلقش وهختارلك أحسن ديزاينر عندنا في الشركة وهي اللى هتمسكلك الحملة
قال خالد مستغرباً: - هى!
ابتسم عماد: - أيوة. ثوانى وهعرفك عليها
رفع سماعة الهاتف قائلاً: - آنسة صفاء من فضلك ناديلى الآنسة مريم
- حاضر يا فندم
دخلت صفاء مكتب مريم قائله: - مريم أستاذ عماد عايزك في مكتبه.

رفعت مريم رأسها قائله: - متعرفيش عايزنى في ايه؟
- لا مقاليش. بس عنده عميل جديد
قامت مريم وعدلت هندامها. وسارت الى مكتب أستاذ عماد وطرقت الباب بخفه ثم دخلت وتركته مفتوحاً خلفها. توجهت الى المكتب قائله: - أفندم يا أستاذ عماد
أشار عماد الى خالد قائلاً: - البشمهندس خالد صاحب شركة مقاولات كبيرة. وحابب يتعاون معانا عشان ننفذله حملة دعاية لشركته ونشاطها
قالت مريم بصوت خافت: - أهلا بحضرتك.

قال خالد بإقتضاب: - أهلاً بيكي
نظر عماد الى خالد قائلاً: - الآنسة مريم من أفضل الديزاينرز اللى في شركتنا. وأنا واثق ان شغلها هيعجبك
ثم التفت الى مريم قائلاً: - يلا يا مريم عشان تتفقى مع البشمهندس خالد على تفاصيل الحملة
أومأت برأسها والتفتت الى خالد قائله: - اتفضل معايا.

توجهت مريم وخالد خلفها الى مكتبها. تطلعت الفتاتان الى هذا الرجل الوسيم الأنيق الذي دخل الى مكتبهم. قامت سهى على الفور بإخراج مرآتها تحت المكتب للتأكد من ضبط مكياجها. جلست مريم على المكتب وقالت ل خالد: - اتفضل
جلس خالد أمامها وهو يلقى نظرة على الفتاتان. قالت مريم بروتينيه: - حضرتك تحب تشرب ايه
قال خالد: - قهوة سادة لو سمحتى.

طلبت مريم له القهوة ثم قالت وهي تمسك بورقة وقلم: - اتفضل حضرتك قولى طلباتك بخصوص الحملة الدعائية
استغرق الحديث بينهما قرابة النصف ساعة. حتى قال خالد: - وياريت اعلانات الأوت دور يكون فيها موديلز
قالت مريم بإقتضاب: - آسفين يا بشمهندس. مش بنستخدم صور الموديلز في تصميماتنا
رفع خالد حاجبه بسخريه قائلاً: - ازاى يعني. كل الناس بتستخدم صور بنات في الدعاية لشركتهم ومنتجاتهم.

قال مريم بجديه: - مش لازم نحط صور بنات على الإعلان عشان نجذب بيه انتباه الناس. في طرق تانية كتير أهمها شكل التصميم. والكلام اللى مكتوب. وحجم اليافته. والألوان المستخدمه في التصميم. ونشاط الشركة نفسها وسمعتها في السوق
أومأ برأسه وبدا غير مقتنعاً بكلامها. وأخيراً نهض خالد للانصراف ومده يده اليها قائلاً: - تمام يا آنسه مريم كده اتفقنا على كل التفاصيل ومنتظر الشغل يخلص خلال اسبوع زى ما اتفقنا.

نظرت مريم الى يده الممدوده ثم نظرت اليه وقالت بجديه: - آسفه مبسلمش. حضرتك شرفتنا وان شاء الله خلال اسبوع كل التصاميم هتكون جاهزة. وهعرضهم على حضرتك قبل التنفيذ
أعاد خالد يده ونظر اليها ساخراً ثم انصرف دون كلمه. قالت سهى بعتاب: - أحرجتى الراجل يا مريم
نظرت اليها مريم بجديه قائله: - ما يتحرج وايه المشكلة
ثم عادت الى حاسبها لإكمال عملها.

هتف جمال بغضب بالغ: - يعني ايه المناجصة مرسيتش علينا. يعني ايه الكلام ده
قال الرجل الواقف أمامه في المكتب بتوتر: - ده اللى حاصل يا جمال بيه. خسرنا في المناجصة
صاح بحنق: - أمال رسيت على مين؟
نظر اليه الرجل وبدا عليه الخوف ثم قال بإستسلام: - على عيلة السمري
ضرب جمال على المكتب بكفيه وهب واقفاً وقال بغضب: - عيلة السمري؟ ازاى. ازاى جدروا يجدموا عرض أحسن منينا. ازاى.

