رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث والستون
لم يخوض يومًا معركة عدوه بها هو أحد أحبابه، تلك المعركة حتمًا ستكون خاسرة لامحالة، اليوم شعر وكأن شياطين الإنس اجتمعت لتحول بذلك الدانيء نعمان، وأكثر ما يؤلمه أن من عراه ووضعه بفراش جوار زوجة أخيه هو الذي من المفترض أن يكون بمثابة والده!
أي ألمًا يقاسي الذي يخوضه الآن! يقسم أنه عاجز حتى عن تخيل الأمر، لم يتخيل أن يتدنى لمستوى حقيرًا لأجل الثروة ومكانته الآرستقراطية الوضيعة!
ليت وجع قلبه يكون بنفس حدة إبرة ليلى التي تلثم جلد كتفه الممزق، بعد أن رفض أن يخضع لحقنةٍ مخدرة، وترك محله أمام غرفة العمليات التي تنازع صبا من داخلها.
بالرغم من حاجته بالفرار والبقاء بمفرده الا أنه يشعر بتأنيب الضمير لما حدث لها، بالنهاية ذلك الشيطان شقيق والدته.
خيطت الجرح وعمقته، بس محتاجة أخد منك عينه دم قبل ما تأثير المخدر اللي اتحقنت بيه يروح من دمك، يوسف مشدد عليا.
صوت ليلى فصله عن عالم صمته القاتل، فاستدار لها يجيبها بجفاء: مفيش داعي يا دكتورة.
ضمت شفتيها حزنًا عليه، ولكنها ستجاهد مع زوجها لكشف الحقيقة، ورفع تلك التهمة الباطلة عن تلك المرأة التي لم ترى منها الا كل خيرًا، ولربما كونها امرأة تعلم كيف تكون مصيبتها، فقالت: بشمهندس عُمران أنا مقدرة حالتك، بس لو فكرت في الموضوع بحكمة هتلاقي إن براءتك مش هتحررك لوحدك من التهمة دي.
وأشارت لغرفة العمليات مستطردة: صبا محتاجة البراءة دي أكتر منك، فلو مش هتعمل كده لنفسك فكر فيها وفي ابنها وهما بينازعوا للحياة!
أغلق جفونه بعنفٍ معتصرًا رماديته، فاكتفى بهزة من رأسه ومن ثم فرد ذراعه العاري لها بفعل تضميدها لجرحه منذ قليلٍ.
سحبت ليلى جرعة من دمائه، عازمة أن تظل بالمختبر لحين إثبات براءتهما المتأكدة منها، وقبل أن تستكمل طريقها أوقفها نداء عُمران: دكتورة ليلى.
استدارت إليه فقال وهو يرتدي كم قميصه الاخر: مايا كويسة؟
أسرعت تبث له الطمأنينة: الحمد لله حالتها ممتازة.
وأشارت بيدها خلف مكان جلوسها: أهي تقدر تطمن بنفسك.
وتركتهما وأسرعت للمختبر، بينما إلتفت عُمران للخلف فتفاجئ بوجودها بعدما انتهت من المحلول الذي وُضع لها فور وصولها للمشفى برفقة عُمران، فبقيت باحدى الغرف الطبية وبقى هو محله أمام غرفة العمليات.
أحاط التوتر والارتباك تلك اللحظة، وما هي الا لحظة المواجهة، استند عُمران على حواف الأريكة المعدنية، ينكس رأسه بحزنٍ، يدعو الله ألا يزيد من عمق جرحه إن صدمته زوجته هي الاخرى، يكفيه صديقه وما فعله به!، يقسم أنها إن فعلت فلم يعد بداخله ما يبقيه على قيد الحياة!
شعر بجلوسها الملتصق به، صمتها القصير كان كالأعوام القارصة بالنسبة له، كتلك الأرض القاحلة التي تترقب بفارغ الصبر نزوع المطر فوق تربتها، وها قد أتاه الخلاص حينما مررت كفها الرقيق المحتفظ بالكانيولا الطبية على ذراعه، حتى وصلت لكفه فضمت أصابعها بين أصابعه.
عاد بظهره لمسند الأريكة يتمعن بعينيها كالغريق الذي يبحث عن قارب نجاته، فأتته تروي ظمأه حينما قالت باكية: إنت مستحيل تعمل كده، أنا مصدقاك يا عُمران.
بدا وكأنه لم يستمع لها، فعادت تؤكد ببكاء وحزن عليه ليس منه كما ظن: لو الكون كله كدبك فأنا الوحيدة اللي مصدقاك، إنت عمرك ما تخون.
أحاط رقبتها بيدها، جاذبها لصدره بقوته، يضمها بشغف، ممتنًا هو لوجودها بحياته المظلمة، كالطائر الشارد وكانت هي منارته، كذلك الخيل الحر الذي أصابه مرضًا لا نجاة منه سوى الرمي بالرصاص فكانت هي رصاصة رحمته!
ضمته تحيطه بضعف جسدها الهزيل مقارنة به، تود لو أن ينشق صدرها لتخفيه عن الكون بأجمعه، ذلك المطعون غدرًا من أقرب الأقارب، مازال يحاول الصمود!
ثلاثون دقيقة يحتمل على كتفها بثقله، ومع أنها تكبت أنينها ألمًا الا أنها لم تشتكي، تعلم بأنها بحاجة لها عن أي وقت مضى عليه.
ابتعد عنها الآن يطالعها بنظرة حفر الغرام بها وصمة عاشقة، أزاح عُمران دمعة فضحت موطن ضعفه، وسألها بصوتٍ لمست فيه انكساره بوضوحٍ: أنا آسف ألف مرة إني حطيتك في الموقف ده يا مايا. ياريت نعمان كان ذكي وقتلني أفضل عندي ألف مرة من إني أخليكِ تشوفيني في وضع زي ده.
ابتعدت عنه تواجهه بنظرات اتسعت عن مُقلتيها، فجذبت كفه تحيط بها بطنها: طيب وده مين يربيه؟
ابتسم وقال ويده تزيح دمعاته: دكتور على هيربيه، عشان ميطلعش وقح زيي إنتِ ناسية إن دي تعليماتك!
هزت رأسها بحركة جنونية واستكان كفها محل قلبه: ولا أي شخص مهما كان صلة قرابته وقربه يتحط في مقارنة معاك يا عُمران!
ضم وجهها بين يديه ومال يقبل جبينها، هامسًا لها بعشقٍ: حبيب قلبه وروحه إنتِ يا مايا.
ابعد دموعها عن وجهها ومازال يقابلها بنظراته الدافئة، انتظر أن تهدأ الأوضاع بينهما ثم تساءل باهتمامٍ: وصلتي المكان ده ازاي؟
جذبت حقيبتها تحرر سحابها، وقدمت له الهاتف قائلة: الرسالة دي وصلتني وفيها العنوان.
جذب الهاتف يقرأ محتويات الرسالة بتمعنٍ
«جوزك بيخونك، لو عايزة تتأكدي هبعتلك اللوكيشن تتأكدي بنفسك».
منحها الهاتف وعينيه تكتاظ بعاصفة رملية تكاد تحيط من حوله، خطته كانت محكمة بدرجةٍ مخيفة، وأكثر ما يؤلمه انتصاره بتلك الجولة!
ترك سيارته بمنتصف الطريق وصعد للأعلى الدماء تفور بأوردته، لم يعبئ بصياح أفراد أمن المشفى بإبعاد سيارته عن منتصف الطريق، واستكمل طريقه للأعلى.
سقطت نظراته عليه وهو يجلس أمام غرفة العمليات، عماه غضبه الجحيمي، فاندفع حتى بات قبالته، يهدر بانفعال وأنفاسه تعلو تدريجيًا كأنه بين ساحة الحرب: أيه مش قادر على بعدها؟ بعد كل اللي حصل ولسه ليك عين تيجي وراها لحد هنا؟!
رفع عُمران بصره لمن يقف أمامه، تفحص به بنظرةٍ حائرة، وكأنه يرى شبحًا لشخص يمتلك نفس ملامح رفيقه ولكنه ليس هو.
تمسكت مايا بذراع زوجها بخوفٍ فور رؤيتها لجمال، بينما صاح الاخير: أنا عايز أعرف إنت إزاي قدرت تعمل فيا أنا كده؟!
أطبق على شفتيه يححب ما يعتليه من كلماتٍ حادة، ففجأه جمال حينما جذبه ليقف قبالته بهمجيةٍ: قوم كلمني، ساكت ليه!
تعلقت رماديته به، وبانهزامٍ أجابه: ساكت لإني مش عارفك!
ضحك باستهزاءٍ: مين اللي طلع يعرف مين؟ أنا اتصدمت فيك صدمة عمري إنت والرخيصة اللي مرمية جوه!
مرت من خلف ظهر زوجها تصرخ بغضب لم تستطيع السيطرة عليه: مش من حقك ترميهم بالاتهام ده الا لو معاك دليل على كلامك، شوية ونتيجة التحاليل هتطلع ووقتها هتندم يا بشمهندس.
طالعها بنظرة محتقنة وصاح: عايزة دليل أيه أكتر من اللي شوفناه بعنينا!
جادلته بقوةٍ وهي تشير على الهواتف التي مازال يحملها: عُمران قالك افتح الموبيلات وشوف الرسايل، افتحها وإتاكد تاني.
ابتسم ساخرًا منها، ففتح الهواتف وسلطها إليها: أنا لما فتحت ملقتش حاجة يا بشمهندسة! الظاهر إنه عملك غسيل مخ.
طال صمت عُمران وحدقتيه لا تفارق أعين رفيقه، كأنه يحفظ ملامحه، ويسجل كل حرفٍ يخرج عنه، ليقوي ذاته لإتخاذ قرار كهذا.
اعترض ذراعه التقدم أكثر، وبتحذيرٍ ردد: ارجعي مكانك ومتتكلميش تاني.
ابتلعت ريقها بتوترٍ من هدوئه، فتراجعت للخلف وتركته بمواجهته، طالعه عُمران بنظرات مظلمة وقال: هو أنا مش قولتلك إنها خلصت، لسه واقف وبتعاتب ليه؟ أنا قدامك أهو لو في نيتك شيء إعمله وصدقني مش همنعك!
دنى إليه يقتنص مسافاته، مرددًا بنبرة سكن بها الدمع والألم: مش بالسهولة دي، المنظر اللي شوفته ده ميمحهوش موت، إنت مخنتنيش بس إنت نهشت لحمي وأنا حي يا آآ، يا صاحبي!
ونغز بصبعه صدر عمران الذي لم يتحرك إنشن واحدًا: بس إنت عارف، أنا اللي كنت غبي، واحد زيك عمل كل شيء محرم فالمفروض أتوقع منه أيه!
وتابع يقضي على أخر ما تبقى داخل الاخير: إنت اللي زيك اللي حوليه لازم يحذروا من إنه يكون موجود في حياتهم، وأولهم أخوك!
واستطرد بكره شديد: اللي محيرني ازاي دكتور على بيأمن على مراته معاك إنت وهو عارف إن أخوه وضيع وزير ستات!
جمال!
صرخة غاضبة انفلتت على لسان علي، بعدما هرع للأعلى راكضًا فور أن علم بما حدث من ليلى، فما أن وصل للطابق المخصص للجراحة، تصلب جسده منذ سماع حوار جمال لاخيه، كاد ان يسقط من طوله وهو يحاول استيعاب ما وصل به الأمر بينهما.
لم يكن من الصعب عليه تخمين الحقير الذي أوقعهما بهذا الفخ، تمزق قلب على حينما رنا إليهم فتمكن من رؤية وجه أخيه الشاحب، ود لو خطفه بأحضانه، يربت عليه ويآزره بقوةٍ، يخبره بأن ما حدث ليس الا حلمًا، كابوس لن يعود.
وقف علي قبالة جمال يحدجه بغضبٍ ونفور، فقد توازنه، عقلانيته، هدوئه، أي اتزان داخله فور أن مس الأمر أخيه بشكلٍ مباشر، طوق مقدمة قميصه وهدر بثباتٍ وثقة: عُمران ميخنش يا جمال! سامع!
وتابع ورماديته لا تحيل عن الأخر: اللي حصل ده كله من تدبير نعمان عشان يفرقكم عن بعض وللأسف نجح، بس اللي انا مصدوم منه إنك وقعت بمنتهى السهولة، وواقف تتهم صاحب عمرك ومراتك الست الشريفة!
تفتكر واحدة في شهرها الاخير من الحمل هتروح تخون جوزها! طيب ولو هو خاين هيشوفها امته وهيخونك أمته وهو تقريبًا معاك ال24ساعة! ومراتك مش والدتك كانت معاها طول الفترة اللي فاتت، قالتلك مرة انها نزلت من وراك أو لاحظت عليها شيء مش طبيعي!
أغلق جمال عينيه بقوة ويده تفرك رأسه بوجعٍ يهاجمه فجأة، زوى علي حاجبيه وهتف: مالك؟!
كبت ألم رأسه واستقام بوقفته قبالته يبلغه: مالهاش لزمة تنصب الحوار ده عشان تخرج أخوك منها يا دكتور علي.
تعمق بالتطلع لاحمرار عينيه بنظرةٍ خبيرة، وسأله: إنت شارب أيه يا جمال؟!
تمادى بالضحك وقد تمكن منه الوجع فانحنى يستند على الأريكة المعدنية: هتطلعني شارب ومجنون عشان تنجيه من اللي عمله! متقلقش أنا مبشربش ولا بتعاطى شيء.
ضم رأسه بيده وقد ازداد دواره بشكلٍ عنيف، فطرق على جانب رأسه وهو يصرخ بألمٍ قاتل، جعل الاطباء يهرون إليه من كل صوبٍ.
نزع عنه عُمران جاكيته وجرفاته، ليتمكن من التقاط أنفاسه، فاذا بلون احمرار جلده الصريح يؤكد صدق شكوك علي.
تحامل على ذاته ودفع ذراع عُمران عنه هادرًا به: أوعى تقرب مني، إنت أخر واحد ممكن أستنى منه يساعدني.
تحرر غضبه المكبوت داخله منذ تلك الساعات الحرجة، فلكمه وهو يصرخ بوجعٍ: اخرس بقى، قولتلك ألف مرة إنها لعبة قذرة من الزفت نعمان، شوف مين اللي خد تليفونك وبعتلي أنا ومراتك الرسايل دي وحذفها.
دفع جمال الطبيب عنه وحاول أن يستقيم بوقفته: متحاولش تطلع منها يا عُمران، إنت خاين سامع خاين!
جذب على أخيه بعيدًا عن محل جمال قائلًا: سيبه دلوقتي يا عُمران، جمال مش طبيعي، أكيد اتحطله حاجة أو اتحقن بيها.
واستطرد وهو يسير على مايسان التي تقف بنهاية الطرقة: خد مايا وروح ارتاح شوية.
اعترض على قراره قائلًا: لما أطمن على مدام صبا، لا هي ولا اللي في بطنها ليهم ذنب في وساخ نعمان الحقير.
واستطرد بقلقٍ: يوسف جوه بقاله ساعتين ونص!
وقف عاجز أمام شهامة أخيه، بالرغم مما حدث مازال يُصر أن يكون جواره.
سكن الهدوء الاجواء بعدما حقن الطبيب ذراع جمال بمادة مضادة لنوع المخدر القوي الذي تعاطاه، فجلس شاردًا وهو يضم ذراعه، كيف وصل له هذا العقار؟ والاجابة كانت مرتبطة بمرارة القهوة العجيبة التي تناولها اليوم وماذا عن أمر الهاتف؟
داهم عقله ذكرى اليوم، حينما بحث عن هاتفه ليجرى مكالمة عمل هامة، فبحث على سطح المكتب وبالأدراج، وحينما لم يجده طلب السكرتير الخاص به يخبره بأنه لم يجد هاتفه، والمذهل أنه وجده بجوار حاسوبه الشخصي بالرغم من أنه بحث مرتين بنفسه!
رفع عينيه يقابل الأريكة المعدنية حيث يجلس عُمران جوار علي، بعدما أصر على مايا العودة رفقة سائق القصر، سلط بصره عليه طويلًا، فتدفقت من عينيه دمعة رأها عُمران بوضوحٍ، بينما أنكس على رأسه حزنًا لعلمه بأنه الآن استعاد وعيه!
عاد له وعيه بعد خسارته لرفيقه وزوجته وابنه الذي يواجه مصيره على بعدٍ منه، استدار على لأخيه، ووضع كفه على يده الموضوعة جواره، هامسًا له: مكنش في وعيه يا عُمران.
منحه ابتسامة صُوبت لقلبه سهامًا اختذلت جراحه، لأول مرة يرى أخيه يحمل وجعًا طائلًا مثل الذي يحمله الآن.
صرير باب غرفة العمليات أطاح بسكنةٍ الجميع، نهض علي و عُمران يتجاهان ليوسف الذي رمق جمال بنظرة مغتاظة قبل أن يجيب على سؤال علي: طمنا يا يوسف!
قال يجيبهم: بصعوبة أنقذت الجنين، أما مدام صبا فحالتها حرجة للأسف، ال12 ساعة الجايين دول هما اللي هيحددوا مصيرها، ربنا يستر.
مال عُمران يستند على الحائط القريب منه، تابعه يوسف بنظرة مشفقة على حالها وقال: روح غير هدومك وارتاح شوية، ولو في جديد هكلمك.
تمسك على بحديثه وأصر عليه: يلا يا عُمران، وقفتك هنا ملهاش لزمة، وبعدين جمال محتاج يكون لوحده ويراجع حساباته.
منحه ابتسامة ساخرة وقال: معتش في حسابات تجمعنا تاني يا علي، من اللحظة دي وكل واحد ليه طريقه.
ربت يوسف على كتفه بحزن: انتوا الاتنين محتاجين ترتاحوا وتهدوا، روح غير وارتاح وبعدين نتكلم.
هز رأسه باقتناعٍ وغادر برفقة أخيه، دون أن يتطلع ناحيته، يثبت له بكل خطوة أن طرقاتهما افترقت!
أخر شيء كنت أتوقعه إن الخاين ده يبيع بلده!، الميكروفيلم ده لو وصل في إيدهم متخيلين مصير البلد هيكون أيه؟!
هدر بها رئيس الإستخبارات العسكرية المصرية بعصبيةٍ بالغة، وقد تجمع من أمامه كبار قادة الجيش، الأمر كارثي ومخيف بعد أن نجح الكيان الصهي. وني بتجنيد رجلين من رجال الشرطة، احدهم كان سند الذي كشفه (عمر الرشيدي، آدهم).
كان الجوكر والاسطورة من أوائل القادة الذين حضروا لذلك الاجتماع الطارئ، وخاصة أن من بلغ بالأمر هو الجوكر مراد زيدان، مؤكدًا أن آدهم قد تحقق من الأمر ومن بعدن الجوكر.
ومن بين تلك الطاولة الضخمة المستديرة، التي تضم مراكز حساسة من المخابرات، تم تكلفة الجوكر مراد زيدان والاسطورة رحيم زيدان بضرورة التوجه لميلانو، لاعادة الميكروفيلم سريعًا قبل أن يقع بيد العدو، وإن تعثر الأمر فعليهما اتلافه وضرورة التأكد من أنه لا يوجد نسخة أخرى قد توقع بهم.
خرج القادة بشكلٍ سري، وقد اتجه الجوكر لمكتبه، يستعين بفريقه لضرورة التحرك في الحال، وقد استبعد آدهم من اجتماعه الطارئ.
ظل لساعتين يجتمع بهم وما أن انتهى الاجتماع وخرج الفريق حتى ولج إليه آدهم يواجهه بحزنٍ: زي ما توقعت آن حضرتك هتبعدني عن المهمة دي.
أغلق مراد حاسوبه وأعاده لحقيبته، قائلًا دون أن يستدير إليه: فكر في فرحك وانسى شغلك شوية يا سيادة الرائد.
دنى لمكتبه الفخم يستند على حافته: بس حضرتك عارف إن أي مهمة تكون معاك بشكل مباشر يهمني أكون معاك فيها، ليه بعدتني ومختارتنيش من الفريق!
استدار مراد إليه يحيطه بنظرة شملت الضيق منه، ذلك الأبله لن يعيش يومًا لنفسه أبدًا، يود العمل حتى يوم زفافه.
تمرن على ضبط معدل أنفاسه الثائرة، ولف من حول مكتبه يحيط كتفه: وبعدين معاك يا عمر، قولتلك ركز في فرحك وسيبك من الشغل، يابني عيشلك يومين صدقني هتندم.
رأى معالم الضيق يشق ملامحه فتابع: لو احتاجت لمساعدتك هستدعيك فورًا، مرتاح كده.
زوى حاجبيها يفكر بما قال، فهز رأسه باستسلامٍ، كونه يعلم أنه لن يتراجع عن قراره، فغادر لمكتبه بهدوءٍ، ربما لا يعلم أنه سيكون الحامي الوحيد لأسرار بلده العسكرية!
وقف عُمران أسفل المركز الطبي صافن بالمارة، يداهم أذنيه صوت أبواق السيارات، والاضاءة من حوله، بينما عقله مشحون بصراعٍ يكاد يفجره من فرط الضغط، يود لو طرق بيديه عليها لتكف عن اطلاق ذلك الصرير القوي.
وقف على أمامه بسيارته يشير له بالصعود، فانحنى لنافذته المفتوحة يخبره بصوتٍ كسير: على أنا عارف إنك هتعارضني بس أنا عايز أكون لوحدي ممكن.
ترك المقود والتفت إليه يشير بصرامةٍ: اركب يا عُمران أنا مش هسيبك.
باصرارٍ قال: بس أنا عايز أكون لوحدي يا علي.
قالها وإتجه لسيارته على الفور، يقودها بسرعة كبيرة، أرغمت علي أن يتبعه قلقًا عليه من تلك الحالة المريبة التي يبدو عليها.
وجده ينجرف بسيارته أمام أحد المحلات، صف سيارته وإتجه للداخل ثم عاد بعد قليل يحمل كيسًا بلاستيكيًا مغلقًا، ويعود لسيارته ومن ثم قادها لطريقٍ متطرف.
اندهش علي من المكان المنعزل الذي قاد عُمران سيارته إليه، فصف سيارته بعيدًا عن مكان وقوفه، وتسلل لمحله خلسة.
وجده يجلس أرضًا جوار سيارته، يضع الكيس البلاستيكي من أمامه، إتخذ علي الجانب الأخر من السيارة ستارة لتغطيته، وأخذ يراقب ما يفعله.
توسعت حدقتيه صدمة، حينما رآه يقرب من فمه زجاجة من الخمر، ويبكي أمامها بارتباكٍ، يبعدها ويعود ليقربها مترددًا بارتشاف أول قطرة منها، متخيلًا أنها ستريح وجع قلبه.
ضم على ساقيه لجسده وأطلق العنان لدموعه، كلما وصل إليه صوت أخيه الباكي، لأول مرة يراه يبكي وينهار بتلك الدرجة التي تجعله عاجزًا حتى عن الاختيار، فهمس بصوتٍ ضعيف: لا يا عُمران أوعى تعملها!
بينما على الطرف الأخر.
يقرب منه زجاجة الخمر، وجسده ينتفض من فرط كبته للبكاء، يرى طريقًا قصيرًا يفصله عن مسكن مؤقتًا لأوجاعه، ويرى بعينه الاخرى طريق المعصية الذي يزينه له الشيطان ليعرض عن طريقه.
كانت أصعب معركة يقودها بحياته، ما بين رغبته العطشة لتسكين أوجاعه ووهم الشيطان له بأنه يحمل الجرعة بين يديه، وما بين الاعراض عن ارتكاب كبيرة مثل تلك التي تعهد بعدم العودة لها، وما بين هذا وذلك انتصرت ارادته وقوة إيمانه فاذا به يهشم الزجاجة على عجلة السيارة التي يرتكن عليها، محررًا صارخة احتبست بداخله طويلًا، ونهايتها مناجاة لشخصٍ انتهكته الحياة: يا ررب!
صوت حطام الزجاجة أعاد الروح المنزوعة عن علي، فابتسم فرحة بانتصار أخيه على شيطانه اللعين، ولكن صوت بكائه يشق صدره فوالله يشعر وكأنه يستمع لصوت عظامه وهي تسحق.
زحف على وانتقل بجلسته حتى وصل لمقدمة السيارة، فجلس جواره من الجانب الاخر، بينما يجلس عُمران مستندًا على بابها الجانبي، فاذا بصوت أخيه يذيع لسكنة الليل الذي ظن أنه وحيدًا تحت سقفها: عُمران أنا هنا وسامعك! أنا عارف إنك مبتحبش حد يشوفك وإنت في الحالة دي، أنا هطلع قدامك حالًا وهشوفك!
أزاح دموعه سريعًا، ومال برأسه فتمكن من رؤية جسد على بوضوحٍ، انزوى بجلسته حزنًا، وكأنه يخفي نفسه عنه، زحف على حتى بات يجاوره، تعمد أن لا يتطلع إليه حتى لا يزيده ضيقًا، وقال: عارف يا عُمران، كل عقبة مرت عليك كنت بيني وبين نفسي بتراهن إنك هتعديها، بس المرادي حسيت إن شيطانك هيغلبك، بس إنت طلعت أقوى مما تخيلت!
واستدار بجسده كليًا إليه، يرفع ذقنه ليواجهه: بتنزل رأسك ليه؟ إنت معملتش اللي يخليك محني كده! إنت مغلطتش يا عُمران!
سال دمعه وكُسرت روحه معها، فجلى صوته المبحوح: لما اللي مني يعريني ويغدر بيا ده ميخليش دهري محني العمر كله يا علي!
واستطرد ودموعه تزداد في مجرى شلالها: صاحبي واللي كنت فاكره أخويا بيتهمني بالخيانة وواقف في وشي بيعايرني بماضي عدى وانتهى ده ميخلنيش محني؟
وبصوتٍ باكي قال: أنت نفسك يا على وقت اللي حصل مع فاطيما شوفت في عيونك نفس النظرة، مع إنك كنت بتحاربها وبالنهاية انتصرت وقتلتها بس أنا شوفتها وحسيت باللي جواك من قبل ما تطلعه.
ورفع ساقيه يحاول بها ذاته، معلنًا اكتفائه بذاته مطيبًا لجروحه، مداويًا لوجعٍ مستمرًا مادام قلبه مازال يخفق: كلكم بتحاسبوني! كلكم مش فاكرين غير الخطايا اللي عملتها! كلكم بقيتوا جلادين، فقدتوا أدميتكوا وبقيتوا وحوش!
وصرخ بصوته المبحوح: أنا أحسن منكم كلكم، أنا عمري ما كنت خبيث ولا منافق، عمري ما كنت كداب ولا بوشين، غلطت آآه انا غلطت لإني بني آدم مش ملاك، غلطت وندمت وبعدت عن الطريق ده اللي انتوا كلكم شايفين إني مينفعش أكون غير فيه!
ارتعب علي من حالة أخيه، التي صرحت له ولوجه لأذمة نفسية حادة، انفلات أعصابه، صراخه الهادر، يسترعيه بضرورة التدخل لتهدئته قبل أن تطور الامور.
اندفع إليه على يحتويه بين أحضانه، وبالرغم من أن الفرق الجسماني بينهما ملموسًا الا أنه استطاع أن يحيطه بهالة من الطمأنينة وسط حالة الضياع الذي يخوضها.
ضمدت مايا نص قلبه النازف، وضمد أخيه النصف الأخر، فشعر بأن سخونة جسده تنهمر ببرودة تجتاحه.
مال عُمران على كتف أخيه يغلق عينيه بتعبٍ شديد، فإذا بعلي يهمس له باكيًا: والله العظيم عُمري ما بصتلك النظرة دي، ده أنا أتعمي قبل ما أعملها يا حبيبي!
ومسد على ظهره وهو يردد أقرب دعاء لقلب عُمران: بسم الله على قلبك حتى يهدأ، حتى يطمئن، حتى يأخذ الأمان ويبتسم، بسم الله على خاطرك حتى يجبر، بسم الله على نفسك حتى تطيب، استودعك يا الله أخي وقلبه وعافيته فاللهم أحفظه وعافاه.
تمدد عُمران ليصل برأسه على ساق علي المفرود، يبتسم وهو يستمع لهمساته القارئة للقرآن الكريم، وكفه يحيط شعره للخارج مع تلاوته المستمرة، غاص بنومٍ عميق وقذف من خلفه أوجاعه.
الرابعة فجرًا.
استيقظ من نومه ليجد محلولًا طبيًا مندث بأوردته، لا يعلم كيف أتى لتلك الغرفة، ومن قام بنقله، فأخر ما يتذكره جلوسه المستكين على المقعد بالخارج، وعُمران يغادر من أمامه.
استقام بجلسته ليجد يوسف يغفو على المقعد الذي يجاور فراشه، تأمله جمال بحزنٍ ونزع عنه الكانيولا، أراد أن ينصرف دون أن يراه أحدٌ.
هبط عن الفراش يتسلل على أطراف أصابعه، فما أن لمست يده مقبض الباب فاذا بصوتٍ رجولي يوقفه عن المضي قدمًا: والهروب هو الحل؟
استدار فوجد يوسف يطالعه بنظرةٍ ساخرة، وهو يشير على الفراش: اقعد عايزك.
اتجه لمحل اشارته، فجلس يردد بوهنٍ: يوسف أنا مش مستحمل نص كلمة.
اتسعت ابتسامته ومال للأمام مشبكًا يديه ببعضها: اطمن مفيش كلام هيصلح اللي حضرتك عملته، خلاص خسرت مراتك وخسرت صاحبك.
أغلق جفونه يعتصرهما بقوة، محررًا تلك العبارات القارصة عنه، وبحروفه المتقطعة قال: مكنتش حاسس بنفسي صدقني.
مصدقك، وده الدليل.
قالها يوسف وهو يلقي له ثلاثة من التقارير، حملهم بين يديه وتساءل باستغرابٍ: دول أيه؟
رد عليه ومازال مستندًا على يديه: تحاليلك إنت وصبا وعُمران، إنت كنت واخد جرعة مخدرات من النوع الفاخر وعُمران وصبا اتخدروا.
وتابع ومازال يلتحف بالبرود: بص يا جمال أنا مش هزيدها عليك، لإن مينفعش أنا كمان أجي عليك، لما بيكون الانسان غلطان بنلاقي الكل واقف قدامه ومفيش شخص بيقف معاه فيمكن ده بيخليه يتمادى في الغلط عشان يحرر جزء من الكراهية اللي جواه ويثبت إنه فعلا وحش بل أوحش مما يتخيلوا، فأنا مش هسيبك توصل للنقطة دي وعايزك تسمعني.
اختزلت دمعاته حدقتيه، واكتفى بتحريك رأسه بانصياعٍ تام، فاذا بيوسف يقول: أولًا اللي في ايدك ده دليل كافي على براءة عُمران، ثانيًا ده دليل تاني يأكدلك برائتهم.
قالها وحرر زر هاتفه ليعيد رسالة عُمران على مسمعه
«يوسف، جمال عمل حادثة على الطريق، صاحب العربية خده بيته وبعتلي الموقع هبعتهولك حالًا ابعتلي الاسعاف وتعالى بسرعة يا يوسف! ».
ندت عنه شهقة مؤلمة، لسماعه صوت عُمران الذي نقل حالة فزعه ورعبه الشديد عليه، حتى أنه تبين من أنفاسه المتثاقلة إنه يركض بسرعة قطعت مجرى تنفسه.
انطلق صوت يوسف من بعده يقول بعدما أغلق هاتفه: أظن يا جمال مفيش واحد عاقل رايح يخون صاحبه هيكلم شخص تالت يروح يشهد على اللي بيعمله! اعقلها ده إنت بشمهندس!
وتابع بنفس هدوئه المتزن، المراعي لحالة جمال: ثالثًا، الرسايل المحذوفة على تليفوناتهم، واللي وصلت في نفس الوقت واتحذفت في نفس الوقت، والغريب إن عُمران مكلمني وهو بيجري على عربيته يعني وصل بعدها للمكان بعد حوالي 20دقيقة وانت وصلت بعده بعشر دقايق لحق يعمل اللي هيعمله ازاي الا إذا كان حد كان متربصله وأول ما دخل من باب الشقة اتخدر واتحط هو ومآآ...
قاطعه برجاء وتوسل: كفايا يا يوسف متنطقهاش، متجمعهاش معاه تاني، من فضلك كفايا إرحمني يا يوسف، ارحمني!
تهدلت معالمه حزنًا وألمًا، ومن غير الرجل الشرقي يعلم مهانة ما تعرض له جمال، ربما كان قاسيًا مع رفيقه وزوجته ولكن الأمر في كلتا الحالتين سواء حقيقة أو خطة مدبرة فما هي الا طعنة نجحت باختراق صدره، ونهشت أمعائه وقلبه، لم تترك له الا أنفاس تزيد من دقائق تُحسب لحياته.
تمزق غطاء الفراش الأبيض أسفل كفي جمال، وردد بصوت مظلمًا، مرعب كسواد الليل: أقسم بالله العلي العظيم لأدفعه التمن، أنا عارف إن عُمران مقدرش يأذيه عشان خاله بالنهاية بس أنا مش هسمي عليه!
أطلق ذفيرًا قويًا، وهتف: أي قرار هتأخده الوقتي مش هيفيدك اهدى واحسبها يا جمال.
رفع عينيه الدامعة له وببسمة وجع قال: احسبها! أنا حياتي اتدمرت يا يوسف! أنا في لحظة بقيت لوحدي ومبقتش أملك أي حاجة، أنا بقيت بطولي من غير عُمران يا يوسف!
أشفق عليه، فأراد أن يهون عليه: عُمران قلبه أبيض لما يعرف إنك كنت شارب المخدر ده هيسامحك.
هز رأسه وابتسامة شملت عذابه النفسي ارتسمت على محياه: لأ، إنت متعرفش عُمران أد ما أنا أعرفه، عُمران مستحيل يسامحني، أنا عيرته وكسرته يا يوسف!
وأضاف وقد انهمرت دموعه: مش بس كده أنا معرفش ازاي كنت ببص لمراته وقولتله الجملة القذرة دي! إنت صح يا يوسف أنا مؤكد مكنتش في وعيي آآآ. آنا كنت حاسس أن رأسي تقيل وفيه وساوس مخلياني مش عارف أفكر، أنا آآ، أنا اتغدر بيا أنا كمان يا يوسف. آآ أنا كنت هقتل ابني بايدي لولا عُمران! عُمران اللي اتهمته بالخيانة وقف قدامي ومنعني ارتكب ذنب مكنتش هسامح نفسي عليه.
نهض عن مقعده وإتجه إليه يخبره: اهدى يا جمال، قولتلك كل ده من أثر المخدر، فكر كويس وشوف انت شربت أيه خلاك بالشكل ده، وواضح إنه من قبل ما تروح المكان ده بساعة أو اتنين لإن مفعوله اشتغل على طول.
صفن قليلًا وقال متذكرًا: مشربتش غير قهوة في مكتبي، طعمها كان مر وغريب، وبعدها كنت بدور على موبيلي عشان أكلم المهندس المدني، ملقتش موبيلي هو كمان، حتى السكرتير دخل ودور معايا وآ.
حمسه يوسف: وآيه؟!
قال بعدما انحصر داخله مخطط هذا الوضيع: أول ما دخل لقاه وادهوني، أعتقد إن الكلب ده لما جاني مكتبي عشان يهددني قدر يجند الحقير ده لحسابه!
واستطرد بحزنٍ: أول ما مسكت موبيلي وصلي فيديو لعُمران وهو بيدخل العمارة اللي كان فيها الشقة وبعدها على طول فيديو لمراتي، وتحت الفيديو محطوط العنوان.
أخفى وجهه خلف يديه يمسح بها من فوقه متمتمًا: يارتني ما روحت ولا فتحت التليفون، يا ريت عربيتي كانت اتقلبت وعملت حادثة بجد أهون من اللي عملته فيها وفيه، يا رتني موت ولا عيشت يوم صعب زي ده!
ربت يوسف على كتفه بحزنٍ وقال: اجمد يا جمال وخلي عندك يقين بالله، سبحانه مبيعملش حاجة غير بحكمة، أكيد فيه مغزى ورسالة من ورا اللي حصل ده.
حرر يديه عن وجهه وتمعن به قليلًا قبل أن يتساءل بارتباكٍ، كأنه فقد الحق بها: هو آآ، أنا ينفع أشوفها؟
زوى حاجبيه بعدم فهم: مين؟ تقصد مدام صبا؟
هز رأسه بحرجٍ، فزاد من ربتته على كتفه وقال: طبعًا يا جمال، دي مراتك وأكيد عايز تشوف ابنك صح؟
أدمعت عينيه تأثرًا بكلمته وقال بحشرجة: لو هتحس بيا بلاش تدخلني، أنا أخر شخص تتمنى تشوفه.
ابتلع مرارة حزنه وقال: متقلقش هي الحمد لله فاقت من ساعتين ودلوقتي نايمة من تأثير المسكنات فمستحيل تحس بيك.
حرك رأسه بخفوت، ونهض يتبعه، اتجه به يوسف للحضانة أولًا ليرى صغيره، خشية من أن ينهار فور رؤيته لزوجته، فتمنحه رؤية الصغير القوة لمواجهة ما هو قادم.
حمله بين ذراعيه بسعادة وفرحة، فضمه لصدره وانهارت دموعه على وجنتيه، تأثر يوسف برؤيته له هكذا، فقال يغير الاجواء: ها يا جيمي هتسمي الملاك الجميل ده أيه؟
انحنى يطبع قبلة على خده وابتعد يتمعن بوجهه الملائكي ولسانه يردد: عُمران!
اتسعت ابتسامة يوسف وشاكسه قائلًا: لسه مُصر! يعني بعد بهدالة أوضة العمليات دي مس ناوي تغير إسمه وتسميه يوسف مثلًا؟
قال باصرار وهو يعود لتقبيله: أنا اختارتله الاسم من قبل ما أعرف إذا كان ولد ولا بنت.
فرد يديه له بابتسامةٍ: طيب هاته عشان كده غلط عليه.
اعاده يوسف لمكانه المخصص، وإتجه به لغرفة صبا، حر مقبض بابها وقال ومازال بالخارج: هستناك هنا، خد راحتك.
منحه ابتسامة صغيرة، ولج يغلق الباب من خلفه، وما أن استدار حتى تخشبت قدميه فور رؤية وجهها المتورم من كثرة جروحها.
تحجر ريقه فإذا به تُسلب روحه، وتدمي جسده الهالك لا محالة، جر قدميه جرًا إليها، وما أن أصبح قريبًا حتى ركض ليكون مجاورها.
أراد أن يضمها إليه ولكنه عاجز، يخشى أن يقربها إليه فيزيد ألم جرح بطنها الحديث لولادتها القيصرية، حتى ضمة وجهها حُرم منها، فوجهها مازال يدميه الجروح البالغة.
انحنى برأسه على الوسادة جوارها، يطالعها ويبكي بقهرٍ، فخرج صوته مبحوحًا: ياريتها كانت اتقطعت قبل ما تتمد عليكي، أنا عارف إني مهما عملت عمري ما هنسيكي اليوم ده وأنا نفسي مش هقدر أنساه، أنا حتى كلمة آسف مش من حقي أنطقها يا صبا.
ورفع كفها المندث بالمحاليل يقبله وهو يستطرد: ربنا قادر ينتقملك مني ويأخد حقك مني يا صبا، هيجي عليا الدور وزي ما ظلمتك هتظلم.
وتابع وهو يغلق عينيه بكسرة: بس والله غصب عني، مش سهل عليا أشوفك كده، حتى لما الحقيقة بانت مخفش وجعي، مجرد ما بتخيل أن حد قرب منك ولمس بس حجابك بحس بنار بتفور جوايا، بس متخافيش هقطع إيد نعمان هو وكل اللي عملوا كده.
أزاح دموعه وردد مبتسمًا: إنتِ عارفة إني شوفت ابنننا، سبحان الله طالع شبهك بالظبط.
ومال يقبل كفيها مجددًا: سامحيني عشان خاطره يا صبا، عشان خاطر ابننا سامحيني.
انهمرت دمعة منها على خدها، جعلته ينتفض بنومته وهو يردد بذهول: صبا آنتي سامعاني!
لم يأتيه جوابًا منها، فطرح الغطاء عليها مجددًا وخرج من الغرفة ليشرع باول خطوة في خطة القصاص لزوجته.
بعد ساعات آشرقت الشمس بضيائها المتوهج، الذي تسلل من نافذة الغرفة التي قطن بها ليلته الأولى بتلك الشقة، فإذا بهاتفه تصله عدة رسائل.
جذب سيف الهاتف من على سطح الكومود، فتحه ومازال يحارب أثار النوم التي غادرته أبديًا فور رؤيته رسالة مصحوب بصورةٍ نزعت عنه أنفاسه.
«رفضت تسلمك نفسها مش كده؟، هتعملها ازاي وهي كانت لراجل غيرك! ».
كبر سيف الصورة بوضوح فصعق حينما تحقق مما رآه، ترك غرفته واتجه بعصبية بالغة يقتحم الغرفة المجاورة له وهو يصيح بغضبٍ: زينب!
انتفضت بفراشها مفزوعة، فوجدته يقترب منها وعينيه تقتاد شرارًا، ليدفع هاتفه أمام بصرها متسائلًا: فهميني أيه داااا؟!
جحظت عينيها بصدمة حقيقية، وتراجعت للخلف توزع نظراتها بينه وبين الهاتف، ناطقة بحروفٍ متعثرة: لأ، صدقني كداب وآ.
صرخ بجنونٍ هالكة: كداب ازاي وتوقعيك عليه! معقول إنتي كنتِ متجوزة الحقير ده عرفي!
إستعد حينما أعلمته الخادمة بوجود ضيف يريد رؤيته، دفعت مارينا الخادمة المقعد للمصعد ومنه لغرفة الضيوف بينما يتساءل بدهشة: مقالكيش هو مين؟
نفت مرددة: مقالش أكتر من إنه صديق قديم.
هز رأسه دون اكتراث، فما أن دفعته للداخل حتى تركتهما ورحلت، شمل مصطفى الرجل الذي يقف أمامه بدهشة، وتساءل: حضرتك تعرفني!
استدار ذلك الرجل الطيب لرؤيته، فتمعن به قليلًا ومن ثم قال: اللي ليه أمانة عند حد بيفتكر صاحبها، وإنت ادتني أمانة من غير ما تعرفني بيها، وخلتني نسبتها لنفسي وأرتكب ذنب بدون ما أعرف، فجيت النهاردة أقف قصدك وأقولك ليه عملت فيا كده؟!
غادرت الدماء عروقه، وبلسانٍ ثقيل ردد: الشيخ مهران!