رواية راقصة الحانة للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل التاسع عشر
خرج من مكتبه كالمجنون بعد أن أخبرته أخته بتلك الكارثة، أوقفه صديقه وهو يقول:
- إلياس باشا أنا جمعت الأدلة زي ما طلبت وطلعت قبض بالقبض عليها.
أجابه إلياس بأستعجال دون أهتمام وهو يسرع للخارج قائلاً:
- ماشي.
وركب سيارته وقاد بجنون لا يعلم أين يذهب للبحث عنها ولكنه لا يستطيع الأنتظار والتوقف عن البحث عنها يريد عودتها سالمة فقط...
هتفت جميلة بهدوء وهي تجلس علي الأريكة قائلة:
- برضو مش هتتصل تطمن عليها وتشوف أبنك لاقاها ولا لا.
ترك فنجان الشاي الساخن من يده بزفر وهتف بضيق:
- هو أبنك كان أستأذني لما راح خطبها ولا حتي وهو بيقول للناس دي خطيبتي، رايح يخطب عيلة.
هتفت أثير بشفقة عليه قائلة:
- بس بيحبها يا بابا لو شوفت عيناه وهي بتبص عليها مش بتقول بحب بس دي بتقول بحب وعاشق ودايب حرام نقف قدام سعادته بعد ما رجع للحياة ومتنساش أن محدش عدله وبعده عن الخمر والسهر غير دموع.
قهقه ضاحكاً بسخرية ثم هتف وهو يرمقها بنظرة حادة قائلاً:
- اه عشان رقاصة وأخوكي أهبل مش فاهمة آن كل ده هي بترسمه عليه عشان يتجوزها بس ده بعدها.
- حرام عليك ياحبيب البت بريئة جدا وعمرها ما أختلطت بالعالم وشاطرة في دراستها جدا بقالها سنة في المدرسة مفيش مدرس ولا طالبة أشتكي منها وكلهم بيشكروا في أدبها وهدوءها غير تفوقها
قالتها جميلة بحزم شديد مُدافعة عن هذه الطفلة في غيابها، ثم هتفت تكمل حديثها قائلة:
- وبصراحة كدة آنا موافقة أجوزها لأبني، أنا متعلمة ومتحضرة وفاهمة أن طبيعيتها طيبة وقلبها أبيض وكل اللي حصلها مجرد تواجدها في ظروف نشأة زي دي والدليل آن البنت عندها طموح أنها تبقي دكتورة وبدأت تصلي مع أثير وأن شاء الله ربنا هيهديها أكتر وتلبس الحجاب ومتأكدة بقي أنها تستاهل إلياس وكفاية عليا سعادته وفرحته بوجودها.
عقد حاجيبه بضيق وقال بضجر:
- قصدك آني انا اللي متخلف عشان معارض الجوازة دي، أنتي مش فاهمة آن البنت لسه في سن المراهقة واحتمل تعلقها بيه كل ده بدافع حنان الاب مش شايفه كرجل.
أبتسمت أثير بسعادة وهي تعطيه فنجان الشاي مجدداً وهتفت بعفوية:
- لا يا بابا صدقني دموع حبها لإلياس حب نقي جدا وصادق المشاعر.
زفر بضيق من حديث أبنته وزوجته من تكرار طلب موافقته علي زواجهما ثم دلف إلي مكتبه هارباً منهما...
ظلت تبكي وهي جالسة علي الأريكة الخشبية أمام النيل وتمسك بيدها ورقة وتغلق قبضتها عليها بقوة مُرتدية ملابسها التي ذهبت للأمتحان بها صباحاً بنطلون جينز وتيشرت بكم وبلطو جلدي وحول عنقها وشاح صوف وترتدي علي رأسها طاقية صوف وردية اللون وشعرها مسدول علي ظهرها وتتذكر كيف لم تأتي حنين إلى الأمتحان وحين ذهبت إلي بيتها بعد الأمتحان...
- حنين ماتت أمبارح يا دموع
قالتها والدة حنين وهي تبكي علي فراق أبنتها، صدمت دموع من جملتها فــ حنين صديقتها الوحيدة التي تمتلكها بعد ان جاءت إلى القاهرة...
