قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الرابع عشر

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الرابع عشر

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الرابع عشر

ألقت جملتها وصعدت لغرفتها بهدوءٍ مخادع، بينما ربت أحمد على كتف على يواسيه على الحرب التي بطريقها للاشتعال، بينما ردد عمران بحزن يلامس نبرته الثابتة: متزعلش يا علي، إنت عارف فريدة هانم كويس.
أومأ برأسه بعدم اهتمام، وتطلع تجاه فطيمة التي تقف جوار مايسان وشمس بحزن وعينيها تلمعان بالدمع، فحاولت شمس أن تزيح عنها، فقالت: تعالي يا فاطيما هخدك أوضتك تريحي شوية.

أومأت برأسها بخفة، وقبل أن تتحرك خطوة واحدة أوقفهما صوت علي: شمس اطلعي إنتِ أوضتك أنا محتاج أتكلم مع فطيمة شوية.
هزت رأسها ببسمة متفهمة، ودنت من عمران تسانده برفقة مايسان ليتوجهوا معًا للمصعد ومن ثم لغرفته.
بينما أشار على لفطيمة للخارج: تعالي نقعد بالحديقة، المنظر بره هيعجبك جدًا.

اتبعته للخارج وهي تحمل طرف فستانها الأبيض الطويل، فجذب على المقعد لها وجلس قبالتها، يتابعها بنظرة ساكنة تحاول استكشاف ماذا يعتريها بعد سماع كلمات والدته، وحينما وجدها صامته، سألها بشكلٍ مباشر: لما كنا عند المحامي قولتيلي أراجع نفسي! أيه اللي خلاكِ تقولي كده يا فطيمة؟ هي فريدة هانم قالتلك حاجة؟

رفعت عينيها الباكية إليه، تحرر صوتها المكبوت بعجزٍ: أي حاجة هي هتقولها فمعاها حق يا علي، إنت تستاهل واحدة غيري.
زفر بضيقٍ جعله يستند على يديه المحاطة بالطاولة: وبعدين يا فطيمة هنرجع لنفس الحوار ده تاني!
ومال بجسده للأمام ليصبح أكثر قربًا، متعمدًا التباطؤ بنطقه: إنتِ دلوقتي بقيتي مراتي يا فطيمة، يا ريت ترمي كل اللي حصل وراكي وتعيشي حياتك معايا من جديد.

واستدار بوجهه ليعود إليه هاتفًا بضيق: أنا عارف إني غلطت من الأول لما صارحت فريدة هانم عن حالتك، أنا عمري ما فشيت سر مريض عندي لحد بس إنتِ كنتِ حالة خاصة يا فطيمة، كنت متعلق بيكِ بشكل مش طبيعي، كنت حاسس إنك حد قريب مني، لدرجة إن قصرت مع نفسي ومع كل اللي حواليا عشان أكون معاكي وجنبك طول الوقت!

رفعت عينيها إليه، وقالت ببسمة حملت ألمًا طفيفًا: بالعكس أنا ارتاحت أنها عارفة حكايتي، مكنش عندي استعداد أعيش في رعب وانتظار للحظة رد فعلها لما تعرف الحقيقة، كده أفضل ألف مرة.
وتابعت وهي تزيح دمعاتها سريعًا: يمكن مع الوقت تتقبلني ولو ده محصلش فأنا راضية ومش طماعة في إن الكل حواليا يكونوا متقبلين وجودي، كفايا عليا إنت ومايسان وشمس وإنكل أحمد.

بالرغم من الآلآم التي طعنته بحديثها، الا أنه بادلها بسمة أكثر جاذبيية، وأطال بنظراته لها ثم قال بتردد ملحوظ: فطيمة. هو أنا ممكن أطلب منك طلب؟
ارتبكت وهي تخمن أي طلبًا هذا، فاكتفت بهزة رأسها إليه، لتجده يدنو بجسده من الطاولةٍ مجددًا وهو يهمس بصوتٍ خطيرٍ لمشاعرها: هو أنا ينفع أخدك في حضني؟

هرولت فطيمة من أمامه بهلعٍ، وكأنه استحضر شبحًا قبالتها فظنته ساحرًا شريرًا، كادت أن تتعثر أكثر من مرةٍ بطرف فستانها الطويل، فاحطته حول ذراعها ومازالت تركض بأقصى سرعتها للداخل، والأخر يكاد فمه يصل للأرض من فرط صدمته التي انتهت بسيل متواصل من الضحك، فهرع خلفها يناديها من وسط قهقهاته المتتالية: فاطيما، استني!

لم تلتفت لندائه المتكرر، واتجهت للدرج وبعد أول طابق وقفت بحيرةٍ من أمرها، تناست أنها الآن بمنزل جديد عليها لا تعلم حتى غرف الساكنين به حتى تتعرف على غرفتها!
انقبض قلبها وشحب وجهها بصورة مضحكة حينما تخيلت ذاتها تقتحم أحد الغرف فتجدها غرفة حماتها المصون! حينها ستسقط بنوبة قلبية لا محالة!
اِلتقط على أنفاسه بصعوبة وهو يشير لها ضاحكًا: هو أنا طلبت منك أيه لكل ده؟

واستند بجسده على تمثال الحصان الضخم من جواره ليشير بانهاك: بسحب طلبي البسيط ولو ممكن ترجعي نكمل كلامنا.
زوت حاجبها بنظرة مشككة، فرفع ذراعيه للاعلى كابتًا ضحكاته بتمكنٍ: مش هتتكرر أوعدك!
عادت تدنو منه مجددًا، لتردد بارتباك: فين أوضتي، عايزة أرتاح وبكره نبقى نتكلم يا دكتور.
ردد ببلاهةٍ: دكتور!
عبست معالمها بحدة: عايزة أرتاح ممكن؟

هز رأسه بتفهمٍ واتجه للطابق الثاني وهي من خلفه تتفادى مرات سقوطها من طول الفستان بصعوبة، فاستمعت إليه يهمس بحنقٍ: يا شماتة عمران الوقح فيا!
توقفت فجأة حينما وجدته يفتح أحد أبواب الغرفة، مستديرًا ببسمته الهادئة ورزانة صوته المحبب لمسمعها: دي أوضتك يا فطيمة، والأوضة اللي جنبك على طول دي أوضة شمس، واللي بعدها أوضة مايا.

هزت رأسها ببسمة صغيرة، فتابع وهو يشير على الغرفة التي تجاورها من الجهة الاخرى قائلًا: ودي أوضتي، واللي جنبها أوضة عمران.
ضيقت حاجبيه باستغراب، لحق نبرتها الهاتفة: عمران؟!
قرأ ما يدور بعقلها بذات اللحظة، فابتسم وهو يردد: أيوه عمران ومايسان مش عايشين مع بعض في أوضة واحدة، زي حالتنا كده.

وتابع ساخرًا: نحن هنا نختلف عن الاخرون، وإن شاء الله لو حد من برة العيلة اكتشف اختراع الأوضتين ده، آل سالم هتبقى مهزلة السنين، وبما إنك فرد جديد بالعيلة فرجاءًا السر يبقى في بير!
ضحكت ومازال رأسها يشير له بتأكيد، فمنحها ابتسامة هادئة هامسًا: تصبحي على خير يا فطيمة.
كاد بالمغادرة فاستوقفته منادية: دكتور علي.
عاد إليها بملامح عابثة: دكتور!

وتفادى ذاك المأزق حينما تساءل ساخرًا: خير يا فطيمة، نسيتي تاخدي رشتة الدوا؟
كبتت ضحكاتها وتساءلت باهتمام كاد باضحكاه: أوضة والدتك فين أقصد فريدة هانم؟
مرر لسانه على شفتيه بتسليةٍ، فدنى منها والاخرى تتراجع للخلف حتى اصطدمت بالحائط، فتصنع أنه يهمس لها خشية من أن يستمع له أحدًا، فقال: في الدور اللي تحت وبالأخص بالمكان اللي جبتك منه، يعني رفضتي حضن على البريء وجريتي تتحامي بالكتعة!

جحظت عينيها صدمة وكأنها مازالت محتبسة بالأسفل أمام تلك الغرفة، فمنع ضحكته وهو يهز رأسه متحليًا بملامح الاكشن: أنا أنقذتك المرادي المرة الجاية يا عالم أيه اللي هيحصل!
وتابع ويده تشير على احد الغرف المتطرفة للدرج: ده حتى عمي خاف يقعد معاها تحت في نفس الدور سابها وبينام جنبنا هنا.
رفعت يدها تضم قلبها المرتجف، ففور تحقق هدفه قال بمكرٍ: لو حصل أي حاجة اجري على أوضتي وأنا أوعدك اني أفديكي بروحي!

وأشار لصدره بدراما أوحت لها بأنها على وشك أن تلقي حتفها على يد مجرمًا دوليًا: حضني جاهز ومفتوحلك أقصد بابي مفتوحلك بأي وقت.
منحته نظرة مرتبكة، واكتفت بإبماءة رأسها، فابتعد ليفسح لها المجال، فما أن رأها تتجه لغرفتها، حتى استند على بابها يردد بهيام: مش هتجيبي بقى.
تساءلت بدهشة؛
اجيب أيه؟
أجابها بمنتهى الجدية: حضن من تحت الحساب، عشان أقدر أحميكِ من الكتعة بضمير.

احتقن وجهها بشدة، فأغلقت الباب بوجهه، وأخر ما تردد لها صوت ضحكاته الرجولية التي زرعت على وجهها البسمة تلقائية، وخاصة حينما مال على على الباب ليهمس بحبٍ: بكره حضني هيكون ملجأك الوحيد!
حملت كوب المياه واقتربت من الفراش تقدم له الكوب وحبات الدواء، التقطهما منها عمران وتجرعهما بمرارة جعلته يغلق عينيه بتقززٍ: طعمهم مر زي نظراتك بالظبط.

منحته مايسان نظرة غاضبة، قبل أن تجذب الغطاء على جسده مرددة بجمودٍ: تصبح على خير.
وكادت بالرحيل فجذب معصمها إليه يبتسم وهو يخبرها: غيري رأيك وأنا هشوف كل شيء تقدميه ليا أجمل شيء أكلته في حياتي.
منحته نظرة شرسة قبل أن تجابهه بتحديها: اللي بتفكر فيه ده مستحيل يا عمران.

وجذبت يدها ثم استقامت بوقفتها، فقال بحزن مصطنع: يعني إنتِ يا مايا عجبك منظرنا كده قدام أنكل أحمد وفطيمة، هيقولوا أيه وكل واحد فينا بينام بأوضة؟
ردت بضحكة صاخبة: إنكل أحمد عارف بوضعنا من زمان، وإن كان على فطيمة بكره تتعود يا حبيبي.
ضم شفتيه معًا بقلة حيلة، هامسًا بسخطٍ: قاسية بس بموت فيكِ!

منحته بسمة ساخرة وجمعت الادوية تعيدها لمحلها وهو يتابعها بنظرة حب، فأجلى صوته الواجم ليصوبه فجأة لها: بطلتي تحبيني يا مايا؟
تصلبت يدها الممسكة بالكوب لدرجة جعلتها لا تشعر بانزلاقه من بين يدها، فأسرعت تجلس قبالته على الفراش وهي تتساءل بصدمة: بعد كل ده بتسألتي بطلت أحبك؟

بالرغم من أن قلبه يخفق ألمًا لنطق كلماته ولحالتها التي يراها الآن الا أنه باشر ماكرًا: طيب ليه البعد ده بينا يا مايا؟ ما خلاص اللي كنتي عايزاه عملتهولك! بعدت عن ألكس وآ
قاطعته حينما تحرر صوتها الباكي: فاضل إنك تكسب قلبي من جديد يا عمران
وتابعت وقد تركت العنان عن تلك الدمعات: مش معنى إنك قطعت علاقتك بألكس إني كده ارتاحت، الخوف لسه جوايا وبيكبر يوم ورا التاني.

اعتدل بجلسته وهو يتساءل بدهشةٍ: خوف مني أنا يا مايا؟
هزت رأسها نافية، وأخبرته موضحة: من شيطانك يا عمران، خوف من بكره يكون في ألكس جديدة في حياتك، خوف إنك تضعف من تاني قدام أي واحدة ست، أنا عايشة قلقانه ومش قادرة أديلك الثقة بالرغم من إني بحبك.
وأخفضت عسليتها عن رمادية عينيه المهلكة تترجاه ببكاء: من فضلك اديني الفرصة اللي أقدر بعدها أخد قرار القرب منك بدون خوف ولا قلق.

جذبها لاحضانه بقوة، وصوته يتحرر لآذنيها: أنا آسف يا مايا. آسف على كل حاجة يا حبيبتي، أوعدك إن اللي جاي من حياتنا هيكون ملكنا إحنا وبس.
قبضت على قميصه بقوةٍ، تعلقت به وكأن أحدهم يحاول انتزاعها من أحضانه. مرر يده على خصرها بحنان، وجاهد بقوته رفع ذراعه الأيسر ليحاوطها به هو الأخر.

ارتعشت يده لدرجة جعلت اقترابه بطيء، وقبل أن تصل إليها انتفضوا معًا على صوت انفتاح باب الغرفة، ليطل من أمامهما على مرددًا: عمران آ.
انقطعت جملته حرجًا، فاستدار سريعًا للخلف وهو يصيح: أنا آسف كنت فاكرك لوحدك.
دفعته مايسان للخلف بوجهًا مصطبغ بالحمرة، وهرعت للخروج وهي تردد على استحياء: أنا كنت خارجة.

وصفقت الباب من خلفها بعنف، فاستدار، على لعمران الذي يكاد يهرول إليه بالسكين المجاور إليه، فاقترب على يجلس على المقعد وهو يتابع بسخرية: أيه، بتبصلي كده ليه؟!
أجابه من بين اصطكاك أسنانه: عايز أقتلك هكون ببصلك ليه!
ضحك وهو يجيبه مشاكسًا: أنا نفسي أفهم أنت جايب شجاعة خوض المعارك دي منين، يا ابني مش كده اهدى حتى لحد ما تسترد صحتك!

هدر منفعلًا: وأنا كنت اشتكيتلك يا جدع! أنا حر أعمل اللي أنا عايزه واللي أعرفه إن في ساعات محظورة، مينفعش تقتحم فيها اوضة راجل متجوز!
انفجر على ضاحكًا، وصاح من بين سيل ضحكاته: من أمته ده! الله يرحم لما كنت بتلمحها معدية من قدام أوضتك صدفة كنت بتقوم قيامتها!
واستكمل بخبث: بس تمام هديك وعدي ووعد الدكتور على مبيترجعش فيه.

راقبه باهتمام لسماع وعده، فاخبره بغمزة تسلية: لما تجمعكم أوضة واحدة والنفوس تتصافى مش هتلمح طيفي في أوضتك تاني، ها كده مرضي؟
ذم شفتيه بسخط، وزفر بغضب: كنت جاي ليه، إخلص!
لكزه بقدمه بضيق: في واحد يكلم أخوه الكبير كده؟!
ركل قدمه بعيدًا عنه بعصبية: أنت جاي نص الليل تديني محاضرات، ما تنجز يا على عايز أتخمد!
وضع قدمًا فوق الاخرى باسترخاء بارد: لا اهدى كده عشان تفهم اللي هقولهولك كويس.

هز رأسه وتابعه بنفاذ صبر وهو يجذب كوب المياه يرتشف ما به، فسحب على نفسًا مطولًا قبل أن يقول: أنا شايف إن جيه الوقت اللي نجوز فيه فريدة هانم.
سكب ما بفمه بوجه على هامسًا بصدمة: فريدة هانم اللي هي أمك!
أزاح بمنديله الورقي المياه بتقززٍ، وهدر بانفعال: أمال هتكون مين يعني!
جحظت أعين عمران وتساءل: على إنت شارب حاجة؟ ولا اللي حصل تحت من شوية خلاك تفكر إزاي تتخلص من فريدة هانم!

زفر بغضب: لا ده ولا ده، كل الحكاية إنها صعبانه عليا، إنت دلوقتي متجوز وأنا فرحي بعد اسبوع وشمس هي كمان فرحها بعد الامتحانات يعني ماما هتكون لوحدها يا عمران، ضحت بعمرها وشبابها كله عشانا وجيه الوقت اللي تعيش فيه حياتها ومتكنش فيه لوحدها.
بالرغم من سخافة ما يستمع الا أنه لم يستمع عدم التأثر بحديثه، فقال بسخرية لازعة: طب ويا ترى بقى لقيتلها العريس المناسب؟
هز رأسه وأجابه: عمك، أحمد.

برق عمران صدمة تفوق صدمته، فجذب جسده تجاه مقعده وهو يردد بعدم استيعاب: ده إنت بتتكلم جد بقى!
صرخ بعنفوان: أمال يعني جاي أهزر! ما تفوق وتتعدل!
قال وهو يحاول التحكم بهدوئه: أنا معنديش اعتراض طبعًا بس اللي بتقوله ده مستحيل فريدة هانم تقبله، سبق وعمك اتقدملها زمان وهي رفضت فأكيد هترفضه دلوقتي.
نهض عن المقعد وأسرع بالجلوس جواره: ودي مهمتنا بقى نقرب بينهم ونخليه تقبل الجواز بيه.

صمت يفكر بحديثه وهلة، ثم قال بضجر: أيه يعني اللي طلع الموضوع بدماغك واشمعنا عمك أحمد!
زفر بغضب فلم يكن يريد البوح عن ذاك السر ولكن لا طريق أمامه سوى مساعدة عمران وتقبله بالأمر، فقال بحزم: عمران، فريدة هانم وعمك بيحبوا بعض من قبل ما تتجوز بابا.
جحظت عينيه صدمة وصاح: أيه!

لأول مرة ينتابها احساس الهزيمة، اليوم تجرأ عليها أحد أبناءها وتحرر قاطعًا احدى الخيوط التي تحاوط معصمه، شعرت فريدة بتلك اللحظة بأنها تختنق، فخرجت للشرفة تشم الهواء ليسع لقصبتها التنفس، انحنت على السياج ساندة رأسها لذراعيها والهواء يحرك خصلاتها بقوة، ضغطت على ذراعيها بغلٍ ورددت من بين انهدار اتفاسها: استني عليا وشوفي هعمل فيكي أيه، الجوازة دي مش هتتم وقبل معاد الفرح هيكون كل شيء انتهى!

انتهت فطيمة من أخذ حمامها الدافئ وارتدت منامة بنية من الخزانة التي وجدت بها ملابس رقيقة قد أحضرتها لها مايسان وشمس صباح هذا اليوم، ثم بدأت باستكشاف غرفتها بحماسٍ، فخرجت للشرفة ومن ثم ولجت لكل دكنًا بها، فأكثر ما أعجبها لونها الأبيض المريح والفراش الذهبي الذي يتوسط أرضيتها، بالاضافة لمكانٍ مخصص لتبديل ملابسها.

استقرت عينيها على ذاك الباب المصفوف بمنتصف الحائط الخاص بالفراش، فكانت تظنه باب الحمام الخاص بالغرفة ولكنها وجدته ينجرف على الجهة الاخرى، فاتجهت تحاول فتح الباب لاستكشاف ماذا يطل؟
فُتح الباب أمامها لتجده يصلها لغرفة قاتمة الظلام، أضاءت فطيمة الاضاءة لتتمكن جيدًا من رؤيتها، فتفاجآت بصور على تمليء الغرفة، حتى الخزانة المحاطة بأحد زواياها كانت تخص ملابسه التي يصعب عليها نسيانها.

بالرغم من ارتجاف جسدها رهبة من تواجدها بمكانه الخاص الا أنها سمحت لذاتها بتفحص غرفته باهتمامٍ كبيرٍ، فجذب انتباهها مكتبته الصغيرة القابعة جوار النافذة، اتجهت إليها بتردد، فلفت انتباهها عناوين الكتب المختارة على الرفوف، وأغلبهم للعراب أحمد خالد توفيق، الكاتب المصري الذي حصل على عشق فطيمة لرواياته وأعماله الأدبية، وبالرغم من صعوبتها بالحصول على أغلب رواياته ورقيًا الا أنها كانت تقرأهم على الانترنت وتمنت يومًا الحصول عليها، وها هو على يغنتم تلك الغنيمة التي كانت أسمى طموحاتها يومًا.

وما جذب انتباهها وجود أكثر من عملٍ له، فجذبت الكتب تراقبها باهتمامٍ بالغ، وبسمة حماس جعلتها لا تتمنى عودة على لغرفته الآن، بينما هو يستمتع بتأملها من خلف الباب المؤارب، بعدما كان بطريقه لغرفته حينما انتهى من قص قصة أحمد وفريدة لعمران، فصدم برؤيتها داخل غرفته لذا حرص الا يقلقها بظهوره بالداخل، فهو أكثر الاشخاص معرفة بحالتها.

تمنى لو قضى عمره بأكمله يراقبها هكذا، سعادتها بالكتب كانت تزرع بسمته على شفتيه دون ارادة منه، وأكثر ما لفت انتباهه تعلقها بكتب دكتور أحمد خالد توفيق، فعلى ما يبدو بأنهما يحصلان على نفس العشق الخاص لكاتبهما المفضل.
أعاد على غلق باب غرفته وهبط لغرف الطابق الأول ليقضي ليلته بأحدهما حتى لا يفسد فرحتها واستقرارها النفسي، فتفاجئ بهاتفه يضيء برسالة معلنةٍ من الجوكر، فتحهل ليجد بها.

«مبروك يا عريس، معرفتش أكون موجود بعقد القران لإنشغالي بمهمة تبع الشغل، لكني هكون موجود الاسبوع الجاي في الفرح وبالفترة دي بحضر لفطيمة مفاجآة هتساعدك في علاج حالتها، بلغها سلامي ليوم لقائنا. »
أغلق هاتفه وهمس باستغراب وهو يسند ظهره للفراش: مفاجأة أيه دي؟!

هرب الظلام مع ليل ذاك اليوم وطلت شمس يومًا جديد، ومازالت كما هي تجلس بانتظار عودته ولكنه لم يعود، فاقت ليلى على صوت منبه هاتفها الذي يوقظها كل صباحٍ للعمل، فوجدت ذاتها تغفو بالردهة على المقعد بملابسها، فأسرعت لغرفة نومهما عساها تجده فوجدت الفراش مرتب كما كان، تهدلت معالمها يأس وجذبت هاتفها تحاول الاتصال به ولكنه لم يجيبها، فلم تجد سوى اللجوء لسيف الذي أتاها صوته يجيب: صباح الخير يا دكتورة ليلى، في حاجة ولا أيه؟

ارتبكت ولم تعلم ماذا ستخبره، ولكنه استجمعت شتاتها قائلة: يوسف فين يا سيف؟
رد عليها وهو يتثاءب: يوسف نزل من ساعة كده على المستشفى.
أتاه صوت بكائها، ورددت من بين شهقاتها: يوسف سايب البيت يا سيف ومش بيرد على مكالماتي عشان آآ.

قاطعها سريعًا باسلوب متهذب: ليلى اهدي، أنا عارف إنك بتعتبريني زي أخوكي بس يوسف مش بيحب أي مخلوق يتدخل في خصوصيات بيته فمش هيكون مبسوط لو عرف إنك حكتيلي شيء، خلي اللي بينكم بينكم عشان الامور متزدش.
جلست بجسدها على الاريكة، تصيح باختناق: طيب أعمل أيه يا سيف!
أتاه صوته الهادئ يخبرها ببسمة صافية: يوسف مفيش في حنيته ولا طيبة قلبه أنا اللي هقولك يا دكتورة!

وتابع بمكر: أقولك روحيله المستشفى واتكلمي معاه وهو أكيد مش هيسيب الامور تسوء بينكم لانه بيحبك.
ازاحت دموعها وتسللت الابتسامة إليها، فقالت وهي تهم لخزانتها بلهفة: هعمل كده، لما هرجع هكلمك سلام.

أغلقت الهاتف وأبدلت ملابسها سريعًا، ثم هبطت تقود سيارتها للمشفى الذي يعمل به يوسف، فجلست تترقب دورها بعدما دفعت ثمن الكشف دون البوح عن هويتها للممرضة، حتى أتى دورها فتماسكت وهي تشدد على حقيبتها، تخطو بارتباك للداخل.
تفاجئ يوسف بها، فسحب نظراته عنها للحاسوب من أمامه وهو يحاول كظم غيظه، ابتلعت ليلى ريقها بصعوبة بالغة وجلست على المقعد المقابل إليه، فقال دون أن يتطلع لها: جاية ليه؟

أجلت أحبالها الصوتية مرددة: أنا قاطعة كشف زيي زي أي مريضة والوقت ده من حقي يا دكتور.
تابع عمله على الحاسوب متجاهلها تمامًا، فعبث بأظافرها الطويلة قليلًا قبل أن تردد بخجل: أنا آسفة على الكلام السخيف اللي قولته إمبارح أنا مكنتش أقصد. حقك عليا.
جذب الأوراق يدون بها ما ينقله عبر الحاسوب، وكأنها هواء يترنح من أمامه، فمدت يدها تحجر يده التي تحرك القلم على الورق تناديه بقلبٍ مذبوح فؤاده: يوسف!

قبض صدره لهفة لسماعه اسمه بنبرتها الشبيهة بالباكية، فرفع وجهه لها ليجدها تعيد كلماتها ببكاءٍ تحرر فجأة: أرجوك متزعلش مني، إنت فعلًا عندك حق وأنا جيت النهاردة عشان أصحح غلطي.
وتابعت ببسمة صغيرة: وجاهزة إنك تكشف عليا.
وخز قلبه لسماعه كلماتها الاخيرة، فقال وهو يمنحها نظرة مطولة: مفيش له داعي، أنا مش عايز أولاد خلاص.

تحجرت أنفاسها جراء ما استمعت إليه، فازدردت ريقها بصعوبة بالغة وهي تتساءل بوجع: مش عايز أولاد مني يا يوسف؟
قال بجمود وعينيه لا تفارقها: لا منك ولا من غيرك.
نهضت ليلى عن مقعدها واتجهت إليه، فانحنت لتكون على نفس مستواه قائلة بابتسامة تعاكس دموعها المتدفقة: أنا اعتذرت على اللي قولته امبارح معقول مصمم توجعني بكلامك ده!

حرك مقعده الهزار ليكون قبالتها، وانحنى برأسه قبالة عينيها: المفروض تكوني طايرة من الفرحة، لاني خلاص بحلك من الخلفة اللي هتضيع مستقبلك يا دكتورة!
تهاوى الدمع دون توقف وعينيها لا تفارق خاصته، فاتكأت على المكتب حتى استقامت بوقفتها، فجذبت حقيبة ذراعها وركضت باكية من أمامه، فحرر سماعته الطبية عن رقبته وهو يفرك جبينه بغضب جعله ينزع عنه البلطو الطبي ويخرج من خلفها.

وجدها تستقيل المصعد فهبط الدرج، وحينما انفتح بابه وجدته يقف أمامها بانفاسٍ لاهثة، فابتسمت من بين نوبة بكائها وهرعت لاحضانه تضمه بقوة جعلته يطوقها كأنه عناقهما الاخير.
فهمست من بين شهقاتها: أنا آسفة.
ربت على خصرها بحنان، بينما عادت لسؤاله وهي تبعده عنها: سامحتني؟
تبلد لسانه عن النطق، وجذبها لسيارته، فصعد بها وقادها وهو يخبرها: في مشوار لازم أخدك عليه الأول وبعدها هقرر أسامحك ولا لأ!

غلبها النوم رغمًا عنها على الكتاب الذي جذبها كليًا، فلم تفق الا على صوت زقزقة العصافير المحاطة لشرفة غرفة علي، وبعدها استمعت لخطوات تخطو إليها، فبدت الصورة مشوشة لها ولكن الصوت تخلل لمسمعها جيدًا، لسهولة تميزه بعقلها الباطن، ففتحت عينيها على مصراعيها حينما وجدتها تقف أمامها تتساءل بغضب كالبركان: بتعملي أيه هنا في أوضة علي؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة