رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثالث
في مطبعة جريدة الضحى
لم تتحمل فرح تلقي خبر وفاة زوجها بعد أن تسمرت للحظات في مكانها، فظنت إيلين في البداية أنها لم تستوعب الأمر وذلك من هول المفاجأة..
حبست فرح أنفاسها لتكتم شهقاتها، لقد عجزت عن التنفس، شعرت أن قلبها قد اقتلع توا من مكانه بدون سابق إنذار، وكأن الحياة بالنسبة لها قد توقفت تماما...
أغمضت فرح عينيها لتنسدل من مقلتي عينيها عبرات حارقة ألهبت وجنتيها، ثم هوت بجسدها فجأة على الأرضية الصلبة، وارتطمت بها بقوة بعد أن خارت قواها من الصدمة..
صرخت إيلين صرخات فزعة تجمع على إثرها الجميع، وتعاون اثنين من العاملين في حمل فرح من على الأرضية، وركضا بها ناحية مكتب مدير المطبعة...
أسند العاملين فرح على الأريكة الجلدية السوداء، وجثت إيلين على ركبتيها إلى جوارها، وحاولت جاهدة إفاقتها، ولكن دون جدوى، ركض الأستاذ أمجد ناحية مكتب مدير المطبعة بعد أن علم بما أصاب فرح، وحاول هو الأخر إفاقتها، ولكنها كانت كالجسد الذي لا حياة فيه...
اتصل أحد العاملين بالاسعاف الذي حضر بعد عدة دقائق إلى مقر الجريدة، ومن ثم دلف رجال الاسعاف إلى مكتب مدير المطبعة، وباشروا بعملهم في إسعاف فرح...
انتشر خبر وفاة زوج فرح كسرعة البرق في جميع أرجاء مقر الجريدة، وامتزجت الصدمة بالدموع على أوجه الجميع...
وصل الخبر إلى مكتب مدير التحرير، ومدير إدارة الجريدة الأستاذ عبد السلام البدوي الذي انتفض فزعا من مكانه، وتوجه ناحية المطبعة...
أصر رجال الاسعاف على نقل فرح إلى أقرب مشفى، وذلك لاشتباههم في تعرضها لصدمة عصبية قوية، وطلبت إيلين أن ترافقها، في حين قرر الاستاذ أمجد وبعض الزملاء والزميلات اللحاق بها على المشفى...
تناست إيلين أمر والدة فرح تماما، فقد كان شاغلها الأكبر هو فرح نفسها والإطمئنان عليها..
اتجهت سيارة الاسعاف بعد ذلك إلى أقرب مشفى عام، وتم إلحاق فرح بغرفة الطواريء للكشف عليها..
تنبه الأستاذ عبد السلام لعدم تواجد أي من عائلة فرح إلى جوارها، فاتجه ناحية إيلين التي كانت تستند بظهرها على الحائط الرمادي الكئيب وربت على كتفها و...
-عبد السلام بصوت حازم: إيلين يا بنتي.
انتبهت إيلين إلى صوت الأستاذ عبد السلام، ورفعت عينيها الحمراوتين المنتفختين من البكاء ناحيته و...
-إيلين بصوت مختنق من البكاء: أيوه يا مستر عبد السلام
-عبد السلام بصوت هاديء: أنا مقدر طبعا الوضع اللي كلنا فيه، وزعلنا على اللي حصل لفرح وآآ..
ضيقت إيلين عينيها الباكيتين ونظرت إلى الأستاذ عبد السلام بترقب و..
-عبد السلام متابعا بجدية: بس لازم أهلها يعرفوا، مش هاينفع نتصرف إحنا بدون علمهم..!
رفعت إيلين يدها على جبينها، ثم تراجعت بها لتمرر أصابعها بين خصلات شعرها، و..
-إيلين وهي توميء برأسها، وبخفوت شديد: ح، حاضر..!
أخرجت إيلين هاتفها المحمول، وحاولت قدر الإمكان أن تجعل نبرة صوتها طبيعية كي لا تثير فزع السيدة فوزية، فأخذت نفسا عميقا، وزفرته على مهل، ثم أمسكت بالهاتف، وضغطت على بعض الأزرار وهي تحاول مسح عبراتها، وبالفعل اتصلت بها، وأبلغتها بضرورة حضورها إلى المشفى العام لأن فرح تعرضت لحادث ما..
وضعت فوزية يدها على قلبها حينما علمت أن هناك مكروها ما قد ألم بإبنتها، وحاولت أن تعرف من إيلين ما الذي حدث و...
-فوزية بنبرة مرتعدة، ونظرات زائغة: ايه اللي حصل بالظبط؟
-إيلين بنبرة مختنقة، ونظرات دامعة: ك، كريم مات.
شهقت فوزية على الفور، وانقبض قلبها، وفهمت سبب ما حدث لإبنتها و...
-فوزية بنبرة متلهفة: بنتي...!
أنهت فوزية المكالمة مع إيلين، ثم ركضت ناحية غرفة نومها لتبدل ثيابها على عجالة وهي تدعو الله أن يلهم إبنتها الصبر، ويعينها على ما هو قادم...
في القاعدة البحرية بالإسكندرية
وقف المقدم يزيد وإلى جواره آدم بإنتباه في الساحة الخالية وهما يتابعان التدريبات اليومية الخاصة بالمجندين، وبجوارهما عددا من الضباط ذوي الرواتب العسكرية المختلفة...
شرد يزيد مجددا في ذكرياته الآليمة، حينما تذكر لحظة إنفصاله عن زوجته التي لم تهتم أبدا لحياتهما معا...
كان يزيد عائدا لتوه من عمله، وتفاجيء بهايدي تجلس في غرفة الاستقبال بمنزله وهي تضع ساقا فوق الأخرى وترتدي فستانا كلاسيكيا قصيرا من اللون البني القاتم، وتاركة لشعرها ينسدل خلف ظهرها بتنمق شديد، وإلى جوارها حقيبة سفر سوداء كبيرة..
نظر يزيد باستغراب إلى زوجته، وإلى الحقيبة المستندة بجوارها و..
-يزيد بنظرات مندهشة، ونبرة متوجسة: مالك أعدة كده ليه؟
-هايدي ببرود تام: طلقتني.
اكفهرت ملامح يزيد فجأة، وصارت أكثر صرامة، وعقد حاجبيه في صدمة، و...
-يزيد بنظرات مصدومة، ونبرة جادة: أفندم؟
-هايدي ببرود مستفز: اللي سمعته، طلقني.
زفر يزيد في انزعاج واضح، ووضع يده أسفل ذقنه يحكها في عصبية، ثم أشاح بوجهه للناحية الأخرى محاولا التحكم قليلا في أعصابه و...
-يزيد بنبرة منزعجة: اللهم طولك يا روح..!
أنزلت هايدي ساقها على الأرض لتستند إلى جوار ساقها الأخرى، ثم اعتدلت في جلستها، ونظرت إلى يزيد بنظرات مهينة و...
-هايدي بنبرة منفعله نسبيا: أحسنلك تطلقني بالذوق..
صمتت هايدي للحظات لتنهض عن الأريكة قبل أن تتابع ب...
-هايدي وهي تردف بنبرة تهديد، ونظرات متوعدة: بدل ما أخلي الموضوع يوصل للمحاكم، وانت عارف كويس أنا أقدر أعمل ايه.
استدار يزيد بجسده ليقف في مواجهة هايدي التي كانت ترمقه بأعين فارغة و...
-يزيد بحنق: في واحدة تقابل جوزها بعد غياب أد كده وتقوله طلقني
-هايدي بإنفعال: دي أقل حاجة أعملها بعد ما ضيعت عليا فرصة السفر
-يزيد بنبرة غاضبة: يعني كنتي عاوزاني أوافق انك تسافري لوحدك، وتقعدي في بلد الله أعلم ايه اللي هايحصل فيها، وكل ده عشان خاطر شغلك الفقر ده...!
-هايدي بنبرة عصبية: شغلي مش فقر، شغلي ده اللي مديني قيمة وسط الناس، ده اللي مخلي الكل يشاور عليا ويتمنى يبقى مكاني..
-يزيد بنبرة استخفاف: اه مكانك وسط الناس، لكن في بيتك، صفر...!
-هايدي بحنق، ونظرات مغتاظة: والله لولا شغلي اللي مش عاجبك، مكونتش بقيت في الوضع ده...!
-يزيد بنظرات غاضبة، ونبرة هادرة: تقصدي ايه؟
-هايدي بنبرة مهينة، ونظرات ازدراء: أقصد لولا شغلي ومعارفي كان زمانك زي ما انت، ماحصلتش قيمة عسكري شغال عندك...!
اتسعت عيني يزيد في غضب شديد، وازداد وجهه سوادا، وحاول جاهدا ألا يتهور على زوجته، و...
-يزيد بنبرة صادحة: لأ يا هانم، ده تعبي ومجهودي هما اللي وصلوني للي أنا فيه، مش مركزك يا، يا مدام.
لوت هايدي فمها في تهكم، ثم أشاحت بوجهها للناحية الأخرى، وسارت مبتعدة عن يزيد، ثم عقدت ساعديها أمام صدرها و...
-هايدي ببرود مفتعل: مالوش لازمة الكلام أصلا معاك، انا خلاص قرفت وزهقت من الحياة دي
-يزيد بنبرة منفعلة، ونظرات متحدية: وأنا مش هاطلق، واللي عندك أعمليه
-هايدي بنبرة تهديد: غصب عنك هاتطلق
-يزيد وهو يزمجر بغضب: لأ..
-هايدي بنظرات قاتلة، ونبرة قاسية: مش هاتقدر تقف قصادي يا يزيد، ولو كنت زمان بفكر إني أجيب منك عيل، فأنا دلوقتي بحمد ربنا إني لما كنت حامل أجهضت عشان آآآ...
جحظت عيني يزيد فجأة حينما سمع للتو بأذنيه عن مسألة حمل زوجته، وارتسمت علامات الدهشة الشديدة على وجهه، فاقترب منها بغضب، وأمسك بها من ساعدها، ولوى ذراعها بعنف و...
-يزيد بنظرات غاضبة، ونبرة متشنجة: إنتي كنتي حامل؟
ظلت هايدي تتلوى بذراعها محاولة تحريره من قبضة يزيد المحكمة عليه و..
-يزيد مكررا بصوت صادح: ردي عليا، إنتي كنتي حامل؟
-هايدي بنظرات واسعة، ونبرة منفعلة: أه كنت، ونزلته من زمان.
أحرقت كلمات هايدي قلب يزيد، فلم يكن يتوقع أن تفعل زوجته هذا به، ولا بجنينهما الذي لم تكتب له الحياة..
أرخى يزيد قبضته عن معصم هايدي من هول الصدمة، وشعر أن آلما حادا يعتصر قلبه، وتيقن أن من تقف أمامه لا يمكن أن تكون بشرا...
-يزيد بنبرة مختنقة ومتلعثمة: وده، وده كان امتى؟
-هايدي ببرودة قاسية وهي تتنهد: من سنة..!
-يزيد بصدمة، ونبرة متفاجئة: اييييييه! من سنة!
رمشت هايدي بعينيها، ومطت شفتيها في إزدراء، ثم أردفت ب...
-هايدي بقسوة: أنا مكونتش مستعدة إني أضيع شغلي عشان الحمل ده.
رمق يزيد هايدي بنظرات استنكار، ثم...
-يزيد بنبرة هادرة: وأنا كنت فين من ده كله؟ هه! كنت فين؟ ليه ما قولتليش إنك حامل، ليه مخدتيش رأيي قبل ما تعملي جريمة زي دي؟ ليه تحرميني من الطفل اللي أنا كان نفسي فيه؟ ليييييه؟
-هايدي بحدة، ونظرات باردة: كنت مسافر زي عوايدك، وأنا قولتلك أنا مش عاوزة عيال، واظن ان ده حقي، لازم أكون مستعدية للحمل ده و...!
في تلك اللحظة تحديدا أدرك يزيد أن حياته بالفعل قد انتهت مع زوجته هايدي، فرغم أنه كان يحاول جاهدا الإبقاء على حياتهما الزوجية معا بسبب حبه لها، إلا أنه قد أيقن أن هذا لم يعد ممكنا، فقد توقف كل شيء عن الحياة، لقد عاش وهما كبيرا مع من ظن أنها زوجته، لقد تخلصت من حلم حياته دون أن تهتم بإبلاغه حتى، لقد قررت ببساطة أن تقضي على روح بدون ذرة ندم..
ظلت هايدي تبرر ليزيد سبب تخلصها من الجنين، وكررت على مسامعه أهمية عملها، ومنصبها، وما وصلت إليه خلال ذلك العام المنصرم، وكيف أن الحمل كان سيحول دون تحقيقها لكل هذا، وأوضحت له أن الحمل كان في بدايته لذا لم يشكل هذا مشكلة كبيرة بالنسبة لها..
لم يستمع يزيد إلى كلمة واحدة مما قالته هايدي، فقد أظلمت الدنيا في عينيه، وجاهد ليقاوم عبرة تحاول التسلل إلى عينيه إشفاقا على حاله، ثم أولاها ظهره، وقد شعر أن جسده لا يقو على حمله..
سار يزيد بضعة خطوات في اتجاه غرفة نومه، ثم استدار فجأة برأسه ناحية هايدي، ورمقها بنظرات ساخطة و...
-يزيد بنبرة باردة وشرسة: إنتي طالق، طالق يا دكتورة هايدي، بس اعرفي كويس إني هحاسبك على قتلك لإبني، وهندمك على ده...!
تسمرت هايدي في مكانها لوهلة، وقد تجمدت تعبيرات وجهها، في حين دلف يزيد إلى داخل الغرفة وصفع الباب خلفه بقوة، فانتفضت فزعة في مكانها، ثم زفرت في توجس، وأخذت نفسا مطولا تحاول به الثبات على هدوئها البارد، ومدت أصابع يدها لتعدل خصلتها المنسدلة على جبينها، ثم سارت بخطوات ثابتة نحو حقيبة سفرها، ومدت يدها لتمسك بها، وجرتها خلفها، واتجهت ناحية باب المنزل..
وقبل أن تنصرف تماما منه، التفتت بعينيها لتنظر إلى محتويات المنزل نظرة أخيرة، ثم تابعت سيرها بهدوء للخارج، وأغلقت الباب من خلفها...
بعدها بعدة أيام توجه يزيد إلى مركز هايدي الطبي الخاص بأمراض النساء والولادة ليوبخها على ما فعلته معه من أخذها لمحتويات منزل الزوجية بالكامل في غيابه..
تعاملت هايدي ببرود تام مع يزيد الذي كان يحترق من الانفعال والعصبية..
كما هددته هايدي بإذلاله وتدميره في عمله ما لم يكف عن اللحاق بها، فهي من منصبها هذا، وبفضل معارفها في العمل تستطيع أن تفعل ما يعجز هو عن فعله..
أدرك يزيد أنه كان متزوجا من امرآة قاسية لا تعرف للأمومة اسم، ولم تعر يوما للحياة الأسرية أي اهتمام، فتراجع عما كان ينتوي فعله معها، ولكن قبل أن ينصرف تماما من المركز، وقف في منتصف الطريق، ثم نظر إليها بإزدراء و...
-يزيد بصوت هادر، ونظرات غاضبة: أنا ماندمتش في حياتي على حاجة عملتها غير إني عرفت واحدة زيك أقل ما يتقال عنها إنها بنت ستين *** و ***.
صدمت هايدي من كم الإهانات والألفاظ المهينة التي انهالت عليها أمام العاملين في مركزها، وتوعدت له بالرد الرادع.
عاد يزيد لأرض الواقع وهو يبتلع ريقه في مرارة، ثم عقد ذراعيه للخلف، ونظر إلى الجنود بنظرات صارمة وهو يتابع تدريباتهم، ولم ينبس بكلمة...
وقف أحد الضباط أمام كلا من يزيد وآدم، ثم أدى التحية العسكرية لكلاهما، ومد يده التي تحمل مغلفا مغلقا من اللون الأبيض، فأمسك يزيد به، ثم أشار للضابط بالإنصراف..
فتح يزيد المظروف المغلق ليجد إشارة ما بضرورة تواجده بالمنطقة المركزية، طوى يزيد الورقة، فنظر آدم إلى يزيد بنظرات متسائلة و...
-آدم بنبرة حائرة: في ايه؟
-يزيد بجدية، ونظرات ثابتة: إشارة جاية عشان أروح المنطقة المركزية
-آدم بقلق: ليه؟
-يزيد بجدية أكثر، ونظرات ضيقة: مش عارف، أديني رايح أشوف في ايه
-آدم وهو يهز رأسه: اوكي، وابقى طمني
-يزيد بإقتضاب: إن شاء الله.
انصرف يزيد من الساحة بخطوات ثابتة، في حين تابعه آدم بعينيه إلى أن اختفى تماما عن ناظريه، ثم وجد آدم من يضع يده على كتفه فجأة ليلتف برأسه للجانب و...
-آدم بنبرة متفاجئة: يحيى
-يحيى مبتسما بهدوء: ايوه، أخبارك أيه يا آدم باشا؟
-آدم بإبتسامة زائفة: تمام الحمد لله
-يحيى متسائلا بخبث: اومال يزيد باشا أخد في وشه ليه وماشي
-آدم وهو يلوي فمه في انزعاج: معرفش
-يحيى بجدية: مش هو كان واقف معاك وآآآ...
-آدم مقاطعا بحزم: بص لو عاوز تعرف حاجة عنه يا يحيى اسأله هو
-يحيى غامزا وبنبرة خافتة: طب مافيش حاجة كده ولا كده
-آدم بعدم فهم، ونظرات متعجبة: حاجة ايه؟
-يحيى بهدوء مستفز: يعني موضوع جواز، خطوبة، أي حاجة.
أعاد آدم رأسه للخلف في استخفاف، ونظر إلى يحيى بنظرات منزعجة و..
-آدم بجدية: أظن انك أكتر حد عارف يزيد ودماغه، ويوم ماهيكون في حاجة بالشكل ده الكل هايعرف، الحاجات دي مش بتستخبى
-يحيى وهو يهز رأسه: أها، عندك حق...!
في المشفى العام
وصلت السيدة فوزية إلى المشفى، ودلفت إلى مكتب الاستعلامات لتسأل عن مكان إبنتها، وبأي طابق توجد غرفتها، وبالفعل دلتها الموظفة عى مكانها، فركضت وهي تعدل من طرحتها المنسدلة على كتفها بسرعة ناحية الدرج..
مرت السيدة فوزية عبر بعض الأروقة الجانبية إلى أن وصلت إلى الغرفة المتواجد بها إبنتها..
دلفت السيدة فوزية للداخل لتجد ابنتها مسجاة على الفراش وهي مغمضة العينين، شاحبة الوجه، وتجلس إلى جوارها على مقعد بلاستيكي رفيقتها إيلين..
نهضت إيلين فور أن رأتها من على المقعد، ثم اقتربت ناحيتها، واحتضنتها وهي تبكي و...
-إيلين بصوت باكي: قلبي عندك يا طنط
-فوزية بنظرات حزينة، ونبرة منكسرة: بنتي.!
أخذت إيلين أنفاسا متلاحقة محاولة السيطرة عن نوبة البكاء التي تنتابها و..
-إيلين بأعين دامعة، ونبرة منتحبة: ربنا معاها، من وقت ماسمعت بالخبر وهي على الحالة دي.
سارت فوزية في اتجاه الفراش، ثم جلست على طرفه، ومدت كلتا يديها لتمسك بكف ابنتها، وربتت عليه في حنية كبيرة، ثم رفعت يدها ناحية وجه ابنتها، ومسحت على وجنتيها برفق وهي ترثي حالها..
-فوزية بنبرة حزينة: حبيبتي يا بنتي، كان مستخبيلك ده كله فين...!
توافد بعض الزملاء والزميلات على فرح للاطمئنان عليها وتعزيتها في مصابها الآليم..
وقفت إيلين إلى جوار السيدة فوزية، واستقبلت كل من أتى خارج غرفة فرح، وتلمس الجميع العذر لها...
لم يتأخر الأستاذ عبد السلام هو الأخر في القيام بواجبه ودوره كأب لأبنائه من الشباب ورجل مسئول عن موظفيه، حيث دفع تكاليف المشفى، ولم يرهق كاهل السيدة فوزية بتلك المسائل المادية خاصة في تلك الظروف الصعبة...
ظلت فوزية ماكثة إلى جوار ابنتها طوال الليل محاولة الاطمئنان عليها، ولم تتركها إيلين إلا في ساعة متأخرة حينما وصل زوجها أمير، حيث طلب منها أن تعود للمنزل من أجل صغيرتها مارسيل
اضطرت إيلين أن ترضخ لطلب زوجها بعد أن أصرت فوزية على ذهابها..
جلست السيدة فوزية على سجادة الصلاة وهي متضرعة للمولى عزوجل بالدعاء، فقد بكت كثيرا وهي ساجدة تدعوه أن يلهم إبنتها الصبر والسلوان، وأن يعوضها عما حدث، فقد تذوقت هي من قبل مرارة الفراق، وها هي تستعيد ذكرياتها مع ابنتها...
في اليوم التالي
في أحد المدارس التجريبية الخاصة
جلست شيماء في غرفة المعلمات تصحح بعض الكتب الخاصة بالطلاب، ثم وضع يدها على رأسها لتعيد حجاب شعرها للخلف بعد أن إنزلق قليلا للأمام...
ثم دلفت للغرفة إحدى الزميلات – والتي تدعى مريم - وعلى وجهها تعبيرات حزينة و...
-مريم بنبرة حزينة، ونظرات آسفة: شوفتوا اللي حصل!
التفتت إحدى المعلمات – وتدعى منى - إلى مريم، ونظرت إليها بإستغراب و...
-منى بنظرات حائرة: في ايه يا مريم؟
-مريم بنبرة متحسرة: ابن الاستاذ بركات تعيشوا انتو؟
اعتلت الدهشة والصدمة أوجه جميع من كان في الغرفة، فقد كان الأستاذ بركات موجه مادة العلوم المسئول عن متابعة معلمات تلك المدرسة، وكان الجميع يعرف أخلاق الأستاذ بركات الكيسة، وصفاته الحميدة، فتملكهن جميعا الحزن والآسف على مصابه الآليم.
-شيماء بنظرات آسفة، ونبرة مواسية: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون..
-مريم متابعة بنفس نبرة الحزن: ابنه كان شاب، واتخطف في عز شبابه
-منى متسائلة بفضول: طب وانتي عرفتي منين؟
-مريم بجدية: مس عواطف لسه مبلغانا...!
-شيماء بنبرة جادة، ونظرات حزينة: احنا لازم نروح نعزيه
-منى بتلهف: أكيد طبعا، ده واجب
-مريم بنبرة مؤيدة: خلاص أنا هابلغ بقية الزملا ونشوف هانروح امتى.
-شيماء بحسم: بعد المدرسة نتجمع، ونروح كلنا، الأستاذ بركات راجل محترم، وواجب علينا نقف جمبه في الظروف اللي زي دي
-مريم وهي تلوي شفتيها في رثاء: الله يكون في عونه، ده ابنه الوحيد...!
-منى بخفوت: أما أطلب جوزي أقوله على حاكية العزا دي لأحسن يقلق إن إتأخرت عليه.
-شيماء بنبرة جادة: وأنا كمان هاكلم جوزي أعرفه إني رايحة عزا عشان برضوه يبقى عارف أنا بروح فين، وباجي منين
-منى وهي تهز رأسها في موافقة: عندك حق.
مدت شيماء يدها في حقيبتها المسنودة على الطاولة الخشبية العريضة، ثم أخرجت هاتفها المحمول، واتصلت بزوجها آدم لتخبره بما تنتوي فعله بعد إنقضاء اليوم الدراسي...
في المشفى العام
استعادت فرح وعيها، وبدأت تجهش بالبكاء المرير وهي تتذكر خبر وفاة من أحبته، ومن عشقته لسنوات في لحظة..
حاولت السيدة فوزية تهدئة ابنتها، ولكنها عجزت، فقد كان مرتبطة به بكل كيانها، ولم تتخيل أن تتلقى خبر وفاته بتلك الصورة، بل لم يخطر ببالها مطلقا أن يتوفاه الله قبل أن ينعما بحياة زوجية سعيدة..
احتضنت فوزية ابنتها وضمتها إلى صدرها بقوة، وظلت تمسد على شعرها أكثر من مرة و..
-فوزية بنبرة حزينة، وأعين دامعة: اهدي يا حبيبتي، ده قضاء ربنا
-فرح ببكاء مرير: كريم مات يا مامي من قبل ما نتجوز، مات من قبل ما فرحتنا تكمل، أنا حياتي خلصت من بعده
-فوزية بصوت مختنق: إنا لله وإنا إليه راجعون، ربنا أراد يسترد أمانته، سبحانه وتعالى، ادعيله يا بنتي، ادعيله بالرحمة..!
بكت فرح بحرقة، وظل صدرها يعلو ويهبط من مرارة الحزن والفراق، تورمت عينيها، وانتفخ أنفها، وذبلت ملامح وجهها..
رفعت فرح عينيها الحمراوتين في عيني والدتها و..
-فرح بصوت منتحب: أنا عاوزة أروح لطنط سميرة، عاوزة أكون جمبهم
-فوزية بصوت شبه باكي: طبعا يا حبيبتي، شدي حيلك بس وهانروحلهم
-فرح بإصرار: لأ الوقتي، أنا مش هاسيبهم، لازم أكون معاهم، ده كريم جوزي وحبيبي وكل دنيتي...!
نهضت فرح عن الفراش، وأزاحت الملاءة عنها، وعاونتها فوزية في تعديل هيئتها..
في تلك اللحظة وصلت إيلين إلى غرفة فرح وتفاجئت بها وهي تهندم من هيئتها، فنظرت إليها بحيرة و..
-إيلين بصوت حزين: فرح..!
لم تنظر فرح لإيلين، بل أكملت ترتيب ملابسها، ثم نظرت إلى والدتها بنظرات باكية و..
-فرح بصوت مختنق: مامي أنا لازم أغير هدومي وألبس اسود، مش هاروح بهدومي دي عند أهل جوزي
-فوزية وهي توميء برأسها: أكيد طبعا يا حبيبتي
-إيلين بنبرة جادة: أنا هاكلم أمير أخليه يوصلنا بدل ما نتبهدل في المواصلات
-فوزية بنبرة شاكرة، ونظرات امتنان: معلش يا إيلين هانتعبك معانا.
-إيلين بنبرة هادئة وخافتة: تعب ايه بس يا طنط، ربنا معاكو، لحظة بس أتصل بأمير يجلينا هنا
-فوزية بنبرة حزينة: اتفضلي يا بنتي..
في القاعدة البحرية بالإسكندرية
اجتمع بعض رؤوساء الأركان ببعض الضباط من ذوي الرتب المختلفة في أحد القاعات المخصصة للاجتماعات الموسعة من أجل الترتيب لمهام الجميع خلال الفترة القادمة، خاصة وأن هناك قطع بحرية جديدة ستنضم للأسطول المصري، بالإضافة إلى وضع جدول زمني خاص بالمناورات العادية والمشتركة مع الدول الأخرى...
في نهاية الإجتماع عرف كل ضابط المهمة المكلف بها، ثم استأذن الجميع بالانصراف...
تم تكليف يزيد بتولي تدريب من هم تحت إمرته - من ضباط ذوي قدرة أقل، ومجندين بحريين - على استخدام الفرقاطة الجديدة التي ستنضم للأسطول البحري بعد شهر، وذلك بعد أن ينتهي هو تماما من حضور الدورة التدريبية المكثفة الخاصة بالتعامل مع تلك القطعة البحرية الجديدة..
(( والفرقاطة هي نوع من السفن الحربية السريعة، فحجمها أصغر من المدمرة، ولكنها أكبر من الزوارق الدورية الساحلية، ويمكن تزويد الفرقاطة بالصواريخ الموجهة، والمدفعية، بالإضافة إلى الطوربيدات، وحظائر للمروحيات لكي تهبط عليها )).
كما أتيح ليزيد أن يختار الطاقم الذي سيتولى تدريبه، وهو عقد العزم على أن يكون أفراد طاقمه من ذوي المهارة والكفاءة..
عاد يزيد إلى غرفة سكنه الملحقة بمركز التدريب وهو متحفز لإثبات جدارته في تلك المهمة التي كلف بها..
سمع يزيد طرقات على باب غرفته، فسمح للطارق بالدخول، فإذ به آدم يدلف للداخل، وعلى وجهه تعابير هادئة..
دقق آدم النظر في يزيد الذي كان يعد حقيبة صغيرة ويملأها بالملابس المرتبة و...
-آدم بنبرة حماسية: واضح كده إن الاجتماع ده جه بفايدة
-يزيد متسائلا بجدية: ليه؟
-آدم وهو يشير بعينيه، وبنبرة متحمسة: طالما بدأت تجهز الشنطة الهاند باج دي يبقى انت ناوي على حاجة مهمة
-يزيد مبتسما من زاوية فمه: عادي
-آدم وهو يهز رأسه نافيا: لأ مش عادي، المهم إيه الأخبار.
سرد يزيد بهدوء شديد المهمة الموكلة إليه، والخاصة بحضور دورة تدريبية مكثفة لمدة إسبوعين من أجل معرفة كل ما يخص التعامل مع الفرقاطة البحرية الجديدة التي ستنضم للأسطول البحري المصري الشهر المقبل
تحمس آدم لتلك الأخبار السارة، و..
-آدم بنبرة متعشمة: وطبعا أنا معاك وش في الطاقم بتاعك
-يزيد بنظرات جادة، ونبرة هادئة: ربنا يسهل
-آدم بحماس: اكيد هيسهل إن شاء الله، إنوي انت بس، وهتلاقيني في وش المدفع.
-يزيد مبتسما: طيب
-آدم غامزا: مش هوصيك بقى، عاوزك تركز وتجيبلنا أرار الفرقاطة دي، انت عارف أنا بموت في الحاجات التفاريحي اللي زي كده
-يزيد باستغراب: تفاريحي..!
-آدم مبتسما بسعادة: أه طبعا، هو احنا بيجيلنا كام فرقاطة؟
-يزيد مبتسما في تهكم: لأ عندك حق، أنا من دلوقتي هحذفك من على قايمة المرشحين للتدريب عليها
-آدم بحزن زائف: ليه كده بس يا ابن عمي، أهون عليك
-يزيد بنظرات جادة، ونبرة شبه قوية: آه تهون.
-آدم بخفوت مصطنع: طب لو قولتلك عشان خاطر سلمى؟
أخذ يزيد نفسا عميقا، ثم زفره على مهل، ونظر إلى آدم بنظرات ثابتة، وظل صامتا للحظة ثم...
-يزيد مكملا بهدوء: جيت على نقطة ضعفي
-آدم بتعشم: ما هي الوحيدة اللي مابتقدرش تقولها لأ، ها موافق؟
-يزيد وهو يوميء برأسه: أها.
احتضن آدم يزيد، وربت على ظهره، و..
-آدم بحماس: البت سلمى دي عاملة زي التأشيرة اللي بتعدي أي حاجة مستعصية عليا معاك
-يزيد مبتسما بغرور: احمد ربك على إنها بنتك
-آدم بنبرة متهلفة، ونظرات مشرقة: ألف حمد وشكر ليك يا رب، عقبال ما ربنا يكرمك بواحدة حلوة كده تحبها، وتتجوزها، وتجيبلك عيال، و آآ...
توقف آدم عن إكمال جملته حينما وجد ملامح يزيد تحولت للقسوة، وأن عينيه قد ضاقت أكثر، فنظر إليه بتوجس و..
-يزيد بصرامة تامة، ونظرات قاتمة: آدم يا ريت تسيبني أشوف اللي ورايا.
تنحنح آدم في حرج، فهو لم يقصد أن يزعج رفيقه بحديثه هذا، ولكنه بالفعل يتمنى له كل الخير، ولكن ما يزعجه حقا هو أن يزيد يأخذ الحديث عن هذا المو ضوع بحساسية تامة، ولا يسمح لأي أحد بأن يتحدث معه فيه...
انصرف آدم من الغرفة، في حين ألقى يزيد بالتي شيرت الأبيض الذي كان في يده على الفراش، وزفر في ضيق كبير، واتجه ناحية نافذة الغرفة الزجاجية لينظر إلى أمواج البحر، ويشرد فيها وهو يتذكر كيف انهدمت حياته، وكيف لم تتهاون هايدي في أخذ حقها أضعافا مضاعفة عقب الطلاق من أجل مساومته على عمله كنوع من التأديب له لتطاوله عليها باللفظ في مقر عملها، وكيف تدخل كلا من آدم وزوجته من أجل إقناعها بالعدول عن إنتقامها حفظا لمستقبل يزيد المهني..
لقد أثبت آدم عن جدارة أنه الرفيق الصادق الصدوق، الذي يقف بجوار صديقه في أشد الأزمات حلكة، ولم ينكر يزيد يوما هذا، بل كلما أتيحت له الفرصة لرد الجميل له لا يتأخر...
في منزل عائلة كريم
إمتلأت المقاعد الحديدية المبطنة بقماش القطيفة القديم والموضوعة في مدخل البناية بالمعزين الذين توافدوا من كل مكان من أجل التعزية في فقيد الأستاذ بركات..
صدح المكان بآيات الذكر الحكيم، والكل يذكر محاسن الفقيد ودماثة أخلاقه...
وصل أمير بسيارته الزرقاء على مقربة من مدخل البناية، ثم صفها بجوار الرصيف، وترجلت منها فوزية وابنتها، ومعهما إيلين..
اتشح الجميع بالسواد، وساروا بخطوات بطيئة وحزينة نحو الأستاذ بركات.
أجهشت فرح بالبكاء حينما رأت حماها منحني ومنكسر أمامها، فنهض عن مقعده، واقترب منها بخطوات متريثة، ووقف قبالتها، فتعالت شهقاتها، وتلاحقت أنفاسها، وحاول كلاهما أن يواسى الأخر..
حاولت إيلين مساعدة فرح على الوقوع على قدميها، خاصة أنها لم تتحمل مشهد العزاء، وأحضر أمير إليها مقعدا قريبا لتجلس عليه، وتحاول إلتقاط أنفاسها...
وقفت فوزية إلى جوار ابنتها الجالسة على المقعد وهي تضمها إلى صدرها، محاولة تهدئتها، ولكن دون جدوى، فقد عرف الحزن طريقه إلى قلبها، ومن ثم إلى حياتها...
في نفس الوقت وصلت شيماء ومعها بعض زميلات وزملاء العمل إلى البناية، وتوجهوا ناحية الأستاذ بركات وصافحوه، وقاموا بتعزيته ومحاولة التهوين عليه..
لمحت شيماء إحدى الفتيات وهي تبكي بمرارة وحرقة على أحد المقاعد القريبة، وأثارها الفضول أن تعرف هويتها، ولكنها لم تسائل عنها، فالظرف غير مناسب لهذا التحقيق الغير مباشر، وفضلت أن تصعد إلى زوجة الأستاذ بركات لكي تعزيها هي الأخرى، فربما تعرف هويتها لاحقا...
لم تدخر السيدة سميرة وسعها في الصراخ والعويل على ابنها الراحل، ونهرتها بعض السيدات على ما تفعل، لأنه اعتراض على قضاء الله، ولكنها لم تصغ إليهن، وظلت تصرخ بمرارة، وترثي ابنها وشبابه الضائع...
وصلت شيماء ومعها زميلاتها في العمل لمنزل الأستاذ بركات، وصدمن جميعا من الصراخ الصادح للسيدة سميرة، وحاولن تهدئتها، ولكنها لم تكن لتهديء أبدا، فمن فقدته هو فلذة كبدها، وابنها الوحيد...
وقفت كاميليا بجوار والدتها، وطلبت منها أن تهدأ حتى تتمكن من تلقي العزاء في ابنها، ولكنها دفعت ابنتها من كتفها بحدة وصرخت فيها أن تدعها لشأنها..
استغربت شيماء من حال تلك السيدة، ولكنها تلمست لها العذر، ففقدان الابن ليس بالأمر الهين...
صعدت السيدة فوزية هي الأخرى لكي تعزي سميرة بعد أن تركت ابنتها مع إيلين في الأسفل ريثما تهدأ لكي تلحق كلتاهما بها..
تفاجئت فوزية بأفعال سميرة المبالغة من العويل واللطم والصراخ على ابنها المتوفي، وحاولت أن تثنيها عما تفعل، ولكن رمقتها سميرة بنظرات مميتة، وبدأت تتطاول عليها بالألفاظ النابية، وكانت على وشك الاشتباك معها بالأيدي..
صدمت فوزية من ردة فعل السيدة سميرة، فهي لم تكن تتخيل أنها ستفعل هذا معها، خاصة أن بينهما صلة نسب ومودة...
تدخلت بعض السيدات للحول بينهما، وبررن أفعال سميرة بأنها ليست في وعيها، فوفاة ابنها ليست أمرا سهلا عليها لكي تتقبله..
لم ترد السيدة فوزية أن تزيد من الأمر سوءا، فهي تقدر مشاعرها كأم فقدت ابنها للتو، ولكنها حتما ستتحدث مع الأستاذ بركات عما حدث...
جلست فوزية بعيدا وبجوارها بعض السيدات الطاعنات في العمر..
اعتذرت سيدة ما لفوزية، وطلبت منها أن تغفر لسميرة اسلوبها الفظ في التعامل، وبررت لها فعلتها النكراء بأنها على تلك الحالة مع الجميع منذ الأمس..
أطرقت فوزية رأسها في ضيق، ولم تعقب، فقط اكتفت بكلمات مقتضبة ترثي بها المتوفي..
دعت فوزية الله في نفسها ألا يجعل ابنتها فرح تصعد للأعلى حتى لا تتعرض لما تعرضت هي له..
تعالت بعض الهمهمات من سيدتين جالستين على مقربة من فوزية، في البداية لم تكترث لحديثهما، ولكنها تنبهت فجأة، واضطربت ملامحها، واتسعيت عينيها حينما همست إحداهما ب...
-سيدة ما متسائلة بفضول: طب وهما عرفوا إزاي انه مات؟
-إحدى السيدات بخفوت: مراته هي اللي بلغتهم بموته...!