- حنين سابتلك الورقة دي كانت بتحبك أووي يادموع
قالتها أخت حنين وهي تعطيها الورقة وهي مازالت في صدمتها أخذتها وخرجت من المنزل بصدمة ألجمتها حتي أنها لا تشعر بقدمها إلى أين تأخذها ؟؟.
فتحت الورقة مجدداً وهي جالسة علي النيل وتري هاتفها بجوارها يرن بأسمه وهي تبكي بقوة ( دموع حبيبتي، طالماً أنتي بتقرأي الورقة دي دا معناها أني مشيت وسيبتك، أنا عارفة أنك مصدومة جداً من الخبر وأتصدمتي أكتر لما عرفتي مرضي اللي خبيته عنك، ايوة فعلاً آنا كان عندي سرطان متخافيش كدة آنا دلوقتي في مكان جميل أووى وهراقبك من هناك لازم تحققي هدفك وحلمك وتبقي دكتورة قد الدنيا وتعالجي الناس عشان أنتي بقلبك ده مينفعش تكوني غير دكتورة..،
أوعي تتنازلي عن حبك يادموع حتي لو باباه معارض والدنيا كلها معارضة مادام أنتوا الأتنين بتحبوا بعض وعايزين بعض أوعي تسيبيه عشان ترضي الناس ارضي قلبك ونفسك أوعي تظالمي نفسك آو تيجي عليها، أنا هكون معاكي في كل لحظة يادموع عايزة أشوفك بالأبيض في بلطو الدكتورة وفستان فرحك، متزعليش يا دموع أني مشيت من غير ما أودعك غصب عني مكنتش أعرف أن الوقت جه، خليك مع إلياس يادموع وحققي حلمك معاه دي أمنيتي الوحيدة أنا كمان أنك تحققي كل أحلامك... حنين) .
ظلت تبكي وهي تقرأ الرسالة أكثر من مرة حتي أنفجرت باكية بصوت عالي والجميع ينظر عليها بشفقة وتساؤل ماذا حدث وفضول شديد ؟؟...
ظل يتصل بها مراراً وتكراراً وهي لا تجيب عليه فتح برنامج التعقب وتعقب تليفونها وقاد مُسرعاً الي مكانها...
( أوعي تتنازلي عن حبك يادموع ) ظلت تكرر تلك الكلمة علي لسانها وهي تنظر للورقة، وضعت هاتفها في جيبها مع الورقة ووقفت من مكانها تركض بسرعة جنونية مع خفة جسدها تريد الذهاب له الأن وتتشبث به ولا تتركه حتي لو طلب والده والعالم بأكمله ذلك فهي لن تتركه ولن تتنازل عنه مهما حدث فهو وحده من تبقي لها لا أب ولا أخ ولا أم ولا صديقة ولا عائلة ولا أحد سواه هو، ظلت تمسح دموعها بأنامله وهي تركض...
وصل إلى مكانها ولم يجدها تتبع الهاتف ورأها قريبة منه ركض كالمجنون وهو ينظر بهاتفه عن طرق مختصر ليصل لها سريعاً، وقفت دموع علي حافة الطريق تنتظر الاشارة لكي تتوقف السيارات وهي تضع يديها الأثنين علي ركبتها وتتنفس بصعوبة من الركض، فتحت الإشارة للمشاة ورأته يقف علي الحافة الأخري ينظر لها نظرت له وهي تخطي نحوه خطوات ثابتة مُحدثة نفسها بسرية:
- أنا مستحيل أسيبك همسك فيك وهفضل في حضنك مستحيل أبعد عنك أنا بحبك ومقدرش أعيش.
وصلت لمنتصف الطريق وهي تنظر عليه وتحدث نفسها، ثم ركضت فجأة بسرعة، نظر عليها وهي تركض نحوه كاد أن يتحدث وصدم حين عانقته بقوة وهي تلف ذراعيها حول خصره وتتشبث به بقوة، ظل ذراعيه مفتوحين في الهواء أمامه بذهول من فعلتها وهو ينظر حوله على الناس وهم ينظروا عليهم ويبتسموا، هتف بخفوت شديد:
- دموع...
بترت الحديث من فمه وهي تردف بترجي:
- خلينا كدة شوية بلييييز متبعدش عني.
