رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل العاشر
تنبه عبدالعزيز و علام لذاك الصراخ القادم من داخل البيت
حيث يقف كل منهما مداريا نفسه خلف الأشجار المحيطة بالبيت
و انتهزا فرصة تبادل الخفيران النظرات المستفسرة بعد ان وصلهما صوت تلك الصرخات المدوية
حتى ان احدهما اندفع يستطلع ما يحدث مما سهل الامر على كل من عبدالعزيز و علام لينقضا على الخفير المنتظر امام باب القاعة الخلفى.
و يجهزا عليه ويردوه فاقدا الوعى و يجذبا جسده ليخفياه حتى يعود صاحبه و يفعلا معه المثل..
لحظات و تم ما أرادا و استطاعا القضاء على الخفيرين و الولوج الى داخل القاعة فى هدوء مترقب..
و ما ان هم عبدالعزيز بالاندفاع لرؤية روح المكومة قرب باب القاعة الرئيسى
حتى انفرج الباب مما جعله يتقهقهر فى سرعة محاولا الاختباء من جديد حيث كان ينتظره علام
يطالع كل منهما ما يحدث مع دخول ذاك الطاغية المدعو عتمان للقاعة.
كاد عبدالعزيز يفقد التحكم فى أعصابه ويندفع اليه منتقما
الا ان علام كان الأسبق ليجذبه ليسيطر على رباطة جأشه حتى تحين اللحظة المناسبة..
كانت روح قد استعادت وعيها حينما دخل عتمان القاعة
و رفعت رأسها قليلا متطلعة اليه فى وهن غير قادرة على الإتيان بأى رد فعل الا الصمت المطبق
و التطلع لذاك الحقير بنظرات كالخناجر تتمنى لو تقتله..
هتف فيها عتمان: - هااا، مستعدة يا عروسة..
أبعت اچيب الجعر بتاعك يطلج و نكتب على طول..
جولتى ايه..!؟.
كادت ان تبثق على محياه البغيض لكنها تمالكت نفسها فهى قد رأت بأم عينها ماذا فعل بشوق حينما عارضت امر من اوامره..
صمتت و هى تبتهل لله رغبة فى الخلاص..
لم ينتظر عتمان ردها
و هل لها رأى من الاساس لتفصح عنه
مما دفعه ليهتف بها: - السكوت علامة الرضا يا عروسة..
و ما ان هم بالنداء على خفيره لجلب عبدالعزيز من الزريبة.
حتى انتفض علام قابضا على رقبة عتمان مكمما فيه بكفه
و بالكف الاخرى يسيطر على ذراعه اليمنى التى حاول ان يخرج بها سلاحه من قلب جلبابه
الا ان علام كان الأسرع
بينما اندفع عبدالعزيز ملهوفا الى روح يتأكد انها بخير
و التى اندفعت اليه بدورها تكاد لا تصدق انها تراه امام ناظريها حقا..
ما ان هم عبدالعزيز للعودة لعلام لمساعدته فى القضاء على عتمان و السيطرة عليه.
حتى هتف علام بإصرار: - اهرب يا عبعزيز و خد مرتك، ياللاه روح من هنا..
هتف عبدالعزيز فى إصرار: - لاااه، كيف اروح
و اسيبك ف يد الظالم دِه..!؟.
هتف علام من بين اسنانه فى ضيق و هو يحاول السيطرة على جسد عتمان الضخم
الذى كان يزوم و يحاول التخلص من سيطرة علام على جسده
و الذى كان لحسن الحظ اكثر شبابا و قوة من عتمان: - بجولك روح يا عبعزيز، انى بينى و بين النجس دِه تار و دم..
انى عرفت ان هو السبب ف اللى حصل لنرچس اختى..
روح يا عبعزيز الله يسترك و سبنى معاه نصطفل و ابعد انت و مرتك، روح بجا، روووح..
جذبت روح كف عبدالعزيز و كأنها دبت فيها القوة فجأة
و اندفعا من باب القاعة الخلفى
قبل ان يسمعا باب القاعة الرئيسيّة يُفتح
و لكنهما لم يطلا للخلف ابدا ليعرفا من كان القادم فى تلك الساعة المتأخرة من تلك الليلة الدامية.
و لكن كل ما استطاعا تمييزه و هما يخرا عباب ذاك الحقل الملاصق للبيت الكبير مبتعدين
هو صوت تلك الطلقة النارية التى اندفعت لتكون نهاية حتمية لأحداث متلاحقة فى ذاك اليوم العجيب
و لكى تحثهما على الإسراع عدوا ليبتعدا قدر إمكانهما عن ذاك النجع المشؤوم..
انفرج باب القاعة الرئيسى فى نفس تلك اللحظة التى اختفى فيها كل من روح و عبدالعزيز خارج القاعة من بابها الخلفى.
ليواجه علام وحده ذاك المصير المجهول الذى ينتظره ما ان انفتح الباب بتلك القوة لتطل منه عيون بندقية ميرى كان يعتقد علام ان من يحملها هو احد الخفراء
الذى ادرك الجلبة القادمة من القاعة فقرر الاستطلاع
مما جعله يشدد الضغط على فم و ذراع عتمان
الذى اصبح الان مع انفراج الباب اكثر عنفا ورغبة فى الخلاص من أسر علام المؤلم
و الذى جعل الرعب يدب فى أوصاله على غير العادة..
و لكن علام تنهد فى راحة عندما ادرك هوية حامل البندقية
و الذى لم يكن سوى شوق..
التى دخلت القاعة مترنحة قليلا تقف فى عزم رغما عن ذلك
تحمل سلاح ذاك الخفير الذى كان لايزل فاقد الوعى خارج القاعة
و لم ينتبه احدهم له او يتنبه انه لايزل يحتضن بندقيته و لم يتركها..
تطلع علام الى شوق فى حنين جارف دفعه اليه
ذاك الشعور الذى لم يخمد منذ طالعها للمرة الاولى فى احد الافراح.
التى كان يحييها مغنيا و صادحا بصوته العذب..
كان كلاهما يكن للاخر الكثير من المشاعر التى تمنى ان تكلل بالحلال لكن عتمان كان لهما بالمرصاد ليتزوجها عنوة و رغما عن أنف الجميع
لتعيش العذاب ألوان فى بيته
اما علام فاندفع يذكرها فى كل حرف يشدو به
يتمنى اللقاء بها من جديد..
و ها قد أتى ما تمنى على غير انتظار و لكن يا له من لقاء..
هى على جانب تحمل سلاحا.
و هو على الجانب الاخر يحمل مديته المسلطة الان على رقبة عتمان
الذى كان ماثلا بينهما كما كان دوما..
هتف علام بلهفة: - شوج..!؟.
هتفت بدورها و هى تغلق باب
القاعة: - علام..!؟.
ايه اللى جابك هنا..!؟.
هتف علام فى حقد و هو يشدد أسره لعتمان
الذى اصبح يئن الان ألما تحت وطأة يد علام الصلبة.
المتشربة بالرغبة فى الانتقام: -چاى اخد بتار اختى نرچس من النچس دِه، جيت اخد بتارى و تارك يا شوج، و مش ماشى الا و انى واخد روحه بيدى..
هتفت شوق بذعر و هى لاتزل ترفع البندقية موجهة لعتمان: - لاااه..
انت لاااه..
لو كان لسه فى و لو معزة جليلة ليا ف جلبك..
أوعاك تجتله
أوعى يا علام..
هتف علام بحنق: - لساتك باجية
عليه..!؟.
هتفت شوق فى شجن: - لاااه، مبجياش عليه..
انا باجية عليك انت يا علام..
صرخ علام بصوت مكتوم: - و ايه اللى يضمن لك انه هيسبنى او يسيبك ف حالك لو سبناه دلوجت..
و كمان انا مفوتش تارى..
و هاخده منيه و لو كان دِه اخر حاچة اعملها ف حياتى..
تنهدت شوق فى حزن و هي تترنح من اثر ألمها جراء جراحها التي تحاول مداراتها هامسة: - حياتك تعز علىّ، خسارة يا علام تروح هدر..
عشان خاطرى روح و سيبه و عيش حياتك..
عيش يا علام، عيش و اتهنى و افتكرنى بالخير.
وما ان هم علام بالنطق.
حتى فغر فاه عندما ضغطت شوق على زناد بندقيتها
لتندفع منها تلك الطلقة النارية التى شقت صدر عتمان بصرخة مكتومة ليتثاقل جسده تدريجيا على ذراع علام فيتركه يهوى ممددا أرضا..
ظلل الصمت كلاهما و لم ينبس احدهما بحرف واحد و بينهما ذاك الجسد الذى صمت للأبد..
و اخيرا كانت شوق هى من قطع ذاك الصمت الصاخب بينهما
لتهمس برجاء: - روح يا علام، روح عشان خاطر شوج..
روح و مترجعش البلد دى تانى..
و افتكرنى لما تعدى من هنا..
و جول كان ليا شوج
بس الشوج ما كان ليا..
ترنحت فى وهن و كأنما فقدت قوتها التى كانت تدعيها بعد تلك الجلدات الحارقة التى نالتها من سوط عتمان
مما جعله يندفع إليها مسندا إياها قبل ان تسقط أرضا و هو يهتف فيها: - مش هسيبك، هاتاجى معاى..
همست به وهى تدفعه بعيدا عنها: - لااه، معدش ينفع يا علام..
سكتنا مبجتش واحدة..
روح لو بتعز شوج، روح يا وچعى..
و دفعت به محاولة إبعاده.
لكنه تشبث بها
و هى تلتقط أنفاسها في تتابع و تنظر اليه نظرة كانت تحمل الكثير من الأحلام الضائعة التي لم تتحقق
و أخيرا سقط ذراعها و قد فارقتها روحها كما تمنت منذ اللحظة الأولى التي رأته فيها..
رحلت بين ذراعيه..