رواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن
كان يقف امام نافذته المعهودة، ينظر من خلالها على
العالم بالأسفل، وخواطره بعيدة كل البعد عن ما يدور
فى ذاك الشارع، بل كانت هناك، حيث هى..
قابعة بين جدران فيلته العتيقة، مجروحة الروح..
محطمة الكبرياء، من تلك الليلة المشؤومة، والتى مر عليها، أكثر من أسبوع..
لم يعد يطيق البقاء بقربها وهو يراها بتلك الحالة، التى اصبحت عليها، وفى ذات الوقت، لا يقوى على البعد
وان يظل فى منأى عنها..
قربها عذاب، وبعدها عذاب أكبر، أه لو تدرى ما
تصنعه بى، لأرتاحت روحها، وسكنت، فها هو القصاص العادل، لكل ما جناه فى حقها، يتجرعه فى بعدها، وفى قربها...
رشفة، رشفة، حد العذاب...
لم يطيق البقاء فى المكتب، فخرج لا يلوى على شئ
يتمنى بعض الهواء النقى، لعله يسكن سعير روحه
التى لم تهدأ، منذ نأت عنه..
قاد عربته، بغير هدى، حتى توقف فى بقعة هادئة
وترجل، ليسير قليلا، يعب من الهواء المنعش..
على قدر ما يملاء رئتيه، فيزفره فى قوة، تحمل معها، شظايا روح محترقة، وقلب يشتعل..
كيف أمكنك النظر فى عينيها من جديد..!؟.
سأل نفسه، كيف استطعت ذلك..!؟، لم أكن اعلم انك يمكن ان تقسو، بذاك الشكل..!؟.
لم أكن اقسو، كنت خائف، خائف منى، وخائف عليها، لكنى لم أقوى على البعد، كم من الساعات
حاولت النوم دونها، فى تلك الليلة، متظاهرا، بان وجودها جوارى، او بالأسفل، لا يمثل فرقا..
حتى اعترفت أخيرا بالهزيمة، لأتسلل اليها، واعود
للمكتب، لأجدها، متكومة على نفسها، وقد غلبها النعاس، ودموعها لاتزل ندية على خديها..
يا آلهى، كم كان محياها فى تلك اللحظة، يمزقني
يعنفنى، و، الاصعب، ان يعاتبني، فأنا، بلا فخر..
سبب كل هذا العناء، المتجسد حيّا، على ملامحها المستكينة فى حزن، حتى وهى تغط فى نوم عميق..
أهذا هو الشهد الذى تتجرعه على يديك..!؟.
أذلك الذى وعدتها به، يوم ان استكانت بين ذراعيك!؟..
حملتها فى هدوء، لتأن بين ذراعىّ، رافضة أن تعود
لغرفتنا، لكننى همست فى أذنيها، أن تكف عن التذمر، فأنا من أحدد، أين يجب ان تكون..
فاستكانت، وكأن ما عاد لديها القدرة، على الجدال..
لأضعها فى الفراش، واسحب الغطاء عليها..
واشعر، وانا بجوارها، بروحى ترتج، لارتجاف جسدها، وهى تكتم شهقات بكاءها...
لا يدرك، كم من الوقت مر عليه، وهو هائم على وجهه، حتى، شعر بقطرة ماء تسقط على خده..
انها تمطر..!؟، تسائل فى فرحة، وعاد أدراجه
مسرعا، ليعود للفيلا، لعله يراها، تسعد لاستقبال المطر كعادتها، يراها سعيدة، حتى ولو لم يكن هو سبب تلك السعادة..
اندفع مسرعا بالعربة، لكى يصل بأسرع ما يمكنه..
ليشهد الاحتفال، من بدايته، وربما، تكون تلك فرصة ذهبية، ليحاول إصلاح ما يمكن اصلاحه..
وصل اخيرا، واندفع للفناء الخلفى، حيث تفضل دوما ان تقيم احتفالاتها، بعيدا عن اعين، البواب، او البستانى..
تسلل كعادته فى المرة الاولى، ودفع بجسده، ليقف على مقربة، ينظر بوضوح، ويمتع ناظريه..
لكن، لدهشته، لم يكن هناك اى احتفال يذكر..
لم يكن هناك الا السكون..
وصوت الأمطار يجلده، لكونه السبب فى غياب حوريته..
اندفع، يحتمى من الأمطار، ليصعد درجات السلم.
ليدلف للداخل، ليفاجئ بوجودها، فى احد الأركان، تجلس شاردة، تحتضن أحد الكتب، وعيونها شاخصة
لمكان بعيد، أبعد ربما، مما يتخيل..
اقترب فى هدوء منها، لينحنى بقربها مستندا على يد مقعدها، لتنتبه هى لوجوده اخيرا، فترتبك، وتُسقط
كتابها من أحضانها، فيلتقطه هو، ويعيده من جديد
لتلك الأحضان التى يشتاقها، ويعذبه البعد عنها، حد الغيرة من هذا الكتاب، الذى يحتل مكان يخصه وحده.
تطلع اليها، وهو يسأل فى نبرة دافئة، حاول ان يكسوها بالمرح: - لم تستقبلى الأمطار، بالاحتفال كعادتك..!؟.
-أشعر انى لست على ما يرام، أجابت فى هدوء قاتل
-ما بكِ..!؟، انتفض فى لهفة حقيقية، يضع كفه على
جبينها، لعل حرارتها مرتفعة، لكنه اطمئن، فحرارة جبينها معقولة، لا تنبأ بالمرض، انه يسأل وكأنه لا يدرى ما بها، ان روحها هى العليلة..
وليس الجسد..
نظرت اليه، وهى تستشعر لهفته عليها، كانها حقيقية.
ونابعة من اهتمام فعلى، لكنها بدأت توطد نفسها، ان
لا تتعشم فى المستحيل، وان تظل تذكر حالها، بأنها
دمية، وخيوطها بين يديه..
وها هو يجذب احد الخيوط الان، لتصبح بين ذراعيه
وخيط أخر ليحملها، ليصبحا الان، تحت زخات المطر، اعتصرها بين ذراعيه، وأخذ يقبل جبينها..
فجفنيها، ثم خديها، وأخيرا، يفرغ صبره، على الشفتان المرتعشتان، لكنه، لا يرتوي، فيبتعد قليلا هامسا، وهو ينظر لعمق عينيها فى لوعة يكسوها الذهول: - أين أنتِ..!؟.
-أنا هنا، سيدى، أطيع وألبى، أجابت فى نبرات جليدية..
-يا آلهى، ماذا فعلت..!؟، سأل هامسا، فى ذعر، ليحملها، صاعدا بها لغرفتهما، ليضرب الباب بقدمه، ليستمر فى حملها.
حتى أنزلها، لتجلس على احد المقاعد، داخل حمام غرفتهما.، ليسأل فى اضطراب: - هل يمكنك الاعتناء بنفسكِ، أم تحتاجين مساعدة...!؟.
-استطيع الاعتناء بنفسى، شكرًا.
خرج، وهو يقذف سترته المبللة أرضا فى حنق
ويندفع للأسفل، ليخبر نبيلة، ان تحضر لها مشروبا ساخنا، وتحضره للغرفة، اما هو، فأنزوى داخل المكتب، لا يدرى ما عليه فعله..!؟..
تسللت نبيلة فى هدوء الى داخل حجرة مودة، بعد ان طرقت الباب عدة مرات، برفق، ولم تجيبها، اعتقدت انها لاتزل بداخل الحمام، ولم يصلها صوت الطرق على الباب، لكن ما ان دلفت الى داخل الحجرة
حتى رأت مودة، تولى ظهرها للباب، تجلس ساهمة
شاردة، بمئزر الحمام، الذى تلفه على جسدها الان، وكأنها تستمد منه الدفء...
جلست نبيلة جوارها، وأمسكت كفها، بين كفيها، تدفئهما، وتربت على كتفها فى تعاطف حقيقى..
لم تكن تعلم ما الذى يجرى، بين السيد وزوجته..
لكنها تستشعر شرارات ليست معتادة، فيما بينهما..
-ماذا حدث..!؟، هل، هل فاتحتيه فيما يخص الجراحة..!؟، سألت نبيلة فى حذّر..
-نعم، قالت بصوت متحشرج وبدأت دموعها فى الهطول..
-استنتجت إجابته، مما يحدث بينكما، قالتها، وجذبت مودة برفق لاحضانها، لتستكمل بكاءها
بنحيب يمزق القلب، لم تتفوه نبيلة بكلمة، حتى بدأت.
تهدأ عاصفة البكاء، وترفع مودة رأسها، عن أحضانها، لتقول لها بهدوء، وبتجربة سيدة..
خبرت الحياة، : - لاعليك يا بنيتى، سيعيد تقييم الامر
وساعتها، ربما يغير رأيه لأجلكِ..
-من أجلى..!؟، قالتها مودة فى سخرية، لا تتعشمى فى ذلك، انا هنا فقط ك، –وتوقفت لتنتقى ألفاظها –كزوجة مؤقتة، ليس لى اى حق عليه..
فقط، ما بيننا صفقة، لا أكثر، لما يفعل اى شئ من أجلى..!؟.
ابتسمت نبيلة بهدوء الواثق، وهى تقول: - تقولين صفقة، وزوجة مؤقتة، ولما أنتِ، وليست اى امرأة أخرى، كان يعرفها، وعلى استعداد لتقديم خدماتها..
بشكل اكثر كفاءة، من فتاة فى مثل براءتك.!؟..
صمتت مودة قليلا، لتجيب: - سألته نفس السؤال عندما عرض عليّ الزواج، مقابل المال اللازم لعلاج أخى، وقال انه يريد امرأة، لا تطلب وترضى بما يقدم لها..
-وصدقتيه..!؟، سألت نبيلة مستنكرة..
-ولما لا افعل..!؟..
اتسعت ابتسامة نبيلة، لتقول بثقة لا تهتز: - انه يحبكِ..
انه ابنى، وانا ادرى به منك، انه يريدكِ، وما كانت تلك الصفقة المزعومة، الا وسيلة للوصول إليك ِ، دون حاجته، ليعترف بحبكِ، وانا على ثقة، انه حتى ولو تكن ظرفك سمحت له بمثل ذاك الاتفاق..
لكان اخترع الف اتفاق، حتى يصل إليكِ..
وتكونى له...
هل حقا ما تقوله نبيلة...!.
قلبها يريد ان يصدق كل كلمة...
وعقلها يرفض تصديق حرف واحد، يعتقد انها تواسيها ليس اكتر، تعيد لها بعض الامل، الذى ينعش روحها، لتستعيد مرحها، وابتسامتها..
-هيا، اشربى هذا المشروب الساخن، وعودى مودة التى اعرفها، وكونى بجانبه، هو يحتاجك بحق..
يحتاجك، اكثر مما تتخيلى، وفوضى امرك لله..
لعله يحدث بعد ذلك أمرا، وما بين طرفة عين وانتباهتها، يغير الله من حال إلى حال..
نهضت نبيلة بعد كلماتها التى كانت كالبلسم الشافى.
لألام مودة، ربتت على كتفها، وخرجت من الغرفة
فى هدوء..
تناولت مودة الشراب الساخن، لترشفه على دفعات اعادت الدفء الى أوصالها، وارتدت ملابسها، وحجابها، ووقفت تبتهل بين يدىّ الله، وما ان انتهت، حتى وجدته جالس بجوارها، ابتسم فى وداعة لعينيها، وهو يمد يده ليخلع عنها حجابها..
ويضعه جانبا، كانت تشتاقه كثيرا، تشتاق حتى نظرات عينيه التى كانت تتجنبها طوال الفترة السابقة.
جذبها، لتقبع فى احضانه، ظهرها يلامس صدره..
ورأسها يختبئ فى شوق، ما بين رقبته وكتفه..
قبل ذاك الرأس فى وله، قبلة طويلة أودعها، شوقه
-ثمانية ايام كافية جدا لعقابى أليس كذلك..!؟، همس قرب مسامعها فى تساؤل، يغلّفه لهجة مرحة..
هزت رأسها رافضة، وهى تدارى ابتسامة تطل على شفتيها، فهتف مازحا: - تخادعين وانت لاتزالى على مصلاكِ...!؟..
-حسنا، قالتها من بين ضحكاتها، انها كافية..
أدارها لينظر لعمق عينيها، وهو يقول: - سأعوض فيما بعد تلك الايام الثمانية ولن أتنازل عنها ابدا..
فيما بعد..!؟، هل قال، فيما بعد، ماذا يقصد..!؟، سألت نفسها، وقد طل السؤال من عينيها، ليجيب عنه، فى لهجة حاسمة: - عندما يمن علىّ الله بالشفاء، بعد الجراحة..
لتشهق بعدم تصديق، تضع كفها على فمها، وقد طفقت الدموع من عينيها، واخيرا، تندفع لتطوق عنقه، بذراعيها، وهى تجهش بالبكاء، فرحة بقراره.
ضمها اليه، اكثر، حتى اصبحت جزء منه
يعتصرها شوقا، ويربت على رأسها، حتى هدأت
تماما، واستكانت فى احضانه، التى اشتاقت لها كثيرا
وافتقدتها بشدة..
خرجت من ملاذها، تتطلع اليه، فمد كفه، ليمسح اثر دمع لازال يترقرق على خدها..
-لما البكاء الان..!؟، سأل متأثراً لدموعها..
-أتعرف لما، شهقت وهى تجيب، لقد استجاب الله لدعواتى، طوال الليالى الماضية..
نظر لعينيها نظرات لم تستطع تفسيرها، ورفع كفها ليلثمها فى شوق، ليعيد النظر لعينيها من جديد، و
يجذبها بقوة الى احضانه، وقد شعر انه يحبها الان، بل يعشقها، حد اللانهاية، لقد تذكرته فى دعاءها حتى بعد كل ما كان منه، لقد دعت له..
وللمرة الاولى، تترقرق الدموع فى عينيه، عشقا..
ورغبة، ورهبة، وتمنيا، ان يبقى بين ذراعيها للأبد.
خرجت فى هدوء من الشركة، تشعر بالانكسار، لما يفعل بها هذا!، لما تزوجها، طالما هو قادر على إيجاد من يمتعه، بعيد عن قيود الزواج والتزاماتها، لما..!؟..
ظل السؤال يطن برأسها، وهى تندفع للسيارة، بجوار أخيها، الذى تعجب انها لم تحضر محسن معها: -أين محسن..!؟، الم يرغب فى مرافقتنا لشراء الهدايا..!؟..
-لا، قالتها حاسمة، هو، مشغول للغاية، نطقتها بسخرية مريرة، تجز على أسنانها، لتمنع دموع من القهر والالم، من الانسياب على خديها، امام اخيها..
انها كلما تذكرت ما رأته بالأعلى، تغلى الدماء بعروقها، وتتمنى لو حطمت رأسيهما، لقد وصلت للمكتب، تدعوه لشراء بعض الهدايا للخدم، بمناسبة اقتراب احد الأعياد، دخلت تنتظره بالمكتب، وفى اثناء ذلك، دخلت الحمام تصلح من زينتها قبل ان يصل، لتسمعه يدفع باب المكتب ويدخل، قررت مفاجأته، كما يحلو له دوما، ويفزعها، لكن مهلا..
انها تسمع صوت انثوى، يتحدث معه بالخارج، يعاتبه بنبرة تحمل الكثير من الغنج والدلال قائلا: - هل نسيت كل ما كان بيننا..!؟.
-لا لم انسى، قالها، وكادت ان تندفع من موضع أختباءها، لتصرخ فيهما، لكنه اكمل، ليقضى على ما بقى من صبرها، والحمد لله أننى لم انسى..
انه يحمد الله على انه لازال يتذكرها، لا، هذا كثير
هتفت وهى تتمزق داخليا، لتخرج فى ثبات، هنأت نفسها عليه، ويتفاجأ كلاهما بوجودها، كانت تلك.
حبيبته السابقة، تلك الفاتنة التى تجاهلت تحيتها يوم زفافهما، وهى الان تضع كفها، على صدره، وكفه
يقبع على كفها، وكأنه يتشبث بها، كان هو اول من تحدث، وهى يبعد كف فاتنته عن صدره فى هدوء: -
-ماذا تفعلين هنا..؟!..
-جئت لطلب ما، لكنى أرى انك مشغول بالفعل، لهجتها كانت من البرودة، بحيث عقد حاجبيه فى تعجب، وكأنه كان ينتظر منها ردة فعل مخالفة..
استكملت: - على أية حال، لقد تأخرت وكنت فى سبيلى للرحيل حالا، أراك فيما بعد، ثم تجاهلت تلك التى كانت تنظر اليها الان تقيمها من رأسها حتى أخمص قدميها، وتجاهلتها مودة تماما، وخرجت من مكتبه، وكأن ما كان يحدث داخله لا يعنيها..
وما ان ابتعدت قليلا، حتى أطلقت ساقيها للريح..
لتندفع خارجا، تكاد تختنق، من طول فترة إدعاءها الثبات ورباطة الجأش..
انه لم ينساها، ويبدو انه لن ينساها، الم يقل ذلك.
بملء فيه، منذ دقائق، لقد سمعت ذلك، بنفسها..
ولا مجال لتكذيبه..
طافت بأخيها، عدة محال تجارية، لانتقاء الهدايا..
كانت تعتقد ان بعض من الإنهاك، والانشغال قد يصرف ذهنها عن ما رأت وسمعت، لكن هيهات، فما ان تغفل دقيقة عن متابعة ما يدور حولها، حتى تقفز تلك الصورة ماثلة امام عينيها، وتتردد كلماته، على مسامعها كأصداء لا تتوقف..
عادت للمنزل، لتعطى كل من فيه، هديته، وكم كانت فرحتها كبيرة، انها أسعدت كل من حولها، البستانى وحارس البوابة، و طبعا نبيلة، تلك المرأة الطيبة التى تدين لها، بالكثير...
اندفع يوسف لحجرته، ليجرب هديته التى انتقاها بنفسه
مجموعة من الألعاب الالكترونية التى تمنى الحصول عليها، وهى صعدت لحجرتها، تشعر بخواء عجيب
لا تعرف، ماذا يحدث، ولما يحدث..!؟.
وأخرجت بهدوء ورتابة ما ابتاعته، لتضعه فى خزانة ملابسها، لتصطدم يدها، بهدية ما، تذكرت انها هديته، والتى كانت قد اشترتها، وحدها، قبل ان تذهب لمكتبه، تدعوه لمرافقتها، وضعتها جانبا، على الطاولة التى تجاور الفراش، حيث يضع كل ما يخصه، من أغراض...
مر النهار برتابة، لا يشغل فكرها، غيره، ولا يشعل النيران فى غابات قلبها، سوى مشهده الحميمى، وحبيبته بالمكتب، و سؤال يلح عليها، لما تزوجها..!؟..
وخاصة، فى وجود حبيبة سابقة، هى اكثر من راغبة
فى لعب دور الزوجة المؤقتة..!؟.
دخل الغرفة، يتلفت حوله، حتى وقعت عيناه عليها
تطالع رواية ما، تقدم ليقبع خلفها تماما، ويمد يده
ليغمض عينيها بكفيه، لتنزل الرواية، وتضع كفيها على كفيه لتزيحهما عن عينيها، لتعاود المطالعة من جديد، همس بجوار أذنيها: - أقرأى بصوت عال، وانا هنا لألعب دور البطل، بكل سرور، قال كلماته الاخيرة، مازحا..
-انها رواية مرعبة، كذبت، وهى تضعها جانبا، وتكمل فى غيظ، والبطل سيأكله الوحش فى النهاية..
ما رأيك فى هذا الدور..!؟، سألت وابتسامة غيظ على شفتيها...
انفجر ضاحكا: - انتِ مخادعة، انها رواية عاطفية..
ليس بها ايه وحوش، ترتعبين من مجرد الحديث عنهم...
-من أخبرك، ان الرواية العاطفية ليس بها وحوش..
ان بها الكثيرين، وما اصعب ان تقابل احدهم بحياتك الواقعية...!؟، قالت جملتها فى نبرات واثقة وهى تتطلع الى عمق عينيه..
شعر بحوارهما يأخذ منحنى لا يستطيبه، فقال فى ود: - أرى انك احضرت هدايا للجميع، ألم تنسى، أحدهم..!؟، سأل وهو يقترب منها.
ويسأل متخابثاً فى مرح، لكنها ابتعدت، وهى تشير لهديته الموضوعة بجوار الفراش، فُض الهدية من غلافها الرقيق، وهو يتبادل النظرات بين هديته، وبين من جلبتها لاجله، حتى تطلع لهديته فى امتنان وفرح طاغى، منذ متى لم يمتلك احد تلك الدواين الشعرية التى يحبها، وللشاعر الذى يفضله..
اقترب منها وهى على حالها، لا تعير نظراته اى تواصل، كانت تشعر انه يتجنب الإتيان على ذكر ما رأته وسمعته صباحا فى مكتبه، فيتودد اليها..
أخذها بين ذراعيه، يقبل جبينها فى شوق، تعجبت
كيف يمكنه التلون بهذا الشكل، كيف يمكنه التلاعب بمشاعره يوظفها كيفما شاء، ومع من يشاء..
ليوهمه بما يريد هو فقط، مثلما يفعل معها الان..
لو فى اى وقت اخر، لظنت انه بالفعل يتودد اليها..
وانه حقا، ممتن لانها لم تنساه، بل فكرت فيه، وفيما يحب..
تنحنح، وهو يبتعد عنها، وقال فى لهجة تقريرية: -
-ان المرأة التى رأيتها، فى المكتب اليوم، انها..
-لا عليك، لست مطالب بأخبارى اى من امورك التى تخصك، أليس هذا من بنود صفقتنا، واذكر انك ذكرتنى ذات مرة، أين موضعى بالضبط من حياتك..
وأشكرك على ذلك كثيرا، لانه وفر علىّ الكثير..
هل هذا صوت الكبرياء الجريح الذى تنطق به الان..
لم ينطق، هو بحرف واحد، وعلى الرغم من رغبته فى تبرير ما حدث بمكتبه، الا انه شعر براحة اكبر عندما أزاحت عنه ذلك الحِمل، والاهم، هو انها لاتزال تظن به سوءاً، تظن انه يخونها، هذا افضل، لها..
فلتظل على ظنها، لتبتعد بقدر ما يمكنها عن تأثيره..
حتى لا يكون الجرح اكبر، والمعاناة أشد، اذا ما أراد الله، لهما الفراق..
-أنتِ على حق، ما من داعٍ، لأبرر أفعالى لأى من كان، انك على حق تماما، نطقها بلهجة ثلجية غامضة، وعلى الرغم من ذلك، فقد شعرت بالغيظ
يتملكها، وكادت ان تنفجرسخطا عليه، فقد توقعت
ان يتمسك بأخبارها عن تلك الحقيرة التى كانت بصحبته
ربما ليدفع عنه تهمة الخيانة، وربما لخوفه من غضبها، والرغبة فى التبرير لارضاءها، لكنه، على العكس، لم يفعل ذلك..
اللعنة على الكبرياء الحمقاء التى دفعتها للتفوه بتلك الترهات عن عدم رغبتها فى معرفة من تكون تلك الغبية، بل انها تريد، وترغب، ويقتلها الفضول
لتعرف كل كبيرة وصغيرة، عن تلك الملتوية التى كانت فى يوم ما، حبيبته، ستنفجر الان، لا..
ليس الان، ابتعدى الان، وحالا، لان الانفجار سيكون عاقبته وخيمة هذه المرة..
كان هو يراقبها من مكانه، ويطالع تغيرات ملامح وجهها، التى أجبرته على التبسم رغما عنه..
ان وجهها، صفحة نقية، شفافة، ناقلة ببراعة لكل ما يعتمل بداخلها من صراعات، وما يجول بذهنها من خواطر، يطالعها الان، مجسدة على محياها..
استدارت، متوجهة لباب الغرفة، وهى تقول فى
حنق واضح: - على اى حال، لقد اقترب ميعاد جراحتك، وباذن الله سيمن عليك الله بالشفاء، وساعتها، سينتهى كل هذا، وتنتهى تلك الصفقة..
بالخير لكلينا، دون مزيد من المبررات، لأى منا..
واندفعت خارجا، وقد غابت الابتسامة عن شفتيه...