قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع والثمانون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع والثمانون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع والثمانون

آيوب.
صوته الخافت أعاد لآيوب روحه من جديدٍ، إبتسامة خافتة تشكلت على وجهه الباكي، تمنى لو فتح عينيه ليطمئن قلبه بابتسامته المعتادة، ولكنه وجده يستجيب لفقدان الوعي من جديد.

من فضلك مينفعش كده، لو يعز عليك إخرج وسبنا نشوف شغلنا.
انطلق صوت الممرضة يترجاه للخروج، تابع الاطباء الذين يشيرون باستقرار الحالة، وخرج على الفور.
إختار البقاء بعيدًا عن الجمع، يستكين على المقعد الحديدي، يميل على ساقيه، محتضنًا وجهه ليخفي دموعه المنهمرة بغزارةٍ.

بينما على بعد منه، كان يحتضن عمران شقيقته الباكية، ويقف جوارهما على يتحدث بالهاتف، وأغلقه ثم دنى من مراد يخبره: في ناس أصدقائنا تحت على البوابة يا مراد، لو ممكن تسمحلهم يطلعوهم.
هز رأسه بتفهمٍ، ورفع هاتفه يصدر أمر مباشر بالسماح لرفقاء على بالصعود، فانضم لهم جمال ويوسف وسيف الذي بحث عن آيوب بينهم، وحينما وجده يجلس بعيدًا هرول إليه يناديه: آيوب!

أزاح آيوب دموعه سريعًا قبل أن يصل سيف لمقعده، جاوره وهو يتساءل بلهفةٍ: طمني يا آيوب، آدهم كويس؟ حد من الدكاترة خرج؟
رمقه بنظرةٍ ساخطة، واستدار بساقيه للجانب الآخر، فترك سيف محله واتجه للمقعد الاخر: كده يحصل معاك كل ده ومتقوليش!

انتزع يده عن كتفه وقال غاضبًا: وهعرفك إزاي وسيادتك عاملي بلوك!
ضم شفتيه معًا حرجًا، وتمتم: ده مش مبرر، كنت تعالالي البيت! ولا سرمحتك مع عُمران وصاحب يونس المسيحي ده نسيتك صاحب عمرك؟

شمله بفيروزته بنظرة منفرة، فأضاف سيف بحزن: عمومًا ده مش وقته، نطمن على حضرة الظابط وبعدين نتكلم.
أشار باصبعيه بحدة وارتفع صوته رغمًا عنه: روح إقعد معاهم هناك واطمن براحتك. متقعدش جانبي ولا عايز ألمحك!

علي بعد مسافة قريبة منهما، سأل علي، يوسف بدهشة وهو يتابعهما: هما بيتخانقوا ولا أيه؟
هز يوسف رأسه بقلة حيلة: أكيد. بس متقلقش شوية وهيتصافوا.

استدار على إليه، يسأله: تحب أتدخل بينهم؟
رفض ذلك، معللًا: مش مستاهلة، أقل من خمس دقايق وهتلاقيهم زي السمنة على العسل، الاتنين على الله حكايتهم!

جلس يوسف جوار جمال وعلي، وبقى عمران رفقة شقيقته على أحد المقاعد المنفردة بعيدًا عن مجلس الشباب.

مضت أربعون دقيقة، وخرج طاقم التمريض يدفع الفراش المتحرك الحامل جسد آدهم المصاب، فأسرع آيوب وعلي، والشباب من أكملهم يدفعونه حتى باب الغرفة التي منعهم أفراد الأمن العسكري من الولوج للداخل، جذبوا منهم السرير وأغلقوا الباب من خلفهم، تاركين اثنان منهم على الباب يمنعون توافد أي شخص للداخل، مما زرع العصبية والغضب بآيوب الذي صاح بانفعالٍ: يعني أيه ممنوع، وسع من قدامي، ده أخويا أنت مبتفهمش ولا أيه؟!

جذبه على بعيدًا عن ذلك المسلح، الذي بدى وكأنه يستعد لخوض معركة حتمية مع ذلك الشرس، فقال في محاولة لتهدئته: إهدى يا آيوب، هندخله بس لما الدكتور يخرج هو والممرضات.
أصر على مطلبه، وكأن روحه تنتزع منه: هدخله يعني هدخله، ويوريني هيعمل أيه بالبتاع اللي في إيده ده!

هدر جمال بعقلانية: هما بيقوموا بواجبهم يا آيوب، وواجبهم حماية آدهم.
أشار عُمران لعلي الذي أسرع يتلقف منه شمس، بينما دنى إليه يقاطعه بحدة: إطرد شيطانك وفوقلي، زي ما على قالك لما الدكتور يطلع هندخل كلنا، فاهدى وإركز كده، مش ناقصة غباوتك على المسا يابن الشيخ مهران!

مال سيف يهمس لاخيه بسخرية: عنيف أوي صاحبك ده!
كبت يوسف ضحكاته ومال يخبره: طب لم لسانك عشان لو سمعك هيخبطك واحدة بروح أمك هتخليك تريح هنا أسبوعين تلاتة!

أدى الفردين التحية العسكرية باحترامٍ، فور أن إخترق الجوكر والاسطورة الجمع المحاط بالغرفة، ولج رحيم للداخل على الفور، بينما بقى الجوكر يتطلع لآيوب بنظرة غامضة، لفتت انتباه الجميع له، وخاصة حينما قال: مبسوط بتقبلك علاقتك الجديدة مع عمر.
ضيق آيوب مُقلتيه بدهشةٍ، كيف يعلم بأمره هو الآخر، فابتسم مراد ومال يهمس له بمكرٍ: أنا اللي مخلصلك الشهادة.

واتجه للغرفة وصوته قد أصبح مسموعًا: لما يفوق هخليهم يدخلوكم، اطمنوا.
وتركهم وإتبع أخيه للداخل، فأسرع العساكر بغلق الباب من خلفه.

انتهى الطبيب من دث آبر المحلول الطبي بجسد آدهم، وبعدما تأكد من استقرار حالته، حتى بدأ بإفاقته انصياعًا لأوامر الاسطورة.
مال رأسه جانبًا، وصوت تأويهاته تتردد بخفوتٍ، عقله يبدأ باستعادة ما مر سريعًا عليه، أسرع إليه مراد يميل فوق رأسه، يناديه بلهفةٍ: عمر سامعني؟

اجتاح الألم جسده الذي بات يشعر به بعدما استعاد وعيه، وغادره تأثير المخدر، وبالرغم من محاربة الآلآم إليه، الا أنه مال تجاه محل وقوف مراد، وهمس بخفوتٍ شاحب: شمس؟
كأنه يذكره بوعده القاطع إليه، مسد مراد على كتفه المعافى وهو يؤكد له بصوتٍ مطمئن: إطمن برة مع عيلتها، عايزك تفوق بس وهدخلهالك هي وآيوب وكل أحبابك.

حاول فتح جفون عينيه الثقيلة وهو يهتف بدهشة: آيوب!

أكد له قائلًا: آيوب برة من بدري، ودخلك اتبرعلك بالدم.

لاحت بسمة حزينة على شفتيه، لم يكن يتوهم سماع صوته، لم تكن هلاوس، كان واقع ملموسًا، إلتقطت أذنيه صوتًا بات مميزًا إليه بالأيام الماضية، يخبره برزانته وثباته القاتل: حمدلله على السلامة يا بطل.

مال برأسه للاتجاه الآخر، مرددًا بابتسامة واسعة: رحيم باشا.

نزع نظارته السوداء، وهدر بحزمٍ مصطنع وهو ينحني لفراشه: حد قالك إنك أول حد يجرأ إنه يخالف أوامري! ولو دي حصلت فأكيد لازم ليها عقوبة تخلي أي حد يفكر عشرين مرة قبل ما يخالفني، فلو أنا معملتهاش فعشان حاجتين.

حاول آدهم فتح عينيه ولكنه لم يستعيد وعيه كليًا، فردد بصوتٍ واهن: أيه هما؟

أجابه رحيم بفحيح شيطاني مخيف: أو حاجة لانك عجبتني، واختياري ليك من البداية كان للسبب ده، أما الحاجة التانية فعشان الديناصور اللي بيطلع نار من عينه جنبك ده.

كان صوت مراد أسرع من آدهم، حينما صاح بعنفوان: .
لو مش عايز الديناصور ده يحرقك وإنت حي تبعد عن آدهم ومالكش دعوة بيه، ده تلميذي وتحت قيادتي أنا، زي ما أنا مبتدخلش في شغلك يا ريت تجبر نفسك إنك تعمل نفس الشيء.

ابتسم رحيم وهدر بسخريةٍ: هنشوف حوار أولادك ده بعدين يا بابا مراد.

واستدار للطبيب يشير له بالاقتراب لتفحص آدهم بشكلٍ كليٍ، وبالاخص عينيه، فلقد لاحظه وهو يجاهد لفتح عينيه أكثر من مرة، ومع ذلك لم يستطيع.

سحب الطبيب كشافه، وانحنى يتفحص عيني آدهم، توقع الطبيب إنه سيغلق جفونه من شدة الضوء ولكن على ما يبدو بأن ظنونه قد أصابت، فسأله، وهو يسلط الكشاف على حدقتيه: نور الكشاف شايفه يا سيادة الرائد؟

رد وهو يبتلع آلامه داخله: لأ.

استدار الطبيب لمراد يشير له إشارة صامتة بأن ما خشاه قد حدث بالفعل، تنحى جانبًا تاركًا لمراد مهمة إخبار آدهم بتضرر بصره جراء احتفاظه بالميكروفيلم أكثر من المدة المحددة، وما زادت الاصابة خطورة سقوطه من السيارة وتعرضه لتلك الاصابات.

مال الجوكر إليه يحاول التحكم بذاته، وتنحنح هادرًا بحزنٍ: إنت عارف إنك اتخطيت المدة المسموح بها للميكروفيلم، فاللي حصل لعينك ده كان متوقع.

قابل آدهم استقبله لخبر قاتلٍ مثل ذلك، بنفسٍ راضية وقولًا جعل الأجساد من حوله تقشعر: فدى بلدي يا باشا!

هتف الطبيب يقاطع حديثهما بعدما انتهى من فحص عينيه بشكل مبدئي، وقال يبدي ملاحظاته: عينه متضررتش بشكل كبير، اعتقد إنه هيحتاج لكذه فحص قبل تحديد العملية، وده هيقدر يقوم بيها دكتور تخصص عيون.

مسد مراد على كتفه بحنان، وقال بعزمٍ: متقلقش أنا أعرف دكتور شاطر جدًا، يبقى أخو العقيد عدي الجارحي، هكلمه وهخليه يشرف بنفسه على حالتك.

وأضاف وهو ينصب عوده استعدادًا للرحيل: حبايبك بره قلقانين عليك، هخليهم يدخلوهم يطمنوا عليك، وأنا هعدي عليك بكره الصبح باذن الله ومعايا دكتور عمر الجارحي.

وودعه مراد وغادر، بينما انحنى رحيم إليه يخبره بفخر: سيادة الوزير والقادة كلهم فخورين بيك يا آدهم، مستني رجوعك للساحة، وعلى فكرة دي مش آخر مهمة هكلفك بيها.

بالرغم من أنه يعلم بأنه يدفعه بحماسٍ ليستكمل رحلة علاجه ويعود لموطنه بالجهاز، الا أنه إبتسم بسعادة، وقال يجيبه: وأنا تحت أمرك في أي وقت تحتاجني فيه يا باشا.

ربت على كتفه بقوةٍ مشددًا بإلقاء أوامره: شيد حيلك إنت وخف من قعدة السرير بدري، وهتلاقيني بكلمك يا سيادة المقدم.

زوى حاجبيه بدهشةٍ: مقدم!

مال رحيم يتفحص أخيه الذي يوشك على المغادرة واستدار يهمس له: الخبر أتاكدلي من سيادة الوزير بذات نفسه، سربتلك الترقية بوينت إضافي محسوب ليك، متنساش!

اتسعت ابتسامته وقد أشرقت السعادة وجهه الشاحب، وقال بامتنان: الله يبارك فيك يا سيادة العميد.

استقام رحيم يضع يده بجيب سرواله، يقابل اخيه بنظرة باردة، بينما يستعد الآخر لمهاجمته الآن وفي تلك اللحظة، حشد جيوشه خلف ثبات قاتل وهو يطلق سؤاله: كنت بتقوله أيه؟!

رد بجمود تام: ولا حاجة.

هدر مراد بانفعالٍ حاد: انا سامعه وهو بيقولك الله يبارك فيك، جنابك بتباركله على أيه؟ إنت شكلك مش ناويها نية خير يا رحيم!

إدعى دهشته الكاملة مما يقول أخيه، وردد برزانة وبراءة مضحكة: كنت بباركله على فرحه يا بني آدم؟ أيه فاكرني عديم الذوق ومبفهمش!

كبت آدهم ضحكاته بصعوبة، بينما لم يبتلع الجوكر ما قاله أخيه، بل صاح بشراسة: أقسملك بالله يا رحيم لو جمعتك مهمة واحدة مع آدهم تاني لأكون مفرغ رصاص مسدسي في نص دماغك، ولا هيهمني أنك شايل إسم طلعت زيدان ورا إسمك ولا إنك أخويا اللي المفروض قدام الناس تؤامي معرفش ازاي دي!

ترك رحيم محله، واتجه يضع يده حول كتفي الجوكر، يسحبه ليخرج بصحبته، بينما يهمس له: معقول عصبيتك وصلتك إنك تتكلم عن حياتنا الشخصية كده عادي وقدام أي حد! راعي إننا في مستشفى عسكري، أجهزة التصنت هنا عالمية يا باشا.

وأضاف وهو يسحبه للخارج: بينا على القصر نتكلم هناك براحتنا، ونحل أمورنا العائلية مع بعض، أنا كده كده كلمت سليم يجهز هو وجان وريان ويحلوا امورنا مع بعض، لانها ابتدت تتطور!
(لمن يتساءل عن رواية رحيم زيدان ومراد زيدان، السلسلة عبارة عن خمسة أجزاء بإسم #الجوكر والاسطورة، متاحة على حسابي الواتباد، وممكن تنزلوا بوست للادمن بالجروب تطلبوا لينكات السلسلة ?).

منذ قليل كان يطالبه بالجلوس بعيدًا عنه، وها هو الآن يميل على كتف سيف بإرهاق وتعب ضرب جسده بعد أن تبرع بالدماء لأخيه، توقف المصعد وخرج منه عُمران يحمل بالاكياس عصائر معلبة، وبعض الشطائر، منح أخيه أحد الاكياس ليحاول إطعام شمس، ومنح جمال باقي الاكياس ليوزعها على الجميع، بينما حمل هو الكيس المغلف وقدمه لسيف قائلًا بصرامة: صحيه يشرب كيس عصير، بدل ما يتطوح مننا جنب أخوه، مش ناقصة هي!

استشف سيف عصبية عُمران البارزة من طريقته، وكان سببها معلوم للجميع، لذا سحب الكيس منه بهدوء وقال: هشربه تلات أربع أكياس اطمن.

أحاطه بنظرةٍ ساخرة، وغادر بمنتهى الهدوء، يحتل أحد المقاعد المنفردة بعيدًا عن تجمعهم، انسحب يوسف من جوار جمال وإتجه لمقعد على وشمس، جلس جوار على الذي يحاول آطعام شقيقته، ومال إليه يهمس له: بقولك أيه يا علي.

ترك ما بيده واستدار إليه ينصت له باهتمامٍ، فقال يوسف: حاول تهدي عُمران عن آدهم، أنا قلقان من عصبيته وغضبه، لو دخلنا وهو بالوضع ده ممكن يرميله أي كلام وهو في حالة صعبة.

هز على رأسه باقتناع، وتمتم: هقوم أشوفه قبل ما ندخل.

ترك على شقيقته برفقة عمه الذي وصل للتو، وإتجه لأخر مقعد يعتليه شقيقه، جلس جواره يراقبه بهدوءٍ، جعل عُمران يهدر ساخطًا: دكتور الحالات المتعسرة خلع وبعتك، هو طول عمره جبان!

تغاضى على عما قاله، ومال بجسده إليه يخاطبه بهدوء: عُمران ممكن متنفذش اللي في دماغك، على الأقل دلوقتي، آدهم حالته صعبة، وشمس هتموت عليه، مش هتتحمل تشوفك بتعنفه بكلامك ده وهو بالوضع الحالي.

احتقنت رماديته غضبًا، وصاح بعصبيةٍ: هو اللي عرضها وعرض نفسه للحالة دي، المفروض إنه عريس طالع يقضي الhoney moon بتاعه، مش طالع يغامر بروحه وروح مراته!

هز رأسه وحاول احتوائه بحديثه المنمق: فاهم كل اللي بتقوله ده ومعاك حق فيه، بس أقله مش دلوقتي، لما نطمن عليه ويرجع بيته، أنا عارف أنك عندك واجب فأكيد مش هتعاتب هنا ولا وهو بالحالة دي ولا أيه؟

منحه نظرة مغتاظة، وردد من بين اصطكاك أسنانه: ماشي يا علي، يخرج بس ولينا كلام تاني!

خرج الطبيب إليهم، فنهضوا جميعًا يجتمعون من حوله، كان أحمد أول من تساءل: طمنا يا دكتور من فضلك.

وزع نظراته بينهم، وبعملية باحتة قال: الحالة حاليًا مستقرة، إصابة جانبه كانت خطيرة بس الحمد لله النزيف وقف والجراحه كانت ناجحة جدًا، لكن عينه اللي اتضررت للأسف.

نزلت كلمات الطبيب على الجميع كالصاعقة، وخاصة حينما أضاف: سيادة الرائد فقد بصره نتيجة انسداد الوريد الشبكي، وللأسف مش هقدر اقولكم تفاصيل أكتر لان مراد باشا منع اي دكتور عيون من هنا يمسك حالة سيادة الرائد، وقال إنه هيوكل الحالة لدكتور عمر الجارحي وهو تبارك الله عليه من أشطر الدكاترة المتخصصة في المجال، فلما يوصل بكره بإذن الله هيكون عنده تفاصيل أكتر.

وانسحب بمنتهى الهدوء الذي لا يعهد التشبيه لاوجه الجميع ملقيًا تعليماته الاخيرة: ياريت مندخلش كلنا لجوه عشان كده غلط على المريض، عن إذنكم.

توقف قلب شمس مرتين، مرة حينما علمت بأمر إصابته والآخرى الآن وبتلك اللحظة التي تستقبل فيها خبر فقدانه للبصر، ارتخى جسدها للخلف تجاه على الذي تلقفها، هاتفًا بقلقٍ: خليكِ قوية يا شمس، آدهم هيتخطاها وهيرجع أحسن من الأول.

انسكبت دمعات آيوب تباعًا بشكلٍ ملحوظ للجميع، فراقبه يوسف وجمال بحزن، بينما مسد سيف على كتفه وهو يستجديه لطفًا: هيبقى كويس والله، خليك واثق في ربنا.

بينما بذات الوقت نطق عُمران الذي سيطر على انفعالاته بصعوبة، إصابة آدهم لتلك الدرجة الخطيرة، جعلت قلبه يرق إليه: شمس إدخليله لوحدك، أكيد محتاجاك جنبه، ومحتاج يطمن.

سحب كفها يدفعها برفقٍ تجاه باب الغرفة، يحمسها بقوةٍ زائفة: إدخلي إنتِ محتاجة ده أكتر منه.

ومال يهمس لها بحفوت: بس بلاش تجبيله سيرة اللي حصل، وبالأخص حوار الاعتداء يا شمس.

هزت رأسها وهي تزيح دموعها بكفيها، سحبت شمس نفسًا طويلًا تستجمع به شتات نفسها الهادرة، تحاول مسح ذلك الجزء المؤلم عن حياتها، لأجله هو، حرر الشرطي الباب وقد استجمعت جزء من طاقتها المهدورة، ولجت للداخل بخطواتٍ بطيئة، مترددة، إيقاع قلبها يكاد يقرع كقرع الطبول الصاخب، ومن بعده صوت انغلاق الباب فور دخولها.

رأته يجلس على الفراش، يستند برأسه على الوسادة من خلفه، صدره عاري، يحيط منتصفه شاش أبيض يحيط به حتى نهاية خصره، وجهه يملأه الخدوش والكدمات تتفرق على وجهه مرورًا بذراعيه العارية، عينيه متورمة والاحمرار يملأهما، إحتجز صوته غير مبالي بمحاولاتها للحديث، وبصعوبة تحرر لينطق بحروف مهتزة: آدهم!

إعتدل بجلسته يناديها بلهفة: شمس!

أسرعت إليه وصوت بكائها قد عاونه على تحديد محلها، سرعة خطواتها جعله يفطن حركتها القادمة، ففرق ذراعيه يستقبلها بين أحضانه بصدر رحب، بكت بانهيارٍ وهي تردد بوجعٍ: كنت خايفة تسبني وتتخلى عني، كنت خايفة إني مشفكش تاني، خوفت تكون أول خناقة بينا هي أخر ذكريات ليا معاك، أنا حتى ملحقتش أعتذرلك يا آدهم!

ضمها إليه بقوةٍ رغم شدة آلام جسده، يتمنى لو أن يترد إليه بصره لجزء من الثوانٍ يروي شوق عينيه لرؤيتها، يود لو ان ينشطر صدره ويضعها داخله ومن ثم يعيده من فوقها، ليظل محل قلبه هو مسكنها الوحيد، يسمع لها تتحدث بكثير من الكلمات ولكنه مغيب عن أي شيء سواها، وحينما استطرد كامل وعيه حاول أن يبعدها عنه ولكنها رفضت وتشبثت به بشكلٍ جنوني، جعله يتآوه بخفوتٍ.

أبقاها داخل ذراعيه وسألها بقلقٍ: شمس طمنيني عليكِ، حد إتعرضلك؟

ردت عليه بارتباكٍ حاولت التغلب عليه حتى لا يفضح أمرها بذكائه المعتاد: أنا كويسة يا حبيبي، المهم إنت.

مال على كتفيها يردد بعشق: بقيت بخير لما إتطمنت عليكِ يا شمس.

واستطرد يخبرها بحرجٍ: أنا آسف على كل اللي حصلك ده، صدقيني مكنتش أعرف إن الموضوع هيكبر كده، أنا عارف إني دمرت أجمل لحظات وذكريات كانت هتكون ما بينا، بس اوعدك إني هعوضك عن كل ده يا شمس.