سألها بخفوت شديد وهو يثني ذراعيه علي ظهرها بحنان:
- هنا في الشارع ياحبيبتي ؟؟.
هزت رأسها فوق صدره بقوة بإيجاب ثم هتفت بطفولية:
- آه، عمه متسبنيش زي حنين.
سألها بهدوء شديد وهو يربت على ظهرها برفق وهي تختبئ من الجميع في حضنه قائلاً:
- هي حنين مشيت ؟؟ راحت فين ؟؟.
عادت للبكاء مجدداً وبدأت ترتجف بين ذراعيه وهي تروى له ما حدث فأربت عليها بحنان يدري أنها الأن تحتاج بأن يطمئنها بأنه لم يرحل بعيداً عنها ويحتوي خوفها وحزنها ويداويهم بمؤاساتها...
نزلت نارين من البوكس مع العساكر والأصداف الحديدية في يديها تكبت غضبها بداخلها من فريدة و دموع معاً.
فتحت باب الشقة ودلف وهو يحملها على ذراعيه وهي نائمة من كثرة البكاء، دلف بها إلى غرفته ووضعها في فراشه وخلع لها حذاءها من قدمها ثم نزع عن رأسها طاقيتها فيُبعثر شعرها الناعم مع نزعه، هتفت بصوت مبحوح وهي تفتح عيناها قائلة:
- أنا هنام في أوضتي.
وضع يده علي فمه معارضاً وهو يشير لها بأن تصمت:
- شششش نامي.
ومسح على رأسها بحنان يرتب خصلات شعرها مجدداً حتى غفوت في نومها بأرهاق شديد، جلس بجوارها ورفع جسدها برفق وهي نائمة ويده خلف رأسها ونزع لها البلطو ووشاحها ثم أنزل رأسها بحنان للوسادة وأطبق شفتيه علي جبينها بحنان ثم أبتعد ووضع الغطاء عليها ذهب ليعلق البلطو وشعر بهاتفها بداخله أخرجه ورأي معه الورقة قرأها ومع كل كلمة ينظر عليها بشفقة فالجميع يتركها ويرحل حتى صديقتها تركتها ورحلت...
دق جرس الباب ففتح معتصم ودلف سعيد وهو يحمل الكثير من الأغراض والطعام، جهز الطعام وله وجلس...
سأله معتصم بغيظ شديد:
- عملت إيه.
أجابه سعيد وهو يحضر له الماء قائلاً:
- هنفذ الخطة النهاردة.
ترك معتصم الطعام وهتف بغضب مكتوم قائلاً:
- أتصل بيه دلوقتي.
أشار سعيد له بالموافقة وأتصل بــ إلياس...
كان جالساً على الكرسي الهزاز في زواية غرفته ينظر عليها وهى نائمة وملامحها حزينة، رن هاتفه برقم مجهول فتح الخط وأجاب:
- آلو.
جاءه صوت سعيد عبر الهاتف وهو يقول بثقة وغرور:
- إلياس باشا أنا سعيد مدير أعمال معتصم بيه.
وقف ببرود وخرج من الغرفة ثم هتف ببرود مُستفز:
- خير على الصبح يا مصيبة باشا.
قهقه سعيد بغرور ضاحكاً ثم هتف يعقب علي جملته:
- صبح إيه ده إحنا الفجر يا باشا، عموماً مش هضيع وقتك أنا عندي ليك أوفر كويس جدا لمصلحتك ومصلحتي.
رفع إلياس حاجبه بذهول وشك في الأمر وسأله:
- أوفر ومصلحتي ومصلحتك اشجيني يا شر.
- آنا مستعد أسلمك معتصم بيه حي يرزق مقابل آنك تسيبلي الشركة الرئيسية وتسجلها بأسمي بعد ما تصادره كل أملاكه قولت إيه
قالها سعيد بمكر وخبث وهو ينظر لــ معتصم وهو يشير له بالاستمرار.
أردف إلياس بشك وأستهتزاء قائلاً:
- موافق تحب نتقابل أمتي وفين ؟؟.
- هبعتلك مسج بكره بالزمان والمكان تكون جبت الاوكية من الإدارة عندك عشان متتضحكش عليا بعد ما تاخد آللي عايزه، ااه وأعتبروا مكافأة واحد دلكم على مجرم هارب من العدالة... سلام.
وأغلق الخط بوجهه قبل أن يجيب عليه، ظل يفكر بالأمر حتي الصباح الباكر وكل تفكيره يصل لنقطة واحدة بأنه فخ للإيقاع به فقط...
أستيقظ علي صباحاً وأخذ حمامه وجهز فطاره هو والده ودلف إلى غرفة والده بالفطار ووضعه علي الترابيزة ثم فتح الستائر وهو يقول:
- صح النوم يابابا عملك فطار بأيدي إنما ايه حكاية محصلتش.
هتف جلال بتذمر شديد وهو يضع الغطاء علي وجهه يريد النوم قائلاً:
- أنت فاكرني مراتك أخرج برا ياض عايز أنام.
هتف علي بمزاح وهو يجلس علي السرير ويبعد الغطاء عن وجه والده قائلاً:
- أنتي تطولي يابيضة تبقي مراتي طب دا آنا هدلعلك دلع مدلعهوش مدلع قبل كدة.
ضحك جلال عليه وهو يجلس بوجه عابث، جلسوا يفطروا معاً و علي يقلب بهاتفه ووجد رسالة من إلياس جاءت له فجراً محتواها ( علي لما تصحي عدي علي أثير هاتها وتعالالي ضروري مستناك ).
هتف علي بأستغراب مُحدثاً نفسه قائلاً:
- خير علي الصبح.
جاءه نفس الصوت المعتاد من داخله يجيبه بأستنكار:
- أكيد في مصيبة وتشوف...
هز علي رأسه بقوة ينفر الأفكار السلبية من رأسه، نظر جلال عليه بأستنكار من جنون أبنه وحديثه مع نفسه كالمجانين...
فتحت دموع عيناها بتعب شديد وهي تشعر بصداع في رأسها من كثر البكاء ووجدت نفسها نائمة في فراشه وهو بجوارها واضعاً ذراعيه أسفل رأسه يبدو آنه غفو وهو يتأملها، قربت يدها منه بحنان تتحسس وجهه بأنامله برفق وتذكرت ما حدث أمس وخسارتها لصديقتها بعدت يدها عنه بوجه عابث ورفعت رأسها كادت أن تقوم فمسكها من ذراعها وأعادها للفراش لكن هذه المرة بين ذراعيه ثم فتح عيناه لها، نظرت لعيناه بهدوء دون أن تتفوه بكلمة واحدة وعيناها حزينة، هتف بخفوت شديد هامساً لها قائلاً:
- حبني يا دموع.
أجابته بصوت مبحوح قائلة:
- آنا بحبك بالفعل.
- أنتي أصغر من حبة الفول عشان كدة انتي في قلبي كلك، خليني في قلبك علي طول
قالها وهو يضع خصلات شعرها خلف أذنها، فهتفت بحب وهي تنظر لعيناه مباشرة:
- أنت في عقلي وقلبي علي طول.
هتف بحنان وقلق من ما هو قادم إليه قائلاً:
- أوعدك أفضل أحبك طول مانا عايش وفيا نفس وعمري ما هسيبك أبدآ، أوعدك مدخلش حد غيرك حياتي حتي في مماتي هطلبك من ربنا تكون حوريتي في الجنة، أوعدك نتجوز ونجيب دستة عيل شبهك وأعيش بس عشان أسعدك ومنزلش دمعة واحدة منك وأفضل جنبك لحد ما تبقي دكتورة وأفتحلك عيادة بنفسي ومش عايز مقابل غير أنك تحبي.
- أنا بالفعل بحبك من غير ما تطلب
قالتها وهي تضع يدها فوق قلبه بلطف ناظرة لعيناه، هتف بخفوت شديد مبتسماً لها قائلاً:
- تتجوزني يادموع.
أشارت إليه بنعم ثم أردفت بهمس شديد قائلة:
- آنا وافقت من أول مرة وأنا خطيبتك بالفعل وموافقة.
- أنا بحبك بحبك يادموع وبعشقك معاكي أنتي بس بنسي نفسي وبتحول لعيل صغير، ضحكتك بس هي اللي تقدر تزيل غضبي وتحوله لرماد، مسكت أيديكي هي علاجي الوحيد لما بحس بضعفي وبستمد قوتي منها، عيناكي هم اللي جابوني لحد عندك راكع وعاشق مجنون ليكي ومستعد عشانهم أعمل إي حاجة.
