قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية عندما يعشق الرجل لـ شيماء محمد الفصل 26

رواية عندما يعشق الرجل لشيماء محمد الفصل السادس والعشرون

الجزء الأول

جلست ريم على الجهة الأخرى من السرير بجوار أروى ما ان دلفت إلى الغرفة ...وشهقت بقوة ما ان رات تلك الابرة فى يديها والمحلول معلق بجوار السرير ...وضعت يديها على كتف أروى بحذر وهى تراقب شحوب وجهها من التعب ...وهى تقول بحزن وهلع " يا الله ما الذى حدث لك ...وكيف حدث "
هداتها اروى وهى تربت على يد ريم الموضوعة على كتفيها وتقول بصوت مهتز قليلا " لا تقلقى ...انا بخير "

حدقت بها ريم بتفحص وهى تنظر إلى وجهها باهتمام ...لاحظتها أروى فابتسمت قائلة " ريم ..انا بخير لا تقلقى ...كل ما على فعله فقط هو الجلوس فى السرير وعدم الحركة والاهتمام بوجبات الطعام ...حتى أستطيع تغذيت نفسى ...ثم تابعت وابتساماتها تتسع أكثر بنبرة ناعمة ...سأكون أما "
التمعت عينا ريم بسعادة وهى تضمها إليها قائلة بحنان " نعم ستكونين أما جميلة "
" ألم تكونى على علم يا ريم " التفتت ريم عندما سمعت صوت السيدة فريدة تسالها. ..فنظرت إليها ريم بعدم فهم وهزت رأسها تلقائيا ب لا ...فنظرت أروى إلى والدتها بعتاب. ..فزمت والدتها شفتاها وتابعت
"هل تريدين أن تشربى شيئا "
" لا ..لا داعى ساجلس بعض الوقت و سأذهب " هتفت بها ريم بسرعة ...فيبدو انها لن تستطيع الحديث مع اروى بحضور والدتها ...كما أن أيضا حالتها تبدو انها لا تسمح أبدا بالاستماع ...
اجفلن الثلاثة عندما سمعوا صوت محرك سيارة
" يا ترى من الزائر " قالتها فريدة بخفوت وهى تجلس على الكرسى الموجود بجانب النافذة الكبيرة للغرفة
التفتت أروى إلى ريم ...لو لم تكن والدتها موجودة لتحدثت مع ريم عما يشغل بالها ...عن إخفائها لحملها...عن تصرفات سيف وعن ما سمعته سابقا أثناء حديثه مع حده عن الأسهم والشركة ...تعلم انها ان تحدثت معها ربما ييستريح عقلها من التفكير فيما ممكن ان يحدث او هل سيف يحبها ام لا ام انها لا شئ فى حياته بعد ان كانت تعتقد انه أصبح يهواها حتى لو قليلا ...حينها ربما ترشدها ريم على الأقل عما يجب ان تفعله فهى تعلم ان صديقتها ذات إدراك واسع وربما ترى ما لم تستطع هى نفسها رؤيته ...وسترشدها إلى الفعل الصحيح ...لكن يبدو ان اليوم غير مناسب للحديث
نظرت كلا منهما للأخرى وعيناهما تتحدث بصمت
(انها تحتاج إلى إخراج ما بداخلها لعلها تستطيع الوصول إلى السلام والراحة )

" لقد حان وقت تسديد الديون "
حدق سيف إلى حازم بدهشة لم يستطع إخفائها وهو يعقد ما بين حاجبيه بقوة ...لم يعتقد انه سياتى ويطلب منه ذلك الدين القديم ...تشدق بابتسامة جانبية وهو ينظر إليه بتمعن ... وقفا لثوانى كلا منهما يحدق بالآخر ...
تنحنح سيف عندما لاحظ وقوف حازم على الباب ...تراجع قليلا سامحا له بالدخول بصمت ..
فمهما كان بينهما من عداء بسبب ما حدث سابقا إلا انه لن يغلق يوما بابه فى وجه زائر له...
دلف حازم بخطوات ثابتة ورأسه مرفوع لن يهتز لمجرد دخوله إلى منزل ذلك الابله... لكن كما يقولون المثل أن كان لك حق عندك الكلب ...نظر سيف بطرف عيناه إلى حازم وقال بصوت هادى وهو يشير إلى الجانب الذى يجلس إليه كاسر
"تفضل"
اجفل حازم عندما سمع صوت كاسر هاتفا بنبرة خشنة ما ان رأى حازم
" حازم "
لم تقل دهشة كاسر ولا تعابير وجهه عن سيف ...فهو لم يعتقد يوما ان حازم سيطرق باب سيف يوما ...جلس حازم على أحد طرفى الأريكة التى يجلس عليها كاسر عاقدا اصابع يديه امامه بينما كاسر يجلس على الطرف الآخر ... وسيف قبالته على أحد كراسى الصالون المذهب ...حدقت الأربعة أعين بحازم باهتمام منتظرة سماع سبب حضوره فى هذا الوقت
حاول حازم ان يجلى حنجرته وقال بطريقة عملية وهدوء
" لقد سبق و اخبرتنى انك مدين لى ...ثم رفع نظره إلى سيف بحزم وتابع ...هل ما زلت على وعدك "
كانت تعابير وجه سيف لا تعبر عن اى شئ وهو يستمع لكلمات حازم ...باختلاف كاسر الذى حدق به بدهشة ممزوجة باستغراب ...
ظهرت ابتسامة جانبية على وجه سيف ثم قال بصوت عميق وتأكيد " نعم بالطبع ما زلت على وعدى ...ثم رفع أحد حاجبيه متابعا ...فلست أنا من يخلف وعد قطعه على نفسه "
اؤما حازم برأسه ايماءة بسيطة للغاية ثم قال بنبرة هادئة
" حسنا ...الحقيقة فى البداية كنت أريد مقابلة جدك السيد سليمان لكنى علمت بغيابه...لذلك فكرت انك ربما تستطيع مساعدتى...قالها ثم نظر إلى عينى سيف للحظة يحاول قراءة أفكاره ردة فعله ...لكنه لم يجد غير السكون فتابع .. لذلك أعتقد انك بهذه الطريقة ستستطيع تسديد دينك "
رفع سيف حاجبيه وقال ببرود
" تابع "
تفحص كاسر وجه حازم بامعان. ..اختلف شكله كثيرا من آخر مقابلة لهما ...أكثر نحافة عن ذى قبل ...ذقنه الغير حليقة نمت وأصبحت طويلة بشكل ملحوظ وكأنها لم تمسها شفرة حلاقة منذ زمن ...حتى وإن كان لتهذيبها ...وفوق هذا وجهه مختلف ونظرته المعتادة أيضا ... بالطبع لم يكن سيف يلاحظ هذا التغير لأن كل ما يهمه هو معرفة سبب حضور حازم السيوفى بنفسه إليه ...طالبا دين قديم كاد هو نفسه ان ينساه ...لكنه أكثر من مرحب بذلك حتى يستطيع أن يأخذ ثاره القديم الذى طال ...
أخذ حازم تنهيدة طويلة جعلت كلا الرجلان يعقدان حاجبهما بتساءل...
" أحتاج فقط مساعدتك "
... قالها ثم نظر الى كلا الرجلان باهتمام ...لم ينبس اى منهما ببنت شفه منتظران ان يفضى حازم بما فى جعبته لهما ... أفضل سمة مشتركة بين هذان الرجلان هو الاستماع ...وربما نقول أن سيف أقل صبرا فى هذه اللحظة بينما كاسر يستمع وينتظر باستمتاع غريب وعيناه تومض من الإثارة ...فربما يرى معركة بين أفراد عائلة السيوفى ...سببها سيف وحازم ...بسبب ثأر واندفاع قديم ...
" أعلم انه يوجد مشاريع بينكم وبين عائلة عزيز المنشاوي ...صمت و كاسر وسيف المستند بكوع ذراعه على يد الكرسى و اسلم وجهه ليده ينظران إلى حازم بتركيز ... أخفض حازم رأسه وكأنه مجبر على قول ما سينطق به ...
تابع بارتباك حاول اخفاءه
" أريدك فقط ان تقوم ببيع قطعة الأرض التى ستقوم عليها المشروع ...و ساشتريها باى مبلغ تريده " قالها ثم رفع رأسه نحو سيف باهتمام واعين راجية
حدق سيف به والتمعت عيناه بغموض وكادت ان تظهر ابتسامة على وجهه لكنه استطاع إخفائها... ووضع قدم فوق الاخرى بغرور
وقال بنبرة هادئة " كنت أتمنى حقا مساعدتك ...لكنها ليست للبيع "
عض حازم فمه من الداخل يحاول كتم غيظه من الجالس أمامه وقال ببرود كاذب
" إذا أنت لا تريد المساعدة "
فامال سيف برأسه لجهة اليسار ورفع كتفيه بقلة حيلة ...فنهض حازم من مكانه وأغلق أزرار سترة بذلته السوداء ورفع رأسه ناظرا إلى الفراغ بصمت وقال ببرود وعنفوان
" حسنا يبدو إننى قد أتيت إلى المكان الخاطئ "
قالها وما كاد يتحرك حتى اوقفه كاسر بسرعة قائلا
" اهداى يا حازم...الأمور لا نتحدث بها هكذا ...بالطبع سنحاول مساعدتك لكن أخبرنا فقط لماذا تريد تلك الأرض ربما نستطيع مساعدتك بطريقة أخرى "
هتف بها كاسر وهو ناظر إلى سيف...بينما الأخير اشاح بوجهه بعيدا بغضب
" سيف " قالها كاسر بهدوء
فتململ سيف فى جلسته وتافف بطريقة ملحوظة وكأنه طفل صغير يحاول شخصا ما ارغامه على شئ هو لا يريده ...
وقال من بين أسنانه " أجلس وسنرى "
نظر حازم بنصف عين إلى يد كاسر التى تمسك بذراعه وجلس بعد تفكير فى ان لا وقت لكبرياءه او لعداءه لسيف ...
أبتسم كاسر وهو ينظر إلى كلا الرجلان اللذان يحاولان عدم النظر لبعضهما وقال بطريقة عملية ودبلوماسية بحتة
" حازم ...نحن لن نساعدك من أجل دين او شى من هذا القبيل ...فأرسل إليه سيف نظرة محتقنة ما ان سمع كلمة "نحن "...لم تمنع تلك النظرة كاسر عن المتابعة وقال ...بل نحن سنساعدك لأننا أصدقاء ...وقبل كل هذا تربطنا صلة دم ...لذلك سنفعل وسنكون بجوارك ...مهما كانت تلك المساعدة "
قالها كاسر وهو يضرب برفق على قدم حازم الذى نظر إليه كالتاءه ...بينما الآخر يتافف بحنق
فلوى كاسر فمه وقال بحدة لسيف " أليس كذلك يا سيف "
فأجاب الآخر من بين أسنانه " حسنا "
" حسنا أخبرنا " قالها كاسر بعقلانية ... فهو يعلم لو لم يكن الأمر كبيرا بالنسبة لحازم لما أتى يوما إلى هذا المنزل ... وتابع قائلا " ما هو الأمر مع عائلة عزيز المنشاوى ...علاقتنا بهم جيدا ولا أظن أنهم سيرفضوا لنا طلبا يوما وخاصة خالد ...هو شخص جيد ومتافهم "
فنظر حازم إلى كاسر متساءلا " هل تعرف خالد "
فابتسم الآخر قائلا " نعم بالطبع أعرفه وعلى علاقة وثيقة بنا "
وأخذ كاسر يخبره كيف تعرف على خالد منذ أكثر من خمسة أعوام ... عندما أتى الى شركته لشراء بعض الآلات للغزل والنسيج ...وكيف أصبحا صديقان بعد ذلك ...
بعد ان استمع حازم إلى كاسر تيقن انه سيساعده فى أمره ... فأخذ نفسا عميقا وقال بدون مقدمات
" تقدمت إلى طلب يد ابنة المستشار ياسين المنشاوى ...لكن عمها رفض وعلمت انه سيقوم بتزويجها االى ابنه المتزوج " ظهر الغضب والضيق جلى على وجه حازم وهو يخبرهم بما حدث
استطاع حازم جذب انتباه سيف الذى حاول عدم الاصغاء إلى كلامه و صرف نظره بعيدا عنهم ...ونظر إليه وهو يراقب تعابير وجهه ...وعدل من جلسته متابعا باقى الحديث ...بينما ضيق كاسر ما بين حاجبيه وقال بهدوء وعقلانية
" ربما الفتاة موافقة "
فهز حازم رأسه ب لا وقال " حالتها سيئة و تدهورت بعد ما اخبروها بأمر زواجها من ابن عمها "
" وكيف عرفت أن حالتها سيئة " قاطعه سيف
فنظر حازم إليه بحدة و قائلا بابتسامة فاترة " مصادرى الخاصة "
فسعل كاسر بصوتا عالى وقال بهدوء " حسنا إذا أنت تريد الفتاة والفتاة تريدك"
" أظن ذلك " قالها بخجل حاول اخفاءه
فابتسم كاسر وربت على ظهره
" حسنا ...إذا أنت تريد منا ان نحاول إقناع عزيز للقبول بك " قالها ثم هم واقفا من مكانه وأغلق أزرار بذلته متابعا بخشونة
" حسنا ...هيا بنا "
" هيا بنا ...إلى أين؟! " قاطعه سيف بحدة
فمرر كاسر يده على وجهه وقال بتافف
" تبا لك لماذا دائما تقاطعنى هكذا ... سنذهب بالطبع إلى منزل عزيز المنشاوى و نتحدث معه "
" بهذه السهولة ...تعتقد " هتف بها سيف
فاؤما كاسر رأسه بنعم وقال بإصرار وهو يسحب سيف قائلا
" اصعد وبدل ملابسك تلك ...حتى لا نتاخر. ..إذا تأخرنا ربما يقوموا بتزويج الفتاة دون إرادتها انا اعرف عزيز المنشاوى جيدا ...هيا ..هيا بسرعة ...ثم تابع مقتربا من أذنه ...ألا تريد أن تدفع دينك له ...الأمر سهل ...وهكذا لن يكون هناك ذلك الوعد الذى قاطعته له ..ام انك نسيت "
فكر سيف فى كلام كاسر ...و بدأ بصعود السلالم مرغما

 

الجزء الثاني

دق دقات خفيفة على باب الغرفة ثم دلف مباشرة وجد اروى جالسة تستند بظهرها على السرير وبجوارها ريم ووالدتها تجلس على أحد الكراسى تحمل بين يديها أحد المجلات ...
فقال بهدوء " سأخرج ... و ربما أتأخر او أتى غدا صباحا ...ثم تابع وهو ينظر لعمته. ..لذا هل يمكنك أن ان تبقى مع اروى اليوم لحين عودتى وسأحاول أن أعود مبكرا "
حدقت به السيدة فريدة وهزت رأسها ب نعم
" نعم بالطبع ...لكن لعله خير "
" خير ...خير لا تقلقى ...هل يمكن ان ..." قالها وهو ينظر إلى اروى
ففهمته عمته وقالت بابتسامة لريم وهى تتوجه نحو الباب
" تعالى يا ريم ...حتى نقوم بتحضير شيئا ما "
تبعتها ريم ومن ثم أغلقت الباب
نظر إليها وسعل بخفوت محاولا أن يجلى حنجرته وقال بصوت اجش
" سأذهب ولن أتأخر ...اهتمى بنفسك جيدا ...حسنا "
هزت رأسها ب نعم
وقالت بنبرة هادئة
" حسنا "
... وهى تحارب رغبة قوية لديها بأن تسأله إلى أين سيذهب...فراقبت دخوله إلى غرفة تبديل الملابس ...بعدها بدقائق خرج من الغرفة وهو يرتدى بذلة زرقاء وقميص بلون السماء ...ووضع وشاح صوفى حول رقبته ... بدى وسيما بطلته تلك شعرت معها بالغيرة تجتاح قلبها بلا هوادة ...فعقدت حاجبيها بضيق وهى تراه واقفا أمام المرآة...يمشط شعره البنى ...ويرش رذاذ عطره المفضل فانتشرت رائحته فى أنحاء الغرفة جعلتها تشعر بانقباض فى معدتها حتى كادت تتلوى وتبكى من الألم الذى تشعر به ... أبتسم لها بشقاوة وهو يراقب نظراتها له من زجاج المرآة ...
فضغطت على شفتاها السفلى محاولة ألا تصرخ من غيظها. ...وهى تفكر
"إلى أين سيذهب "
وبدون ان تشعر قالتها بصوت مرتفع من بين اسنانها ...فدار بجسده نحوها وهو ما زال يبتسم بشقاوة وقال وهو يغمز لها بعيناه اليسرى ...
" هل هذا اهتمام ...ام انه ...فضول الزوجة "
ضغطت مرة أخرى على شفتاها و حدقت به بغضب هاتفة بعدم اهتمام ولامبالاة تحاول إظهارها
" لا هذا ولا ذاك "
فظهرت ابتسامة جانبية على ثغره وقال باغراء وهو يدنو منها ببط حتى وقف أمامها مباشرة ويديه فى جيبى بنطاله
" لا تنزعجى ...أن تدللتى على سأخبرك "
فعقدت ذراعيها أمام صدرها وهى تقول بغرور
" إذا اذهب انا لن ارجو احد"
فضغط على شفتاه السفلى باسنانه وقال بابتسامة وهو يغمز بطرف عيناه لها
" انظرى إلى لقد أصبحت اضغط على شفتاى مثلك ... وربما أحاول قضمهما المرة القادمة ...وتابع وهو يجلس بجوارها على السرير ...ومن قال لك أن ترجونى. ...انا اقول ...ت..د.ل.ل.ى " قالها وهو يضغط على كل حرف يخرجه
ثم رفع رأسها نحوه باصابعه قائلا بانفاس ملتهبة
" ألا تعرفى كيف تتدللى "
فابتسمت بنعومة ...فنظر إليها مشدوها وهو يحاول بلع ريقه وهو يراقب ظهور غمازتيها التى تزين خديها عندما تبتسم ...
وقال بهيام
" يا الله ...ساقع صريعا الآن ...انطقى يا ابنة الحلال واريحينى "
فصدرت منها ضحكة رنانة من كلماته وقالت وهى ترفع إحدى حاجبيها بكبرياء
" لقد سبق وقلت لك ...وقبل أن تتابع قطع كلماتها بقبلة خطفت أنفاسها ...رفعت ذراعيها حول رقبته وقربته منها أكثر ...وبهدوء بدأت فى أبعاد الوشاح الصوفى عنه ومن توقه ساعدها هو فى ذلك وألقى بالوشاح تحت قدميه والنار تتاجج فى جسده وصدره من شوقه لها ناسيا من ينتظره فى الأسفل ...ومن ثم ألقى بالسترة التى لحقت بالوشاح على الأرض ...وما كادت تصل إلى صدره العضلى وتفتح ازار قميصه حتى وجدا الباب يفتح
ووالدتها تهتف " سيف ...كاسر ..ين..." توقفت الكلمات بين شفتى فريدة ووقفت مشدوهة من الخجل ويدها على مقبض الباب
وما ان سمع صوت والدتها حتى أبتعد كلا منهما عن الآخر وعدل من وقفته ... وبسرعة التقط الوشاح والسترة ...وخرج من الغرفة مسرعا ...و أروى وضعت رأسها على الوسادة و غطت وجهها من الإحراج والخجل لما تعرضته له من مشاهدة والدتها لهما ...متمنية أن تنشق الأرض وتبتلعها ...

نزل درجات السلم وهو يرتدى سترى البذلة ثم بعد ذلك وضع الوشاح حول رقبته ...نظر إلى الصالون لم يجد أيا منهما ...فخرج من المنزل وجد حازم يجلس فى سيارته متاففا وريم تقف إلى الجانب مع كاسر ويظهر على وجهها معالم الغضب ...و دنا منهما بخطوات واثقة
قائلا بتجهم
" هل هناك شيئا ما "
فرفع كاسر وجهه إليه قائلا بحدة
" ريم تريد الذهاب معنا ...بعد ان علمت بما حدث لصديقتها "
" ماذا ...هل جننتى. ..تذهبى مع من ..ريم كونى عاقلة ...فى هذا الوقت وماذا عن زوجك " هتف بها سيف بحدة وغضب
" ولماذا لا أستطيع الذهاب ...قلت سأذهب معكما وانتهى الأمر " قالتها وهى ترفع يديها بانتهاء الحديث
أخذ سيف نفسا طويلا ثم أخرجه بضيق قائلا
" أتركها تذهب "
قالها ثم توجه نحو سيارة كاسر قائلا
" فلتقود انت ...لن أخذ سيارتى "
ركب كاسر فى مقعد السائق وسيف بجواره بينما ريم فى الخلف ...أشار كاسر إلى حازم وانطلقتا السيارتين ...قام الأمن بفتح البوابة الكبيرة حتى تخرج السيارتان... وما أن تحركت السيارة فى الطريق قليلا حتى وجدوا سيارة تقترب منهم بسرعة قصوى ...ودارت السيارة فى الطريق حتى استطاعت أن تكون أمامهم بمهارة وسرعة فائقة توقفتا السيارتين فى منتصف الطريق ...
خرج منها السائق بغضب عاصف ووجه متجهم. ...وتوجه نحو مقعد السيارة الخلفى و فتح بابها
" مالك " نطقت بها ريم وهى ترى مالك واقفا أمامها ووجهه محتقن من الغضب
" اخرجى " هتف بها بصوتا قاطع
ارتجفت اوصالها وانتابها الذعر من تعابير وجهه المتوحشة ونظراته التى تكاد تخرج نارا من عيناه لها
مد يده وامسك ذراعها عندما لم يجد استجابة منها وبسرعة سحبها من السيارة بقوة وهو يقول من بين أسنانه وحفيف ينذر بالخطر
"اخرجى "
سحبها خلفه وهو يمسك ذراعها بقوة وقبضة كالفلاذ جعلتها تشعر بالألم ...فتح باب سيارته ...وادخلها إلى داخل السيارة بعنف ...وربط حزامها وانطلق مسرعا وكأنه رجل سباق مخلفا وراءه طيف من ضباب الأتربة
"ما كان هذا " قالها كاسر مشدوها واعين متسعتان من الذهول
" تستحق ما حدث لها ...هيا انطلق " قالها كاسر بصوت خشن... سارت السيارة فى طريقها و سيارة حازم تتبعها الذى كان يشاهد هو الآخر ما حدث بذهول تام ...

ضرب مقود سيارته بغضب غير ابه لنظراتها القلقة والخوف الظاهران فى عينيها ... اشتد بيده على مقود السيارة محاولا التماسك وعدم الصراخ فى وجهها ... اخطاءها أصبحت تكثر يوما بعد يوم معه ... عدم إخباره لذهابها إلى أروى اليوم رغم انه كان بجوارها صباحا فى السيارة وهى تتحدث مع أروى. ...أخبرتها انها ستاتى إليها ...لكن المسمى زوجها لم تخبره او تستأذن منه حتى ...وفوق هذا كله تأخرها كل هذا الوقت ... وجلس كالجرو ينتظرها حتى تأتى لكنها لم تأتى او تتصل حتى ...وعندما طفح الكيل به قرر الذهاب إلى منزل سيف واحضارها. ...ويتفاجى وهو فى الطريق ان زوجته تجلس فى المقعد الخلفى مع سيف و كاسر ...وكأنه لا شئ بالنسبة لها ...لكن لا ...سيضع حدا لكل هذا اليوم تصرفاتها تلك ... سيغيرها لها
ما ان وصلت السيارة أمام المنزل حتى ترجلت منها بسرعة ...ترجل من السيارة لاحقا بها بخطوات سريعة واعين تومض غضبا ...
وما كادت تقترب من باب غرفتها بعد أن صعدت سلالم المنزل راكضة ...حتى وجدته يمسكها من ذراعها وجرها خلفه بقسوة ...دلف بها إلى الغرفة و ما تزال قبضته حول ذراعيها جعلها تتاوه من الألم ...عندما شعر بقسوة قبضته أبعد يده عنها بفتور...
نظرت إليه بوجه محمر وانفاس لاهثة ...فحدق بها بخشونة. ..نظرات أسرت قشعريرة و رعب فى جسدها فهذه أول مرة ترى هذه النظرة ...التى لو كانت تقتل لكانت الآن وقعت صريعة فى مكانها ...
مرر يده على وجهه محاولا ان يمسك زمام نفسه ...
وهتف بحدة وغضب
" اخطاك كثرت يا ريم معى ... ثم اقترب منها وهو يضع يديه على كتفيه مشتد عليهما بقوة المتها ...
لقد تماديتى كثيرا ...اصبحتى تتصرفين وكاننى غير موجود ...وكاننى لست زوجك "
نظرت إليه بقوة مقابلة نظراته الغاضبة لها ...وهى تقول بكبرياءها المعتاد وتنفض ذراعيه عنها ببرود
" أنا لم اخطى. ..لكى تتعامل معى هكذا ...وتابعت باستهزاء... وكفى عن تلك الأسطوانة التى تقولها دائما. ..زوجك. ...زوجك ..."
حدق بها بقوة مشدوها من طريقتها وأسلوبها فى التعامل معه
وقال بهدوء منافى تماما لغضبه الذى يكاد يحرق قلبه " الا تعتقدى انك اخطاتى. ..فاجابته بهزة خفيفة من رأسها ...مرر لسانه على شفتاه وقال بنفس هدوءه ... حسنا لنقول أنك لم تخطئ فى ذهابك إلى صديقتك من دون ان تخبرينى. ..فقاطعته بحدة
" لقد كنت تستمع إلى محادثتى معها وكنت على علم بذهابى... لذا لا تظهر وكأنك زوج مغلوب على أمره "
ارتفع حاجبيه من وقاحتها التى تمادت بها ... واسكتها بنظرته الغاضبة وتابع وهو يصتك على اسنانه ...
" حسنا ..فلنتغاضة عن هذا .. وماذا عن ركوبك وجلوسك مع رجلان ...وهتف وهو يحرك يده فى الهواء بغضب مانعا إياه من التحدث ... حتى وإن كانا أقرباء لك ... وماذا عن المسمى زوجك الذى ينتظرك وكأنك انتى الرجل ...و اقترب منها بانفاس ملتهبة وسألها بنبرة خشنة
" الى أين كنتى ستذهبين معهما ...الطريق لم يكن طريق المنزل "
بلعت ريقها بتوتر وأحمر وجهها خوفا ...وصمتت غير قادرة على إخراج كلمة من فمها ...
فتابع وهو يزمجر كأنه أسد حبيس وامسك مرفقها بقوة
" انطقى ... إلى أين كنتى ستذهبين معهما "
" إلى نور " قالتها بنبرة مهتزة كاهتزازت يديها وجسدها
" الى أين " أمرها بصوت ضعيف مذهولا يحاول استعاب ما نطقت به ...
" نور " نطقتها بحشرجة
ضغطت على شفتاها بقوة محاولة السيطرة على اهتزاز جسدها من الرعب والخوف من نظراته المحدقة بها بذهول
" كنتى... س...تسا..فرين مع...رجلان ...بدون علمى " قالها بذهول وعيناه تكادان تخرجان من مقلتيها
" أنا ...انا ...فقط ...أقسم " قالتها متلعثمة
فقاطعها وهو يزمجر بحدة
" تقسمين. ..انتى ...انتى وصلت بك الجرأة والوقاحة وقلة التهذيب. ..إلى أن تذهبى إلى صديقتك ... والحيوان الذى ينتظرك فى المنزل وكأنه هو الزوجة لا يعلم شيئا... فلماذا تخبريه...انه مجرد أحمق ..لماذا تخبريه إذا "
" كنت ...كنت " قالتها بأعين دامعة وهى تشعر اخيرا بفداحة ما فعلته ...انها حمقاء وخرقاء. ..وقليلة تهذيب كما قال لها ... لكنها كانت ستخبره. ..كانت ستتصل به وتخبره قلقها على نور ..جعلها تنساه ...نعم نسته هى لا تنكر ذلك هى لم تكن تفكر غير فى نور فقط ...
رفع رأسه عاليا وهو يضع كلتا يديه على وجهه ... راقبت تحركاته وهو يتحرك فى الغرفة كالحبيس وهو يمرر يديه على شعره وهو يكاد يقتلعه من مكانه بعد ان ابعد يديه عن وجهه
فاقتربت منه بخطوات بطيئة متعثرة ... ووضعت يدها على ذراعيه لكنه سرعان ما نفضهما عنه بسرعة وفتور ...
فحاولت ان تقول بثبات لكن رغما عنها خرجت كلماتها متحشرجة وهى تكتم دموعها
" أنا ..انا ...ا "
رمقها بقوة وهو يرفع إحدى حاجبيه و هتف بصوتا عالى
" اخرسى. ..وتابع وهو يقترب منها ... ما الذى ستقولينه أيضا لتدافعى عن نفسك به ... ثم أشار إلى نفسه قائلا بسخرية ... انا .. انا المخطئ ..انا من الذى لم أضع حدود لك منذ ان تزوجنا. .. انا المخطئ فى كل هذا وجعلت الباب مفتوحا لكى تفعلى ما تشائين ... لذا ساصحح كل هذا ... وتابع وهو يقول بحفيف قرب أذنيه ... خروج من هذه الغرفة لا ... عمل لا ... ستكونين زوجة فقط " قال كلماته و ابتعد ناظرا إليها بقرف ... تابعته بنظرها بهلع وخوف ...وهو يأخذ مفاتيح الغرفة ...خرج صافعا بابها بقوة ثم سمعت صوت إدارة مفتاح الغرفة... واغلاقه للباب عليها ...
تهاوت على السرير بأعين متسعة ناظرة إلى الفراغ أمامها بصدمة ...و شفتاها تهتزان خوفا مما تحمله الأيام لها

 

شعرت بنور وهاج ياتى لها من بعيد وشخصا ما يقترب منها و يقف أمامها وهى مستلقية لكنها لا تستطيع تبين ملامحه بسبب وجود بعض الضباب حول عيناها ...شعرت بيد حنون تربت على رأسها ...خفق قلبها " انها تعرفها جيدا وصارت تفتقد تلك اللمسة على رأسها " ...رفعت رأسها تتطلع لذلك الواقف أمامها ...الذى كان مصدر قوتها ومصدر امانها. ..وقد باتت خاءرة القوة ضعيفة تفتقد إلى الأمان والحنان من بعده ...زمت شفتاها وعيناها امتلأت بالدموع من كتمها لها ... سقطت دموعها بدون إرادة منها حارة على وجنتيها ...تريد أن تبكى ...وربما تصرخ وتمسك به وتخبره ألا يتركها ...
نظر إليها بحنان افتقدته منذ رحيله عنها وقال وهو يمسح دموعها
" لم تبكين الآن ...ألم أقل لك عليك أن تكونى قوية يا نور "
" كيف أكون قوية وأنت بعيد عنى ...كيف وأنت لم تعد بجوارى " قالتها بألم فى نفسها تمنت أن تصرخ بها شفتاها ...لكن بشفاه مهتزة واعين باكية نطقت
" أنا أتألم ...بعدك عنى وتركك لى جعلنى وحيدة ومتالمة ...أنهم ..."
قاطعها وهو يضع إصبع على فمها قائلا بنبرة أبوية دافئة
" انتى لست وحيدة ...هناك عمتك ...و اصدقائى لن يتركوك صغيرتى...اتبعى قلبك وستجدين الأمان "
شعرت به يبتعد و رائحته تختفى مع انقشاع الضباب ...أرادت الصراخ وهى تغلق عيناها بقوة ...لكن يد ما ظلت تهزها برفق ... ثم تواصل ذلك الهز مرة اخرى ...حتى استيقظت بأعين متسعة فزعة ...وعمتها تقف قبالتها والحزن جلى على وجهها ... جلست بجوارها وضمتها إلى صدرها قائلة بهلع وحزن و دموعها تسقط باشفاق على ابنة أخيها الوحيدة
" ماذا بك يا صغيرتى ...طمانينى عليك ...قلبى يتألم لالمك ...تكلمى يا نور ...انا بجوارك ... انا بجوارك يا صغيرتى "
فى تلك اللحظة علمت أن ما شعرت به وما رأته لم يكن سوى حلما وأن والدها لم يعد موجودا ... شعرت بألم الفقد والحرمان...شعرت بأنها محطمة ...فتشبثت بها نور بيديها وهى تقول ببكاء يقطع نياط القلب
" نعم انتى بجوارى ...لا تتركينى. ..أبى ...أبى تركنى...مات "
ضمتها هيام إليها أكثر وبدأت تربت على رأسها بيديها تحاول تهدءتها رغم أن دموعها هى الأخرى سقطت بدون إرادة منها
" انتى أقوى من هذا ... جميعنا سنموت ..أريدك متماسكة قوية يا نور .. لا تضعفى "
فقالت ببكاء ونبرة مهتزة وهى تدفن وجهها فى صدر عمتها
" أبى تركنى. .. ياسين لم يعد موجودا بجوارى ... أبى تركنى ... لماذا انا وحيدة ... لماذا من احبهم يتركونى ويرحلون. ..لماذا "
حاولت تهداتها بنبرة حانية وهى تطبع قبلة على شعرها " انا معك ...انا معك لن اتركك يا نور"
جلست لما يقرب النصف ساعة تقراء لها بعض آيات القرآن ... حتى هدأت ونامت

تنهد بقوة وهو يراقب تحرك مياه النهر أمامه ... وكأنه بهذه التنهيدة استطاع أن يخرج همه وضيقه الذى على قلبه فظهرت شبه ابتسامة على وجهه فهو لم يعد يعرف معنى الابتسام منذ زمن ...يشعر بمسؤولية كبيرة على عاتقه ...والدته من ناحية ...واخاه وليد من ناحية ...و نور ابنة خاله من ناحية أخرى ...
منذ ان توفى والده وهو فى ذلك الوقت شعر بأنه أكبر من عمره الذى لا يتجاوز الستة أعوام ...مسئول عن والدته وعن أخيه ... منذ ان كان صغيرا وهو يرى ابتزاز خاله لوالدته التى أعطته ما كانت تملكه وما تركه لهم والدهم شيئا فشيئا فقط من أجل أن تستطيع ان تعيش فى كنفه وتربية أولادها ...أخذ منها ما ورثته عن والدها ... بالإضافة إلى المنزل الوحيد الذى تركه لهم والده قبل وفاته ...وانتقلوا إلى منزل خاله عزيز بعد أن اقنعها ببيعه بسعر زهيد للغاية ...واهما إياها انها لم تعد بحاجة إلى هذا المنزل وتستطيع الجلوس معه فى منزله حتى تستطيع رعاية والاهتمام بابناها بعيدا عن اى طامع. ...كما انه اقنعها بأن أخوات زوجها يرغبون فى الحصول على ما تملك ويطمعون به ...فأصبحت تعاديهم وتمنعهم من رؤية طفليها ... ورغبة فى عدم إثارة المشاكل اقنطوا لقرارها ولم يعد لهم اى علاقة باى شخص من عائلة والده ...
جلس على صخرة كبيرة كانت أمام النهر ... وسند بذقنه على يد عصاه العاجية الشئ الوحيد الذى ورثه من والده ...هذه ما بقيت له ...مجرد أثر... رغم انه لا يحتاج إليها لكنه ما ان يمسكها بين أصابعه حتى يشعر بقوة وهيبة غريبة تجعله أكبر من عمره ...
حدق خالد بأعين شاردة أمامه ... وهو يفكر فى كلام والدته له منذ عدة ايام ... أولها كان ان يتزوج نور ... لكنه لم يشعر نحوها بما يجب ان يشعره الرجل نحو امرأة من المحتمل أن تكون زوجته ...بل شعر فقط بمشاعر قوية من الحماية والدفاع عنها ...مجرد مشاعر أخوية ...وربما واجب نحوها ...لانه بنفسه رأى ضعفها وكأنها امرأة هشة قابلة للكسر فى اى وقت ... لذلك نفض فكرة الزواج تلك منها بعيدا عن رأسه ...و عندما أتى ذلك ال حازم لطلب يدها شعر براحة نحوه رغم نظراته التى كانت تكاد تتاكل ابنة خاله ... بحث حتى علم عنه كل شى ...فوجد سيرته كما يقولون لا يوجد عليها غبار ... ناجح فى عمله ...من عائلة مرموقة ...و فوق كل هذا والده كان صديق لخاله ياسين ...إذا هو لن يفرط بها او يهملها او يهينها يوما ... اتخذ قراره وسيتصل بحازم ويحدد معه موعد لياتى إليه ويحددوا كل شئ. ..فهو لن يستطيع حماية نور لوقتا طويل من يدى خاله وابن خاله ...
تنهد بضعف وهو يتساءل فى نفسه وماذا عنك يا خالد الن تجد من ستخطف قلبك ام انك ستظل هكذا ...وحيد ..الن تأتى من تخفف عنك وتقف بجوارك ...أخذ نفسا طويلا ثم زفره بقوة ...وهو ما زال على جلسته فقد أصبح هذا المكان ...مكانه السرى الذى يحاول فيه الابتعاد عن ما يؤرق نومه ...لكن مهما فعل يبدو أن الأفكار ستظل ملازمة له

 

الجزء الثالث

عم الصمت والسكون أرجاء الغرفة الكبيرة فى منزل عزيز المنشاوي ... و ابنه رابح يحدق بشر إلى ذلك الجالس أمامه ... بينما حازم يحاول إبعاد الضيق عنه و إمساك زمام نفسه حتى لا يقوم بخنق ذلك المدعو رابح ...
"يحلم ان كان يعتقد بأنه يستطيع الحصول على نور ...هى له وله فقط ...لن يسمح لأحد لا باذيتها او الاقتراب منها " قالها حازم فى نفسه
سيف يجلس على الكرسى بارياحية كبيرة وصامت بينما كاسر يجلس على الكرسى الآخر الذى بجواره يراقب نظرات رابح لحازم التى تكاد تقتله والآخر لم يصمت له بل كان يرسل له نظرات أكثر شرا
"أهلا ...أهلا وسهلا "
هتف بها عزيز بسرور ما ان دلف إلى الغرفة وعلم بقدوم كلا من سيف و كاسر إليه ...فى البداية تعجب من حضور حفيد سليمان الحسينى "سيف " فى هذا الوقت ...لكنه نفض هذه الأفكار وفضل الدخول إليهم مع ابتسامة واسعة على ثغره
حياهم ورحب بهم بسرور بالغ ... وجلس قبالتهم منتظر اعلانهم عن سبب حضورهم ...
استهل كاسر الحديث عن العمل وعن ارتفاع الأسهم والمعادن والذهب فى السوق ... واندمج معه الجميع...فبدا سيف بالتحدث عن المصنع والمشاريع الجديدة التى تفكر عائلة الحسينى إقامتها فى هذه البلدة بالذات وأنهم سيبداو بها ما أن يعود جده سليمان الحسينى ... استمر الحديث عن هذه المشاريع لأكثر من نصف ساعة حتى تافف سيف بخفوت وهو ينظر إلى ساعته
وبدأ حديثه بصوتا خشن وعملية مطلقة
" حسنا ...حاج عزيز تحدثنا عن العمل كثيرا ...لكن الحقيقة نحن لم ناتى كل هذا الطريق للحديث عن العمل "
انتبه له الجالسين وحدقوا به بتركيز وتابع
" لقد أتينا لنعرف ما هو ردكم على طلب حازم" قالها ثم صمت ...وصمت معه الجميع منتظرين رد عزيز المنشاوى
تصلب عزيز المنشاوى فى مكانه وعندما طال صمته
نطق كاسر بهدوء تام وتعابير حاول جعلها هادئة
" أظن انك لن تجد رجلا مثل حازم السيوفى زوجا لابنة أخيك الوحيدة ... اعرف مدى ان تكون مسءولا عن فتاة تهتم لمصلحتها...وتفكر فقط ان تعطيها للشخص الذى سيحافظ عليها و يستحقها فعلا ...ولا أظن أن هناك أحد يقول لا لعائلة السيوفى ... عائلة عرف عنها احترامها وتقديرها للجميع "
ثم تابع بابتسامة عملية مصطنعة
" وكم سيكون راءعا ان نكون على ارتباط وثيق من خلال النسب والعمل ..ما رأيك سيد رابح ...هل تختلف معى فى شئ أعتقد أن ابنة عمك هى بالنسبة لك أخت ...والاخ بالطبع سيبحث عن مصلحة أخته ام إننى مخطئ "
قالها كاسر وهو ينظر إلى رابح ...الذى تصلب فى مكانه وحدق به بقوة يحاول بلع ريقه لكن فمه كان جافا...
فنطق رابح اخيرا بوجه متجهم ومكفهر غضبا وبكل عنجهية
" لقد سبق و أخبرنا ردنا للسيد مراد وللسيد سليم والد السيد "
قالها مشيرا إلى سيف بطرف إصبعه ...فحدق به سيف ...واعتدل فى جلسته قائلا بحدة لم يخغيها
" ونحن أتينا لنسمع رد آخر ...لا نتمنى أن يكون لا ...لانه حينها فلتتحملوا عواقب من يقول لا لعائلة السيوفى "
هتف سيف بكلماته بتكبر واضح ووضع قدم فوق الاخرى بغرور
جعل رابح يصتك على اسنانه شاعرا بالمهانة والصغر أمام ذلك السيف ...
" ما الذى تقصده بالعواقب "
هتف بها الحاج عزيز متسائلا بحدة
حاول كاسر تهدئة الأمور رغم أن بداخله يرقص لكلمات سيف لكن كما يقولون لا يجب على الجميع ان يكون متسامحا و هادئا. ..وهو سعد لأن سيف هو من تكلم بهذه الطريقة فهذا العزيز وابنه لن ياتى معهم غير التهديد ...و لكنه بصفته الأكبر هنا بالإضافة انه لا ينيغى ان يتمادى هو الآخر مثل سيف فعليه أن يتحدث بطريقة دبلوماسية وعملية حتى لا يخروجوا من هذا المنزل خاليين الوفاض ... وحينها حازم لن يصمت فبرغم بروده وجفاءه الخارجى هذا إلا انه يشعر بأن حازم يخفى شئ وراء هاتان العينان الباردتان وذلك الوجه الذى لا يعبر عن شئ ... وسيف لكى يثبت انه لم يهان او تم كسر كلمته سيفعل اى شى سواء كان مشروعا او غير مشروع حتى يجعل ذلك الرجل هو وابنه واقفين أمامه بخشوع موافقين على ما أتى من أجله ويرجوه ان يوافق هو على ذلك وحينها ستتسع ابتسامته ويزداد غروره أكثر ...
فقال بهدوء تام
" حاج عزيز ...سيف بالتأكيد لم يقصد ذلك ...لكن ان تقول لعائلة السيوفى لا بدون سبب مقنع فبالطبع هو ليس شى جيدا "
" من هذا الذى لم يقصد بل انا اقصد كل كلمة نطقت بها ... وربما هى قليلة عما سأقوم بفعله ان خرجت من هذا المنزل من دون رد أريده واتيت من أجله ...و سيكون أول رد لى انا الآخر هو لا يوجد مشاريع بينك وبين عائلة الحسينى ...من يعادى عائلة السيوفى سيكون عدو لنا ...هل فهمت حاج عزيز " هتف بها سيف حانقا وهو يهم واقفا من مكانه مطل عليهم بطوله الفارع ...جاعلا إياهم يشعرون بمدى هيبة ذلك الرجل
" هل تقوم بالتهديد فى بيتنا سيد سيف ... لا اظن انه من غير الاءق الصراخ فى بيوت الآخرين "
هتف بها خالد بحدة ممزوجة بغضب ما ان سمع صوت سيف المهدد والعالى وكأنه يهدد خاله بقطع رزقه ...فمهما كان خاله جشع ...طامع ...إلا انه سيظل خاله وحق عليه ان يقف أمام اى شخص سيتمادى معه ناسيا فرق السن الذى بينهما لمجرد انه من عائلة كبيرة ... تعلم الا يحترم من هو أكبر منه ويتمادى فى وقاحته معه
" خالد ..خالد ..اشتقت حقا لرؤيتك. ..أين كنت يا رجل ...لم أرك منذ زمن "
قالها كاسر بسرور محاولا التخفيف من حدة الموقف ... وإبعاد خالد عن مرمى سيف الذى يكاد يقفز عليه ويمزقه بانيابه
" بالطبع سيف ...لم يقصد لقد فقط ...نحن كنا نتناقش "
قالها كاسر بارتباك محاولا تجميع جملة مفيدة
" بالصوت العالى " قالها خالد مستهزا
مرر حازم يده على وجهه وهو يتافف بضيق وغضب واضح على ملامحه وقد وصل به الصبر إلى منتهاه ...
"ما كان يجب ان أحضر هؤلاء الحمقى معى ...كان يجب ان أتصرف انا بالطريقة التى توصلت إليها ...حسنا ...حسنا لا مشكلة ...لقد حان وقت تدخلى " قالها حازم فى نفسه
" سيد عزيز ...ارجو ان نتحدث قليلا ...على انفراد " قالها حازم بهدوء مطلق بعد ان خرج اخيرا عن صمته
اؤما الحج عزيز رأسه موافقا وأشار بيده لحازم حتى يتبعه حيث مكتبه ... خرج حازم من الغرفة بهدوء ...وكل من فى الغرفة يحدق به بتساؤل ...
جلس الحاج عزيز على كرسى مكتبه بهدوء منتظرا ما سيفضى به ذلك الفتى هو الآخر ... حازم كان واقفا بثبات وعيناه الباردتان السوداوان تنظر إليه باتزان ...اقترب من مكان جلوسه وأخرج بهدوء بعض الأوراق من حقيبة عمله السوداء ...ووضعها على المكتب أمام الحاج عزيز ...
الذى قال بتساءل
"ما هذه الأوراق "
" بعض الأوراق أتمنى أن تقرأها بهدوء ... ثم تابع وهو يتقدم من الكرسى المقابل ويجلس عليه ...ساجلس هنا حتى تخبرنى ما هو ردك "
وما كاد يقراء الحاج عزيز أول ورقة حتى أمسك بها بيد مهتزة واعين متسعتان ووجه متجهم... رفع رأسه إلى حازم وحدق به برعب قائلا فى نفسه
" كيف استطاع التوصل إلى هذا "
لكن رغما عنه خرجت كلماته من فمه مهتزة لا تخلو من الخوف
ظهرت شبه ابتسامة على وجه حازم قائلا بغرور
" ما أمامك الآن مجرد القليل مما توصلت إليه ... من ابتزاز ...رشوة ...و حصولك على العديد من الأراضى بطريقة غير صحيحة ... وكان آخرها بناء أحد المصانع بدون اى تصريح و على أرض زراعية ... وكما قلت لك هذا القليل فقط مما فعلته ... بالإضافة إلى ما فعله ابنك ...نظر إليه بنصف عين قائلا بخفوت ...سمعت انه يذهب إلى أحد بيوت فتيات الليل ...هل تريد المزيد ..."
قال كلماته بسرعة وعملية ...وما ان إنتهى حتى حدق به بقوة ...منتظرا رده
صمت ...صمت رنان انتشر فى الغرفة ...وقف حازم بعيدا عن كرسيه وقال بلهجة لا تخلو من التهديد
" أظن انك سمعت عن والدى مراد السيوفى جيدا اشتهر بمهارته الفائقة فى كسب قضاياه ...وكما يقولون الابن مثل أبيه ... لكنى للأسف لست مثل والدى بل انا أسوء منه ...حدق به بعيناه السودوان وتابع بحفيف ينذر بالخطر ...أن وضعتك فى رأسى لن تخرج منها ابدا سالما سأكون لك غراب ...لم يجلب لك غير النحس بدخوله إليك ...وخروجه من منزلك غاضبا ...حينها سأفعل انا ما أشاء ... وستكون نهايتك هى السجن ...وفى النهاية سأكون انا الرابح ...وما لم ترضى عليه بهدوء وعقلانية ... لن أحتاج لموافقتك له بعد ذلك ... أما أن تكسبنى فى هذه اللحظة او تخسرنى للأبد وحينها سأكون عدو لك "
حاول الحاج عزيز الثبات فى مكانه وقال رغم شعوره بالخوف الذى اجتاح جسده وقال بنبرة مهتزة مرتبكة
" هل تقوم بتهديدى "
"تهديد ...ابتزاز ...سميه ما شءت ... قالها وهو يهز رأسه بغرور ...وتابع ... أول شخص سيدير ظهره لك هى عائلة الحسينى ...فبالطبع انت تعرف النسب الذى بيننا وبينهم ... وحينها لن يكون الأمر خيرا ابدا "
" ما الذى تريده "
قالها عزيز وهو يخفض رأسه بخضوع لا يليق برجل حمل الكثير من الكبرياء والقسوة فى قلبه ...
" ما طلبته سابقا ...نور" قالها بانفاس مضطربة ما ان نطق باسمها
" حسنا ...لكن الأوراق ...ماذا عنها " نطق بها عزيز بقنوط
ظهرت شبه ابتسامة ساخرة على وجه حازم ...وقال بصوت عميق
" لن يعلم أحد عنها شئ. ...ثم تابع بهدوء ...و قبل أن أخرج من هنا ... اعطيكم أسبوع حتى تستطيعوا التجهيز لحفل الزفاف جيدا ... ووالدى سياتى إليك غدا حتى تتفقا على كل شئ"
قالها ثم خرج من الغرفة بكل عنفوان وابتسامة انتصار على وجهه ...لكنها سرعان ما اختفت ليحل محلها عبوس وضيق ...مفكرا فيما هو اتا
وقف كل من فى غرفة الصالون فى منزل عزيز المنشاوي ما ان شاهدو دلوف حازم إلى الغرفة
قائلا بنبرة خشنة
" لقد انتهى الأمر هيا بنا "
قالها باقتضاب وكانه يصدر التعليمات ثم خرج من الغرفة ...تبعه كلا من سيف الذى ظهر الضيق جلى على ملامح وجهه...و كاسر الذى شعر ببعض الفضول فى نفسه عما حدث داخل تلك الغرفة
وقف الثلاثة أمام سيارة حازم ...
" ماذا هل حل الأمر "
هتف بها كاسر بسرعة ...وسيف يحدق بحازم بنصف عين وقلة صبر
" نعم تم حل كل شئ ...والزفاف خلال أسبوع "
" ماذا " هتف بها كاسر بنبرة لا تخلو من التعجب ...
فقاطعه سيف بغرور تام هاتفا
" بالطبع سيوافق وهل يجرؤ على الرفض بعد ان أتيت إليه بنفسى ...يعلم جيدا انه لن يستطيع الوقوف أمامى "
تنهد حازم بابتسامة جانبية ...فقال كاسر بهدوء
" كيف حدث الأمر ...فقط ما الذى قلته لذلك الرجل جعله يوافق "
" انها اساليبى الخاصة فقط "
هتف بها حازم بانتصار
" انظر... تبا لذلك الرجل الذى يقول أساليب ...لم يوافق إلا بسببى"
قالها سيف بغضب وتذمر
مرر حازم يده على وجهه وقال بعد ان أخذ نفسا
" نعم ..هو بسببك "
" إذا تم دفع الدين " قالها سيف
" نعم ...تم " رد عليه حازم وهو يهز رأسه
" حسنا ..إذا كان هكذا ..حان وقت ان أخذ حقى انا الآخر "
قالها بهدوء وهو يرجع برأسه للوراء ثم ضرب بجبهت رأسه جبهة رأس حازم جاعلا الأخير يتراجع للوراء بترنح ما ان أخذ الضربة ... وضع حازم يده بآلية على جبهته ...واصتك على اسنانه غضبا ...وما ان كاد يقترب من سيف ...حتى اوقفه كاسر ناهرا إياه بقوة
" حسنا ...اهدأ ...ثم نظر إلى سيف بحدة قائلا ...وأنت هل جننت ...أين تعتقد نفسك "
" هكذا تعادلنا...رغم إننى لم تطفئ نارى بعد ... قالها ثم ابتعد عنهم ...وقال وهو يرفع يديه ما ان اقترب من سيارة كاسر ... هيا بسرعة لا وقت لدى لكما "
قالها ثم صعد إلى السيارة ...
"حازم ..هل انت بخير " سأله كاسر
" بخير ..بخير ...ما زال حقودا كما هو ...لم ينسى ما حدث سابقا "
قالها حازم ببرود محاولا الهدوء
" انت تعرفه لا يترك حق له مهما طال الزمن "قالها كاسر
" اعرف ..ما زال قلبه اسود ... وكما يقول جده لن يعرف يوما عدوه من حبيبه ... إلى اللقاء "
قالها حازم وهو يربت على كتف كاسر وصعد سيارته
وقف كاسر بتصلب حتى انطلق حازم بسيارته ... غير ابه لمن كانا معه ...
فاقترب من سيارته وانطلق هو الآخر ...

 

نزلت السلالم الداخلية للمنزل بسرعة وهى تحكم لف حجابها حول رأسها شعرت بالاضطراب والخوف ما أن وجدت اخاها عزيز يجلس على أحد الكراسى ...و خالد واقفا ...و ابناءه الثلاثة مجتمعون
"خير ...يا أخى ..خير " هتفت بها هيام
"لا تقلقى يا هيام ...لا شئ ...فقط أردت ان اقول لك شيئا هاما " قالها عزيز بنبرة جادة جعلت أخته تنظر إليه بتركيز فتابع
" بالطبع انتى استمعتى إلى طلب حازم للزواج بنور ...وأنا وافقت على أمر زواجهما وسيتم الزفاف خلال أسبوع "
"أسبوع "نطقتها الحاجة هيام بدهشة ثم تابعت بهدوء
" أسبوع ..نور ليست بخير حالتها سيئة وهى ليست مستعدة للزواج الآن ...بالإضافة ان أسبوع لن يكفى لتحضير كل شى "
" يا حاجة ...لا شأن لى بكل هذا لقد أعطيت كلمة للرجل وانتهى الأمر " قالها ثم ابتعد عن كرسيه
متابعا بهدوء ..." أن احتجتى لأى شئ اخبرى خالد بها .."
نطق بكلماته ثم تحرك مبتعدا عنهم ...وكل من فى الغرفة مندهشا ومدهوشا لسماعه هذا الخبر ... فى حين ركض رابح وراء والده
قائلا بغضب ما ان دلف للغرفة خلفه غالقا بابها خلفه بأحكام
" ما هذا يا أبى ...كيف توافق ..نور لى ...انا من ساتزوجها " قالها بغضب لم يستطع اخفاءه أمام والده نهره والده بنظرة منه وقال بحدة هو الآخر
" لقد انتهى الأمر ..ونور ستتزوج بابن مراد السيوفى ...الفتى لا نستطيع الوقوف أمامه ... لذا لا تتحدث عن هذا الأمر مرة أخرى ...الفتاة لن تكون لك ... انساها "
وقف رابح محدقا بوالده " ما الذى تقصده "
" حازم معه أوراق تستطيع جعلنا نذهب وراء الشمس ...ونحن لن نستطيع الوقوف أمامه ...لذلك أصمت ولا تتحدث عن نور مرة أخرى ...فيبدو أن تلك الفتاة لم تكن لك يوما " قالها بغضب
ثم تابع بتحذير " وإياك ان تتصرف اى تصرف متهور او أحمق أمام هذا الزواج ...ذلك الحازم ليس سهلا "
بلع رابح ريقه بخوف ثم خرج من الغرفة وهو يجر اذيال الخيبة وراءه
...
" ما هذا الذى يقوله خالك يا خالد ... زواج والفتاة فى مثل تلك الحالة يا بنى " قالتها هيام بحزن
" هذا أفضل يا أمى ...أفضل لها أن تخرج من هذا المنزل ...انا كنت أفكر بالفعل فى الاتصال به واخباره أن ياتى ونتصرف حتى يستطيع الزواج منها ...لكنه أتى قبل ان أفعل كل هذا ...لكن هناك شيئا ما ...لا أعلم ..خالى وافق على الزواج ما ان تحدث معه حازم ..هناك شيئا ما ...قالها بتساءل. ..ثم تابع وهو يضع يديه على كتف والدته ...عليكى ان تكونى بجوارها ...و هياى لها أمر الزواج هذا بسرعة ...وإن احتجتى لأى شى اخبرينى " قالها ثم ابتسم لوالدته بخفوت
فهزت الحاجة هيام رأسها بقلة حيلة ...

 

انتصبت جالسة على السرير ما ان سمعت صوت مفتاح الباب يدار ...تبعها صوت إدارة مقبض الباب ودلوفه إلى الغرفة بهيئة متعبة ووجه مرهق ...تأخر لأكثر من ثلاث ساعات فى الخارج ولا تعلم إلى أين ذهب ...فالقت بجسدها على السرير ما ان خرج وتركها وهى تبكى بحرقة وألم ... تعلم انها أخطأت لكن طريقته وأسلوبه مختلف ... فلأول مرة يكون جارحا معها بتلك الطريقة ..فلطالما كان صبورا ومتمهلا فى التعامل معها ...شعرت بحزن و كآبة وهى تنتظر حضوره ...لكنه تأخر ولم ياتى إلا الآن ...
راقبت دخوله إلى الحمام بأعين ذابلة من البكاء ...
جلست على السرير وهى تضم قدميها وتحتضنها بذراعيها... وهى تفكر عما يجب ان تفعله ...هل سيتعامل معها بغضب هكذا دائما لمجرد انها أخطأت خطأ صغير لم تقصده ...لكن بالطبع كيف يسامح ...ويهين رجولته ..فهو رجل ...حتى وإن ظل صامتا و هادئا. .فبالتأكيد سياتى يوما حتى يخرج عن هدوءه هذا ويريها كم ان فعلا نظرتها للرجال لم تكن مخطئة فجميعهم مستبدين و انانين. ..حتى وإن أظهر لها كم هو يعشقها...فسيظل دائما يظهر قوته وهمجيته عليها ...لقد كانت مخطئة عندما اعتقدت فى لحظة ما انه مختلف عن جميع الرجال وأنه حقا يحبها ...ولكن ها هو يثبت العكس بحبسها ...وربما المرة القادمة سيقوم بضربها ... ويعاملها كأنها أمينة وهو سى السيد ...الذى يجب ان يأمر هو فتنفذ هى بدون ان تنبس ببنت شفه و بطاعة مطلقة ...لكن لا ..لن تسمح له ...لن تجعل شخصا مثله يقف أمام مستقبلها وعملها لن تجعله يبعدها عن عملها الذى حاربت من أجل الوصول إليه ...لكن لا ..وألف لا لن يقف أحد أمامها ...هى لم تعد صغيرة ..حتى يامرها أحد ...هى بالذكاء والتعقل حتى يمكنها أن تعرف ما هو صواب وما هو خطأ...
خرج من الحمام بعد ان بدل ملابسه ببنطال من القماش و تى شيرت ... انزلق بجانبها على السرير وسحب الغطاء عليه و وضع رأسه على الوسادة معطيا ظهره لها بعد أن اغلق ضوء المصباح الصغير بجواره على الكومود ...
احتقن وجهها من الغضب وهى تنظر إلى ظهره...شعر بنظراتها لظهره وهى تكاد تخترق جسده لكنه لم يهتم وأغلق عيناه محاولا النوم ونسيان ما فعلته اليوم به وكأنه ليس زوجها ...
انتصبت جالسة على السرير وفردت قدميها وهما تهزهما بعصبية وغضب ...اصتك على اسنانه من فعلتها فهم جالسا على السرير قائلا بحدة
" كفى عن أفعالك الصيبيانية تلك ...ونامى مثل البشر بهدوء "
حدقت به بأعين ثاقبة وهى تضم فمها باحتقان ثم أبعدت وجهها عنه وظلت تهز قدميها بعصبية ...
فلوى فمه مفكرا ... وتنهدت بقوة ثم وضع رأسه مرة أخرى على الوسادة ونام ...اشتعلت هى أكثر من تصرفه وبدون تفكير ...ابتعدت عن السرير وقامت باضاءة جميع مصابيح الغرفة جميعها حتى المصباح الصغير الذى بجواره اضاءته...
هم جالسا على السرير وهو يمرر يديه على وجهه وشعره قائلا بزمجرة وهو يصتك على اسنانه
" ما الذى تريدينه يا ريم فى هذه الساعة ...نامى واجعلى ليلتك تمر على خير "
وضعت يديها فى خصرها وهتفت بعناد
" ومن قال لك إننى أريدها أن تمر على خير ...بل أريدها سوداء عليك اليوم بعد ما فعلته و نطقت به "
هز رأسه وقال بخفوت واستهجان
" انا ...انا من فعلت ...انا من ذهبت ولم أخبر أحد إلى أين سأذهب ...انا من تكلمت بوقاحة ..ثم تابع بهدوء ...نامى يا ريم أفضل لك "
"لا ..لن أنام ..انا لم اخطى " قالتها ببجاحة جعلته يحدق اليها بنظرة ثاقبة لا تخلو من الغضب وهتف
" لم تخطئ ...بعد كل هذا وانتى لستى مخطئة "
قاطعته بحدة
" نعم ..انا لم اخطى ..أنت من كنت تريد أن تفرض على سيطرتك الذكورية تلك ..لكى تشعرنى بأننى ضعيفة أمامك ولن أستطيع الدفاع عن نفسى ...او أقول لك لا ...لكن لا ..يا سيد مالك ..انا اقول لك لا والآن ...ولكى لا نتعب مع بعضنا ..أفضل لنا الانفصال "
" ماذا؟! " هتف بها بحدة وغضب وهو يهم مبتعدا عن السرير ...وفى لحظة أمسك برسغها بقوة قائلا بحفيف قرب اذنيها ...
" اياكى. ..ثم اياكى ان تنطقى مثل هذه التفاهات مرة أخرى ...أما بالنسبة لعدم خروجك من هذه الغرفة ...فهذا فعلا ما سيحدث ...ستبقين هنا ...أشار بيده فى الغرفة حوله وهو ما زال ممسكا برسغها ...ولن تخرجى منها إلا عندما تتعلمى كيف تتعاملى مع زوجك و تحترميه جيدا "
اهتزت مقلتا عيناها رعبا ... حاولت التكلم لكنها لم تستطع ... ترك يديها و دار بجسده نحو السرير و رفع الغطاء وجلس على الطرف السرير محدقا بها بحدة
" هيا نامى " لم تتحرك من مكانها من الصدمة والخوف فاعاد كلامه بصوتا عالى جعلها تنتفض وتنزلق على السرير بسرعة معطية ظهرها له ومنكمشة فى مكانها ...راقبها لثوانى ثم نام هو الآخر ...ظلا لدقائق صامتان وما ان شعر بأنها قد نامت حتى أغلق عيناه محاولا النوم هو الآخر ...لكنه سرعان ما فتح عيناه وهو يسمع لصوت تشنجاتها وبكاءها الخافت
اقترب منها حتى وضع يده على ذراعها قائلا برعب
" ريم هل تبكين "
لم يسمع غير انينها ...فادارها إليه ولكنه وجدها تضع يدها على وجهها وتهتز من كثرة بكاءها ...حاول إبعاد يدها حتى رأى وجهها المنتفخ من كثرة البكاء وجسدها يرتجف ... حاول أن يقربها إليه لكنها منعته وهى تقول ببكاء
" أنا ..انا ..أكرهك ...أنت لا تحبنى. ..لست صبور معى ..انا أكرهك "
تنهد بضيق وهو يلعن بخفوت ...ثم بقوة قربها إليها واحتضنها بتملك وهو يمرر أصابعه على وجهها ماسحا دموعها التى جرحته وجرحت رجولته ...فرغم فعلتها الحمقاء تلك معه إلا انه لم يشعر بهذا الوجع الذى يشعر به الآن وهو يراها تبكى ... وهو سبب بكاءها ...
" تبا ...حقا أنا أحمق كبير ...كيف أجرؤ على بكاءك. ..سامحينى. ..سامحينى ولا تبكى " قالها وهو يحاول أن يقربها إلى صدره أكثر ...ولكنها ظلت تتململ بين يديه وهى تقول بصوت مبحوح من أثر البكاء
"أنا اكرهك .. لماذا تتعامل معى هكذا ...لست صبورا او حنون معى " قالتها بعد ان استكانت اخيرا على صدره وما زال على وجنتيها وفى عيناها الحمراوان بعض آثار الدموع. ...
ابتسم بخفوت وقربها أكثر قائلا وهو يستنشق رائحة شعرها
" الحنون لا يقسو إلا عندما يغار ...وأنا شعرت بالغيرة... كانت تتاكلنى ...عندما رأيت زوجتى تركب مع رجلان فى سيارة ...كدت اجن ...وكادت الدماء ان تغلى فى عروقى... سميه تملك ...غيرة ... جنون ...سميه ما تريديه...لا أعرف ...سوى انى أعشقك منذ ان رأيتك ...فهذا خفق فقط من أجلك انتى " قالها فجعلها ترفع رأسها إليه وتحدق له باندهاش وهى تشعر بخفقات قلبها التى تكاد تتقافز خارج جسدها من هول ما تشعر به الآن ...ابتسم لها ثم بدأ بطبع قبلات عديدة بداية من عيناها ثم وجنتيها ... ثم أمسك بيدها وطبع قبلة طويلة على أصابعها ...أغلقت عيناها وطوقت يديها حول خصره ...ولأول مرة تنام وهى تشعر براحة وأمان غريبان عليها
ابتسم وهو يراقب ملامح وجهها المحببة إليه ...تنهد بقوة وهو يفكر ...بأن زوجته لم تكن يوما نمرة ذات كبرياء وعنفوان او متمردة بل هى فقط ...طفلة صغيرة تحتاج إلى الحنان وصبر طويل حتى يستطيع أن يفهمها حقا أنه يحبها ..

 

صعد درجات السلم الداخلية بثبات بعد ان قام كاسر بتوصيله وذهب ... وما ان اقترب من باب غرفته حتى وجد عمته تخرج من الغرفة قائلة بابتسامة
" جيد انك أتيت... يجب ان اذهب الآن ...هل تريد أن تأكل قبل أن اذهب "
هز رأسه ثم قال بخفوت
" لا ...لكن لماذا ستذهبين نامى هنا "
" لا يجب ان اذهب "
" حسنا ...هيا ساوصلك "
" لا ..لا داعى السائق بالسيارة ينتظرانى بالخارج ...ثم تابع كلامه وهى تربت على كتفه ...اذهب أنت إلى النوم ...وأنا ساتى غدا...تصبح على خير " قالتها ثم بدأت فى نزول درجات السلم
ما ان دخل إلى الغرفة حتى أبعد عنه وشاحه الصوفى ثم سترة بذلته ...نظر إلى ناحية السرير وجدها مستلقية على السرير وساندة بظهرها على ظهر السرير وفى يدها أحد الكتب ...حدق إليه فوجده عليه أحد صور الأطفال ...ابتسم بخفوت ثم اقترب منها قائلا
" والدتك ذهبت ..ألم يكن يجب ان تبقى "
أبعدت أروى نظرها عن صفحة الكتاب وقالت بهدوء
" والدتى هكذا ...لا تحب أن تبيت عند أحد "
اؤما برأسه ...ثم قال وهو يجلس على السرير محاولا جذب الحديث معها
"ماذا تقراين "
تنهدت ثم قالت بهدوء
"كتاب يشمل كل شى عن الأطفال منذ ان كان جنينا حتى سن الخامسة "
اؤما برأسه
" إذا ..هو جيد "
"رائع "قالتها وعيناها تلمعان بسرور
" انتى ونور أصدقاء أليس كذلك " سألها
أغلقت الكتاب ثم وضعته على الكومود بجوارها قائلة بتساؤل
" نعم هل هناك شئ "
" لا ...فقط هى ستتزوج " قالها وهو يهم بخلع حذائه
" ماذا " هتفت بها بدهشة
" لم يعلم أحد بعد ...لكن انا كنت عند عمها وقمنا بخطبتها لحازم السيوفى "
" حازم ...كيف ومتى " قالتها وفمها مفتوحا من الدهشة
"الزفاف أيضا سيكون خلال أسبوع " قالها بهدوء وهو يفتح أزرار قميصه
نظرت فى الفراغ وحاجبها مرتفعا بتعجب ...
" حازم ..هل يحبها " سألته.
" يبدو ذلك ...قالها ثم صمت قليلا فتابع ...فيبدو انه حقا يريدها "
"عندك حق ...حازم شخصا رائع بقدر تفاجئ بقدر ساعدتى بأن نور ستتزوج شخصا مثل حازم ... انها حقا تستحق هذا " قالتها بسعادة
فرفع أحد حاجبيه قائلا بخفوت واستهجان
"شخصا رائع "
شعرت بالارتباك من نظراته فقالت بهدوء رغم ارتباكها
" وأنت ذهبت مع حازم "
" نعم ..انه دين قديم " هتف
" دين " رددتها
" نعم ... عندما كنت فى الصف الأول الثانوى كان هناك مسابقة فى كرة السلة بين فريقى وفريق آخر ... كنت انا وأسامة وماجد واخاك ماهر ...واللاعب الخامس الذى هو كان من المفترض أن يكون معنا لم ياتى ... فاقترح حازم المشاركة معنا فى نفس الفريق حتى نكتمل...وبصفتى القائد لهذا الفريق ...وافقت ... وبفضله ...لن أكذب فزنا فقد كان أكثر من ماهر ومتفوق فى هذه اللعبة ومن يومها وانا مدين له بهذا الفوز ...واليوم انا قمت بتسديده " قالها ثم دلف إلى غرفة تبديل الملابس
خرج ثم انزلق بجوارها على السرير ...وأمسك بين يديه أحد الكتب ...شعرت أروى بالصمت المطبق بينهما وتجهمه
فقالت بهدوء
" ماذا ستقوم بتسميته "
" من؟ ! " سألها وهو يحدق بها بابتسامة ...فبادلته الابتسام قائلة
" طفلنا او طفلتنا. ..ثم اعتدلت متابعة ...ماذا تريد فتاة ام صبى "
" وهل عرفتى ان كان ذكر او انثى "سألها وهو يحدق هو الآخر بها
" لا ..لا أريد أن اعرف ..أفضل ان تكون مفاجأة ...لكن اخبرنى انت ماذا تتمنى أن يكون "
تشدق بابتسامة عذبة قائلا
" صبى او فتاة ...الاثنان سواسية بالنسبة لى ...صمت ثم تابع ...لكن الحقيقة أتمنى أن يكون صبى "
ظهر الحزن على وجهها ...فتابع بسرعة
" لا ..لا اياكى ان تحزنى. .انا لم أقصد ..لكن أتمنى أول مولد لى صبى ...حتى ...صمت لحظة ثم تابع بحزن ...حتى امنحه ما حرمت انا منه ...أتمنى أن ألعب انا وهو الكرة ونركض ... أن أعلمه السباحة... أتمنى أن نكون انا وهو أصدقاء فيكون هو أخى و صديقى. .. وأنا سأكون له الأب والحامى كما يجب ان يكون "
من دون ان تشعر نزلت دمعة خائنة من عينا أروى لكن مسحتها بسرعة باصابعها قائلة بحنان
" نعم ستكون أبا راءعا انا متأكدة ... تصبح على خير " قالتها ثم قامت بإغلاق ضوء المصباح على الكومود بجوارها
نظر إليها بحب ثم أغلق كتابه ونام هو الآخر ...فاليوم كان طويلا

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة