قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

دلفت سمر إلى المستشفى وهي في عجلة من أمرها، فقد تأخرت في الاستيقاظ اليوم، ولولا أختها سماح التي هبطت من شقتها لتوقظها خصيصا، ما إستيقظت ولربما إضطرت لتأجيل العملية وهذا ما لم تفعله أبدا طوال فترة عملها بالمستشفى، فقد قضت ليلة مؤرقة لم تذق فيها طعم النوم إلا لماما، تفكر فيما شعرت به من نظرات الطبيب هادى وإهتمامه بها، تشعر بداخلها بأنه إهتمام شخصي يقلقها بشدة، ويجعلها تنتوى في المستقبل العودة إلى التعامل برسمية شديدة معه، أو ربما تجاهله بالكامل رغم صعوبة ذلك ولكن التجاهل هو أسلم الحلول في هذا الوضع بالتحديد...

رأت في طريقها بعض الممرضات يقفن على جنب ينظرن نحوها وهن يتهامسن، لم تعرهن اهتماما، ولكن نظرة الطبيب سامر بإتجاهها مع إبتسامته الساخرة تلك، جعلتها تعقد حاجبيها بحيرة متسائلة عن سر تلك الإبتسامة، فرغم أنه لطالما أزعجها بنظرات الإعجاب والكلمات التي توحى برغبته في التقرب منها، ولكن نظرته تلك وإبتسامته أثارت حنقها حقا، ولكنها أيضا لم تعره إهتمامها، وهي تسرع بخطواتها، تنقى أفكارها وهي تستعد لتلك العملية التي ستقوم بها بعد قليل.

كان مجد يقف في شرفة منزله في توتر، يضع يده على حافة تلك الشرفة، يقبض عليها بقوة، ثم يبعدها وهو يفرك جانب شعره بيده بينما ينظر لساعة يده بإضطراب.
يدرك أنهما قد تأخرا كثيرا عن موعد وصولهما الذي أخبره به الطبيب هادى، توقف عن الحركة تماما وهو يرى وصول تلك السيارة الذهبية التي توقفت تحت البناية، والتي أخبره أيضا هادى عنها، ليسرع بالهبوط إلى الشارع وإستقبالهما.

وما إن خرج من باب تلك البناية، حتى وجدهما قد ترجلا منها، تقفان جنبا إلى جنب تتطلعان إلى البناية بترقب، حاول أن يغض الطرف عنهما فأطرق برأسه وهو يقول بهدوء:
-أهلا وسهلا، نورتونا.
قالت هاجر برقة:
-شكرا، حضرتك أستاذ مجد؟
أومأ مجد برأسه قائلا:
-أيوة أنا، إتأخرتوا ليه؟
قالت هاجر بهدوء:
-العربية عملتها معانا وإضطرينا نستنى حد يزقها، كان موال الحقيقة، وللأسف رقم حضرتك مكنش معايا عشان أبلغك.

رفع وجهه يواجه بعينيه عيون هاجر قائلا:
-هبقى أديه لحضرتك، عموما حصل خير، الشقة جاهزة وتحت أمركم، إتفضلوا.
أومأت هاجر برأسها قائلة:
-تمام، بس ياريت تشوفلنا ميكانيكى ياخد العربية يصلحها، عشان متعملهاش معانا تانى.
قال بهدوء:
-بسيطة، اتفضلوا.
توجهت هاجر بكلماتها لتلك الفتاة بجوارها قائلة:
-يلا بينا ياسمر.

نظر مجد إلى سمر التي ظلت صامتة طوال الحديث، تتجاهله وتشيح بوجهها عنه، بدا عليها التردد للحظات وهي تنظر إلى هاجر، لتمسك هاجر بيدها، تشجعها بعينيها، لتتمسك سمر بيدها بقوة.

شعر مجد وقتها بأنها تشعر بالضعف والقلق وربما بعض الخوف كما أخبره الطبيب هادى عن حالتها، تحتاج فقط إلى من يؤازرها معنويا، أدرك أنها مثله تمر بأسوأ حالة نفسية قد عرفها الإنسان يوما، فقدان الأمل والرغبة في الحياة، وهنا لابد أن يكون هناك من يستطيع أن يمنح الأمل لمن لديه تلك الحالة وإلا سيكون المصير قاتم، وربما أودت تلك الحالة بصاحبها لأحضان الموت،.

أراد أن يمنح لها يده تتمسك بها، يطمئنها أنها ستكون بخير ولكنه أدرك أنها لا تعرفه، هو مجهول تماما بالنسبة إليها وربما أخافها أكثر وزاد من حالتها إن حاول منحها هذا الأمل، ليغض بصره عنها مجددا وهو يتقدمهما بصمت، غافلا عن نظرات مترددة منحتها سمر إليه، فهذا المجد يشعرها بالقلق، التوتر، وشعورا آخر لم تدرى كنهه.