دفنت رأسها بين ذراعيه في صدره وهي تلف ذراعيها حول خصره بقوة وتقول:
- وأنا بحبك والله مقدرش أعيش لحظة من غيرك.
وضع قبلة علي جبينها بحنان وهو يتطوقها بشغف يشعر بأن هناك شئ سي سيحدث فقلبه مُنقبض منذ مكالمة سعيد له يشعر بأن هناك شئ سيصابه لذلك أخبرها بكل ما بداخله، جاء على له بصحبة أثير ...
سألته أثير بصوت خافت في أذنه:
- هو عايزنا ليه.
رفع كتفه بأستنكار وهو يقول لها:
- علمي علمك ياخبر بفلوس كمان دقائق يكون ببلاش.
خرج إلياس من الغرفة وجلس أمامهما مع دموع وهتف بهدوء وهو يضع ورقتين أمامه:
- أنا هدخل في الموضوع بسرعة عشان خارج ومأخركوش معايا آنا هتجوز دموع.
أردفت أثير بأستغراب وهي تنظر له قائلة:
- طب ما إحنا عارفين آنك هتجوزها آول ما تكمل السن القانوني أيه الجديد.
نظر على له بفهم وهو يري الورقتين والقلم أمامه وعلم بما يفكر به صديقه وأنه أحضرهما ليشهدوا على زواجه العرفي منها فألتزم الصمت منتظر أجابته على أثير .
- أنا هتجوزها دلوقتي عرفي
قالها وهو يمسك يد دموع بحنان وهي تبتسم له بفرحة تغمرها وسعادة لا توصف وضربات قلبها تزداد باستمرار مع مرور الوقت، نظرت أثير له ثم لزوجها الجالس صامتاً ولم تستطيع الرد آو معارضته، كتب قسيمة الزواج نسختين ووضع يديه في يدها وعقد قرآنه عليها وهي تردد معه مُبتسمة بسعادة وخجل يستحوذ عليها وتوردت وجنتها ثم مضوا جميعاً على قسيمة الزواج النسختين ووضع قبلة علي جبينها بحنان وطويلة خائفاً من وقعه في فخ اليوم ولكنه يأمل آن ينتصر عليهم ويقبض على معتصم ويسترد حقه وحق كل من أجرم بحقهم، أخذه علي إلي الداخل بعد أن فعل ما يريده وسأله بهدوء:
- عملت اللي أنت عايزه، عملت كدة ليه وأنت عارف آنه جريمة مش كنت هديت وقولت هستني إيه اللي طلع الفكرة في دماغك تاني.
قصي له ماحدث، أتسعت عيناه بذهول علي مصراعيه وهتف بجدية وقلق قائلاً:
- يعني أنت عملت كدة عشان أنت عارف آن ممكن يجرالك حاجة، أنت غبي أنت ربط البت بيك طول عمرها.
- يمكن أكون أناني باللي عملت بس أناني وطماع فيها هي بس، علي الاقل لو جرالي حاجة هكون حققت حلمي وأتجوزت حبيبتي بعدها لو حبت تتجوز تاني هي حر متستكرش عليا أحقق حلم واحد
قالها إلياس بحزن عميق وخوف يستحوذ عليه، صمت على ولم يعقب عليه لا يدري ماذا يجب أن يقول له، وتحدث معه عن القضية والقبض على معتصم ثم خرجوا من الغرفة معاً نادها بهدوء:
- دموع.
جاءت له مُبتسمة أبتسامة مُشرقة وتوقفت أمامه، أربت على كتفها بحنان وهو يقول:
- أنا خارج مع علي هوصل للقسم شوية مش هتأخر.
أشارت إليه بنعم صافح أخته وذهب معه، توقف أمام باب الشقة وأستدار لها فنظرت عليه مُبتسمة وهي تلوح له بيدها فإبتسم لها وهو يلوح لها ثم ذهب تاركها خلفه بسعادة تغمرها بعد أن أصبحت زوجته وملكه...
ذرفت دموعها الحارة علي وجنتها بغزارة وهي تغير ملابسها لكي ترحل من المستشفى لم تعلم وقتها بأن هذا أخر لقاء لهم ولن تراه مجدداً، لم تعلم بأن سعادتها بزواجهما لم تتجاوز إلا ساعات قليل فقط، لم تدري بأن موافقتها على زواجهما كانت في الواقع موافقتها على وفأته فإذا علمت حينها لكانت رفضت الزواج وفرت هاربة منه، لم تصدق أن مر تسع سنوات حقاً بدونه ومازالت ذكرياته بداخلها وترأها وكأنها كانت معه أمس..،
ارتدت بنطلون جينز وتيشرت بنص كم وشعرها مرفوع للأعلي علي شكل ذيل حصان وخرجت من الغرفة بعد انتهاء يومها من العمل ونزلت الي جراچ السيارات وركبت سيارتها ثم نظرت لصورته المعلقة في سيارتها ودميتها الجالسة علي الكرسي المجاور التي أشتراها لها، هتفت بتهتكم وأرهاق مُحدثة دميتها:
- هنروح فين النهاردة، آنا من رأي نطلع البحر محتاجة أتكلم معه شوية، فعلاً آنا كمان رأي كدة أكيد حبيبي مستنيني هناك صح، يلا نروح له شكله واحشك أنت كمان مش أنا بس...
وضغطت علي زر التشغيل المحرك في السيارة وقادت وعادت ذكرياتها مجدداً وهي تراه أمامها وتزيد من سرعتها وهي تراه أمامها يقتل بدم بارد دون رحمة آو شفقة علي قلبها...
- إلياس أنت مجنون أنا وافقت علي أساس اني هروح معاك
قالها علي بتذمر شديد، فصرخ إلياس به وهو يمسكه من لياقة جاكيته قائلاً:
- ياغبي أفهم لو جرالي حاجة أنت موجود هسيب دموع في رقبتك وأمانة معاك لكن لو حصلك حاجة معايا أثير عمرها ما هستحمل صدمة اخوها وجوزها في وقت واحد...
وتركه وركب سيارته ذاهباً إلى حيث لايعلم ماذا ينتظره...
وقفت دموع في المطبخ تعد كيكة بمناسبة زواجها، رن هاتفها مُعلن عن أستلام رسالة ( إلياس أتصاب برصاصة وموجود في *** ) كان ذلك محتوى الرسالة وقع عليها كحجر ناري مٌشتعل، تركت ما بيدها وخرجت تركض كالمجنونة بخوف عليه وبدأت في البكاء، نزلت من العمارة ورأت علي قادم فتحت باب السيارة وركبت بجواره بسرعة وأعطته الهاتف، كان سيجن إلى أين ذهب ولم يخبره بالعنوان أخبرها أن تنزل وسيذهب هو ورفضت بشدة وخوف علي حبيبها...
وصل إلياس إلي شقة علي النيل ( عوامة ) وترجل من سيارته ونزل ووجد سعيد بأنتظاره، سأله بفضول:
- هو فين ؟؟.
أردف سعيد بمكر قائلاً:
- جوا قاعد في عوامة بأسمي عشان متوصلوش، جبت العقد.
- جبته بس مش غريبة أنك توطيان معه كدة ده أنت دراعه اليمين في كل البلاوي دي
قالها إلياس بأستفزاز، ضحك سعيد عليه وهو يفتح الباب ثم قال وهو يدخل:
- معتصم بيه أصله وقع خلاص مفيش فائدة من مساندته يبقى أضمن حقي، أتفضل.
دلف إلياس وهو يضع يده بسرية على خصره فوق مسدسه وينظر حوله، خرج معتصم من الداخل له ومعه رجلين من الحراس وهتف بغضب شديد:
- نورت يا سيادة الرائد أول مرة أعرف أنك بالغباء ده لدرجة أنك تصدق أن دراعي اليمين يتفق معاك عليا، تصدق ياخي كل مدى بتثبتلي أنك أغبى إنسان وأن الداخلية بتاعتكم غبية.
- وليه متقولش أنه ثقة بالنفس وبالداخلية بتاعتنا أننا هنجيبك هنجيبك، شوف ياخي زي ما وعدتك محدش هلف حبل المنشقة حوالينا رقبتك غيري، آنا مراعي ظروف ياحرام هربان المدام سابتك وخلعت ههههههه تصدق يأخي عمري ما شوفت واحدة واطية مطمرش فيها العيش والملح والعشرة والولاد زي مراتك أول ما قولتلها عايز أقبض على جوزك قدمتك ليا على طبق من ذهب، بصراحة انت طلعت فشل في كل حاجة حتى في أختيار مراتك فاشل فيها.
سأله معتصم بصدمة من حديثه والغضب يلتهمه:
- مراتي.
قهقه إلياس من الضحك ساخراً بأستفزاز أكبر ثم هتف ببرود مُستفز:
- آمال مراتي، فكر بالعمل آنا دخلت شركتك أزاي من غير ما أكسر ولا باب ماهو ببطاقة دخولك آللي مراتك سرقتها وجابتهالي، فتحت أزاي الأجهزة ودخلت على صفقات المشبوه زيك ماهو بالباسورد بتاعك وبرضو المدام آللي أدتهولي، بلاش كل ده لا مؤاخذة يعني تليفونك كان فين لما الأمن اتصلوا بيك يقولولك آن حد دخل الشركة وسرب المعلومات مش كنت في حضن الأم لا مؤاخذة، طب فكر بالعقل كدة اشمعنا سافرت في اليوم ده بالذات ومين آللي سفرها من غير ما المطار يتصل بيك يقولك آن في حجز بأسمها أنا اللي سفرتها، طب أزاي محستش بها وهي بتهرب من بيتك اقولك واوفر عليك عشان الزوجة العزيزة الأصلية حطتلك منوم في العصير آللي طفحته، شوفت به آن اللي لف حبل المنشقة حوالينا رقبتك هي المدام بالاتفاق معايا...
سمع حديثه وهو يكاد سجن وفقد أعصابه وأنقض عليه معتصم يلكمه بغضب وبدأ العراك بينهما...
وصلت دموع و على إلى المكان وظلت تبحث حولها عنه بخوف وهي تبكي، رأت رجلان يلكموا بقوة ويدفعوه لبعضهما البعض أسرعت في نزول الدرج مع علي لكن أوقفها مكانها حين أطلق معتصم عليه النار في قلبه كادت أن تصرخ لكن منعها على وهو يضع يده علي فمها، رأها وهي تقف بعيداً معه وهو يكتم فمها وينظر عليه، قاومت علي ودفعته وركضت خطوتين نحوه أشار إليها بلا بهدوء حتى لا يراها معتصم ورجاله، نظرته لها ورفضه بقدومها أوقف قدمها عن الحركة وشعرت بشلل رهيب في جسدها لا تستطيع الأقتراب منه ودموعها تذرف بغزارة كالسيول دون توقف وهي تكتم صوتها..،
شعر بضيق تنفست وتلقى رصاصة أخر في صدره أسقطت جسده في النيل قتيل شهيد عاش يدافع عن الحق ويسترد الفساد حتى ألقي حتفه، مسكها على قبل أن تركض وعاد بها لسيارته وهي تصرخ به وتضربه على صدره بقوة تقاوم تريد الذهاب لحبيبها، أدخلها السيارة وأغلقها عليها بالداخل، وصلت سيارات الشرطة ودخل على والعساكر وقبض عليهم جميعاً، ركض على وقفز في النيل ومعه بعض الغواصين يبحثوا عنه وبعد ساعتين من البحث وصل حبيب وأسرته بعد تلقي الخبر، فتحت أثير لها السيارة وهي في حالة يرثى بها أمام عيناها صورته وهو يلتقي برصاصة تمزج قلبه والأخرى تقضي عليه، أسرعت الي تلك وقدمها لا تستطيع الركض وتسقط في الأرض أكثر من مرة، رأتهم يصعدوا بجسده فزدات شهقاتها وخرجت صرخة قوية مؤلمة من أعماق قلبها الذي قتل معه، وركضت نحوهم ومسكت يده بأيادي مرتجفة تناديه بصوت مبحوح يكاد يخرج منها:
- عـــ.. مــ... ــه.
وضع سائق الأسعاف الغطاء على وجهه يُعلن عن وفأته ولم تعد تشعر بشئ حولها فسقطت فاقدة للوعي في صدمة لم تتحملها...