رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الثامن والأربعون
ترجلت تهاني من الحافلة وهي لا تدري كيف وصلت إلى قصر عائلة الجندي..
ولكن كان تفكيرها منصب على رؤية ابنها، وإستعادته مرة أخرى خاصة بعد أن أنكر وجودها..
فرفضه هذا كان بمثابة خنجر مسموم طعنها – بلا رحمة – في قلبها.. لذا لم يعد لديها ما تخسره، فإتجهت على الفور إلى المكان القاطن به..
هرولت راكضة في إتجاه البوابة الرئيسية، ووجهها متلهف لرؤيته..
كانت عينيها حمراوتان، وأعصابها مشدودة للغاية..
رأها الحارس جمال وهي تتجه نحوه، فتأهب في مكانه، وسألها بصوت مرتفع ب:
-جاية هنا ليه يا ست؟ برضوه تايهة ؟!
لم تجبه تهاني، بل أكملت طريقها للدخول، فهب من مكانه، وأوقفها عنوة قائلاً بخشونة:
-رايحة فين يا ست إنتي
هدرت به قائلة بصوت منفعل وهي تحاول المرور:
-وسع يا بني خليني أخش
نظر لها شزراً، وأردف قائلاً بتهكم:
-هي وكالة من غير بواب ؟ ارجعي لورا.
صرخت فيه بإنفعال وهي تلوح بيدها:
-مش هامشي من هنا إلا لما أشوف ابني
نهرها بصوت حاد وهو يفرد ذراعيه أمامها ليسد عليها الطريق:
-روحي دوري عليه في حتة تانية، يالا اتمشي
تحركت بلا وعي للجانبين محاولة إختراق جسده الضخم الذي يحول بينها وبين الدلوف للداخل قائلة بعصبية:
-اوعى، أنا عاوزة أشوف ابني !
ثم صاحت بصوت مرتفع وغاضب وهي تشرأب بعنقها للأعلى:
-يا أوس.. أنا أمك يا أوس !
رمقها بنظراته المستهزأة قبل أن يصيح بصوت قوي:
-أوس مين يا ست إنتي، انتي مجنونة ولا إيه ؟!
هتفت بصوتها المتشنج وهي تحاول دفعه:
-أنا مش مجنونة، أنا أمه الحقيقية، وسع من السكة !
حذرها جمال قائلاً بصوت متصلب وهو يحدجها بنظرات جافة:
-لو مامشتيش من هنا، هاتترمي برا
هزت رأسها بإعتراض وهي تشيح بيديها أمامه:
-لألألأ.. مش ماشية.
لم يلتفت لها جمال بل صاح بصوت جهوري لرفاقه قائلاً:
-ارموا الست بعيد عن هنا، مش ناقصين قرف ولا وجع دماغ !
وبالفعل تجمع حولها بقية أفراد الحراسة، ودفعوها للخلف دفعاً، فسقطت على ظهرها، وعافرت للنهوض، ولكنهم سحبوها بعيداً عن البوابة، وألقوا بها على جانب الطريق.. فعجزت عن النهوض بعد أن إلتوت قدمها..
وظلت تبكي بحرقة قائلة بحسرة:
-حرام عليكم ليه بتحرموني من ولادي، آآآآه !
في منزل أوس الجديد
نفث أوس دخان سيجارته وهو جالس في غرفة المكتب ممدداً لساقيه على الطاولة القصيرة الموضوعة أمام الأريكة الواسعة..
نظر هو في شاشة هاتفه المحمول، و ضغط على زر الإتصال بعدي.. ومن ثم وضع الهاتف على أذنه..
بعد أقل من ثوانٍ، أجابه عدي قائلاً بصوت هاديء:
-ايوه يا أوس
سأله أوس بهدوء عجيب وهو يزفر دخان السيجارة:
-ايه الأخبار ؟
رد عليه عدي بنبرة حزينة ب:
-حالة ليان وحشة أوي، وهاتتنقل من بكرة للمستشفى
-مممم..
ثم تابع قائلاً بضيق:
-الموضوع ماينفش يتسكت عليه لأنها هاتكرر المحاولة تاني
سأله أوس بإهتمام وهو ينزل ساقيه للأسفل:
-عفاف عندك ؟
أجابه عدي بنبرة عادية ب:
-اها.. هي أعدة معاها في الأوضة
رد عليه الأخير بإيجاز ب:
-تمام
تسائل عدي بنبرة مهتمة ب:
-وإنت عملت إيه ؟
أخذ أوس نفساً عميقاً، وزفره على مهل، ثم أجابه بصوت جاد:
-جبت مراتي
بدى عدي مندهشاً وهو يردف قائلاً:
-هاه، على طول كده
رد عليه أوس بتسائل متعجب وهو يحك طرف ذقنه:
-وإيه اللي يخليني أستنى ؟
أجابه هو بنبرة شبه جادة قائلاً:
-يعني، على اعتبار إن آآآ..
قاطعه أوس بنبرة متصلبة وهو ينفض بقايا سيجارته:
-أنا خدت القرار ونفذته !
أكمل عدي تساؤلاته المهتمة ب:
-أها، على الشقة إياها ؟
رد عليه أوس بنبرة جامدة وهو قاطب الجبين:
-لأ طبعاً، المكان ده إنساه، أنا جبت بيت تاني
تنهد عدي بإرتياح قائلاً:
-كده أفضل برضوه !
ثم صمت للحظة قبل أن يسأله بإهتمام:
- اومال مالك ؟ صوتك بيقول إنك مضايق ؟!
رد عليه أوس بفتور وهو يفرك عينيه المنهكتين:
-عادي
ابتلع عدي ريقه وهو يسأله مستفهماً ب:
-هو.. هو في حاجة حصلت وإنت مش عاوز تقول ؟
أجابه أوس بإيجاز وهو يمسح على رأسه:
-لأ..
-أوكي
أضاف أوس قائلاً بنبرة عادية وهو ينتصب في جلسته:
-المهم، ابقى طمني على ليان
-حاضر !
ثم أكمل قائلاً بجدية شديدة وهو محدق أمامه:
-أه، ويا ريت أما عفاف تخلص عندك تخليها تكلمني، عاوزها
رد عليه عدي بنبرة هادئة ب:
-ماشي
لوى أوس فمه وهو يضيف بإقتضاب:
-يالا، سلام !
ثم ألقى هاتفه على الطاولة بعد أن أنهى المكالمة، وتمطع بذراعيه في إنهاك، وحدث نفسه قائلاً بصوت مرهق:
-المشوار معاها لسه في أوله يا أوس ! اجمد عشانها !
صف مهاب سيارته بالقرب من البناية التي يقطن بها ممدوح، وأطفأ أضوائها، وظل يراقب المدخل لبرهة ليتأكد من خلوه من حارسه، ومن السكان..
ثم ترجل من السيارة، وبحذر شديد سار في إتجاهه، ودلف إلى الداخل وهو يتلفت حوله بريبة إلى أن وصل إلى المصعد، فإستقله على عجالة..
بعد عدة دقائق كان مهاب يقف أمام باب منزله، ثم دس يده في جيب سترته، وأخر المفتاح منها، ووضعه في موضعه، وتسلل إلى الداخل دون أن يصدر أي صوت..
كان الظلام دامساً بالمنزل.. ولم يردْ هو أن يضيء الإضاءة حتى لا يثير الشبهات، أو يلفت الأنظار إليه إن كان ممدوح متواجداً بالداخل..
ولكن الهدوء الشديد المسيطر على الأجواء دفعه للشعور بالإطمئنان والتأكد من خلو المنزل من أي أحد..
تنهد في إرتياح، ثم سار على أطراف أصابعه في إتجاه غرفة النوم التي عرف الطريق إليها من وصف زوجته الخائنة..
كان مستشاطاً من الغضب وهو يتخيلها في أحضان عشيقها، يبادلها القبلات الحارة والمشاعر المستثارة وهي تستجيب له بكل فجور..
كز على أسنانه محدثاً نفسه بغل ب:
-أه يا بنت ال ***، كنتي مقضياها، وأنا نايم على وداني !
ولكنه جاهد ليقنع نفسه بالتحكم في أعصابه، والتصرف بهدوء، فالوقت ليس وقت العتاب أو اللوم.. فقد جاء في مهمة، وعليه أن يركز كل تفكيره عليها حتى ينتهي ممن يشكل تهديداً عليه، وللأبد..
دلف مهاب إلى داخل غرفة النوم بعد أن تأكد من خلوها، وتأمل محتوياتها بنظرات محتقنة.. وسلط أنظاره على الفراش، وبرزت عروقه الغاضبة من عنقه وقبضتي يده..
زفر بعصبية وهو يحاول التنفس بعمق للسيطرة على نفسه..
ثم فرك وجهه بضيق، وأردف قائلاً بشراسة:
-خيانتكم إنتو الاتنين مايغسلهاش إلا الدم ! وهيتحاسب كل واحد فيكم على جريمته القذرة !
جاب مهاب بعينيه الغرفة، وقرر أن يفتش كل ركن فيها، باحثاً عن أي شيء يخص ماضيه..
وبالفعل بحث بحذر في كل مكان متوقع أن يضع فيه ممدوح ما يتعلق به..
ولكنه لم يجد أي شيء..
ثم إلتفت برأسه ناحية خزانة الملابس، وسار في إتجاهها، وفتح ضلفتها، واختطف نظرة سريعة في محتوياتها، ووقعت عينيه على الصندوق القديم.. فضيق عينيه في تعجب، ولم يترك لنفسه الفرصة في التفكير، حيث مد ذراعيه ليلتقطه، ثم إستدار ناحية الفراش، وأسنده عليه، وقام بفتحه والعبث في محتوياته..
إرتسم على وجهه علامات الصدمة حينما رأى صوراً فوتغرافية تخص تهاني، وكذلك بعض الأوراق القديمة التي لها صلة به.. فجمعها سريعاً وطواها، ودسها في جيبه، ثم أعاد غلق الصندوق، ووضعه في مكانه..
في نفس التوقيت، وصل ممدوح إلى مدخل البناية وهو يلف ذراعه حول رحمة، فقابل حارس البناية في طريقه، فرمقهما الأخير بنظرات متأففة، ولم يعقبْ..
لوى ممدوح فمه، وأردف قائلاً بتثاقل وهو ينظر إليه بإستعلاء:
-في أورد عشا جاي بإسمي كمان شوية، تطلعهولي على طول، سامع
ثم ألقى في وجهه حفنة من النقود الورقية..
رد عليه الحارس بإنزعاج وهو ينظر إلى من معه بإحتقار بعد أن جمع النقود:
-حاضر يا بيه !
إبتسمت رحمة إلى ممدوح، وهمست قائلة بعبث:
-إديله بقشيش يا باشا، ده برضك راجل شقيان !
هز رأسه موافقاً وهو يبادلها إبتسامة خبيثة قائلاً:
-هو برضوه !
أشاحت بوجهها للجانب في خجل مصطنع، وأجابته بخفوت ناعم:
-الله بقى، ماتكسفنيش !
ضغط ممدوح على كتفها، وهتف قائلاً بجموح:
-طب يالا بينا
ردت عليه بدلال وهي تسير معه:
-أوكي يا باشا
تابعهما حارس البناية بنظرات ساخطة إلى أن اختفيا عن أنظاره، فأردف قائلاً بصوت قاتم:
-استغفر الله العظيم يا رب، عالم ****
حاول مهاب أن ينتهي من تفتيش بقية غرف المنزل في أقل وقت ممكن، ولكنه سمع صوت همهمات خارجية تصدح في الرواق أمام باب المنزل.. فإتسعت مقلتيه في ذعر، وإرتبك بشدة، ونظر حوله بتوتر..
ابتلع ريقه بقلق، وركض في إتجاه أقرب مكان يختبيء به حينما سمع صوت المفتاح يدور في موضعه بالباب.. فلم يجد سوى المطبخ ليتوارى فيه..
تمايلت رحمة بجسدها بميوعة مغرية وهي تدلف إلى المنزل لتثير غرائز ممدوح أكثر، ثم إستدارت برأسها نحوه، وهمست بنعومة:
-هاخش أغير هدومي جوا يا باشا.
مسح على شفته العليا بطرف لسانه، ورد عليها قائلاً:
-ماشي يا حلوة
ثم نظرت له بلؤم وهي تتابع بصوت أنثوي مغري:
-هتاخد دش يا باشا قبل ما آآ..
لم تكمل رحمة عبارتها حيث أطلقت ضحكة عالية مائعة..
فنظر هو لها بإشتهاء، وأجابها بعبث:
-وماله، حتى أطفي النار اللي جوايا شوية قبل ما تجربي ممدوح الحقيقي.
مطت شفتيها في إعجاب، واجابته بتسلية:
-مممم.. باين عليك جامد يا باشا
تقوس فمه قليلاً وهو يجيبها بنبرة متغطرسة:
-إنتي لسه متعرفنيش، وشوية وهتجربي !
ردت عليه بحماس وهي تهز خصرها:
-وماله يا باشا، أموت أنا في أي حاجة !
ثم تغنجت في مشيتها لترفع من درجة إثارته..
إبتسم هو بشراسة، وحدث نفسه بثقة ب:
-يا ريتك بس تجمدي للأخر معايا !
نزع ممدوح قميصه بعد أن ألقى بسترته على أرضية الغرفة، ثم ولج إلى داخل المرحاض..
أسرعت رحمة بتبديل فستانها القصير بقميص نوم عاري وشفاف من اللون الأسود.. ثم ألقت بجسدها المغري على الفراش، وثنيت إحدى ساقيها لتبرز مفاتنها الداخلية، ووضعت يدها عند رأسها لتعبث بخصلات شعرها، ثم همست قائلة بتفاخر:
-وربنا يا باشا لأنسيك أي حاجة مكدراك، ده أنا ريري !
في نفس التوقيت تسلل مهاب بحذر إلى خارج المطبخ وهو يحمل سكيناً حاداً في يده بعد أن طرأ بعقله فكرة شيطانية ستمكنه من التخلص من ممدوح نهائياً دون أن يثير الشبهات نحوه..
تململت رحمة في الفراش، وظلت تهز جسدها بتوتر، ثم أدارت ظهرها للجانب لتمد يدها نحو الريموت الموضوع على الكومود، ومن ثم وجهته نحو شاشة التلفاز العريضة، وهتفت قائلة بصوت مرتفع:
-هاسمعك يا باشا شوية أغاني هاتعجبك
ثم عبثت بالمحطات الفضائية إلى أن وجدت محطة ما تبث أغاني خليعة، فتركتها على الفور، ورفعت درجة الصوت، وإبتسمت في زهو، وهي ترى نفسها كموديل راقص من ضمن المشاركات في الكليب الغنائي المعروض..
مد يدها دون إكتراث لتضع الريموت على الكومود مرة أخرى، ولكنه سقط سهواً على الأرضية، وإنتزع غطائه، فلفت جسدها للجانب، ونامت على بطنها، ومدت يدها محاولة إلتقاطه، وجمعه بغطائه..
استغل مهاب الفرصة، وإختلس النظرات لداخل الغرفة، فوجد تلك العاهرة مولياه ظهرها، فتحرك بخفة ودون تردد، ثم سحب الوسادة من جوارها، ووضعها على رأسها ليكتم أنفاسها بقبضة يده ويمنعها من الصراخ، وباليد الأخرى قام برفعها عالياً ليهوى بها على ظهرها، وطعنها عدة طعنات نافذة في مواضع قاتلة أودت بحياتها على الفور..
ثم ترك السكين مغروزاً في ظهرها.. وأخرج منشفة ورقية من جيبه، ومسح بها بصماته المطبوعة على يد السكين..
ثم نهض عن الفراش، وركض سريعاً خارج الغرفة، ومن ثم نحو باب المنزل، وتركه مفتوحاً.. ومنه إتجه إلى السلم الجانبي لينزله ركضاً ليهرب من البناية قبل أن يكتشف أمره أي شخص...
إنزعج ممدوح من صوت الأغاني الصاخب، وزفر في ضيق، ولم يكمل إستحمامه، ولف خصره بمنشفة قطنية، ثم خرج من المرحاض وهو يصيح بغضب:
-وطي الصوت شوية !
ثم إتسعت مقلتيه في رعب، وفغر فمه مذعوراً حينما رأى الدماء تغرق فراشه، وسكيناً حاداً يبرز من ظهر غانيته..
اقترب منها وهو يهتف بتلهف:
-ريري، ريري !
لم تجب عليه، ولم يستطع لمسها..
و تأمل منظرها المفزع بنظرات هلعة للغاية، وتراجع للخلف وجسده يرتجف بشدة..
إمتزجت حبات عرقه بقطرات المياه المتساقطة منه.. وبدى شاحباً وهو يحاول استنباط ما حدث قبل لحظات..
في نفس التوقيت، وقف حارس البناية أمام باب منزله وهو يحمل علب الطعام الجاهز في يده..
قطب جبينه في إستغراب وهو يرى الباب مفتوحاً..
رفع حاجبه في تعجب، وحدث نفسه قائلاً:
-هو مش قافل الباب ليه !
بحذر شديد دفع بقدمه الباب، وصاح بصوت شبه عالي:
-يا باشا، الأكل جه، أحطه فين ؟
لم يستمع حارس البناية إلا لصوت الموسيقى الصاخبة، فهتف بنبرة أعلى:
-يا باشا، الأكل وصل، أسيبه هنا، ولأ أحطه في المطبخ
ثم ضيق عينيه حينما رأى ممدوح يلج للخارج ووجهه غريباً ونظرات الذعر تسيطر عليه..
ثم دقق النظر في منشفته التي إصطبغت بلون أحمر، وسأله بتوجس:
-هو في ايه يا باشا ؟
تلعثم صوت ممدوح وهو يجيبه بخوف وهو يشير بيده:
-ر.. ر.. ريري !
إزداد إنعقاد ما بين حاجبي الحارس في حيرة، وترك الطعام على الطاولة القريبة، وسار إلى حيث أشار ممدوح وهو يتسائل بفضول:
-ماله الباشا !
جحظت بعينيه مرعوباً حينما لمح ذلك السكين يبرز من ظهر الفتاة شبه العارية وهو يقف على عتبة الغرفة، وصرخ بصدمة:
-يا سنة سوخة يا ولاد، قتييييييل، قتييييل !
ثم ركض خارج الغرفة ومنها إلى خارج المنزل وهو يتابع الصراخ بصوت مخيف:
-قتييييل في بيت الضاكتور، قتيييييل يا خلق هووو...!