قال الرجل في خوف: - ماخبرش يا جمال بيه. ده اللى حاصل
صرف الرجل الى عمله وجلس جمال يفكر وعلامات الغضب باديه على وجهه. ثم هب واقفاً فجأة وذهب الى مكتب والده. فتح الباب ووقف أمام والده قائلاً بغضب: - شوفت يابوى. عيلة السمري سرجوا المناجصة منينا
أسند سباعى ظهره الى المقعد قائلاً: - ياولدى مفيش حاجة اسمها سرجوها منينا. ده عرض وطلب واللى يجدم أحسن عرض هو اللى بيكسب المناجصة. يعنى المنافسة شريفة.

صاح جمال بحنق: - المناجصة دى بتاعتنا. احنا تعبنا ودفعنا دم جلبنا عشان ترسى علينا. وفي الآخر ياخدوها ولاد السمري واحنا نطلع من المولد بلا حمص
قال سباعى في غضب: - انت دفعت رشوى يا جمال عشان المناجصة ترسى عيلنا
قال جمالط بتوتر: - ما اسمهاش رشوى يابوى. دى...

هب سباعى من مكانه قائلاً: - لو قررتها تانى مرة يا جمال لا تلوم الا نفسك. من امتى عيلة الهوارى ليها في سكة الرشاوى. على آخر الزمن يجي عيل زيك يفضحنا وسط القبيلة ويجولوا عيلة الهوارى ماتعرف تكسب الا بالرشاوى
قال جمال بإستسلام: - آنى آسف يابوى ما عاد كررها
أشاح سباعى بيده قائلاً بضيق: - يلا على مكتبك. باعد عنى وشك عاد. جبر يلمك
غادر جمال وهو يتأفف ويتلوى من الغضب.

- ما تزوجيني يا ماما أوام يا ماما ده عريسي هياخدنى بالسلامة يا ماما
- الله الله. واجفه تتزوجى أدام المرايه واحنا تحت ملبوخين تحت في تحضير الوكل. سيبي المراية اللى في يدك عاد وانزلى شوفى النسوان تحت وساعديهم
قامت صباح ذات الاثنا والعشرين ربيعاً من فراشها وتركت المرأة قائله بضيق: - ماشى يا اماى. نازله دلوجيت
رمت الأم نظره محذره وهي تبتعد قائله: - أما نشوف عاد.

نزلت صباح لتساعد النساء في تحضير الوليمة التي أعدها جدها كبير عائلة السمري من أجل فوزهم بالمناقصة. تعالت ضحكات الرجال. هتف عبد الرحمن كبير العائله بسعاده: - الحمد لله والشكر ليك يارب. فوزنا بالمناجصة اللى هتنجلنا ناجله تانية بعون الله
قال ابنه الأوسط ياسين بفرح: - صح جولك يا بوى هتنجلنا ناجلة تانية. وهيبقى اسم عيلة السمري هو الأول في سوج الألومنيوم بعون الله.

- الحمدلله. الحمدلله يا ولدى. ده فضل من عند ربك. هو اللى بيعطى وهو اللى بيرزج
قال ابنه الآخر عثمان بشماته: - نفسى أشوف دلوجيت وش جمال ابن سباعي زمانه جلبه جايد نار. وبيتحسر على المناجصة
قال عبد الرحمن بنبرة صارمة: - ايه اللى جاب السيرة دى دلوجيت يا عثمان. احنا ولاد قبيلة واحدة. وميصحش حدا فينا يشمت في التانى. اكده ولا مش اكده
قال عثمان يمتص غضب والده: - اكده يابوى.

- يلا جوموا شوفوا الوكل خلص ولا لسه عاد
كان ياسين و عثمان هما أحد أبناء عبد الرحمن الأربع. ياسين في العقد الرابع من العمر. و عثمان في أوائل العقد الثالث. الإبن الأكبر خيري توفاه الله منذ زمن بعيد. والابنه الصغرى صباح ذات الثانية والعشرين من العمر.

التف الرجال حول طاولات الطعام وقد علقت الزينه. وشرعوا في تبادل المزاح وتجاذب أطراف الحديث. ولم يخلو الأمر من اطلاق الأعيرة النارية في الهواء تعبيراً عن فرحهم واحتفالهم.

فى أحد القاعات الكبرى في احد فنادق القاهرة. تم اعداد الحفل الذي يضم نخبة من رجال الأعمال في مصر. وكان على رأس الحضور محافظ القاهرة والذي توجه الى الميكروفون للإدلاء بكلمته قائلاً: - بسم الله الرحمن الرحيم. السادة الحضور. يسعدنا انضمامكم معنا الليلة ونحن نحتفل ونكرم أربعة من أكبر رجال الأعمال في مصر. والذين كان لهم الفضل بعد الله عز وجل في توفير آلاف فرص العمل للشباب المصري. واستثمارهم لما يملكون من أموال في بلدهم الحبيب مصر. وكان لهذا أثر بالغ في تنشيط الإقتصاد والصناعة المصرية وارتفاع أسهم البورصة. واضفاء الثقة على الصناعة المصرية وجودتها. ولذلك فأتشرف بنفسي بتقديم أوسمة الشكر من المحافظة الى هؤلاء الرجال الأربعة الذين تعاونوا معاً لخدمة بلدهم الحبيب مصر.

صمت قليلاً ثم قال: - الأستاذ سامر فخرى
تعالى تصفيق الحضور. نهض من أحد مقاعد الصف الأول رجل وسيم الملامح ذو بشرة بيضاء وعينين عسليتين. كان يتميز بوسامة لافتة. تقدم وصعد الدرجات التي تفصله عن المنصة. تقدم من المحافظ الذي سلم عليه وبجوار احدى الفتيات التي تحمل الوسام. قدمت له الوسام مبتسمه فتسلمه منها وبادلها الابتسام. ثم عاد مرة أخرى الى مقعده. تحدث المحافظ مرة أخرى قائلاً: - الأستاذ حامد زيدان.

نهض من المقعد لمجاور ل سامر. رجل يتميز بالوسامة وله نظارت خبيثة واثقة. صعد المنصة وسلم على الحافظ. غمز بعينيه للفتاة التي تقدمت لتعطيه الوسام. اقترب المحافظ مرة أخرى من الميكروفون قائلاً: - الأستاذ طارق عبد العزيز
نهض طارق من مقعده كان رجلاً متوسط الطول هادئ الملامح. سلم بدوره على المحافظ واستلم وسامه. قال المحافظ: - وأخيراً وليس آخراً الأستاذ مراد خيري.

نهض من المقعد الرابع رجل فارع الطول ذو ملامح رجولية صارمة ونظرة حادة كنظرة الصقر تقدم ليتسلم وسامه هو الآخر.

بعد انتهاء الحفل تعالت القاعة بالأصوات. حيث كانت هذه من المرات القليلة التي يجتمع فيها كل هذا الكم من رجال الأعمال. وقف الرجال الأربع ملتفين حولهم بعض المهنئين. ثم انفض الحفل وخرج الرجال الأربع من القاعة وتوجهوا الى احدى الطاولات في مطعم الفندق. صاح حامد بمرح: - عايزين بأه بالمناسبة الجميلة دى نعمل حاجه مطرقعة
ابتسم له سامر قائلاً: - حاجه زى ايه؟

- مش عارف فكروا معايا عايزين نشوف نفسنا شويه. احنا اتطحنا شغل الشهور اللى فاتت عايزين ناخد بريك بأه ونطلع أى مكان
قال طارق مفكراً: - طيب ايه رأيكوا في رحلة سافارى
صاح سامر: - سفارى ايه يا طارق. بيقولك هلكانين شغل
- طيب عايزين ايه يعني
قال سامر بخبث: - يعني عايزين حاجات طريه
صاح طارق قائلا: - اااااه حاجات طريه قولتلى. لا يا حبيبى مليش فيه.

قال حامد بسخريه: - والله انت هتنقطنى يا طارق. المزز بتترمى حواليك يمين وشمال وتقولى ملكش فيه. يا ابنى مترفصش النعمة لتزول
ضحك طارق بسدة قائلاً: - طول عمرك بتاع تلت ورقات يا حامد. وتحور في الكلام عشان يبقى في صالحك. نعمة ايه يا ابنى الله يهديك. روح انت و سامر واعملوا اللى انتوا عايزينه أنا مليش في الجو ده
نظر حامد الى مراد قائلاً: - ولا انت طبعاً ليك في الكلام ده.

نظر اليه مراد ولم يعقب فأكمل حامد: - رجالة معقدة صحيح
قال مراد بجدية: - انتوا مش هتتعشوا ولا ايه. يلا انجزوا نطلب الأكل عشان راجع المكتب
قال طارق بدهشة: - ليه راجع المكتب دلوقتى
قال مرد وهو يتفحص المنيو: - عندى شغل
صاح سامر: - يا ابنى حرام عليك متعبتش. ده احنا طلعت عنينا الفترة اللى فاتت. خد بريك مش كده
نظر اليها مراد بحده قائلاً: - ولما احنا الأربعة ناخد بريك مين اللى يمشى الشغل؟

قال حامد: - يا مراد الدنيا فيها حاجات كتير أوى أهم من الشغل. مش كله شغل يا ابنى. وبعدين الجيش اللى احنا موظفينه عندنا ده بيقبضوا مرتبات على ايه. مش عشان يشتغلوا واحنا نرتاح شوية
قال مراد بجدية وهو يعاود النظر الى المنيو: - يلا انجزوا عايز أمشى
قال سامر بإستسلام: - مفيش فايدة فيك.

أثناء انهماكهم في تناول الطعام قال حامد: - آه صحيح يا شباب. في بنوته عايز أشغلها في العلاقات العامة. بنت شيك وجميلة وموزة وخريجة الجامعة الأمريكية. يعني هتكون واجهة كويسة للشركة
قال مراد بهدوء: - مفيش مشكلة نعملها انترفيو ولو مناسبة نشغلها
قال حامد ضاحكاً: - انترفيو ايه يا مراد بقولك البنت موزه شكل وجسم تقولى انترفيو.

قال مرد بصرامة موجهاً اليه نظرات نارية: - احنا شركة محترمة يا حامد مش بيت دعارة. يعني المؤهلات اللى تخلينا نشغل أى اوحدة عندنا ملهاش علاقة لا بشكلها ولا بجسمها
قال حامد بحنق وغضب مكبوت: - مفيش مشكلة هشغلها عندى في الشركة مع انى كنت حابب انها تشتغل في شركتنا الجديدة اللى بينا احنا الأربعة. بس مفيش مشكلة
قال مراد بهدوء: - أنا ما قولتش مش هنشغلها أنا قولت هنعملها انترفيو ونشوف مؤهلاتها وخبرتها.

قال حامد بضيق: - خلاص يا مراد انسى
قال طارق مازحاً موجهاً حديثه الى سامر: - ايه يا فنان قولنا ايه اخر أعمالك الفنية
ابتسم سامر قائلاً: - خلال أيام هتشوفوا تحفتى الفنية الجديدة
قال حامد بمرح: - اوعى تكون زى اللى فاتت. مفهمتش منها أى حاجه أكنك جايب شوية ألوان وملغوص بيها ايدك وآعد تطبع على اللوحة زى العيال الصغيرين.

قال سامر بحده: - وانت ايه يفهمك انت في الفن والرسم الراقى. انت اخرك السهرات الحمرا بتاعتك
قال حامد بسخريه: - وسهراتك انت ايه؟ خضرا
قال طارق مبتسماً: - اللى يشوفكوا بتتكلموا مع بعض مايقولش رجال أعمال. يقول شوية أطفال في الحضانة
قال له حامد ساخراً: - خلينالك انت العقل انت وسى مراد. اهو اتنين طاقين واتنين عاقلين عشان يبقى في توازن.

بعد انتهاء الوليمة التي أقامتها عائلة السمري احتفالاً بنجاحهم. وقبل أن يوشك عبد الرحمن على النوم توجه الى ابنه ياسين قائلاً: - ياسين يا ولدى. روح المخزن وطل طله على الشحنة بتاعة المناجصة اللى المفروض تتسلم بكرة ان شاء الله
قال ياسين في تكاسل: - آنى رجعت عليها ميت مرة يابوى. واتاكدت من كل حاجه الكمية والجودة.

قال الأب بحزم: - اتاكد تانى وتالت ورابع. المناجصة كبيرة ولازم كل شئ يمشئ مظبوط عشان سمعتنا في السوج تكبر. وميلاجوش لينا ولا غلطة
قال ياسين مستسلماً: - أمرك يابوى. هروح دلوجيت.

توجه ياسين بسيارته الى المخازن التي تحتوى على شحنة الألومنيوم والتي من المفترض أن يتم ترحيلها في الصباح الى الشركة التي قبلت عرضهم في المناقصة. أوقف سيارته وأوشك أن يفتح باب المخزن لكنه دُهش عندما وجد القفل مكسور. فتح الباب ودخل. سمع بعض الأصوات في الخلف. توجه الى حيث مصدر الصوت ليُصدم برجل ملثم يقوم بإسكاب البنزين الذي اخترقت رائحته أنف ياسين على الكونتينرز التي تحتوى على شحنة الألومنيوم. حانت التفاته من الرجل الملثم الى ياسين. وقف الرجلين في مواجهة بعضهما البعض. قال ياسين في نفسه تباً لتلك العينين وهاذان الحاجبان الكثيفان. لم يظهر سوى نصف وجه لكن تمكن من معرفته. تباً لك يا رجل أتجرؤ على معاداة عائلة السمري. ستكون الحرب اذن. دار هذا الحديث الصامت قبل أن يلتفت ياسين ويهرول في اتجاه باب المخزن. حتى يتمكن من احضار الرجال للقبض على هذا الملثم الذي عرفه حق المعرفة. لكن قبل أن يتوجه ياسين الى باب المخزن انطلقت رصاصة من مسدس كاتم للصوت لتستقر في رأس ياسين ويسقط قتيلاً والدماء تنفجر من رأسه على أرض المخزن.

جلست مريم في غرفة المعيشة في بيتها المتواضع للغاية. تشاهد التلفاز. بعينين بدتا وكأنهما في عالم آخر. تنظر الى اشياء لا وجود لها. بدت ساهمة هادئة. متقوقعة على نفسها تحتضن قدميها بذراعيها وتستد بذقنها على ركبتيها. عينيها على ساعة الحائط. تنظر اليها كل خمس دقائق. وكأنها على موعد هام. موعد لا يمكن تفويته. موعد أهم من اى شئ آخر في حياتها. بمجرد أن تحركت عقاب الساعة لتقترب من الثانية عشر. حتى هبت واقفه. وتمنت أن تتحرك بسرعة أكبر. تباً لكِ أيتها العقارب. لماذا تسيرين كالسلحفاه. هيا أريدك أن تصلى بى الى موعدى. موعدى الذي أنتظره بشوق ولهفة. دقائق قليلة وأعلنت الساعة وصولها أخيراً الى الثانية عشر بعد منتصف الليل. لاحت ابتسامة صغيرة على شفتيها. توجهت الى غرفة نومها وأخرجت حقيبة من دولاب ملابسها. جلست على السرير وفتحت الحقيبة الممتلئة بخطابات مغلقة. وأخذت تبحث بسرعة ونهم عن الخطاب الذي يحمل رقم 53. ظلت تبحث عنه حتى وجدته قابعاً بين الخطابات والتي يحمل كل منها رقماً خاصاً به. اتسعت ابتسامتها ولمعت عيناها وحضنته بين كفيها وكأنها وجدت كنز ثمين. أسرعت بلهفة تفتح الخطاب وتقرأ ما به: - حبيبتى مريم. كيف حالك اليوم حبيبتى. أأنتِ بخير. أأنتِ مريضة. أتشكين من شئ حبيبتى. أتمنى أن تكونى بخير حال. مريم. حبيبتى. معشوقتى. سأطلب منكِ هذه المرة شيئاً. وأعلم أنكِ ستنفذين طلبي. أريدك أن تختارى احدى صديقاتك المقربات. وتذهبين معها غداً في نزهة نيلية على ظهر مركب. وسط النيل. أريدك أن تغمضى عيناك الجميلتين وتتمتعين بالهواء المنعش وهو يلفح وجهكِ الجميل. أتذكرين كيف كانت نزهاتنا النيلية. كيف كنتى تطيرين فرحاً باللعب في الماء بيدك. كنت تبدين كطفلة صغيرة مشاكسة وأنتِ تحاولين رش الماء على ملابسي. أتذكر جيداً ضحكاتك الجميلة. وسعادتك في تلك اللحظات. أريدك أن تقومى بتلك النزهة يا مريم. استمتعى بوقتك حبيبتى. أعلم أنكِ لا ترفضين لى طلباً وستمتثلين لما أطلبه منكِ. حبيبتى الجميلة. القريبة البعيدة. حبيبك ماجد.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة