رواية في قبضة الأقدار الجزء الأول للكاتبة نورهان العشري الفصل السابع
أن تعشق إمرأة مثلي إنه أمرٌ شاق للغايه.
لم أكن أنثى إستثنائيه يومًا بل أنا الاسوء من بين جميع النساء، و عليك أن تُدرك هذا أولًا لأن الطريق إلى قلبي لن يكون سهلًا أبدًا.
فعليك تتقبل جميع صفاتي السيئة و تراها ميزات! أن تتقبل جميع تصرفاتي المُتقلبة دون أن تسأل عن الأسباب! أن تتعامل مع ردودي الغير متوقعه على أنها أمور طبيعيه! أن تراني جميله بجميع حالاتي و تري مزاجيتي أجمل أنواع الدلال! أن تراني دائمًا مميزة ببساطتي بعفويتي بحماقتي! ألا أكون مُجبرة دائمًا على إدهاشك! أريد عشقًا خالصًا يُرمم شقوق قلبي و يُصلح ندبات روحي أُريد أمانًا ينتزع الخوف العالق بثنايا فؤادي و إعلم حينها أنك ستحظي بعشق سرمدي يفوق حدود الأبديه.
نورهان العشري.
كان الأمر في المشفي على صفيح ساخن بينما الصمت يُسيطر على الجميع للحد الذي يجعل هسيس أنفاسهم مسموع بوضوح. بينما القلوب تحترق بهدوء قاتل و الألسنه عاجزة عن الحديث فأي كلام يمكن أن يُقال يخفف من وطأة هذه الصدمه الكبيرة حين أخبرهم الطبيب أنهم على وشك خسارة الطفل!
خنجر مسموم بنيران الذنب إنغرز بمنتصف قلبه حين رآها غارقه في دمائها بينما تجمد في مكانه لا يعي ماذا يحدث! فقط ألم هائل أجتاح كيانه حينما سقطت كلمات «فرح» كجمرات فوق قلبه و هي تقول بصراخ
لازم نوديها المستشفي حالًا دي حالة إجهاض.
لا يعلم كيف حملها بكل هذا الرفق الذي لم يكن يظن بإنه يمتلكه و أي قوة خفيه سكبت كل هذا الحنان بين كفوفه المُمسِكة بها بينما ملامحه كانت قاسيه و عابسه و كأنه يرفض تلك الكلمات المقيتة التي أُلقيت على مسامعه للتو.
كان مُسيطرًا على مقود سيارتة الضخمة بينما لم يستطيع السيطرة على نبضاته الهادرة التي تتخبط بعنف بين ضلوعه و كأنها تعلن ثورتها عليه و إنقلابها ضده و ضد هذا العنف المعنوي الذي إرتكبه بحق تلك الجنة التي كانت تصارع آلام تفوق طاقتها و حدود قدرتها.
قبضه قويه إعتصرت قلبه و هو يضعها فوق الحامل أمام المشفى بينما كل خليه به تصرخ غاضبه على تركها و مُتألمه على حالها و شحوب ملامحها التي كانت تضج بالحياة حين كانت تتحدث مع الفرس فقد كان يستمع إلى حديثها بقلب مُمزق و عقل مُشتت فكل الإتهامات تُشير إلى أنها مُذنبه حتى حديثها و نبرة الندم التي تُغلفه تؤكد على ذنبها الكبير الذي لم تستطيع غفرانه لذاتها بينما عيناها الشئ الوحيد الذي ينطق ببرائتها. و يكاد قلبه يصدقها بينما عقله ينهره بشده و يحذره من مغبةٍ الوقوع بسحرها الآثر فيتضاعف الذنب بقلبه و هذا ما لن يستطيع إحتماله أبدًا!
معظم الخسارات في حياة الإنسان قابله للتعويض إما التجاوز! و لكن ثمه خسارات مُروعه تحمل الموت في طياتها كأن تخسر شقًا من روحك أو تفقد إحدي بُطينان قلبك و هذا ما شعرت به.
« فرح » حين رأت شقيقتها تتوسط الأرضيه الصلبه غارقه بدمائها مُهددة بفقدان جنينها فلم تتمالك نفسها إذ خرجت صرخه مُتألِمه من جوفها بينما جسدها أخذ يهتز بقوة و هي تحتضنها بالسيارة في طريقهم إلى المشفي و دموعها المتساقطة لا تتوقف أبدًا، بل أخذت تزداد كلما مرت دقيقه تلو الأخرى دون أن يُطمئنهم أحد.
تود لو تكسر تلك الأبواب الزجاجيه و تخترق تلك الغرفه لتحتضنها و تخبرها بأنه لا طاقه لها بالفراق أبدًا.
تود أن تصل نبرتها المتألمه إلى أعماق قلبها حتى يتمسك بالحياة و ألا يفقد الأمل مُطلقًا. تُريد قطع وعدًا صارمًا لها بأنها لن تدع أحدًا يؤذيها، لكنها ستستبسل في الدفاع عنها حتى الموت. فقط لو تخرج سالمه من هذه الغرفه! لو تري ضحكتها البريئه تُزين وجهها الفاتن مرة ثانيه!
يارب أحفظها يارب. و متضرنيش فيها أبدًا.
هكذا خرجت الكلمات من أعماق قلبها تُناجي ربها بأن يحفظ شقيقتها الغالية و ألا يُريها فيها بأسًا يُبكيها و لم تلحظ ذلك الذي كان يُراقب جميع إنفعالاتها بهدوء تام و ملامح صارمة تتنافي مع ذلك الحنان الذي تسرب إلى قلبه دفعة واحده و هو يُناظِر رأسها المُنكث و أكتافها المُتهدِله و ملامحها المُنهزِمه حتى خصلات شعرها التي كانت تسترسل بهدوء خلف ظهرها يتساقط منها قطرات الماء لتُغرِق ملابسها كما أغرقت قطراتها مقدمه صدرها ليلتصق قميصها القطني بجسدها بطريقة أشعلت نيران غضب ممزوج بمشاعر آخري لا يعلم من أين غافلته و أنبثقت بين طيات قلبه فقام بخلع جاكيت بذلته و تقدم منها محاوطًا كتفيها به بينما توقف لثوانٍ حين هاجمته رائحتها العذبه التي أثارت شهيته بطريقة لم يعهدها مسبقًا بل لم يتوقعها!
شعرت بالحرارة المُنبعِثة من جسده حين توقف خلفها على بعد خطوتان و حاوطتها رائحة عطره الممزوج مع رائحه التبغ المميز الذي يتناوله فخلقت شعور من الدفء بداخلها و الذي كانت تفتقده كثيرًا و لكنها لم تكن تشعر بذلك فقد كانت خارجه من المرحاض لتوها بعد أن أخذت حمامًا مُنعِشًا لتتفاجئ بتلك الكارثة التي حدثت و لم تهتم بشأن ملابسها فحمدت ربها أنها قد إرتدت ذلك البنطال القطني القصير نوعًا ما و فوقه هذا القميص من نفس قماشه و الذي اإلتصق على جسدها بفعل المياة المُتساقطة من خصلاتها التي لاحظت للتو أنها تركتها منسدله خلف ظهرها.
لم تستطع أن تُدير رأسها إليه فقد كانت عيناها تحمل ضعفًا كبيرًا لم تعتاده، خاصةً أمامه لذا تمتمت بكلمات شُكر مقتضبة لم تُرضيه فقد كان يود إقتناص فرصته في رؤيه عيناها الزيتونية دون حواجز فهو يعرف تمام المعرفه بأنها تحتاج أن تشعر بالأمان في تلك اللحظه التي عاشها هو بمفرده و يعلم مدي قساوتها و مرارة شعورها و لم يطاوعه قلبه أن تعيشها منفردة فخرجت الكلمات من فمه خشنه كما هي عادته
هتبقي كويسه أن شاء الله.
بقدر خشونه لهجته و لكنها كانت تحمل دفئًا تحتاجه كثيرًا أو هكذا كانت تتخيل و قد تمني قلبها لو تناظره في تلك اللحظه حتى تتأكد من صدق تخيلاتها و لكن أبى كبرياءها الظهور بمظهر أنثي بائسه قليلة الحيلة لذا رفعت رأسها تنظر أمامها قائله بصوت متحشرج
إن شاء الله.
كان رجلٌ لا يعرف المستحيل و لا يقبل الرفض تعود على إنتزاع ما يُريده بمنتهي السهوله و اليُسر الذي يتنافي مع ما يقابله معها ف ها هي ترفض توسله الخافت الذي لم و لن يفصح عنه أبدًا. تُعانده بشدة لتمنحه ذلك التعطش الغريب لنظره إحتياج واحده من عيناها!
و كأن إحتياج كل هؤلاء الناس ممن هم حوله الذين يعتمدون عليه كليًا لا يكفيه ليشعر بهذه الرغبه القاتله في رؤيه إفتقارها إليه ليس من أجل إرضاء متعته في تحقيق إنتصاراته المتتالية معها و لكن حتى يكون و لأول مرة هو مصدر قوتها!
قطع حديثه الدائر بين ثنايا قلبه خروج الطبيب من غرفه «جنة» فكان أول من هرول إليه هو سليم الذي قال بقلب لهيف
طمني يا دكتور؟
هرولت هي الآخري و كان هو بجانبها ليتحدث الطبيب قائلًا
الحمد لله قدرنا ننقذها هي و الجنين بإعجوبه. و بالرغم من كدا الخطر لسه قائم
تجمدت الحروف على شفتيها بينما قال سالم بفظاظه
يعني إيه الخطر لسه قائم؟
يعني حالتها الصحيه غير مُطمئنة لأنها نزفت كتير و الهيموجلوبين عندها أقل من الطبيعي. أنا مستغرب إزاي الطفل دا لسه ييقاوم و منزلش. و تفسيري الوحيد إن دي إرادة ربنا إلى كاتبله أنه يعيش!
خرجت الكلمات متلهفه من بين شفتيه
طب إيه العمل يا دكتور علشان نحافظ عليها هي و الطفل؟
لم يدقق قبل أن يتفوه بتلك الكلمات في حين ضاقت عيني «سالم» بينما إلتفتت «فرح» تُناظره بغموض أصاب كبرياؤه في الصميم و لكنه تجاهل كل ذلك و ألتفت إلى الطبيب الذي قال بتحذير.
طبعا إحنا حاولنا نظبط الهيموجلوبين و إن شاء الله منحتجش نقل دم بس في المُجمل هي محتاجه الراحه التامه عشان وضع الحنين يستقر كمان ياريت نمنع عنها أي ضغط نفسي و لازم نهتم بالأكل الصحي و أنا هكتبلها على الفيتامينات اللازمه و بإذن الله الحاله تستقر
تقدر تمشي أمتا؟
هكذا تحدث سالم ليُجيبه الطبيب
مش قبل بكرة، عشان نطمن أكتر على حالتها و لو حصل لا قدر الله أي حاجه نقدر ندخل في الوقت المناسب
ممكن أشوفها؟
أخيرًا خرج صوتها متحشرجًا جافًا ليُجيبها الطبيب قائلًا
ممكن طبعًا هي هتتنقل لاوضه عاديه و تقدروا تشوفوها بس زي ما قلت مش عايز أي ضغط عصبي و لا مجهود بدني.
هزت رأسها بتفهم بينما شعر هو و كأن حديث الطبيب موجهًا إليه فكل ما حدث لها كان بسبب غباءه في التعامل معها و تلك الكلمات المُهينة و الإتهامات القاتله التي أمطرها بها كوابل من الرصاص لم يحتمله جسدها الرقيق و سقط معلنًا إستسلامه أمام طوفان الظلم!
لم يتفوه بحرف بل إستدار على عقبيه يخرج من المشفي و هو يلعن كل شئ حوله فقد أوشك الليله على إرتكاب جريمه شنعاء و هي القتل! و كان ضحيته الشئ الوحيد المتبقي من أخاه الذي لا زال للآن يحمل ذنبه هو الآخر و الذي كان يظن بأن بإنتقامه منها سيُكفر عنه و لكنه وجد نفسه يغرق بوحل بالذنوب أكثر. فزفر بحنق و أخذ يملئ رئتيه بالأكسجين الذي يحتاجه حتى يهدئ من حرقه صدره و لكنه نسي أن الأكسجين غاز يساعد على الاشتعال أكثر خاصةً و هو يحمل رائحتها العالقه بملابسه و دمائها التي طبعت بقعه فوق قميصه نفذت إلى أعماقه دون أن يشعُر!
إلي أولئِك الذين مازالوا مُحتجزين خلف أسوار الماضي عالِقون بتِلك العلاَقات المشوهه التي لم تكتمل و لم تستطع قلوبهم تحمل نهايتها فك الله أسركم.
نورهان العشري.
كانت نائمة على غيمه ورديه تحملها كالريشه و تطير بها هنا و هناك أو هكذا كان حال قلبها الذي غزته ذكريات جميله حد البكاء رائعه حد اللعنه التي أصابتها ذلك اليوم حين أقرت بتسليمها إلى راية العشق.
كانت تترجل من إحدي سيارات الأجرة تنوي الدلوف إلى جامعتها و لكن أستوقفتها نبرة صوت أصبح قلبها يعرفها جيدًا حتى لو أنها كانت تُخفي ذلك خلف قناع من الغرور و اللامبالاة و لكن داخلها كان يميل إلى ذلك الشاب الوسيم العابث الذي يُلاحقها بكل مكان دون أي حديث فقط نظرات أذابت بروعتها حصون قلبها التي كانت متماسكه إلى حد ما قبل أن تسقط كليًا عندما ضايقها أحد الشباب ذات يوم و كان له هو بالمرصاد، و حينها قرر قطع حرب النظرات الدائرة بينهم و أقترب منها بلهفه لامست أوتار قلبها حين قال.
عملك حاجه؟
هزت رأسها دون أن تتفوه بحرف بينما تولت عيناه زمام الأمور بينهم لبعض الوقت قطعته كلمات حانيه مدروسه أخترقت جدران قلبها حين قال بخفوت
متخافيش أبدًا طول مانا موجود محدش يقدر يأذيكي أو حتى يقرب منك!
خفقت دقات قلبها بعنف كلما مرت ببالها تلك الكلمات الرائعه و التي بثتها شعور كانت تفتقده في أعماق قلبها كثيرًا و كأنها جاءت مثلما تمنت تمامًا فلاحت إبتسامه خجوله على شفتيها و هي تتوجه إلى بوابه الجامعه لتوقفها كلمات عابثه تراقصت على أوتار ثباتها
طب مش كفايه كدا بقي!
لم تجب بل لم تلتفت على الرغم من صراعها الداخلي و لكنها دون أن تلحظ توقفت بمكانها ليتقدم تجاهها إلى أن توقف أمامها و هو يُناظرها بقوة أثارت خجلها بشدة و جاءت كلماته لتُجهِز على ما تبقي من ثبات.
طب أنا مُستسلم! متستغربيش بس زي مانتي كنتي بتقاوميني كدا أنا كمان كنت بقاومك بس أنا فعلًا مبقتش قادر! أنا إلى كنت برن عليكي كل يوم قبل ما تنامي أسمع صوتك و بعدين أقفل عشان أعرف أنام. و كل يوم كنت ببعتلك الصبح صباحك جنة تشبه عيونك!
الحقيقه إني كنت بحاول أمنع نفسي عنك بصعوبه بس لما شفت في عنيكي النظرة دي مقدرتش أسكت.
كانت كلماته حانية بشكل لم تعهده من قبل. تُغريها كطفل حُرم من الحلوي طوال حياته فإذا بالسماء تُمطر أشهى أنواعها أمام عينيه الجائعتين. هذا هو حالها في تلك اللحظه و لكنها تمسكت بآخر خيط من إرادتها حين قالت بتوتر
نظرة إيه؟ إيه إلى أنت بتقوله دا؟
توترها الملحوظ و إهتزاز حدقتيها كانتا خير دليل على مقاومتها الواهيه فاستغل هو ذلك قائلًا بلهفه.
عنيكي بتكذب كل كلامك دا! أرجوكِ مش عايز منك حاجه غير أنك تديني فرصه! فرصه واحده بس عايزك تعرفيني فيها. عايز أحكيلك على حازم الوزان. عايزك تشوفي إلى كل الناس مش شيفاه.
رغمًا عنها أومأت برأسها مُلبية نداء قلبها و بالفعل تقابلا في أحد الاماكن العامه و جلست هي تناظره بخجل كبير تجلي في خدها الوردي و إرتباك شفتيها التي لم تستطع الحديث ليقطع هو صمتهم قائلًا بمزاح.
قبل أي حاجه عايزك تعرفي إني أكبر منك بسنتين لكن كنت بسقط و مش مكسوف و أنا بقولك كدا. بس فعلًا أنا مكنش عندي هدف يخليني أنجح. لكن دلوقتي.
صمت متمهلًا يُناظرها بجرأة بينما لاح التساؤل في حدقتيها اللامعة حين قال بحماس.
دلوقتي عندي هدف قوي إني أنجح و أخلص كليتي عشانك. أيوا عشانك يا جنة. أنا بقالي شهر براقبك شهر مفيش في تفكيري غيرك بنام و بقوم على صورتك إلى أنطبعت جوايا. عايزك تعرفي إني عمري ما حسيت كدا ناحية أي بنت. و عمري ما هضحي بالإحساس إلى جوايا دا أبدًا حتى لو فضلتي تقاوميني هفضل أقولك إني بحبك!
برقت عيناها فيما أخترقت كلمته أعماق فؤادها الذي إنصاع لتلك المشاعر الجامحه التي إجتاحتها لتستسلم لسحرها الأخاذ حين أخذ يسرد لها كل شئ عن عائلته و حياته و كأنه يعرفها منذ زمن و قد بدأت هي في التجاوب معه لتبدأ بينهم قصه حب كبيرة أنتهت بعرض مسرحي للزواج أمام المارة بأحد الشوارع بينما قلبها يدق بعنف من فرط فرحتة لروعه ذلك الحدث الذي تتمناه أي فتاة في العالم و نظرًا لبرائتها و قله خبرتها لم تلحظ المكر الذي غلفته عيناه بالحب الوهمي و أفصحت شفتيها عن قبولها لعرضه و الذي كان المفتاح لأبواب الحجيم الذي أجتاح حياتها بعد ذلك!
خرجت صرخه قويه من قعر وجعها حين إنقلبت بها تلك الغيمة الورديه لتسقط بقوة شاعرة بألم حاد في أسفل معدتها فتحت على إثره عيناها بقوة لتهب «فرح» من مكانها تقترب منها بلهفه تجلت في نبرتها حين قالت
جنة حبيبتي. حمد لله على سلامتك. حاسه بأيه طمنيني!
في البدايه لم تُدرك ما يحدث حولها و لكن ما أن طافت عيناها بالمكان حتى تحركت يدها تلقائيًا إلى مكان الوجع أسفل بطنها و قالت برعب.
أبني! أبني جراله حاجه؟ ردي عليا يا فرح؟
سرعان ما أحتضنت ثورتها كفوف «فرح» التي أحتوت وجنتيها بحنان قائله
لا يا حبيبتي متخافيش. الحمد لله كويس ربنا نجاكوا!
تنفست الصعداء و زفرت خوفها الذي كاد أن يقبض روحها بتلك اللحظه و أسندت رأسها للخلف و هي تنظر إلى شقيقتها بتعب تجلي في ملامحها و خرج الكلام بين شفتيها بضعف
الحمد لله.
فرح بحنان
الحمد لله يا حبيبتي. طمنيني حاسه بأيه؟
جنه بضعف.
في ألم بسيط في بطني.
فرح بإشراقه
هتبقي أحسن لما تشوفي حبيب خالتو إلى مغلبنا معاه دا.
رفعت رأسها تطالعها بعدم فهم فنهضت فرح من مكانها و قامت بالضغط على إحدي الأزرار بجانب مخدعها و هي تقول بتفسير
الدكتور قال أول لما تفوقي هيكشف عليكي سونار عشان يطمنك على البيبي. و قال كمان أنك مبتتغذيش كويس و دا غلط عليه. و شكله زعل منك عشان كدا حصل إلى حصل.
أهتز قلبها لحديث شقيقتها فهي تحاول إضفاء المرح على قلبها و آثرت ألا تسألها عن السبب خلف ما حدث لها و قد كانت أكثر من ممتنه لهذا الأمر لذا قالت بإبتسامه واهنه
من النهاردة مش هزعل تاني مهما حصل. و ههتم بصحتي عشانه.
كانت تتحدث بتأكيد نابع من صميم قلبها و هي تُقسِم داخليًا على ألا تسمح لشئ أن يؤذي صغيرها تلك النعمه التي خرجت من بين كل هذا السوء الذي حدث لها و هي تنوي أن تحميه بروحها فإن تمسك هو بها مرتين فهي لن تتركه أبدًا.
بعد مرور بعض الوقت أنصرف الطبيب بعد أن قام بفحصها و طمأنها بأن الأوضاع تحت السيطرة و أمطرها بوابل من التنبيهات مُشددًا على كل كلمه يتفوه بها و قد أقسمت داخلها على أن تقوم بتنفيذ كل ما قاله دون الإغفال عن أي شئ.
و ما أن خرج الطبيب حتى سمعوا طرقًا على الباب طال دويه قلبها و قد علمت من الطارق فهو لم يكن سوى «سالم» الذي كان ينتظر خروج الطبيب من الغرفه حتى يطمئن هل عادت الأمور تحت السيطرة و زال الخطر أم لا و قد كان الغضب يأكل داخله بنهم فهذه هي المرة الثانية التي يتعرض بها الطفل إلى خطر مُحدِق و لكن هذه المرة لم تكن كسابقاتها فهو يكاد يُجزم بأن أخاه له يد بما حدث فذلك الرعب الذي كان يحاول إخفاءه لم يكن من فراغ، و لهفته القويه في الإطمئنان عليها لابد و أنها نابعه من ذنب كان يتجلي بوضوح في عيناه و لكنه أجل الحديث بهذا الأمر إلى حين يطمئن على الطفل و قد أنتوي على وضع الأمور في نصابها الصحيح وسيتأكد من أن الجميع يسير على النهج المطلوب.
دلف إلى الغرفه بعد ما سمع صوتها يسمح له بالدخول و ما أن وقعت عيناه عليها حتى تشعب الغضب داخله و تجلي ذلك بعيونه السوداء حين رآها تقف أمامه بثيابها تلك و قد خلعت جاكيت بدلته واضعه إياه على الأريكه خلفها و هذا يعني بأن الطبيب رآها بحالتها تلك!
رغمًا عنه أغضبه هذا كثيرًا لكنه حاول إبتلاع غضبه حين قال بخشونه موجهًا حديثه لجنة
عامله إيه دلوقت؟
أجابته بخفوت فقد كانت تخشاه كثيرًا
الحمد لله أحسن.
هز رأسه وهو يتنفس بصعوبه حين تشابكت نظراته مع تلك التي كانت تتحاشي النظر إليه و قد أضاف ذلك الوقود لغضبه المشتعل بصدره و لكنه كالعادة بدا هادئًا باردًا جافًا!
جاء صوته جامدًا متسلطًا حين قال
سمعتي الدكتور قال إيه؟
أجابته «جنة» بهزة من رأسها دون حديث ليأتيها صوته قويًا حين قال مُهددًا
دي آخر مرة هسمحلك تعرضي حياة إبن أخويا للخطر.
لم تتحمل حديثه مع شقيقتها بتلك الطريقه و ألتفتت تُناظره بقوة و غضب تجلي في نبرتها حين قالت
على أساس إن حياتها هي كمان مكنتش مُعرضه للخطر!
قابل غضبها و حديثها بسخريه إرتسمت على ملامحه للحظه قبل أن تعود إلى جمودها و أدار رأسه إلى «جنة» و هو يقول آمرًا
هتفضلي هنا تحت الملاحظه كام يوم لحد ما الدكتور يقول إن الخطر زال. أي حاجه تحتاجيها بلغيني.
أجابته «جنة» بإختصار
تمام.
أغضبها تجاهله لها و لكنها حاولت إخفاء غضبها بإبتسامه عابثه رسمتها ملامحها التي كانت في أوج إزدهارها بفعل الغضب الذي كسي خديها بحمرة جميله و عيناها الصافيه مع وجهًا أشرق حين أطمأنت على شقيقتها. مظهرها الفاتن هذا أعاد إليه شهوة إستفزازها فقال بسخريه و هو يلقي عليها نظرة عابرة
هبعتلك هدوم مع السواق
شعرت بالسخريه في لهجته و قد أغاظها ذلك فأرادت رد الصاع صاعين حيث قالت بلامبالاه.
لا متشغلش بالك. أنا مرتاحه كدا.
دون حديث أبتلع غضبه الحارق و توجه إلى الباب و ما أن هم بفتحه حتى نادته بلهفه توقف على إثرها بقلب يدق بعنف
آه. سالم بيه.
قالت كمن نسي شيئًا ثم ألتفتت تتناول جاكت بذلته و توجهت بهدوء تناوله إياه راسمه إبتسامه عفوية على شفتيها و هي تقول بتمهل
ميرسي أوي. تقدر تاخده مبقتش محتجاه.
إمتدت يداه لتلتقطه و قبل أن تتركه شعرت بقبضته القويه تعتصر يدها المُمسكه بالجاكت وهو يُطالعها بغضب قبل أن يقول بجفاء
مش أنتي إلى تقولي إذا كنتي محتجاه و لا لا!
كانت قبضته مؤلمة و لكنها لم تدعه يعلم بأنها تتألم لذا رفعت أحد حاجبيها قبل أن تقول بتهكم
نعم!
تحمحم بخفوت قبل أن يُسيطر على ضربات قلبه الصاخبة أمام عيناها الصافيه التي تحاول إستفزازه و لكنه لن يقع بفخها أبدًا لذا قال بفظاظة.
أنتوا هنا تحت إسم الوزان و الإسم دا له هيبته و إحترامه. و شكلك دلوقتي يعني!
طافت عيناه على جسدها الأنثوي الرقيق بمنحنياته القاتله التي تخطف العقول و إرتفعت نظراته تُبحِر فوق ملامحها الجميله و التي جعلت نبضاته تتعثر داخل صدره تأثرًا بهيئتها العشوائية الساحرة و لكنه نجح في إخفاء كل هذا ببراعة و لوى فمه بإمتعاض تاركًا لعيناه و ملامحه أن توصل لها مقصده و قد أغضبها هذا لدرجه جعلت أنفاسها تتسارع و بصعوبه بالغه حافظت على بعضًا من هدوئها حين قالت ساخرة.
غريبه! مع إنك كنت عايزني أرجع لشخصيتي الأصليه إيه إلى حصل دلوقتي؟
سالم بحدة
كنت غلطان!
رفعت إحدي حاجبيها الجميلين و ناظرته بسخريه قبل أن تقول بهدوء مستفز
عشان كدا زي ما قولتلك مخدتش رأيك بعين الإعتبار!
كانت مشاكستها لذيذة بحق و ملامحها التي تتحداه بخطورة لا تعي توابعها و قد كان هو الآخر يشعر بأنه يمشي بحقل ألغام قد تنفجر بقلبه في أي لحظه و هو غير عابئ لتوابعها التي قد تكون مُدمرة يُريد أن تدوم حربهم تلك للأبد دون أن يمل!
لو كنت أعرف إن شخصيتك الأصلية شبه أطفال الشوارع كدا مكنتش هطلب منك ترجعيلها!
برقت عيناها من شدة الذهول الذي تحول لغضب عارمٍ فقد أهان أنوثتها بشدة جعلتها تود لو تُمزقه إربًا حتى تمحي تلك الأبتسامه الكريهة على وجهه و التي كانت تُخفي آخري صاخبة نجح في خنقها حتى لا تفضح إستمتاعه بملامحها وغضبها المروع هذا و تابع بتهكم
في رأيي شخصيه أبلة نظيرة لايقه عليكي أكتر!
كان طوال الوقت مُمسكً بمعصمها القابع خلف الجاكت الخاص به و الذي كانت ممسكه به بقوة دون أن تدري فلم يستطيع أن يفوت فرصه آخري في إغضابها إذ قال بتسليه
الجاكيت! مش تقريبًا قولتي إنك مش محتجاه!
لا تعلم ما دهاها في تلك اللحظه و لكنها إنتزعت الجاكيت من بين يديه و قالت بحدة توازي حدة نظراتها إليه
غيرت رأيي. هاته.
أخذته و حاوطت كتفها به في حركه منها لإغاظته فابتسم تلقائيًا على فعلتها و لكنه سارع بمحو بسمته و هو ينظر إلى الجاكيت الذي يُعانق جسدها بغموض و لوهله طرأ على باله هاجس.
ما هو شعوره حين تُصبِح تحت سطوة عناقه!؟
كانت «جنة» تقف أمام تلك الفرسه الرائعه التي أعجبت بها سابقًا تُناظرها بسعادة غامرة أنبثقت من بين كلماتها حين قالت بحبور
أذيك يا جميله. وحشتيني أوي.
مدت يدها تُدغدِغ أسفل عنقها و الفرس تتجاوب معها مما جعلها تقول برقه
أنا كمان وحشتك. حقك عليا اتأخرت عليكي كل دا بس أنتي متعرفيش حصلي إيه؟
إرتسم الحزن على ملامحها الجميله و هي تقول بنبرة خافته.
أنا كنت هخسر البيبي. و قعدت يومين في المستشفي و بعدين الدكتور منعني من الحركه لمدة أسبوعين! تخيلي أسبوعين كاملين و أنا نايمه في السرير مبتحركش! أكل في السرير و شرب في السرير لحد ما طهقت.
تابعت بعد أن اشرق وجهها و إرتسمت أبتسامه سعيدة على ملامحها و هي تقول بحبور.
بس النهاردة خدت إفراج. و أول ما رجعت من عند الدكتور جيتلك على طول. بالرغم من أن هتلر دا منعني إني آجي اشوفك و على الرغم من أنه السبب في كل إلى حصلي! لكن و لا يهمني هجيلك أشوفك على طول. أقصد يعني طول ماهو مش موجود! مانا نسيت أقولك أصله من يوم إلى حصل مشوفتوش. بس أحسن أنا أصلًا مش عايزة أشوفه!
كانت جملتها الأخيرة نابعه من أعماق قلبها الذي كان يتمني حقًا لو لم يراه أبدًا فبكل مرة تقع عيناه عليها يُذيقها أقسى أنواع الإهانات حتى أنها بآخر مرة كانت معه لم يتحمل جسدها هذا الألم الهائل الذي تشعب إلى أوردتها و لم يرحمها منه سوي تلك الهوة العميقه التي أنقذتها من ذلك العذاب المرير!
أبتلعت غصه تشكلت داخل حلقها ما أن زارتها تلك الذكريات المريرة فحاولت التغلب عليها حين إرتسمت ابتسامه جميله على شفتيها و هي تلتقط إحدي حبات الجذر و تضعها في فم الخيل و هي تقول بأعجاب بالغ
مفكر أنه هيقدر عليا و يمنعني عنك. هه يبقي يوريني سي هتلر دا! المهم أنا مضطرة أمشي بقي عشان زمان فرح رجعت من مشوارها و المفروض هنروح نتغدي مع العيله النهاردة و أتعرف على باقيتهم.
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تقول بنبرة يتخللها القلق.
بصراحه أنا خايفه أوي من المقابله دي! الناس دول أصلًا شكلهم مُرعب من أول سالم الديكتاتور! اه مانا نسيت اقولك إني سميته الديكتاتور! على طول عاوز أوامره بس هي إلى تتنفذ و الناس تقول سمعًا و طاعه. و التاني إلى عامل زي هتلر دا معدوم القلب و الإحساس! و لا الحاجه! يا عيني عالحاجه شبه إليزابيث إلى في فيلم stay alive الست إلى كانت بتخطف البنات الحلوين و تتغذي على دمهم دي! حستها أول ما شافتني كانت عايزة تجبني من رقبتي كدا و تقوم جايه عضاني!
زفرت بحنق قبل أن تتابع حديثها الناقم
بصراحه أشكالهم كلهم متطمنش. و لسه بيقولك في عمته و أخته و بنت عمته. هقول إيه الله يسامحك يا حازم! و يعيني على ما بلاني!
حانت منها التفاته حولها قبل أن تستقر نظراتها على معدتها فارتفعت يدها تُمسدها بحنان وهي تقول برقه
بس مش مشكله. كله يهون عشان حبيبي.
رفعت رأسها تبتسم للفرس في سعادة و هي تقول بأستسلام.
مضطرة أمشي دلوقتي عشان ميعاد الغدا المقدس جه! و مينفعش أتأخر عليه أحسن يقيموا عليا الحد!
أرسلت قبله في الهواء و هي تلتفت تتابع طريقها دون أن تلحظ تلك العينان التي شيعتها بنظرات الغضب.
آنسه فرح عمران!
لم تكد تجلس في مكانها حين وقعت تلك النبرة الخشنة على مسامعها كقنبلة مدويه إخترقت قلبها أولًا و من ثم عقلها الذي لم يكن يصدق ما يسمعه و تعلقت نظراتها الجاحظة بذلك المقعد الذي حين إلتف توسعت حدقتيها أكثر و صدق ظنها بأنه هو!
جاءها صوته الرجولي الخشن الذي يحوي بين طياته السخريه و الغضب حين قال
أيه أتصدمتي؟
لم تجيبه فلم تستطع السيطرة على صدمتها بعد فأخذت تبلل حلقها تحاول البحث عن صوتها الذي أختفي بفعل تلك المفاجأة الغير متوقعه أبدًا فهي منذ أن بدأت حالة شقيقتها بالإستقرار و هي تحاول البحث عن عمل في شبكه الإنترنت و لحسن حظها وجدت إحدي الشركات الكبيرة تُعلِن عن حاجتها لإحدي الوظائف التي لائمت مؤهلاتها كثيرًا فلم تتردد و قامت بإرسال الملف الخاص بها و جاءها الرد قبل يومان بموعد المقابله اليوم و كانت طوال الطريق تدعو الله أن يكون هذا العمل من نصيبها فهي لم تعتاد على الجلوس هكذا دون فعل شئ و ايضًا لن تنتظر حتى إنتهاء مُدخراتها من النقود و لن تسمح لأحد بأن يُنفق عليها أبدًا.
اخيرًا إستطاعت السيطرة على صدمتها و قالت بصوت مهزوز
أنت بتعمل إيه هنا؟
نالت سخريته من ثباتها الواهي حين قال بتهكم
تقريبًا أنا إلى مفروض أسألك السؤال دا؟
أعادت نبرته الساخرة صوتها الضائع و أيقظت شيئًا من روح القتال بداخلها لذا أجابته بكل هدوء
بما إنك هنا و قاعد على الكرسي دا تحديدًا يبقي عارف أنا جايه أعمل إيه هنا!
خرج صوته جافًا مع نظرات حادة رمقها بها قبل أن يقول بإستفهام.
و مقولتليش ليه إنك عايزة تشتغلي؟
فرح بهدوء مستفز
و أقولك ليه؟
كانت أُنثي متمردة تثير غضبه النفيس. تتنافس معه في أعظم صفاته و هو الهدوء. تغتال ثباته بضراوة و تقف أمامه كند لا يُستهان به تجعل عقله يعمل بكل دقيقه في كيفيه إختراقها؟ تُحاربه خلف تلك الحواجز الزجاجية لنظارتها الطبيه التي يكاد يقسم بأنها لا تحتاجها فتحجب عنه لذة التوغل إلى غاباتها الزيتونيه و كشف ما تُجيد إخفاؤه عنه و كان هذا أكثر ما يُثير غضبه و لكنه كعادته تحدث بهدوء و نبرة كانت قويه مُحمله بتقريع خفي لم تخطئ في فهمه.
عشان مفروض تحترمي الراجل إلى أنتي مسئوله منه
إهتزت حدقتيها لثوان فقد أخترقت الكلمه أعماقها مُحدثه عاصفه هوجاء بداخلها لم تستطيع للحظات السيطرة عليها و تسارعت أنفاسها و لكنها بصعوبه إستطاعت التحكم بملامحها لتظل على ثباتها قبل أن تقول مُشدده على كلماتها
بس أنا مش مسئوله من حد!
أجابها مُصححًا و كأنه ينفي تلك التهمه عن ذاته
أقصد الراجل إلى أنتي عايشه في بيته!
لا تعلم لما أغضبها تصحيحه لتلك الهفوة التي ظنت أنها خرجت من بين شفتيه دون حساب و لكنها تابعت بإستماته في الوقوف أمامه و مجابهته و الدفاع عن إستقلاليتها
إني أكون عايشه تحت بيتك دا مش معناه إنك تصرف عليا!
أخذ يُناظرها بغموض دام لثوان و سرعان ما خرج صوته هادئًا و هو يقول
عندك حق.
أنتقلت نظراته إلى الأوراق أمامه قبل أن ترتفع عيناه التي تحولت بطريقه جذريه و ملامحه التي أصبحت صارمه حين قال بفظاظه.
خلينا نشوف إذا كنتي مؤهله للشغل هنا و لا لا؟
لوهله لم تفهم حديثه الذي كان يقصد به بدايه المُقابله حيث فاجأها بعدها بأن شرع يختبرها و قد تحولت هيئته و أصبح رجل مختلف تمامًا عما عهدته و تفاجأت من أسلوبه و مدي مهنيته حين كان يلقي بأسئلته التي أجابت على معظمها بإمتياز و دام الوضع بينهم لمدة تتراوح بين ربع إلى نصف ساعه حتى أنتهت تلك المقابله الأصعب في حياتها لاهثه و هي تحاول مضاهاته و إجابته بطريقه نموذجيه لتتفاجئ به يغلق ملفها و يناولها إياه و على وجهه ترتسم تعبيرات أسف زائفة حين قال.
للأسف يا آنسه فرح مؤهلاتك أضعف بكتير من إنك تشتغلي في شركه أنترناشيونال زي دي.
برقت عيناها من شدة الصدمه فإجابته تلك لم تكن في حدود توقعاتها أبدًا فهي أجابته على جميع الاسئله تقريبًا و إن كان يحاول تعجيزها بين الفينة و الآخري و لكنها متأكدة من انها مؤهله و بقوة للعمل بتلك الشركه فهي تضاهي الشركه التي تعمل بها بالقاهرة من حيث قوة أستثماراتها الداخليه و الخارجية و لكنها وصلت إلى حقيقه ثابته أنه لا يريدها هنا و هذا ليس له علاقه بأي مؤهلات كما أخبرها لذا بمنتهي الهدوء الذي يتنافي مع غضبها و ألمها الداخلي مدت يدها تأخذ منه ملفها و هي تقول ساخرة.
تمام. بس بلاش كلمه أنترناشيونال دي عشان مش لايقه مع سوء الإدارة إللي هنا.
رفع إحدي حاجبيه و هو يناظرها بغموض قبل أن يقول بخشونه
سوء الإدارة! دي كلمه كبيرة أوي يا آنسه!
تجلي غضبها و ألمها في عيناها و لم تفلح في إخفائهم بل تضمنوا لهجتها حين قالت بجفاء
لما الإدارة تبقي ممشياها بالمزاج مش بالمؤهلات تبقي إدارة سيئه. عن إذنك!
قالت جملتها الأخيرة و توجهت بشموخ نحو باب مكتبه فاستوقفتها كلمته التي تحمل وسام الإنتصار والسخرية معًا
شرفتينا!
وصلت «جنة» إلى الملحق الخاص بهم فوجدت
« فرح » التي كانت تبحث عنها بوجه مُتجهم و عينان تعكسان غضبًا مروعًا قلما يظهر عليها فاقتربت منها «جنه» بخوف و ترقب تجلي في نبرتها و هي تقول
إيه يا فرح حصل حاجه و لا إيه؟
حاولت « فرح » إبتلاع جمرات غضبها من ذلك المتكبر المغرور المتغطرس و جاهدت في رسم إبتسامه هادئه على ملامحها قبل أن تقول بهدوء.
مفيش يا حبيبتي! طمنيني أنتي كويسه؟
هزت رأسها و تابعت برجاء خفي في عيناها و هي تقول بإستفهام
متخبيش عليا يا فرح. حصل إيه؟ و أنتي كنتي فين أصلًا؟
فرح بمزاح
يا بت بطلي أفورة هخبي عليكي إيه. و بعدين تعالي هنا أنتي بتستجوبيني يا ست جنة؟
أبتسمت «جنة» قبل أن تقول بلهجه غلب عليها الحزن
لا طبعًا. بس غصب عني بقيت خايفه من كل حاجه!
إمتدت يد فرح تُعانقها بحب تجلي في نبرتها حين قالت.
متخافيش من حاجه أبدا و أنا معاكي.
إرتفعت رأس جنه تطالعها بلهفه و هي تقول بتوسل يُغلف نظراتها و نبرة صوتها
يعني خلاص سامحتيني يا فرح! و مبقتيش زعلانه مني
حاولت فرح إنتقاء كلماتها حتى لا تؤذي شقيقتها فقالت بلطف
إحنا مش قولنا مش هنتكلم في حاجه خالص دلوقتي و هنستني لحد ما تقومي بالسلامه!
همت « جنة » بالحديث و لكن أوقفها صوت زامور سيارة «سالم» التي توقفت أمام الباب الداخلي للقصر دون أن يُلقي عليهم نظرة واحدة مما أدي إلى زيادة غضبها و للمرة التي لا تعرف عددها تمنت لو أنها لم تقابل ذلك الرجل أبدًا!
توجهت الفتاتان إلى الباب الداخلي للقصر لحضور أول غذاء لهم مع تلك العائله فبعد ما حدث لجنة أمر «سالم» بأن تلتزم السرير عملًا بتنبيهات الطبيب و أن تجلب لهم الطعام إحدي الخادمات في مواعيده.
ما أن أوشك الإثنان إلى الدلوف إلى داخل المنزل حتى ظهرت إحدي الخادمات التي قالت بإحترام
فرح هانم. سالم بيه مستني حضرتك في أوضه المكتب!
تفاجئت من حديث الخادمه و لكنها أوشكت على الرفض فهي لن تترك «جنة» تواجه هؤلاء الناس عديمي الذوق وحدها و لكن جاء صوت «جنة» التي قالت لتُطمأِنها
روحي يا فرح شوفيه عايزك في إيه و أنا هدخل
فرح بصرامه
لا طبعًا مش هينفع أسيبك تدخليلهم لوحدك. أبقي أشوفه عايز إيه بعدين!
حاولت جنة طمأنتها إذ قالت بهدوء.
أكيد مش هياكلوني يا فرح! و بعدين يا ستي و لا تزعلي نفسك أنا هستناكي هنا في الجنينه لحد ما تخلصي كدا كدا لسه معانا وقت قبل معاد الغذا
حاولت فرح الإعتراض فبادرتها «جنة» القول
خلاص بقي روحي أنا هشم شويه هوا على ما تخلصي معاه.
أذعنت فرح لاقتراحها و ذهبت إلى حيث أشارت الخادمة تاركه «جنة» التي أرادت التجول في تلك الحديقه الجميله المليئه بالإزهار التي تُلائم كثيرًا تلك الأزهار الجميله المنقوشه على فستانها الزهري الذي يلتف حول جسدها بنعمومه و خاصةً أن وزنها قد زاد بسبب الحمل مما جعلها تبدو أكثر جمالا و أنوثه.
أخذت تتمشي بين الأزهار تشتمها و تتلمسها غافله عن مكان وجودها و كان تفكيرها منصبًا على تلك الجنه المحيطة بها و التي تشبهها كثيرًا إلى أن أخرجها من عالمها الجميل صوت لهجة باردة مُحمله بالحقد
أنتي بقي جنة!
إلتفتت «جنة» تنظر إلى تلك الفتاة التي كانت ترتدي الأسود الذي يوازي نظراتها الحادة و هي تتقدم تجاهها بخطوات ثقيله عكرت الهواء الصافي حولها و لكنها حاولت التغاضي عن كل شئ و قالت بهدوء.
أيوا أنا جنة. أنتي مين؟
ناظرتها سما بغضب ممزوج بإحتقار و هي تجوب بعيناها «جنة» من رأسها إلى أخمص قدميها قبل أن تقول بنبرة مسمومه
أنا سما. بنت عم حازم و خطيبته!
برقت عيناها للحظه من كلمتها الأخيرة التي جعلتها ترتد خطوة إلى الخلف و هي تقول بعدم فهم
نعم! خطيبته!
أجابتها سما بلهجه تقطر حقدًا.
أيوا خطيبته إلى دمرتي حياتها. و خطفتي منها حبيبها و كنتي السبب في موته! لا و مكفكيش كل دا دانتي بكل بجاحه جايه ترمي بلاكي علينا و تلبسينا عيل مش ابننا و كل دا عشان إيه! عشان تورثيه!
أخرسي!
جاءت صرخه غاضبه جمدت الفتاة بمكانها و كأن دلوًا من الماء المثلج سقط فوق رأسها و لكن كانت مفاجأة «جنة» أكبر حين رفعت رأسها و رأت...