رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثامن عشر
بعد عدة أيام مرت طويلة للغاية على الجميع، كسر رتابتها الروتينية عمر الراكض في حماسة طفولية إلى الشرف حيث يجلس والده بمفرده سارحًا في أفكاره متأملًا ضوء القمر عسى أن يخفف الحيرة التي تعتمره:
-بابي بابي.
ألقى ريان سيجاره من فوق سور الشرفة بعيدًا عن طفله قبل ان يلتفت نحوه مجيبًا بنبرة حازمة:
-عمر قولت مية مرة متجريش في الشقة.
-سوري يا بابي.
رد عُمر بنبرة خجلة بينما يميل بوجهه للأعلى كي ينظر إلى والده فارع الطول مستكملًا في توتر:
-عايز اتفرج على الكرتون بتاعي معاك.
-أيوة يعني عايز أية دلوقتي؟
سأله ريان في بلاهة غير متوقع مطلبه الغير مسبوق فلما بحق السماء سيشاهد معه الرسوم المتحركة:
-الكرتون بتاعي يا بابي!
-ما أنت عارف يا عمر أنا مش بحب صوت الكرتون روح اتفرج مع ريم.
التفت عمر خلفه في توجس ثم اقترب يجذب سروال والده في غيظ معترفًا من بين أسنانه:
-يا بابي ركز ريم هي اللي قالتلي نادي بابي وقوله انك عايز تتفرج معاه على الكرتون.
-وريم عايزاني اتفرج معاك على الكرتون ليه؟
حرك ريان كتفيه وذراعيه مستغربًا مما يخبره إياه طفله ليخرج سؤاله مخلوطًا بنفس البلاهة السابقة، فضرب عمر بكفه فوق رأسه يكاد يجذب خصلاته من غباء والده قائلًا:
-عشان أكيد عايزة تقعد معاك هي كمان.
اتسعت أعين ريان الذي مال في لهفة نحو صغيره يخبره في نبرة حانقة:
-عمر ركز وفهمني من الأول وبهدوء كده أيه اللي قالته بالظبط ؟
هز عمر رأسه بالموافقة ليسترسل في اخبار ريان:
-أنا كنت بتفرج على التلفزيون ولما انت مكنتش راضي تتغدى هي فضلت متضايقة ومأكلتش كويس، فبعد ما أكلنا بصتلي وقالتلي أعمل ان انت واحشني واقولك تطلع تتفرج معانا، فهمتني يا بابي؟
سأل عمر بعيون متسعة وتنفس بارتياح حين حرك ريان رأسه بالموافقة ليهمس زافرًا:
-اوف اخيرًا، يلا بينا؟
ابتسم ريان ومال يخبط مقدمة رأسه بمقدمه رأس صغيرة الذي لا يطاق في خفة مؤكدًا في نبرة تغرقها السعادة والأمل:
-يلا بينا.
تركه ريان يمسك بأصابعه يجذبه خلفه في خطوات راكضة وابتسامه خفيفة تحتل وجهه فقد تعمد طوال الأسبوع الماضي الابتعاد عن مرمى مساحتها الشخصية والبقاء في غرفته كي يتركها تعيد ترتيب أفكارها في سلام دون أي ضغوط قد تنسجها في خيالها في حالة وجوده حولها.
وقابلت ريم تصرفاته في رضا ضمني فقد كانت هادئة على غير العادة تميل للصمت حتى انها أغلقت هاتفها بشكل نهائي واكتفت بتقبل مكالمات وسام كل حين والأخر من خلال هاتفه.
شعر برغبتها في الانعزال عن العالم الخارجي فأعطاها مرادها بتجنبها تمامًا إلا وقت تناول الوجبات لكنه لن ينكر انه كان كالمراهق يسمح لنفسه باختلاس نظرات نحوها يتفحصها بشوق في الخفاء أثناء انشغالها بإطعام لعمر.
فقد أصبحه وقته المفضل لمراقبتها هو وقتها مع صغيره لأنه الوقت الوحيد الذي ينبت الأمل داخله ويغذي مشاعره بالصبر، فيشعر خلاله بأن ريم مازالت هي ذاتها التي تزوجها وأحبها.
بحثت عيناه عنها أول شيء ما أن لامست قدمه الردهة فسعل بخفة معلنًا عن وجوده وكأن تشنج جسدها وترقبها غير كافيان لأقناعه بانها تعلم تمامًا بوجوده.
حاول كبح جموح توقعاته وامنياته فحتى وان طلبت ريم وجوده لا يعني هذا بأنها تسامحه أو تعود إليه، فهو لا يريد أن يتحطم قلبه من جديد بتسرعه لأن وقتها سيخرج تمامًا عن طور السيطرة كالحمم البركانية السائلة حين تنساب فتحرق اليابس دون أن يستطيع أحد ايقافها.
-مساء الخير.
أجابته ريم أسرع من اللازم:
-مساء النور.
حاول "ريان" عدم قلب عينيه ساخرًا من الآداب الحديثة لمجرى حياتهما ثم جلس فوق الأريكة التي تحتل ريم طرفها البعيد واتبعه عمر في المنتصف، سيطر على ابتسامه تحاول الارتسام على وجهه متظاهرًا بالانشغال بالتلفاز عندما نظر لها عمر يتفاخر بإتمام مهمته فتكتفي هي بعض شفتيها تخرسه بوجه أحمر.
ذلك الطفل اللعين السمج كم يحسده علي علاقته العفوية معها!
فكر ريان ثم تنهد في صمت فجزء منه منزعج لأنه يصر على قتل الأمل داخله، لكنه يعاند مبررًا بانها قد ترغب في مجالسته لأنها تشعر بالملل؟
فمتى كانت أخر مرة خرجت بها؟
امم، على ما يتذكر كان ذلك قبل سفره بأيام أي ما يقارب أكثر من أسبوعين، تدخل ذلك الجانب الهائم بها يعرض خدماته في حماسة فربما عليه عرض الأمر عليها ورؤية أين سينتهي بهما الحال؟
سند مرفقه جواره وابهامه يتنقل فوق شفتيه كعادته عند الغرق في التفكير غير منتبه لصغيره الذي مال يسند برأسه فوق خصره يحتضنه نحوه بتلقائية يتطلب قربه وحنانه.
كانت عيون ريان معلقة بالشاشة أمامه وأصابع يده الأخرى تلاعب رأس صغيره في عفوية، ألقى نظرة خاطفة جواره على ريم فوجدها تحدق به بلمعة كان يخشى تفسيرها لكنها أبعدت نظرها في حرج نحو الشاشة.
تابع الاحمرار الذي ابتلع وجهها واصابعها التي تفرك في توتر فوق ساقها وعاد بتفكيره لتلك اللمعة المشتاقة التي لمحها في عينيها ترى هل يتخيل الأمر لأنه يتمناه ام...
صمتت أفكاره ثم ضاقت عيناه بعد ثوان وقد صدح في عقله اعتراف سابق لها في بداية زواجهما حين وقفت في إحدى المرات تطالب في طفولية بحقها في العناق مثلها مثل عمر لتعترف وقتها أنها كالأطفال تشعر باللهفة لتبادل المشاعر خاصة عندما ترى الاحبة يعبرون عن مشاعرهم.
رمق عمر القابع في أحضانه قبل ان يلقي نظره أخرى نحوها، عض شفتيه في توتر وقلق مما هو قادم عليه لكن الحاجة في عينيها حسمت الأمر فرفع ذراعه نحوها يداعب خصلاتها ملامسًا جانب وجهها.
تسمرت ريم بأعين متسعة لكنها نظرت نحوه نظرة ذهول تحولت إلى توق قبل ان تغمض جفونها في خجل محركة وجهها كالقطط في كفه.
أخرج ريان أنفاسه المحبوسة ثم حرك أصابعه بين خصلاتها يفرك رأسها في حنان وتابع في حب وفخر عنقها يميل نحوه.
بلل شفتيه ثم بكل ثقة جذب ذراعها يقربها منه هو وصغيره الذي انزاح نحو مقدمة الأريكة في صمت، لكن عيناه السوداء فضحت السعادة المتلألئة داخلهما في رضا عن هذا الاجتماع الأسري، انتهى جسدها خلف عمر ورأسها يستند فوق صدره بتوجيه من أصابعه.
كانت اضطراباتها حول طبيعة مشاعرها تتبخر مع كل لحظة تمر بينهما، كانت كمن وضع عقله داخل صندق تغلقه بإحكام رافضة التفكير وترغب فقط بالشعور الأمن الذي يوفره لها قرب زوجها وابنها، ذابت جواره على الاريكة وصدره وذراعه القوي حولها يشعراها بوجودها على قيد الحياة من جديد وبمدى صواب وجودهما سويًا.
وقفت ليان تطالع الزينة التي أسرفت في وضعها لإخفاء آثار الكدمات المغطية لوجهها، وتنهدت في أسى لن تنكر بأن مظهرها قد تحسن واقترب من الاختفاء ولكن أثرها المحفورة في صدرها لا يشفى ولا يختفي.
-احنا مش عايزين مشاكل الله يرضى عليكي ساعة بالكتير وتروحي.
قطع أفكارها صوت والدة وسام المحذر فحاولت ليان رسم ابتسامه ممتنه على وجهها لتطمئنها بنبرة مؤكدة:
-والله مش هتأخر، بيجاد مش هيشك وهو عارف اني بايته معاكي، والمفروض ان ربنا هينفخ في صورتهم انهارده وهينشغلوا عننا.
انهت ليان جملتها بخيبة أمل تتقطر من نبرتها فقد أثبت شقيقها بأنه عنيد كالحجر، يرفض الانحناء أمام جميع محاولات زوجته للصلح، حتى أنها شعرت بالغضب وكادت تخبر وسام بإهماله خاصة وقد بدأ الأمر يؤثر على المسكينة بشكل جدي.
-من بؤك لباب السما يا بنتي، ربنا يهديكي يا وسام ويهديلك جوزك يا بنت بطني.
-متقلقيش يا طنط ان شاء الله هيتصالحوا قريب، بيجاد عمره ما طول في خصامه لحد.
-ان شاء الله يا بنتي، بس الحق يتقال هو كان لازم يخاصمها شوية ويربيها عشان تحرم تخرب على نفسها وبيتها تاني، عارفة لولا أنها مبقتش تاكل زي الأول وخايفة على اللي في بطنها مكنتش كلمت بيجاد الصبح يخف عليها شوية.
ضحكت ليان وهي تقترب لاحتضانها قائلة في مرح:
-والله أنتي زي العسل يا طنط، ولو كان عندك ولد مكنتش سيبته غير وانا متجوزاه عشان تبقى حماتي الحلوة بزيادة.
-لا يا ستي انا مش عايزة أبقى حماتك، أنا هبقى حمى حبيب القلب ان شاء الله.
اخبرتها والدة وسام بثقه وهي تدلك ساقها المتألمة قليلًا باعتياديه فتمتمت ليان في تهكم:
-حبيب القلب مش واخد باله ولا هياخد باله أصلًا.
تجاهلت نظراتها المتسائلة واقتربت تقبل وجنتها قائلة:
-مع السلامة عشان متأخرش أكتر من كده وأي حاجه تحصل أنا معاكي على التلفون.
-ربنا يصلح حالك وينورلك طريقك يا بنتي.
حركت ليان كفها ترمي السلام مرة أخيرة قبل أن تغلق الباب في خفة وتتسلل في سرعة للأسفل، تنهدت في راحة ما أن التقت قدماها بالشارع الرئيسي لتوقف أول سيارة أجرة تقابلها.
عضت شفتيها متسائلة للمرة الألف هل تتخذ القرار الصحيح ؟
تذكرت حديثها مع وسام منذ أيام وهي تسأل عن أخر أحوال ريان وريم لتخبرها بتوتر الوضع، متذكرة كلماتها التي كانت ترمي باللوم في حدة وبغض على شخص "أحمد" لتنهي صدمتها بخبر إصابته بعجز ما، ولكنها وبكل غباء وطفولية ترفض التصديق بأن هناك خطب في حب حياتها.
مالت برأسها على الزجاج تتذكر حياتها ثم ابتسمت في خفة لا تزال تتذكر اليوم الذي انتقلت فيه ريم وخالتها للعيش فوقهم وقتها كان ريان يعمل بالخارج ولم يكن يخطر في بالها ان تكون ريم من نصيب أخيها في يوم من الأيام.
تحسرت على أعوام من الصداقة التي توطدت فدمرتهم ليان بغبائها، وتشعر بالذنب كلما فكرت في الماضي فهي لا تزال تتذكر يوم ايقظتها ريم الباكية لتخبرها بأن خالتها التي سافرت في عطلة قررت الاستقرار بالخارج دون أي إنذار.
ضحكت في سخرية مريرة فقد تساءلت وقتها كيف يمكن لشخص أن يتخلى عن شخص من عائلته خاصة شخص في سن ريم وتعجبت للأنانية التي جعلت خالتها تستحوذ على ما يملكونه من أموال قليلة، متحججة بحاجتها للأموال في غربتها واعدة بأن تعيدها يومًا ما.
عضت شفتيها في شفقة فقد كان ذلك أخر اتصال من خالتها فبل أن تنقطع أخبارها إلى الأبد، لكنها تحسد عزيمتها وحربها الغريزية من أجل البقاء وكيف تقبلت بالأمر الواقع سريعًا لتخرج يوميًا باحثة عن عمل.
لتدخل عليها يومًا تفاجئها بحصولها على عمل بأحد المتاجر الخاصة ببيع الملابس، كما انها تتذكر زيارتها المتطفلة بشكل دوري لريم في عملها خاصة وقد أذهلتها العلاقة القوية التي ربطتها بصاحب العمل التي صورته لها ريم بانه ذو شخصية ملائكية شديد الوسامة.
ارتسمت على شفتيها ابتسامه خفيفة فخيالها متعلق بأول مرة رأت فيها أحمد يوصل ريم في إحدى المرات متذكرة كيف ذابت في عشق صامت خسرت بسببه الكثير.
-يا ريتني ما شوفتك يومها.
تمنت في خفوت فمنذ رأته وهي تحاول الاقتراب منه ولفت انتباهه لسنوات دون جدوى فتركيزه ونظراته كانت خاصة بريم، فريم وحدها كانت هي محور اهتمامه والمستمعة الوحيدة بنظراته المحبة وبنظرات الفخر من عيناه البنية الرائعة المزينة بلمحات من الحزن في غموض.
زفرت في غضب فهي تتفادى التفكير في تلك الذكريات لأن بعدها ستبدأ مباراتها مع جلد الذات، فقد وقفت الظروف ضدها وقتذاك:
بداية من قلبها الممزق برفض أحمد المباشر بالاحتكاك بأي إمراه عدى ريم وحقدها المباشر نحوها.
تلاه وفاة زوجة ريان المفاجئة ودعوته لها للسفر شهور قليله كي تهتم بصغيره حتى يعود لمصر، لتكلل فشلها بأن تتعرف خلال ذلك الوقت القصير على أسوأ شخص في حياتها "نادر" جار ريان الذي التقته صدفة ودأب على التلاعب في مشاعرها بابتسامته المبهجة وكلماته السائلة بحلاوة زائفة وكيف ظلا على تواصل طيلة فترة وجودها في مصر.
غبية... كيف ظنت انها ستستبدل حبها لأحمد وتنساه من خلاله بل كيف تركته يخدعها ويزيد من غضبها على من حولها ويشجعها في حقد على فعل ما فعلته بريان وريم.
-وصلنا يا أنسة.
ارتبكت ليان المنغمسة في ذكرياتها قبل ان تحرك رأسها باضطراب وتحاسب السائق لترتجل، وقفت على بُعد خطوات من مكان عمل "أحمد" ونبضاتها تنبض داخل صدرها كطبول الحرب تناشد الاستعداد، حتى الآن لا تعي سبب حضورها ولكنها شعرت برغبة شديدة في ذلك.
اقتربت تتابع خروج فتاة طويلة جميلة نسبيًا تحمل حقيبة صغيرة تلتقطها وعي تحاول إغلاق الباب الزجاجي خلفها قبل ان تبتعد.
نظرت ليان من خلال الزجاج دون أن ينتبه لها ذلك الجالس فوق مكتبه يعبث بغرض ما بين أصابعه...
يا الله كم يذبحها ذلك الحزن الصارخ المتناثر من وجهه المتجهم يبدو لها حزين ضعيف أكثر مما تتذكر، بل أقبح هو الآن يبدو وحيدًا ... وهي أدري البشر بهذا الشعور المرير.
استجمعت شجاعتها وشخصيتها الزائفة التي رافقتها في غربتها ثم دفعت الباب الزجاجي لتدلف وتقابل صدمته اللحظية برؤيتها بابتسامة كبيرة على وجهها.
وقف أحمد من مكانه في ذهول من حضور ليان وأول ما جال في خاطره أن ريان قد ارسلها له ولكن لماذا؟
ضغط على أسنانه بحاجب مرفوع وهي تتبختر في خطواتها تطالعه بابتسامتها البلهاء تتقدم منه حتى وقفت أمامه قائلة بكل غرور:
-مفاجأة حلوة مش كده؟
ارتفع جانب وجهه في سخرية ليجيبها في حده مقصودة:
-حسب سبب الزيارة، ومن خبرتي البسيطة مع مصايبك السودة أكيد مش خير.
رمى كلماته قاصدًا خيانتها لريم فهو لا يزال حاقد عليها لتسببها بالأذى لريم، صوت داخله ارتفع ساخرًا متهمًا لذاته بانه يفعل المثل بها.
لكنه قرر التجاهل وصوب بصره نحو تلك اللاهية من اليمين لليسار تتفحص الملابس بكل ارتياحيه فسأل في نبرة مغلفة بنفاذ الصبر:
-عايزة أيه يا ليان؟
-انا؟!
مش عايزة حاجة.
قالت بأعين متسعة في براءة ولهجة ساخرة فقال في غيظ:
-يبقى اخوكي اللي عايز، هو اللي بعتك ليا مش كده؟
نظرت له وكأنه مجنون واتجهت نحوه تستقر أمامه عاقدة ذراعيها أمام صدرها قائلة في فخر:
-معقولة تفتكر ان ريان هيبعتني ليك، مكنتش أحسبك بالسذاجة دي.
-سذاجة؟
سأل مستهجنًا وقاحتها فاتسعت ابتسامتها لتتكئ على مكتبة قافزة فوقه باعتياديه تتخذه كمقعد لها قبل ان تطالعه مجيبة في ثقة:
-طبعا ساذج لو فاكر ان ممكن تكون مصدر ازعاج في علاقه ريان وريم، تبقى أكيد ساذج، انا اخويا بيحب ريم وعمره ما هيسبها ولو بالطبل البلدي.
عض أحمد فوق لحم فمه من الداخل يمنع كلماته البذيئة التي زاد عليها رغبته في صفعها خاصة حينما اطلقت ضحكتها الرنانة وكأنها تستمع بوجود مرح خفي في كلماته وهي تميل برأسها مظهره آثار كدماتها التي تظهر الزينة المطلية فوقها محاولاتها المستميتة لإخفائها، قاطعت تفكيره من جديد حين قالت:
-للأسف تقدر تقول ده سلو عيلتنا لما بنحب حد مش بنعرف نطلعه من حياتنا فبيكون أسهل بالنسبة لينا لو حطناه جوه المصيدة.
ضاقت عيناه وهي ترمقه بنظرات غامضة وكأن كلماتها لها معنى عميق ويتوجب عليه فهم تلميحاتها، تحرك نحوها في غيظ رافعًا أصبعه في وجهها هاتفًا:
-أنا مش عارف أنتي جاية ليه ومش عايز أعرف بس لو...
-هي عينيك بني فاتح ؟
قاطعته ليان التي تغوص داخل عيناه في جراءة لم يتوقعها فجعلته عاجزًا عن استكمال كلماته، هربت الدماء إلى وجنتيه خجلًا لكنه عاد في سرعة لصوابه شاعرًا بالغضب على نفسه وعليها.
ألا يكفيه خزي الرذيلة السابقة ليتأكد لعقله بأن النساء خط أحمر داخل حياته؟
راقبت ليان تحول مشاعره على ملامحه الرجولية الرائعة وكادت تقفز لتلحقه كي تمنع هروب خطواته للخلف.
-اااه...
تأوهت وهي تشعر بقدمها تنزلق وهربت منها شهقة حين التفت ذراعيه حولها يسندها نحوه في قوة كرد فعل يمنع سقوطها.
سرت القشعريرة في جسده ما ان التصقت به فتوتر كتلميذ هارب من الفصل محاولًا الابتعاد لكنها تعمدت لف ذراعيها حول خصره تقربه منها في مجون هامسة في مشاغبة:
-الله ما أنت حلو اهوه.
لا يصدق ان تلك الوقحة هي ليان التي كانت تحاول الاختفاء بجوار ريم متى حضرت ولا يصدق تلك الذبذبات التي تملكت جسده المتصلب بفعل لمساتها الحارقة.
-انتي...
فشل في تجميع جملته حين مررت يدها في اصرار فوق صدره باحترافيه متعمدة اشعال نيران حرص هو على قتلها داخله منذ زمن متشجعة بعد أن شعرت ببوادر استجابته الجسدية نحوها لينهي انتصارها حين دفعها في عنف قائلًا بأنفاس مضطربة:
-أنتي بتعملي ايه؟
لمعت عيناها المسبلة في مشاعر غامضة قبل أن ترفع شفتيها في غضب واشمئزاز غير مبرر، تعجب لهذا التحول الطارئ عليها لتتسع عيناه وهو يستمع إلى كلمات زلزلت الارض تحت ساقيه:
-للدرجة دي بتحب لريم لدرجة أنك تتهم رجولتك بالعجز؟
كانت وقفته المتجمدة كالتمثال تتنافى مع اشتعال صدره بالبغض والخذلان لا يصدق أن "ريم" الذي وثق بها بأخطر أسراره أخرجته بسهولة لجميع حولها، هل يعرف ريان بالأمر؟
هل يسخر منه ويضحك عليه في غيابه؟
-اطلعي برا.
همس بها في خفوت ووجه شاحب وحين حاولت الاقتراب منه صرخ بها دافعًا جسدها للخارج في عنف:
-برا وإياكي تيجي هنا تاني.
حاولت ليان ان تجاري دفعاته القوية كي لا تقع على مؤخرتها حتى أخرجها من المتجر عنوة مغلقًا الباب في وجهها ثم يهرع في عنف وجسد مشنج كمن يرغب في قتل أحد ما نحو باب المخزن الداخلي المتجر ليختفي عن مرمى أبصارها القلقة نهائيًا.
زفرت ليان وداخلها شعور بأن ثورته المجنونة تلك ليس لأنها اكتشفت خدعته ولكن لصدقها...!
وضعت يدها فوق عينيها التي تحرقها بدموعها لكنها ترفض الاستسلام للبكاء الآن فالتفتت هي الأخرى تجرر أذيال الهزيمة وتعود أدراجها للمنزل.
أما أحمد فقد وقف في منتصف المخزن ينتفض وينتفض كمن تملكه مس كهربائي من نوع ما يشعر بالخيانة والطعن من أقرب شخص له.
شعر كالمهرج ... لا بل شعر بالعجز الحقيقي الكامل أمام ليان...
مجرد فتاة مدللة حقيرة تجعله يشعر بالعجز التام وهي تخبره بمعرفتها بأخطر أسراره وباتهامها الذي كان سيعتبره قاسيًا مهينًا لرجولته بشكل حقيقي لو لم يكن اكتشافه لخيانة ريم أقسى وأكثر إهانة.
شعر بحلقه ينكمش حنى ضعفت قدرته على التنفس وزادت ارتعاشه جسده دون وعي فقد كان في عالم أخر أسود قبيح يصرخ ويصرخ داخله لينتهي به الأمر كالمجنون يدور ويدور في عنف يدمر المكان والسلع من حوله في همجية كبتها كثيرًا داخل صدره وكل ما حوله كان متجسد أمام عينيه في صورة والده وليان...
في مكان أخر وقفت "وسام" داخل غرفتهما منتظرة انتهاء "بيجاد" من حمامه الطويلة وقلبها يثب في صدرها بتوتر تخشى رد فعله على ما تنوي فعله.
حركت أصابعها فوق قميصها الساتاني القصير بلون الخوخ المفضل لديها تتأكد من تناسق هيئتها تحاول استحضار انوثتها التي تخفيها بطنها المنتفخة في سخرية.
ثم مالت تجذب أحمر الشفاه تمرره فوق شفتيها في اضطراب حين توقف صوت الماء، مرت لحظات قبل ان ينفتح الباب معلنًا عن خروج بيجاد الذي يحكم المنشفة حول خصره متجاهلًا قطرات الماء المنسابة فوق أكتافه وصدره العريض العاري.
توقف في مكانه لحظة حين لمحها لتظهر صدمته جلية على ملامحه وهو يبتلعها بنظراته الحامية قبل أن يستبدلها بقناعه الثلجي ملتفتًا بعيدًا عنها في إهمال.
ابتلعت جرحه لغرورها الأنثوي في صمت وهي تراقب جسده المنشغل بإخراج ملابسه من الخزانة وعقلها يفور في غل بسبب خروجه المنتظم وترغب في معرفة إلي أين يذهب ويتركها كل يوم في نفس الميعاد .
-وحشتني.
همست في ضعف وصدق فأغمض جفونه يحاول التمسك بقرار التجاهل وعدم التسرع والتأني في تحركاته.
لكن رؤية جسدها الرائع النحيل بعد أن فقدت القليل من الوزن بدأ يعبث بحبال مخططاته خاصة عندما لفتت والدتها انظاره لما يؤرقه ليتأكد بانه لم يكن يتوهم الأمر فهي تضعف دون مبرر.
-بيجاد ممكن نقعد نتكلم شوية، انت بجد وحشتني.
-مش هينفع انا خارج.
أخبرها بنبرة هادئة خالية من المشاعر فشعر بأناملها الرقيقة تلاقي عضلات ظهره في اعتراض قائلة:
-مش كفاية خصام.
التفت نحوها يبعد عن أصابعها السحرية التي تتلاعب بثباته الانفعالي وتفجر عشقه لها داخله مجيبًا في رتابة:
-أنا مش مخاصمك يا وسام ما احنا بنتكلم اهوه.
جذبت القميص الذي يحاول ارتداءه في حدة من بيد يديه هاتفه في اعتراض:
-لا مخاصمني يا بيجاد، وبعدين أنا من حقي أعرف انت بتروح فين كل يوم ومش عايز تقولي!
انكمشت ملامحه في انزعاج وحاول جذب القميص من يدها مجيبًا في حده:
-حاجه متخصكيش.
لن يخبرها الآن انه يحضر اجتماعات الشفاء الذاتي الخاصة بصديقه والذي كان حضوره لها عدة مرات بمثابه صدمه لمكنوناته وداخله، ليعترف من خلالها اخيرًا وسط تجارب الغير بإن هناك مشكلة داخلة وعليه حلها أولًا.
هو لا يدأب على معاقبتها كما تعتقد هو فقط يتجاهلها حتى ينجح في الوصول إلى نقطة من السلام الداخلي ودرجة من السيطرة على الذات قبل ان يتواجها.
فكل ما يخشاه هو أن يفقد سيطرته مجددًا ويؤذيها بشكل جدي في لحظة من لحظات غضبه الجنوني.
-هاتي القميص متعصبنيش.
قذفت بالقميص فوق فراشهم في عناد ليرمقها في غيظ قبل ان يتجه في صمت لسحبه لكنه تفاجأ بجسدها يندفع في جسده ليفقد كلاهما التوازن ويسقطان فوق الفراش وهو يحاول الإمساك بجسدها في ذعر خوفًا عليها.
-بتعملي ايه يا مجنونة!
اعتدلت وسام تستند فوق كتفيه لتحيط جسده بساقيها على جانبي خصره متجاهلة ملامحه المصدومة ثم مالت تمسك بوجهه بين كفيها وتسرق أنفاسه في قبلة شرسة لاهبة جعلته ينسى الحياة قبل افكاره، التفت ذراعاه بقوة حولها يقربها منه ليرد لها قبلتها الحارة في شوق عارم مجنون وحارب كلاهما للسيطرة على أنفاس الآخر بضراوة قاتلة واصابع كلاهما تتمسك ببعضهما البعض في تطلب وحاجة، ذابت وسام بين أحضانه في شوق محب وقلب مرتعش لقربه.
لكنها تململت في اعتراض عندما أبعد فمه عنوة عنها ثم انتقلت أصابعه من ضمها الى دفع جسدها حتى صارت مستلقيه فوق ظهرها بينما يطل هو عليها بأنفاس متلاحقة ومشاعره الغاضبة تحاول إخفاء رغبته الهوجاء المشتعلة بوضوح داخل عيناه.
دفعته وسام في قوة ازاحته ليجلس جوارها هو الآخر يتابعها في غيظ ثم عض على شفتيه وقد تشنج جام جسده في غضب عندما باغتته وسام بقولها الغاضب:
-انت مبقتش تحبني مش كده.
-لما كنتي بتبعديني عنك ورافضة اني ألمسك مكنتش بقف أقولك مبقتيش تحبيني كنت بحترم رغبتك.
أخبرها "بيجاد" متهكمًا وهو يستقيم لاستكمال ملابسه وكأن الاعصار العاطفي بينهما لم يكن على وشك الاندلاع فهتفت وسام في استنكار:
-تقصد تقول انك فقدت رغبتك فيا ك ست، على فكرة الحمل ده كان بسببك انت فما تلومش على شكل جسمي دلوقتي.
حركت اصبعها في وجهه وعيونها تنساب في دموع القهر من رفضه فضرب كف فوق الأخر في تعجب قائلًا من بين أسنانه:
-انا عندي مشوار ومش فايق نهائي لجنانك ده.
وبالنسبة لحملك اللي أنا كنت سبب فيه فمعلش أنا هبقي أصلح غلطتي.
-ماشي يا بيجاد، انت حر اعمل اللي تعمله!
قالت في عناد بأنف شامخ ثم عدلت ردائها في غضب وهي تندفع متخطيه اياه راكضة للخارج للاختباء من امامه قبل ان تبدأ رحلة انهيارها.
زفر بيجاد في غضب شديد وشعر بصدره يضيق وللحظة كان سيخلع ملابسه ويتخاذل عن الحضور ولكن مشاعره المضطربة أجبرته على إكمال ملابسه والذهاب كي ينفس عن جزء من غضب يتملكه من أعلاه لأسفله.