أنهت سمر تلك العملية بنجاح لتزفر براحة وهي تزيل قفازات يدها، تغسل يديها بهدوء، وهي تحمد ربها في سرها أنها إستطاعت إنقاذ روح أخرى من براثن الموت، طمأنت زويه على حالته بإختصار، قبل أن تتجه إلى حجرة مكتبها ليتناهى إلى مسامعها حديث جانبي.
توقفت وقد أصابها الجمود وصوت الممرضة نهى يتناهى إلى مسامعها قائلة لزميلتها الأخرى:.

-والله الدكتورة سمر دى بجحة أوى، أنا لو مكانها هحط وشى في الأرض أو أستقيل، آل وعاملالنا فيها ست الناظرة اللى محدش يقدر ييجى ناحيتها، فعلا ياما تحت الساهى دواهى.
كادت سمر أن تتجه إليها وتواجهها، تطالبها بتفسير لكلماتها المقيتة تلك ولكن صوت الطبيب هادى منعها من فعل ذلك، وهو يقول بحزم:
-دكتورة سمر، من فضلك عايزك في مكتبى حالا.

نقلت سمر بصرها بين هادى ونهى التي رمقتها بسخرية، قبل أن يتغلب عقلها على حنقها وهي تتجاهل الأخيرة وتتجه خلف الطبيب هادى إلى مكتبه، بصمت.

توقف مجد عند عتبة الباب بينما تأملت كل من هاجر وسمر الشقة بإعجاب بدا على ملامحهما، ليشعر مجد بقليل من الإرتياح خاصة عندما إلتفتت إليه هاجر قائلة:
-الشقة حلوة أوى ياأستاذ مجد.
قال مجد براحة:
-الحمد لله.
ثم ألقى نظرة على سمر التي كانت تتلمس تلك الورود في المزهرية التي توجد على الطاولة برقة، لترق عيناه وهو يقول:
-مش محتاجين حاجة تانية؟

رغما عنها نظرت إليه عندما تناهت إليها نبراته الحانية، لتتلاقى نظراتهما، لا تدرى لما دق خافقها بتلك السرعة ولم شعرت بالتوتر يغزو جسدها، لم تستطع الإشاحة بناظريها عنه ولم يستطع بدوره أن يبعد عينيه عن عيونها، تلك العيون الدخانية الحزينة، أفاقت من سحر نظراته، على صوت هاجر وهي تقول:
-لأ، كل حاجة تمام، إحنا متشكرين أوى.
رآها تعدل حجابها بتوتر قبل أن يشيح بناظريه عنها قائلا لهاجر:
-لا شكر على واجب.

ليخرج من جيبه كارتا منحه لهاجر قائلا:
-ده الكارت بتاعى وعليه رقم تليفونى، لو إحتجتوا أي حاجة كلمونى، عن إذنكم.
إبتسمت هاجر وهي تأخذه منه بإمتنان شاكرة إياه، ليخرج من المنزل مغلقا الباب خلفه بهدوء، ولكن بداخله إشتعلت نيران من الأحاسيس يدرك بكل قوة أنه سيعانى طوال الليل وهو يحاول إخمادها، دون جدوى.

ألقت سمر بهاتف الطبيب هادى بعد أن رأت الفيديو على مكتبه قائلة بعصبية:
-يعنى إيه الكلام ده يادكتور؟وإزاي سكت على حاجة زي دى؟إزاي سمحت بالمهزلة دى تحصل أساسا؟
قال هادى بتوتر:
-الحقيقة أنا لسة عارف بالموضوع ده دلوقتى من دكتور نبيل، المستشفى من الصبح ملهاش سيرة غير الفيديو ده و خروجك معايا بالليل، وكأنها خطيئة كبرى، غلطة ومسكوها علينا، مع إنها حاجة عادية جدا ومتستاهلش كل اللى عاملينه ده.

نهضت سمر قائلة بحدة:
-حاجة عادية بالنسبة لك يادكتور بس مش بالنسبة لى، أنا من أول ما إشتغلت في المكان ده وأنا في حالى وماشية جنب الحيط، محدش فيهم كان يقدر يدوسلى على طرف، محدش فيهم كان يقدر يجيب سيرتى بكلمة، جيت إنت وبوظت كل حاجة، وإديتلهم فرصة يعلقولى المشانق، إديتلهم فرصة يمسوا سمعتى بالزور،
لتغشى عيونها الدموع وهي تجلس مجددا مرددة بمرارة:.

-ياريتنى ما سمعت كلامك، ياريتنى ما شيلت جميلك مع أخويا فوق راسى، ووافقت أخرج معاك.

أطرق برأسه في حزن، فرغم ألمه الشديد من كلماتها ولكنه يدرك أن لديها كل الحق في غضبها ومرارتها، فلقد أضر دون قصد بسمعتها في المستشفى والتي حافظت عليها منذ أن خطت أولى خطواتها فيها وحتى البارحة، حين صورت له أنانيته أنه قد يستطيع الخروج معها والتقرب منها دون أن يفكر في عواقب ذلك الأمر عليها، بسبب هؤلاء الذين يتصيدون لها الأخطاء ويتربصون بها فقط لأنها أفضل منهم.
ليرفع رأسه قائلا في ثبات:.

-أنا عارف إنى السبب في كل اللى حصل وحقيقى آسف ولو أقدر أمحى إمبارح من حياتنا كنت همحيه، بس مع الأسف اللى حصل حصل ومفيش أدامنا دلوقتى غير حل واحد.
نظرت إليه في ترقب ليقابل نظراتها بقوة قائلا بحزم:
-أخطبك حالا.
إتسعت عيناها في صدمة لتنهض قائلة بإستنكار:
-إنت بتقول إيه؟لأ طبعا، مستحيل.
نهض بدوره قائلا بهدوء:.

-إهدى بس وإسمعينى، الخطوبة دى هتبقى مؤقتة، حاجة كدة هنكتم بيها لسانهم، فترة وهنعلن إن إحنا متفقناش وفسخنا الخطوبة، وساعتها الكل هيعتبرها تجربة وفشلت، والأزمة هتعدى.
قالت سمر بحنق:
-إنت بتصلح غلطة بمصيبة يادكتور، أنا أحسنلى أقدم إستقالتى وأسيب المستشفى.

مزقت كلماتها نياط قلبه، ألهذه الدرجة تمقت فكرة الإرتباط به، وتفضل عليها الإستقالة؟ولكنه نحى شعوره جانبا وهو يحاول إقناعها بفكرته لينقذ سمعتها التي أحدث بها ضررا دون قصد، ويحقق في نفس الوقت أمنية أنانية بحتة في الإرتباط بها، حتى وإن كان إرتباطا مؤقتا، ليقول بثبات:.

-يادكتورة، قلتلك الإرتباط هيكون لفترة قصيرة، هتقدرى من خلالها تحافظى على سمعتك اللى هي أكيد مهمة عندك، وفي نفس الوقت تحافظى على مكانتك في المستشفى واللى تعبتى عشان توصليلها،
منطقية كلماته التي ربما ترفضها كلية بداخلها، إلا أنها لا تنكر أنها قد تكون الحل الوحيد لتلك المعضلة التي يواجهانها الآن، كادت أن تعترض بالرغم من ذلك ولكن صوت الطبيب هادى قاطعها قائلا برجاء:.

-أرجوكى يادكتورة، وافقى وأوعدك مش هتندمى.
نظرت إليه للحظات بتردد قبل أن تومئ له برأسها موافقة، كادت إبتسامة واسعة أن تتسلل إلى ثغره ولكنه أسرع بإخفائها وهو يومئ برأسه قبل أن يقول:
-كدة فاضل خطوة واحدة.
ليتجه إلى خزانة مكتبه وسط حيرتها، ويفتحها بهدوء مخرجا منها علبة مجوهرات صغيرة وهو يغلق الخزنة مجددا ومتجها إلى سمر بهدوء يقف امامها تماما، وهو يفتح العلبة قائلا:.

-دول دبل الخطوبة، الحقيقة هم يخصوا والدى ووالدتى، ياريت تقبلى تلبسى الدبلة دى مؤقتا عشان نأكد الخبر، لغاية يعنى ما الموضوع ده ينتهى وساعتها تقدرى ترجعيهالى من تانى.

نظرت إلى تلك الدبلة من الألماس في تردد، ثم لم تلبث أن هزت رأسها بهدوء موافقة، منحها دبلتها لتلبسها بتوتر وقد ناسبت إصبعها البنصر تماما، بينما إرتدى دبلته بهدوء، كم ود لو ألبسها تلك الدبلة بنفسه خاصة وقد عدلها خصيصا لتناسب مقاسها منذ أن أرادها زوجة له، وإحتفظ بها في خزانته حتى الوقت المناسب، ولكنه يعلم أن خطبتهما تلك ليست خطبة عادية وأن الوقت المناسب لم يحن بعد، نظر لها مترددا لثوان قبل أن يحسم رأيه ويمسك يدها بهدوء كادت أن تفلتها بعصبية ليتمسك بها قائلا بحزم:.

-هتفضلى ماسكاها، وهنمشى قصادهم كلهم وإيدينا في إيدين بعض، الخطوة دى صعبة، عارف، ويمكن مش مقبولة بالنسبة لك، بس صدقينى كل حاجة هتعدى، ومفيش حاجة هتأثر فيكى، لإنك الدكتورة سمر، اللى وصلت للى هم إتمنوه ومعرفوش يوصلوله.

لم تدرك سمر ما يقصده هادى، هل يقصد مكانتها الرفيعة بتلك المستشفى الخاص والمشهورة؟أم يقصد نفسه بكلماته؟فكليهما حلم كل فتاة أو طبيبة قد تعرفهم، هي تمنت حقا الأولى ونأت بجانبها عن الثانية، لا تدرى حقا أيهما يقصد بكلماته، ولكن تظل كلماته تلك ولمسة يده المطمئنة من جعلاها ترفع رأسها وتمشى بقوة، ترفع عيناها في مواجهة عيون الجميع الذين رأوا أيديهم المتشابكة وتلك الدبل التي تزين أصابعهما، لتخرس الألسنة، تماما.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة