قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس عشر والأخير

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس عشر والأخير

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس عشر والأخير

ركبا معا القطار من جديد بعد ليلة أمضياها في ضيافة علام و أهله
و ها هما عائدان من جديد لغرفتهما العزيزة
و التي ظنا إنهما لن يعودا اليها
ابدا
و سيظل كلاهما هارب من جرم لم يرتكبه..
وصلا للحوش و أمام باب الغرفة
وقف الشيخ عبدالعزيز يخرج مفتاح القفل
الذى لايزل قابضا على ضلفتي الباب و اخذ يتطلع اليه في سعادة كمن يتطلع لمفتاح الجنة..
فتح الباب على عجل.

و شوقه يدفعه ليتطلع الى محتويات الغرفة المتواضعة و كأنها قصر منيف من سعادة
و ذكرى جمعته مع روح التي كانت تتبعه في وجل يحدوها نفس الشعور حتى انها لم تتفوه بحرف احتراما لذاك الحدث الجلل..
دخلا الغرفة و اغلقاها خلفهما و تطلع كل منهما لمحتوياتها و أخيرا دمعت عينا روح في سعادة و تطلع اليها عبدالعزيز في شوق هامسا لها: -أخيرا يا بت، رچعنا لأوضتنا..
همست متطلعة اليه: - انا مش مصدجة يا شيخ..

احنا هنا صحيح و لا انى بحلم..
تقدم عبدالعزيز اليها متطلعا اليها بنظرات ماجنة هامسا: - لاه صدجى، احنا هنا..
حتى تعالى، جربى و انى اخليكِ تصدجى اكتر..
انفجرت ضاحكة في دلال جعل قلبه يرقص طربا بين جنباته ثم هتفت مشيرة للغرفة: - الاوضة متربة يا شيخ، خلينا ننضفها الأول..
نظر اليها عبدالعزيز و قد تبدلت نظراته المشتاقة الى نظرات غيظ و قهر
و هتف راغبا في خنقها: - مش بجولك كئيبة..

يعنى ما صدجنا ربنا جمعنا تانى تحت سجف الاوضة اللى احنا كنّا مفكرين اننا مش هنجدر نجرب منيها حتى، تجومى تجوليلى متربة و معرفش ايه، طب خليكِ مع العفرة و انى رايح..
و اتجه للباب في غضب مما جعلها تهتف خلفه بنبرة نادمة: - طب بس استنى يا شيخ..
و اندفعت للباب تضع جسدها بينه و بين عبدالعزيز مسندة ظهرها على ضلفتيه تغلقهما قبل انفراجهما.

هامسة و هي توجه نظراتها لزوجها الغاضب: - هو چرى ايه يا شيخ، ميبجاش طبعك حامى كِده..
و على فكرة انى اتوحشتك چوووى..
انفرجت أساريره
لكنه ادعى الغضب و الذى كان لايزل يرسم تفاصيله على وجهه
وهمس: - متخليكِ مع العفرة احسن، بلا اتوحشتك بلا بتاع، يا كئيبة..
انفجرت مقهقهة من جديد
هامسة: - و ماله، كئيبة، بس اتوحشتك برضك..

ووضعت كفها على صدره في شوق مما جعله ينسى غضبه كله دفعة واحدة و يتذكر فقط انه معها فجذبها اليه في مشاكسة هامسا: - طب تعالى، عايز اجولك كلمة سر، و لا لازما احضر روح الجتيل تاچى!؟.
قهقهت من جديد و اندفعت تتلمس موضعها بين ذراعيه..

كله يجول ورايا وبحس عالى ومن غير نشاذ، سامع منك له..
هكذا هتف الشيخ عبدالعزيز الفقى، لمريديه من الاطفال..
والذين جمعهم لتحفيظهم أجزاء من القرآن الكريم، والفوز ببضع جنيهات ، يستعين بها على تدبير معيشته...
كان يجلس امام حجرته المتواضعة، يستقر فوق مقعد منخفض من الخشب المتأكل..
والذى يصدر أصواتا تنم عن طول تحمله..
وفوقه..
تستقر احدى الوسائد المهترئة..

والتى يأن من حملها ذاك المقعد حتى دون حمل صاحبه..
وما أن هم الشيخ عبدالعزيز بتلاوة أول أياته القرآنية..
الا وكاد ان يسقط فزعا..
عندما هتفت روح
من خلفه، : - شيخ عبعزيز، عايزة فلووووس...
استعاد الشيخ عبدالعزيز رباطة جأشه، واستقر على كرسيه الراقص..
قبل ان يسقط عنه أرضا..
متجاهلا تلك العاصفة التى هبت خلفه..

وهو يهتف فى تلاميذه: - جول ورايا منك له، وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ...
قالها وهو ينظر لروح..
عند لفظ مصيبة..
ويكمل وكأنه لم يسمعها..
وهو يتمتم فى تجلى: - اه والله، سبحان من هذا كلامه، انا لله وانا اليه راچعون..
لكن روح لم تيأس كالعادة : - شيخ عبعزيز، بجولك عايزة فلوس ..

وكالعادة تجاهلها الشيخ عبدالعزيز، خاصة عند طلبها للمال
وأمر تلاميذه بالتكرار خلفه: - وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ
وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا
كان يدرك ان روح تعلم انه تحصل على جنيهاته منذ لحظات..
وها هى تقف فى مواجهته..
كفها يعانق خاصرتها فى وضع هجومى..
وعندها فقط علم انه خسر المعركة، فأخرج جنيهاته..
والتى لم تنعم بعد بدفء جيبه..

ليعدهم للمرة الاخيرة ويستقطع منهم ما يدخره لنفسه..
لكن فجأة..
تنقض روح على جنيهاته لتختطفها جميعها كقطة برية..
وتبتسم فى جزل وهى توليه ظهرها، فيهتف حانقا: -، أنتِ روح أنتِ..!، دِه انتِ طلوع الروح..
فينفجر تلاميذه فى نوبة من الضحك الهستيري..
والتى توقفت فجأة مثلما بدأت..
عندما نظر اليهم شذرا..
وأمرهم من جديد، بالتكرار خلفه بصوت عال..

رغبة فى أغاظتها: - فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِمَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ ...
لتخرج رأسها، من نافذة الغرفة الوحيدة والتى تقع تقريبا فوق رأسه.، وهى تعدل حجابها فوق رأسها
، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً....
ما تكمل الآية يا شيخ عبعزيز، هتفت ضاحكة...
-هاعدل، واچيبلك تلاتة يشركوكى الاوضة..
قالها رغبة فى إغاظتها..
الا انها انفجرت ضاحكة..

ضحكة جعلت قلبه يرقص على الرغم من حزنه على جنيهاته الفقيدة، والتى لم يهنأ بها...
خرجت لقضاء حاجاتها. فطلب منها ترك ولدهما عامر عند احدى الجارات لأنه سيسافر لينشد فى احدى القرى، وربما يبيت ليلته..
قضت حاجاتها و عادت، لتأخذ ولدها والذى وجدته يلعب..
فى نفس المكان الذى طالما انتظرت فيه ابيه، الشيخ عبدالعزيز، قبل ان تتزوجه، فقط لتطمئن على رجوعه سالماً.

لطالما أحبته، وتمنت ان تقترن به، زوجة وحبيبة، فكلاهما
وحيد فى دنياه، لا يملك من حطام الدنيا شيئا..
غير قلب يتوق للحب
و روح تتمنى الأمان والطمأنينة...
ويد تربت بحنان على جراح الايام، وتطرد شبح الوحدة بعيداً..
انها لم تنساه...
حتى وهى تبتاع طلبات بيتها..
كانت تدخر بعض من النقود، لتشترى له ما يحب..
الحلاوة الطحينية..
التى يعشقها..
كانت تستمتع وهى تقدمها له..
فتلمع عيونه ببريق طفولى..

وينقض عليها، حتى يأتى على أخرها..
فتنفجر ضاحكة، وهى ترى وجهه وأصابعه..
لا تخلو من أثار تلك الوليمة..
التى يشعر بعدها بالسلطنة..
كما يأكد هو..
دوماً.
وضعت الحلاوة الطحينية فى داخل أحد القدور..
حتى لا تطالها يد عامر ولدهما، فيقضى عليها..
قبل اقتسامها مع ابيه...
ثم أغلقت بابها..
واحتضنت صغيرها ليناما فى هدوء...
تململت فى فراشها وهى تزيد من احتضان ولدها..

فلقد كان الجو قارص البرودة، وفتحت عيونها عندما شعرت بحركة، بجوار نافذتها..
وباب غرفتها يُفتح..
ليطل منه شبح
متشح بالسواد..
فانتفضت فى ذعر متسائلة: -، مين!؟.
فأشاح زوجها بتلك العباءة التى يتلفح بها إتقاء للبرد من على وجهه، فتنفست الصعداء هاتفة، : - فزعتنى يا شيخ عبعزيز...
- من نفسى مرة..
ما انتِ أديلك أربع سنين من يوم ما عرفتك وأنتِ ملبشة چتتى....
فأنفجرت ضاحكة وهى تخرج من الفراش.

لتخرج له معشوقته من مرقدها
لتجلب له بعض الدفء فى تلك الليلة القارصة البرودة..
لكنه اعترض طريقها ليحتضن كفها الدافئة بين أكفة الباردة ليسرى الدفء إلى أوصاله أسرع من البرق...
فأبتسمت فى حبور
وهى تهمس: - هچبلك الحلاوة، يا شيخ زيزو..
- هو فى حلاوة أكتر من كده، يا روح الروح..!، قالها مشاكساً...
- ما أنى كنت طلوع الروح، الصبحية وضحكت عليا كُتابك كله..
قالتها متصنعة الامتعاض والضيق..

- كنت بضحك معاكِ يا بت، متبجيش كئيبة بجى..
وأنفرجت أساريرها عندما أخرج لها أحد أصابع العسلية التى تعشقها
وهو يستطرد، : - أهو، أدينى بصالحك يا ستى..
فقفزت تختطفها كطفلة حققت أحد أروع أحلامها
وتندفع لأحضانه بعشق تنعم بدفء قلبه..
و روعة أحساسها بقربه...
فيميل عليها مقبلاً أياها ثم ينتهى متذوقاً شفتيه وهو يتساءل ناظراً، لعمق عينيها، نظرات ملؤها العبث و الشقاوة...
- هو أنتِ جلتيلى الحلاوة فين!؟

فهمست ضاحكة في دلال: - شيخ زيزو..!؟.
ليهمس بالقرب من مسامعها: - يا روح الشيخ زيزو..
لينفجرا ضاحكين
و قد شملهما الرضا
و غمرتهما السكينة..
وغشيتهما الرحمة..

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة