رواية في قبضة الأقدار الجزء الأول للكاتبة نورهان العشري الفصل العاشر
أحياناً نتسائل لما لا يكتفي القلب بوظيفته بضخ الدماء إلى جميع أنحاء الجسد فقط! لما يحن و يشتاق و يتألم! و يضعنا دائمًا بأمور مُعقدة تُرهق العقل و تُهلك الروح!
نورهان العشري.
أخرجت زفرة حادة من جوفها علها تُهدأ ذلك الضجيج المُزعِج الذي يملئ داخلها منذ البارحه و لم يفلح أي شئ في إيقافه. فبعد ما حدث معه و صورته لم تفارق تفكيرها أبدًا. فعلته المباغته حين لامس جرحها بشفتيه بتلك الرقه لاقت صدي كبير بداخلها لا تعلم سببه. هل يمكن لأنها جاءت في أشد أوقاتها ضعفًا و إحتياجًا! أو لتأثُرها بتلك الرسالة التي أيقظت الماضي بجراحه داخلها و لا تعلم من أين خرجت فقد كان يكفيها كل ما تمر به من صعوبات لا تعرف كيف ستواجهها و لم يكن ينقصها غزو الماضي الذي تتمني لو أنه ينمحي من ذاكرتها للأبد.
و لدهشتها أن هذا ما حدث وكأنه إنمحي! كانت في الماضي تتحاشي أي شئ يُذكِرها بما حدث حتى الشتاء صارت تبغضه لإرتباطه بذكريات مؤلمه بقدر روعتها و لكن البارحه كان حضوره طاغيًا للحد الذي جعلها تنسي أمر تلك الرساله و لم تتذكرها سوي الآن حتى أنه أحتل أحلام المنام أيضًا و هي من كانت تهرب من سطوته في اليقظه ليتربع على عرش أحلامها بلا منازع. تبًا لغروره الذي يفرض نفسه على كل شئ حولها.
زفرت بحنق للمرة التي لا تعلم عددها و أخذت تنظُر في المرآة على شكلها و قد أختارت أن تظهر بمظهرها المعتاد بهيئتها الباهته و نظارتها الكبيرة و شعرها الذي أحكمت قهره في تلك التسريحه البغيضه و إرتدت بذله سوداء مكونه من جاكت أسود و بنطال من نفس لونه و تحتهم قميص من اللون الأزرق القاتم و لم تضع أيًا من مساحيق التجميل على وجهها و قد كان مظهرها هذا يُرضيها لأنها تعلم بأنه سيُغضبه!
إيه يا فرح أنتي هتخيبي و لا إيه! يتضايق و لا يتفلق. أنتي لابسه كدا عشان نفسك دي شخصيتك إللي إخترتيها. و مش هتغيريها عشان أي حد. و هو زيه زي أي حد!
هكذا حدثت نفسها أمام المرآه بغضب و قد كان الحديث في المقام الأول موجهًا لقلبها حين شعرت بضعفه أمام ما حدث البارحه فأرادت تذكيره بألا يعطي الأمر أكثر مما يستحق.
صفعه خذلان واحدة في الحياة تكفي لجعل الإنسان يحيا المتبقي من حياته مُصابًا بداء الحذر يتجنب كل الطرق و الأشخاص و حتى الروائح التي تحمل رذاذ قد يكون مُحملًا برائحة العشق.
لو تعرفي أتمنيت قد إيه اشوفك موطيه راسك كدا!
أخترقت الكلمات قلبها لتُصيبه بالذُعر حين رفعت رأسها أمام تلك النظرات المُحمله بالكره و البغض و تلك الملامح المُحتقرة التي تحمل جرحًا كبيرًا كانت هي السبب الرئيسي به و قد شعرت في تلك اللحظه بأنها قاربت على الإنهيار بسبب كل تلك الضغوطات التي مرت عليها منذ الصباح بداية من مواجهتها مع تلك الفتاة «سما» و حديثها المسموم مع ذلك المتغطرس لتأتي هي بكل حقدها و سمومها التي تقطر من عيناها قبل شفتيها و تُكمِل مثلث الرعب حولها، و لكنها لن تجعلها تنال مُرادها و لن تعطيها إنتصارًا اليوم أبدًا.
لذا رفعت رأسها بشموخ يتنافي مع إنهيارها الداخلي و توجهت إلى حيث تقف لتقترب منها خطوتان قبل أن تقول بسخريه
بعينك! بعينك تشوفيني موطيه راسي و لا مكسورة أبدًا!
إبتسمت ساندي إبتسامه خاليه من المرح قبل أن تقول بتحدي
تراهنيني!
رُغمًا عنها تسلل الذُعر إلى قلبها و تجلي على ملامحها مما جعل «ساندي» تبتسم بشر قبل أن تقول بتهكم
إيه يا قطه بلعتي لسانك و لا إيه!
ظلت على صمتها لثوان تُحاوِل تنظيم دقاتها الهادرة و أنفاسها المُتلاحِقه خوفًا من حقد تلك الفتاة و ما تحمله في جُعبتها و لكنها قررت قطع الصمت قائله بنبرة مُهتزة
مش هتقدري تعملي حاجه. و لو فكرتي تأذيني عيلة الوزان مش هيسمحولك بدا!
ساندي بسخرية
عيلة الوزان إلى ما هتصدق تخلص منك بقرفك و بلاويكي! دول أول ما ياخدوا أبنهم منك هيرموكي زي الكلبه. و هترجعي تحت رحمتي و وقتها هصفي حسابي معاكي صح!
لم تقبل شخصيتها الحرة كل تلك الإهانات و آلمها قلبها بشدة حين ذكرت إمكانيه إنتزاع طفلها من بين يدها لذا ألقت كل شئ جانبًا و قالت بعنفوان و لهجه قويه
أخرسي! محدش يقدر ياخد أبني مني و إلى يفكر بس هاخد روحه. و الحساب إلى أنتي عايزة تصفيه دا مش معايا دا مع إلى سابك زي الكلبه و جه يجري ورايا. لما تموتي في ستين داهيه أبقي روحي صفيه معاه هناك!
تصاعد الغضب بداخلها حتى أعماها فلم تتمالك نفسها إذ قالت بصراخ.
الكلبه دي إلى هتوريكي النجوم في عز الضهر و هتخليكي تندمي ندم عمرك أنك ظهرتي في حياتها!
أقتربت منها خطوتان قبل أن تقول بلهجه خافته متوعدة
و قبل ما أموت في ستين داهيه هتكوني أنتي سبقاني! خليكي متأكدة من دا
لم تستطع إجابتها فقد أخرسها تهديدها و سهام نظراتها الحارقه التي جعلت الرعب يجتاح سائر جسدها الذي كاد أن يتلاشي و يخونها و لكن أرسل الله لها الغيث على هيئه صوت شقيقتها التي قالت بفظاظه.
أنتي إيه إلى جابك هنا!
تجمدت «ساندي» بمكانها و أخذت تُراقِب «فرح» التي تقدمت تقف بجانب شقيقتها و تُناظِرها بقسوة جعلتها تتراجع قليلًا و تقول بتوتر
أنا متعودة آجي هنا على طول و أزور أهل البيت!
فرح بفظاظة
بما إنك متعودة تيجي على طول يعني عارفه أنهم مش ساكنين هنا و أن القصر وراكي.
ساندي بغضب
أنتي مش هتعرفيني أروح فين و.
قاطعتها فرح بقوة.
لا هعرفك. لما يكون وجودك حوالين أختي بيأذيها يبقي لازم أعرفك.
لم تجد ما تقوله أمام تلك الفتاة التي تُناظرها بعنفوان و شموخ أخرسها فتابعت «فرح» بقسوة
القصر وراكي أتفضلي روحي زوري إلى متعودة تزوريهم. وإياكي تقربي من مكان جنة موجودة فيه. و خليكي فاكرة إني مبقولش كلامي مرتين!
من دون أن تتفوره بحرف واحد أنسحبت بكل ما تحمله من غضب و كره و حزن إلى حيث كانت تُشير «فرح» التي إلتفتت على إثر ملامسه «جنة» لذراعها فتفاجئت بنظرات شقيقتها التي كانت ترتجف و يُغلِفها الدمع و جاءت نبرتها ضعيفه حين قالت برجاء
أحضُنيني يا فرح!
لم تتفوه بحرف إنما إمتدت يدها تحتضنها بقوة فإنهارت «جنة» باكيه بين ذراعيها و كانت ترتجف كطفل صغير تتعالي شهقاته بين أحضان والدته فأخذت تربت فوقها بلطف إلى أن هدأت حينها تحدثت فرح بلهفه
مالك يا جنة حصل إيه؟
رفعت رأسها تُناظِر شقيقتها بإمتنان و ما أن شرعت تتحدث حتى إلتقمت عيناها ذلك الذي أتي من خلفهم و كانت نظراته مثبته فوقها بقوة أثارت حنقها فمسحت قطرتها و هي تبتسم لشقيقتها قبل أن تقول بصوت مبحوح
مفيش يا حبيبتي. عادي هرمونات الحمل بس.
لم تُرِد أن يري ضعفها فقد أخذت قرارًا بأن تبقي قويه مهما كلفها الأمر من أجل صغيرها و من أجل أن تستطيع تخطي تلك الأزمه فضعفها هو من ألقي بها إلى قاع الجحيم الذي تعيشه الآن.
فهمت «فرح» شقيقتها حين رأت «سليم» يتجاوزهم فقالت بحنو
تمام. روحي إرتاحي شويه و أنا هقولهم يبعتولك الفطار هنا.
هزت «جنة» رأسها و عيناها تُرسِل نظرات إمتنان لشقيقتها على تفهُمها و قد شعرت «فرح» بها لذا إبتسمت بلطف قبل أن تتوجه إلى ذلك القصر الكبير حتى تباشر أول يوم لها في هذا العمل الذي أقحمت نفسها فيه بغبائها.
خطت أقدامها إلى البهو الرئيسي فوجدت إحدي الخادمات فأوقفتها قائله بلطف
لو سمحتي ممكن تبعتي حد بالفطار لجنة!
كادت الخادمة أن تُجيبها و لكن صدح صوت خلفهم يقول بتهكم.
إيه هي السنيورة مش عايزة تشوفنا ولا إيه؟
رفعت «فرح» رأسها تُطالِع «همت» التي كانت تتدلي من الدرج و هي تُناظِرها بغضب فلم تُجبها « فرح »و واصلت الحديث مع الخادمة قائله بلطف
و لو سمحتي أعمليلي فنجان قهوة و هاتيهولي على أوضه المكتب.
أغضب تجاهلها تلك التي كانت تود إفتعال شجار معها عله يهدأ من نيران غضبها و لو قليلًا لذا توجهت قائله بصوت حاد.
أنتي. أنا مش بكلمك. مبتروديش ليه مفيش أي إحترام؟
كان كل هذا يحدث أمام الفتيات الثلاثه «سما، حلا، ساندي » و قد كانت نظرات الشماته تحاوطها من كل جانب فغضبت كثيرًا من أسلوبها في التحقير منها لذا قررت إيقافها عند حدها أمامهم فرفعت رأسها بعنفوان و قالت بقوة.
لما تدي الإحترام وقتها تبقي تطلبيه! دا أولًا. ثانيًا ليا إسم و أسمي. فرح. أنسه فرح عمران. ثالثًا بقي و دا الأهم. سؤالك أسخف من إني أرد عليه! عشان كدا مش هرد. عن إذنك
أوشكت على المغادرة فأوقفها حديث همت الساخر حين قالت
طبعًا هستني إيه منك غير قله أدب و قلة ذوق. الله يسامحه إللى حدفكوا علينا
تخطت وقاحتها حدود المسموح لذا إلتفتت «فرح» تُناظِرها بغضب تجلي في نبرتها حين قالت.
لو مش عايزة تشوفي فعلًا قلة الإدب أتجنبيني! و خليكي فاكرة أننا مغصوبين عليكوا أكتر ما أنتوا مغصوبين علينا. و كلها كام شهر و جنة تولد و أخد أختي و أبنها و أمشي من هنا و نرتاح و نريحكوا!
إحتدت نبرتها كثيرًا حين قالت جملتها الأخيرة حتى جفلت «همت» التي لم تتوقع أن ترد الصاع صاعين و ظنت بأنها قد تُخيفها و لكن على العكس هي من أخافتها. دام صراع النظرات لثوان قبل أن يقطعه صوت صارم جاء من الخلف.
إيه يا همت أتعودنا نعامل ضيوفنا بالشكل دا؟
إرتفعت أنظار «فرح» إلى تلك السيدة التي كانت تدق بعصاها أرضًا و هي تنزل من على السلم و عيناها مُعلقه بهم و لكنها لم تتأثر مثقال ذرة على عكس «همت» التي تراجعت للخلف و قد بان على ملامحها لمحات الخوف و تجلي في نبرتها حين قالت
أنا مقولتش حاجه؟ هي إللي ما صدقت تمسك فيا و كل دا عشان بسأل ليه جنة مجتش تفطر معانا!
إرتفع إحدي حاجبيها الجميلين بسخرية و هي تُطالِع تخاذُل «همت» أمام «أمينه» التي قالت بوقار
طولي بالك يا همت هما لسه متعودوش علينا و لا عرفوا طبعنا. بكرة أن شاء الله يعرفوه و يتعودوا عليه!
كانت تشعر بشئ مبطن بين كلماتها و أيضًا لم تكن مُرتاحه لنظراتها و لكنها تجاهلت كل شئ و قالت بنبرة قويه
و طبعكوا بيقول أنكوا تغلطوا في ضيوفكوا يا حاجه؟
لا طبعًا مين غلط فيكي؟
هكذا تحدث «أمينه» بهدوء مُثير للشك بادلتها إياه «فرح» حين قالت
الغلط عارف مكانه يا حاجه و أنتي كمان عارفاه! فمالوش لازمه الكلام. و عمومًا زي ما قولت للحاجه همت كلها كام شهر جنة تولد و نمشي من هنا و نرتاح و نريح!
قالت كلمتها الأخيرة و هي تنظر إلى «همت» و الفتيات خلفها نظرات ذات مغزى فبادلوها النظرات بآخري حانقه فأجابتها «أمينه» قائله بغموض.
متحكُميش على بكرة يا بنتي. دا لا في إيدي و لا في إيدك. دا في إيد المولي عز و جل. قادر يغير كل شئ في غمضة عين.
لم ترتاح لحديثها و لا لنظراتها و لكنها هزت رأسها قائله بهدوء
ونعم بالله يا حاجه. عن إذنك سالم بيه مستنيني في المكتب!
ما أن تقدمت خطوتان إلى غرفة المكتب حتى توقفت قائله بإستفزاز
آه. متنسوش تبعتوا الفطار لجنة. و ياريت ميتأخرش!
توجهت بخطً واثقه إلى المكتب و رأس مرفوع بعنفوان أصاب الجميع بالدوار من شدة الغيظ فكان أول المتحدثين «همت» التي قالت بإنفعال
شايفه يا أمينه بتتعامل معانا إزاي؟
كانت نظراتها غامضه و ملامحها لا تُفسر حين إلتفتت إلى «همت» قائله بوعيد
الصبر حلو يا همت. بيقولوا عليه مفتاح الفرج!
دلفت إلى المكتب بعد أن سمح لها بالدخول فحاولت إرتداء قناعها المعتاد حين توجهت بخطً واثقه إلى حيث يجلس و لكنه لم يكن ينظر إليها بل كان مُنكبًا على الأوراق التي أمامه و ما أن وصلت إليه حتى نالت ساعته الثمينة إلتفاته منه تشير إلى تأخيرها فأغضبها ذلك كثيرًا و خاصةً حين قال
أول يوم تأخير 12 دقيقه بالظبط عن المعاد المتفق عليه! واضح أنك بروفيشنال فعلًا!
خرجت الكلمات حانقه من بين شفتيها حين قالت.
والله أنا جايه هنا في معادي بس.
قاطعها حديثه الصارم حين قال بفظاظة
مش عايز مُبررات و كفايانا عطله. ورانا شغل كتير!
أبتلعت جمرات غضبها حين تفوه بتلك الكلمات و توجهت إلى حيث أشار لها و أخذ يشرح لها طبيعه العمل و قد وجدته شيقًا و في مجال عملها لذا شرعت على الفور للبدأ به تحت نظراته التي كانت تتوجه إليها خلسه بين الفينه و الآخري رغمًا عنه. فقد أغضبه مظهرها كثيرًا حين رآها بذلك الزي التنكري كما أسماه و تلك النظارات التي أصبحت تُثير حنقه مؤخرًا فهو لم ينسي ليله البارحه و مظهرها الساحر تحت ضوء القمر التي كانت تُنافسه في فتنته و نظراتها التي لأول مرة يلمس بهم الضعف و الألم فقد شعر حين أقترب منها بأنها تُريد ذلك القرب و بشدة.
للمرة الألف التي يُعنِف نفسه على أفكاره تلك و يُذكرها بأن تلك الفتاة ليست ذو أهميه كبيرة بالنسبة إليه و بأنها ليست نوعه المفضل و لكن دائمًا ما يجد نفسه يعود لتلك اللحظه حين توقف أمام عيناها التي خاطبته بلغه أخترقت أعماقه و لامست وترًا حساسًا بداخله و قد تيقن بأن كل هذه القوة و الثبات الذي تبدو عليه ما هو إلا غُلاف تُحيط به ذاتها لأسباب مجهوله لا يعلمها أو ربما يتجاهلها!
فقد عنف نفسه بشدة حين إنفلت ذلك السؤال الغبي من بين شفتيه و قد كانت إجابتها سهمًا أصاب كبرياؤه في الصميم لذا أخذ قررًا بأن يتجنبها قدر المستطاع و أن يُخرجها من عقله و لكن هيهات فما أن رآي مظهرها حتى أشتعل الغضب بداخله و أخذت الذكري طريقها لعقله مرة آخري!
أتفضل شوف كدا لو في أي تعديل؟
دون أن يظهر على ملامحه أي شئ مما يجول بخاطره أخذ ينظر إلى الأوراق أمامه قبل أن يقول بفظاظة
إيدك لسه وجعاكي؟
فرح بهدوء.
لا بقت أحسن دي مجرد شوكه يعني!
سالم بتهكم
إلى يشوفك إمبارح ميقولش كدا!
فرح بتقطيبه
تقصد إيه؟
يعني شكلك دلوقتي ميقولش أن مجرد شوكه تخليكي تعيطي!
إغتاظت من سخريته و لكنها حاولت تجاهل إستفزازه حين قالت بهدوء
غريبه. شكلك ميقولش إن ذاكرتك ضعيفه!
رفع إحدي حاجبيه بأستفهام فقالت بفظاظه
أفتكر إني قولتلك أن عيني كانت مطروفه. و عشان كدا كانت مدمعه
سالم بسخريه.
و عشان كدا بتبلبسي النضارة بالرغم انك مش محتجاها. عشان عينك متطرفش!
قال جملته الأخيرة مرفقه مع نظرات ثاقبه إخترقتها بعنف و كانت تحمل معان مُبطنه و لكنها حاولت تجاهل ما يقصده و قالت بجفاء
أنا إلى أحدد إذا كنت محتجاها أو لا!
تجاهل جفاءها الذي هو دليل على خسارة وشيكه أمامه و تابع بلامبالاه
طبعًا. و خصوصًا إن الزي التنكري دا مينفعش من غيرها!
إغتاظت من سخريته المُغلفه بلامبالاه و لكن سُرعان ما تحولت غيظها إلى سعادة لحظية حين شعرت بأنها قد أغضبته بمظهرها و أرادت إستفزازه أكثر حين قالت
أهو أحسن من زي أولاد الشوارع. و كمان لايق بعيلة الوزان.
شعر بسخريتها التي أغضبته فقال بجفاء
يعني يا إما تخرجي بيجامة نوم قدام الناس كلها يا إما تلبسي زى أبله نظيرة دا!
نعم هي فين بيجامة النوم دي. أنا كنت لابسه شيميز و برمودا.
خرجت الكلمات من فمها غاضبه فبادلها هو الحديث بهدوء مستفز
إختلفت المُسميات لكن في الآخر متتلبسش غير في أوضه النوم!
زاد حنقها من حديثه المُستفِز و المُخجِل أيضًا فقد غزا الإحمرار خديها فقالت بإنفعال
معتقدش أننا هنا عشان نتناقش في طريقه لبسي إللي هي حرية شخصيه و حاجه تخصني
لم يظهر على ملامحه أي تأثُر إنما أكمل بلامُبالاه و عيناه تتابع الأوراق أمامه
عادي دا مجرد توضيح أننا مبنلزمكيش هنا بحاجه معينه.
بمعني!
يعني مش مُجبرة تتقمصي شخصيه غير شخصيتك. خليكي على طبيعتك أفضل!
أستفزها حديثه للحد الذي جعل الكلام يخرج من بين شفتيها بإندفاع
أنت ليه مقتنع أني بتقمص شخصيه غير شخصيتي و إن دا مش لبسي و لا دا شكلي مش فاهماك بصراحه؟
لم تحسب حساب له حين ترك ما بيده و تقدم يقف أمامها مباشرة و هو ينظر إلى داخل عيناها بقوة بينما يداه ترتاح بتكاسل في جيوب بنطاله مما يوحي بسيطرته على الوضع حولها و هو خاصةً حين قال بصوت مليئ بالتحدي
أنتي مقتنعه أن فرح دي هي فرح بتاعت إمبارح!
أربكتها نظراته كثيرًا و تحديه المُبطن فتسارعت أنفاسها و لكنها حاولت التماسك أمامه إذ قالت بقوة
دي فرح إللي أنا بفضلها!
قصدك فرح الجبانة!
كان تحديه يثُير شعورًا داخلها يُرهبها و كانت عيناه تكشف ما تُريد إخفاؤه لذا قالت بنفاذ صبر
حضرتك عايز إيه من كلامك دا؟
أجابها بلامبالاة
و لا حاجه. أنا بس بحب أكون صريح مع إلى قدامي.
هذا الرجل يُشكل خطراً ما عليها و هي لن تسمح بذلك لذا قررت أن تضع حدًا فاصلًا لما يحدث فاستجمعت ثباتها المتلاشي و قالت بنبرة متزنه قويه.
و أنا كمان بحب أكون صريحه مع إللي قُدامي. و عشان كدا ياريت تكون علاقتنا و كلامنا في حدود الشغل و بس. مظهري مش مجال للنقاش بينا. و لو كان مضايقك أوي كدا يبقي.
قاطعها إذ قال بفظاظه
بلاش تدي المواضيع أكبر من حجمها أكيد الموضوع مش ذات أهمية لدرجة أنه يضايقني.
أصابتها كلماته في الصميم حتى أنها شعرت بألم لا تعلم من أين أتى و لكنها حاولت تجاهله و قالت بثبات
تمام. ياريت نكمل شغلنا.
بالفعل تابعا العمل سويًا دون أي حديث خارج نطاق العمل و لكن كان هناك غصه كبيرة عالقه بحنجرتها لا تعلم سببها.
كانت ترتمي على الأريكه التي تقبع أمام النافذة و عيناها شاردة و فكرها مشوش و يدها تُعانِق رحِمها بحنان و كأنها تستمد منه القوة التي تدفعها لتُكمِل طريقها المظلم المليئ بالصعوبات و العراقيل. و الذي لا تدري إلى أين سيأخُذها؟ فهؤلاء الناس لا يُمكِن التخمين بما يفكرون و هي لن تُرهِق نفسها بالتفكير أكثر بل ستُحاول إتخاذ إحتياطاتها حتى لا تسمح لهم بحرمانها من صغيرها أبدًا.
قاطع شرودها الطرق على الباب فظنت بأنها الخادمه أتت لتجلب الطعام فلم تهتم بوضع الوشاح حول كتفيها العاريتين فقد كانت ترتدي فستان أبيض ذو حملاتان رفيعتان و به نقوش زرقاء جميله يُبرِز جسدها الرشيق الذي إزداد وزنه قليلًا بسبب الحمل فتوجهت إلى الباب لتفتحه و سرعان ما تجمدت بمكانها حين شاهدته يقف بشموخ يُناظِرها بعيناه الغاضبه دومًا و التي تحولت إلى حمراء قاتمه لا تعلم السبب الغضب أم شئ آخر و لم يُسعِفها التفكير فقد كانت الصدمه تجتاحها فظلت تُناظِره مشدوهه و هو يُبادِلها نظراتها بآخري قاتمه فقد كانت جميلة للحد الذي جعله غير قادر على التفوه بحرف و قد كانت نظراتها الصافيه النابعه من بحرِها الأسود اللامع تأسرانه بشدة أهتز لها شئ ما داخل أعماقه و لكن سرعان ما تجاهله و إشتعلت جمراته مرة آخري حين وعي إلى مظهرها فقست ملامحه أكثر و قال بغضب.
أنتي إزاي تفتحي الباب بمنظرك دا؟
أعادتها كلماته إلى وعيها فخرجت منها شهقه فزع و على الفور و دون أن تدري أغلقت الباب بقوة في وجهه و قد شعرت بالخجل يغمُرها حتى كادت أن تذوب كقطعه من السكر بكوب من الشاي الساخِن. و أخذت دقاتها تهدِر بعُنف داخل صدرها من فِرط الصدمه و الخجل.
أما عنه فلم يتوقع فعلتها للحد الذي جعله يظل واقفًا مكانه غير قادر على إستيعاب ما حدث فهل حقًا أغلقت الباب بوجهه!
تلك التي لا يعرف ماذا يُسميها تخرج بهذا الرداء الفاضح لتفتح الباب و تطيح بثباته أمام سحرها الفتاك ثم تأتي من بعدها لتُغلِق الباب بوجهه بتلك الطريقه؟
قام بصفع جبهته بعنف و ألتف عائدًا خطوتان للخلف و هو يعنف نفسه قائلًا
غبي! مكنش لازم تخبط بنفسك عليها. كان مفروض تبعتلها الخدامه تقولها أنك عايزها. أديك أديت الفرصه لوحده متخلفه زي دي تقفل الباب في وشك.
زفر بحنق و قد كان داخليًا يود أن يوبخ نفسه أكثر لتأثُره بمظهرها الفاتن الذي باغته حين وقعت عيناه عليها و لكنه قرر تجاهل كل شئ و كأنه لم يحدث و هم بالمغادرة ليتفاجئ بصوت الباب يُفتح فالتفت تلقائيًا ليجدها و قد لفت الوشاح حول كتفها و ناظرته بإستفهام تجلي بعيناها و لم تفصح عنه شفتاها و قد كان هناك إحمرارًا على خديها يوحي بمدي إحراجها من رؤيته لها هكذا لذا قرر تجاهل كل شئ و قال بلهجه حادة.
ساندي بتهددك بأيه؟!
تجمدت في مكانها لثوان حين باغتها بسؤاله الغير متوقع و ناظرته بصدمه بينما عيناه تُناظرانها بتفحص لكل همسه تصدُر منها.
طال صمتها للحد الذي جعله يقترب منها و هو يقول بلهجه فظه
لآخر مرة هسألك ساندي بتهددك بأيه؟
أخيرًا إستطاعت إخراج الحديث من بين شفتيها فقالت بإرتباك
مين قالك إنها بتهددني؟
سليم بفظاظه
مش مسموحلك تسألي مسموحلك تجاوبي و بس!
عادت جميع حواسها إلى العمل و أزداد غضبها من حديثه فقالت بتهكم
و مين إللي حط القوانين دي؟
سليم بإختصار
أنا!
جنة بجفاء
يبقي تطبقها على نفسك مش عليا!
أوشك على الحديث فسمره صرخه قويه جاءت من أمام القصر فجفل الإثنان و هرولا إلى مكان الصراخ فوجدوا «ساندي» التي وقفت مُتسمِرة و عيناها تكاد تخرج من محجريهما تُناظِر البوابه أمامها فالتفتت «جنة» حيث كانت تنظُر فإذا بالدماء تتجمد في عروقها من فرط الصدمه و ضرب عقلها سؤال مباغت و هو
هل يُعقل للأموات أن يُبعثوا من جديد!