قاطعته حينما قالت تعاتبه بمزحٍ: انا مسمحاك على كل حاجة الا نظراتك للبنت المايعة دي!

ضحك من كل قلبه، وأجابها بمشاكسة: شكلك دعيتي عليا بضمير لحد ما عيني اتعمت.

انهمرت دموعها تأثرًا بكلماته، وقالت: ألف بعد الشر عليك، مفيش حد بيدعي على روحه.

مال يقبل رأسها وهو يهمس لها بحب: وأنا مفيش واحدة في الدنيا كلها سحرتني غيرك، أنا مكتفي بيكِ وراضي كل الرضا يا شمس.

وأضاف بحزنٍ وهو يعترف لها: اللي حصل كله بيني وبينها للاسف كان من ضمن المهمة اللي طلعت عشانها، بس والله العظيم ما كان غرضي أعرضك لأي خطر، الموضوع كان بسيط ومتأمن كويس، بس فجأة كل حاجة باظت واتكشفت، حقك عليا.

ابتعدت عنه تطالعه بعينيها الدامعة وهي تخبره بحزن: المهم إنك بخير يا آدهم.

ابتسم وعشقها ينير ظلمة عينيه، ورفع كفه يقربه من وجهها ليلامس وجنتها الناعمة مثلما إعتاد، تناست شمس اصابتها البالغة جوار شفتيها المنتفخة من أثر الصفعة العنيفة التي تلقتها وأسقطتها أرضًا، فما أن لمستها يد آدهم حتى ضمت كفه على وجهها وهي تتآوه بوجعٍ شديد، مما دفعه ليتساءل بفزعٍ: مالك يا شمس؟

ارتبكت قبالته بشدةٍ، وبتلعثم قالت: م، مفيش.

هدر بانفعال وعقله لا يستقبل اشاراته الذكية: وشك ماله؟

أجابته بتوترٍ وهي تحاول إبعاد يده عن وجهها: مفيش يا آدهم.

صاح بعصبية أرعبتها: مفيش ازاي، وشك وارم!

ازدردت ريقها بصعوبة، وقالت: آآ. أنا، انا لما سمعت خبر اصابتك وقعت على سن التربيزة ب. بس الحمد لله أنا كويسة والله.

أحاط كتفيها بيديه يحركها بعنف: ريحة كدبك واصلالي من مكاني، إنطقي أيه اللي حصل؟ وحد لمسك؟!

ارتابت من آجابته بما قد يزيده غضبًا وربما تتدهور حالته، بينما تطول في صمتها، هتف بانفعال: ردي عليا!

تعالت شهقات بكائها تدريجيًا، ورفعت يدها ليديه تخبره ببكاء: سبني، أنت بتوجعني يا آدهم!

خف من ضغط يديه من حولها، وقال وهو يحجب عاصفته بصعوبة: اتكلمي يا شمس، لو مش عايزة تجني جنوني إتكلمي!

ردت عليه وصوت شهقاتها تتبعها: محدش قربلي، في شخص مقنع شكله مريب هو اللي منعهم عني، مخلاش حد فيهم يقربلي.

وأضافت وجسدها يرتجف بين ذراعيه: خلصني منهم ووداني مكان بعيد عن السويت، لحد ما الظابط اللي إسمه عدي جالي وسفرني مصر.

وتمعنت بعينيه وهي تخبره بانهيار بكائها: بس أنا كنت هموت من الخوف منه يا آدهم، كان مشوه ومريب في تعامله، كنت مرعوبة وحاسة إنه هيقتلني في أي وقت، بس كان عندي أمل أنك هتظهر وهتخلصني من كل اللي عيشته ده، لحد ما الظابط قالي أنك في مهمة، حسيت وقتها إنك في خطر، لاني واثقة ومتأكدة إنك مستحيل تتخلى عني وتسبني ليهم!

احتواها بين ذراعيه بحزنٍ، وهو يهتف بألمٍ يخترق نصف صدره: حقك عليا يا روح قلبي، أنا السبب في كل اللي عشتيه يا شمس، أنا السبب!

وتابع وهو يدفنها داخل تجويف عنقه: بسببي أنا اتعرضتي لكل ده، أنا أذنبت في حقك سامحيني يا شمس.

رددت من بين بكائها: أنا كويسة صدقني، أنسى اللي حصل المهم أنك تقوم بخير وترجعلي يا آدهم، أنا عايزة أعيش عمري كله معاك وليك.

أغلق عينيه بقوة يعتصر دمعة خانته، لا يود أن تنهمر أمامها، لا يشعر الا بطعم العلقم يقتحم جوفه، مال للخلف ومازالت تستند على كتفه، تعوض حرمانها منه طوال تلك الساعات المنصرمة.

مرت الدقائق عليهما حتى مرت ساعة كاملة، تلاها صوت دقات الباب ومن ثم انفتح ببطء وطل على من خلفه يستأذن بالدخول، فابتعدت شمس عنه للمقعد، ولج الجميع للداخل، وكان أسرعهم آيوب الذي أسرع لآدهم يسأله بهلعٍ: آدهم إنت كويس؟

مسكة يده القوية لكفه أيقظت لحظات ما مضت عليه داخل غرفة العمليات، ارتسمت بسمة عميقة على وجه آدهم وقال يذكره: مش انا طمنتك عليا وإنت في أوضة العمليات؟

عبث بمقلتيه بدهشة وتساءل باستغراب: أمته ده؟

أجابه بتلقائية أضحكت الجميع: مش ناديتك؟! ولا يعني كان لازم أقوم واخدك بالحضن وأنا متدشمل الدشملة السودة دي!

قاطع سيف الحديث هادرًا بسخرية: متقلقش يا حضرة الظابط الممرضة عملت الواجب وسيطتك، أول ساعة بالعمليات كنت بتنادي بإسم مدام شمس، وختامها بتنادي بإسم آيوب.

دنى أحمد من آدهم، بقول بابتسامة جذابة: حمدلله على سلامتك يا آدهم.

أجابه ببسمة ممتنة: الله يسلم حضرتك يا عمي.

بينما قال يوسف: ألف سلامة عليك يا حضرة الظابط.

أجابه آدهم بامتنان، بينما ابتسم على وقال: لسه من يومين كنا متجمعين عندك والنهاردة جمعتنا تاني شكلنا كده وحشناك بربطة المعلم.

ضحك جمال وهدر: احنا تحت أمره والله نجيله في أي وقت بس بلاش مستشفيات.

أضاف يوسف بمشاكسة: ذكرياتنا معاها كلنا زبالة بالذات دكتور سي?وو!

لكزه سيف بغضب، فهمس بصوت كان مسموعًا للجميع: تحب أحكيلهم على العقدة اللي بسببها جوازتك واقفة على الطلاق!

زم سيف شفتيه وصاح: اتكلم براحتك أنا كده كده مش راجع البيت، شنطتي تحت في العربية وطالع بيها على حارة الشيخ مهران، آيوب محتاج لونس وأنا الونس ده، مش كده ولا أيه يا بوب؟

ولا طايق أشوف خلقتك.

قالها ومازال يجلس جوار أخيه، فانطلقت ضحكات الجميع على مزحهم، وتساءل آدهم باستغراب: هو أيه اللي حصل الادوار اتبدلت ولا أيه؟

أجابه سيف بمزح: تبديل مؤقت، بس متقلقش على أخوك يا حضرة الظابط ده في عنيا الاتنين.

ضحك آدهم وقال: لا أنا مطمن عليه وهو معاك من غير اي حاجه يا سيف، ومن نحيتي اطمن طول ما أنت موجود أنا متبري من العلاقة اللي بتجمعني بيه.

تنحنح أحمد يشير للجميع، قائلًا: الدكتور منبه علينا من التجمع، يلا يا شباب نسيب حضرة الظابط يرتاح شوية.

انسحب الجميع تباعًا للخلف واحدًا تلو الآخر، ولم يتبقى برفقته سوى آيوب وشمس، مازال آيوب يجاور محل جلوسه، بينما تجلس شمس على بعد منهما، فنهض يستأذن بالمغادرة حتى لا يحرجها، استغل آدهم بقائه برفقته وقال: آيوب عايزك تروح البيت تجبلي لبس وغيارات ليا.

طال صمته ونظراته تصوب تجاه أخيه، فتابع آدهم بهدوءٍ: هتقدر تعمل ده؟

تحشرجت أنفاسه الخشنة، لا يود الذهاب لهذا المنزل، رؤية من يدعى أبيه تعكر صفوه، ومع ذلك قال: حاضر يا آدهم، بكره وأنا جاي هعدي أجبلك غيارات.

ارتسمت على شفتيه ابتسامة ممتنة، فربت آيوب على يده وقال بحب: ارتاح إنت ولو احتاجت أي حاجه رن عليا على طول.

قالها وإستأذن يغادر على الفور، بينما تبقت شمس برفقته، دنت تحتل محل آيوب، فسألها ادهم باسترابة: هو عُمران فين؟

معتقدش إني وحشتك يا سيادة الرائد!
قالها ذلك الذي ولج للتو، بعد ان ودع الجميع، ابتسم آدهم وقال: وحشتني مشاكستك أكيد، حاسس من غيرك بملل.

سكن الحزن رماديته وهو يتأمل حجم إصابته، نهضت شمس عن المقعد، وقالت وتتجه لحمام الغرفة القابع داخلها: هدخل أغسل وشي وجاية.

ولجت شمس لحمام الغرفة، وتبقى آدهم برفقة عُمران، اقترب يسحب المقعد المجاور لفراشه، جلس يهتف بصوت ثابت عكس الحزن الذي يحيط به: ألف سلامة عليك يا آدهم، ربنا يقومك بالسلامه يارب.

زوى حاجبيه بعدم اقتناع وتساءل بدهشة بينما عينيه تتطلعان امامه في محاولة للاعتياد على الظلام الحديث له: بس كده؟

إدعى عُمران جهله لما يقصده: كده إزاي مش فاهم!

ابتسم آدهم وهتف بسخرية: انا إتعميت مفقدتش الذاكرة يا طاووس، على لسانك كلام كتير، وعارف إن معاك حق فيه، فمش هجادلك لإني غلطت لما جازفت بحياة شمس بمهمة زي دي فأنا بآ...

قاطعه عمران بحزم: مش وقته الكلام ده يا آدهم، إرتاح دلوقتي أنت أكيد تعبان.

ازدادت ملامحه دهشة، وهدر بصدمة مضحكة: إنت عُمران بجد ولا اتبدلت بدكتور علي؟

انحنى يزيح الوسادة من خلف ظهره، ثم أدار الريموت، ليعود الفراش لوضعه المريح، وتمتم بسخرية: كله بإيدك يا حضرة الظابط، عايزني بنسختي المحترمة موجوده، حابب تخرج الوقح المدفون جوايا جاهز ورهن إشارتك، ميهونش عليا أخلي نفسك في حاجة يا أبو نسب يا غالي.

ضحك آدهم من كل قلبه، وقال بصعوبة من بين ضحكاته: هو أصلًا إنك تقرر إنك تبات معايا ده في حد ذاته شيء مش مريح إطلاقًا.

سحب عليه الغطاء وهو يخبره بوقاحة: هنعملك أيه مهو أنا المناسب للتدبيسة دي، أخوك مش هينفع يبات معاك وشمس هنا، وعلى من يوم ما اتجوز مش بيبات بره نهائي وللاسف معرفش ليه، أما عمي فمصدق إنه لزق في فريدة هانم بعد حرمان عشرين سنة، فمستحيل هيتخلى عن الرفاهية الفارهة دي عشانك، فمكنش في غيري وأنا بقالي فترة طويلة ببات برة البيت وواخد إستمارة 6 من زمان فمفرقتش النهاردة يعني!

وأضاف بعد ما قال: فاتفضل نام بكل هدوء، وسيبني بحاول أسيطر على وقاحتي وغضبي، بلاش تجرجرني للزيلة عشان إنت اللي هتزعل يا حضرة الظابط.

واستطرد وهو ينحني ليهمس له بفحيح شيطاني: بالبلدي كده تلاشيني عشان انا مريض نفسي ومش فاضي أتعالج!

كبت آدهم ضحكاته وقال في رعبٍ مصطنع: عنيا يا بشمهندس، بص إنت مش هتسمع صوتي نهائي.

منحه نظرة شك، وهدر بحيرة: ولا في مواعيد الحقن؟

هز كتفيه ببلاهةٍ أضحكت عمران: مش عارف بصراحه!

قال وهو ينصب عوده: هنشوف مع بعض كلنا يا حبيبي، ريح إنت دلوقتي!

حمل آيوب حقيبة سيف على كتفه، وهبط من سيارة يوسف، ينتظر سيف الذي ينحني لنافذة السيارة، يصغى لأخيه الذي يحاول جاهدًا لاقناعه بالعودة، والعزوف عن قراره، انتظر حتى فرغ من محاضرته الطويلة عن احتواء زوجته والاعتذار عن تركه للمنزل، وما ان انتهى حتى قال: الله عليك يا دكتور، تصبح على خير بقى، بكره في المركز نبقى نكمل بقية المحاضرة.

واتجه لآيوب يشير له بارهاقٍ: بينا يا بوب قبل ما يفتح محاضرة جديدة، يوسف وأنا عارفه عامل زي الأم اللتاتة.

وما كادا بالتحرك، حتى هبط يوسف يناديه بغضب: سيف!

لف سيف يده حول كتف آيوب ودفعه بشدة: اجري يالا!

ضحك آيوب وهو يستجيب لشدة يده، فاستدار يشير، ليوسف ومازال يركض من خلفه: أنا آسف يا دكتور.

آشار له ببسمة هادئة ثم عاد لسيارته يلكم المقود وهو يهدر بغيظ: يا ربي عليك يا سيف، ده أنا جوزتك بالعافية! لو الجوازة خربت هجيبلك عروسة تانية منين أنا!

ركض سيف وآيوب حتى مدخل الحارة، فتوقفا يلتقطان أنفاسهما بصعوبة، مال سيف يستند على ركبتيه، بينما سأله آيوب وهو يرتكن على الحائط من خلفه: سيف دكتور يوسف معاه حق، مينفعش تسيب البيت بالشكل ده.

استقام بوقفته يستند على الحائط جواره، وتمتم بغيظ: دكتور يوسف يقول اللي يقوله، أنا بعمل اللي على مزاجي واللي شايفه صح.

ارتاب آيوب لامره، فخشى أن تكون الامور تطورت بينهما حد الانفصال، فسأله بتردد: الدنيا تمام بينكم يعني، ولا وضعها أيه؟

منحه نظرة مغتاظة، وهتف باحتقان: لو قولتلك هتضحك؟

اشار على ذاته ببراءة: أأنا أضحك عليك يا سيف! إزاي جالك قلب تفكر إني ممكن أشمت فيك في يوم من الايام!

دفع يده بضيق وهدر: كفايا دراما زايدة يابن الشيخ مهران.

وتابع وهو يتفحص المارة من حوله: أصلها مصرة تعرف عقدة الحقن دي عندي من أيه!

تمعن به قليلًا ومن ثم احمر وجهه من فرط احتباسه للضحك، بينما يشير له الاخر بتحذير: أوعا، أقسم بالله هندم إني حكيتلك سر من أسراري.

تحررت ضحكاته رغمًا عنه، بينما تبرز مقلتي الاخر بغضب جحيمي، حاول آيوب التحكم بضحكاته وهو يقول: بلاش تقولها بلااااش.

وأضاف وقد سقط بنوبة الضحك: اللي صدمني بعد ما حكيتلي إنك عندك عزيمة رهيبة تدخل طب بعد اللي حصلك، مع إني لو مكانك هعتزل الدكاترة والمستشفيات باللي فيها، لأ عندك اصرار مش طبيعي تكمل، إنت هيرووو يا سي?وو.

انتشل الحقيبة من كتفه، وصاح بعنفوان: هات شنطتي، أنا هروح أبات في أي فندق.

وما كاد بالابتعاد حتى هرع آيوب من خلفه يناديه، وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة: استنى يا سيف، بهزر معاك يالا!

حاولت فاطمة تهدئة زينب المشتعلة بالهاتف، والتي تصر إصرار غير، طبيعي بعدم الحديث عما حدث بينها وبين زوجها، ومع ذلك تود الحديث رفقتها، واصلت الحديث برفقتها لساعة كاملة، حتى هدرت فاطمة بغضب: مهو طول ما انتي بتلفي وتدوري أنا مش هقدر أساعدك، قوليلي في أيه بالظبط عشان أتنيل أساعدك، بقالك ساعة بترغي في الفاضي وأنا ورايا شغل الصبح ومش فاضية!

أجابتها بصدمة: اشمن شغل تابعك غدا، ما بقاتش فيك خويتك تسمحي فيها و تسمحي في مشاكلها بسبب خدمتك؟
(وراكي شغل بكره يعني أيه؟ هانت عليكي أختك تهمليها وتهملي مشاكلها عشان الشغل! ).

واضافت زينب بغيظ: و لا صافي وليتي شايفة راسك سيدة اعمال ا الاستادة فطيمة!
(ولا خلاص بقيتي شايفة نفسك سيدة أعمال يا استاذة فاطمة! ).

حاولت فاطمة الحديث، أو حتى الدفاع عن نفسها، ولكن الاخيرة لم تترك لها الفرصة لذلك، بل هاجمتها بشراسة: تامني بالله، انا اللي غلطانة كنتاصل بيك نشكيلك احزاني، و بلا الله يعاونك، يا ربي تخرج ليك الشياطين تضيع عليك الليلة ديالك، باش تمشي للخدمة و الكحل تحت من عينيك و شعرك واقف مشعكك و المنظر ديالك كيما دوك الاشباح المتحولة.

(تصدقي بالله انا غلطانه اني بتصل بيكي أشكيلك احزاني، ومن غير في رعاية الله، ياكش تظهرلك الشياطين تعكنن عليكي ليلك، عشان تروحي الشغل ضاربة كحل تحت عينك وشعرك واقف وشكلك زي الاشباح المحولة دول! ).

تركت فاطمة الهاتف من يدها بعدما تأكدت بأنها اغلقت المكالمة بوجهها، وضعته على الكومود وهي تردد بصدمة: هادي حماقت و لا هبلات!
(مجنونة دي ولا إتهبلت! ).

حصل عُمران من الأريكة المزدوجة على فراش شبه مريح، مدده ونزع جاكيت بذلته الآنيقة، ثم تمدد على الفراش يضع يده أسفل رقبته، ويغلق عينيه بتعبٍ.

بدت شمس حائرة بين فراش زوجها المصاب وفراش أخيها، فظنت أن باغلاق عيني عُمران بأنه قد استسلم للنوم، لذا وبكل هدوء تسللت تتمدد جوار آدهم، تضع رأسها فوق صدره، ويدها تضم خصره، فتلامست يدها رغمًا عنه مكان اصابته، حيث يصعب عليها تحديده لان الشاش يلف منتصف خصره بأكمله.

تأوه آدهم بصوتٍ مسموع، وما أن شعر بها جواره حتى شملها بين ذراعيه وهو يبعد يدها عن اصابته، مما دفعتها لقولها: وجعتك؟ أنا آسفة.

ربت عليها بحنان، وقال: أنا فداكِ وفدى راحتك يا روح قلبي.

ومال يقبل جبينها، ويضمها إليه بشوقٍ، إنساق خلف عاطفته وتناسى كل شيء، ثم وفجأة فصل نفسه عنها وسألها بريبة: عُمران فين؟

أتاه صوته الساخر يجيبه: على بعد متر منك وحياتك!

وأضاف وهو يميل جانبًا لهما، مستندًا على ذراعيه: مش بقولك إنك محتاج إعادة تربية من أول وجديد، لأ وأنا اللي مشفق عليك وساحب لساني الوقح عنك وإنت أس الوقاحه كلها!

مالت شمس إليه تهمس برجاء شبيه بالبكاء: خبيني يا آدهم، بالله عليك خبيني!

أتاها صوت عُمران يسخر منها: حاسبي بس عشان الاصابة لسه طارية، انا بقول تسيبيله السرير وتيجي تنامي في حضن أخوكي لحد ما يتعافى أو يتربى أيهما أقرب!

وتابع وهو يشير لها على المحل المجاور له: حضن أخوكي أولى بيكِ يا حبيبي تعالي.

انسحبت شمس من بين أحضان آدهم وإتجهت لعمران، وجدته يضع آحدى وسادات الاريكة لها، ويجذب جاكيته الطويل يداثرها به، ثم نهض يتجه لآدهم يتفحص المحلول المعلق بيده، وفور ان تأكد بانتهائه حتى فصله وانتزعه من وريده، ثم ألقاه بسلة المهملات، وإتجه يميل إليه وهو يهمس له: نام وريح يا آدهم، الاصابات اللي عندك دي تودي لعشماوي عدل، وأنا خايف عليك يا حبيبي.

ضحك آدهم وشاكسه بقوله: إنت متأكد من حكاية خايف عليا دي يا عمران؟

أجابه بابتسامة هادئة: أغلب علاقات الحب قايمة على المناكفة والمشاكل المبدئية، بذمتك مش عاملين جو للعيلة دي، انا أساسًا بمل من غير ما أعكنن عليك، أصلي هكنن على مين يعني، على اللي وشه مبيفرقش الكتب ومخلص ليهم أكتر من البشر! ولا عمي اللي مصدق يدخل دنيا تبت فيها ومش راضي يطلع أبدا!

وأضاف بحزن مضحك: مكنش في حد مسليني غير الخال الملزق حتى ده تاب وأناب وطالب الصفح والعفو، طب شياطني الوقح يتواقح على مين يا باشا؟

انفجر ضاحكًا وقال يجيبه بصعوبة: عليا يا باشا ولا يهمك.

ضحك هو الاخر وقال وهو يشمر عن ساعديه: ريحلك ساعة قبل الفجر.

سأله باستغراب حينما وجده يبتعد عنه: اانت رايح فين؟

قال وهو يفتح باب الحمام: هتوصى عشان صلاة القيام، وعشان خاطر عيون شمس هدعيلك دعوتين.

ابتسم آدهم ومال برأسه يهمس بغرابة: غريب إنت يا وقح!

تململت فاطمة بنومتها، ونهضت على صوت رسالة استقبلها هاتفها، فتحت الهاتف لتجدها رسالة على حساب عمران الشخصي، فتحتها وهي تتثأب بنومٍ، انقطع عنها فور ان قرأت محتويات الرسالة، فنهضت تستقيم بجلستها بفزعٍ، وصدمة جعلتها تصرخ بهلعٍ: علي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة