رواية زهرة ولكن دميمة الجزء الثاني بقلم سلمى محمد الفصل الرابع عشر
قادته قدماه الى الفيلا، وجد نفسه متوقفا بالسيارة أمام البوابة، دلف الى الداخل، أستغرب من رؤية الباب مفتوح على مصراعيه، أنقبض قلبه، وأحساسه بوجود شيء غير مريح في الأجواء، سمع تمتمات خافتة صادرة من المطبخ، أتسعت عينيه بذهول، وهو يرى الخادمة، مقيدة ومكممة الفاه، نزع الكمامة بسرعة وبمجرد نزعها هتفت صارخة بأعلى صوتها: المدام والولاد أتخطفو
أرتسم الذعر على وجه أكنان، ثم أمسك يد الخادمة، وقال بانفعال: مين
هزت الخادمة رأسها في صمت، تمتمت بفزع: معرفش...
خرج أكنان من الغرفة كالمجنون، وحدث نفسه كيف حدث هذا، خرج الى الحديقة، وجد كلاب الحراسة ملقاة على الأرض، أتجه مسرعا الى غرفة الحرس، رأى الحارسين مقيدين ومكممين هما أيضا، نزع الكمامة والقيد عن أحد الحراس...
نفخ أكنان في وجه بقوة وسأله بصياح: أزاي ده يحصل وأنتو موجودين...
حليم بلع ريقه بصعوبة وقال بخوف: أتاخدنا على خوانه...
مسح أكنان وجه بعنف: أحكيلي اللي حصل...
بدأ حليم في الأرتجاف: كنا قاعدين عادى، فجأة سمعنا أصوات برا، خرجت من الأوضة، شوفت الكلبين مرمين على الارض ولسه هتحرك لقيت اللي بيضربني على راسي من ورا، ملحقتش أشوف مين اللي عمل كده، ولما فوقت لقيت نفسي أنا ورامي متكتفين...
وبدون مقدمات رفع كف يده وأنزله بقوة على وجهه وقال بصوت هادر: أغبية وجودكم زي قلته، معرفتوش تقومو بشغلكم...
أنف حليم نزف من شدة الضربة وبلهجة مرتجفة: أنا بقالي سينين شغال عند حضرتك ولا مرة غلطت
رفع أكنان كف يده وضربه أقوى من الأول على خده: غبي، غلطة غلطت عمرك، اللي أتخطفو مراتي وولادي، أنا حطيت ثقتي فيك وأنت مكنتش أد الثقة، هتف في وجهه بغضب، تستاهل اللي هعمله فيك لو أي حد فيهم أتخدش بس، قام بأخراج هاتفه وأتصل ببعض رجاله، وفي أقل من نصف ساعة كانت الغرفة مكتظة بالحراس...
أشار أكنان بيده لرجلي الحراسة، فأسرعا بأمساك حليم ورامي الذي مازال مكمم ومقيد...
بدأ حليم في الأنتفاض في وقفته والدم غطى أنفه وفمه، حاول تقيبل يده وقال بتوسل: سامحني ياأكنان بيه...
الخوف كاد يقتله فهو يعرف مدى قسوته وشراسته مع أعدائه...
قال أكنان بقسوة: حطوهم في أي مكان تبعي، جذبا الحراس حليم ورامي خارج الغرفة، صاح حليم طالبا العفو والمغفرة: أديني فرصة وأنا هصلح غلطتي...
أوله أكنان ظهر وقال لأحد الرجال: عايز تسجيلات الكاميرات دلوقتي...
بعد تفريغ الكاميرات، لم يستدل على شيء، فالخاطفين كانو ملثمين، ضرب بعنف على الحائط، محدثا نفسه: مين اللي ممكن يعمل كده، ثم صاح في الرجل الواقف أمامه، اتصرف، اتصرفو كلكو
فتحت زهرة عينيها ببطء، وبسرعة جلست في مكانها مفزوعة، وجدت نفسها وحيدة في غرفة مغلقة، تذكرت ماحدث، نظرت حولها فلم تجد أطفالها، وبسرعة جرت نحو الباب وأخذت تخبط عليه وتصيح بكل ماأوتيت من قوة: فين ولادي، أنا عايزه ولادي، أخذت تصيح وتدفع الباب لفترة غير معلومة من الوقت، حتى تعبت وجلست على الأرض تبكي بشدة، تأملت المكان حولها بعيون باكية، وتتفحص عينيها كل ما تقع عليه للبحث عن مخرج من هذه الغرفة، أقتربت من النافذة، وجدت أكثر من كلب للحراسة، ورجل جالس بجواره سيدة كلاهما معطين ظهرهم لها فلم ترى ملامحهم ولكن سمعت أصواتهم الضاحكة، هتفت صارخة: فين ولادي، هاتولي ولادي، لم تكف عن النداء والصراخ...
أشار شهاب الى أحد الحراس قائلا بحدة: غطي الشباك ده بأي زفت، ودخلو العفاريت ولادها عندها، صوتهم وصراخهم جابلي صداع...
دينا بنبرة أنثوية مثيرة: ناوي تتصل بيه أمتى؟
رد عليها بابتسامة ماكرة: حالا هبعتله فيديو ليهم، وهطلب منه الفدية مقابل حياتهم، ضحك بتشفي، أخيرا لقيت نقطة ضعف ليه وهعرف أنتقم منه على الملايين اللي خلاني أخسرها بعد مافاز بالصفقة، ده أنا قربت أعلن أفلاسي، فكرتك ياحبي جيت في الوقت المناسب، ومن فلوس الفدية اللي هاخدها منه مش هتخليني أعلن أفلاسي وأرجع زي الأول
قالت بابتسامة باردة: طب هي والولاد هتعمل فيهم أيه، هترجعهم ليه ولا أيه...
نفث الدخان من فمه، ونظر اليه وهو يتصاعد في الهواء ويتبدد من حوله ثم قال: مين دول اللي هرجعهم، أنا هاخد الفلوس من هنا وهخلص عليهم ولا من شاف ولا من دري...
سألت باضطراب: هتموتهم يعني...
نظر لها باستغراب: هو ده سؤال يادينا، طبعا هخلص عليهم، دول دليل أدانتنا أحنا الأتنين، مش هيعرف مين اللي خاطفهم أبدا...
ردت بلهجة متوترة: إدانة مين؟، أنا اقترحت عليك ازاي ترجع فلوسك لما ظهر ليه زوجة وولاد من العدم...
قال بسخرية: أنتي خايفة ولا ايه...
_لا مش خايفة وهخاف ليه؟
_هتيجي معايا واحنا بنسجل ليها
_ أه طبعا هجي معاك
وجد زاهر نفسه في نفس المكان من لا فراغ، سمع صوتها مناديا أياه باستغاثة، زاااهر زاااااهر، أخذ يركض وأنفاسه تتسارع، شعر بعظامه تؤلمه بشدة، مجرد صوت ونداء، أخذ يلتفت حوله وقال بصراخ، بيساااان، تسلل الى سمعه صوت طنين هادر، وظهرت أمام عينيه العديد من الصور أخذت تدور حوله محدثة أزيز مزعج، حاول الهرب، صرخ بألم، لكن صوت صراخه ضاع في الفراغ، ثم أطلق صرخته الأخيرة وكانت هذه من المرة من حلقه...
أنتفض ناصر في مكانه على صوت أبنه، أقترب منه مسرعا، وقال غير مصدق نفسه: زاهر، الحمد ليك يارب
فتح عينيه ببطء، رأى والدها أمامه...
سأل بصوت واهن: أنا فين؟
انتفض قلبه من السعادة وهو يرى استيقاظ إبنه، إجابه بابتسامة: إنت في المستشفى، تذكر خلال لحظات ماحدث قبل أن يهوي من على الدرج، تقلصت ملامح وجه من الألم وارتعش جانب أنفه...
قال بلهجة قلقة: أنا هروح أنادي على الدكتور يشوفك...
سأل بخفوت: أنا كويس، سكت لثواني ثم قال، بيسان فين؟
تملل ناصر في وقفته ورد عليه بلهجة مرتبكة: بيسان، بيسان هي البيت وكويسة..
بدأ الخدر يزول من أطرافه تماما وأصبح واعيا لما يدور حوله...
لاحظ توتر والده، ومضت داخل عقله مشاهد من بعض أحلامه، واستغاثة بيسان له، سأل بأصرار: في أيه، بيسان كويسة
قال بلهجة متوترة: أيوه كويسة
قاطعه قائلا: قولي أيه اللي مخبيه عني
رد عليه بلهجة مرواغة: أنا هروح أنادي الدكتور يطمن عليك الاول...
_ قولتلك أنا كويس، ريحيني وقولي في أيه..
_ مش وقته الكلام، لما الدكتور يطمني على حالتك، نبقا نتكلم، أنا هروح أنادي على الدكتور، ثم أوله ظهره وأتجه ناحية الباب، لم يلتفت لنداء أبنه ثم خرج وأغلق الباب خلفه...
شعر زاهر بحدوث مكروه ما، قلبه يخبره بذلك...
حاول النهوض، رفع رأسه بعناد فعجز، أنهار على الوسادة، لمعت عينيه بالدموع لأحساسه بالضعف...
أشرق وجهها عندما رأته، وعندما أقترب منها، شعرت أنه شاحب...
فقالت بقلق: مالك؟
رد عليها بابتسامة باهتة: مفيش حاجة...
_ بيسان كويسة
_ أه بقيت أحسن من الأول وقربت تخرج من المستشفى
_ أومال مالك حسه أن في حاجة مضيقاك
هز رأسه نافيه ثم قال: مفيش حاجة ياضحى، أيه رأيك نخرج دلوقتي...
نظرت له برقة: دلوقتي، دلوقتي..
أجابها بابتسامة محببة: أيه دلوقتي، تحبي تروحي فين، أنتي كل اللي عليكي تختاري المكان بس...
تصنعت التفكير ثم قالت بابتسامة: نفس المكان اللي روحنها وأحنا مخطوبين...
_ غيري هدومك ويلا بينا، فهو أراد الخروج معاها الى أي مكان لكي ينسى المشاكل التى لم تتوقف بمجرد زواجه...
وبعد فترة قصيرة كان كلاهما في السيارة، أدار السيارة وأنطلق بها باتجاه البحر، وطوال الطريق كان يمسك يدها ويقبلها برقة، وهي كانت تنظر له بعشق، فمنذ عدة أشهر كان بالنسبة لها مجرد حلم بعيد المنال.. أعجاب ليس من حقها، غير مسموح لها بالبوح به، ودون أن تدري الأعجاب تحول الى حب، والأن أًصبح حبيبها زوجها، أرتسمت على وجهها سعادة بالغة ولمعت عينيها بلون الحب...
سأل برقة: ممكن أعرف سبب أبتسامتك...
قالت بحياء: أنت، أنت وبس...
ملئت الابتسامة وجهه: وديما هكون السبب في ضحتك...
نظرت اليه ونظرت طويلا في عينيه وقالت: بحبك...
أشرق وجهه عن أبتسامة واسعة وقال بسعادة: كل مرة تقوليلها ليا كأن أول مرة أسمعها...
وهما على الشاطىء، قال بابتسامة: مكنتش متخيل أنك بتحبي البحر لدرجادي...
أجابته بابتسامة حالمة: البحر عشق، بحبه أوي
_ مين أكتر
_ أنت طبعا
ضمه اليه بحب وقال لها الكثير من الكلمات والهمسات العاشقة...
باب الغرفة فتح على مهل، قفز قلبها في مكانه وضمت طفليها بقوة وشددت من الضغط عليهم، أنتفضت كسمكة خرجت لتوها من الماء...
أندفعت زهرة بالحديث وقد سبقتها دموعها: أنتو عايزين مننا أيه
أخذ نفس من سيجارته وقال بلامبلاة: أنا مش عايز منك حاجة، أنا عايز من جوزك، فأنت كده زي الشاطرة، هتتكلمي قصاد الكاميرا دي، ثم أشار للحارس الممسك بالكاميرا بالأقتراب، وهتقولي الكلام اللي هقوله ليكي من غير زيادة ولا نقصان...
بمجرد مارأتها شعرت بغيرة تكاد تمزقها، تقدمت نحوها وقالت لها بحدة: أنت بقا مراته، ثم رفعت يديها ولطمتها بعنف على وجهها، طفرت الدموع من عينيها من شدة الضربه، نظرت لها زهرة بذهول من كمية الكره المنبعث تجاهها فهي أول مرة تراها، نهض الصغيرين في محاولة للدفاع عنها.. لكنها شددت من أحتضانهم أكثر تمنعهم من النهوض حتى لا ينالهم الأذى، همست بهدوء: نفذو كلامي، اللي قولته ليكم، مفيش حد يتحرك من جنبي، هااا لو بتحبوني أسمعو كلامي، أنا كويسة..
سكت الصغيرين تحت نظراتها وصوتها الهادىء...
شهاب بخشونة: جاهزة لتسجيل ولا هتتعبينا معاكي...
هزت رأسها وقال بهدوء مفتعل: اللي أتقولو عليه هنفذه، بس أبعدو عن ولادي...
قال شهاب: بس قبل التسجيل هتكلمي جوزك، هتقوليلو الكلمتين دول ثم أعطاها ورقة، ومتحاوليش تقولي أي حاجة تانية، رقبت ولادك تحت أيدي، مفهوم كلامي
هزت رأسها بخوف: مفهوم...
أعطى شهاب الهاتف الى زهرة عندما أنفتح الخط...
أندفعت زهرة بالحديث وهي تبكي: أنا زهرة
أنتفض أكنان في مكانه وقال بسرعة: أنتي فين؟
زهرة ببكاء: أنا مخطوفة ياأكنان، معرفش أنا فين، أشار لها شهاب مهددا لكي تلتزم بالكلام...
أكنان بانفعال: مين اللي خطفك...
صرخت بخوف: معرفش، معرفش، أنا مخطوفة والعصابة طالبين فدية، أسمع كلامهم في كل اللي يطلبوه، كانت الدموع تنساب على وجنتيها وهي تتكلم
قال بلهجة رقيقة عكس مابداخله من بركان ثائر: أهدي يازهرة، أنا هعملهم كل اللي هما عايزينه، لو أضطريت أبيع فيها كل اللي أملكه، المهم أنتم عندي، أنتم أهم حاجة في حياتي، عشان خاطركم أنتم وبس مستعد أضحي حتى بعمري، وميجراش ليكم حاجة، أطمني وأوعي تخافي وخليكي زهرة القوية اللي أعرفه، هاتي أي أكلمه من العصابة...
تمتمت بخفوت: عايز يكلم حد فيكم...
أشار شهاب لأحد الرجال بأخذ الهاتف
بمجرد سماعه صوت الخاطف، هتف فيه بغضب: محدش يقرب منهم وكل اللي أنتم عايزينه هنفذه، بس أطمن عليهم الاول...
_ أحنا هبعتلك فيديو ليهم، وهما بنفسهم هيقولو أنهم كويسين، هتسمع كلامنا، هتستلم مراتك وولادك حتى واحدة، هتلعب علينا ومش هتدينا فلوس الفدية، هتستلم كل يوم حته منهم...
هتف أكنان باضطراب: هسمع بشرط محدش يقرب منهم...
قال بلهجة غليظة: تسليم الفدية بكرا...
رد عليه أكنان بلهجة متوترة: المبلغ اللي طالبينه صعب أوفره بكرا، خلي ميعاد الاستسلام كمان تلات تيام، أكون قدرت أوفر المبلغ...
أشار شهاب الى رجله بالموافقة...
_ خلاص أتفقنا، الاستسلام هيكون كمان تلات تيام، وكلها دقايق ونبعتلك فيديو ليهم، عشان تعرف أننا بنعاملهم معاملة الملوك، ثم أغلق الهاتف...
أكنان بصياح: حالا أعرف المكالمة دي جايه منين...
بعد مضي فترة من الوقت، أكنان كان في قمة توتره، بمجرد دخول همام، هتف بانفعال: عرفت المكالمة جايه منين...
رد همام بنفي: لأ معرفناش، المكالمة مموهة عن طريق الأقمار الصناعية
أكنان بغضب هائل: أزاي معرفتوش المكان..
أجاب همام بارتباك: مستحيل نعرف طريقها، للأسف ياأكنان بيه...
رن هاتف أكنان، معلنا وصول رساله له، فتح الرسالة وجلس...
بسرعة التفت أكنان بمقعده بحدة، ونظر لتسجيل بتركيز، وقد علت ملامح التفكير العميق على وجهه، وهو يعيد التسجيل مرارا وتكرارا، تاره ينظر الى الفراغ وتاره الى الفيديو، وعندما أنتهى الفيديو، وقف منتفضا في مكانه وأخذ يضرب بكلتا يديه بعنف على سطح المكتب، وأخذ يصيح بغضب هادر...