قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل السابع والثلاثون

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل السابع والثلاثون

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل السابع والثلاثون

في غرفة فرح
جلست الصغيرة إلى جوار فرح على الفراش، وظلت الاثنتين تمرحان سويا لساعات، وسردت لها سلمى بعض الأحاديث الطفولية البريئة التي أدخلت فرح في عالم أخر، وجعلتها تندمج معها بكل أريحية..
لن تنكر فرح أن وجود الطفلة سلمى في ذلك الوقت بالذات قد هون عليها الأمر إلى حد ما، وملأ الفراغ الذي تركته والدتها، وأنساها الحزن الذي كاد يسيطر عليها تماما..

-سلمى متسائلة ببراءة: فلح، انتي حبى آمو زيت؟ ( فرح انتي بتحبي عمو يزيد )
-فرح بنبرة مصدومة، وهي فاغرة شفتيها: هه!
-سلمى بنبرة سعيدة: انتي حبيه زيي فلح! ( انتي بتحبيه زيي يا فرح ).

تفاجئت فرح بسؤال الطفلة سلمى، وحاولت أن تتهرب من الإجابة و...
-فرح بنبرة متلعثمة: أنا، آآ، أنا بحبك انتي لوما، آآ، انتي حبيبتي، تعالي بس نشوف هانعمل ايه
-سلمى متسائلة في حيرة: انتي لابسة ده ليه؟
-فرح بتنهيدة حارة: عشان مامتي سابتني وراحت لربنا، فأنا زعلانة عليها
-سلمى بنبرة طفولية: بس ده سكله وحس ( شكله وحش )، لوما مس حبه
-فرح مبتسمة ابتسامة متصنعة: معلش بقى يا لوما.

-سلمى بنبرة عالية: فلح، بانى نانة ( فرح بطني جعانة )، يالا هم.

ثم نهضت عن الفراش وظلت تقفز على في مرح طفولي، فابتسمت لها فرح، وأمسكت بكف يدها الصغير وقبلته، ثم..
-فرح مبتسمة في عذوبة: ماشي، تعالي أما أعملك أكل
-سلمى بسعادة أكبر: هيييه، ماسي!

ثم حملتها فرح بذراعها، وتوجهت ناحية باب الغرفة وفتحته، وأطلت برأسها أولا لتتأكد من عدم وجود يزيد بالخارج، فلم تلمحه، فاستغربت سلمى من تصرفاتها و...
-سلمى متسائلة بفضول: في ايه فلح؟ انتي اعملي كده ليه؟
-فرح بنبرة أقرب للهمس: ششش، انا بس بشوف في حرامي برا ولا لأ
-سلمى باستغراب: حلامي ( حرامي )؟ ليه؟
-فرح وهي تتنحنح بخفوت: احم، آآ، يعني بنلعب وكده.

ثم سارت على أطراف أصابعها وهي تحمل الصغيرة في اتجاه المطبخ، وتنفست الصعداء لأنها لم تجده بالخارج، ولكنها شهقت على الفور حينما رأته متواجدا بالمطبخ، ومستمتعا بطهي الطعام، فابتسم هو لهما بسعادة..
كان يزيد قد بدل ملابسه وارتدى ما أحضره له آدم، حيث ارتدى تيشيرتا من اللون الأبيض، وبنطالا قماشيا منزليا من اللون الأزرق الداكن..
عقد هو ساعديه أمام صدره، و..

-يزيد بنبرة متحمسة: اخيرا خدتم افراج من الحبس الانفرادي
-فرح بنبرة مصدومة: انت بتعمل ايه هنا؟
-يزيد بنبرة متمهلة: بعمل مكرونة نجرسكو.

أنزلت فرح الصغيرة لتقف على قدميها، فرقصت طربا وصفقت بكلتا يديها في سعادة و..
-سلمى بنبرة متشوقة: الله، أنا حبها
-يزيد بنبرة واثقة، وهو يغمز لفرح: وأنا بحبكم أوي..!

تنحنحت فرح في حرج، ثم جهمت ملامح وجهها، و..
-فرح بنبرة جادة، ونظرات ضيقة: لو خلصت ممكن تتفضل خليني أشوف هاطبخ ايه
-يزيد وهو يعقد حاجبيه في استغراب: وتطبخي أصلا ليه، ما أنا خلاص جهزت كل حاجة
-فرح بإقتضاب: متشكرين، مش عاوزين حاجة منك
-سلمى بنبرة طفولية معترضة: بس أنا باني نانة ( بطني جعانة )، وحب ماككوونا ( أحب المكرونة ).

مالت فرح على الصغيرة، وأسندت كف يدها على كتفها الضئيل و..
-فرح بنبرة خافتة: أنا هاعملك كل اللي بتحبيه على طول.

عبست الصغيرة بوجهها، ولوت فمها في حزن، و..
-سلمى بنبرة طفولية: تؤ، أنا مس استنى ( أنا مش هاستنى )، احنا ناكل مع آمو زيت، وفلح ابخي تاني ( فرح اطبخي )
-يزيد مبتسما في غرور: بالظبط يا لوما، احنا ناكل الأول، وبعدين فرح تطبخلنا تاني وتالت وعاشر، هو احنا ورانا حاجة غير كده!

ثم هز هو حاجبيه في انتصار، فرمقته فرح بنظرات مغتاظة، وتوجه إلى خارج الغرفة ليعد طاولة الطعام، ولحقت به الصغيرة سلمى، بينما ظلت فرح قابعة في مكانها وهي تزفر في ضيق و..
-فرح بنزق واضح: الظاهر إن أنا مش هاخلص منه بالساهل!

دلف يزيد عائدا إلى المطبخ، فوجدها ترمقه بنظرات متأففة، فغمز لها في انتصار وهو يقترب منها بخطوات محسوبة و...
-يزيد بنبرة واثقة: صعب تخلصي مني يا، يا فراشتي...!

في منزل فرح عبدالحميد
انتهى ثلاثتهم من تناول الطعام الذي أعده يزيد، وإحقاقا للحق كان شهيا للغاية..
راقب يزيد ردة فعل فرح أثناء تناولها للطعام، فوجدها متلذذة به رغم محاولتها إنكار هذا..
بينما عبرت الصغيرة سلمى ب...
-سلمى بنرة طفولية سعيدة وهي تمسك بالشوكة: حوو أوي آمو زيت..
-يزيد وهو يمسد على شعرها، وبنبرة هادئة: انتي الأحلى يا لوما.

نهضت فرح عن الطاولة بعد أن فرغت من معظم محتويات صحنها، ثم بدأت في جمع الصحون، فنهض يزيد هو الأخر عن مقعده، وأمسك بيدها ليمنعها من جمعهم و..
-يزيد بنبرة جادة: سيبيهم يا فرح، أنا اللي هغسلهم
-فرح بنبرة منزعجة وهي تشير بحاجبيها للأعلى: سيب ايدي، وأنا اللي هنضف الأطباق
-يزيد بنبرة رجولية رخيمة تحمل الآمر في طياتها: هي كلمة يا فرح، أنا هاعمل كل حاجة النهاردة
-فرح بتبرم: لأ.

ثم جاهدت لتحرر رسغها من قبضة يده القابضة عليها، وأخذت الأطباق تتراقص في يدها المرتعشة، بينما تابعت الصغيرة ما يحدث بينهما من جدال ظريف بنظرات سعيدة إلى أن انقبضت ملامح وجهها فجأة حينما أفلتت فرح الصحون من يدها، فسقطت على الأرضية الصلبة لتحدث دويا هائلا بتحطيمها إلى أجزاء صغيرة.

حدجت فرح يزيد بنظرات نارية و...
-فرح بنبرة غاضبة: عاجبك كده، أهو السرفيس بتاع ماما اتكسر، اتبسطت الوقتي، ونفسك هديت!

مط يزيد شفتيه في تجهم، ولم يعقب عليها، ثم أشار للصغيرة سلمى بيده لكي لا تنهض عن المقعد حتى لا تدوس بقدميها على بقايا الصحون الحادة..
انحنت فرح بجسدها للأسفل لتجمع الأطباق وهي تغمغم بكلمات غير مفهومة، فنهرها يزيد بحدة و...
-يزيد بنبرة متصلبة وآمرة: ماتمسكيش حاجة بايدك يا فرح
-فرح بنبرة متذمرة: ملكش دعوة، انت بس تكسر وأنا أصلح، ده اللي انت فالح فيه.

اغتاظ هو من ردها الفظ عليه، ولكنه أحكم السيطرة على نفسه حتى لا ينفعل عليها، وأشاح بوجهه للناحية الأخرى، ولكن صرخت فرح فجأة متأوهة من الآلم، فانتفض فزعا على صوتها، واتجه ناحيتها، وجثى على ركبتيه إلى جوارها، ثم مد يده ليمسك براحة يدها التي جرحت بفعل الأطراف الحادة المنكسرة للصحن و...
-يزيد بلهفة واضحة: مش تخلي بالك يا فرح، تعالي معايا.

جذبها عنوة من على الأرضية، وظل ممسكا بكف يدها، والتفت برأسه ناحية سلمى و..
-يزيد بلهجة قوية وآمرة: اياكي تقومي من مكانك يا لوما وإلا هتتعوري وأنا هزعل منك.

أومأت الصغيرة برأسها عدة مرات في خوف وهي تنظر إليه بنظرات شبه مذعورة، وظلت جالسة على مقعدها..
ثم سار يزيد بصحبة فرح في اتجاه المرحاض ليبحث عن أي شيء يمنع به استمرار نزف جرح يدها..
اعترضت هي على ما يفعله و...
-فرح بنبرة شبه منزعجة رغم تآلمها: سيب ايدي، أنا هاتصرف، دي مش اول مرة يعني.

رمقها بنظرات محذرة قبل أن...
-يزيد بصرامة: اسكتي أحسنلك
-فرح بنبرة محتقنة، ونظرات مشتعلة: انت ملكش دعوة بيا، سيب ايدي، هو أنا كنت اشتكتلك ولا طلبت مساعدتك.

لم يعبأ بها يزيد، وأصر على تضميد جرحها، وبالفعل وجد علبة للإسعافات الأولية موضوعة بداخل خزانة مرآة الحائط الصغيرة، فأسندها على ( الحوض ) ثم فتحها، وأخرج منها المطهر، والشاش، والقطن، وبدأ في مهمته العاجلة، ثم أجلس فرح على حافة ( البانيو )، وجثى هو على ركبته، وظل ينظر للجرح بنظرات متفحصة..
زفرت هي في ضيق، واضطرت أسفة أن ترضخ له، وأرخت راحة يدها ليكمل هو عمله..

بعد دقائق قليلة كان يزيد قد انتهى من تضميد جرحها بعد تطهيره، ثم رفع كف يدها عاليا في اتجاه فمه، ثم وضعه عليه، وقبله قبلة مطولة جعلت فرح ترتبك في مكانها، وتتورد وجنتيها، وتتسارع نبضات قلبها، و..
-فرح بنبرة متلعثمة وهي تحاول سحب كفها: انت، انت آآ...!
-يزيد بنبرة عميقة وهو ينظر مباشرة في عينيها بنظرات عاشقة: سلامتك يا نور عيني من أي وجع.

ثم أرخى قبضته عنها، ونهض عن الأرضية، وقام بوضع العلبة مجددا في مكانها بالخزانة، ثم استدار ناحيتها و...
-يزيد بهدوء: ارتاحي انتي، وأنا هاظبط كل حاجة.

وتركها وانصرف خارج المرحاض، فظلت هي ترمش بعينيها لعدة مرات غير مستوعبة لما حدث توا...

أتى الصباح مجددا، وغفت فرح على فراشها بعد أن حاولت أن تتجنب الجلوس مع يزيد على قدر الإمكان ليلة أمس، بينما استيقظت الصغيرة سلمى منذ الصباح الباكر، ودلفت إلى خارج الغرفة، وتوجهت إلى الأريكة الجالس عليها يزيد، ثم جلست على حجره و...
-سلمى بنبرة طفولية هادئة: آمو زيت، لوما مس آلف نام ( لوما مش عارفة تنام ).

أحاطها يزيد بذراعيه، وقبلها من جبينها قبلة أبوية مليئة بالحنان و..
-يزيد بنبرة أبوية: ليه يا لوما؟ ده لسه بدري
-سلمى وهي تهز كتفيها في براءة: زهقانة
-يزيد مقترحا بخفوت: مممم، طب تحبي أحكيلك حدوتة؟
-سلمى بحماس: ماسي، حدوتة ايه؟

صمت يزيد لبرهة يفكر في حكاية يسردها على الصغيرة، فأضاء عقله فجأة ب...
-يزيد بإهتمام: هحكيلك حدوتة الفراشة والقبطان
-سلمى متسائلة بفضول: دي حووة؟ ( حلوة )
-يزيد مبتسما بسعادة: طبعا..
-سلمى بنبرة مرحة: ماسي، قول!

أخذ يزيد نفسا مطولا، ثم زفره بهدوء، ونظر أمامه في الفراغ و...
-يزيد بنبرة متمهلة: كان في قبطان شجاع وقوي، عنده سفينة حربية ضخمة، بيطلع بيها كل شوية مناورة، أقصد بيركبها في البحر، الكل بيخاف منه عشانه شديد، وبيحارب الأشرار وبيكسبهم على طول، وآآ..
-سلمى مقاطعة وهي تتسائل بفضول: طب محدس حبه؟
-يزيد بجدية: لأ طبعا، الكل بيحبه أوي، بس هو لازم يكون شديد عشان يقدر ينتصر.

-سلمى بخفوت وهي تعبث بأصابع يدها: ماسي، وبعدين
-يزيد متابعا بتنهيدة: وفي يوم من الأيام قابل واحدة غيرت حياته، يعني هي جننته في الأول، خليته يلف حوالين نفسه، بس مع كل اللي كان بيعمله معاها عشان يزهقها، مابقاش شايف حد تاني غيرها قصاده، مابقاش قادر يستغنى عنها
-سلمى متسائلة بنبرة طفولية: مين دي؟
-يزيد بلهفة: فرح، آآ، قصدي الفراشة
-سلمى مبتسمة في سعادة: ها، وبعدين.

-يزيد بإيجاز: اتجوزوا بقى ولسه مطلعة عينه، وهو حلفان مش هايسيبها مهما عملت، فربنا يقدره عليها
-سلمى متسائلة بعدم فهم: هي الفلاساة وحسة؟ ( هي الفراشة وحشة )
-يزيد بنبرة معترضة: لأ طبعا، دي زي القمر، وطيبة، وجميلة أوي، بس دماغها ناشفة يا لوما، والقبطان مش عارف يعمل ايه معاها عشان يلينها
-سلمى بنبرة متحمسة: قولها حبك زي لوما.

اعتلت شفتيه ابتسامة صافية عقب عبارة الصغيرة التي تحمل البراءة، فانحنى برأسه على جبينها وضمها إلى صدره و..
-يزيد مبتسما في سعادة: انتي مافيش زيك يا لوما.

ثم بدأ في دغدغة الصغيرة لتتعالى ضحكاتها البريئة في أرجاء الغرفة..
-سلمى بنبرة ضاحكة: هههههههههه خلاص آمو زيت، خلاص هههههههههههه.

توقف يزيد عن دغدغتها، وقبلها مجددا على جبينها، وربت على ظهرها في عاطفة أبوية و..
-يزيد بنبرة مليئة بالحنو: حبيبتي يا لوما
-سلمى بنبرة طفولية هادئة: آمو زيت، أنا مس حب لبس فلح ( أنا مش بحب لبس فرح )، سكله وحس ( شكله وحش )
-يزيد وهو يلوي فمه في امتعاض: عندك حق يا لوما، هي عندها حاجات أحلى من كده
-سلمى متسائلة في فضول: طب فلح مس إلبسه ليه؟
-يزيد بنبرة منزعجة: هي حابة تلبس ده.

-سلمى بنبرة بريئة: بس فلح إلبس زي آلوستى بالبي تبقى حووة ( بس لو فرح لبست زي عروستي باربي هتبقى حلوة ).

وضع يزيد يده على فكه، وضيق عينيه قليلا، ثم فكر في أن يستغل تلك الصغيرة في التخلص من ملابس فرح الكئيبة، لذا بادر ب...
-يزيد بنظرات لئيمة، ونبرة خافتة: طب ايه رأيك لو خلينها تلبس حاجات تانية حلوة وملونة زي عروستك دي
-سلمى بحماس طفولي: ماسي
-يزيد متابعا بنبرة اكثر لؤما: بصي يا لوما أنا عاوزك تعملي اللي هاقولك عليه عشان فرح تلبس الحاجات الحلوة دي.

أومأت الصغيرة برأسها في سعادة، وبدأ يزيد في سرد خطته البسيطة لها..
وبعد أن انتهى، ابتسم في خبث، و..
-يزيد بنبرة خافتة ونظرات واثقة للغاية: وكده أبقى ضمنت الجزء الأول من خطة استرداد الفراشة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة