قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثامن والأربعون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثامن والأربعون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثامن والأربعون

صعق من الحالة المذرية التي أصبحت عليها، وجهها مكدوم بقوةٍ وكأن زوجها كان بعركةٍ ذكورية مع رجلٍ يجابهه بنفس قوته الرجولية، إن كان البادي من وجهها أمامه هكذا ماذا عن جسدها؟!
منحها نظرة ساخطة وهي تحاول الاعتدال بين ذراعي والدته التي تحاول أن تساندها لغرفة آيوب فنطق ساخرًا: بقى ده الراجل اللي اختارتيه وفضلتيه على أخويا!

رفعت خديجة عينيها الباكية إليه، ورددت بألمٍ نساء كبت داخل أعتى قلوبهن ليتمسد بقلبها هي: ظلمت يونس لما حطيته في مقارنة مع أشباه الرجال يا آيوب!
جحظت عينيه صدمة من جملتها التي شملت معنى مبطن جعله مرتعب حول شكوكه فيما يتعلق بها، تراجع للخلف وهو يتمنى أن لا يكون المفهوم الذي تسلل إليه صحيحًا، فاستدعى صوته الهادر يسألها: تقصدي أيه؟!

صرخت به رقية بانفعال: إنت لسه هتتكلم. اجري هات الدكتور بسرعة مش شايف حالة البنت!
مالت خديجة على يد رقية ورددت بصوتٍ هامس وهي تشير على ابنها الذي يقف جوار باب المنزل ببكاءٍ: ابني يا حاجة رقية، ابني أمانة في رقبتك إنتِ والشيخ مهران.
ومالت على ذراعيها فصرخت رقية بفزعٍ بآيوب: هات الدكتور بسرعه يا آيوب.

امتعضت ملامحه رويدًا رويدًا وهو يتأمل من يجلس قبالته ببرودٍ يستفز كل خلية داخله، ألقى عُمران قلمه الأنيق على سطح المكتب باهمالٍ متسائلًا ببرودٍ يحاول التمسك به: خير يا نعمان باشا. أيه اللي حدفك علينا؟ ولا رجلك خدت على المطرح!

رفع قدمه فوق الأخرى بتعالٍ وأشعل غليونه الثمين يسحب أنفاسه ويطلقها بوجه ذلك المحتقن ويجيبه: دي مقابلة تقابل بيها خالك! صحيح ما إنت ابن فريدة أكيد مفتقد لتربية راجل يعلمك إزاي تحترم الأكبر منك.
احتجز وحشه الوقح داخله، فقد سئم أن يكون سليط اللسان وبعدها يتمزق ندمًا وعتابًا لما باح به، فقال بهدوءٍ وأسنانه تعتصر شفتيه: معلش بقى ما أنا زي ما إنت عارف يتيم الأب.

وبألمٍ احتشد بنبرته الثابتة قال: مكسبتش فيا ثواب وربتني إنت ليه يا خال؟
تلاشت ابتسامته المنتصرة ليحتضر شبحه الغاضب، فتغاضى عن سخريته وقال: أنا جيتلك بنفسي عشان أبلغك إني هكون معاك في مشروع المول التجاري اللي إنت داخله. أصلي ميخلصنيش إسمك يتهز لما يتعرف إنك داخل مع اللي إسمه جمال ده!

وتابع بعنجهيةٍ: الولد ده شكله غبي ومبيفهمش أنا سبق وحذرته وقولتلك ينسحب لكنه مُصر يكمل، تمسكه بالمشروع خلاني أصدق احساسي إنه مستغبيك ولفف عليك عشان مصلحته وإنت زي الأهبل سايبله اللجام وهو ساحبك بشطارة.
احتدت رماديته بغضبٍ قاتل، فضم شفتيه معًا يكبت لفظه النابي الذي كاد بالتحرر من عرين سبابه، فتحلى بجموده وقال مستنكرًا: هو بردو اللي مصاحبني مصلحة!

أخفض ساقيه وصاح بعصبيةٍ: قصدك أيه يابن فريدة؟ بقى دي أخرتها بدل ما تشكرني إني خايف عليك وجريت جري أحذرك منه!
لم يهتز به شعرة لعصبية الاخير وأجابه بنفس هدوئه: أنا ممنون جدًا لنصيحتك الغالية دي وعشان أنا أهبل وبريالة هسلمه أغلب المشاريع اللي أنا داخلها.
وبخبثٍ محترف قال: مهو مينفعش واحد عبيط يمسك مشاريع بالضخامة والأهمية دي لوحده لازم حد ذكي وملوع يسانده.

أصابه بسهامٍ واحدًا تلو الأخر، لدرجة جعلته يشعر وكأنه سيشتعل من فرط النيران، فصرخ بعصبية محتقنة: طب إسمع بقى يابن فريدة. أنا عملت بأصلي وجتلك أطلب منك ندخل شركة في المشروع والظاهر إني كنت غلطان لما فكرت أجيلك بالادب والاخلاق فاستحمل بقى الاسلوب الرخيص اللي هلعب بيه معاك. أوعدك أن في ظرف أسبوع المشروع ده هيكون تابع لشركاتي.

اتشح ببسمةٍ ثابتة أربكت من أمامه، وقال بثقةٍ ورزانة: عيب يا نعمان تهددني في مكتبي. ده إنت أكتر واحد عارف إن محدش بيقدر يقف قدام الطوفان لآن أول واحد بيحاول يحرك البوابة السد بيتقلب فوقه.

ونهض عن مقعده المحتفظ بجاكيت بذلته واتجه جالسًا قبالته على المقعد الذي يفصل بينهما طاولة قصيرة، ثم ردد بنظرات مشتعلة: من كام يوم رفضت اتعامل مع العملا اللي سحبوا عروضهم من شركاتك لمجرد انسحابي من إدارة الشركة الأم. كان ممكن أقبل بالعروض دي وأنا متأكد إنك بعدها كان هيتخرب بيتك بس أنا معملتش كده. مش عشان القرابة ولا لإني خايف من رد فعلك العبيط زي ما أنت متخيل!

رمش نعمان بتوترٍ وخاصة حينما استطرد بصوتٍ قوي، واثق، ويده تشير على مقعد مكتبه المهيب: عشان أنا لما بقعد على الكرسي ده بتنافس بنزاهة وشرف، وموصلتش لكرسي مجلس الادارة من فراغ يا نعمان، أنا كنت في أولى جامعة وبنزل مع العمال أنفذ المشاريع بنفسي، أنا متقن أوي لحركاتك وبقولك لو هنقضيها تهديدات يبقى متزعلش من رد الفعل.

نهض عن المقعد يغلق زر جاكيته البني على بطنه السمين، وهدر بانفعالٍ: كده. ماشي يا عُمران والله العظيم لاندمك على وقاحتك وغرورك ده.
وتابع بنبرةٍ زلزلت الأخير وحشدت جنونه: صحيح مايا حامل! مبروك عليك بس خليك حذر آآ...
نعمان!

ابتلع باقي جملته حينما واجه زئير أسدًا مخيفًا مازال يلتف حول ساقه أغلال تمنعه من إلتهام لحمه حيًا: أقسملك بالله يوم ما تفكر تلمح مراتي بطرف عينك بس أو أي مخلوق من عيلتي همد صوابعي في عينك أصفيها.
وألقى المقعد من أمامه بجنون يراه لأول مرة لدرجة جعلته يتراجع للخلف بخوفٍ: إنت أيه يا أخي شيطان! ليه مصمم تخرج أسوء ما فيا! يلعن أبو الفلوس والثروة والمنصب اللي تخليك و بالشكل ده!

فور سماع فاطمة لصوت صراخ عُمران هرعت لباب المكتب الفاصل بينهما، فوجدته يقف قبالة خاله يحاول تنظيم أنفاسه المسموعة بأنحاء المكتب، يحاول التشبث بجموده ولو للحظات يخرج بها ما كبت داخله، فقال بصوتٍ مرتعش رغم صلابته: إنت ينقصك أيه عن أحمد الغرباوي؟ هو عمي وإنت خالي، يعني المفروض إنت اللي تكون قريب لينا عنه.

وأشار لرأسه بألمٍ: العقل بيقول إن اللي يطمع فينا هو عمي. لإن الثروة دي اغلبها راجع لأخوه وبالرغم من كده عمره ما طمع ولا حقد علينا، دايمًا كان جنبنا.

وتابع وقد لمعت دمعة خائنة بمُقلتيه: صحيح أنا تعبت كتير لحد ما كبرت اسمي رغم آني متعداش ال25 سنة بس اللي آنت متعرفوش إن اللي ساعدني وأخدني لاول الطريق كان عمي، كان بيساعدني بدون ما أعرف، أنا لسه بس من كام شهر عارف الحقيقة، اكتشفت إن هو اللي كان بيرشح اسم شركتي وبيدعمني بدون ما أعرف، هو شد ايدي لاول الطريق وإنت عايز تقضي عليا وواقف بتهددني بمراتي اللي هي بنت أختك يعني لحمك ودمك. وبتهددني بردو بابني اللي المفروض يكون في مقام حفيدك!

تحجر حلقه بمرارةٍ وخاصة حينما استطرد عُمران بوجعٍ: طول عمري بستغرب ليه بتكرهنا أوي كده، مسبتش حاجة الا وفكرت فيها! أنا زمان وأنا طفل كنت بفرح أوي اول ما بلاقيك داخل وبتحضنا حتى وأنا واثق إني أول ما هبص ورايا هشوف فريدة هانم. وعارف إنك بتأخد اللقطة قدامها عشان تبينلها انك حنين على اليتامى والجدير إنها تسلمك ادارة شركات سالم الغرباوي، وبالرغم من إنها منخدعتش وراك الا أنك مستسلمتش ولسه بتحارب لحد اللحظة دي.

وتنهد بضيقٍ وهو يسأله بسخريةٍ: مجاش الأوان إنك تستسلم بقى؟!
وأشار بيده إليه: أنا بس عندي عتاب أخير ليك. إنت كل خلفتك بنات ليه مفكرتش تكسبني لصفك وأكونلك الولد اللي اتحرمت منه؟
رمش بعينيه بصدمة، فتابع عُمران بضحكة صاخبة: أووه آسف أنا وقح وتقريبًا أكتر شخص إنت بتكرهه في حياتك طب وعلى يا خالي؟

رفع عينيه إليه فاستكمل عُمران بألمٍ: على راجل ومحترم وطول عمره بيعاملك كويس برغم افعالك ليه محاولتش تكسبه هو لصفك؟ ليه كارهنا أوي كده.

وصرخ به يخرج ما كبت بداخله منذ أن كان طفلٍ لا يتعدى عمره التاسعة: قولي أيه اللي يخلي شخص يحقد على طفلين أيتام! أيه اللي يخلي شخص يكره أطفال لمجرد إن باباهم سابلهم ورث وثروة كبيرة! أيه اللي يخليك تكون أعمى عن فريدة هانم اللي كانت بطولها ووراها تلات أولاد. ليه محاولتش تكون ليها الأمان والسند، ليه محاولتش تخدها في حضنك وتقولها متخافيش عيالك عيالي ومالك مالي...

وابتسم رغم انهمار دمعاته: بس إنت معملتش غير بالمقولة الاخيرة المال! بالرغم من إنك بتمتلك ثروة كبيرة إلا إنك أفقر خلق الله. وفي يوم هتكون ذليل ووقتها مش هتلاقي حد جنبك.
وضم يديه معًا له يخبره برجاء مؤلم: من فضلك متحاولش تظهر في حياتي تاني، أرجوك ابعد عننا وعني أنا بالذات عشان أنا مبقدرش أسيطر على لساني ولا أفعالي. فمش هسكتلك. بسببك أنا بقيت بكره نفسي في كل مرة بحاول أكون على مستوى وقاحتك!

وأشار لباب مكتبه بعنفٍ: اخرج ومتورنيش وشك تاني، وخليك على ثقة إن عُمران الغرباوي مش صيده سهلة عشان تدخل مكتبه وتهدده بأهله. خاف مني عشان أنا أبشع مخلوق وقت غضبه، خاف وإبعد يا نعمان والا أوعدك هخليك تحصل الأشراف من أجداد عيلة الغرباوي ووقتها مش هترحم عليك ثانية واحدة!

غادر من أمامه بخطواتٍ ثقيلة، وكأنه تلاقى لوح خرصاني فوق رأسه، فما أن أغلق الباب من خلفه حتى انحنى عُمران يلقي بذراعيه ما وُضع فوق مكتبه، لا يهمه حاسوبه، هاتفه، لوحات مشروعه، أوراقه الهامة، لقد تخلت عنه ثقته وقيادته، هو بالنهاية شخصًا عاديًا.

جلس باهمالٍ على مقعد مكتبه، يحاول موازنة أنفاسه، بداخله هاجس يحسه على أن يدمره وليريه ماذا سيتمكن من فعله أمام نفوذه؟ وأخرًا يعاتبه بصلة القرابة التي لم يتخذها ذلك الآرعن ضمن حساباته!
التقطت آذن عُمران صوت شهقات خافتة تسرى من نهاية الغرفة، رفع رماديته فتفاجئ بفاطمة تقف على أعتاب باب مكتبها الجانبي، الذعر والقلق يحتلان ملامح وجهها بتمكنٍ.

لعق شفتيه بارتباكٍ من حالتها الغامضة، خشى أن تؤثر فيها حالته الهائجة، صوته الصاخب، دفعه للأغراض، بالنهاية مازالت غير متزنة نفسيًا، تنحنح عُمران وهو ينهض عن مقعده يلملم الاغراض الساقطة بحرجٍ: فاطيما. إنتِ هنا من أمته؟
فجأته حينما اقتربت منه تساعده بحمل الأغراض، وتعيد تنسقيها على مكتبه بهدوءٍ غريب اتبعته حتى بمغادرتها لمكتبه.

ألقى بثقل جسده المسكين على مقعد مكتبه الرئيسي، يضم مقدمة أنفه بعصبيةٍ من ظهوره بتلك الحالة أمامها، لقد وعد أخيه بأن يراعي حالتها النفسية والآن لا يعلم حتى ماذا أصابها؟ فقد غادرت صامتة ولم تنطق بحرف يطمئنه بأنها على ما يرام.
مرر يده على جبينه بتعبٍ، فداعبت أنفه رائحة القهوة التي يحتاج لها وبشدةٍ في ذلك الوقت، أشاح يده ليتفاجئ بفاطمة تضع الكوب أمامه وتجلس على أحد المقعدين المقابلين له.

تناول عُمران الكوب وتناوله جرعة واحدة، وكأنه يرتشف دواء مسكن لوجعه القطعي، وما أن وضع الكوب للطبق حتى ردد ببسمة هادئة: شكرًا، كنت محتاجلها اوي القهوة دي في وقتها بالظبط!
واستند بجسده العلوي على المكتب يستحضر كلماته المشتتة: فاطيما انا آسف على اللي حصل من شوية آآ.
قاطعته حينما قالت بابتسامةٍ هادئة: أنا اللي بعتذرلك على دخولي المفاجئ. أنا سمعتك بتزعق فجيت عشان أشوفك وبصراحة اتصدمت من اللي سمعته.

وبتوترٍ قالت: تسمحلي أقولك حاجة.
اعتدل بجلسته بجدية: أكيد يا فاطمة اتكلمي.
سحبت نفسًا طويلًا جعله يشعر بصعوبة ما ستلفظه بالنسبة لها، فقالت وهي تفرك أصابعها بطريقةٍ لفتت نظره: لما حصل معايا اللي حصلي ده وقتها كنت مهزومة وحاسة إني شبه الأموات.

انهمرت دمعة ساخنة على وجنتها ترافق قولها: حسيت إن مبقاش فارق معايا شيء. حتى نجاتي من المكان نفسه مكنش فارق معايا. بس أكتر شيء علم معايا بطلوعي من المكان ده كانت حاجة واحدة.
بحذرٍ تساءل رغم عدم رغبته بفتح حديثًا قد يتعبها: حاجة أيه؟

رفعت عينيها إليه تخبره بصوتٍ مهزوم: الغُلب والاستسلام، كنت مغلوبة على أمري ومستسلمة تمامًا إني هخرج من المكان ده لدرجة إني حسيتهم كائنات مخيفة صعب حد يقدر يتغلب عليهم، مبقتش أفكر ولا أتأمل في حد لإن أكتر إنسان كنت متأملة فيه بسببي أتأذى وإتحمل اللي أسوء من الموت علشاني. كل ده ضعفني وخلاني أثق إن مفيش حد يقدر يهزمهم لحد ما إتبددت الفكرة دي كليًا لما شوفت بعيوني ناس أقوى منهم بيقضوا عليهم بمنتهى السهولة، وكانوا بيقعوا واحد ورا التاني قدام رجالة ظابط من المخابرات إسمه رحيم زيدان.

وتنهدت وهي تستكمل: ساعتها استوقفني خلاصة لحياتنا، خوفي الكبير منهم خلاني أشوفهم شياطين صعب حد يقدر عليهم وببساطة جيه الأقوى منهم وهزموهم بمنتهى السهولة، عشان كده خليك واثق إن مهما كان تجبر وظلم اللي قدامك هيجي اللي هيتجبر ويدوس عليه، ده القانون والعدل اللي أكد عليه ربنا سبحانه وتعالى.

وبثقةٍ قالت: أنا واثقة إن هيجي اليوم اللي يجيلك فيه مزلول وهيفتكر كل اللي قاله وعمله. يمكن يبنلك ندمه ويعتذر ويمكن يكون مغرور بس الأكيد إنه القلم اللي هيفوقه هيفضل فكره طول حياته.

وابتسمت وهي تستطرد: عايزة كمان أقولك بطل تقول عن نفسك إنك وحش. لإن مفيش إنسان سيء هيشوف الوحش اللي جواه، على زمان قالي الشخص القوي هو اللي ميتهربش من الذكريات المؤلمة اللي جواه وبيحاول يتهرب منها. الشخص القوي بيواجه نقاط ضعفه بكل قوته. وانا من وقت ما عرفتك شايفاك واقف صامد ومعترف إنك كنت غلط وشايف الوحش جواك وعندك القوة تواجه اللي أخطئ في حقك وتقوله إنت غلط. فإنت مش شخص سييء أبدًا.

أسبل بدهشةٍ من سماعها، فاجلي صوته الراحل عن حنجرته وردد بصدمة: هو أنا ليه حاسس إن على أخويا اللي قاعد قدامي!
رددت بعنجهيةٍ ساخرة: من عاشر القوم بقى!
تفردت ابتسامته وتحولت لضحكة مسموعه، ونهض يشير لها: طب يلا نرجع القصر يا مدام على الغرباوي!
رفعت ساعة يدها إليها، وبدهشةٍ قالت: بس لسه ساعتين على المعاد الرسمي!

ارتدى جاكيته والتقط مفاتيح سيارته قائلًا بمرحٍ: أخوكي المدير وجوزك شريك وليكي نسبة محتاجة واسطة أكتر من كده أيه عشان تخلعي بدري!
هزت رأسها باقتناعٍ وعادت إليه بحقيبتها، فهبطوا الدرج واتجه لسيارته، وكعادته فتح لها الباب الخلفي فاستقرب به وهي تشكره بامتنانٍ.

زوجها، أحمد، عُمران. رجال المنزل بأكملهم يحترمون ظرفها الخاص، فلم يضايقها أحدًا منهما يومًا وهو ما ساعد على كطبيبٍ بإعادة جزء من ثقتها. الأحترام والتفهم من رجال عائلته والحب والاحتواء من زوجة أخيه وشقيقته ووالدته.
استجابت للطبيب الذي يجاهد لاستعادتها الوعي، تشعر بألم بذراعها فتفحصته فوجدت الآبر الطبية ينغرس به، ويدها الأخرى يتشبث بها صغيرها ودموعه تهبط دون أي صوتًا وكأنه اعتاد احتباس بكائه.

استمعت للطبيب يخبر الشيخ مهران بضيقٍ بدى لها: المفروض متسكتوش على اللي حصلها ده يا عم الشيخ مهران. لازم تقدموا بلاغ فيه دي مش أول مرة أجي وأعالجها، لو ناويين تعملولها أنا هظبطلكم التقرير ومن دلوقتي.
أخفض الشيخ عينيه ومال برأسه تجاه فراشها وقال: القرار بايدها هي يا دكتور. أنا مقدرش أغصبها على شيء دي حياتها وهي حرة فيها.

تهاوت دمعاتها العاجزة بانهيارٍ، تتذكر الثلاث مرات التي أتت بهم لمنزل الشيخ مهران حينما اشتدت بها الآلآم وفاقت حد تحملها فأتى نفس الطبيب يعالجها، واستغرقت بمرتها الأولى قبالة الشهر لا تفارق الفراش ومرتها الثانية استغرقت خمسون يومًا، واليوم لا تعلم بعدما انكسر أضلاعها كم ستستغرق تلك المرة!

كان آيوب يقف أمام باب الغرفة يستمع بدهشة للطبيب، بينما خديجة مازالت شاردة بابنها، لقد نطقها صريحة بأنه سيقتل صغيرها، ابنها الذي ضحت بنفسها لأجل حمايته فإن كانت عودتها إليه ستشكل خطرًا عليه فما سيرغمها على العودة للجحيم.
خرجت من صمتها هادرة بقوة تعجب بها الجميع: جهز التقارير يا دكتور، هنقدم البلاغ والمرادي مش هتنازل عن حقي أبدًا!

دعمها الطبيب لشفقته الشديدة عليها: ده الصح يا بنتي. ده بني آدم همجي مكانه في السجون.
وإتجه ليغادر مرددًا: أستأذن انا يا شيخ مهران.
أشار له الشيخ واتبعه للخارج، فحدج ابنه بنظرة مندهشة من تسمره محله تاركًا والده يصطحب الطبيب للأسفل دون أن يطالبه بالبقاء والهبوط برفقة الطبيب هو، كان أمره غامضًا للشيخ مهران ولكنه تخلف عنه واتبع الطبيب للاسفل ليقصد احدى الصيداليات لاحضار الدواء.

استغل آيوب مغادرة أبيه ونادى والدته يخبرها بحدة: ادخلي يا حاجة قوليلها تلبس النقاب عشان عايز أتكلم معاها كلمتين.
جففت يدها بالمنشفة وقالت بحزنٍ: مالك بيها يا آيوب سبها في حالها يا ابني، بكفايا اللي جوزها عامله فيها.
شدد بحزمٍ تعهده رقية لاول مرة: ماما من فضلك ادخلي نبهيها إني داخل والا مش هتبع الاصول وهدخلها حالًا.

هزت رأسها باستسلامٍ وولجت تخبرها، ثم خرجت تخبره: قولتلها. بس بالله عليك يا آيوب ما تزعلها البت غلبانه ومش حمل أي وجع. أنا هروح اكمل طبيخ وانت مطولش جوه عشان ميصحش. مش عايزين مشاكل مع أبوك.
اكتفى بتحريك رأسه لها، وطرق باب الغرفة فما أن استمع لآذنها حتى ولج قاصدًا فتح الباب على مصراعيه وإلتقط مقعد ووقربه من باب الغرفة ليكون هناك مسافة كبيرة بينهما.

طالعته خديجة من خلف نقابها، تنتظر ما سيقول بفضولٍ، انزاحت نظرات آيوب عن الأرض وتعلقت بالصغير، تجعد جبينه بشكلٍ ملحوظ وهو يدرس تفاصيل ملامحه بشكلٍ جعلها تضمه لصدره بخوفٍ، فابتسم ساخرًا وقد تأكدت شكوكه: شكله اوي على فكرة.
برقت بعينيها صدمة، ومع ذلك حافظت على ثبات نبرتها: شكل مين؟

أخفض وجهه للاسفل، ويديه تفركان بعضهما بقوةٍ، وردد بصوتٍ جهوري مخيف: يا رب الشكوك اللي في دماغي متكنش صح. لآنها لو صح وخرج يونس من السجن هيقتلك؟
وبشكلٍ صريح صاح: ابن مين الولد ده يا خديجه؟

انهمرت دموعها تباعًا وصوت بكائها جعل مُقلتيه تتسع بجنونٍ، فنهض عن مقعده يصيح بعصبية: انتِ أيه يا شيخة! معندكيش قلب! اتخليتي عن الانسان الوحيد اللي حبك وقدملك كل شيء بدون مقابل، صدقتي عنه اللي اتقال وبعدتي عنه لمجرد انه اتحبس وانتي متأكدة إنه اتحبس ظلم. طعنتيه في نص قلبه وجاية دلوقتي بتكملي عليه!
وتابع بغضب كالجحيم قتل داخله طيبته وقلبه الناصع: بأي حق تنسبي ابنه لراجل غيره؟! بأي حق!

الولد مكتوب بإسمه يا آيوب وأنا معايا شهادة الميلاد الأصلية يا ابني!

قالها الشيخ مهران المستند على باب الغرفة بعكازه، وبين يده يحمل حقيبة الأدوية، خطى لداخل الغرفة يضعه على الكومود البني واستقام قبالة ابنه المصدوم يخبره بقلة حيلة: اسمع يا ابني كلنا. خديجة دفعت التمن وأغلى من اللي دفعه يونس. الفرق بينهم إن ابني راجل وقادر يتحمل اللي بيجراله ده لو كان عايش واللي قدامك دي ست عاجزة تدافع عن نفسها، بلاش تيجي عليها يا آيوب كفايا اللي شافته واللي شايفاه يا ابني.

ازدادت صدماته بشكلٍ جعل وقفته مهزوزة، فوزع نظراته بينهما وهي يحاول ايجاد سؤاله المناسب: آآ، إنت بتقول أيه يا بابا؟

بثباتٍ وعمق قال: الحقيقة يا ابني اللي عرفتها بعد طلاق خديجة من أخوك، معتز خطف خديجة وطلع بيها عند دكتور شمال كان هيسقطها وهددها إنها لو متابعتش اجراءات الخلع هتخسر اللي في بطنها، حاولت تهرب أكتر من مرة ومعرفتش وبالنهاية استسلمت وقررت تحافظ على اللي في بطنها، ولما كسبت القضية نفذت اللي طلبه منها وقالت للكل إنها متقدرش ترتبط بواحد رد سجون، وطبعًت كانت صدمة ليا ولينا كلنا.

وتابع وهو يجلس على المقعد بتعبٍ: طلعتلها الشقة فوق ملقتهاش، اختفت وأمها نفسها مكنتش تعرف ليها طريق لحد ما في يوم جالي اتصال من ممرضة طلبتني أروح المستشفى لإن في حالة بتولد وعايزة تشوفني، روحت واتصدمت لما لقيتها خديجة، حكتلي على كل حاجة وأنا عاجز ومش عارف اساعدها ازاي، قالتلي انه هيتجوزها بمجرد ما تولد وهيسجل الولد باسمه وهي رافضة تسجله غير باسم يونس عشان كده ساعدتها وخدعناه بشهادة مزورة لكن الاصلية معايا انا، فارس ابن يونس يا آيوب.

واستدار الشيخ يقابلها بنظرة أبوية دافئة: ولو على اخلاصها ليونس فالاجابة باينة قدام عنيك.
استطاع أخيرًا الخروج عن صمته كاسرًا حواجز صدماته المتتالية، فلعق شفتيه الجافة واجلى صوته: وهي ليه تضحي من الأساس، وحضرتك ليه سكت كل الفترة دي! سايب ابننا للحقير ده يربيه ليه مش هنقدر نأكله!

أجابته خديجة تلك المرة: لا يا آيوب أنا كنت بحمي ابني منه ومن تهديداته، لو عرف بإن فارس اتسجل باسم يونس وإن الشيخ مهران يعرف الحكاية هيأذي ابني.
صرخ بانفعال جعل بشرته تحتقن بحمرةٍ مخيفة: ليه مفيش رجالة تقفله!
واستدار لابيه يعاتبه بعصبية: ليه معرفتنيش كل ده؟ ليه سكت وقبلت إن الكلب ده يدوس علينا بجزمته!

استقام بوقفته يطرق عصاه بغضب: لاني معنديش استعداد اخسر ابني التاني! يا ابني احنا مهمناش تهديداته ولا كان في دماغنا وبالنهاية عمل أيه؟ ضيع يونس ولحد اللحظة دي مش عارفين هو عايش ولا ميت!

خرت قواه وتساقطت دموعه رغمًا عنه وهو يكمل: أنا اللي قدرت أعمله إني وقفت الخطيئة اللي كان هيعملها وسجلت الولد بإسم يونس، كنت هواجهه ومش فارق معايا يقتلني ولا يحبسني زي ما حبس ابني الكبير بس خوفي كله كان عليك وعلى حفيدي.
يا ابني الشر لما بيجري في عروق البني آدم بيخليه أعمى، لا أنا ولا انت نقدر نوقفه عن شره، ربنا موجود وقادر يخلصنا منه.

لم يتقبل آيوب سماع ما قال، فصرخ بنفس نبرته المحتدة: أبقى لبسني طرحة وقعدني جنبك عشان تبطل تخاف عليا يا شيخ مهران!
واستطرد بوعيدٍ مخيف: أقسم بالله العلي العظيم لأوريه يعني أيه يتشطر على واحدة ست، هاخد حق ابن عمي وهكسره وفي الحارة وقدام الكل!
أسرع للخروج فتمسك ابيه بيده وهو يتوسل إليه بخوفٍ: عشان خاطري بلاش يا آيوب. انا وأمك مبقاش لينا غيرك. مش كفايا إنه أخد عين من عيوني عايزه ياخد اللي متبقالي!

قالها وانهمرت دمعاته على خديه فتمزق قلب آيوب، ضمه إليه وهو يحاول تهدئة ذاته أولًا فبداخله يستشيط غضبًا.
هدأت نيرانه تدريجيًا وهو يلمح الصغير الذي غفى على الوسادة جوار خديجة المرهقة.
ترك ابيه واتجه للفراش يحمل الصغير بين يديه ويضمه لصدره بقوةٍ، يطبع قبلات متفرقة على وجهه بعينيه الغائرة بالدموع.
قلبه يخفق بقوة ويعلمه بأنه بالفعل يحمل قطعة من أخيه، ملامحه تشربت من يونس وارتوت من صفائه.

تابعته خديجة ودموعها لا تتوقف على خدها، أعاده للفراش وطرح من فوقه الغطاء ثم أخفض رأسه للأرض ووجه حديثًا صارمًا لها: من النهاردة إنتي وفارس مسؤولين مني أنا. بكره الصبح هأخدك لمحامي زميل ليا هنرفع القضية.
وبعينٍ تفيض بالانتقام: هيعيد الزمن نفسه والمرادي هو اللي هيتخلع.
اتسعت ابتسامة خديجة ورددت بصعوبة بالحديث: هفضل عمري كله مديونة ليك لو خلصتني منه يا آيوب.

هز رأسه بوعد قاطع لها، ثم رفع عينيه لوالده يخبره بايجازٍ: أنا هأخد مفاتيح شقة يونس وهقعد فيها عشان خديجة تاخد راحتها.
ربت على كتفه بحنان: ماشي يا حبيبي.
تركهما وغادر للأعلى بوجعٍ يختزل روحه، ولكنه سيتجه بطريقٍ مضمونًا للانتقام لا ينكس وعده لأبيه.
توقفت سيارة الأجرة أمام القصر، فهبطت زينب على استحياءٍ، واتبعها سيف الذي منحها ابتسامة هادئة: حمدلله على السلامة.

اكتفت بهزة رأسها، وضع يده بجيب سرواله بيأسٍ، وتنهد وهو يخبرها: بقالي ساعتين بحاول أقنعك إني بحبك وجاهز أكون معاكي لأخر الطريق وبردو لسه ساكتة، وبعدين يا زينب أخرة عنادك ده أيه؟

كادت بالحديث فأوقفها قائلًا: زينب أنا مقيد مش عارف أقربلك ولا أتكلم معاكِ بشكل اوضح، علاقتنا مينفعش تكون معلقة بالشكل ده. انا وأنا بستأذن من دكتور على كنت محروج ومش عارف أقوله أيه؟ وسبب قبوله إنه بيدينا الفرصة اللي بياخدها أي عريس بيقعد مع عروسته قبل قراية الفاتحه بعد كده مش هقدر، إنتي مصممة ليه تصعبيها عليا.

أحنت رأسها أرضًا تخفي دموعها، فلم ييأس وتابع بحديثه عساها تقتنع: أنا واثق إن في جواكِ مشاعر ليا.
وابتسم بمكرٍ وعينيه تتعلق على ما يخصه: والا مكنتيش احتفظتي بالخاتم بتاعي حولين رقبتك.
أخفت بيدها طوقها سريعًا فاستند على السيارة يتابع بتسلية: مفيش داعي أنا لمحته من أول ما شوفتك يا دكتورة.
حاولت الفرار من أمامه فلحقها وهي يهددها بتهورٍ: لو موقفتيش مكانك همسك دراعك حالًا ومش هيهمني.

توقفت محلها واستدارت له تزفر بيأسٍ، فغمز بمشاكسة: شكلك عايزاني أقلد حركات الأفلام الفاكسانه وماله نعملها حتى وأنا متكسر كده.
وانحنى قبالتها على ركبتيه يردد ببسمة ساحرة: دكتورة زينب تقبلي تكوني زوجة لدكتور وسيم، وجذاب، وآنيق، ودمه شربات، وبيحبك جدًا والله، ومبيتمناش غيرك. موافقة أكون في قلبك بدل خاتمي اللي محتفظة بيه ده.

مازالت تحتفظ بصمتها، بالرغم من فرحتها التي تهمس لها بالموافقة، فاتاها قوله المرح: زينب ردي بسرعة رجلي مبقتش شايلاني. راعي أني لسه مش بصحتي.
تخلت عن صمتها أخيرًا قائلة بحزنٍ: مش هقبل إني أكون السبب في أذيتك يا سيف أرجوك افهمني.
انتصب بوقفته بوجومٍ تامًا، وبحزمٍ أردف: هو إنتي ليه مصرة تكوني جبانه يا زينب، ليه عايزة تثبتيله إن اللي بيعمله بيأثر فيكي وجايب نتيجة.

واستطرد بجمودٍ: عمومًا الكلام مبقاش له لزمة. أنا عملت كل اللي أقدر عليه عشان مخسركيش بس الظاهر إن أنا بس اللي بحاول.
وتركها وإتجه للسيارة التي بانتظاره، فتح بابها وكاد بالولوج ولكنها أسرعت بالحديث: هتجيب دكتور يوسف وتيجي تقابل على أمته؟
استدار لها بابتسامة أربكتها وخاصة حينما قال: حالًا لو تحبي.
هزت رأسها نافية: لما على يرجع من السفر تقدر تيجي وتحدد معاد كتب الكتاب.

وهرولت سريعًا للداخل تاركة الابتسامة ترفرف على وجهه العاشق، فصعد للسيارة وسعادة العالم تلتف من حوله.
طرق باب غرفتها وهو يناديها، وحينما لم يستمع رد فتح الباب وولج يكرر ندائه بقلق: شمس!
انزوى حاجبيه بدهشة حينما وجدها تجلس بمنتصف الفراش محاطة بوشاح طويلًا يخفي وجهها وجسدها بأكمله، اتجه آدهم وجلس جوارها، يحمل طرف الوشاح الأسود الشبيه بالملحفة: ده أيه يا شمس؟
وتساءل بصدمة مضحكة: هو إنتي انتقبتي أمته؟!

سحبت طرف الوشاح من يده وأجابته بارتباكٍ: من النهاردة إن شاء الله.
رمش بصدمة مما يستمع إليه، فمسك على شاربه مردفًا باستهزاءٍ ويده تحاول الوصول لطرف الوشاح ليخلصها منه: بعيدًا عن إن ده مش النقاب فأنا جوزك يا حبيبتي يعني يحل ليا أشوف وشك!
فشل بالعثور على أوله أو أخره فردد بدهشة: أيه ده! شمس اطلعي من الخيمة دي حالًا.
قالت وهي تبعد يديه: لأ أنا مرتاحة كده.

تطلع لها بشكٍ: مرتاحة إزاي، في أيه يا شمس فهميني مالك؟!
هزت رأسها يمينًا ويسارًا وهيئتها كالاشباح: أنا كويسة. اطلع وسبني في خيمتي مرتاحة فيها أنا!
زفر بنفاذ صبر، وبهدوء زائف قال: أوكي يا روحي زي ما تحبي. ممكن تقومي بقى تغيري الملحفة دي وتستعدي عشان هخرجك. أنا بره من الصبح ولسه راجع عايز أعوضك عن اليوم اللي طار ده.
أجابته من أسفل الوشاح: خد الأذن الأول وبعدها هخرجلك من الخيمة.

صاح منفعلًا: أخد الأذن من مين. أنا جوزك يا شمس!
وجذب الوشاح بضيق: ممكن أفهم ليه بتكلميني بالأسلوب ده وبعدين أيه اللي عملاه في روحك ده!
وضيق عينيه بتخمينٍ: عُمران مش كده!
هزت رأسها بقوةٍ، وتابعت باصرار: عايزني أتكلم معاك إبعتله رسالة، عايزني أخرج من الخيمة تبعتله مزد كول. عايزني أخرج معاك رن عليه صوت وصورة.
ردد ساخرًا: طب ولو عايز أخد حضن أضغط على أنهي زرار!
قالت بخوفٍ: هو سابلي إرسال بالطلب ده.

اللي هو؟!
سايبلك رقم الحنوتي تبع عيلتنا هنا!
انطلقت ضحكاته الرجولية الجذابة بعدم تصديق لما يحدث أمامه، فأمرها بصعوبة بالحديث: شمس اطلعي أحسنلك بدل ما أحبسك إنتِ وعُمران اللي فارد ريشه ده!
بارتباكٍ قالت: مش هينفع صدقني، اتصل بيه ولما يقولي إطلعي هطلع متجبليش الكلام وحياة بابا مصطفى عندك.

توسعت حدقتيه بصدمة، فسحب هاتفه بغيظٍ ومرر زر الاتصال بعمران الذي استقبل مكالمته بفتح فيديو مباشر يجيبه: سيادة الرائد اللي نسى أصحابه وباع، عامل أيه يا حبيبي؟
ضيق عينيه بسخرية: حبيبك! تصدق أنا لو مش ظابط كنت اتخدعت بوشك البريء ده. حظك بقى!
تساءل ببراءة مصطنعة: ليه كده يابو نسب أيه اللي حصل لكل ده؟!
سحب الهاتف من عليه وسلطه على شمس وهو يصرخ بها: ممكن تفهمني أيه ده؟!

صعق عُمران وتلاشى صوته كفراشة عابرة، فسأله بصدمة: ده أيه ده يا آدهم.
رفع حاجبه باستنكارٍ: هتهزر!
أتاه صوتًا أخر يعرفه جيدًا: ده أنا يا موري!
تلقن مختصر ما يحدث، فصاح بصدمة: أيه اللي مهبباه في روحك ده. أنا قولتلك ربيه مش شيعيه!
اتاهم صوتًا رابعًا يدلف من الغرفة مناديًا: عمر، شمس ليه مخرجتش من الآآآآ...

ابتلع مصطفى باقي كلماته وهو يراقب الفراش برعبٍ، فأشار باصبعه لمن يجاوره وردد بتلعثم: قولتلك إني بسمع أصوات غريبة من أوضة أمك مصدقتنيش، أديها حضرت وهتطين عيشتي على القديم والجديد.
ونهض عن كرسيه بصعوبة جعلته يسقط أرضًا، ليستكمل طريقه زاحفًا وهو يصرخ دون توقف: شبح زُبيدة حضر!، عفريت!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة