رواية عروس الثأر للكاتبة سارة علي الفصل الرابع والعشرون
وقف كاظم أمام باب الغرفة وهو متردد في الدخول ، تسائل في داخله عن عدد المرات التي تردد فيها بشيء لكنه اكتشف ان هذه المرة الوحيدة التي تردد بها، بسببها هي..
أخذ نفسا عميقا وطرق على الباب بخفة ليأتيه بعد لحظات قصيرة لكنها مرت عليه كالدهر صوتها وهي تخبره أن يدخل...
ولج الى الداخل ليجدها تلملم أغراضها في حقيبة كبيرة ، التفتت نحوه لتظهر اثار البكاء واضحة على وجهها ، عقد حاجبيه وهو يتقدم نحوها متسائلا بحيرة: ماذا تفعلين؟!
أجابته وهي تتنهد بصمت: ألملم أغراضي ، سأعود الى العاصمة...
ابتسم بخفة وقال: تهربين بهذه السرعة؟!
ردت بتعب: نعم أنا أهرب...
تفاجئ من جوابها ، كان ينتظر منها ردا مختلفا، ردا يشبه عنفوانها وكبريائها الذي لطالما تحلت به، ألاء التي عرفها من قبل كانت ستنفي تهمة كهذه عنها..
ظهر الاستغراب جليا على وجهه وهو يهتف بصدق: تغيرتِ كثيرا يا ابنة الهاشمي...
ابتسمت بألم وقالت بدموع: نعم تغيرت يا ابن زهران...
كلا ، لا تبكي، هذه الدموع لا يجب أن تصدر منك...
قالها بجدية لتمسح دموعها برقة قبل ان تهتف بهدوء: انا راحلة يا كاظم ، هذا الحل الافضل لكلينا...
صمت، وطال صمته..
كانت تترقب ردة فعله ، تنتظر شيئا منه رغم ادراكها أنه لن يقف في وجهها أو يخبرها ألا تذهب، لكن رغما عنها تمنت هذا...
عادت تلملم أغراضها حينما طال صمته والذي وجدت فيه جوابا واضحا منه...
لا ترحلي...
توقفت عما تفعله والصدمة شلت كيانها بأكمله ، هل قالها؟!
هل طلب منها ألا ترحل. ؟!
كانت تحاول استيعاب ما قاله، كاظم الذي تعرفه لا يصدر منه شيئا كهذا...
استدارت نحوه وأخذت تتأمل ملامحه الجادة بعشق لا تعرف متى اصبحت تكنه إليه...
صمتت بدورها وطال صمتها ليقول وهو يجلي حلقه: ألن تقولي شيئا؟!
وجدت نفسها تنطق ما يخالف مشاعرها: لا يا كاظم ، لن ابقى، أنا سأرحل..
تقدم نحوها وسألها بهدوء غريب: لماذا؟!
أجابته بصدق: لأني لا أستحقك ، ولأنك تستحق من هي أفضل مني..
هل هذه مزحة؟!
هزت رأسها نفيا وهي تقول: أنا لا امزح ، انا تستحق فتاة افضل مني ، فتاة لم يلمسها رجل غيرك..
هش ، اصمتي..
قالها كاظم بحزمة ثم أكمل بجدية: هل تظنني رجلا حقيرا لأحاسبك على ماضي لا ذنب لك فيه؟!
قاطعته بسرعة وتبرير: كلا، ولكن انا اعرف مدى رجولتك وشهامتك التي تجعلك تفكر في البقاء مع إمرأة مثلي، أفهم جيدا أنك حتى لو أردت غيري فلن تفعلها وتتخلى عني..
اقترب منها اكثر واحاط ذراعيها بكفي يديه فإرتبكت كليا: الاء التي أعرفها تثق بنفسها اكثر من هذا ، الاء ابنة لهاشمي تدرك قيمتها بحق..
منحته ابتسامة شاحبة وقالت: أمامك يختفي كل هذا، أمامك أصبح فتاة اخرى لا أعرفها، فتاة تخجل من ماضيها..
أسكتها واضعا كف يده فوق فمها قائلا بلهجة صارمة: يكفي يا الاء ، ما حدث في الماضي انتهى، وانتِ يجب أن تفهمي هذا، أمامنا حاضر مهم وينتظرنا مستقبل جميل...
هل هذا يعني أنك؟!
سألته بعدم تصديق ليومأ برأسه مؤكدا أفكارها قبل ان يهتف بها بجدية: أريد أن أعطي فرصة لزواجنا كي يستمر يا الاء..
حل الصمت المطبق بينهما، صمت قطعته هي حينما قالت: ولكن انت يجب أن تعرف شيئا مهما...
ماذا؟!
سألها بحيرة لترد بتردد: لقد كان لدي سبب مهم لقبولي زواجي منك، غير السبب الذي تعرفه انت..
ماهو السبب!
أغمضت عينيها قليلا قبل ان تفتحها وتخبره بتلك الشركة التي ساومت والدها عليها في سبيل زواجها منه..
وقف مازن امام والده متسائلا بحيرة: أبي، هل طلبتني؟!
أومأ الأب برأسه وأجابه: نعم يا بني ، تعال واجلس امامي..
جلس مازن امام والده واخذ يفكر في السبب الذي طلب أن يراه لأجله...
حل الصمت بينهما للحظات قطعه الاب وهو يقول بجدية: مازن اسمعني جيدا وافهم ما سأقوله...
هز مازن رأسه وقال: تفضل يا ابي ، اسمعك...
أطلق الأب تنهيدة صغيرة وقال بهدوء: انا موافق على زواجك من تلك الفتاة الاجنبية...
اتسعت عينا مازن بدهشة وعدم تصديق ، هل ما قاله والده حقيقي؟!
هل وافق على زواجه من حبيبته؟!
أبي هل تتحدث حقا؟!
سأله مازن بذهول ليرد الاب: منذ متى وأنا أمزح معك؟!
ولكن كيف غيرت رأيك؟!
أجابه الاب بشرود: وجدت أنه لا يوجد شيء يستحق أن يقف في وجه سعادة ابنائي..
ابتسم مازن بهدوء وقال: أشكرك يا أبي ، أشكرك حقا...
ثم أكمل بفرحة: سأتصل بها وأخبرها أن تأتي هي وأهلها الى هنا حتى نقيم خطبتنا...
جيد ، ما رأيك أن تقيم خطبتك في نفس يوم خطبة ميرا؟!
تجمدت الكلمات على شفتيه للحظات لم يستوعب بها ما قاله والده ، هل هذه مزحة؟!
ميرا، هل ميرا ستتزوج؟!
سأله بذهول ليومأ الأب برأسه وهو يقول: نعم ، خطبتها الاسبوع القادم...
ابتلع ريقه وظهر التوتر جليا على ملامح وجهه، توتر لم يفهم سببه بعد..
لقد ازعجه هذا الخبر وبشدة...
نهض من مكانه واتجه خارج الغرفة شاردا بما قاله والده غير أبها بأي شيء أخر..
قابل والدته في طريقه والتي نظرت اليه بضيق وقالت: هل فرحت الان؟! ستتزوج من تلك الحرباء الأجنبية..
لكنه لم يكن معها حيث سألها بدلا من ان يرد عليها: هل ميرا ستتزوج حقا؟
أومأت الأم برأسها وقالت بعدم إدراك لما يحدث حولها: نعم ، خطبتها الاسبوع القادم..
دارت الدنيا به حتى كاد أن يقع من طوله لكنه تماسك في أخر لحظه وهو يشدد من أزره حينما أخذ نفسا عميقا وقرر أن يذهب إليها ويراها...
ركب مازن سيارته وقادها متجها الى منزل ميرا بعدما صمد قليلا..
لم يستوعب ما سبب كل هذه الضجة التي حدثت بداخله عندما علم بخبر زواجها، ولا يريد ان يفهم..
وصل اخيرا الى منزل خاله ليهبط من السيارة ويتجه نحو الباب ، ضغط على جرس الباب لتفتح له ميرا الباب وهي ترتدي فستان سهرة قصيرة...
مازن ، ماذا تفعل هنا؟! اقصد اهلا بك!
قالتها ميرا يتلعثم ليقول مازن بهدوء لا يشبه الفوضى الكامنة في داخله: هل ما سمعته صحيح يا ميرا؟!
ومالذي سمعته؟؟
سألته بحيرة ليرد بكلمات مختصرة: ستتزوجين؟!
شحب وجهها وشعرت بالبرودة تكسو اطرافها حينما اجابته بتوتر: نعم ، لقد خطبني حازم ووافقت...
هكذا ، بهذه السهولة...
انا لا افهم ما تقصده ، ولمَ يجب ألا يكون بهذه السهولة؟!
كانت تسأله بصراحة دون ان تفهم مقصده من كلامه ليضطرب كليا وهو يجيبها: لإنك ما زلت صغيرة ، ولا تستطيعي اتخاذ قرار في شيء مهم كهذا...
عقدت ذراعيها امام صدرها وردت بعناد: انا لست صغيرة ، هذا اولا، ثانيا انا في المرحلة الجامعية وأستطيع ان اتخذ قرار مهم كهذا ، ثالثا انت لست مسؤول عني لتتحدث معي بهذه الطريقة..
ولكن...
صمت ولم يستطع الاكمال لتقول ميرا بجدية: ماذا تريد يا مازن؟!
لا أريد شيئا يا ميرا، مبارك لك، ها صحيح ، فستان خطبتك جميل للغاية..
قالها وهو يشير الى الفستان الذي ترتديه قبل ان يرحل مسرعا تاركا اياها تتابع أثره بذهول..
خرجت فرح من غرفتها واتجهت الى الطابق السفلي...
وجدت أسما تعمل على قدم وساق لأجل حفلة عيد زواجها التي ستقام بعد غد...
تقدمت فرح منها حيث تقف في صالة الجلوس تتحدث مع منظمة الحفل في بعض الامور وقالت: صباح الخير..
صباح النور..
أجابتها أسما بإقتضاب بينما ردت عليها الموظفة بإبتسامة..
قالت أسما بلهجة عصبية: انا لا اصدق حقا ما تختارونه ، إنها بشعة للغاية..
تطلعت فرح بفضول الى القائمة التي تحوي على موديلات مختلفة لأطباق الطعام بينما قالت الموظفة بتوتر: ولكن هذه أفضل الأنواع الموجودة لدينا...
إنها مقرفة..
لم ترد فرح أن تتدخل في الحوار فإستأذنت منهما وذهبت الى غرفتها مرة اخرى تاركة اسما تصرخ بصوت مزعج...
دلفت الى الداخل وجلست على سريرها تقلب في هاتفها حينما وجدت أدهم يلج الى الداخل...
وأخيرا أتيت..
قالتها وهي تقفز نحوه ليحتضنها ويرفعها عاليا ويدور بها...
اشتقت لك..
قالها بحب وهو يقبلها من شفتيها لترد بسعادة: وانا اشتقت لك اكثر...
احتضنها بقوة ثم ما لبث أن بدأ يقبلها واستجابت هي له كالعادة...
بعد فترة ليست بقصيرة كانت ممددة داخل أحضانه وهو يعبث بشعرها كالعادة...
أدهم..
نعم..
أريد الذهاب الى القرية ورؤية أهلي..
نظر إليها بصمت ثم قال: متى تريدين الذهاب؟!
أجابته بجدية: الاسبوع القادم خاصة ان خطبة ميرا ستكون فيه...
جيد ، سأنتهي من اعمالي المتبقية واذهب معك..
حقا؟!
سألته بفرحة عارمة وعدم تصديق ليومأ برأسه وابتسامة كبيرة تعلو شفتيه...
غرقت داخل احضانه من جديد حينما شعرت فجأة برغبة شديدة للتقيؤ...
نهضت من فوق سريرها وركضت مسرعة الى الحمام الملحق بغرفتها لتتقيأ هنا بينما نهض ادهم خلفها واخذ يتابعها بقلق..
خرجت فرح من الحمام وهي تضع يدها على بطنها ليسألها أدهم بقلق: هل أنت بخير؟!
أومأت برأسها وهي تجلس على السرير بوهن ليجلس بجانبها ويحتضنها قائلا: ما رأيك أن تذهبي الى الطبيب؟؟
أجابته بجدية: لا تعطي الموضوع اكبر من حجمه ، يبدو انني بردت قليلا...
هل أصبحت بخير الان؟!
سألها وهو يحتضن وجهها بين كفيه لتومأ برأسها ، قبل جبينها وعاد واحتضنها بينما شردت هي في شكوكها فيبدو انها بالفعل تحمل طفله داخل أحشائها...
في صباح اليوم التالي
دلف أيهم الى داخل المحاضرة كالعادة ، بحث بعينيه عنها رغما عنه لكنه لم يجدها ، يبدو انها تتهرب منه كي لا تراه...
انتهى من محاضرته وهو ينتظر دخولها في اي لحظة لكنها لم تدخل...
خرج من قاعة المحاضرات وهو يشعر بالإحباط رغما عنه ، لا يعلم لماذا يشعر بالقلق ايضا، قلق لا يدرك سببه...
دلف الى داخل غرفة مكتبه في الجامعة واخذ يقلب في حاسوبه بملل حينما ولجت فتاة الى الداخل وقالت متسائلة: أنت أيهم الهاشمي؟!
اغلق حاسوبه الشخصي وقال مؤكدا ما قالته: نعم انا ، تفضلي...
أجابته بجدية: انا سالي صديقة دارين...
لم يستطع ان يخفي الاهتمام والترقب الذي ظهر بوضوح عليه لتخبره الفتاة: دارين بحاجة لك ، انها تحبك كثيرا..
وهل هذه الطريقة الجديدة لتكسب عطفي نحوها...
هزت رأسها نفيا وقالت: الأمر ليس هكذا ، انها...
صمتت ولم تكمل ليسألها بحيرة: إنها ماذا؟!
أجابته والدموع بدأت تظهر داخل عينيها: إنها تصارع الموت ، دارين تموت..
نهض من مكانه غير مصدقا ما يسمعه وسألها بملامح متشنجة: ماذا تقولين انتِ؟!
اجابته ببكاء: لقد انتحرت منذ يومين وحالتها خطرة للغاية، يبدو انه لا يوجد امل من شفائها..
وقفت ليلى أمام شاهين الذي اخذ يشرح لها تفاصيل العمل الجديد، كانت تستمع له بفضول شديد حينما انتهى مما قاله ليخبرها انه يشعر بالجوع الشديد فقد اخذا يعملان لفترة طويلة دون توقف..
سألته ليلى بحيرة عما يريده فأجابها أنه يرغب في تناول الطعام في مطعم قريب ويريد أن تذهب معه الى هناك..
رفضت ليلى في بادئ الأمر ثم اضطرت تحت اصراره ان تتحدث مع والدها وتخبره برغبتها في الذهاب مع شاهين الى ذلك المطعم...
وافق والدها على الفور ليذهب الاثنان سويا الى هناك...
جلست ليلى امامه وقالت بجدية: هل جئت الى هنا من قبل؟!
هز رأسه نفيا وقال: كلا ، هذه المرة الاولى التي أاتي بها...
اخذت تقلب في قائمة الطعام ليتنحنح ويقول: ليلى ، هل لي أن اقول شيئا؟!
تفضل..
شعرت ليلى بتوتره فسألته بحيرة: هل هناك مشكلة ما؟!
قال اخيرا بهدوء: ليلى ، هل تقبلين الزواجبي..
احتلت الصدمة كيانها بأكمله وهي تحاول أن تستوعب ما قاله...
ماذا تقول انت؟!
سألته بدهشة ليرد بنفس الهدوء: اريد الزواج بك...
حل الصمت بينهما ، هو لم يتكلم بشيء اخر وهي لم ترد عليه...
الذهول كان يسيطر عليها، فكيف يطلب منها الزواج هكذا ببساطة وهو لك يعرفها الا منذ عدة ايام؟!
وقفت الاء امام المرأة تتأكد من تناسق قميص نومها الاسود الطويل...
لقد قررت اليوم ان تغري كاظم وستفعل، انه لا يتحدث بها منذ البارحة...
بالأحرى لم يرها او يقترب من غرفتهما وحينما اتصلت به وسألته عن موعد عودته أخبرها أنه سيأتي الليلة..
هو بالتأكيد سيأخذ موقفا منها بعدما عرفه ولكنها لن تسمح له بالإستمرار في ابتعاده عنها...
لقد جهزت كل شيء وستجعل الليلة زواجهما حقيقيا...
لقد تعبت من الانتظار وتريد ان ترتاح مع الرجل الذي اختارته واحبته..
سمعت صوت طرقات على الباب فارتدت الروب بسرعة وقالت: تفضل..
دلف كاظم الى ال داخل واغلق الباب خلفه ، خلع سترته ورماها على السرير ثم جلس على السرير بتعب، اقتربت منه الاء وسألته: هل أنت بخير؟!
نظر لها بطرف عينيه ولم يرد لتنحنح بإرتباك وتقول: انا اسفة يا كاظم ، اعترف أنني كنت أنانية في تفكيري ، وأنني كنت سيئة الطباع ولكن...
صمتت لوهلة قبل ان تكمل بصدق: انا تغيرت ، تغيرت كثيرا..
اخذ ينظر اليها بجمود ، جمود أقلقها فتقدمت نحوه ووضعت كفيها حول وجهه وسألته: هل سوف تسامحني؟!
لا أعلم..
أجابها بإقتضاب لتقول بتوسل: كاظم اغفر لي خطأي هذه المرة ارجوك، سامحني وامنحني فرصة واحدة، فرصة اخيرة..
لم يرد عليها بل ظل صامتا لفترة طويلة فوجدت نفسها تعترف اخيرا: كاظم انا احبك...
نظر اليها بعدم تصديق لتكمل بدموع: لا أعرف كيف ومتى، ، لكنني احبك بحق...
نظر إليها بصمت بينما اقتربت منه وقبلته من وجنته وقالت: اردت أن تعرف هذا فقط والقرار لك ، إما ان تمنحني فرصة اخيرة لنبدأ بها من جديد او سأعود الى العاصمة غدا..
وقبل ان تكمل جملتها كان يسحبها نحوه ويطفئ الضوء...