رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم الفصل التاسع
-يا ماما ما تدخليش في قراراتي ارجوكي!
-اتلهي على خيبتك انتي وقراراتك وخدي البطة دي من ايدي حطيها على السفرة وتعالي ورايا.
هتفت والدة وسام في تحذير وهي تمد ذراعها بما تحمله من طعام وعادت لشقتها المقابلة لشقة وسام تاركة الباب مفتوح قبل ان تعود وتطل من الباب مخبرة إياها:
-وسيبي الباب في كذا حاجه هنجيبها.
زفرت وسام في ضيق لكنها اتبعت والدتها في الأخير بعد ان وضعت الطعام على الطاولة وما ان وجدتها تخرج المزيد من الطعام قالت في حنق:
-ده مش عشا دي وليمة دي.
احتجت وسام وهي تنقل الاطباق من منزل والدتها إلى منزلها فردت عليها والدتها التابعة لها من الخلف:
-حطي الاكل وانتي ساكته خلي الراجل ياكل بقالك سنة منشفه ريقة بخصامك.
لوت وسام شفتيها باعتراض لتخبرها:
-الخصام مش معناه اني بجوعه يا ماما انا بعمل اكل وبهتم بهدومه وبغسلها وبنضف اوضته أول بأول.
-لا أصيلة يا بت اهتمي بكل حاجة لكن جوزك الغلبان سيبيه يولع.
قالت والدتها وهي تضع ما بيدها وتلكزها في انزعاج، فعقدت وسام المنزعجة ذراعيها في حقد هامسة:
-انتي امي ولا امه؟
-أنا مش أم حد يا ستي، وايه القرف اللي لبساه ده، ده ربنا نجده انك مخصماه اوعي يا شيخة كده من وشي اروح اصلي المغرب واتخمد!
قالت والدتها وهي تنظر لها من اسفلها لأعلاها باشمئزاز لتغمغم في طريقها:
-ياكش يتجوز عليكي عشان ترتاحي.
-بتقولي ايه يا ماما؟!
قالت وسام في انزعاج واضح من أفعال والدتها فهمست والدتها بأنف مرفوع قبل ان تغلق الباب خلفها:
-ما بقولش ادخلي استحمي كتك القرف!
زفرت "وسام" واستغفرت الله وقد ملائتها كلمات والدتها بالغيظ فنظرت لجلباب والدتها المنزلي الواسع متمتمه:
-ما انا حامل ومخصماه هعمله ايه يعني، نانسي عجرم؟!
وقفت امام المرآه تطالع هيئتها المهملة ووجها المرهق الخالي من الزينة وحركت اصابعها على الغرة القصيرة فوق جبينها الأسمر الشاحب ثم دبدبت في اعتراض وقد غرست والدتها القلق في اعماقها فقالت لنفسها:
-ايه يعني انا بهتم بنفسي لنفسي مش معنى اني مخصماه اسيب نفسي وحشه ده مالوش علاقة.
حركت رأسها باقتناع بانها لا تفعله من أجل إرضاء "بيجاد" ودلفت لأخذ حمام ساخن سريع، وبعد محاولات طويلة لايجاد ما يناسبها من ملابسها الطبيعية تنهدت في توتر وقد زاد وزنها بشكل ملحوظ واصبحت بطنها المنتفخة لا تتناسب مع ملابسها فقط ملابس والدتها مناسبة في ذلك الوقت:
-ماشي يا ماما احبطتيني ومشيتي، ربنا يسامحك.
وقعت عيناها على ملابس زوجها المعلقة والتمعت عيناها في مكر انثوي ليرتفع جانب وجهها بانتصار فالحاجة تبرر الوسيلة ام أنها الغاية ... أممم لا يهم المهم انه مبرر.
جذبت قميصه الرياضي الواسع ذو الماركة الممتازة ووقفت تبحث عن سرواله، وحين لم تجده اتسعت ابتسامتها متخليه عن فكرة السروال وارتدت القميص بمفرده وقد تأكدت انه يصل لمنتصف فخديها.
مشطت شعرها وغرتها المبللة قليلًا ثم وضعت احمر شفاه على وجنتيها تزيدها حمره قبل ان تمرر ابهامها فوق القلم لتمسح بطرفه فوق شفتاها برقة لتزداد ورديتهما بشكل شبة طبيعي كي لا تظهر مفرطة الزينة، فهي لا تريد اثارة انتباهه او ان يظنها تراضيه أليس كذلك؟
وقفت تتابع برضا جسدها، فالقميص الواسع يبتلع تكور بطنها ويعطيها دلال جذاب نوعًا ما، نظرت لسيقانها العارية ووجهها المتوهجة ثم همست في نبرة مرتبكة:
-ايه العبط اللي بعمله ده هي الهرمونات أثرت على دماغي ولا إيه؟
لم تفكر كثيرًا فقد قاطعها صوت شجار عالي نابع من أسفل، هرعت تقترب من النافذة وشهقت حين تأكدت ظنونها وسمعت صوت زوجها العالي، ركضت تبحث عن اسدالها وفتحت النافذة تبحث بعينيه عنه فتابعته يصرح في غضب:
-انا اللي احاسب طيب ايه رأيك لو شوفتك تاني هديك بالجزمة على دماغك عشان انت راجل قليل الأدب ومتربتش!
-عيب يا بيجاد ده راجل كبير بردو، هو مقصدش يخبطك.
قال أحد الرجال المحاولين دفع "بيجاد" عن رجل يبدو وكأنه في الأربعين من عمره سمين الهيئة وملامح الغضب شعت من وجهه عندما هدد زوجها:
-ده انا اللي هربيك يا تربية واطية.
-طيب تعالى ربيني لو راجل تعالى انا واقف مكاني اهوه.
زمجر "بيجاد" في نبرة غاضبة وهو يدفع رجلين من حوله ويرفع اصبعه في الهواء بتحذير يؤكد ثباته في مكانه ويحثه على الاقتراب ان كان يجرؤ.
دار الشجار بينهما قليلًا وكاد يشتعل أكثر لولا تدخل الأهالي وكبار المكان الذين نجحوا في استدراج الرجل الغريب للمغادرة وحثوا "بيجاد" على الصعود لمنزله وانهاء الشجار.
اخذت وسام خطوتين وكادت ترتمي على وجهها حين خطت فوق الاسدال الطويل فخلعته في عضب واتجهت نحو الباب تضع ذراعيها فوق خصرها ونيران الغضب تشعلها فوقفت منتظره إياه لتنفجر في وجهه.
فتح "بيجاد" الباب وهو يسب ويلعن وقاحة الناس هذه الأيام وتفاجئ بزوجته الشبه عارية تقف أمام الباب، فدخل بسرعه مغلقًا الباب خلفه وخرج صوته حاملًا مشاعره المتعجبة:
-وسام واقفة ليه كده؟
-انت يا بني آدم انت عايز تشلني، يعني كل اللي احنا فيه ده وحياتنا المتدمرة وبردو ماشي تتلكك للناس وتتعارك معاهم، وكأن اللي بيحصل وبعادي عنك ولا فارق معاك من الأساس !
قذف المفاتيح بيده ارضًا معبرًا عن اهتياج غضبه بينما يخبرها من بين اسنانها:
-اتلكك للناس؟
انتي تعرفي ايه حصل اصلًا؟
-مش محتاجة اعرف يا بيجاد انا عارفة حاجة واحده بس انك اناني ومتعرفش تعدي حاجة على خير ابدًا.
-وايه كمان قولي متتكسفيش، ابوكي مكنش بيقول اني اناني بس.
قال في نبرة حادة ليضربها في مقتل فهي تردد تحذيرات والدها بالفعل، اتخذ خطوتين نحوها بينما يحرك يده يحثها في تهكم على الحديث، فوضعت يدها فوق رأسها تحاول لجم صداع حاد بدأ في مهاجمتها ثم أردفت:
-انا اسفه اني بتكلم معاك، انا من الأول كلامي كان واضح معاك واختيارك بردو كان واضح ان انا واللي في بطني مش فيه أكيد.
وبذلك اتجهت نحو غرفتها تغلقها في قوة زلزلت المكان وقفت خلف الباب تحاول تمالك عبراتها دون جدوي فانسابت بحرارة فوق وجهها.
بينما قبض "بيجاد" كفه بقوه وضرب بيده فوق رأسه في غضب وقلة حيله فكل ما حوله يدور ضده فقد كان في طريقه للمنزل وكل ما يسرق خلده هو رؤيتها قبل ان تختبئ منه في غرفتها وكان سيفعل ان لم يرتطم به ذلك الوقح المتكبر الذي امطره بوابل من الشتائم تلتها شتائم غير مبررة لشاب يمسك بضع أكياس يبدو انه يعمل لديه، فما كان من "بيجاد" الا وان باغته بصفعه مدوية وبكلمات أكثر دونية تعيده لرشده بأن البشر ليسوا عبيدًا لأحد.
مر من امام غرفتها فلمح الطاولة المليئة بالطعام وسب أكثر من بين انفاسه المضطربة متسائلًا:
هل كانت مشتاقة تنتظره هي الأخرى، هل افسد فرصة لم يعلم عنها شيء كعادته ؟
سعل بخفة يحاول استجماع افكاره وشجاعته ثم اتجه نحو الباب وانقبض قلبه حين وصلته همهماتها الباكية، كاد ينسحب في خجل ويبتعد ولكنه جذ على اسنانه بإصرار ورفع يده يدق بابها هامسًا في حنان:
-وسام تعالي اتعشي وبعدين نامي.
قابله الصمت لثواني قبل ان تجيبه بنبرة تحاول السيطرة عليها كي لا تظهر بكائها متعمدة احباط آماله:
-لا مش جعانة، الاكل ده ليك أنت ماما بعتهولك.
شعر بقلبه ينعصر لتفتت آماله بأن تكون مشتاقة له مثله وهمس في خفوت:
-أنا أكلت في الشغل، اطلعي انتي كلي عشان اللي في بطنك مالوش ذنب.
-لما اجوع هطلع متشكرة على اهتمامك.
ضرب رأسه بالجدار مرة في اهتياج غاضب وكاد يصيح في حده ولكنه تمالك اعصابه في اللحظة الأخيرة، ابتعد يشعل التلفاز الذي صدح بصوت السيدة أم كلثوم التي استرسلت وطالت في غناءها حتى هدئت ثورته رغمًا عنه وقلبه يترجم كلماتها فيبدأ في دقاته حتى وصلت للمقطع الواصف لحياته الحالية:
أهل الحب صحيح مساكين صحيح مساكين...
ياما الحب نده على قلبي...
ما ردش قلبي جواب...
ياما الشوق حاول يحايلني...
و أقول له روح يا عذاب...
-ولو جيت وخليته يرد وروحته؟
قال "بيجاد" مبتسمُا على مزحته الخاصة وقد انقلب مزاجه للمرح في لحظة وبكل تحدي وعناد توجه لباب غرفة وسام من جديد، كاد يطرق الباب لكنه توقف عندما لمعت عيناه بفكره وقد لمح دولاب الخزف المسمى ب "النيش" المركون بجوار غرفتها فارتفع وجهه في ابتسامه شيطانية وهو يتجه نحوه متعمد القول بصوت يصل إلى مسامعها:
-اما أدخل أعمل قهوة بقى بدل الزهق ده، اوووه، أيه ده فناجين في النيش انا نقطة ضعفي الفناجين اللي في النيش.
كبح ضحكه كادت تغادر صدره حين وصله صوت ضربات قدماها الصغيرة ولمعت عيناه في مكر وهو يلمح ظلها من أسفل الباب، ليتمتم:
-جيتي في ملعبي يا قطتي!
التفت حوله يبحث عما يساعده والتقت عيناه بالمملحة فوق الطاولة ليجذبها ويتجه نحو الدولاب يفتح ابوابه قائلًا في مشاكسة:
-الله حلو الفنجان ده متطعم بماية الدهب ده ولا إيه يا ترى.
عض على شفاه السفلى ثم رمى المملحة ارضًا لترتد فوق البلاط محدثة اصواتًا مدوية، سمع شهقتها قبل أن يرى الباب يُفتح فتندفع "وسام" مهرولة نحوه صارخة:
-كسرت ايه، كسرت إيه؟
رفع "بيجاد" ذراعيه باستسلام قائلًا ببراءة الذئب:
-مكسرتش حاجة دي الملاحة وقعت!
التفت وسام حول المكان تتأكد بنفسها ثم تنهدت في راحه عندما تأكدت من صدقه لكنها اتجهت نحوه تصفع كتفه في غصب محذرة إياه:
-ملكش دعوة بالنيش بتاعي تاني، انت سامع أوعى تلمس حاجتي.
-على ما اذكر النيش نفسه انا اللي جايبه يعني من حقي كزوج اني اشرب في الحاجة اللي تريحني.
قال بيجاد بفم ملتوي يتعمد اغاظتها فصرخت وهي تجذب خصلاتها:
-أموت نفسي عشان ترتاح، اسمع كلامي بقى.
اقترب منها عنوة يقتحم مساحتها سارقًا أنفاسها بالتصاقه بها ثم قال في لهجة خفيضة تحمل داخلها الكثير:
-ولو مسمعتش هتعملي ايه؟
لمعت عيناها بفطنه لما ينوي عليه وكادت تبتعد ولكنه كان سريعًا وهو يحاوطها بين ذراعيه فهمست بحلق جاف:
-انت بتعمل ايه؟
لم تكمل جملتها وخرجت منها صرخة خفيفة معترضة حين حملها بين ذراعيه ليقول:
-مفيش اصل ابني وحشني أوي وعايز اقعد معاه شويه.
-بيجاد انت بتستفزني ليه؟
قالت وهي تدفع كفيها في جسده الصلب الكبير فحرك ذراعيه باضطراب مستطردً في تهديد ساخر:
-اوعى تقعى عشان بطنك.
عقدت ذراعيها بقوة حول عنقه كادت تقطع عنه الهواء لكنها قابلها بضحكاته رغم ذلك فصاحت في غضب:
-حقيقي إنسان مستفز.
-وانتي انسانه باردة بس مش شيفاني بشتكي!
كادت تنفجر به لكنه وضع كفه فوق فمها وقال في هدوء وكأنه يحادث طفلة:
-بطلي نكد خمس دقايق وسبيني اقعد مع ابني شويه، بطلي انانية.
استلقى على الأريكة واستقر بها داخل احضانه فقالت متهكمة وهي تشعر به يحاوطها بجسده الضخم:
-كده انت قاعد مع ابنك؟
-اه بحب اخده في حضني، معلش استحملي ابن وابوه، بس انتي اللي حاشرة نفسك في النص مضطر احضنك عشان اوصله.
خرج الهواء من صدره حين لكمته في معدته بغضب واتبعتها ضحكاته التي هزت المكان وهو يحكم قبضته حولها حتى اصبح كلاهما على جانبه فوق الأريكة وظهرها يلاصق صدره القوي.
تركها "بيجاد" تقاومه مده حتى خارت قواها وبدون تعليق من كلاهما سكنت وسام بين ذراعيه تلتقط انفاسها فمال يقبل جانب رأسها هامسًا عند أذنها:
-بحبك وبموت في حضنك يا أرق مجنونة.
ابتسمت دون اردتها ورفعت رأسها تناظره بطرف عينيها ثم أجابته في مكر:
-الله وحضن أبنك؟
-ابني مين ابن الكلب ده، المهم حضنك انت يا حلو يا متختخ.
اختفى المرح من عيناها وانقلب مزاجها مائة وثمانون درجة فانتهي بها الحال هاتفة في وجهه:
-تقصد اني تخينه وبقيت وحشه ونفسك تتجوزك عليا عشان كده مش عايز تحسن من نفسك طبعا جتلك على الطبطاب، ما تتكلم وياترى عرفت مين عليا من ور...
كبح "بيجاد" المنذهل جماح تخيلاتها بأن ألقى بفمه فوق شفتيها ينهى سيناريو مجنون نسجته لتوها.
ويسألون لما يصعب فهم النساء؟
كان هذا أخر تفكير في عقله قبل ان تُسكره ملمس شفاها وأنفاسهما المختلطة فيندفع معها في معركة ضارية تسحره فيها وتجذبه في بحور غرامها، فيهاجم هو بكل ما يملك من مكنونات هوجاء تتغنى باسمها ..
معركة قوية متعطشة للخضوع لن تنفض سوى بالتلاحم، معركة لا تعرف الفوز فكلاهما خاسر...
وما ألذ الخسارة حين تكون بين أحضان الحبيب...
جلس "ريان" أمام الحاسوب المتنقل يصطنع الانشغال بأمر هام بينما هو في الحقيقة يتلوى بنيرانه وكل ما يشغله هي ضحكات ريم وعمر المنسجمان بلعبة ما على جهازه الإلكتروني.
حتى الصغير صار يتجاهله منذ عدة أيام وصار يحذوا حذوها في عقابها، ذلك الصغير الماكر يتصيدها كلها لنفسه ويتمرغ بين احضانها مستمتعًا بحنانها بينما هو يتلوى بنار الوحدة والشوق.
نظر لريم التي استقامت واتجهت لصنع الفشار فانتهز الفرصة واتجه يجثو بجوار عمر ثم جذب الصغير من قميصه ليقف امامه ويهتف به من بين اسنانه:
-بتبعني يا عمر وبتنفضلي هو ده اتفاقي معاك!
عقدت عمر ذراعيه واجابه بشفاه مزمومه في حنق طفولي:
-مش بنفضلك، انت اللي مش بتعمل حاجة وسايبني اصالحها لوحدي.
لطمه ريان خلف رأسه في انزعاج وقال مستنكرًا وهو يلقي نظرة خلف ظهره متوجسًا عودتها:
-اصالحها ازاي يا روح أمك وأنت واخد كل وقتها، طيب قولها نقعد مع بابا شوية، او اعمل اني واحشك يا راجل.
-انت مقولتليش!
اعترض عمر وهو يلوي ملامحه فدفع "ريان" رأس "عمر" بخفه نحوه محذرًا:
-هتعمل عيل عليا دلوقتي، بقولك ايه ياض تكونش فاكر هتعيش معاها وانا هغور في داهية، لا فوق ده هو باكدج واحد انا وانت يا مفيش وابقى خلي الانانية تنفعك ساعتها.
-يوه دي ما بقتش عيشه، ما انت اللي فاشل اعملك ايه.
-فاشل، ايه فاشل دي يا ابن الكلب؟
ما انت لو محترم تعمل بلقمتك وتساعد ابوك، أقولك ... اعمل تعبان يا اخي بليل وقولها عايز بابا ينام معانا وسيبني انا هتصرف.
تركه "ريان" حين أحس باقتراب "ريم" فتحرك لمقعده سريعًا يتصنع الانشغال بالحاسوب، وضعت "ريم" الوعاء المليء بالفشار أمام عمر الواجم فسألته:
-مالك يا عمورتي؟
هز عمر رأسه بالنفي وأعاد تشغيل جهازه ليندمج كلاهما، هربت منه نظرة نحو والده الذي يحدق به بعيون ضيقه واتسعت عيناه بخوف حين مرر اباه اصابعه امام عيناه نحوه في تهديد مباشر بالمراقبة، فمط شفتيه في ضيق واخذ عقله الصغير يفكر في حل يساعده به كي يتجنب سخطه الذي سيتحول لغباء لا محالة مستهدفًا به ريم، ليتمتم في قلة حيلة:
-مش معقول انا اللي لازم أعمل كل حاجة!
رن هاتف "ريم" واشتعل صدر "ريان" عندما دلفت للحجرة بعيدًا عنهما، فلم يقدر على الثبات واتجه خلفها يحاول استراق السمع في غفلة عن صغيره المنشغل بألعابه.
-مفيش أرخم من قعدت الرجالة في البيت، انا مش فاهمة قاعدلي ليه ده.
-يا بنت الجزمة.
همس ريان من بين اسنانه بتوعد متسائلًا عن هوية المتحدث التي تتذمر معه بشأن وجوده، دوت ضحكتها لتنهش الغيرة في قلبه وسمعها تقول في غنج:
-لابسه بيجامة برموده وتي شيرت عادي.
خرج منه لفظ اعتراضي تلاه لفظ بذئ ثم اندفع للغرفة بدون تفكير هاتفًا:
-انتي بتكلمي مين؟
التفت ريم المرتعبة نحوه وقالت في شبه هستيرية:
-حد يخض حد كده يا بني آدم، صفيت دمي.
-ده انا هصفي دمك كله لو مقولتيش بتكلمي مين وبتوصفيله لبسك.
نست ريم من يحادثها على الخط وتخصرت في اعتراض قائلة في نبرة مستهجنه:
-أنت كمان بتتصنت عليا.
اتجه نحوها عازم النية على جذب الهاتف منها فركضت حول طاولة صغيرة بمنتصف الغرفة وقالت في حده:
-متقربش مني واطلع برا اوض...اااه..
صرخت حين اندفع يجذب الهاتف في قوة من بين اصابعها وزمجر في السماعة:
-مين معايا؟
-أنا وسام...هو في حاجة؟
انعقدت ملامح ريان في بلاهه وهو يستمع لنبرة وسام المتوترة ثم طالع ريم التي تقتله بنظراتها قبل ان تميل لتجذب الهاتف منه مرة أهرى قائلة في تهكم:
-ارتحت، ممكن تطلع برا ومتدخلش في حياتي!
رمقته بحقد جعل الدماء تتدفق في وجنتيه فيبرز الحرج الذي تلبسه فغمغم بشكل غير واضح:
-طالع.
وبذلك وضع قدم خلف الأخرى في وتيرة سريعة يتسابق للخروج من أمامها وقد جعلته كالثور الابله.
لمعت عيون "ريم" في انتصار وارتفع جانب وجهها في ابتسامه ماكرة، اهلًا بك مُعذبي في صرح كيدي العظيم، اختر رقمًا وانتظر بكل كبرياء فرصيدك هناك على وشك النفاذ.